دور القاضي في حماية أموال القصر
تقديــــــم :
إن القاضي باعتباره حامي الحقوق، ينبغي أن يخوله القانون صلاحيات تمكنه من تفعيل هذه الحماية.
و بعدما تعرضنا في الفصل الأول من هذا البحث إلى أهم الجوانب القانونية التي تحكم الموضوع لاسيما ما تعلق منها بتعريف القاصر، و أمواله المشمولة بالحماية، الأهليــة، و علاقتها بحماية أموال القاصر بالنظر إلى حكم تصرفاته القانونية التي يباشرها على اختلاف أنماطها. سوف نتعرض في هذا الفصل إلى الميكانيزمات التي وضعها المشرع للقاضي، و التي يبدو لنا من خلالها أنها تعتبر من أهم مظاهر الحماية القانونية لهذه الأموال.
و قد قسمنا هذا الفصل إلى مبحثين، نتعرض في المبحث الأول إلى دور القاضي من خلال أحكام النيابة الشرعية المفروضة قانونا ، ثم في المبحث الثاني نتطرق إلى دوره من خلال الالتزامات المالية للأصول اتجاه الفروع القصر.
المبحث الأول
دور القاضي من خلال أحكام النيابة الشرعية المفروضة قانونا على القاصـر
تناول المشرع الجزائري أحكام النيابة الشرعية في الكتاب الثاني من قانون الأســـرة. فعديمو الأهلية و ناقصوها (و منهم القصر طبعا) يقرر لهم القانون أشخاصا يعينون لرعاية مصالحهم و القيام نيابة عنهم بالتصرفات القانونية التي تتطلبها تلك المصالح، و هؤلاء هم النواب القانونين من أولياء و أوصياء و قــوام، و هم بطبيعة الحال دائما كاملو الأهلية، إذ لا يتصور أن يعهد القانون برعاية مصالح ناقصي الأهلية إلى من هو ناقص الأهلية، و إلا انتفت الحكمة من إقامة النواب القانونيين(1).
و من خلال هذا المبحث سوف نتطرق إلى نقطتين أساسيتين هما :
-أنواع أحكام النيابة الشرعية المفروضة على القاصر (المطلب الأول).
-ثم نتطرق إلى دور القاضي في رقابة النائب الشرعي للقاصر (المطلب الثاني).
باعتبار أن النائب الشرعي للقاصر يخضع لرقابة قضائية تتمثل أساسا في وجوب أخذه لإذن قضائي قبل مباشرته لتصرفات معينة.
المطلب الأول
أنواع أحكام النيابة الشرعية المفروضة على القاصر
يحتاج القاصر إلى من ينوب عنه في رعاية مصالحه و إدارة أمواله، لذلك كان من الضروري وضع نظام قانوني يحقق هذا الهدف(2).
ـــــــــــــــــــــــ
(1)د. جمال مرسي بدر. النيابة في التصرفات القانونية- طبيعتها و أحكامها و تنازع القوانين فيها. دار الفكر العربي. 1980. ص 40.
(2) د. شمس الدين الوكيل. المرجع السابق. ص 62 -63.
و قد وضع المشرع الجزائري هذا النظام، فنص في المادة 81 من قانون الأسرة على أنه : (من كان فاقد الأهلية أو ناقصها لصغر في السن أو عته أو سفه ينوب عنه قانونا ولي أو وصي أو مقدم طبقا لأحكام هذا القانون).
ثم تطرق في ثلاثة فصول إلى أنواع النيابة الشرعية، و المتمثلة طبقا للمادة السالفة الذكر في الولاية (الفصل 2 من الكتاب 2 من قانون الأسرة)، ثم الوصاية (الفصل3)، ثم التقديم (الفصل 4).
و سنتطرق فيما يلي إلى كل نوع من هذه الأنواع، ثم نتعرض إلى حالة خاصة و هي حالة الكفيل .
الفرع الأول
الولايـــــــة على مال القاصــر
الولاية هي تدبير الكبير الراشد لشؤون القاصر الشخصية و المالية، و هي نوعـان إذن : -ولايـــة على النفس - و ولايـــة على المال، و هذه الأخيرة هي ما تهمنا، و يقصد بها الإشراف على شؤون القاصر المالية من استثمـــــار و تصرفات كالبيع و الإجارة و الرهن و غيرها(1).
و الولاية على مال الصغير هي نظام قانوني يهدف إلى حماية أمواله، و ذلك بتكليف شخص معين بأن ينوب عن هذا الصغير في مباشرة التصرفات القانونية التي حرم عليه أن ينفرد بمباشرتها، لذلك نجد أن الصبي غير المميز في حاجة كاملة إلى من ينوب عنه، ذلك أنه ممنوع من إجراء التصرفات القانونية أيا ما كان نوعها، أما الصبي المميز فحاجته إلى الولاية قاصرة على ما حرم عليه أن ينفرد بإجرائه(2).
ــــــــــــــــــــــــ
(1)أنظر : وهبة الزحيلي. الفقه الإسلامي و أدلته. ج7. دار الفكر دمشق. ط3 . 1989. ص 746.
(2) د. شمس الدين الوكيل . المرجع السابق. ص 63.
و الولاية على القاصر هي ولاية إجبارية(1)، و هذه الأخيرة يقصد بها تفويض الشرع أو القضاء التصرف لمصلحة القاصر، كولاية الأب أو الجد أو الوصي على الصغير، ولاية القاضي على القاصر. فمصدر ولايــــة الأب أو القاضي هو القانــون، و مصدر ولاية الوصي إما اختيار الأب أو الجد أو تعيين القاضي كما سنرى لاحقا.
من لـه حق الولاية على مال القاصر ؟
قبل التطرق إلى أصحاب الولاية على مال القاصر في قانون الأسرة، نلقي نظرة موجزة على أصحاب الولاية في المذاهب الإسلامية المعروفة لأخذ فكرة على ذلك(2)، كون قانون الأسرة الجزائري استلهم أحكامه من قواعد الشريعة الإسلامية.
-تثبت الولاية في المذهبين المالكي و الحنبلي للأب ثم لوصيه ثم للقاضي، ثم لمن يقيمه أمينا عنه، و لا ولاية للجد و غيره من القرابة.
-و عند الشافعية : الولاية للأب أولا ثم للجد أبي الأب، ثم لوصيهما ثم للقاضي.
-أما الحنفية فتثبت الولاية عندهم للأب ، ثم وصي الأب، ثم الجد، ثم وصي الجد، ثم القاضي، ثم وصي القاضي و هو من يعينه هذا الأخير.
إن ما نلاحظه هو أن حالات النيابة الشرعية عند الفقهاء (الولاية، الوصايــــة، و القوامة أو التقديم) كلها تندرج ضمن كلمة واحدة شاملة هي (الولاية)، إذ تستعمل هذه الكلمة و كلمة الوصاية بمعنى واحد، مع أن الولاية أوسع شمولا من الوصاية، فإذا كان صاحب الولاية معينا بنص شرعي كالأب فيسـمى وليا، و إن كان من الأب فيســـمى
وصيا مختارا، و إن كان معينا من القاضي سمي وصي القاضي و هو ما يدعى في الفقه الحديث بالقيم أو المقدم.
ـــــــــــــــــــــــ
(1)هناك الولاية الإجبارية و الولاية الاختيارية، و الولاية الاختيارية هي الوكالة أي تفويض التصرف إلى الغير (أنظر : د. وهبة الزحيلي. المرجع السابق. الجزء 4. ص 140).
(2)أنظر في ذلك : د. وهبة الزحيلي. نفس المرجع .ص 142 إلى 144، و أيضا معوض عبد التواب. المرجع السابق. ص 1469-1470.
في قانون الأسرة الجزائري، نصت المادة 87 على أنه : (يكون الأب وليا على أولاده القصر، و بعد وفاته تحل الأم محله قانونا).
و عليه، فإن الولاية على القاصر ثابتة قانونا للأب في المرتبة الأولى باعتباره رب الأسرة و الأقدر على رعاية شؤونهم، و في حالة وفاته تؤول هذه الولاية بقوة القانون دون حاجة لتدخل القاضي إلى الأم باعتبارها أحرص على مصالح أولادها، و منح الولاية للأم هو ما لم نجده كما رأينا عند الفقهاء.
و الولي في هذه الحالة( الأب أو الأم) يعتبر نائبا قانونيا على القاصر، و هو في هذه النيابة لا ينبغي له أن يتجاوز سلطاته، لذلك رسم له المشرع الحدود التي لا ينبغي له تعديها كما سنبينه في المطلب الثاني من هذا المبحث، و كل ذلك يعتبر من مظاهر الحماية لأموال القاصر، بل أن المشرع و أكثر من ذلك نص في المادة 90 ق.أ على أنه : ( إذا تعارضت مصالح الولي مع مصالح القاصر يعين القاضي متصرفا خاصا تلقائيا أو بناء على طلب من له مصلحة).
و عليه لا يجوز إذن منح الولاية لشخص آخر مع أن الأم موجودة إلا إذا ثبت له وجود تعارض بين مصلحة القاصر و مصلحتها.
و في هذا الصدد قضت المحكمة العليا في قرار لها(1) :
(من المقرر قانونا أنه في حالة وفاة الأب تحل الأم محله، و في حالة تعارض مصالح الولي و مصالح القاصر يعين القاضي متصرفا خاصا تلقائيا أو بناء على طلب من له مصلحة. و من ثمة فإن القضاء بما يخالف ذلك يعد مخالفا للقانون.
و لما كان الثابت أن قضاة المجلس لما قضوا بمنح الولاية لغير الأم بعد وفاة الأب دون إثبات التعارض بين مصالح القصر و مصالح الولي، فإنهم قد خالفوا القانون).
ـــ(1)المجلة القضائية العدد 1 لسنة 1997 ص 53. مستخرج من القرص المضغوط CD : الموسوعة القضائية لدار الهلال.
و إذا أردنا إلقاء نظرة على بعض القوانين المقارنة، فنجد مثلا أن القانون المصري و القانون السوري يأخذ برأي الأحناف في ترتيب درجات الأولياء على المال، فنصت المادة 172/1 من القانون السوري على أنه : (للأب و الجد العصبي عند عدمه دون غيرهما ولاية على مال القاصر حفظا و تصرفا و استثمارا) و هذا يوافق ما ذهب إليه القانون المصري (1).
انتهاء الولايـــــة :
نصت المادة 91 من قانون الأسرة على حالات انتهاء وظيفة الولي، و هي :
1/ العجــز : سواء كان العجز ناتجا عن حالة صحية مثلا تحول دون التمكن من رعاية المصالح المالية للقاصر، أو حتى عجزه في التدبير و التسيير، و هذا بتعريض أموال القاصر للخطر بسبب سوء تصرفه أو أي سبب آخر.
2/ الوفــاة : إذا توفي الولي انتهت ولايته و انتقلت إلى من يليه في الدرجــــــة، و عليه فإنه إذا توفي الأب تؤول الولاية بقوة القانون إلى الأم.
3/ الحجـــر : و قد نص المشرع على إجراءات الحجر في المادة 101 إلى 108 ق.أ، حيث أن المحجور عليه يعين له ولي أو وصي أو مقدم، فلا يعقل إذن أن يبقى هو وليا على غيره.
4/ بإسقاط الولاية عليه .
الفرع الثاني
الوصايـــــــــــة
نص المشرع الجزائري على أحكام الوصاية في المواد من 92 إلى 98 من قانــون الأسرة.
ــــــــــــــــــــــــ
(1)أنظر : وهبة الزحيلي. المرجع السابق. ج7. ص 750-751.
و الوصي هو شخص مختار يتولى رعاية أموال الصغير بإدارتها و التصرف فيها في الحدود التي رسمها له القانون، و هذا الاختيار قد يأتي من جانب الأب، فيحتل وصيه المرتبة الثانية من بعده، و إما أن يكون من جانب المحكمة و هي لا تختار إلا إذا لم يكن هناك ولي و لا وصي للأب(1)، و هو ما يسمى في قانون الأسرة بالمقدم كما سنراه لاحقا.
أما قانون الأسرة الجزائري، فنص على أنه : (يجوز للأب أو الجد تعيين وصي للولد القاصر إذا لم تكن له أم تتولى أموره أو تثبت عدم أهليتها لذلك بالطرق القانونـية، و إذا تعدد الأوصياء فللقاضي اختيار الأصلح منهم مع مراعاة أحكام المادة 86 من هذا القانون)، و هو ما يعبر عنه الفقهاء بالوصي المختار.
هذا و تشترط المادة 94 ق.أ عرض الوصاية على القاضي بمجرد وفاة الأب لتثبيتها أو رفضها.
شــــروط الوصـــي(2) :
نصت المادة 93 ق.أ على شروط الوصي ، و هي كما يلي :
1/ الإســـلام : فلا وصية لكافر على مسلم، لأن الإيصاء كالولاية، و لا ولاية لغير مسلم على مسلم.
2/ العقــل : فلا تثبت الوصاية للمجنون و نحوه لأنه لا يهتدي إلى حسن التصرف في حق نفسه، فلا يولى شؤون غيره.
3/ البلـــوغ : فلا تثبت الوصاية للصبي لأنه قاصر النظر لا يهتدي إلى وجود المصلحة أو المنفعة.
4/ الأمانة و حسن التصرف : لأن الإشراف على مصالح الغير يتطلب استقـــــامة و نزاهة و حرصا و تصرفا بحكمة تصرف الرجل العادي.
ـــــــــــــــــــــــ
(1)أنظر : د. شمس الدين الوكيل. المرجع السابق. ص 72.
(2)أنظر : د. وهبة الزحيلي. المرجع السابق. ج7. ص 755.
سلطـــة الوصــي :
على الوصي تسلم أموال القاصر و القيام على رعايتها، و عليه بذل العناية في سبيل تحقيق ذلك. و للوصي طبقا للمادة 95 ق.أ نفس سلطات الولي في التصرف، فعليه إذن أن يدير أموال القاصر و يتصرف فيها تصرف الرجل الحريص، و عليه استئذان القاضي فيما يجب فيه الإذن كما سنراه في المطلب الثاني من هذا المبحث كبيع العقــار، و قسمته و رهنه، و إجراء المصالحة، بيع المنقولات ذات الأهمية الخاصة…إلخ.
انتهـــاء مهمة الوصي :
نصت المادة 96 ق.أ على حالات انتهاء مهمة الوصي، و هي :
1/ موت القاصر، أو زوال أهلية الوصي أو موته.
2/ بلوغ القاصر سن الرشد ما لم يصدر حكما بالحجر عليه.
3/ انتهاء المهام التي أقيم الوصي من أجلها.
4/ قبول عذره في التخلي عن مهمته.
5/ عزله بناء على طلب من له مصلحة إذا ثبت من تصرفاته ما يهدد مصلحة القاصر.
فإذا انتهت مهمة الوصي فيقع على عاتقه التزاما بتسليم الأموال التي في عهدتــه و تقديم حساب عنها بالمستندات إلى من يخلفه أو إلى القاصر الذي بلغ سن الرشــــد أو إلى ورثته، و هذا في مدة لا تتجاوز شهرين من تاريخ انتهاء مهمته، كما عليه تقديم صورة عن الحساب المذكور إلى المحكمة.
أما إذا توفي الوصي أو كان مفقودا فعلى ورثته تسليم أموال القاصر بواسطة القضاء إلى المعني بالأمر، و هذا ما نص عليه المشرع في المادة 97 ق. أ.
فإذا صدر تقصير من الوصي سبب أضرارا بأموال القاصر، فيكون مسؤولا عنها (المادة 98 ق.أ).
إن المشرع الجزائري، حتى و إن وضع هذه القواعد التي تعد مظهرا من مظاهر الحماية القانونية لأموال القاصر الموضوع تحت نظام الوصاية، فإن هذه الحماية لا تتدعم إلا بخضوع الوصاية لرقابة قضائية مستمرة، و لا تكون هذه الأخيرة ناجعة و منتجة لآثارها إلا إذا أحيطت المحكمة علما بما يقوم به الوصي من أعمال و ما يتلقاه من أموال كاشتراط تقديم هذا الوصي حسابا مدعما بالمستندات خلال مدة الوصاية، و هو ما لم يفعله المشرع، بل اكتفى فقط بتقديم هذا الحساب عند انتهاء مهمة الوصي، و بالتالي هي رقابة بعدية فقــط .
هذا على عكس المشرع المصري مثلا الذي ألزم الوصي بتقديم حساب مؤيد بالمستندات عن إدارته قبل أول يناير من كل سنة، و مع ذلك للمحكمة أن تعفيه من هذا الالتزام إذا كانت أموال القاصر لا تزيد عن 500 جنيه، و بعد انتهاء الوصاية يلتزم بتسليم الأموال التي في عهدته و يكون ذلك بمحضر في خلال الثلاثين يوما التالية لانتهاء الوصايـــة، و عليه أن يدعم هذا التسليم بإيداع صورة من الحســـاب و محضر تسليم الأموال في قلم كتاب المحكمة(1).
و بالتالي نرى أن المشرع المصري وضع آليات لرقابة الوصي خــــلال عهدتــــه و بعدها.
الفــــرع الثالث
التقديــــــم
و هو نوع ثالث من أنواع النيابة الشرعية التي نص عليها المشرع في المادتين 99، 100 من قانون الأسرة.
و المقدم طبقا للمادة 99 هو : (من تعينه المحكمة في حالة عدم وجود ولي أو وصي على من كان فاقد الأهلية أو ناقصها بناء على طلب أحد أقاربه، أو ممن له مصلحة، أو من النيابة العامة).
و تنص المادة 100 : (يقوم المقدم مقام الوصي و يخضع لنفس الأحكام).
(1)أنظر : شمس الدين الوكيل. المرجع السابق. ص 76-77.
و عليه، إذا لم يكن للقاصر وليا أو وصيا، يتدخل القاضي بتعيين شخص يقوم بتدبير أموره و تسيير أمواله و رعايتها و يسمى المقدم أو القيم، و هو ما يعبر عليه الفقهاء بوصي القاضي، أو الوصي المعين.
و يتصرف المقدم كما يتصرف الولي في كل ما يكون نافعا للقاصر، و يعمل على تنمية ماله و حفظه، و هو يخضع بدوره إلى إشراف المحكمة على النحو الذي سلف ذكره في معرض حديثنا عن الوصاية.
الفرع الرابع
حالة القاصر المكـــفول
نص المشرع الجزائري في الكتاب الثاني من قانون الأسرة المتعلق بالنيابة الشرعية على الكفالة في المادة 116 و ما يليها.
و عرفها بأنها : (التزام على وجه التبرع بالقيام بولد قاصر من نفقـــة و تربيـــة و رعاية، قيام الأب بابنه، و تتم بعقد شرعي).
ما يهمنا في هذا الجانب هي مسألة الولاية على مال القاصر المكفول، إذ تنص المادة 121 ق.أ : (تخول الكفالة الكافل الولاية القانونية و جميع المنح العائلية و الدراسية التي يتمتع بها الولد الأصلي).
و تنص المادة 122 : (يديــــر الكافل أموال الولد المكفول المكتسبــــة من الإرث، و الوصية، أو الهبة لصالح الولد المكفول).
ما نلاحظه على هذه النصوص القانونية المتعلقة بالكفيل هو هشاشتها من جانب حماية مال القاصر المكفول، باعتبار تصرفات هذا الكفيل –و إذا أردنا القول إدارته لأموال المكفول- تكون بعيدة نوعا ما عن عين القضاء.
لذلك يرى البعض(1) أنه من الأفضل اعتبار الكفيل وصيا على المكفول، لأن الوصي عليه التزامات إضافية على التزامات الولي، إذ يكون ملزما بتقديم حساب وفقا للمادة 97 ق.أ التي سبق ذكرها عند تطرقنا إلى نظام الوصاية، و يكون للكفيل حق استعمال محدود لأموال المكفول إن احتاج إلى ذلك.
كما يمكن حسب هذا الرأي و الذي نشاطره بدورنا تعيين مشرف فقط يقوم بمراقبة الكفيل في إدارة أموال القاصر المكفول، يكون له حق الاطلاع على تسيير و إدارة الأموال و كافة المستندات المتعلقة بذلك، و يكون له إلى جانب ذلك حق إخطار المحكمة إن اقتضت الضرورة ذلك.
إضافة إلى ذلك ضرورة استئذانه القاضي بالنسبة للتصرفات المنصوص عليها في المادة 88 ق.أ.
كانت هذه إذن أنواع النيابة الشرعية التي وضعها المشرع و التي تشكل في حد ذاتها مظهرا من مظاهر الحماية القانونية لأموال القاصر. و ننتقل فيما يلي إلى نقطة أساسية تتمثل في دور القاضي في رقابة هذا النائب الشرعي و هي آلية أخرى من آليات الحماية :
المطلب الثاني
دور القاضي في رقابة النائب الشرعي للقاصر
رأينا من خلال المطلب السابق أن القاصر، و حماية له و لأمواله، فإن المشرع قد أخضعه لأحكام النيابة الشرعية، و كل ذلك يعتبر من تدابير الحماية القانونية.
إلا أنه و أكثر من ذلك، فإن تصرفات الولي على القاصر ليست تصرفات مطلقة، بل هي مقيدة بما فيه مصلحة المولى عليه. و على ذلك، فإنه لا يملك التصرفات الضارة ضـررا
ــــــــــــــــــــــــ
(1)أنظر : د. محمدي فريدة. مقال بعنوان : من أجل توفير حماية أكبر للمكفول. المجلة الجزائرية للعلوم القانونية و الاقتصادية و السياسية. ج41.رقم 1. 2000. مجلة صادرة عن كلية الحقوق جامعة الجزائر. ص 92-93.
محضا، و يمتلك التصرفات النافعة نفعا محضا، و مثلها التصرفات الدائرة بين النفـــع و الضرر بشرط أن لا يكون فيها ضرر، فإن كان فيها ضرر صارت باطلة.
إن القيود المفروضة على الولي قد يرد بعضها على حقه في التصرف في مال القاصر، و يرد البعض الآخر على حقه في إدارة هذا المال و ذلك حماية لمصالح الصـغير(1).
من خلال هذا المطلب سوف نتطرق إلى دور القاضي في رقابة النائب الشرعي للقاصر، و يظهر لنا ذلك من خلال تبيين التصرفات التي تستوجب أخذ الإذن منه قبل مباشرتها (الفرع الأول)، ثم تبيان جزاء تجاوز الولي حدود سلطته (الفرع الثاني).
الفرع الأول
التصرفات التي تستوجب الإذن من القاضي
ينبغي على النائب الشرعي للقاصر أن يباشر نيابته في الحدود التي رسمها القانون، و قد حظر هذا الأخير عليه مباشرة تصرفات معينة إلا بإذن المحكمة، من بينها جميع التصرفات التي من شأنها إنشاء حق من الحقوق العينية العقارية الأصلية أو التبعيـــة، أو نقله، أو تغييره، أو زواله، و كذلك جميع التصرفات المقررة لحق من هذه الحقوق، فإذا قام بمباشرة تصرف من هذه التصرفات دون إذن من المحكمة يكون متجاوزا حدود نيابتــه، و يفقد بالتالي في إبرامه لهذه التصرفات صفة النيابة، فلا تنصرف آثارها إلى القاصر(2).
و قد نصت المادة 88 من قانون الأسرة على ما يلي : (على الولي أن يتصرف في أموال القاصر تصرف الرجل الحريص، و يكون مسؤولا طبقا لمقتضيات القانون العام.
ـــــــــــــــــــــــ
(1)معوض عبد التواب. موسوعة الأحوال الشخصية. ج3. منشأة المعارف الإسكندرية. ج3 . ط7. 1997. ص 1481.
(2)أنظر في ذلك : أحمد نصر الجندي. مبادئ القضاء في الأحوال الشخصية. القاهرة الحديثة للطباعة. 1992. ص 1542.
و عليه أن يستأذن القاضي في التصرفات التالية :
1/ بيع العقار، و قسمته، و رهنه، و إجراء المصالحة.
2/بيع المنقولات ذات الأهمية الخاصة.
3/استثمار أموال القاصر بالإقراض أو الاقتراض أو المساهمة في شركة.
4/إيجار عقار القاصر لمدة تزيد عن ثلاث (3) سنوات أو تمتد لأكثر من سنة بعد بلوغه سن الرشد).
و فيما يلي سوف نقوم بشرح كل حالة من الحالات المذكورة في المادة :
1/ بيع العقار و قسمته و رهنه و إجراء المصالحة :
لا يجوز للنائب الشرعي للقاصر التصرف في العقار المملوك لهذا الأخير إلا بإذن المحكمة، التي تنظر الطلب و تقدر سبب التصرف و دواعيه. على أن المشرع رسم للمحكمة طريقة التقدير(1)، إذ أن رئيس المحكمة يخول له القانون منح الإذن بالتصرف باعتبار ذلك يدخل ضمن اختصاصاته الولائية، فيجب أن يراعي في الإذن حالة الضرورة و المصلحة، و أن يتم بيع العقار بالمزاد العلني طبقا للمادة 89 ق.أ(2).
فالقاعدة هي أن الولي يقوم على رعاية أموال القاصر، و أن له نظرا لافتراض وفرة الشفقة فيه إدارتها و التصرف فيها، و إن كان المشرع راعى أن لا يطلق تصرف الولي في الأموال، و إنما قيد ذلك بالقيود السالف إبدائها.
و إذا رجعنا إلى المادة 88 ق.أ التي سبق ذكرها، نلاحظ أن المشرع الجزائري لم يضع حدا أدنى لقيمة العقار التي تتخذ كمعيار لضرورة أخذ الإذن من عدمه، أما القانــــون
المصري مثلا فإنه بدوره أوجب هذا الإذن و لكن إذا كانت قيمة العقار تزيد عن 300 جنيه(3) .
ـــــــــــــــــــــــ
(1)معوض عبد التواب. المرجع السابق. ص 1484.
(2)أنظر : عز الدين عطوي. العمل القضائي و الولائي لرئيس المحكمة. مذكرة التخرج من المعهد الوطني للقضاء. الدفعة 11. 2003. ص 31.
(3)للتفصيل، أنظر : معوض عبد التواب. المرجع السابق. ص 1485.
كذلك نص التشريع المصري على أنه لا يجوز للمحكمة أن ترفض الإذن إلا إذا كان التصرف من شأنه جعل أموال القاصر في خطر أو كان فيه غبن يزيد على خمس القيمة(1) أما المشرع الجزائري فأوجب في المادة 89 ق.أ أن يكون بيع العقار عن طريق المزاد العلني، باعتبار هذا البيع يقوم به القاضي، و في ذلك حماية لمال القاصر.
هذا بالنسبة للبيع. كذلك الشأن بالنسبة لقسمة العقار، إذ لابد على النائب الشرعي للقاصر الحصول على إذن من رئيس المحكمة –هذا من جهة-، و من جهة ثانية فطبقا للمادة 181 ق.أ فإنه يجب أن تكون القسمة عن طريق القضاء، و بالتالي فإنه لا يسوغ القيام بالقسمة الاتفاقية، و هذا يعتبر مظهرا من مظاهر حماية مال القاصر تجنبا لأي إجحاف في حقه أو إنقاص فيه.
أما القانون المصري مثلا(2)فيقر بالقسمة الاتفاقية في حالة وجود قاصر، لكنه أوجب على الوصي استئذان المحكمة إذا كانت له مصلحة في ذلك، فإذا أذنت له عينت الأسس التي تجري عليها القسمة و الإجراءات الواجبة الاتباع، ثم على الوصي أن يعرض عقد القسمة على المحكمة للتثبت من عدالتها، و للمحكمة في جميع الأحوال أن تقرر اتخاذ إجراءات القسمة القضائية، و في هذه الحالة تصدق المحكمة الابتدائية التي تتبعها محكمة القسمة على قسمة الأموال إلى حصص، و لها عند الاقتضاء أن تدعو الخصوم لسماع أقوالهم في جلسة تحدد لذلك، و إذا رفضت التصديق تعين عليها أن تقسم الأموال إلى حصص على الأسس التي تراها صالحة بعد دعوة الخصوم.
إلى جانب ذلك، اشترط المشرع حصول النائب الشرعي للقاصر على إذن من رئيس المحكمة في حالة رهن العقار باعتباره حقا عينيا تبعيا، و ذلك لما لهذا التصرف من آثار خطيرة.
ــــــــــــــــــــــــ
(1)نفس المرجع. ص 1484.
(2)نفس المرجع. ص 1537-1538
و انظر أيضا : أحمد نصر الجندي. المرجع السابق. ص 1542.
و كذلك الشأن في حالة الصلح، باعتباره عقدا ينهي به الطرفان نزاعا قائما أو يتوقيان نزاعا محتملا، و ذلك بأن يتنازل كل منهما على وجه التبادل عن حقه(1)، و هذا قد يشكل ضررا للقاصر.
2/ بيع المنقولات ذات الأهمية الخاصــــة :
المنقولات هي الأموال التي يمكن نقلها من مكان إلى آخر دون تلف. و قد اشترط المشرع في المادة 88 ق.أ على الولي أن يستأذن القاضي في حالة بيع المنقولات ذات الأهمية الخاصة.
إلا أننا نلاحظ أن المشرع لم يبين ما المقصود بالأهمية الخاصة، مما يجعلها خاضعة للسلطة التقديرية –هذا من جهة-.
و من جهة ثانية، فإن كان المشرع اشترط أن يكون بيع العقار بالمزاد العلني كما رأينا سابقا، فإنه لم يضع حسب رأينا أي تدبير حماية آخر ما عدا الإذن المسبق، و بالتالي ما هذا إلا إجراء قبلي شكلي لا يوفر قدرا كافيا من الحماية، فكان الأفضل مثلا حسب رأينا أن يشترط المشرع عرض العقد على رئيس المحكمة للتأكد من عدم إجحافه في حق القاصر مالك المنقول، و مدى ملائمة الثمن، ثم القيام بالتصديق على العقد.
3/استثمار أموال القاصر بالإقراض أو الاقتراض أو المساهمة في شركة :
إن إقراض مال الصغير فيه تعطيل لهذا المال لبقائه بدون استثمار(2)، أو فيه خطورة باعتبار أنه قد تنجر عنه الخسارة، و الولي ممنوع من هذين التصرفين إلا إذا أذنت بهما المحكمة.
كذلك الشأن بالنسبة للمساهمة في شركة مهما كان نوعها، و هذا لما في الشركة من احتمال الربح أو الخسارة و تحمل الشركاء لهذه الأخيرة.
ــــــــــــــــــــــــ
(1)المادة 459 من القانون المدني.
(2)معوض عبد التواب. المرجع السابق. ص 1488.
4/ إيجار عقار القاصر لمدة تزيد على ثلاث سنوات أو تمتد لأكثر من سنة بعد بلوغه سن الرشـــــد :
لا يجوز للولي أن يقوم بتأجير عقار مملوك للقاصر لمدة تزيد على 03 سنوات أو تمتد إلى ما بعد بلوغه سن الرشد بسنة إلا بإذن من رئيس المحكمة.
و الملاحظ أن المشرع اقتصر فقط باشتراط ضرورة الحصول على الإذن في إيجار العقارات و لم ينص على إيجار المحلات التجارية ، بالرغم من أن هذه الأخيرة قد تكون قيمتها أكبر من العقارات في بعض الأحيان، إضافة إلى ما لهذا الإيجار من آثار كاكتساب المستأجر للقاعدة التجارية إذا توفرت شروط ذلك.
الفرع الثاني
جزاء تجاوز الولي حدود سلطته
لقد اشترطت المادة 88ق.أ على الولي (أن يتصرف في أموال القاصر تصرف الرجل الحريص) و إلا (يكون مسؤولا طبقا لمقتضيات القانون العام).
و عليه : إذا اشتهر عنه سوء التدبير و الإهمال الجسيم في رعاية أموال القاصر المشمول بولايته، كأن يتصرف في الأموال المنقولة بغبن فاحش أو يهمل في إدارة الأموال، كان للمحكمة أن تسلب ولايته أو تقرر الحد منها، لأن الولاية منوطة بالمصلحة، فمتى انتفت وجب أن تزول.
فالمحكمة من حقها و من سلطتها أن تراقب تصرفات الولي في مال القاصر المشمول بولايته و مدى ما يبذله من رعاية في إدارتها، و لها أن تقدر ما إذا كان بقاؤها في يد الولي
يشكل خطرا على مصالح القاصر من عدمـــه(1).
إضافة إلى هذا، فإن المادة 88 كما رأينا سابقا اشترطت على الولي حصوله على إذن من المحكمة قبل مباشرة أي تصرف من التصرفات الواردة بها، و عدم حصول الولي على هذا
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1)أنظر: معوض عبد التواب. المرجع السابق. ص 1503.
الإذن يجعل تصرفه غير نافذ في حق الصغير لانتفاء النيابة(1).و في هذا الصدد نجد قرارا للمحكمة العليا(2) مفاده :
(من المقرر قانونا أنه على الولي أن يستأذن القاضي المختص في إبرام كل عقد إيجار يتعلق بأملاك القاصر، و من ثم فإن النعي على القرار المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون غير مؤسس.
و لما كان الثابت –في قضية الحال- أن الطاعن تصرف بمحض إرادته في ملك قاصرة ليس له عليها صفة ولي، فإن قضاة الموضوع بتحميلهم إياه المسؤولية الناتجة عن تصرفه هذا قد طبقوا صحيح القانون. و متى كان الأمر كذلك استوجب رفض الطعن).
ما نلاحظه في قانون الأسرة الجزائري، أنه لم يضع ميكانيزمات من خلالها يمكن للقاضي معرفة مدى تصرف الولي تصرف الرجل الحريص حسب ما ورد في الفقرة السالفة الذكر إلا إذا تم إخطاره بذلك، إلا أن المشرع المصري مثلا اشترط على الولي أن يحرر قائمة بما يكون للقاصر من مال أو ما يؤول إليه، و أن يودعها قلم كتاب المحكمة التي يقع بدائرتها موطنه في مدى شهرين من بدء الولاية أو من أيلولة هذا المال إلى الصغير، و يجوز للمحكمة اعتبار عدم تقديم هذه القائمة أو التأخير في تقديمها تعريضا لمال القاصر للخطر(3).
و تجدر الإشارة إلى أن النائب الشرعي للقاصر لا يشترط حصوله على الإذن إلا في الحالات التي نص عليها القانون، أما ما عدا هذه التصرفات، أي الأعمال التي تدخل في إطار التسيير الحسن لأموال القاصر فلا تشترط الإذن كاستخراج أموال مودعة بالبنك مثلا.
ـــــــــــــــــــــــ
(1)نفس المرجع. ص 1491.
(2)قرار رقم 72353 بتاريخ 10/4/1991 –الغرفة الاجتماعية – المجلة القضائية العدد3 لسنة 1993.
(3)أنظر : معوض عبد التواب نفس المرجع. ص 1498.
و قد ورد في إحدى قرارات محكمة النقض الفرنسية أن : (الولي المكلف بتمثيل القاصر في التصرفات المدنية و تسيير أمواله، له بصفة أساسية و بدون المساس بالاستثناءات الواردة في نصوص خاصة السلطة لوحده و تحت مسؤوليته الشخصية في مباشرة التصرفات الضرورية و المفيدة لهذا التسيير، و في غياب نصوص مخالفة، فالولي له الصفة للقيام بسحب أموال موضوعة لدى صندوق التوفير دون ضرورة حصوله على الإذن من مجلس العائلة)(1).
المبحث الثاني
دور القاضي من خلال الالتزامات المالية للأصول اتجاه الفروع القصّر
تطرقنا في المبحث الأول إلى جانب مهم من جوانب تدخل القاضي من أجل تفعيل حماية أموال القصّر، و يتعلق الأمر كما رأينا في رقابة النائب الشرعي للقاصر.
و سوف نتطرق في هذا المبحث إلى جانب آخر من المجالات التي يتدخل فيها القاضي و التي تعد بدورها من مظاهر الحماية القانونية، و هي تتعلق بالالتزامات المالية للأصول اتجاه الفروع القصّر التي فرضها القانون، و جزاء المساس بالحقوق المالية للقاصر و كيفية تحرك آلة العقاب التي وضعها القانون و التي يطبقها القاضي.
إذن من خلال هذا المبحث سوف نتطرق إلى نقطتين أساسيتين هما :
-الالتزامات المالية للأصول اتجاه الفروع القصّر (المطلب الأول).
-ثم إلقاء نظرة على الجرائم الماسة بالحقوق المالية للقصّر المنصوص عليها في قانون العقوبات (المطلب الثاني).
ــــــــــــــــــــــــ
(1)Civil-13 Mars 1905.
Voir : Henri Capitant, Les grands arrêts de la jurisprudence civile. 5éme édition . Entièrement refondue par : Alex Weill, François Terré. Dalloz- Sirey. 1970
المطلب الأول
الالتزامات المالية للأصول اتجاه الفروع القصّر
إن علاقة الأبوة تفرض التزامات خاصة، يجب على الأب القيام بها اتجاه أبنائه.
فإلى جانب الالتزامات المعنوية اتجاه هؤلاء الفروع كالرعاية و الاهتمام من كل الجوانـب والشعور بالحنان و الاستقرار، فإنه تقع على عاتقه التزامات أخرى لها طابع مالي، و تتمثل في الالتزام بالنفقة و الإسكان. قال تعالى : "و على المولــود له رزقهن و كسوتهن بالمعروف".
و بالرجوع إلى قانون الأسرة، نجد المادة 75 منه تنص :
(تجب نفقة الولد على الأب ما لم يكـــــن له مال، فبالنسبة للذكور إلى سن الرشــــد و الإناث إلى الدخول، و تستمر في حالة ما إذا كان الولد عاجزا لآفة عقلية أو بدنية أو مزاولا للدراسة و تسقط بالاستغناء عنها بالكسب).
و تنص المادة 76 : (في حالة عجز الأب تجب نفقة الأولاد على الأم إذا كانت قادرة على ذلك).
أما في حالة الطلاق بين الأب و الأم فتنص المادة 72 ق.أ : (نفقة المحضون و سكناه من ماله إذا كان له مال، و إلا فعلى والده أن يهيأ له سكنا و إن تعذر فعليه أجرته).
و الأولاد الواجب نفقتهم في رأي جمهور الفقهاء هم الأولاد مباشرة و أولاد الأولاد أي الفروع و إن نزلوا، فعلى الجد نفقة أحفاده من أي جهة كانوا، و رأى الإمام مالك أنه تجب نفقة الأولاد المباشرين فقط دون أولاد الأولاد(1).
و يشترط لوجوب نفقة الأولاد ما يلي :
1/قدرة الأصل على الإنفاق : أي أنه يكون ميسرا أو قادرا على الكسب، و طبقا للمادة
ـــــــــــــــــــــــ
(1)للتفصيل أنظر : وهبة الزحيلي. المرجع السابق. ج7. ص 822.
76 ق.أ السالفة الذكر يكون واجب الإنفاق على الأب و في حالة عجزه الأم إن كانت قادرة على ذلك.
2/أن يكون الولد معسرا لا مال له : و قد نصت على ذلك المادة 75 ق.أ، فإن كان للطفل مال يكفيه كأن يكون اكتسبه بالميراث أو الوصية…وجبت نفقته فيه لا على غيره، أما إن لم يكن له مال فالإنفاق يكون واجبا على والده أو أمه حسب الحــالات ، و يستمر واجب الإنفاق إلى غاية بلوغ الطفل سن الرشد و الأنثى إلى غاية زواجها و دخولها، و تستمر في حالة الإصابة بآفة عقلية أو بدنية أو مزاولة الدراسة.
أما في حالة الطلاق، فإن الأب يبقى مسؤولا شرعا و قانونا على نفقة أبناءه على النحو السالف الذكر.
و النفقة طبقا للمادة 78 من قانون الأسرة تشمل : الغذاء، الكسوة، العلاج، و السكــن أو أجرته، و ما يعتبر من الضروريات في العرف و العادة.
و في حالة وقوع نزاع بخصوص مقدار النفقة فينبغي على القاضي عند تقديرها مراعاة حال الطرفين و ظروف المعيشة، كما لا يجوز مراجعة التقدير قبل مضي سنة واحدة من الحكم و هذا طبقا للمادة 79 من قانون الأسرة.
المطلب الثاني
الجرائم الماسة بالحقوق المالية للقصــر
بعدما تطرقنا في المطلب الأول من هذا المبحث إلى أنواع الالتزامات المفروضة على الأصول اتجاه القصر ، سوف نتعرض فيما يلي إلى جانب آخر من جوانب القانون، ألا وهو الجانب الجزائي . إذ أن المشرع لم يكتف فقط بإقراره لمظاهر حماية أموال القصر مدنيا فقط كما رأينا فيما سبق سواء من خلال أحكام القانون المدني أو قانون الأسرة ، إلا أنه أقر مظهرا آخر من مظاهر الحماية يأخذ طابعا جزائيا وذلك بمعاقبته كل ما يمس بالحقوق المالية للقاصر.
بتفحصنا لأحكام قانون العقوبات الجزائري، وجدنا جريمتين رئيسيتين لهما علاقة بذلك وهما : استغلال حاجة قاصر ( الفرع الأول ) ، وعدم تسديد النفقة باعتبار هذه الأخيرة من الحقوق المالية المستحقة للقاصر ( الفرع الثاني ) .
الفرع الأول
استغلال حاجة قاصـــــــر (1)
تنص المادة 380 من قانون العقوبات : ( كل من استغل حاجة لقاصر لم يكمل التاسعة عشرة أو ميلا أو هوى أو عدم خبرة فيه ليختلس منه التزامات أو إبراء منها أو أية تصرفات أخرى تشغل ذمته المالية وذلك إضرارا به يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة من 500 إلى 10.000دج.
وتكون العقوبة الحبس من سنة إلى خمس سنوات والغرامة من 1000إلى 15.000 دج إذا كان المجني عليه موضوعا تحت رعاية الجاني أو رقابته أو سلطته .
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1)للتفصيل أنظر : د. أحسن بوسقيعة. الوجيز في القانون الجنائي الخاص. ج1. الجرائم ضد الأشخاص و الجرائم ضد الأموال. دار هومة. طبعة 2002. ص 381 إلى 384.
وفي جميع الحالات المنصوص عليها في هذه المادة يجوز أن يحكم أيضا على الجاني بالحرمان من حق أو أكثر من الحقوق الواردة في المادة 14 وبالمنع من الإقامة وذلك لمدة سنة على الأقل وخمس سنوات على الأكثر ) .
والملاحظ أن المشرع وضع هذه المادة ضمن القسم المتعلق بخيانة الأمانة باعتبار الجاني قد خان الثقة التي وضعت فيه ولم يكن أمينا على من أؤتمن عليه .
فالقاصر بطبيعته ضعيف ، وهو ناقص الإدراك، لذلك فإن التصرفات القانونية التي يقوم بها أولاها المشرع حماية خاصة من الجانب المدني كما رأينا سابقا وهذا باختلاف سن القاصر وما إذا كان مميزا أو عديم التمييز، معدوم الأهلية أو ناقصها، وكذلك أولاها المشرع بحماية جزائية تجعل من الشخص الذي يستغل ضعف هذا القاصر واحتياجه يقع تحت طائلة هذه المادة ويخضع فعله للتجريم والعقاب .
1/ أركان جريمة استغلال حاجة قاصر:
لكل جريمة ركن مادي، وركن معنوي :
أ – الركن المادي للجريمة :
1 – سن المجني عليه : يشترط في هذه الجريمة أن تقع على قاصر لم يكمل التاسعة عشر من العمر، وبالتالي نلاحظ أن المشرع أخذ بسن الرشد المدني تماشيا وأحكام القانون المدني بخصوص تصرفات القاصر الذي لم يبلغ سن الرشد.
2 – السلوك الإجرامي : ويتمثل طبقا للمادة 380 ق ع في القيام بتصرف يشغل الذمة المالية للقاصر ، كتحرير هذا الأخير سند دين للجاني أو لغيره، إقراض المجني عليه للجاني نقودا أو منقولات ، تحرير المجني عليه القاصر لسند مخالصة من دين له في ذمة الجاني …
فالمشرع لم يحصر التصرفات التي تشغل الذمة المالية للقاصر، بل وسع منها وجعلها شاملة، وبالتالي يدخل ضمنها البيع، الهبة، الإيجار…
3 – الاستغلال : ويقصد به استغلال الجاني احتياج القاصر أو ميله أو هوى نفسه أو عدم خبرته، فإذا ثبت أنّ المتهم لم يستغل الضعف أو الاحتياج أو انعدام الخبرة لصالحه فتسقط عنه الجريمة .
4 – حصول الجـاني على فائـدة : وهو ما عبر عنه المشـرع في المــادة 380 ق ع ( واختلس منه)، والمقصود بذلك تحصل الجاني على فائدة نتيجة استغلاله احتياج القاصر أو ميله أو هوى نفسه أو عدم خبرته .
5- وقوع ضرر للقاصر: يشترط لقيام هذه الجريمة وقوع ضرر للقاصر وقت التعاقد، وهو شغل الذمة المالية لهذا الأخير.
وتجدر الملاحظة أن الجريمة تبقى قائمة حتى وإن كان بإمكان القاصر إبطال العقد .
ب- الركن المعنوي للجريمة (القصد الجنائي) :
و يتمثل في علم الجاني عند قصده للفعل بظروفه من أجل حصوله على فائدة غير مشروعة، فيشترط إذن أن يكون عالما بتعامله مع شخص قاصر لم يبلغ سن الرشد، إلا أن المشرع افترض أن يكون المتهم عالما بسن المجني عليه، و لا يسقط هذا الفرض إلا في حالة إثباته سلوكه كل السبل لمعرفة السن الحقيقي للمجني عليه إلا أنه و لأسباب استثنائية لم يتمكن من ذلك.
2/العقـــــوبــــة :
استغلال حاجة قاصر جنحة عاقب عليها المشرع طبقا للمادة 380 ق.ع بالحبس من 03 أشهر إلى 03 سنوات و غرامة من 500 إلى 10.000دج.
و تشدد العقوبة لتصل إلى الحبس من سنة إلى 05 سنوات و الغرامة من 1000 إلى 15.000دج إذا كان الجاني من الأشخاص الذين وضع المجني عليه تحت رعايته أو رقابته أو سلطته.
إلى جانب ذلك، نص المشرع على عقوبات تكميلية يجوز الحكم بها، و هي الحرمان من حق أو أكثر من الحقوق الواردة في المادة 14 ق.ع و بالمنع من الإقامة من سنة على الأقل إلى 05 سنوات على الأكثر.
و ما دام المشرع لم ينص في المادة على الشروع في هذه الجريمة فلا عقاب على ذلك.
الفرع الثانـــي
عدم تسديــد النفقـــــة(1)
تعتبر النفقة من الحقوق المالية للقاصر خاصة، و قد أولاها المشرع بالعنايـــة، و جعل امتناع المكلف بدفعها يقع تحت طائلة العقاب.
فقد نصت المادة 331 ق.ع على هذه الجريمة، إذ جاء فيها : (يعاقب بالحبس من 06 أشهر إلى 03 سنوات و بغرامة من 500 إلى 5000 دج كل من امتنع عمدا و لمدة تجاوز شهرين عن تقديم المبالغ المقررة قضاء لإعالة أسرته و عن آداء كامل قيمة النفقة المقرر عليه إلى زوجه أو أصوله أو فروعه و ذلك رغم صدور حكم ضده بإلزامه بدفع نفقة إليهم…).
1/ أركان جريمة عدم تسديد النفقة :
و تتمثل في الركن المادي و الركن المعنوي :
أ-الركن المــــــادي :
تقوم هذه الجريمة على عنصرين أساسيين :
1-عدم دفع المبلغ المالي للنفقة كاملا :
يشترط على المكلف بدفع النفقة دفعها كاملة غير منقوصة، فإذا أخل بهذا الالتزام قامــت الجريمة إذا توفرت باقي أركانها.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1)للتفصيل أنظر : د. أحسن بوسقيعة. المرجع السابق. ص 155 إلى 166.
و لكن يشترط وجود حكم قضائي تم تبليغه إلى المدين و الذي يأمره بأداء النفقة للمستفيد(1) (القاصر في بحثنا هذا)، و أن يكون الحكم نافذا، أي استوفى طرق الطعن العادية و أمهر بالصيغة التنفيذية أو أمر القاضي بالتنفيذ المعجل(2).
و تجدر الإشارة إلى أن النفقة واجبة الأداء إلى أن يصدر حكم يقضي بإلغائها ما لم يزل سببها ببلوغ الابن سن الرشد أو زواج البنت.
2-انقـضـــاء مهلـــــة شهريـن :
تشترط المادة 331 ق.ع امتناع المكلف بدفع النفقة بموجب حكم قضائي يلزمه بذلك لمدة تجاوز شهرين يبدأ سريانها من تاريخ انتهاء مهلة التنفيذ الاختياري المحددة بعشريـن
(20) يوما بعد إلزام المدين بالدفع.
ب- الركن المعنــــــــوي :
يتمثل في القصد الجنائي، أي الامتناع العمدي للمدين عن أداء النفقة مدة تجاوز شهرين رغم تبليغه بالحكم الذي يلزمه بذلك و إلزامه بالدفع.
و سوء النية في هذه الجريمة مفترض، إذ تنص الفقرة 02 من المادة 331 : (و يفترض أن عدم الدفع عمدي ما لم يثبت العكس…).
و بالتالي فالنيابة غير ملزمة بإثبات سوء نية المتهم، بل على هذا الأخير إثبات عكس هذه القرينة، أي إثبات حين نيته.
و لا يوجد أي مبرر لعدم تسديد النفقة ما عدا حالة الإعسار المادي الكامل. إلا أنه لا يعتد بهذا الإعسار إذا كان ناتجا عن سوء السلوك كصرف المدين أمواله في ألعاب القمـــار و اليانصيب..، أو الكسل أوالسكر وهذا طبقا لما نصت عليه الفقرة 02 من المادة 331 ق.ع.
ــــــــــــــــــــــــــ
(1)نقصد بذلك حكم صادر من المحكمة أو قرار من المجلس أو أمر استعجالي أو حتى حكم أجنبي ممهور بالصيغة التنفيذية وفقا للقواعد المقررة في قانون الإجراءات المدنية.(قرار للمحكمة العليا ملف 124384 في : 16/4/1994. المجلة القضائية العدد 2 لسنة 1995. ص 192).
(2)مع الإشارة إلى أن المادة 40 من قانون الإجراءات المدنية تجعل التنفيذ المعجل وجوبي إذا تعلق الأمر بمسائل النفقـــــــة.
2/ العقوبـــــة :
طبقا للمادة 331، فإن عدم تسديد النفقة جنحة معاقب عليها بالحبس من 06 أشهر إلى 03 سنوات و بالغرامة من 500 إلى 5000 دج.
علاوة على ذلك يجوز الحكم على المتهم كعقوبة تكميلية بالحرمان من الحقوق الوطنية من سنة إلى 05 سنوات (المادة 332 ق.ع).
و تجدر الملاحظة هنا أنه طبقا للفقرة 03 من المادة 331 ق.ع فإن المحكمة المختصة هي محكمة موطن أو محل إقامة الشخص المقرر له قبض النفقة أو المنتفع بالمعونة، و هذا طبعا كون النفقة مقررة لأشخاص عاجزين كالقصر مثلا، و بالتالي من الشاق عليهم التنقل لجهات قضائية قد تكون بعيدة عن سكناهم.
و بذلك نكون قد أعطينا لمحة موجزة عن أهم الجرائم التي وجدناها في قانون العقوبات و الماسة بالحقوق المالية للقصر.
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma