'' الشرط الجزائي في العقود التجارية الدولية''
المقدمة:
إذا كانت العقود تبرم لتنفذ في الأصل تنفيذا عينيا , فلا يعني هذا بالضرورة أن يتم التنفيذ على الوجه الذي يرضي جميع الأطراف فقد يمتنع أحد الأطراف عن عدم تنفيذ التزامه العقدي أو قد يتسبب بخطئه في ذلك مما يؤدي إلى عرقلة السير الحسن للعقد , فإذا ترتب على عدم التنفيذ أو التأخر في التنفيذ ضررا للطرف الآخر التزم من كان سببا في ذلك بتعويضه مكان التنفيذ العيني للالتزام و هذا ما يصطلح عليه بالتنفيذ بطريق التعويض , و في هذا الإطار نجد ثلاثة طرق لتقدير التعويض هذا التعويض :
· التعويض القانوني (الفوائد).
· التعويض القضائي.
· التعويض الإتفاقي (الشرط الجزائي).
و إذا كانت الطريقة الأولى قانونية و الثانية قضائية فإن الطريقة الثالثة مستوحاة من إرادة الأطراف و بعبارة أدق من إرادة المتعاقدين , يلجأ المتعاقدون لإدراجها كوسيلة فنية، لضمان تنفيذ العقود ، وذلك ضمانا للتنفيذ المتبادل للالتزامات و عدم وقوع نزاعات مستقبلية فيقومون بتقدير مسبق للتعويض ومن هنا تبرز أهمية إدراج مثل هذه الشروط فيتجنبون بها اللجوء إلى القضاء وما يستتبع ذلك من مصاريف قضائية و طول الإجراءات هذا ما دفعنا إلى القول أن هذا الشرط أصله اتفاقي.
إلا أن المشرع الجزائري كنظيره الفرنسي الذي تنبه لهذه النقطة سمح للأفراد بإدراج شرط في العقد يقدر من خلاله التعويض في حالة إخلال أحد المتعاقدين بالتزاماته التعاقدية , وقد تعدت هذه التقنية مجال القانون الداخلي و ارتقت لتصل إلى غاية العقود الدولية و خاصة التجارية منها.
ففيما يتمثل هذا الشرط يا ترى؟
و ما هي شروط اس تحقاقه؟ و هل للقاضي سلطة الرقابة على صحة و تقدير هذا الشرط؟
مبحث تمهيدي : تعريف الشرط الجزائي
قبل أن نبين أنواع الشرط الجزائي وخصائصه يستوجب علينا أولا أن نعطي فكرة واضحة عن هذا النظام وذلك بتعريفه انطلاقا من التعريف القانوني وإنتهاءا بالتعريف الفقهي.
الفرع الأول : التعريف القانوني.
ونقصد بالتعريف القانوني ذلك التعريف الذي يعطيه المشرع للنظام القانوني الذي يفرضه على الأفراد فقد عرفه على سبيل المثال المشرع الفرنسي في مادتين ، المادة 1126 والتي تنص : " الشرط الجزائي هو الشرط الذي بموجبه يتعهد أحد الأشخاص ضمانا لتنفيذ اتفاق بتقديم شيء في حالة عدم التنفيذ "، أما المادة 1229: " ت ع ويض الدائن عن الأضرار التي تلحقه من جراء عدم تنفيذ الالتزام الأصلي " غير أن التعريف الأول يعتبر عام وناقص إذ اقتصر على عدم التنفيذ وأما الثاني فقد لقي معارضة شديدة من قبل الفقهاء اللذين يعتبرون الشرط الجزائي تقوية .
وما يمكن ملاحظته أن المشرع الفرنسي بإعطائه هذا التعريف المزدوج قد فتح مجال الخلاف أمام الفقه حول الطبيعة القانونية لهذا الشرط.
وحسنا فعل المشرع الجزائري الذي لم يعرف الشرط الجزائي بل اكتفى بتأكيد مشروعيته في المادة 183 وبيان أحكامه في المواد 184 و 185 ق.م.
الفرع الثاني : التعريف الفقهي.
عرفه الأستاذ أنور سلطان بأنه : اتفاق يقدر فيه المتعاقدان سلفا التعويض الذي يستحقه الدائن إذا لم ينفذ المدين التزامه أو تأخر في تنفيذه.
وعرفه الأستاذ TOULLIER بأنه : ذلك الشرط الذي يفرض على الشخص ضرورة أداء مبلغ أو شيء كجزاء لعدم قيامه بتنفيذ التزامه أو لتأخره في تنفيذه.
الهدف من الشرط الجزائي : هو تجنب المتعاقدين من اللجوء إلى القضاء وتفادي النزاع الذي يثور بشأن إثبات الضرر.
المبحث الأول : خصائصه و أنواعه و طبيعته القانونية
المطلب الأول : خصائص الشرط الجزائي وتمييزه عما يشابهه.
الفرع الأول: خصائص الشرط الجزائي
يتميز الشرط الجزائي بخصائص استخلصها الفقه من الوظيفة التي يقوم بها.
أولا : الشرط الجزائي اتفاق.
وهذا ما نصت عليه المادة 183: " يجوز للمتعاقدين أن يحددا مقدما قيمة التعويض بالنص عليها في العقد أو في اتفاق لاحق...".
فلا يمكن تصور شرط جزائي مصدره القانون وتتجلى الإدارة كمصدر للإلتزام في شكلين هما العقد و الإرادة المنفردة.
· الشرط الجزائي العقدي: وله صورتين إما:
1- أن يدرج في العقد الأصلي.
2- أن يوضع في اتفاق لاحق: فليس من الضروري وجوب وضع الشرط الجزائي ضمن العقد الأصلي إذ انه قد يكون الشرط الجزائي في اتفاق لاحق للعقد و لكن بشرط ان يكون هذا الاتفاق اللاحق قبل وقوع الضرر الذي يقدر الشرط الجزائي التعويض عنه .
· الشرط الجزائي الصادر بإرادة منفردة: ويمكن تصور قيامه في حالتين:
1- الشرط الجزائي المدرج في الإيجاب:
قد يصدر الموجب إيجابا وضمنه شرطا جزائيا لعدوله ويجب هنا التفرقة بين حالتين:
- إذا كان الإيجاب لا يتضمن أجلا للقبول فيمكن للموجب العدول في أي وقت.
- إذا تضمن الإيجاب أجلا لصدور القبول فلا يمكن للموجب العدول عم إيجابه قبل الأجل.
2- الشرط الجزائي المدرج في إيجاب موجه للجمهور.
ثانيا : الشرط الجزائي تقدير جزائي للتعويض:
لقد مر بنا الشرط الجزائي اتفاق مسبق على تقدير التعويض حيث أن الأطراف بإرادتهم يحددون بصفة مسبقة المبلغ الذي يدفعه المدين في حالة إخلاله بإلتزامه أو عند تأخره في تنفيذه، فهو إذن تقدير جزافي للتعويض كما يرى ذلك الأستاذ جاكوميته في قوله: " إن الشرط الجزائي باعتباره تسوية اتفاقية يحدد بصفة مسبقة وجزافية قيمة التعويض "، ويترتب على كون الشرط الجزائي تقديرا جزافيا للتعويض أنه يمكن للقاضي أن يعدل في هذا التقدير زيادة أو نقصانا وذلك لكي يتناسب الحجم الحقيقي للتعويض
تالتا : الشرط الجزائي طريق إحتياطي:
إن المبدأ العام الذي يقتضي بأن الأصل في التنفيذ أن يكون عينيا ولا يحكم بالتعويض إلا في حالة استحالة التنفيذ أو التأخر وهو الذي يطبق على الشرط الجزائي وذلك باعتباره تعويضا ومن هنا تبرز الصفة الاحتياطية للشرط الجزائي فباعتباره تعويض لا يجوز المطالبة به أو إعماله إلا إذا كان التنفيذ العيني للالتزام غير ممكن ويبرز الطابع الاحتياطي بصورة أكثر وضوحا في حالة ما إذا كان التنفيذ العيني ممكنا إذ لا يمكن للدائن عندئذ أن يجمع بين التنفيذ العيني والشرط الجزائي إلا إذا مقرر للتأخير في التنفيذ فالأصل العام هو المطالبة بالتنفيذ العيني أولا فإذا كان غير ممكن ( الاستحالة ) جاز المطالبة بالشرط الجزائي غير أن المشرع الألماني خرج عن هذه القاعدة وأجاز المطالبة بالشرط الجزائي حتى ولو كان التنفيذ العيني ممكنا ولكن يجب عليه أن يتنازل عن التنفيذ العيني ( م 340 ق م أ ).
ومن المتفق عليه أن الشرط الجزائي المقرر لعدم التنفيذ لا يحول دون مطالبة الدائن بالتنفيذ العيني للالتزام الأصلي فله أن يختار بين هذا وذاك.
ويرى بعض الفقهاء أنه مستمد من القواعد العامة حيث يمكن للدائن أن يطالبه بدلا من التعويض بتنفيذ الالتزام عينا. في حين يرى البعض الآخر أن هذا الحق ينتج عن الطبيعة القانونية للشرط الجزائي، حيث لو لم يتقرر هذا الحق للدائن واستحق الشرط الجزائي عقد عدم التنفيذ لكنا بصدد تجديد الالتزام الأصلي عينا والشرط الجزائي، يتبين لنا بكل وضوح أن هناك التزامين أحدهما أصلي يرد عليه التنفيذ العيني والآخر تبعي يكتفي به الدائن إذا لم ينفذ الالتزام الأصلي.
رابعا: الشرط الجزائي التزام تابع :
الشرط الجزائي اتفاق غايته تقدير التعويض الذي يستحقه الدائن في حالة عدم تنفيذ المدين التزامه أو تأخره في ذلك إذن فالشرط الجزائي التزام تابع للإلتزام الأصلي لا يكون له وجود بدونه ولا بقاء بعده وعلى هذا الأساس يبطل الشرط الجزائي إذا كان الإلتزام الأصلي باطلا وإن كان بطلان الشرط الجزائي لا يؤدي إلى بطلان الإلتزام الأصلي.
فالملتزم بالعقد أو الملتزم بمصدر من المصادر الأخرى من مصادر الالتزام ، كان يلتزم بنقل ملكية أو بعمل أو بالامتناع عن عمل فإذا اتفق الطرف الآخر على مبلغ معين بقدر أن به التعويض فيما إذا أخل من عليه الالتزام بإلتزامه يترتب عليه:
1- أن العبرة بالالتزام لا بالشرط الجزائي.
2- أن بطلان الالتزام الأصلي يستتبع بطلان الشرط الجزائي دون العكس.
فصاحب الشرط يطالب المشروط عليه بالتنفيذ لما إلتزم به أولا و لا يجوز له أن يطالب بالشرط الجزائي أولا، لأن الشرط الجزائي تعويض، وكذا المشروط عليه ليس له إلا العمل على تنفيذ ما ألتزم به، ولا يجوز أن يعدل من تنفيذ التزامه – إذا كان ممكن –إلى الشرط الجزائي، لأن الشرط الجزائي ليس بديلا للالتزام الأولي، بل هو تعويض فيما إذا صار الالتزام الأصلي مستحيلا بخطأ المشروط عليه وحصل ضرر من جراء الخطأ تكفل الشرط الجزائي بتقديره، وإذا بطل الشرط الجزائي فلا مبرر لبطلان العقد كما إذا اشترط المرتهن أنه عند عدم سداد الدين يكون الرهن ملكا له ، فيبطل الشرط دون الرهن.
إذا فما يميز الشرط الجزائي بأنه ليس هو السبب في استحقاق التعويض، فلا يتولد عنه التزام اصلي بالتعويض ولكن يتولد عبه التزام تبعي بتقدير التعويض بمبلغ معين.
الفرع الثاني : تمييز الشرط الجزائي عما يشتبه به من أوضاع.
أولا : تمييز الشرط الجزائي عن العربون:
إذا كانت دلالة العربون هي جواز العدول عن العقد فإنه يجوز لكل من المتعاقدين أن يرجع في العقد بعد إبرامه لقاء دفع مبلغ العربون، فيشتبه العربون بالشرط الجزائي، وقد يحمل على أنه شرط جزائي لتقدير التعويض في حالة العدول عن العقد.
ولكن الفرق الكبير بين العربون و الشرط الجزائي يظهر من الوجوه التالية:
1- العربون هو المقابل لحق العدول عن العقد، فمن أراد من المتعاقدين أن يعدل في العقد كان له ذلك في مقابل دفع العربون، أما الشرط الجزائي فتقدير لتعويض عن ضرر قد وقع ويترتب على ذلك أن الالتزام بدفع العربون قائم حتى لو لم يترتب على العدول عن العقد أي ضرر أما الشرط الجزائي فلا يستحق إلا إذا وقع ضرر للدائن.
2- العربون لا يجوز تخفيضه، سواء كان الضرر الذي أصاب المتعاقد الآخر من جراء العدول عن العقد مناسبا للعربون أو غير مناسب، بل أنه يجب دفع مبلغ العربون كما هو حتى ولو لم يلحق هذا الطرف الآخر أي ضرر من العدول عن العقد، اما الشرط الجزائي فيجوز تخفيضه حتى يتناسب مع الضرر.
3 - يمكن تكييف العربون بأنه البدل في التزام بدلي، ففي البيع مع العربون مثلا يلتزم المشتري التزاما أصليا بدفع الثمن في مقابل أخذ المبيع، وله إذا شاء أن يعدل عن هذا المحل الأصلي – دفع الثمن في مقابل أخذ المبيع –إلى محل بدلي هو دفع مبلغ العربون في غير مقابل. أما الشرط الجزائي فتكييفه القانوني هو تكييف التعويض كما قدمنا: لا هو إلتزام تخييري ولا هو إلتزام بدلي ومن ثم لا يكون المدين حرا .
بخلاف المشتري فلا يمكن له العدول عن تنفيذ إلتزامه الأصلي إذا كان هذا التنفيذ ممكنا إلى تنفيذ الشرط الجزائي، بل يتعين عليه أن يقوم بتنفيذ إلتزامه الأصلي إذا طلب إليه الدائن ذلك.
ثانيا : تمييز الشرط الجزائي عن التهديد المالي (الغرامة التهديدية)
ان التهديد المالي هو حكم قضائي على الملتزم المتعنت من تنفيذ التزامه أو تأخيره، فهو عقوبة من قبل المحكمة. ولكن يمكن لأحد المتعاقدين ان يجعل الشرط الجزائي مبالغا فيه كثيرا بحيث ينطوي في الواقع على عقوبة فرضها الدائن على المدين. وعلى هذا الذي تقدم يوجد فرق أساسي بين الشرط الجزائي والتهديد المالي في الفقه الوضعي، حيث يكون التهديد المالي تحكميا لا يقاس بالضرر،فهو يكون فيما اذا كان هناك التزام امتنع عن تنفيذه الملتزم مع ان تنفيذه العيني لا يزال قائما، وان يكون التدخل الشخصي من الملتزم له دخل في التنفيذ العيني، وان يطالب الملتزم له بالتهديد المالي.
وميدان التهديد المالي واسع، مثل: الالتزام بعمل فني، اوالالتزام بتقديم الخدمات للمشتركين في شركة الكهرباء والماء والتلفون، والالتزام باخلاء عين مؤجرة أو تسليمها. وحتى في نطاق الاحوال الشخصية، حيث يمكن ان يلتجأ للتهديد المالي في الالتزام بتسليم الأولاد إلى من له حق حضانتهم، وفي التزام الزوجة بالذهاب إلى محل الطاعة، ومثل أن يلتزم الممثل بالا يمثل في مسرح معين، والتزام المهندس بالا يعمل في مصنع منافس، والتزام بائع المتجر بالامتناع عن منافسة المشتري.
وقد قلنا: ان التهديد المالي تحكمي لا يقاس بالضرر، ولا يقدر التهديد المالي مبلغا دفعة واحدة؛ وذلك حتى يتحقق التهديد، فالملتزم يحس بانه كلما طال وقت التاخير عن التنفيذ زاد مبلغ الغرامة التهديدية المحكوم بها. والتهديد المالي ليس عقوبة، ولا ينفذ إلا عندما يتحول إلى تعويض نهائي، وإذا تحول إلى تعويض نهائي فقد ينقص وقد يلغى.
ومن هنا يفهم ان الغرامة التهديدية وسيلة للضغط على الملتزم والتغلب على عناده، ليحمل على تنفيذ التزامه، فهي وسيلة من وسائل التنفيذ العيني الجبري، ولهذا فهي تتفق مع الاكراه البدني على تنفيذ الالتزام، ولذلك فهذا التهديد المالي قد ينجح وقد لا ينجح تبعا لما انتهى اليه المدين من تنفيذ التزامه أو الإصرار على عدم التنفيذ.
والسند القانوني لهذا التهديد المالي لا يوجد في التقنين المدني الفرنسي ولا يوجد في التقنين المدني المصري السابق، بل استند القضاء الفرنسي بطريق غير مباشر إلى المادة (1036) من تقنين المرافعات الفرنسي، وقد جاء فيها:
«فالحكم الصادر بالغرامة التهديدية هو أمر يصدر من المحكمة بما لها من سلطة الامر لا بما لها من ولاية الحكم للمدين المتعنت الممتنع عن تنفيذ التزامه بتنفيذ هذا الالتزام، فان لم يفعل فجزاؤه على العصيان غرامة تهديدية».
وهذا النص الذي استند اليه القضاء الفرنسي قصد به بسط سلطة القاضي في ادارة الجلسة، وهو قضاء اجتهادي لا سند له في النصوص التشريعية، فنظرية التهديد المالي نظرية خلقها القضاء لا المشرع.
ولكن القانون المصري الجديد اوجد السند التشريعي لنظرية التهديد المالي، فقد ذكر في المادة (213): «1 - إذا كان تنفيذ الالتزام عينا غير ممكن أو غير ملائم إلا إذا قام به المدين نفسه، جاز للدائن ان يحصل على حكم بإلزام المدين بهذا التنفيذ، وبدفع غرامة تهديديه إن امتنع عن ذلك.
2 - وإذا رأى القاضي إن مقدار الغرامة ليس كافيا لإكراه المدين الممتنع عن التنفيذ، جاز له ان يزيد في الغرامة كلما رأى داعيا للزيادة».
ونصت المادة (214) على ما ياتي: «اذا تم التنفيذ العيني أواصر المدين على رفض التنفيذ، حدد القاضي مقدار التعويض الذي يلزم به المدين، مراعيا في ذلك الضرر الذي أصاب الدائن والعنت الذي بدا من المدين».
أما بالنسبة للقانون الجزائري فقد نص على هذه الغرامة التهديدية في المادة 174 :" - اذا كان تنفيذالالتزام عينا غير ممكن او غير ملائم إلا اذا قام به المدين نفسه، جاز للدائن ان يحصل على حكم بالزام المدين بهذا التنفيذ، وبدفع غرامة إجبارية إن امتنع عن ذلك.
واذا رأى القاضي ان مقدار الغرامة ليس كافيا لإكراه المدين الممتنع عن التنفيذ، جاز له ان يزيد في الغرامة كلما رأى داعيا للزيادة." يتضح أن المشرع الجزائري قد استعمل مصطلح الغرامة الإجبارية بدلا من الغرامة التهديدية .
المطلب الثاني : أنواع الشرط الجزائي.
يستخلص من المادة 176 ق م ج أن التعويض الذي يحكم به القاضي على المدين في حالة استحالة التنفيذ العيني يكون إما لعدم التنفيذ أو للتأخير في التنفيذ فالأول يطلق عليه التعويض لعدم التنفيذ والثاني التعويض عن التأخير.
والشرط الجزائي كتعويض أيضا يمكن أن يتخذ إحدى الصورتين:
الفرع الأول : الشرط الجزائي لعدم التنفيذ. (clause pénale compensatoire )
ويهدف هذا النوع إلى تعويض الضرر المترتب عن عدم التنفيذ النهائي للإلتزام الأصلي فهو إذا يحل محل التنفيذ، ونكون بصدد عدم التنفيذ متى أصبح التنفيذ مستحيلا وقد يكون عدم التنفيذ جزئيا أو كليا.
ويكفي في هذا الصدد أن تصنع الظروف للدائن أمل الحصول على التنفيذ مثل فقدان أو هلاك محل العقد وقد يكون محل التنفيذ جزئيا أو كليا وفي الحالتين وبحسب مسؤولية المدين عن ذلك يتحول عدم التنفيذ إلى تعويض.
الفرع الثاني: الشرط الجزائي المقرر للتأخير.
ويهدف هذا الشرط المقرر للتأخير إلى تعويض الدائن عن الضرر المترتب على تأخر المدين في التنفيذ.
ويقدر هذا التعويض في شكل نسبة مئوية يتقاضها الدائن عن كل يوم تأخير أو أسبوع أو شهر، ويكثر إستعمال هذا النوع من التعويض في مجال القانون الإداري وعلى الخصوص في العقود الادارية التي تبرمها الادارة مع المتعاقد معها.
وباعتباره استثناء من القواعد العامة التي تحكم التعويضات القضائية، فإذا تأخرالمدين في تنفيذ التزامه فلا يمكن المطالبة به في حالة عدم التنفيذ الكلي للالتزام لأنه يصبح بدون محل، فمثلا: لو عهد رجل أعمال إلى مقاول ببناء مصنع واتفقا على شرط جزائي لتأخير في تسليم مفاتيح المصنع فلا يمكن لصاحب المصنع أن يطالب بالشرط الجزائي لتهديم المصنع لأن سوء البناء يمكن اعتباره كعدم تنفيذ للالتزام وليس تأخيرا في التنفيذ، و العكس صحيح إذا تقرر شرط جزائي لضمان عدم التنفيذ فلا يجوز المطالبة بهذا الشرط لتعويض الضرر الناتج عن التأخير في تنفيذ هدا الالتزام ومثال ذلك: أن يتفق الطرفان على شرط جزائي لضمان سلامة سلعة معينة فلا يمكن المطالبة به إذا وصلت السلعة متأخرة.
ونذكر فيما يأتي أمثلة عن دلك:
-الشرط الجزائي في عقد المقاولة بإلزام المقاول بدفع مبلغ معين عن كل يوم أو عن كل أسبوع أو عن كل مدة أخرى من الزمن يتأخر فيها المقاول عن تسليم العمل المعهود إليه انجازه .
-وقد يكون الشرط الجزائي اشتراط حلول جميع الأقساط عند التخلف عن أداء قسط في وقته.
-أو تملك الزراعة القائمة على الأرض عند انتهاء مدة إجارتها عند الإخلال بتسليم الارض خالية عند انتهاء مدة اجارتها.
الفرع الثالث : أثار التمييز بين نوعي الشرط الجزائي.
إن إتفاق الأطراف هو الذي يحدد نوع الشرط الجزائي لكن إذا لم يحددوا نوعه فالقضاء الفرنسي قرر أن معرفة الشرط الجزائي إذا كان مقررا لعدم التنفيذ أو للتأخير في اللتنفيذ في مسألة واقع ولقضاء الموضوع البحث عن النية المشتركة للطرفين.
واقترح الفقه معيارا للتمييز بينهما يقوم على قيمة الشرط الجزائي فهو مادي مقتضاه أنه إذا كان مبلغ الشرط الجزائي يقارب قيمة الإلتزام الأصلي فهو تعويض عن عدم التنفيذ لأنه يهدف إلى حلوله محل التنفيذ العيني للإلتزام العيني و للإلتزام الأصلي.
أما إذا كان مبلغ الشرط يقل عن مبلغ الإلتزام الأصلي بدرجة كبيرة فيمكن إعتباره مقرر للتأخير في التنفيذ وما يميزه أنه يقدر بنسبة مئوية عن فترة زمنية يحددها الطرفان مع الإشارة أنه يمكن الجمع بين النوعين في ذات الشرط.
المطلب الثاني : الطبيعة القانونية للشرط الجزائي.
يهدف الدائن من وراء تقرير الشرط الجزائي في اتفاقه مع المدين إلى الاطمئنان على الحصول على حقه اما بالتنفيذ العيني للإلتزام أو بمقابل أي عن طريق الشرط الجزائي .
وذهب فريق من الفقه إلى اعتبار الشرط الجزائي تعويضاَ،هذا ما أدى بفريق آخر إلى اعتباره عقوبة وهي التي كان يتميز بها في العصور القديمة وانتشر بعد ذلك في القانون المدني الفرنسي سنة 1804.
حيث نص المشرع في المادة 1152 على مبدأ ثبات الشرط الجزائي وقد عدل المشرع الفرنسي أحكام الشرط الجزائي بموجب قانون 9 يوليو1975 ولكن هذا لم يخفي على الوظيفة العقابية في النظر بعين القضاء وهذا أثار جدالاً فقهي حول وظيفتي التعويض والعقوبة لتحديد وظيفة الشرط الجزائي وبالرغم من الحجج والأسانيد التي قدمها كل فريق لم يستطيع أي منهما تغليب وجهة نظره مما أدى بفريق إلى القول بأن الشرط الجزائي ذو طبيعة مركبة.
الفرع الأول :الشرط الجزائي تعوض :
يرى جانب من الفقه أن الشرط الجزائي له طابع تعويضي ولا يمكن أن يكون عقوبة،إلا أنهم اختلفوا حول طبيعة التعويض فنمهم من اعتبره جزافي ومنهم من يرى أنه تقدير مسبق للتعويض.
الفرع الثاني :الشرط الجزائي عقوبة :
يرى جانب من الفقه أن اعتبار الشرط الجزائي عقوبة يفرضها الدائن على مدينه ففي هذا الصدد يقول الأستاذ لـــومبــيار "الشرط الجزائي كعقوبة لجريمة مدنية يحقق للمتعاقدين الضمان والأمن".
الأستاذ مــــيتو :" الشرط الجزائي جزء يذكر بالعقوبة " ويؤكد الأستاذ ديــــموج " أن الوظيفة العقابية للشرط الجزائي هي التي تعطيه أهميته وأصالته وتميزه عن نظرية التعويض.
أما بـــلانـــيول :هو الذي حدد الوظيفة العقابية للشرط الجزائي تتوقف على المبلغ المتفق عليه عما اذا كان مرتفعاً أو تافهاً والوظيفة العقابية يقصد بها الضغط والتهديد الذي يحدث المبلغ المرتفع في روح المدين ويدعه إلى تنفيذ التزامه عينياً.
الفرع الثالث:الشرط الجزائي ذو طبيعة مركبة :
يرى جانب من الفقهاء ان الشرط الجزائي ذو طبيعة مزدوجة أي تعويضاَ وعقوبة التي تبناه الفقيه الألماني (كوزاش).
غير أن الأستاذ (بيرانو فاشيو) يرى بأن الشرط الجزائي يكون إما تعويضا وإما عقوبة ولا يمكن الجمع بينهما .
موقف المشرع الجزائري من هذه النظريات :
يتضح من خلال النصوص الخاصة بالشرط الجزائي أن المشرع الجزائري قد أضفى طابع التعويض متجاهلاً الفكرة العقابية بدليل أنه اشترط الضرر لاستحقاق الشرط الجزائي،وهذا ما نصت عليه المادة 184 من القانون المدني الجزائري ( لا يكون التعويض المحدد في الإتفاق مستحقاً إلا اذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر).وطيق أيضاَ أحكام التعويض بمقابل الشرط الجزائي المواد 181-183-176 .
موقف القانون المصري :
يستخلص من المواد 223-224-225 القانون المدني المصري الذي اعتبر الشرط الجزائي تعويضاَ واشترط وقوع الضرر لإستحقاقه وطبق أحكام التعويض بمقابل.
وقد عرفه قاموس القانون الخاص على أنه :" إن عدم تنفيذ أو التأخر في تنفيذ الالتزامات والحاصل من أحد المتعتقدين ويحدث من جراءه ضرر أو تفويت فرصة لربح يجبر عن طريق التعويض و الذي يرجع للقاضي تحديده، فإدا قامت الاطراف المتعاقدة بتحديد تعويض فيطلق عليه حينئد الشرط الجزائي وبالرغم من اصطلاح الجزاء pénale فهو يعتبر عقوبة مدنية وليست جزائية.
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma