عنوان الموضوع: مـاهية التركة ومكوناتها:
________________________________________
أ ـ التركة لغة : هي تراث الميت المتروك.
ب ـ التركة شرعا : " هي حق يقبل التجزؤ يثبت لمستحقه بعد موت من كان له بقرابة أو نكاح أو ولاء " .
شرح التعريف :
فلفظ ( حق ) يشمل المال وغيره كالخيار والشفعة والقصاص والولاء والولاية في النكاح .
أمثلة :
1) إذا اشترى شخص سلعة بالخيار ومات قبل انقضاء أمدها انتقل الخيار لوارثه .
2) إذا باع أحد الشريكين حصته من عقار لأجنبي كان للشريك الذي لم يبع الشفعة فإذا مات قبل الأخذ بها انتقل الحق في الشفعة لوارثه .
3) إذا قتل إنسان آخر كان لولي المقتول القصاص ، فإذا مات الولي انتقل الحق في القصاص لوارثه .
4) إذا مات المعتق فان عصبته تقوم مقامه .
ولفظ ( يقبل التجزؤ ) يخرج ولاية النكاح لعدم قبولها التجزؤ فليست مـن الـتـركـة .
الحقوق المتعلقة بالتركة :
يتعلق بتركة الميت حقوق خمسة مرتبة على النحو التالي باتفاق "جمهور الفقهاء ":
1-الديون العينية : و هي الحقوق المتعلقة بعين من أعيان التركة في حياة الوارث ، كالشيء المرهون ، وزكاة الحرث والماشية في عام موته .
2- مؤن التجهيز : بالمعروف من كفن وغسل وحمل وحفر من غير إسراف أو تقتير .
3- الـديــون : على مراتبها من باقي التركة ولو أتى على جميع ماله ، ويرى المالكية تقديم ديون العباد على ديون الله ( الزكاة ـ الكفارات ـ النذور ..) ، وذلك لوجود من يطالب بها ، وفي هذا يقول صاحب " خلاصة الفرائض ":
وبعد ذلك مؤن التجهيزي ***** ثم ديونه على التمييزي
فدين الآدمي بلا اشتبـاه ***** مقـدم على ديـون الله
4 - الوصايا: تنفذ الوصايا من ثلث المال المتبقي لا من ثلث أصل المال ، وإذا كانت بأكثر من الثلث فلا تنفذ إلا برضا الورثة ، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ لسعد بن أبي وقاص: (( .. الثلث والثلث كثير انك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس )) ، وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة في أعمالكم )).
5- الميراث : تقسيم الباقي من تركة الميت بين الورثة حسب مراتبهم .
و شذ عن الترتيب السابق " الحنابلة و بعض المالكية و الشافعية " حيث قدموا مؤن التجهيز على الديون بأنواعها و هم يجمعون الحقوق المتعلقة بالتركة في لفظ ( تدوم ) :
التاء : التجهيـز .
الدال : الديـــــن .
الواو : الوصية .
الميم : الميراث .
و " جمهور الفقهاء " لا يقرون هذا و يقولون بتأخير التجهيز و التكفين على الديون العينية لأن الشخص لا يملك التصرف في الشيء المرهون ، فما دام ممنوعا من هذا الحق أثناء حياته فأولى أن لا يكون له هذا الحق بعد وفاته .
أركــا ن الـمـيـراث :
يقول " ميارة الفاسي " في كتابه " تحفة الحكام " :
الإرث يستوجب شرعا ووجب **** بعصمة أو بولاء أو نسب
جميعهـا أركـانـه ثـلاثــــــــــــة **** مال ومقدار وذو الوراثة
1-المورث : هو الميت المفارق للحياة والمالك للتركة .
2 – الـوارث:وهو من ينتسب إلى الميت بسبب من أسباب الميراث.
3 – الموروث :وهو الشيء الذي يتركه الميت من مال وعقار وغيره .
شـروط الـمـيـراث :
للإرث شروط ثلاثة:
1- موت المورث : حقيقة وذلك بالمشاهدة أو البينة ، أو حكما كالمفقود الذي حكم القاضي بموته ، أو تقديرا كالذي جاوز السن الذي لا يعيش إلى مثله.
2- تحقق حياة الوارث : وذلك وقت وفاة مورثه ولو للحظة .
3- العلم بجهة الإرث و درجة القرابة .
أسباب الـمـيـراث :
يقول صاحب " الرحبية " :
أسباب ميراث الورى ثلاثة **** كل يفيـد ربـه الوراثـــــة
وهي نكاح وولاء ونسـب **** ما بعدهن للمواريث سبب
1-النكاح :وهو عقد الزوجية الصحيح شرعا ، و المختلف في فساده عند المالكية كالشغار والمحرم ، أما النكاح المتفق على فساده كمن تزوج خامسة فوق رابعة ، أو محرمة عليه فإنهما لا يتوارثان و لو تم الدخول وإنجاب الأولاد ، والنكاح الصحيح يثبت به التوارث حتى و لو لم يتم به وطء شريطة أن لا يكون في مرض الموت ، كما يثبت به التوارث أثناء العدة إن كانت من طلاق رجعي باتفاق جميع الأئمة ، وفي الطلاق البائن إذا كان في المرض ولو انقضت العدة وتزوجت المطلقة أزواجا آخرين فترثه إن مات من مرضه الذي طلقها فيه ولو في عصمة غيره عملا بنقيض مقصوده ، أما إن كان الطلاق بسبب الزوجة فلا ميراث لها .
2-الولاء : وهو عصوبة ولحمة كلحمة النسب سببها الإنعام بالعتق على الرقيق ولا يكون الإرث به إلا تعصيبا ومن جانب واحد وهو المعتق ويرث به المعتق ذكرا كان أو أنثى ، وعصبة المعتق المتعصبون بأنفسهم ، لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( إنما الولاء لمن أعتق )) ، وقوله : (( الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب )).
3- النسب : وهو القرابة والمراد بها الرحم ويرث به الأبوان ومن أدلى بهما ، و الأولاد ومن أدلى بهم ـ سنرى ذلك بالتفصيل لاحقا ـ .
4-بيت المال : وهو وارث من لا وارث له عند المالكية ويرث سواء أكان منتظما أو مختلا .
موانع الميراث :
أ ـ تعريف المانع لغة : الحاجز .
ب ـ تعريف المانع شرعا : " هو ما يلزم من وجوده العدم و من عدمه الوجود " .
أو " هو تلك الأوصاف التي تقتضي عدم الإرث مع قيام سببه " فالرق مثلا بوجوده ينعدم الميراث ، و بانعدامه و هو صيرورة الشخص حرا يوجد الميراث .
ج ـ عدد الموانع :
و موانع الميراث محل خلاف بين الفقهاء في عددها ، اتفق على ثلاثة منها المجموعة في قول " صاحب الرحبية " :
ويمنع الشخص من الميراث **** واحدة من عـلل ثـلاث
رق وقتل واختـلاف ديـــــــن **** فافهم فليس الشك كاليقين
و " المالكية " يقرون بأن هناك سبع موانع جمعها صاحب " أسهل المسالك" في قوله :
ويمنع الإرث بوصف الرق **** والقتل عمدا أو بشك السبق
أو عدم استهلال أو لـعـــان **** كذا الزنا تخالـف الأديــــــــان
وقد اختصر العلامة " الأخضري " جميع هذه الموانع في قوله : ( عش لك رزق )
ع : عــــدم الاستهــــــــــــــلال.
ش : الشك في أسبقية الوفاة.
ل : اللـــــــــــــــــــــــعـــــــــان.
ك : الكفر ( اختلاف الدين ).
ر : الــــــــــرق ( العبودية ).
ز : الزنــــــى ( ولد الزنى ).
ق :القتــل العمد العـــدوان .
المانع الأول : الرق
و هو مانع للميراث من الجانبين ، فلا توارث بين حر و رقيق ، و عدم التوارث بينهما ناتج من أن الحر لا يرث الرقيق لأنه لا مال له لأن العبد و ما ملكت يداه ملك لسيده ، لقول رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ : (( من باع عبدا له مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع )) . و دل هذا الحديث على أن العبد لا يملك شيئا و أن اسم ماله إنما هو إضافة المال إليه .
أما الرقيق فعدم ميراثه للحر ناتج من أنه لو ورث فإن ميراثه سينتقل إلى سيده و بالتالي يعتبر قد ورث شخصا آخر أجنبي عن التركة ، و يعتبر توريثا للسيد بغير سبب للميراث و هو غير مشروع .
أ ـ الرق لغة : العبودية و الضعف .
ب ـ الرق شرعا : هو عجز حكمي يتصف به الشخص ، و العجز الحكمي معناه أن الشارع حكم بعدم نفاذ تصرفه ، لذا فلا يملك و لا يولى أمرا و لا تقبل شهادته ، باعتبار هذه الأمور تصرفات .
و لقد وضح لنا ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى : (( ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء )) النحل 75 .
و المقدرة المقصودة هنا هي المقدرة الشرعية ( التملك و التصرف ) ، و هي منفية على الرقيق .
ج ـ أنواع الرق :
1) رقيق كامل الرق : و هو ما يسمى بالقن ، و هذا لا يرث و لا يورث بالإجماع .
2) رقيق ناقص الرق : كأم الولد .
3) رقيق مكاتب : و هو من توفي و ترك مالا فيه الكفاية للوفاء بكتابته و زيادة ، فيسدد من تركته ما بقي عليه من الكتابة ، و الباقي يورث عنه من طرف ورثته ، و هذا ما قال به مالك و أبي حنيفة .
ملاحظة : إن أسباب الرق قد زالت في نظر الإسلام منذ زمن بعيد و يعتبر حكما تاريخيا .
المانع الثاني : القتل]
القتل هو إزهاق روح إنسان معصوم الدم عن طريق مباشر أو بالتسبب ، و القتل إما أن يكون عمدا عدوانا و إما أن يكون غير ذلك .
و اختلف الفقهاء في ميراث القاتل إلى أربعة أقوال :
القول الأول : الشافعية : منعوا القاتل من الميراث مهما كان نوع القتل عمدا أو خطأ ، و مهما كانت طبيعته مباشرة أو بالتسبب ، و المنع منصب على الدية و التركة ، مستنتج من عموم حديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( ليس للقاتل شيء )) .
القول الثاني : الخوارج : ورثوا القاتل مطلقا بحجة عدم ورود نص في القرآن الكريم يمنع ذلك ، و لكن مردود عليهم بما ورد من أحاديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
القول الثالث : الحنفية و الحنابلة : يقترب المذهبان من بعضهما البعض في هذه المسألة .
فالحنفية : يرون أن القتل المانع من الميراث هو كل قتل موجب للقصاص أو الكفارة ، فالموجب للقصاص هو القتل العمد العدوان ، و الكفارة تكون في القتل شبه العمد ـ حيث يتعمد الشخص الفعل و لم يتعمد حدوث النتيجة كمن يضرب آخر بعصا صغيرة فيتوفى ـ ، كما تكون في القتل الخطأ ، فهذه الصور من القتل موجبة للقصاص و الكفارة و بالتالي مانعة من الميراث شريطة أن يكون القتل مباشرا دون تسبيب .
أما القتل غير الموجب للكفارة كالقتل دفاعا عن النفس أو العرض أو المال فإنه يعتبر قتل بحق و بالتالي لا قصاص فيه و لا كفارة ، و من ثم لا مانع .
أما الحنابلة : فإن القتل المانع للميراث هو القتل الموجب للقصاص أو الكفارة أو الدية ، فالإمام أحمد ـ رحمه الله ـ جعل المناط في القتل الموجب للحرمان هو تقرير الشارع العقاب عليه سواء أكان مباشرا أو غير مباشر اعتبر مانعا من الميراث .
القول الرابع : المالكية : يرون أن القتل الذي يمنع من الميراث هو القتل العمد العدوان فقط سواء كان مباشرا ـ كالقتل بالحاد كالسكين أو السيف ، أو القتل بالراض كالحجر أو العصا ـ أو بالتسبب كشهادة زور أدت إلى تنفيذ الحكم بالقتل أو التحريض أو مشاركة القاتل برأي ، أو حفر جب ليقع فيه المجني عليه سواء كان القاتل فردا أو جماعة .
ولو كان القتل عمدا لكن بحق كمن قتل ابنه في قصاص أو زوجته في زناها فإنه لا يمنع من الميراث .
أما الخطأ فإنه لا يمنع الميراث من المال عكس الدية حتى لا يرث الشخص مال نفسه ، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (( ليس للقاتل شيء)) النسائي .
عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قام يوم فتح مكة فقال : (( لا يتوارث أهل ملتين ، والمرأة ترث من دية زوجها وماله وهو يرث من ديتها ومالها ما لم يقتل أحدهما صاحبه ، فإن قتل صاحبه خطأ ورث من ماله ولم يرث من ديته )) ابن ماجة .
و لكن مع هذا كله لا بد من ملاحظة أن القتل العمد لا يمنع ميراث الولاء لذا فمن قتل مورثه ، و لذلك المورث ولاء عتيق فإن القاتل يرث ما للمقتول من ولاء .
يقول صاحب " النيل الفائض " :
وقاتل العمد مع العـــــدوان **** لم ير في الإرث سوى الحرمان
غير الولاء لأنه كـالنســـــب **** ولا لأنه يـرفــــــــــــع أي سـبـب
والقتل إن عمدا ولا عدوانا **** يـرثـــــــــــــــه الـوارث أيـا كـان[/c]
المانع الثالث : اختلاف الدين
أولا : ميراث المسلم من الكافر و العكس :
أ ـ ميراث المسلم من الكافر :
القول الأول : قال جمهور الفقهاء بعدم التوارث بينهما :
قال أحمد ـ رحمه الله ـ : " ليس بين الناس اختلاف في أن المسلم لا يرث الكافر " .
قال عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ : " أهل الشرك لا نرثهم ولا يرثونا " .
وعن الشعبي : أن رسول الله وأبا بكر وعمر قالوا: (( لا يتوارثُ أهل دينين )).
وعن عليّ قال : " لا يرث المسلمُ الكافر " .
واحتجوا بـ : ما روى أسامة بن زيد عن النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: (( لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر )) متفق عليه.
وعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( لا يتَوَارَثُ أَهْلُ ملّتين )) رواه أحمد و غيره .
القول الثاني : ذهب معاذ بن جبل و معاوية من الصحابة و سعيد بن المسيب و مسروق من التابعين إلى أن المسلم يرث الكافر .
ب ـ ميراث الكافر من المسلم :
أجمع أهل العلم على أن الكافر لا يرث المسلم ، و ذلك لأن الميراث أساسا مبني على الولاء و النصرة و لا ولاء لكافر على مسلم لقوله تعالى : (( و لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا )) .
ثانيا : ميراث الملل الأخرى غير المسلمة من بعضها البعض :
اختلف الفقهاء في ذلك و سبب الاختلاف ناجم عن تساؤل : هل الكفر كله ملة واحدة أم لا ؟
أ ـ القول الأول : ذهب شريح و ابن أبي ليلى و جماعة أخرى معهم إلى تقسيم الملل إلى ثلاثة أصناف :
1) النصارى و اليهود و الصابئين ملة .
2) المجوس و من لا كتاب لهم ملة .
3) الإسلام ملة .
ب ـ القول الثاني :ذهب الشافعي و أبو حنيفة و أبو ثور و الثوري و غيرهم إلى أن الكفر كله ملة واحدة مهما تعددت أنواعه و بالتالي يكون التوارث بينهم ، مستدلين بقوله تعالى : (( لكم دينكم و لي دين )) ، و قوله تعالى : (( فماذا بعد الحق إلا الضلال )) ، و قوله تعالى : (( و لن ترضى عنك اليهود و لا النصارى حتى تتبع ملتهم )) ، و قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( لا يرث المسلم الكافر و لا الكافر المسلم )) مسلم .
و المفهوم من هذا الحديث أن المسلم يرث المسلم و الكافر يرث الكافر .
ج ـ القول الثالث : ذهب المالكية و من وافقهم من الحنابلة و غيرهم إلى أن الكفر ملل متعددة و متنوعة و لا توارث بين هذه الملل فيما بين بعضها البعض ، فلا يرث اليهودي أو النصراني المجوسي أو عباد الوثن .
و الأصل في هذا كله قوله تعالى : (( لكل جعلنا منكم شرعة و منهاجا )) المائدة 48 ، و قوله تعالى : (( ما كان إبراهيم يهوديا و لا نصرانيا و لكن كان حنيفا مسلما و ما كان من المشركين )) آل عمران 67 ، فالآية قد فرقت بين الأنواع الثلاثة فاليهودية ملة ، و النصرانية ملة ، و المجوسية أو عبدة الأوثان ملة .
و عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : (( لا يرث الكافر المسلم و لا المسلم الكافر ، و لا يتوارث أهل ملتين شيئا )) مالك .
ثالثا : ميراث من أسلم بعد وفاة مورثه و قبل توزيع التركة :
اختلف الفقهاء في ذلك إلى قولين :
القول الأول : ذهب جمهور الفقهاء ( مالك و الشافعي و أبو حنيفة و رواية عن أحمد ) إلى أنه إذا كان الوارث وقت وفاة مورثه كافرا ثم أسلم بعد ذلك فلا ميراث له ، لأن معيار الميراث من عدمه عندهم هو وقت الوفاة .
سئل الإمام مالك ـ رحمه الله ـ عن رجل من المسلمين مات و بعض ورثته نصارى فأسلموا قبل أن يقسم الميراث ، أو كان جميع ورثته نصارى فأسلموا بعد موته و قبل أن يقسم ماله ، فقال : " إنما يجب الميراث لمن كان مسلما يوم مات ، و من أسلم بعد موته فلا حق له في الميراث " ، فقيل له : فإن مات نصراني و ورثته نصارى فأسلموا قبل أن يقسم ماله علام يقتسمون ؟ أعلى وراثة الإسلام أم على وراثة النصارى ؟ قال : " على وراثة النصارى التي وجبت لهم يوم مات صاحبهم " .
القول الثاني : أجاز الإمام أحمد في أحد قوليه لمن أسلم بعد وفاة مورثه الميراث منه إذا ما أسلم قبل توزيع التركة و ذلك ترغيبا له في الإسلام ، و على هذا قتادة و الحسن ، فالمعتبر عندهم هو يوم القسمة لا يوم الوفاة ، روى أبو داود بإسناده عن ابن عباس قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( كل قسم قسّم في الجاهلية فهو على ما قسم وكل قسم أدركه الإسلام فهو على قسم الإسلام )).
رابعا : ميراث من تنصر أو ارتد بعد وفاة مورثه و قبل تقسيم التركة :
قال المالكية : تضرب أعناق ولده الذين تنصروا إن كانوا قد بلغوا الحلم من الرجال و الحيض من النساء ، و يجعل ميراثهم من أبيهم في بيت مال المسلمين ، و ذلك لأن ميراثهم من أبيهم وقع في كتاب الله و هم مسلمون ثم تنصروا بعد أن وقع الميراث و ثبت ، و ليس لأحد أن يرث ما ورثوا إذا قتلوا على النصرانية .
كما قلنا من قبل في الدرس الرابع من دروس الميراث أن موانع الميراث محل خلاف بين الفقهاء في عددها ، اتفق على ثلاثة منها و هي : ( الرق ، و القتل ، و اختلاف الدين ) ، و اختلف في غيرها ، و " المالكية " يقرون بأن هناك سبع موانع هي : ( الرق ، و القتل ، و اختلاف الدين ، و الشك في السبق ، و عدم الاستهلال ، و اللعان ، و الزنا ) .
موانع الميراث المختلف فيها
أولا : الشك في السبق
الشك في السبق : أي الشك في أسبقية الوفاة بحيث لا ندري أيهما مات قبل الآخر ، وبالمعنى المقابل الشك في الأقعدية أي : أيّ الشخصين قعد و مكث حيا بعد الآخر ؟ .
حيث علمنا من قبل أن من شروط الميراث " تحقق حياة الوارث بعد وفاة المورث " ، و لذا ذهب أغلب الفقهاء إلى عدم عد الشك في السبق ضمن موانع الميراث لأن الميراث أصلا غير قائم لعدم تحقق أحد شروطه .
و ذهب " المالكية و من وافقهم من شافعية و حنفية " إلى أن الشك في السبق يؤدي إلى منع التوارث ، حيث يقول " الإمام مالك " ـ رحمه الله ـ في هذا الشأن : " الميراث لا يكون إلا بيقين ، و عليه فلو أن رجلا معه امرأته و ابنه و أخ لامرأته ، فماتت المرأة و ابنه ، فاختلف الأخ و الزوج في ميراث المرأة ، فقال الزوج : ماتت المرأة أولا ، و قال الأخ : مات الابن أولا ثم ماتت أختي بعد ذلك ، ففي حالة كهذه لا ينظر إلى من هلك منهم ممن لم يعرف هلاكه قبل صاحبه ، و لا يرث بعضهم بعضا إذا لم يعرف من مات منهم أولا ، و لكن يرثهم ورثتهم الأحياء ، لذا فيرث المرأة ورثتها الأحياء و لا ترث الابن و لا يرثها " .
واستدل " المالكية " على عدم التوارث حين الشك بإجماع الصحابة ـ رضوان الله عنهم ـ على هذا الحكم ، حيث لم يورثوا من قتل يوم " صفين " و " الجمل " و " قديد " لأنهم لم يدروا من قتل قبل صاحبه ، وكذلك قضاء زيد بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ في قتلى اليمامة في عهد أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ وفي موتى الطاعون في عهد عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ و بما روي عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ (( أن أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب امرأة عمر بن الخطاب و ابنها زيد بن عمر بن الخطاب هلكا معا في ساعة واحدة فلم يدر أيهما هلك قبل صاحبه فلم يتوارثا )) .
و على هذا فإن من يموتون في وقت واحد أو في أوقات مترتبة لكن لم يعلم حال السابق فلا توارث بينهم كالغرقى و الحرقى و الهدمى ، و لهذا أشار صاحب الرحبية :
و إن يمت قوم بهدم أو حرق **** أو حادث عمّ الجميع كالحرق
و لم يكن يعلم حال السابــــق **** فلا تورث زاهقا من زاهـق
و عدّهم كأنهم أجــانــــــــــب **** فهكذا الرأي السديد الصائب
و في الحقيقة أن هذا الحكم يعم كل حالة استبهمت فيها حياة الوارث أو موت المورث .
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma