أسعدنا تسجيلك وانضمامك لنا

ونأمل من الله أن تنشر لنا كل مالديك

من إبداعات ومشاركات جديده

لتضعها لنا في هذا القالب المميز

نكرر الترحيب بك

وننتظر جديدك المبدع

مع خالص شكري وتقديري

ENAMILS

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

أسعدنا تسجيلك وانضمامك لنا

ونأمل من الله أن تنشر لنا كل مالديك

من إبداعات ومشاركات جديده

لتضعها لنا في هذا القالب المميز

نكرر الترحيب بك

وننتظر جديدك المبدع

مع خالص شكري وتقديري

ENAMILS

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
 الإسلام والدستور ( ج1 ) - 580_im11 ENAMILS  الإسلام والدستور ( ج1 ) - 580_im11

المواضيع الأخيرة

» مدونة القوانين الجزائرية - محدثة يوميا -
 الإسلام والدستور ( ج1 ) - I_icon_minitimeالسبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed

»  شركة التوصية بالاسهم -_-
 الإسلام والدستور ( ج1 ) - I_icon_minitimeالجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin

» مكتبة دروس
 الإسلام والدستور ( ج1 ) - I_icon_minitimeالإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin

» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
 الإسلام والدستور ( ج1 ) - I_icon_minitimeالخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin

» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
 الإسلام والدستور ( ج1 ) - I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin

» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
 الإسلام والدستور ( ج1 ) - I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin

» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
 الإسلام والدستور ( ج1 ) - I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin

» بحث حول المقاولة التجارية
 الإسلام والدستور ( ج1 ) - I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl

» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
 الإسلام والدستور ( ج1 ) - I_icon_minitimeالأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique

» الدفاتر التجارية:
 الإسلام والدستور ( ج1 ) - I_icon_minitimeالجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma

ENAMILS


كتاب السنهوري


    الإسلام والدستور ( ج1 ) -

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 6322
    نقاط : 17825
    تاريخ التسجيل : 28/06/2013
    العمر : 32

     الإسلام والدستور ( ج1 ) - Empty الإسلام والدستور ( ج1 ) -

    مُساهمة من طرف Admin السبت أغسطس 03, 2013 5:41 pm



    الإسلام والدستور

    تأليف الدكتور
    توفيق بن عبد العزيز السديري

    مقدمة الكتاب
    بسم الله الرحمن الرحيم
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن مـحمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
    أما بعد:
    فـإن الدستور أو القانون الدستوري فـرع من فـروع القانون العام، والدستور لأي دولة كـانت يعبر عن فكر تلك الدولة واتجـاهها الديني والاجتماعي؛ لأن الدستور هو القانون المهيمن، والموجه لقوانين تلك الدولة ونظمها.
    وهذه الأهمية للدستور أحد الأسباب التي دفـعتني لهذا البـحث، وبخاصة معالجـته من الناحية الإسلامية ومحاولة توضيح أسس الأحكام الدستورية في الشريعة الإسلامية، ومن ثم دراسة لبعض تطبيقاتها منذ قيام الدولة الإسلامية في عهد الرسول  إلى عصرنا الحاضر.
    وما من شك في أن بحث موضوع كهذا من هذه الزاوية من الأهمية بمكان، لأهمية الأحكام الدستورية بين الأحكـام والنظم الأخرى، ولأهمية دراسة الدستور في الإسلام وذلك بتحديد قواعده، مما يسهم في إثراء البحث العلمي في الشريعة الإسلامية في العصر الراهن، سواء من ناحية تبيين ما عليه الشريعة الإسلامية في هذا المجال، أم من ناحية الدراسات المقارنة.
    ولذلك كان اختيار موضوع " الإسلام والدستور " ( ) الذي حاولت فيه تبيين وجهة النظر القانونية البحتة للدستور، ثم تبيين وجهة النظر في الإسـلام، بحـيث يجـمع البـحث بين الدراسـة القـانونيـة والشـرعيـة، واستعراض الواقـع الدستوري للدولة الإسلامية على مر عصورها من خلال دراسة بعض الوقائع الدستورية في التاريخ الإسلامي.
    والحقيقة أن البحث في الأحكام الدستورية الإسلامية ليس جديدا ومستحدثا، فـالفقهاء المسلمون القدامى بحثوا هذا الموضوع وبينوا تلك الأحكام في مختلف أبواب الفقه وكتب السياسة الشرعية.
    وقد تقدمت الدراسات الدستورية والقانونية في هذا الوقت وأصبحت لها أبحاث ودراسات مستقلة مما يتطلب من الباحثين والمفكرين المسلمين المعـاصـرين أن يؤصلوا الدراسـات الدستورية، ويبـينوا وجـهة النظر الإسلامية ويستنبطوا الأحكام للوقائع المستجدة، وإذا نظر الباحث إلى الدراسات الدستورية المعاصرة، يجد أن الذين تعرضوا لهذا الموضوع، منهم من يغلب عليه الطابع القانوني البـحت، ومنهم من يعرض الموضوع بشكل عام دون تفصيل، ومنهم من يبـحث جـزئيات من الموضوع عند دراسة النظام السياسي الإسلامي، مما يجعل سير الباحث في هذا الطريق صعبا وشاقا.
    إن أهم مصادر هذا البحث تتركز في كتب السياسة الشرعية، والكتب والدراسات الدستورية والقانونية الوضعية، والكتب المعاصرة التي تبـحث في النظام السياسي، بالإضافـة إلى الوثائق والنصوص المشتملة على بعض القوانين والنظم المطبقة في بعض البلدان.
    ومن أهم الصـعوبات التي واجـهتها في هذا البـحث، قلة المراجع الحديثة التي تخدم موضوع البحث، وبخاصة الدراسات التي تبحث في النظام الدستوري الإسلامي بحثا مقارنا مع النظم الوضعية، أو تلك التي تؤصل للنظام الدستوري الإسلامي وتبين أحكامه وقواعده من مصادره ومظانه الأصلية من الكتاب والسنة وما سطره علماء المسلمين الأوائل في هذا المجال.
    كما أن حساسية البحث في الموضوع تشكل عائقا أمام الباحث في هذا المجال؛ نظرا لخطورة الموضوعات والمباحث التي تتعلق بهذا الجانب ودقتها.
    ولقد حاولت أن أقدم هذا الموضوع بشكل متكامل، جامعا فيه خلاصة ما اطلعت عليه مما كتبه الآخرون، محللا لبعض آرائهم، ولا أزعم أنني أعطيت الموضوع حـقه كاملا، ولعل عذري في ذلك أن الموضوع لا يزال بكرا، ولم يحظ بدراسات علمية شاملة وعميقة، ولكنني حاولت وبجهد المقل أن يكون البحث شاملا، بقدر الاستطاعة وكم تمنيت أني قد توصلت إلى نتائج أكبر مما كان.
    والمجال متسع للباحثين فيما بعد لاستكمال البحث في هذا الموضوع، والتوسع فيه، والعناية به بشكل أكبر.
    ولقد ابتعدت قدر الإمكان عن العاطفة الشخصية والآراء المسبقة ما استطعت إلى ذلك سبيـلا، واستخـدمت عدة مناهج علمية حسب ما اقتضته طبيعة البحث، فاستخدمت المنهج التاريخي فيما كان له الطابع التاريـخي من البحث، أو نسق من أقوال العلماء، ثم التحليل على أساس تلك القاعدة، أو ذلك النسق، واستخـدمت المنهج المقارن عند الحـاجـة لمقارنة الآراء والحجج مع بعضها.
    ولقد تم عزو الآيات القرآنية إلى سورها وتخريج الأحاديث النبوية التي تم الاستشهاد بها في هذا البحث، كما أرجعت الاقتباسات والنقول إلى مراجعها في كل مكان يتم فيه الاقتباس أو النقل، وأثبت أهم المراجع في فهرس مستقل في آخر الكتاب.
    وبعد: حسبي أني قدمت ما استطعت من جهد ووقت لإخـراج هذا البحث، سائلا الله جل وعلا أن يتقبل هذا العمل ويجعله خالصا لوجهه، وأحمد الله وأشكره وأثني عليه بما أنعم به من إكمال هذا البحث.
    وفي الختام أرجو الله القبول والتوفيق والسداد.
    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم،،
    كتبه
    توفيق بن عبد العزيز السديري

    الباب الأول
    تعريفات ضرورية

    الفصل الأول : القانون
    الفصل الثاني : الدستور
    الفصل الثالث : الدولة

    الباب الأول
    تعريفات ضرورية
    سيكون الحديث في الباب الأول عن بعض المواضيع الرئيسة التي لا بد منها للتمهيد لموضوع البحث الرئيس، وذلك في ثلاثة فـصول، الفصل الأول منها عن القانون، تعريفه وضرورة وجوده، وتقسيماته وفروعه، ثم يتحدث الفصل الثاني عن فرع من فروع القانون وهو المتعلق بموضوع البـحث الرئيس وهو الدستور، حـيث سيـتناول البـحث تعريفه، وأنواع الدساتير وأساليب نشأتها ونهايتها، ومصادرها، ومقومات الدستور الأساسية، ثم يتحدث الفصل الثالث عن الدولة وذلك لارتباطها الوثيق جدا بموضوع البحث حيث سيتم تعريف الدولة وأركانها، ومقومات الدولة والقانون وضمانات تحقيقها وأنواع الدول.
    وما يذكر في هذا الباب من مسائل إنما يوضح ما استقر عليه الفقه القانوني الوضعي المعاصر في هذه المسائل، التي يدخل أغلبها في باب الوسائل؛ ليكون تمهيدا للباب الثاني وهو الباب الذي يبحث الدستور في الإسلام.

    الفصل الأول
    القانون

    المبحث الأول : تعريف القانون
    المبحث الأول : ضرورة وجود القانون
    المبحث الثالث : تقيسمات القانون
    المبحث الرابع : فروع القانون

    الفصل الأول القانون
    المبحث الأول
    تعريف القانون
    التعريف اللغوي :
    القانون كلمة يونانيـة الأصل، تلفظ كما هي Kanun وانتقلت من اليونانية إلى اللغات الأخرى وهى تعني العصا المستقيمة، فانتقلت إلى الفارسية بنفس اللفظ (كانون) بمعنى أصل كل شيء وقياسه، ثم عربت عن الفارسية بمعنى الأصل، ودرج استخدامها بمعنى أصل الشيء الذي يسير عليه، أو المنهج الذي يسير بحسبه، أو النظام الذي على أساسه تنتظم مفردات الشيء، وتكون متكررة على وتيرة واحدة بحيث تصبح خاضعة لنظام ثابت، فيقال في معرض الأبحاث الطبيعية قانون الجاذبية، ويقال في معرض الأبحـاث الاقـتصـادية قانون العرض والطلب ( ) . . وهكذا.
    التعريف الاصطلاحي:
    لتعريف القانون اصطلاحا ثلاثة تعريفات:
    1- تعريف اصطلاحي عام:
    وهو القواعد التي تنظم سلوك الأفـراد في المجتمع تنظيما ملزما، ومن يخالفها يعاقب، وذلك كفالة لاحترامها.

    2 - تعريف اصطلاحي باعتبار المكان:
    وهو مجموعة القواعد القانونية النافذة في بلد ما، فيقال القانون الفرنسي والقانون المصري مثلا...
    3 - تعريف اصطلاحي باعتبار الموضوع:
    وهو مجموعة القواعد المنظمة لأمر معين وضعت عن طريق السلطة التشريعية فـيقال: قانون الملكية العقارية، وقانون المحـاماة، وقـانون الجامعات ( ) ...
    * * *

    المبحث الثاني
    ضرورة وجود القانون
    الاجتماع الإنساني ضروري، ويعبر الحكماء عن هذا بقولهم: الإنسان مدني بالطبع، أي لا بد له من الاجتماع الذي هو المدنية في اصطلاحهم ( ) .
    فـالإنسان بدافـع من طبعه لا يستطيع أن يعيش بمفرده ويسعى إلى المحافظة على وجوده من خلال مجتمع من الأفراد يعيش بينهم؛ لأن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وجعل طبيعته لا تمكنه من العيش بمعزل عن الناس، ولا يمكن أن يقوم وحـده بسد حـاجـاته، بل هو مضطر إلى أن يعيش في جماعة يتفاعل معها وتتفاعل معه، فيتبادل مع هذه الجماعة المنافـع، وبهذا تنشأ بين أفراد هذه الجماعة علائق متعددة، اجتماعية، واقتصادية، وسياسية، وثقافية، وغيرها وهذه العلائق لا يمكن أن تقوم بحال إلا وفق ضوابط تحكمها، حتى لا يختل توازن هذه الجماعة، وهذه الضوابط هي النظم والقوانين، فبدون القانون تصبح الأمور فوضى تسير وفق الأهواء والرغبات الفردية، وحالة عدم وجود القانون حالة لا يمكن أن يتصور دوامها لأن مجرى السنة الكونية يحتم وجود قانون، ولو افترض وجـود حـالة الفوضى فـلا بد أن يكون الحكم للقوة، فـيتـحكم الأقـوياء بالضعفاء، وفق ما يريدون ويشتهون فيكون هناك قانون القوة أو الغابة، بغض النظر عن كون هذا القانون سليما وموافـقا للحق أو بعكس ذلك. ومن هنا يتبين أن القانون ضرورة اجـتماعية لا بد منه؛ ليـحكم نشاط الأفراد، وينظم علاقاتهم.
    * * *

    المبحث الثالث
    تقسيمات القانون
    يقسم الفقهاء القانون تقسيمات عدة، نذكرها فيما يلي:
    1 - على أساس طبيعة القواعد القانونية:
    وحسب هذا الأساس ينقسم القانون إلى قسمين هما:
    أ - قانون موضوعي، وهو الذي تتضمن قواعده أحكاما موضوعية تبين الحقوق والواجبات المختلفة، فيقال مثلا: القانون المدني، والقانون التجاري وغيرهما.. حسب الموضوع الذي تتضمنه أحكام كل قانون.
    ب - قـانون شكلي أو إجـرائي: وهو الذي تتضمن قـواعده أحكاما إجرائية تبين الأوضاع والإجراءات، التي تتبع لاقتضاء الحقوق التي يقررها القانون الموضوعي، كقانون المرافعات المدنية، وقانون الإجراءات الجنائية مثلا ( ) .
    2 - على أساس القوة الملزمة للقاعدة القانونية:
    وحسب هذا الأساس ينقسم القانون إلى قسمين هما:
    أ - قواعد آمرة أو ناهية: وهي تشمل مجموعة القواعد التي تحمي المصالح الأساسية في الدولة، ولا يجوز للمتعاقدين الخروج عليها وإلا كان اتفاقهم باطلا.
    ب - قـواعد قـانونية مفسرة أو مكملة أو مقررة: وهي مجموعة القواعد التي لا تتصل بالنظام الأساسي في المجـتمع، ويجـوز الاتفاق على عكسها؛ لأنها وضعت لتفسيـر وتكملة إرادة المتعاقدين ( ) .
    ويمكن التفريق بين القواعد الآمرة والقواعد المفسرة من عبارة النص نفسه؛ إذا لم يكن ذلك واضحا من العبارة يعرف من موضوع القاعدة القانونية؛ فالقواعد المتصلة بالنظام العام والآداب تعتبر قواعد آمرة أو ناهية، وماعداها يعتبر قواعد مكملة.
    3 - من حيث التدوين وعدمه:
    وينقسم القانون من حيث المصدر الذي توجد فيه القاعدة القانونية إلى قسمين هما:
    أ - قانون مكتوب، وهو مجموعة القواعد القانونيـة الواردة في نصوص مكتوبة كالتشريع.
    ب - قانون غير مكتوب: وهو مجموعة القواعد القانونية التي لم تصدر في نصوص مكتوبة كما هو الحال بالنسبة لقواعد العرف.
    4 - على أساس النطاق الإقليمي:
    ويبنى هذا التقسيم على أساس الرابطة التي ينظمها؛ فيقال: قانون داخلي، وقانون خارجي، وذلك تبعا للرابطة الاجتماعية التي ينظمها، هل هي داخل الجماعة أو خارجها ( ) .
    5 - على أساس الرابطة التي تحكمها قواعده:
    وهذا التقسيم هو التقسيم الرئيس الذي يسير عليه أكثر كتاب القانون، وهو تقسيم تقليدي لا يزال مستقرا ومسلما به في الفقه القانوني الوضعي الحديث، وهذا التقسيم أهم أنواع تقسيمات القانون، وهو الذي درج عليه معظم فقهاء القانون منذ عهد الرومان إلى عصرنا هذا، بالرغم من المحاولات للعدول عنه ( ) .
    وينقسم القانون من حيث طبيعة الرابطة التي تحكمها قواعده إلى قسمين هما:

    أ - القانون العام:
    وهو مـجموعة من القواعد تنظم الارتباط بين طرفين أحدهما أو كـلاهما ممن يملكون السيادة، أو السلطات العامة، ويتصرفـون بهذه الصفة ( الدولة أو أحد فروعها ) ولهذا وصف بأنه قانون إخضاع ( ) .
    ب - القانون الخاص:
    وهو مجموعة من القواعد تنظم الروابط بين طرفين لا يعمل أيهما بوصفه صاحب سيادة أو سلطة على الآخر، كالأفراد والأشخاص المعنوية الخـاصة أو الدولة - أو أحد فروعها - حين تمارس نشاطا يماثل نشاط الأفراد ( ) كالقواعد التي تنظم ما يعرف بالأحوال الشخصية وكذلك أحكام المعاملات والعقود وغيرها أو كأن تبيع الدولة أرضا تملكها، أو تستأجر منزلا.
    * * *

    المبحث الرابع
    فروع القانون
    ينقسم القانون حسب التقسيم الرئيس السابق إلى: قـانون عام، وقانون خاص، ويتفرع من كل قسم منهما عدة فروع نذكرها فيما يلي:
    أولا: فروع القانون العام:
    يتفرع القانون العـام إلى فـرعين رئيسين يسمى أحـدهما القانون الدولي العام، وهو الذي تكون الدولة طرفـا فـيه، باعتبارها صـاحـبة السلطان، ويكون الطرف الآخر فيه دولة أو دول أخرى، أو هيئات دولية. والفرع الثاني: هو القانون الداخلي، وهو الذي ينظم الروابط الداخليـة العامة التي تكون الدولة طرفا فيها باعتبار سلطتها، وهذا الأخير ينقسم إلى ثلاثة أقـسـام هي: القـانون الدسـتـوري، والقـانون الإداري والمالي، والقانون الجنائي.
    وعلى هذا تكون فروع القانون العام أربعة هي:
    أ - القانون الدولي العام:
    وهو مجموعة الأحكام التي تنظم ارتباط الدولة بالدول الأخرى في أوقـات السلم والحـرب ( ) فـالمحـتكمون إلى هذا القـانون الدول وليس الأفراد، ومن التعريف يتضح أن القانون الدولي العام ينقسم إلى قـانون سلم وقانون حرب، ولكل واحد منهما موضوعاته الخاصة. فقانون السلم يبحث في المواضيع التالية:
    - أشخاص القانون الدولي.
    - ممثلو الأشخاص في الجماعات الدولية.
    - الأعمال القانونية الدولية، وأهمها المعاهدات، فيعين أركان انعقادها وشروط صحتها وآثارها وأسباب انقضائها.
    - المسؤولية الدولية في قيامها وآثارها.
    - المنظمات الدولية.
    - حقوق الدول وواجباتها وفض المنازعات الدولية سلميا ( ) .
    ويبحث قانون الحرب في الموضوعات التالية:
    - العلاقـة بين الدول المتحاربة وواجبات كل دولة إزاء جـيش الأخرى، ورعاياها، والأسرى، ويبين القواعد الخاصة ببدء حالة الحرب ووقفها وانتهائها.
    - علاقة الدولة المحاربة بالدول المحايدة ( ) .
    ب - القانون الدستوري:
    وهو مجموعة الأحكام التي تحكم شكل الدولة، ونظام الحكم فيها، وسلطاتها، وطريقة توزيع السلطات، وبيان اختصاصاتها، ومدى ارتباطها ببعضها، ومن حيث التعاون أو الرقـابة، وكذلك بيان حـقوق المواطنين وواجباتهم تجاه الدولة وسلطاتها العامة ( ) .
    ومن هذا يتبين لنا أن القانون الدستوري يبـحث في الموضوعات التالية:
    - شكل الدولة، هل هي بسيطة أو مركبة، ملكية أو جمهورية.
    - السلطات العامة في الدولة: التشريعية، والتنفيذية، والقضائية.
    - الأشخاص أو الهيئات التي تتولى السلطات العامة.
    - علاقـة هذه السلطات ببعضها، نوع هذه العلاقـة، وهل هناك فـصل مطلق بينهما أو مرن.
    - الحـريات الفردية وضماناتها، وهي الحريات الشخصية، والتملك، والمسكن، والرأي، والتعليم، والمساواة أمام القضاء، والوظائف العامة، والتكاليف العامة ( ) .
    جـ - القانون الإداري والمالي:
    يفصل بعض الكتـاب ( ) القـانون الإداري عن القـانون المالي، ولكن أصلهما واحد؛ لأن القانون المالي منبثق أصلا عن القانون الإداري، لذا نجد أكثر الكتاب يعدونهما قسما واحدا، لتقارب النواحي الإدارية والمالية للدولة من بعض.
    ويعرف القانون الإداري بأنه مجموعة القواعد التي تبين كيفية أداء السلطة التنفيذية لوظائفها ( ) .
    ويبحث القانون الإداري في المواضيع التالية:
    - تحديد أجهزة الدولة الإدارية المختلفة، وطرق تكوين كل منها، وعلاقة بعضها ببعض، وعلاقتها بالسلطات العامة الأخرى.
    - كيفية ممارسة الإدارة لنشاطها، والأساليب المتبعة في ذلك.
    - صور النشاط الإداري المخـتلفة، وأسس اختلافـها عن صور النشاط العام الأخرى للدولة.
    - صلة الإدارة بالعاملين فـيها، والقواعد التي تنظم اخـتيارهم، وتحدد حـقوقهم وواجباتهم، والمزايا الممنوحة لهم، والضمانات التي توفر لهم الحماية.
    - تبيين الأموال العامة، والنظام القانوني لها، وكيفية إدارتها والانتفاع بها، والتفريق بينها وبين المال الخاص.
    - تنظيم القضاء الإداري بترتيب المحاكم الإدارية، وتحديد اختصاصاتها وقواعد الطعن أمامها بالقـرارات والأعمـال الإداريـة المخـالفـة للقانون ( ) .
    ويعرف القانون المالي، بأنه مجموعة الأحكام التي تنظم حـصول الدولة على دخلها وطرق إنفاقها لهذا الدخل ( ) .
    ويبحث القانون المالي في المواضيع التالية:
    - النفقات العامة للدولة، وذلك بتحديد أوجه إنفاق المال العام.
    - الإيرادات العامة للدولة من رسوم وضرائب وغيرها.
    - القروض العامة وكيفية تحصيلها.
    - القواعد التي تتبع في تحـديد الميزانية السنوية للدولة، وفي تنفيذها والرقابة على هذا التنفيذ.
    د - القانون الجنائي:
    وهو مجموعة الأحكام التي تحدد الجرائم، والعقوبات المقررة عليها، والإجراءات التي تتبع في تعقب المتهم ومحاكمته، وتوقيع العقاب عليه ( ) .
    ويتضح أن القانون الجنائي يشتمل على طائفتين من الأحكام: أحكام موضوعية، وهي التي تبين الجرائم وتحديد العقوبة لكل جريمة، وأحكام إجرائية وهي التي تبين الإجراءات التي يجب اتباعها منذ وقوع الجريمة إلى حين توقيع العقاب على الجاني.
    وعلى ذلك فالقانون الجنائي ينقسم إلى فرعين كل منهما مستقل عن الآخر، أحدهما: قانون العقوبات، والثاني: قانون الإجراءات الجنائية.
    - فـقـانون العـقوبات: هو مـجـمـوعـة الأحكام التي تحـدد الجـرائم والعقوبات ( ) وينقسم إلى قسمين، هما:
    قسم عام: يشمل القواعد التي تحدد الأحكام العامة للجريمة والعقوبة، فـيبين أنواع الجرائم من جنايات وجنح ومـخـالفات، وأركان الجـريمة، والأحكام التي تحدد العقوبات من حيث أنواعها، وحالات تعددها، ومتى تخفف، ومتى تسقط، ومتى يعفى منها.
    قسم خـاص: يشمل الأحكام الخـاصـة بكل جـريمة على حـدة، ويبين أركانها، وصورها المختلفة، والعقوبات التي توقـع على مرتكبيها ( ) .
    - وقانون الإجراءات الجنائية: هو مجموعة الأحكام التي تبين الإجراءات التي يجب اتباعها، منذ أن تحدث الجريمة إلى أن يوقـع العقاب على مرتكبها، من حـيث ضبط المتهم، والقبض عليـه، والتحـقيق معه، ومحاكمته، وتنفيذ العقوبة المحكوم عليه بها ( ) .
    ثانيا: فروع القانون الخاص:
    يعتبر القانون المدني أصلا للقانون الخاص، وبالانفصال عنه نشأت فروع أخرى للقانون الخاص، وهذه الفروع إما أن تحكم قواعد موضوعية كالقانون التجاري والبحري والجوي والعمل، أو قواعد إجرائية كقانون أصول المحاكمات المدنية، وقانون المرافعات التجارية والمدنية، وإلى جانب هذه الفروع ظهر فـرع آخـر وهو: القانون الدولي الخـاص؛ حيث تنفرد أحكامه بوظيفة معينة فيما يتعلق بالأمور ذات العنصر الأجنبي؛ وعلى هذا فتكون فروع القانون الخاص خمسة، هي:
    أ - القانون المدني:
    وهو مجموعة الأحكام التي تنظم الروابط الخاصة بين الأشخاص في المجتمع، إلا ما يتكفل بتنظيمه فرع آخر من فروع القانون الخاص ( ) وهذا يعني أن القانون المدني يعتبر الأصل في علاقات القانون الخاص، وذلك لأن القانون المدني هو أصل الفروع الأخرى للقانون الخاص، ويعني:
    - أنه ينظم ارتباط الأفراد بغض النظر عن طبيعتهم ومهنتهم التي يمتهنونها، وبخـلاف الفروع الأخرى من القانون الخـاص، التي تعنى بطوائف ومهن معينة، أو حالات وأوضاع معينة.
    - أن قـواعـده يرجـع إليها في كل مسـألة مسكوت عنها في الفروع الأخرى من فـروع القانون الخـاص، عدا القانون الدولي الخـاص، وهذا الفرع ينظم نوعين من الروابط، هما: الأحوال الشخـصية، والأمور المالية ( ) .
    ب - القانون التجاري:
    وهو مـجموعة الأحكام التي تنظم نشاط التـجار في ممارستهم لمهنتهم ( ) والمعاملات التجارية لا تعدو أن تكون معاملات مالية تشبه ما ينظمه القانون المدني منها، وهي ما كانت في البداية محكومة بقواعد هذا القانون، إلا أنه تبين بعدئذ قصور هذه القواعد عن سد حاجـات التعامل التجاري إلى السرعة والأمان؛ فبدأت النظم الخاصة بالتجارة تظهر تدريجيا، وكمل تنظيمها حتى استوت على سوقها، فشكلت فرعا مستـقـلا عن القـانون المدني، هو القانون التـجـاري، ويلحق بالقانون التـجاري: القانون البـحـري، والقانون الجـوي. فـالقـانون البـحـري هو مجموعة الأحكام التي تنظم النشاط التجـاري البحـري، فهو جـزء من القانون التجـاري، ولكن نظرا لازدياد عدد قـواعده استقل حـتى أنه من الممكن أن يعتبر فرعا مستقلا من فروع القانون الخاص.
    والقانون الجوي، أحدث فروع القانون الخاص، وهو مجموعة الأحكام التي تنظم المسائل المتعلقة بالملاحـة الجوية، على غرار تنظيم القانون البـحـري لمسائل الملاحـة البـحـرية، وقـد بدأت قـواعده بعد استعمال الطائرات وسائل نقل، ونظرا لحداثته لا تزال القواعد المكونة له متبعثرة في عدة تشريعات ولم تقنن بعد ( ) .

    جـ - قانون العمل:
    وهو مجموعة الأحكام التي تنظم الارتباط بين العمال وأصـحـاب العمل ( ) وهذا الفرع حديث المنشأ نسبيا، فقد كانت العلاقـة بين العامل ورب العمل تخضع للقانون المدني، وكـان نشوء هذا الفرع رد فـعل من جانب العمال الذين تكونت منهم طبقة اجتماعية جديدة لها وزنها وقوتها، بعد قيام النهضة الصناعية الحديثة؛ للاختلال الحاصل في عقد العمل، الواضح في جور الشروط والقيود التي يفرضها أرباب العمل.
    د - قانون المرافعات:
    قانون أصول المرافعات المدنية والتجارية كما يسميه فقهاء القانون المصري أو قانون أصول المحاكمات المدنية، كما يسميه فقهاء القانون اللبناني، هو مجموعة الأحكام التي تنظم السلطة القـضائية، وتبين الإجراءات الواجب اتباعها لتطبيق الأحكام الموضوعية في القانون المدني والقانون التجاري ( ) .
    فهو قانون إجرائي يتكفل بأمرين هما:
    1 - تنظيم السلطة القضائية، وذلك بتنظيم مجموعتين من القواعد هما:
    - قواعد النظام القضائي، وهي التي تبين أنواع المحـاكم وتشكيلها، وشروط تنصيب القضاة، وحقوقهم، وواجباتهم.
    - قـواعد الاختصاص، وهي التي تتعلق بتوزيع ولاية القضاء على المحاكم بطبقاتها المختلفة.
    2 - بيان الإجراءات التي تتبع لحماية الحقوق واقتضائها ( ) .

    هـ - القانون الدولي الخاص:
    وهو مجموعة الأحكام التي تعنى بصفة أساسية، ببيان المحكمـة المخـتصة، وتحـديد القانون الواجب التطبيق فـيمـا يتعلق بالعلاقـات القانونية الخاصة والتي يدخل العنصر الأجنبي طرفـا فيها ( ) . أي تلك العلاقات التي تدخل ضمن نطاق القانون الخاص، ويكون أحد عناصرها متصلا بدولة أجنبية، فيوضح هذا القانون المحكمة المختصة والقانون الواجب تطبيقه في واقعة ما.
    ويضم في نطاق موضوعات القانون الدولي الخاص، موضوعات ثلاثة أخرى وذلك باعتبارها مسائل أولية، قد تسهم في تعيين الاخـتصاص القضائي أو التشريعي، وهذه الموضوعات هي:
    - الجنسية وهي علاقة تبعية الفرد للدولة.
    - الوطن، وهو علاقة الفرد بالدولة نتيجة إقامته فيها.
    - مركز الأجانب، وهو ما يمكن أن يتمتع به الأجانب من حقوق، أو يتحملوه من تكاليف وواجبات في الدولة التي يوجدون على أرضها ( ) .
    ويلاحظ أنه على الرغم من وجود كلمة " دولي " في هذا القانون، إلا أنه في الواقـع قانون وطني، فلكل دولة قواعد تطبق في محاكمها في هذا الخصوص، كما تطبق أي قـانون داخلي، وقـد تختلف من دولة لأخـرى، بخلاف القانون الدولي العام، الذي تعتبر قواعده واحدة واجبة الاحترام من جميع الدول على حد سواء ( ) .
    وفي الصفحة التالية شكل يوضح أقسام القانون وفروعه.
    * * *

    - أقسام القانون وفروعه التي تم كرها في هذا المبحث:

    الفصل الثاني
    الدستور

    المبحث الأول: تعريف الدستور
    المبحث الثاني: أنواع الدساتير
    المبحث الثالث: أساليب نشأة الدستور وتطوره في العصر الحديث
    المبحث الرابع: أساليب نهاية الدستور
    المبحث الخامس: مصادر الدستور
    المبحث السادس: مقومات الدستور الأساسية

    الفصل الثاني
    الدستور
    المبحث الأول
    تعريف الدستور
    - التعريف اللغوي:
    الدستور كلمة فارسية تعني الدفتر الذي تكتب فيه أسماء الجند، والذي تجمع فيه قوانين الملك، وتطلق أيضا على الوزير، وهي مركبة من كلمة " دست " بمعنى قاعدة، وكلمة " ور" أي صاحب، وانتقلت إلى العربية من التركية بمعنى (قانون، وإذن) ثم تطور استعمالها حتى أصبحت تطلق الآن على القانون الأساسي في الدولة ( ) .
    - التعريف الاصطلاحي:
    يعرف الدستور اصطلاحا بأنه مجموعة الأحكام التي تبين شكل الدولة ونظام الحكم فيها، وسلطاتها، وطريقة توزيع هذه السلطات، وبيان اختصاصاتها، وبيان حقوق المواطنين وواجباتهم ( ) .
    وينطبق تعريف الدستور هذا على تعريف القانون الدستوري؛ لأن القانون الدستوري هو الأحكام الدستورية المطبقة في بلد ما، والدستور المطبق في بلد ما هو مجموعة الأحكام الدستورية الخاصة بهذا البلد.
    ويعتبر الدستور أهم القوانين السارية في الدولة، بل أساس هذه القوانين، ويجب ألا تخالف القوانين حكما أو أحكاما دستورية.
    ويجـرى وضع الدسـتـور عادة عن طريق سلطة أعلى من السلطة التشريعيـة، وتسمى السلطة التأسيسية، وتتم إجـراءات تعديل أحكام الدستور بطريقة أشد تعقيدا من الإجـراءات المتبعة لتـعديل الأحكام القانونية الأخرى.
    وتطلق كلمة الدستور أحيانا فتنصرف إلى الوثيقة التي تحمل هذه التسمية، أو ما يراد ضمنها، مثل القانون الأساسي للدولة، وهذا هو المعنى الشكلي للدستور، إلا أن هذا التعريف يخرج ما قد يكون دستوريا بطبعه إذا لم يرد في تلك الوثيـقـة، كـالأمـور الدسـتـورية التي يكون العـرف مصدرها.
    وظهور المعنى الشكلي للدستور، كان نتيـجـة لانتشار حركة تدوين الدسـاتيـر في العصر الحديث، تلك الحـركة التي بدأت في الولايات المتحـدة الأمريكية ومنها إلى فـرنسا، ثم إلى بقية الدول، حـيث كانت دساتير الولايات المتحدة الأمريكية ثم دستورها سنة 1778م أول الدساتير المكتوبة في التاريخ الحديث، تلاه الدستور الأول للثورة الفرنسية سنة 1971م، وانتشرت بعد ذلك حركة تدوين الدساتير فعمت بلاد العالم ( ) .
    * * *

    المبحث الثاني
    أنواع الدساتير
    يتم تحديد نوع الدستور وفقا للمعيار الذي يرجع إليه عند التحديد، وهناك معياران لتحديد نوع الدستور هما: التدوين، وكيفية التعديل.
    من حـيث التدوين وعدمه، يكون للدستور نوعان، دستور مدون، ودستور غير مدون.
    ومن حيث كيفية التعديل، يكون للدستور نوعان أيضا هما: الدستور المرن، والدستور الجامد، وفيما يلي توضيح ذلك.
    أولا: من حيث التدوين وعدمه:
    تنقسم الدساتير من حيث المصدر إلى نوعين، وهما الدساتير المدونة والدساتير غير المدونة أو العرفية، ويرى البعض ( ) . أن استخدام مصطلح غير المدون أدق، لأنه يشمل المصادر غير التشريعية، سواء تمثلت في العرف أو القضاء.
    ومناط هذا التقسيم هو التدوين، والمقصود بالتدوين ليس فـقط تسجيل الحكم في وثيقة مكتوبة، وإنما المقصود به التسجيل في وثيقة رسميـة من سلطة مخـتصة بسنها وهو ما يسمى بالتدوين الفني أو الرسمي ( ) .
    ويعتبر الدستور مدونا إذا كان صادرا في أغلبه في وثيقة أو عدة وثائق رسمية عن طريق المشرع الدستوري، ويعتبر غير مدون إذا كان مسـتمدا في أغلبه عن طريق العـرف أو القضـاء، وليس عن طريق التشريع ( ) .
    والحقيقة أن تقسيم الدساتير إلى مدونة وغير مدونة، هو تقسيم نسبي فلا يوجد دستور في العالم إلا ويشمل أحكاما صدرت عن طريق التشـريـع، وأخـرى صدرت عن المصـادر الأخـرى المتمثلة في العرف والقضاء، ومثال ذلك دستور إنجلترا حيث يعتبر المثال التقليدي للدستور غير المدون، وبالرغم من ذلك فهو يشمل وثائق رسمية لها أهميتها كالعهد الأعظم Magna Charta سنة 1215 م، وملتمس الحقوق سنة 1628م Potition Of Rights وقانون الحقوق Bill Of Rights وقانون توارث العرش Act Of Settlement Act سنة 1701 م وقانون البرلمانParliament Act سنة 1911م ( ) .
    ‌‌‌وتؤكد التجارب الدستورية في الدول ذات الدساتير المدونة أنه مهما يكن الدستور المدون للدولة مفصلا، فلا بد أن ينشأ عقب صدوره ظروف وتطورات، تؤدي إلى نشؤ أحكام جديدة تفسره، أو تكمله، أو تعدله، يكون مصدرها العرف أو القضاء. وأغلب دول العالم لها اليوم دساتير مدونة ما عدا بريطانيا، حيث انتشرت حـركة تدوين الدساتير بعد استقلال الولايات المتحدة الأمريكية ووضعها لدساتيرها المدونة.
    ثانيا: من حيث كيفية التعديل:
    تنقسم الدساتير حسب هذا المعيار إلى دساتير مرنة، وأخرى جامدة، فالدساتير المرنة هي التي يمكن تعديلها بالإجراءات نفسها التي تعدل بها القوانين العادية، والدساتير الجامدة هي التي يتطلب تعديلها إجراءات أشد من الإجراءات التي يعدل بها القانون العادي.
    والهدف من جعل الدستور جامدا، هو كفالة نوع من الثبات لأحكامه عن طريق تنظيم يجعل تعديله عسيرا ( ) .
    وكون الدستور جامدا يحمي مواده من العبث والتغيير المستمر، لسبب ولغير سبب.
    وتنقسم الدساتير الجـامدة إلى دساتير تحظر التعديل، ودساتير تجيزه بشروط خاصة:
    1 - فالدساتير التي تحظر التعديل لا ينص على الحظر فيها صراحة، وإنما يتم اللجوء إلى الحظر الزمني، أو الحظر الموضوعي، ويقصد بالحظر الزمني، حماية الدستور فترة من الزمن - لضمان نفاذ أحكام الدستور كلها أو جزء - تكفي لتثبيتها قبل أن يسمح باقتراح تعديلها، مثال ذلك دستور الاتحاد الأمريكي الصادر سنة 1789م، فقد حظر تعديل بعض أحكامه قبل سنة 1808م.
    أما الحظر الموضوعي فيقصد به، حماية أحكام معينة، بحيث لا يمكن تعديلها، ويكون هذا عادة للأحكام الجـوهرية في الدستور، ولا سيما ما يتعلق منها بنظام الحكم المقرر، ومثاله الدستور الفرنسي لسنة 1875م، حيث نصت المادة الثامنة منه، وفقا للفقرة المضافة إليها في 14 أغسطس 1884م، بأنه لا يجوز أن يكون شكل الحكومة الجمهوري محلا للتعديل ( ) .
    2 - أما الدساتير التي تجيز التعديل بشروط خاصة: فـتـختلف هذه الدساتير في كيفية تعديلها، والشروط المعتبرة لذلك، ويرجع هذا الاختلاف لاعتبارين: أحدهما سياسي، والآخر فني، أما الاعتبار السياسي فيتمثل في أن التنظيم المقرر لتعديل الدستور لا بد وأن يرعى جـانب السلطات التي يقوم عليها نظام الحكم، وأما الاعتبار الفني، فيتمثل في أسلوب الصياغة المأخوذ بها عند وضع الدستور، ويظهر جليا أثر هذه الأساليب في ناحيتين هما:
    - شرط التماثل في الأوضاع القانونية بين نشأة الدستور وتعديله، مما يؤدي إلى التشدد في إجراء التعديل.
    - الاقـتصار على تنظيم الأسس الجـوهرية في الدستور، مما يؤدي إلى التشدد في إجراءات تعديله، بينما إيراد التفصيلات في الدستور ينتج عنه التيسير في تعديله ( ) .
    وتحـسن الإشارة - قـبل خـتم هذا المبـحث - إلى أن بعض الباحـثين القانونيين ( ) يخلط بين تقسيم الدساتير إلى مدونة وغير مدونة، وتقسيمها إلى مرنة وجامدة، معتبرا أن كل دستور مدون جامدا، وكل دستور غير مدون مرنا، وهذا الخلط غير صحيح، لاخـتلاف هذين التقسيمين من حيث المعيار الذي على أساسه تم التقسيم، فـهذا مرتبط بالمصدر، وذاك مرتبط بكيفية التعديل، ومن خلال تتبع بعض التجارب الدستورية المختلفة، نجد أنه قد يكون الدستور مدونا ومرنا في الوقت نفسه، كما في دستور فرنسا لسنة 1814م، وسنة 1830م، ودستور إيطاليا لسنة 1848م، ودستور الاتحاد السوفيتي لسنة 1918م، ودستور إيرلندا الحرة لسنة 1922م.
    وقـد يكون الدستور غير مدون ومستندا إلى العرف، وهو في الوقت نفسـه جامد، ففي المدن اليونانية القديمة وجدت تفرقـة بين القوانين العادية وقوانين أخرى، مثل القوانين الدائمة وقوانين المدينة، وكان يشترط لتعديل الأخيرة شروط خاصة وإجراءات أكثر أهمية، مما يضفي عليها صفة الجمود، وكذا في العهد الملكي في فرنسا وجدت القوانين الأساسية التي لم يكن يكفي لتعديلها موافقة السلطة التشريعية العادية وإنما يلزم لذلك موافقة الهيئة النيابية ( ) .
    ولعل سبب هذا الخلط هو أن دساتيـر العـالم اليوم أصبـحت في الغالب مدونة، فيما عدا الدستور الإنجليزي، وأنها في الوقت نفسه جامدة فـارتبطت لدى القائلين بذلك فكرة التدوين بالجمود، وفي المقابل فكرة عدم التدوين بالمرونة.
    * * *

    المبحث الثالث
    أساليب نشأة الدستور وتطوره في العصر الحديث
    يرى بعض ( ) فقهاء القانون الدستوري أن نشأة الدساتير تنحصر في طرق ثلاثة، هي:
    1 - طريق المنحة، كـالدستور الفرنسي لسنة 1814م حينما منح لويس الثامن عشر ذلك الدستور للأمة الفرنسية عقب سقوط نابليون، والدستور الروسي الصادر سنة 1906م، والدستور الياباني الصادر سنة 1889 م.
    2 - طريق جمعية وطنية منتخبة من الشعب، تصدر الدستور كما هو الحال في الدستور البلجيكي سنة 1875م، ودستور الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1787م، والدستور الألماني سنة 1919م.
    3 - طريق وسط بين الطريقين السابقين، بحيث يكون الدستور نتيجـة تعاقد بين الملك وشعبه، كما حدث ( ) في إنجلترا عند صدور العهد الكبير سنة 1215م، وإعلان الحقوق سنة 1688م ( ) .
    ويرى آخرون أن نشأة الدساتير محصورة في طريقتين، هما:
    1 - الأساليب الملكية، وتنقسم إلى أسلوبي المنحة والتعاقد.
    2 - الأساليب الديمقراطيـة، وتنقسم إلى أسلوبين، همـا الجـمـعـية التأسيسية، والاستفتاء التأسيسي.
    وقد تضمنت هاتان الطريقتان أربعة أساليب، يضيف إليها البعض ( ) أسلوبا خامسا، وهو الاستفتاء السياسي.
    والحقيقة أن حصر طرق نشأة الدساتير في أساليب معينة أمر غير مسلم به لأنه يمكن أن تتنوع هذه الطرق تبعا لتنوع أنظمة الحكم وأن تتطور بتطورها؛ وأن هذه الطرق التي حددها الفقهاء القانونيون، والتي عرفت حتى الآن، إنما تعكس في نشأتها المراحل الرئيسية التي مرت بها أنظمة الحكم، وهذا ما يرجحه بعض ( ) فقهاء القانون، وعليه فإنه يمكن تحديد المراحل التي مر بها هذا التطور، وحصرها في ثلاث مراحل، هي:
    المرحلة الأولى:
    اتسمت بوجود تيارات في الدول الأوربية تطالب بوجود الدستور، فـوجـد الدستـور عن طريق المنحـة من قـبل ملوك الدول الأوربيـة إلى شعوبهم.
    المرحلة الثانية:
    تميزت بازدياد قوة تلك التيارات بحيث وجدت الدساتير عن طريق مشاركة الشعب في السلطة التأسيسية، وهي الطريقة التي تسمى طريقة التعاقد.
    المرحلة الثالثة:
    تميزت بتغلب تلك التيارات، وذلك بصدور الدساتير عن طريق سلطة تأسيسية منتخبة من الشعب، وأول ما نشأ من ذلك، أسلوب الجمعية التأسيسية في الولايات المتحدة الأمريكية وذلك عند استقلالها عن إنجلترا سنة 1776م، والدستور الاتحادي الذي وضعه مؤتمر فـلادلفيا سنة 1787م، ثم أخذ هذا الأسلوب في الانتشار حيث لقي إقـبالا كبيرا في فرنسا، إلا أنه ساعد على إقرار الفكرة التي كانت قـائمة وقـتها في فرنسـا والمتضمنة التفريق بين القوانين الدستورية والعادية، عن طريق وجود سلطتين، إحداهما تأسيسية، والأخرى تشريعية، وبعد انتشار مبدأ الديمقراطية لجـأ كثير من الدول لهذا الأسلوب في وضع دسـاتيرها، وخاصة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، كما في دستور ألبانيا لسنة 1946م، ويوغسلافيا لسنة 1946م، وإيطاليا لسنة 1947م ( ) .
    ومما تقدم يتبين أن أساليب نشأة الدساتير تتنوع تبعا للظروف التي يوجد فـيها كل دستور، ولا ينبغي للباحث أن يعالج هذه الأساليب بصورة توحي بأنها قابلة للحصر، وإنما يجدر به أن يردها إلى اتجاهات رئيسة تبرز السلطة التي تولت إنشاء الدساتير على النحو الذي سبق، لأنه يمكن أن تنشأ أساليب أخرى غير هذه الأساليب التي يحددها رجال القانون، وفق ظروف وبيئات معينة تكون لها سمات فكرية وحضارية تختلف كثيرا أو قليـلا عن تلك الملامح الفكرية والحـضارية والتاريخية لهذه الدول التي نشأت فيها الأساليب التي يحددها فقهاء القانون الدستوري، وبالتالي فإنه لن يكون هناك أي حرج على الباحث، في اعتبار هذه الأساليب من أساليب نشأة الدساتير وبالعكس في حالة الالتزام بطرائق معينة لنشأة الدساتير، فـإن الباحث يلزم نفسه بإقـحـام الأساليب غير المحـصورة، بالأساليب المحـصورة، بشكل أو بآخر، وينتج عن ذلك خلط في المفاهيم والأساليب، وعدم اعتبار للظروف التي صاحبت وجود أسلوب أو أساليب معينة، علما بأن هذه الظروف والمتغيرات هي الأساس الذي ينبغي أن يركز عليه الباحث، باعتبارها متغيرات رئيسة لإقرار الفكرة التي يهدف إليها في بحثه.
    * * *

    المبحث الرابع
    أساليب نهاية الدستور
    يقصد بنهاية الدستور، إلغاؤه كليا، أو تعديله تعديلا شاملا.
    ومن تتبع بعض التجارب الدستورية المختلفة، وجد أنه وإن اختلفت الدساتير من حيث كيفية نهايتها، إلا أنه بشكل عام، يمكن أن ترجع هذه الكيفية إلى أساليب ثلاثة، هي:
    1 - الأسلوب العادي:
    في ظل الدساتير المرنة، هناك سلطة واحدة تملك تعديل القوانين جميعا بالإجراءات نفسها، أما في حالة الدساتير الجامدة، فإن تعديلها يتطلب إجـراءات أشد من الإجراءات المتبعة لتعديل القانون العادي، ومعظم الدساتير الجامدة لا تنظم سوى الكيفية التي تعدل بها تعديلا جزئيا، بحيث تجيز للسلطة المختصة بإنشاء الدستور تعديل بعض أحكامه ولا تجيز لها إلغاءه، أو تعديله تعديلا شاملا.
    والقاعدة المتبعة في القانون الوضعي، أن الأمة بوصفها صاحـبة السلطة التأسيسية الأصلية هي صاحبة الحق فقط في إلغاء دستورها في أي وقت تشاء وأن تضع دستورا جديدا عن طريق جمعية تأسيسية تنتخبها، أو استفتاء تأسيسي أو عن أي طريق دستوري آخر تراه ملائما لتحقيق هذا الغرض.
    وعلى هذا يكون إنهاء الدستور بالأسلوب العادي، أو ما يمكن أن يسمى بالأسلوب السلمي، يختلف حسب نوعية الدستور في كل دولة، هل هو جامد أو مرن، وهل ينص على كيفية التعديل والإلغاء في بنوده أو لا ينص ( ) .

    2 - الأسلوب غير العادي:
    ويسميه البعض الأسلوب الثوري يكون ذلك بإلغاء الدستور نتيجة لظروف غير عادية أدت إلى هذا الإلغاء أو إلى تعطيل الدستور.
    ويظهر هذا الأسلوب بوضوح في التاريخ الدستوري الفرنسي، فـإن الذين يتسببون في هذا الإلغاء أو التعطيل يقصدون تحقيق أهداف مختلفة، سواء أكانت سياسية أم اقتصادية، أم اجتماعية، أم غيرها، يكون سبيلهم إليها تسلم سلطات الحكم، ويؤدي ذلك إلى سـقوط الدستور القائم إنشاء دستور جـديد، وبغض النظر عن صحة هذا الأسلوب في تحـقيق الأهداف، وهل له سند قانوني أو لا، مما هو مجال بحث وخلاف بين فقهاء القانون الدستوري، فإن ما يهدف إليه هذا المبحث هو معرفة الأثر المترتب على ذلك، وهو نهاية الدستور القائم وقيام بديل له.
    والفقهاء القانونيون متفقون على أن سقوط الدستور لا يسقط القوانين العادية التي صدرت بإجراء سليم في ظل الدستور السابق، ما لم ينص على ذلك صراحة أو ضمنا، وكذلك الأحكام الموجودة في الدستور وليست أحكاما دستورية، فإنها تأخذ الحكم نفسه الذي تأخذه القوانين العادية؛ لأن إلغاء الدستور يقصد به تعديل النظام السياسي للدولة، وهذه الأحكام ليست من الأحكام الأساسية، وإنما وضعت في الدستور صيانة لها من التعديل وإعطاءها حصانة شكلية اكتسبتها من وجودها ضمن مواد الدستور؛ فتبقى هذه الأحكام، وهنا تزول عنها الصفة الدستورية وتعامل مستقبلا معاملة القوانين العادية، ما لم تعد إلى الدستور الجديد بنص صريح ( ) .
    3 - أسلوب العرف:
    وذلك أن العرف قـد يجـرى بعـدم تطبـيق الدستـور؛ نظرا لظروف تقتضي عدم تطبيقه، فالدستور موجود ولم يلغ، ولم يطالب أحد بإلغائه، ولكن يستقر العرف بعدم تطبيق نصوصه، وذلك مثل العرف الذي جرى بعـدم تطبيق الدستور الثـاني للثورة الفرنسـية الصـادر سنة 1793م، ويختلف الفقهاء في أثر العرف على الدستور القائم على رأيين: أحدهما يرى جوازه إذا توافرت أركان العرف المادية والمعنوية، والثاني يرى عدم الجواز، ويقولون: إن النصوص الدستورية لا تلغى بعدم التطبيق، وإنما بالطريقة نفسها التي وجدت بها ( ) .
    * * *

    المبحث الخامس
    مصادر الدستور
    حدد فقهاء القانون أربعة مصادر للدستور يستمد منها أحكامه، وهي: الفقه والقضاء، والعرف، والتشريع، وفيما يلي استعراض موجز لهذه المصادر:
    1- الفقه القانوني:
    يعتبر الفقه في السابق مصدرا للقانون، أي أن القاعدة القانونية التي مصدرها الفقه تكتسب صفة الإلزام، ومع التطور الذي مر على القانون بفروعه المختلفة، أصبح الفقه مصدرا ماديا للقانون، أي أنه الطريق الذي تتكون به القاعدة القانونية وتستمد منه مادتها وموضوعها، فلم يعد يعتمد عليه في تفسير النصوص التي يسنها المشرع، لذلك يسميه بعض الفقهاء بالمصدر التفسيري ( ) فالفقه يمثل الناحية العلمية أو النظرية للقانون، فهو لا يعدو أن يكون مجموعة من النظريات التي ليست لها صفة الإلزام، ويظهر أثر الفقه في مجال القانون الدستوري الإنجليزي أكـثر منه في مجالات القوانين الأخرى؛ لأن النصوص الدستورية في إنجلترا قليلة جدا، فتبقى محتاجة إلى أن تدرس من جانب الفقهاء ( ) .
    2 - القضاء:
    القضاء مجموعة الأحكام الصادرة من المحاكم أثناء تطبيقها للقانون على المنازعات المعروضة، وهي على ضربين:
    - أحكام عادية هي مجرد تطبيق للقانون.
    - أحكام متضمنة لمبادئ غير منصوص عليها أو حاسمة لخلاف حول النص.
    وكان القضاء مصدرا رسميا، وأصبح الآن مصدرا ماديا ( ) ويبرز دوره في تفسير النصوص التشريعية كالفقه، ولكنه يختلف عن الفقه في أن الفقيه يفترض أمورا محتملة لم تقع، ويقترح لها حلولا مناسبة ويردها إلى الأصول والنظريات، فـالفقه له طابع العمومية، واستباق الأحداث، ومسايرة التطور، أما القضاء فينظر فقط فيما يعرض عليه من قضايا ويسعى إلى الفصل فيها، على هدي الاعتبارات العملية التي تحتل المكان الأول في ساحـته، فـالفقه يمثل الناحية العلمية أو النظرية للقانون، والقضاء يمثل الناحية العملية أو التطبيقية، والأحكام الدستورية في بريطانيا تدين كثيرا للسوابق القضائية التي أنشأت أحكاما دستورية جديدة، إما بدعوى وتفسير أحكام دستورية غامضة، وإما لحسم خلاف حول نص دستوري أو بحكم في أمر لم ينص عليه ( ) .
    3 - العرف:
    اختلف الفقهاء القانونيين في كون العرف مصدرا رسميا للدستور على رأيين:
    - أحدهما، لا يسلم بغير التشريع مصدرا، وينكر كل قيمة للعرف إلا إذا أقـره المشرع، أو اعترف به القضـاء، إلا أن معتدلي هذا الاتجـاه يسلمون بالعرف مصدرا على أساس أنه يمثل الإرادة المفترضة للمشروع.
    - أما الرأي الآخر: فيعتبر العرف مصدرا، ويلقى هذا الرأي تأييد معظم فقهاء الدستور ( ) .
    ومعلوم أن فكرة الدولة ظهرت تدريجـيا تحت تأثير مجموعة من العوامل التاريخية، وذلك على مراحل متدرجة، إلى أن اكتملت عناصر قيامها، حيث صاحب ذلك استقرار مجموعة من القواعد التي تبين كيفية تنظيم سلطاتها، ومصدر هذه القواعد هو العرف؛ لأنها قواعد نتجت عن التقاليد والعادات، ومن ثم كانت قواعد عرفية.
    ولكن مع التطور التاريخي، وظهور الدساتير المكتوبة وانتشارها في معظم دول العالم، لم يعد العرف مصدرا رئيسا لقواعد الدستور فيما عدا إنجلترا، فـلا خلاف في أهمية العرف، ومكانته بالنسبة للدول التي ليس لها دساتير مكتوبة، ولكن يختلف الفقهاء حول دور العرف ومكانته واعتباره مصدرا للدستور بالنسبة للدول ذات الدساتير المكتوبة، وهم في ذلك على رأيين:
    - أحدهما: ينكر كل دور للعرف في الشؤون الدستورية.
    - والآخـر: يقـر للعرف هذه القواعد بالنسـبـة لنصوص وثيقـة الدستور ( ) .
    4 - التشريع:
    التشريع هو سن القواعد القانونية، وإكسابها قوتها الملزمة عن طريق سلطة مختصة وفقا لإجراءات معينة ( ) ولقد ازدادت أهمية التشريع باعتباره مصدرا رسميا للقانون بازدياد التطور التدريجي للمجتمعات، فبينما كان العرف مصدرا رئيسا للقواعد القانونية المنظمة للمجتمع في العصور القديمة أخذ دور العرف يقل تدريجيا، ويزداد دور التشريع، وذلك لانتقال المجـتمعات إلى مرحلة التنظيم السياسي وقيام الدولة، وكذلك لأنه أصلح المصادر الرسمية وأكثرها ملاءمة لحاجات الجماعة المتطورة، فـالعرف وإن كان يصدر عن الجماعة إلا أنه بطيء في نشوئه وتطوره، فـضلا عما قـد يشوبه من غموض بجهل قواعده، في حين أن التشريع وسيلة ميسرة وسريعة في انتشار القواعد القانونية وتعديلها، ووضوحها، وانضباطها، فالتشريع هو المصدر الرسمي الرئيس للقانون بشكل عام وللدستور بشكل خاص ( ) .
    ويحدد عادة في الدستور السلطة المختصة بالتشريع، وتسمى السلطة التشريعية، وكيفية ممارستها لواجباتها، وكيفية تكوينها، وقد يوجد في الدولة الواحدة أكثر من سلطة تشريعية، ففي الدول التي يكون دستورها غير مرن لا بد من وجود سلطة تأسيسية أو دستورية لإقـرار وتعديل الدستور، غير السلطة التشريعية المختصة بالتشريع العادي، فيكون تدرج قوة التشريع تسلسليا من التشريع الدستوري إلى التشريع العادي إلى التشريع الفرعي، ولا يجوز لأي تشريع أن يخالف تشريعا أعلى منه درجة، وفي حالة وجود ذلك يكون التشريع المخالف غير شرعي، ولضبط عملية مشروعية التشريعات، وتنظيم رقابتها، وت
    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 6322
    نقاط : 17825
    تاريخ التسجيل : 28/06/2013
    العمر : 32

     الإسلام والدستور ( ج1 ) - Empty رد: الإسلام والدستور ( ج1 ) -

    مُساهمة من طرف Admin السبت أغسطس 03, 2013 5:42 pm

    أولا: القرآن الكريم:
    يتفق علماء القانون الدستوري الذين تكلموا في مصادر الدستور في الإسلام على أن القرآن الكريم هو المصدر الرئيس والأول للدستور، وأنه جاء فيما يتعلق بالأمور الدستورية بأحكام كلية ومبادئ أساسية، فأغلب ما ورد في القرآن الكريم من أحكام إنما هو أحكام كلية وقـواعد عامة تجب مراعاتها في القضاء والاعتماد عليها في الاجتهاد، فلم يتعرض القرآن للتفصيلات أو الجزئيات في الأحكام الشرعية المتصلة بالقوانين؛ لاختلافها باختلاف البيئات وتغيرها بتغير المصالح، تاركا التفصيل في الجزئيات إلى السنة النبوية، والاجتهاد وفق ما تستدعيه المصلحة ( ) .
    وهذه الأحكام والقواعد الكلية الواردة في القرآن الكريم هي أحكام وقواعد فوق أحكام وقواعد الدستور، وفق المعنى الفني للدستور، فهي قواعد وأحكام فوق دستورية تلتزم السلطة التأسيسية التي تضع الدستور في كل دولة إسلامية باحترامها، فالدستور قابل للتعديل والتغيير وأحكام القرآن الكريم ليست كذلك ( ) .
    - الآيات الدستورية في القرآن:
    قررت النصوص القرآنية مبادئ أساسية يقوم عليها كل نظام دستوري عادل وهي الشورى والعدل والمساواة ( ) ( ) وتطرقت بعض الآيات القرآنية لأحكام دستورية معينة، مما يعتبر من المسائل المهمة التي يرجع إليها عند وضع دستور إسلامي.
    ونذكر فيما يلي بعض هذه الآيات وما قررته في المجال الدستوري:
    1 - الآيات المقررة لضرورة الشورى، مثل قـوله تعـالى: {    } ( ).
    2 - الآيات المقررة لمبدأ العدل، مثل قوله تعالى: {    ••    } ( ) .
    3 - الآيات المقررة لمبدأ المساواة، مثل قوله تعالى: {   } ( ).
    4 - الآيات المقررة لضرورة الحكم بما أنزل الله، مثل قوله تعالى: {      } ( ) .
    5 - الآيات المقررة لنظام القضاء والتقاضي بين الناس، وأنهم سواء أمام ساحة القضاء، مثل قوله تعالى: {  •           } ( ) .
    6 - الآيات المتـضمنة أحكاما للسلم والحـرب، مثل قـوله تعالى: {          } ( ) وقوله: {       } ( ).
    7- الآيات المتضمنة حقوق الأمة على الحاكم، مثل قوله تعالى: {           } ( ).
    8 - الآيات المتضمنة لحقوق الحاكم على الأمة، مثل قوله تعالى: {        } ( ).
    9 - الآيات المتضمنة لحق الحياة، مثل قوله تعالى: {      } ( ).
    10- الآيات المتضمنة للالتزام بالمعاهدات والوفـاء بها، مثل قوله تعالى: {      •       } ( ).
    11 - الآيات المتضمنة حق إبداء الرأي، مثل قوله تعـالى: {     } ( ) وقوله تعالى: {      } الآية ( ) .
    12 - الآيات المتضمنة لحق الملكية، مثل قوله تعالى: {  •      } ( ) .
    13 - الآيات المقررة لحرمة المسكن، مثل قوله تعالى: {      •        } ( ) .
    14 - الآيات المقررة لحق التكريم للإنسان، والذي تنفرد بذكره صراحة الشريعة الإسلامية، مثل قوله تعالى: {     } ( ).
    15 - الآيات المقررة لصيانة الأموال العامة، مثل قوله تعالى: {     •      •        •     } ( ).
    16 - الآيات المقررة لقاعدة الولاء والبراء في الإسلام، وهي ما تقابل في مصطلح الفقه المعاصر الخيانة العظمى مع الاختلاف في المنطلق والأساس، وذلك مثل قوله تعالى: {       • } ( ).
    17 - الآيات المقررة لعدم المساس بأمن المحايدين، مثل قوله تعالى: {              } ( ).
    18 - الآيات المقررة لحسن الجوار، مثل قوله تعالى: {                   •    } ( ) .
    19 - الآيات المقررة لرابطة الإنسانية وأنها فوق اعتبار الجنس والنوع، مثل قوله تعالى: {  ••                 •       •     } ( ).
    مما تقدم يتضح أن القرآن قد تضمن مسائل دستورية مهمة، ولكن يجب أن يلاحظ أن الآيات السابق ذكرها ليس المراد من إيرادها الحصر بل التمثيل، وإلا فـإن من الممكن استخـراج مسائل دستورية أخرى من القرآن الكريم ( ) .
    أما فيما يتعلق بالأمور المنظمة للشورى، والمحققة للعدل والمساواة وغيرها من تفاصيل الأحكام الدستورية فمتروك لأولي الأمر؛ ليفرعوا ويفصلوا حسب مقتضيات الحال ومصالح الناس دون أن يصطدموا بحكم تفصيلي شرعه القرآن، مراعين في ذلك تلك الأحكام الكلية، والنصوص الدالة على رفـع الحـرج، والدالة على إيجـاب الوفـاء بالعهد، والنصوص التي دلت على أن الأصل في الأشياء الإباحة ( ) .
    ثانيا: السنة النبوية:
    تعتبر السنة مصدرا رئيسا من مصادر التشريع، وهي المصدر الثاني للتشريع بالاتفاق، وفي مجال الدستور فـإن علماء القانون الدستوري المسلمين المعـاصرين متفقون على أن السنة مصدر رئيس للتشريع الدستوري الإسلامي، كما اتفقوا في شأن القرآن، ولكن الاختلاف بينهم في شروط معينة يراها البعض، ويعترض عليها البعض الآخر.
    فـبعض الباحـثين ( ) في القانون الدستوري أن سنة الآحاد لا يجوز الأخذ بها في مجال الأحكام الدستورية للاعتبارات التالية:
    1 - أهمية الأحكام الدستورية وخطورتها.
    2 - أن سنة الآحاد غير يقينية.
    3 - أنه ليس كل سنن الأحكام الدستورية تعد تشريعا عاما، بل إن هذه السنن بصفتها قاعدة عامة لا تعد تشريعا عاما.
    وقد رد على الاعتبار الأول، ونوقش ( ) بأن الأحكام الدستورية ليست إلا فـرعا من فروع القانون العام، كبقية الفروع، وبالتالي لماذا يكون لها هذا التخصيص، فما هي إلا جزء من الأحكام العملية التي اتفق الفقهاء على العمل بما فيها، وهي ما تقابل مباحث الإمامة، وأنها عند علماء أهل السنة من أحكام الفروع، ولا يرتفع بها إلى مرتبة الأصول سـوى غلاة الشيعة ( ) وبالتـالي فـلا مجـال لعدم الأخـذ بسنة الآحـاد في المسائل الدستورية وأحكامها التي لا شك في أهميتها، ولكن الرسول  أعمل خبر الآحاد فيما لا يقل خطورة عن تلك الأحكام وذلك مثل إرسال مبعوثين ورسلا إلى الدول المجاورة، وهم آحـاد مما قد يترتب عليه سلم أو حرب، بل إن الله تعالى أرسل رسله إلى الناس آحادا ( ) .
    أما فيما يتعلق بالاعتبار الثاني وهو عدم يقينيتها، فإن هذا الشرط لم يشترطه أحد من الفقهاء في أحكام الفروع، ثم إن عدم شهرة سنن الآحاد لا يعتبر دليلا على عدم صحتها، فلا علاقة بين الصحة والشهرة ( ) .
    وتقسيم العلماء للسنة إلى متواترة تفيد اليقين، وآحاد تفيد الظن الراجح اعتبار أصولي لا صلة له باعتبارها أساسا لابتناء الأحكام الشرعية ( ) .
    أما فيما يتعلق بالاعتبار الثالث، وهو أنه لا يمكن اعتبار سنن الأحكام الدستورية تشريعا عاما أو قاعدة عامة، فـإنه كلام غير مسلم به على إطلاقـه، فسنن الأحكام الدستورية تحتوي على تشريعات كلية وعامة وأخرى تفصيلية ووقتية، فالسنة النبوية تضمنت مبادئ دستورية شرعها الله على لسان نبيه  بماله من صفة النبوة والتبليغ، وهذا مما يعتبر تشريعا كليا.
    ثم إنه وردت نصوص السنة في الراعي والرعية، والبيعة والإمارة والطاعة للأمير، وكذلك في السنة تشريعات لحقوق الحاكم والأفـراد ومسؤولياتهم، وكذلك السلم، والحرب، والمعاهدات، والقضاء، والشورى، ومركز الأقليات الدينية، مما يؤكد أن السنة تحوي قدرا كبيرا من المسائل الدستورية التي لها أهمية كبرى في مجال الدستور في النظام الإسلامي، وهذه السنة معتبرة إذا توافرت فيها شروط الصحة، سواء كانت متواترة أو مشهورة أو آحادا ( ) .
    والحقيقة أن سنة الآحاد متى صحت نسبتها إلى الرسول صلى الله عليـه وسلم حـسب الشروط التي وضـعها علماء الحـديث فـإنها تكون مستندا ومصدرا للأحكام الشرعية، لا فرق بين الدستوري منها وغيره، لأن الصحيح أن خبر الواحد إذا توافـرت فيه شروط الصحة فهو حجة في العقائد والأحكام من غير تفريق بينهما، والعمل به على مقتضى الحكم الشرعي الذي يدل عليه، لأنه يفيد اليقين، وقيل لا يفيد اليقين إلا إن احتفت به قرائن دالة على صدقة مثل أن يرويه الشيخان البـخاري ومسلم ( ) .
    فـالسنة هي المصدر الثاني بعد كـتـاب الله للدستـور، في النظام الإسلامي، ثم إن تقسيم العلماء للسنن إلى عامة وغير عامة يجب ألا يحمل ما لا يحتمل بأن توضع أغلب الأحاديث والسنن في قـالب التشريع الوقتي، الأمر الذي يؤدي إلى رفض السنة بشكل غير مباشر.
    وبهذا يتبين ضعف الرأي القائل بأن سنة الآحاد لا تؤخذ في مـجال الأحكام الدستورية.
    ثالثا: الإجماع:
    يعتبر الإجماع المصدر الثالث للتشريع في الإسلام، فهو حجة شرعية يجب العمل به على كل مسلم ( ) . وذلك إذا توافرت فيه الأمور التالية:
    1 - توافر عدد المجتهدين في عصر وقوع الحادثة.
    2 - اتفاق جميع مجتهدي العصر على حكم واحد في الواقعة.
    3 - أن يبدي كل واحد من المجتهدين حكمه صراحة، سواء عن طريق الفتوى أو طريق القضاء، وسواء أبدوا آراءهم مجتمعين أو متفرقين.
    4 - أن يكون الإجماع على حكم شرعي كالصحة والفساد، فلو حصل أن اتفقوا على حكم عقلي، أو لغوي، لا يكون ذلك إجماعا شرعيا ( ) .
    فإن تحققت هذه الأمور، لم يكن لأحد أن يخرج عن الإجماع، فـالأمة لا تجتمع على ضلالة، ولكن كثيرا من المسائل يظن أن فيها إجماعا وهو ليس كذلك، بل قد يكون الرأي المخالف أرجح في الكتاب والسنة ( ) .
    أما من حيث التشريع الدستوري الإسلامي، ومدى كون الإجماع مصدرا من مصادر الدستور فإن الوقائع في التاريخ الإسلامي تظهر أنه كان مصدرا من مصادر الأحكام الدستورية، ومن أمثلة ذلك إجماع الصحابة على وجوب الإمامة، وعرف هذا الوجوب في الشرع بإجماع الصحـابة بعد وفاة الرسول  على بيعة أبي بكر الصديق  وتسليم النظر إليه في أمورهم، وكذلك في كل عصر من عصور الدولة الإسلامية فلم يترك الناس فوضى في عصر من العصور، واستقر ذلك إجماعا دالا على وجوب نصب الإمام ( ) ومن الأمثلة كذلك، الإجماع على البيعة بين الحاكم والمحكوم، وكذلك الإجماع على مـحـاربة المرتدين، وغيـر ذلك من الوقـائـع الدستـورية التي كـان مصدرها الإجماع.
    أما من حيث اعتبار الإجماع مصدرا للدستور في العصر الحديث فإن للباحثين في ذلك آراء ثلاثة هي:
    1 - لا مكان للإجـمـاع في العـصـر الحـديث، وبالذات في الأحكام الدستورية ويرجـع أصحاب هذا الرأي ذلك إلى أن الإجماع يكون في الأمور الدينية والأحكام الدستورية ليست كذلك، ولاستحالة انعقاد الإجماع بعد القرون الثلاثة الأولى ( ) .
    2- أنه ما دام أن الإجماع قد وقـع فـي العصور المتقدمة لمخـتلف الأحكام ومنها الدستورية، فـإن ذلك ممكن جدا في العصر الحـديث، عن طريق إنشاء مجمع فقهي يضم جميع الفقهاء في العالم الإسلامي، وعلماء القانون ويجتمعون دوريا وينظرون في الوقائع المستجدة كما يستفاد من وسائل الاتصالات ليضمن وصوله إلى من لم يحضر ( ) ويقصد أصحاب هذا الرأي الإجماع المعروف في الأصول.
    3 - أن الأحكام الصادرة عن الإجماع نوعان: ثابتة، ومتغيرة، فالثابتة يعتبر الإجماع فيها مصدرا ملزما، كالإجماع في أمر من أمور العبادات، والمتغيرة يعتبر الإجماع على حكم منها غير ملزم إلا في عصر الإجماع فقط، ومن هذا النوع الأحكام الدستورية ( ) .
    والرأي الذي يرجـح في هذه المسألة، أن الإجماع مصدر من مصادر التشريع الدستوري في العصر الحديث، ولكن وفق التفصيل الآتي:
    1 - إمكانية انعقاده عقلا مع الاعتراف بصعوبة ذلك واقـعا، ولكن هذه الصعوبة لا تخرج عن دائرة الممكنات إلى دائرة المستحيلات فقد تتغير الظروف والأوضاع ويصبح ممكنا.
    2 - خيالية بعض الحلول المقترحة، كالمجمع الفقهي القانوني الذي ذكره أصحاب الرأي الثاني، لصعوبة تحقيق الإجماع الأصولي.
    3 - ليست كل الأحكام الدستورية أحكاما متغيرة، بل فيها الثابت والمتغير، فبعضها ثابت وصادر عن طريق الإجماع، مثل الإجماع على وجوب الإمامة والبيعة، فهذه يكون الإجماع فيها ملزما للمسلمين في كل وقت، أما الأحكام المتغيرة مثل الإجماع على طريقة اختيار الخليفة، فيكون الإجماع في هذه الحالة غير ملزم إلا في وقت الإجماع فقط؛ لاخـتلاف الظروف من وقت لآخـر، كـما حدث فـي اختيار الخلفاء الراشدين، والإجماع على طريقة الشورى، وغير ذلك.

    رابعا: الاجتهاد:
    الاجتهاد هو المصدر الرابـع من مصادر التشريع الإسلامي، فإذا عرضت قضية ولم ينص على حكمها في الكتاب أو السنة أو الإجماع، فـإن الكتـاب والسنة دلا على مكانة الاجـتهاد، وأنه طريق من طـرق الوصول إلى الحكم الإسلامي ( ) مثل قوله تعالى: {        ••    } ( ) وقوله تعالى: {      } ( ) ومن السنة حديث معاذ عندما بعثـه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، وأمره بالرجـوع إلى الكتـاب، ثم السنة، ثم الاجتهاد ( ) .
    والفرق بين الإجماع والاجتهاد هو أن الاجتهاد رأي غير مجمع عليه، فإذا أجمع عليه كان الإجماع، ولذا تقدم الإجماع على الاجتهاد فصار أقوى منه والمجتهد لا يعتمد في اجتهاده على رأيه المجرد، بل عندما لا يجد النص من الكتاب أو السنة أو الإجماع فـإنه يغوص في الكتاب والسنة ويتلمس الأشباه والنظائر ثم يقيس الأمور وينظر فيها ( ) .
    وفي مجال التشريع الدستوري فإن الاجتهاد يعتبر مصدرا من مصادر الدستور في النظام الإسلامي، بل هو أوسع المصادر مجـالا بالنسبة للأحكام الدستورية. والاجتهاد في المسائل الدستورية يصدر عن طريق أولي الأمر ( ) . وإذا صدر الاجتهاد بشأن مسألة دستورية من أولي الأمر وفقا لقواعد الاجتهاد الصحيحة يكون الحكم واجب الطاعة والتنفيذ، لقوله تعالى: {           } ( ) إذ هو اجتهاد صحيح مقترن بالأمر فتجب طاعته.
    وذكر بعض الباحثين أن الحكم الصادر عن الاجتهاد بشأن مسـألة دستورية إذا كان صادرا من المجتهدين سواء أكانوا من مجتهدي الصحابة أو ممن بعدهم من مجتهدي الأمة إلى هذا العصر فإن هذه الاجتهادات تشكل مصدرا يستنير به الحاكم المسلم، ولا حرج عليه بأن يأخذ بأحد الاجتهادات في مسألة ما - بعد المشاورة -، وعندئذ له أن يأمر باتباع هذا الاجتهاد، ويجب على الأفراد الطاعة له ( ) .
    وهذا كلام لا يؤخذ على إطلاقه، فـإن الاجـتهاد إذا كان صحيـحـا وبشرائطه ولم يظهر ما يخالفه ولم يكن مرتبطا بزمن أو مكان أو قضية معينة فإنه يجب العمل به، أما إذا كان غير ذلك فـالحاكم يختار ما يراه أصلح لوقته بعد التشاور مع أهل الرأي والحل والعقد.
    وللاجـتهاد في استنباط الأحكام الشرعية أصول تحدثت عنها كتب الأصول والتشريع أهمها:
    1- القياس. 2- الاستحسان. 3- الاستصلاح.
    4- الاستصحاب. 5- العرف.
    ومن الأمثلة لبعض الأحكام الدستورية التي يمكن أن تستنبط عن طريق الاجـتهاد باستخدام القياس، قـياس أهل القوة والشوكـة ممن يصلحون للإمارة على قريش، بجـامع علة مشتركة بينهما هي القوة والشوكة فـيكون الأمير من غيـر قريش على أن يكون من أهل القوة والشوكة ( ) ومن الأمثلة كذلك ما فعله عمر  من فصله للسلطة القضـائيـة عن السلطة التنفيذية في بعض الأمور والأحوال، مستخدما المصلحة المرسلة، ومن ذلك يتضح أنه تم فعلا استنباط أحكام دستورية عن طريق الاجتهاد.
    وباب الاجـتهاد هذا - بقواعده الصـحيـحـة - هو الينبوع الذي يمد الأحكام الدستورية في العصر الحديث بالروح، والحيوية، ويجعلها مرنة ومتطورة حسب الحاجة وفق إطار ثابت وسياج قوي من كتاب الله وسنة رسوله  مما يعطي ثروة من الآراء والحلول في مجال الأحكام الدستورية، وهي بلا شك ليست ملزمة أو قطعية لطبيعتها الاجتهادية، ولذلك تعطى حكم المصادر الاحـتياطية أو التفسيرية، ولا تكون ملزمة إلا في حالة تبني أولي الأمر لأحد الاجتهادات، وبالتالي تلزم الطاعة في وقـت محـدد، أي ليست ملزمة على مر العصور؛ لأنها من الأحكام المتغيرة بتغير الأحوال لا الأحكام الثابتة ( ) .
    وبعد الكلام على مصادر الدستور الإسلامي يرد تساؤل عن مصادر الدستور الوضعي، ومكانتها من الدستور الإسلامي ؟ وللإجابة عن ذلك باختصار نقول:
    من المعروف أن مصادر الدستـور الوضعي هي الفقـه القانوني، والقضاء، والعرف، والتشريع، وهذه المصادر لا يمكن قبولها هكذا مجردة، لتكون مصادر للدستور في الإسلام، إنما يمكن الأخذ بها عندما لا تكون مخالفة لنصوص وأحكام الشريعة الإسلامية، وعند ذلك تدخل هذه المصادر جميعا ضمن مصادر الدستور في الإسلام.
    * * *

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 7:23 am