يعد نظام المحلفين احد صور اسهام المواطنين في اقامة العدالة الجنائية، ذلك انه يكفل تمثيل المواطنين في تشكيل هيئة الاتهام او المحاكمة –او كليهما- بصفتهم مواطنين وليسوا متخصصين، كما ويطلق على هذا النظام بانه نظام قضائي يجسد عماد الحرية والقانون وضمير العدالة وحاميها.
وهو بعد ذلك يكفل تطبيق المبدأ الاساس من مبادئ الديمقراطية المتمثل في حرية اشتراك افراد الشعب في اجهزة السلطة والحكم، ليندرج هذا المبدأ في نطاق الحقوق والحريات العامة التي يجب كفالتها في مواجهة السلطة ويتحدد هذا المعنى بوجه خاص في دساتير الدول التي تأخذ بنظام المحلفين.
وقد دعتنا عديد الاسباب لطرح هذا الموضوع (نظام المحلفين) بمحاضرة، ونجمل هذه الاسباب بالاتي:-
1- ان اهم سبب يكمن في، تحقيقه وجهاً من اوجه الديمقراطية بمشاركة الشعب بالسلطة القضائية، كما يشاركون بالسلطة التشريعية بانتخاب ممثليهم في البرلمان.
2- ينأى هذا النظام عن مساوئ نظام القاضي الفرد وخصوصاً في القضايا الجنائية الخطيرة ذات الابعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية بصدور القرار عن هيئة محلفين تجسد مشاركة المواطنين بالقرار القضائي.
3- طروحات بعض المواطنين للاخذ به.
4- تأسيس ثقافة قانونية قد ترسخ فكرة الاخذ به مستقبلاً في حال لاقت القبول المطلوب من جانبين (الاول القضاة، والثاني المواطنين).
وكأي موضوع يطرح لا بد من التطرق بادئ ذي بدء الى اصل نشأة هذا النظام والاساس الذي استند عليه واسباب الاخذ به،
ثم التعريف بنظام المحلفين عن كثب بتناول قواعد اختيار المحلفين،
وفي خطوة متقدمة نتناول تقييم هذا النظام بين مؤيديه ومعارضيه،
واخيرا في مدى امكان الاخذ به في العراق وآفاق تطبيقه.
اولاً: اصل نشاة نظام المحلفين، والاساس الذي استند عليه واسباب الاخذ به:-
أ. اصل نشأة نظام المحلفين:-
قبل غزو النورمانديين لانكلترا كان القانون السكسوني يستلزم ان ياتي الاتهام من شخص محدد ومعروف يقوم بمواجهة المتهم علناً، وكانت الاجراءات مفتوحة كما ان حضور المجتمع كان يضمن الانصاف.
وبعد الغزو ادخل هؤلاء مبدأ هيئة المحلفين الكبرى المشتقة من المؤسسة النورماندية المسماة ((هيئة تحقيق مختارة تحت القسم)) حيث يقوم 12 فارس مختار للخدمة ((كهيئة تحقيق))، وبالتحقيق علناً في قضايا مختلفة كانت تهم حكام انكلترا الجدد.
وكان يمكن لتلك القضايا ان تتضمن مواضييع مثل، معدل الضرائب او الواجبات الاقطاعية المتوجبة على التابع الاقطاعي ازاء سيده.
وفي بداية القرن الثاني عشر، كان الذين يقيمون دعاوى في بعض القضايا المتعلقة بملكية الارض يلتمسون المحكمة الملكية لاستدعاء هيئة تحقيق للتثبت من الواقع، اما عن طريق معرفتهم الخاصة بالامر المطروح، او على اساس التحقق منه بواسطة الاخرين، فاذا جاء قرار المحكمة بالاجماع يقبل كقرار نهائي.
وبمرور الزمن اصبحت مسائل اخرى تتعلق بالوقائع في قضايا مطروحة امام محكمة الملك تعالج بالطريقة نفسها، كما ان جماعة من الفرسان المحققين اصبحت هيئة المحلفين.
في البداية لم يحكم اعضاء هيئة المحلفين على الوقائع وحسب، بل كان يمكنهم ايضا المثول امام المحكمة كشهود بسبب معرفتهم للعادات وللناس في البلدة.
لكن بحلول القرن الخامس عشر حَصَر القضاة في محاكم القانون العام وظيفة هيئة المحلفين بتحديد الوقائع على اساس الادلة المقدمة في اي دعوى.
وهكذا اخذت تصاغ اجراءات المحاكمة وقواعد الشهادة وقواعد القانون الموضوعي في اطار يمكن معه تقديم الدعاوى بطريقة عادلة ومفهومة الى محكمة تضم افراداً عاديين غير متخصصين في القانون.
ليرسخ هذا النظام في وجدان الشعب الانكليزي كعماد للحريات وضمانة لحقوق الافراد مثبتاً كحق دستوري.
وانتقل هذا النظام الى المستوطنات في امريكا الشمالية حيث رأى فيه المستوطنون حماية اساسية للحريات الفردية. حتى ان (ادموند بورك) رجل الدولة البريطاني نبه الى ان المستعمرات الامريكية سوف تعلن العصيان اذا حاول البلد الام منع المحاكمات على يد هيئة محلفين.
وبمرور الزمن تطور نوعان من هيئات المحلفين، الهيئة الكبرى والهيئة الصغرى، تخدم كل واحدة منهما وظيفة مختلفة.
فهيئة المحلفين الكبرى تحدد ما اذا كانت هناك ادلة كافية لاصدار اتهام ضد انسان بجرم معين، بينما تستمع هيئة المحلفين الصغرى الى الوقائع لتصدر قرارها بالادانة او البراءة للمتهم الماثل امامها. وتختلف الهيئتان من حيث الحجم واسلوب العمل ومعايير الادلة.
ب. الاساس الذي استند عليه نظام المحلفين، واسباب الاخذ به:-
ان نظام المحلفين في واقعه عبارة عن ثمرة تطور تاريخي، فالاساس الذي استند عليه بادئ ذي بدء هو اساس اداري، حيث كان كان المحلفون شهوداً على المعلومات التي يؤدونها خدمة لاغراض الملك والتاج ثم تطورت وظيفة المحلف من شاهد الى قاضي وقائع ليأخذ نظام المحلفين الاساس الثاني له وهو السياسي، حيث عد نظام المحلفين ضمانة اساسية لحريات الافراد ضد طغيان القضاة المعينين من قبل التاج حتى ان صفته السياسية ظلت متميزة عن صفته القضائية.
فقد اعتبر منذ عهوده الاولى نظاماً واقياً، لا من الاخطاء التي يمكن ان تتعرض لها اي عدالة انسانية وانما من الانحراف بالسلطة والضغط والتأثير الذي يمكن ان يمارسه الملك والسلطة التنفيذية في المجتمع ويخضعوا له القضاة الدائميين المعينين بواسطة التاج.
لهذا سرعان ما اصبح هذا النظام محبوباً واثيراً كمؤسسة ديمقراطية سياسية تحمي حقوق الافراد في مواجهة السلطة المستبدة والسلطات المطلقة للقضاة.
وكان طبيعياً ان يتلقف واضعي الدستور الامريكي عام 1789 هذا النموذج بعد ان نادى به اول مؤتمر للمستعمرات في اعلان الحقوق الذي صدر بالاجماع في 14 اكتوبر 1774 بالنص:
((هذه المستعمرات يجب ان تتمتع بالقانون العام الانكليزي وبصفة خاصة الميزة العظمى في ان تكون المحاكمة بواسطة اقران المتهم من المناطق المجاورة تبعاً لما يجري عليه هذا القانون)).
وعلى هذا الاساس وردت م/3-2(3) من الدستور الاتحادي للولايات المتحدة فيما يخص ضمان محلفي المحاكمة الجنائية، اي لم يرد بالدستور ضمان محلفي الاتهام للقضايا الجنائية.
ولذلك صدرت الاضافات الخامسة والسادسة والسابعة من الدستور لتكمل القصور الذي اصاب نصوص الدستور الاتحادي.
فالاضافة الخامسة تدعم حق كل شخص في ان لا يقدم للاستجواب في جريمة كبرى او جريمة مشينة الا بواسطة قرار اتهام من هيئة محلفين كبرى.
وهذا معناه امكانية ان يقدم الشخص الى قاض واحد، اي ان لايستخدم الشخص حقه في المثول امام هيئة محلفي الاتهام ويتنازل عنه لتنظر القضية امام قاض منفرد عدا الحالات التي يشكل فيها الفعل جريمة كبرى او مشينة كالتجسس مثلاً او ان تكون عقوبة الفعل الاعدام مثلاً، هنا لا بد من المثول امام هيئة محلفين.
والاضافة السادسة، نصت على انه في جميع الادعاءات الجنائية يتمتع المتهم بالحق في محاكمة سريعة علنية بواسطة محلفين غير متحيزين من الولاية او الجهة التي ارتكبت فيها الجريمة.
وهذا الحق يمثل اهم حقوق المتهم في، الحق في النظر العلني للقضايا والحق في المحاكمة دون تأخير غير مبرروحق المتهم في تنظر قضيته امام اقرانه وهذه سمة من سمات نظام المحلفين.
اما الاضافة السابعة فتنطبق على الدعاوى المدنية، لتنص على الاحتفاظ بحق المحاكمة لمحلفين في دعاوى القانون العام الانكليزي عندما تزيد القيمة المتنازع عليها على عشرين دولاراً.
وجدير بالملاحظة ان حق المحاكمة بمحلفين هو حق مصان في الدستور الاتحادي ودساتير الولايات جميعا مع تخويل مشرعي الولايات في بعض الاحيان التالي:
1-النص على امكانية النزول عن المحاكمة بمحلفين في القضايا المدنية والجنائية (فيما عدا الجرائم المعاقب عليها بالاعدام).
2-تقييد حق المحاكمة بمحلفين بجسامة الجريمة او القيمة محل النزاع.
3-السماح باستخدام اقل من اثني عشر محلفاً في بعض الاحيان.
4-تغيير القاعدة القديمة في ضرورة اجماع المحلفين لصحة القرار.
اذن اساس نظام المحلفين اساس تاريخي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بنشأة وتطور المجتمع او المجتمعات التي ظهر فيها وازدهر، حتى عدته هذه المجتمعات عماداً للحريات ضد اي استبداد او طغيان من جانب السلطة التنفيذية ولتحرص عليه فيما بعد دساتير الدول التي اخذت به كضمانة مهمة لحقوق الافراد
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma