نفقة الزوجة: هل تشمل أجرة علاجها إذا مرضت؟
· يراد بالنفقة ما يصرفه المرء من مال على زوجته وذوي رحمه وما ملكت يمينه
والفقهاء في تناولهم لمسألة نفقة · وإن وجوبها بالنسبة لهؤلاء الأفراد ثبت بالنص
الزوجة لم يختلفوا في حكمها، ولكن اختلفوا في تعيين مشمولاتها، فحصرها جمهور
وتوسع فيها الزيدية فأضافوا إلى هذا الذي · الفقهاء في المطعم والملبس والمسكن
ذآره الجمهور نفقات علاج الزوجة إذا مرضت، وإلى رأيهم ذهب أغلب الفقهاء
وهذا تفصيل قولهم في المسألة: · المعاصرين
أولاً: آراء وأدلة الفقهاء في المسألة
1 مذهب جمهور الفقهاء وأدلتهم في المسألة:
ذهب جمهور الفقهاء وفيهم الأئمة الأربعة والظاهرية إلى أن ما يجب على الزوج في
· النفقة ثلاثة أشياء: الطعام، والكسوة، والسكن
فبالنسبة للمذهب الحنفي، جاء في حاشية ابن عابدين أن<النفقة هي الطعام والكسوة
وصرح الكاساني بأن · فلا يجب على الزوج غير هذه الأشياء الثلاثة ·< والسكن
بل جاء في ·< الزوجة <لو مرضت في الحضر آانت المداواة عليها لا على الزوج
فتح القدير أن شمس الأمة الحلواني قال: <إذا مرضت مرضاً لا يمكن الانتفاع بها
وجاء في حاشية ابن عابدين أيضاً أنه <لا يلزمه ·< بوجه من الوجوه تسقط النفقة
·< مداواتها
وبالنسبة للمذهب المالكي فقد نص الشيخ خليل على أنه <يجب لممكنة مطيقة للوطء
وقال الخرشي عند · على البالغ وليس أحدهما مسرفاً قوت وإدام، وآسوة، ومسكن
قول المختصر: <لا مكحلة ودواء وحجامة وثياب المخرج>: <يعني أن الرجل لا
وآذلك لا يلزمه الدواء عند مرضها لا أعياناً ولا أثماناً ومنه (···) يلزمه المكلحة
·< أجرة الطبيب
وبالنسبة للمذهب الشافعي صرح إمام المذهب أن الزوج <لا يكلف غير الطعام العام
ونقل عنه الماوردي قوله: ·< ببلده الذي يقتاته مثلها، ومن الكسوة والأدم بقدر ذلك
وعلل ·< <ليس على رجل أن يضحي لامرأته ولا يؤدي عنها أجر طبيب ولا حجام
السيوطي قول الشافعية بعدم استحقاق الزوجة الدواء للمرض ولأجرة الطبيب بأن
<هذه الأمور لحفظ الأصل، فكانت عليها آما يكون على المكري ما يحفظ العين
وذآر أنه <يلزم الزوج الطعام والأدم في أيام المرض، ولها صرف ما ·< المكراة
·< تأخذه إلى الدواء ونحوه
وبالنسبة للمذهب الحنبلي ذآر ابن قدامة أن الزوج <لا يجب عليه شراء الأدوية ولا
وتجب عليه آسوتها بإجماع (····) أجرة الطبيب، لأنه يراد لإصلاح الجسم فلا يلزمه
أهل العلم>.
وبالنسبة لابن حزم، فإنه صرح بأن الذي <على الزوج آسوة الزوجة مذ يعقد
النكاح ونفقتها وما تتوطاه وتتغطاه وتفرشه، وإسكانها آذلك أيضاً صغيرة أو آبيرة
·< ذات أب أو يتيمة غنية أو فقيرة
هذه هي أقوالهم في المسألة، ظاهرها أن الزوج لا يلزمه لزوجته غير إطعامها،
وقد آان العمل بمقتضاها في قانون الأحوال الشخصية المصري · وإآسائها، وإسكانها
وبقي قانون الأسرة في لبنان يعمل بها وينص على أن <النفقة هي تأمين · قبل تعديله
المأآل، والملبس، والمسكن>. وإلى هذا القول ذهب الشيخ المهدي الوزاني من فقهاء
المغرب، وآذلك الشيخ محمد أبوزهرة فإنه حصر النفقة في <الإطعام، والكسوة،
وربط استجابة المرأة لطلب زوجها بتمكينها من نفسها بتوفير نفقتها آلها ·< والمسكن
فقال: <فوجوب التمكين يكون بأن يعد لها النفقة بأنواعها ثلاثة، فيقدم لها الطعام الذي
ولا يزال بعض من ·< تحتاج إليه، والكسوة التي تليق به، ويعد المسكن الذي تسكنه
· يتصدون للفتوى في هذا العصر يفتون بهذا الرأي
واحتجوا بأدلة من القرآن والسنَّة النبوية:
فمما احتجوا به من القرآن:
قوله تعالى: (قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم) 1
احتج به الإمام الشافعي على أن الزوج <لا يكلف غير الطعام العام ببلده الذي يقتاته
·< مثلها، ومن الكسوة والأدم بقدر ذلك
وقوله تعالى: (أسكنوهنَّ من حيث سكنتم من وجدآم) 2
احتجوا به لإيجاب سكنى الزوجة على قدر طاقة زوجها، فأخذ منه ابن قدامة أنه:
قال تعالى: (وعاشروهن · <إذا وجبت السكنى للمطلقة فالتي في صلب النكاح أولى
ولأنها لا تستغني عن السكن · بالمعروف)، ومن المعروف أن يسكنها في مسكن
لأنه واجب لها ،(···) للاستتار عن العيون وفي التصرف والاستمتاع وحفظ المتاع
·< لمصلحتها في الدوام، فجرى مجرى النفقة والكسوة
ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: <ولهن عليكم رزقهن
فإنه يفيد وجوب إنفاق الزوج على زوجته بالمعروف ·< وآسوتهن بالمعروف
وورد تأآيدهما فيما · ووردت النفقة فيه محصورة في الرزق والكسوة لأنهما تتجددان
أجاب به رسول الله صلى الله عليه وسلم حكيم بن معاوية حين سأله: <ما حق زوجة
أحدنا عليه؟> فقال: <أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذ اآتسيت>، وأيضاً في قوله
·< صلى الله عليه وسلم: <وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في آسوتهن وطعامهن
وأما وجوب إسكان الزوجة فيدل عليه القرآن، ويستفاد من الأحاديث التي ورد فيها
· نهي النساء عن أن يخرجن من بيوتهن إلا بإذن أزواجهن
2 مذهب الزيدية:
الذي عليه مذهب الزيدية أن أجرة الدواء تدخل فيما يجب للزوجة على زوجها من
هذا ما نص عليه الشوآاني فقال: <وأما وجوب الدواء فوجهه أن وجوب النفقة · النفقة
·< عليه هي لحفظ صحتها، والدواء من جملة ما يحفظ به صحتها
وبهذا القول عملت معظم قوانين الأحوال الشخصية العربية، فجعلت نفقات علاج
الزوجة إذا مرضت واجبة على الزوج مثلما يجب عليه طعامها ولباسها ومسكنها،
جاء في الفقرة الثانية من المادة الأولى من قانون الأحوال الشخصية المصري رقم
25 لسنة 1920 المعدل بالقانون 100 لسنة 1985 أنه <تشمل النفقة الغذاء والكسوة
وصرحت مذآرته الإيضاحية بأن هذه الفقرة جاءت ·< والسكن ومصاريف العلاج
• 1 / الأحزاب: 50
• 2 / الطلاق: 6
وجاء في المادة الحادية والسبعين من قانون الأحوال · بما ذهب إليه مذهب الزيدية
الشخصية السوري أن <النفقة الزوجية تشمل الطعام والكسوة والسكنى والتطبيب
وجاء في الفصل الثامن ·< بالقدر المعروف وخدمة الزوجة التي يكون لأمثالها خادم
عشر ومئة من مدونة الأحوال الشخصية المغربية أن نفقة الزوجة تشمل <السكنى،
والطعام، والكسوة، والتمريض بالقدر المعروف وما يعتبر من الضرورات في
وجاء في المادة الثامنة والسبعين من قانون الأسرة الجزائري أن ·< العرف والعادة
النفقة تشمل <الغذاء، والكسوة، والعلاج، والسكن أو أجرته، وما يعتبر من
وجاء في المادة الثانية والعشرين من قانون الأسرة ·< الضرورات في العرف والعادة
الليبي رقم 10 لسنة 1984 أنها تشمل <السكن والطعام والكسوة والعلاج وآل
·< مقومات الحياة
وهو · ظاهر هذه النصوص جميعها أن تطبيب الزوجة مما يجب لها على زوجها
الرأي الذي رجحه الشيخ الدآتور يوسف القرضاوي لقوله صلى الله عليه وسلم:
فظاهره أن ذلك غير مختص لمجرد الطعام > ·< <خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف
والشراب، بل يعم جميع ما يحتاج إليه، فيدخل تحته الفضلات <الكماليات> التي قد
صارت بالاستمرار عليها مألوفة بحيث يحصل التعذر بمفارقتها أو التضجر أو
التكدر، ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأزمنة والأمكنة والأحوال بما فيه
وإليه يشير قوله تعالى: (وعلى المولود له رزقهن وآسوتهن · الأدوية ونحوها
بالمعروف) البقرة: 233 ، فإنه نص في نوع من أنواع النفقات إذ الواجب على من
·< عليه النفقة رزق من عليه إنفاقه والرزق يشمل ما ذآرناه
ثانياً
يمكن بعد عرض رأي وأدلة الفريقين في المسألة والتأمل فيها أن نرجح الرأي الذي
قال به الزيدية لما يلي:
1 بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أعظم نفقة الرجل أجراً، ما ينفقه على
أهله في قوله عليه الصلاة والسلام: <دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في
رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي
ففيه تقديم إنفاق الرجل على أهله على الإنفاق في سبيل الله وعلى ·< أنفقته على أهلك
ومعلوم أن الإنفاق على أحد لا · الإنفاق في الرقاب وعلى التصدق على المساآين
يكون إلا لدفع الضرر عنه، وأي ضرر يصيب الزوجة أآبر من أن تمرض مرضاً
قد يكون سببه آثرة اشتغالها في بيتها، أو يصيبها في أثناء حملهاأو بعد ولادتها؟!
لاشك أن هذا الضر لا يمكن دفعه بسوق الطعام أو الملبس إليها وإنما يمكن دفعه
· بالدرجة الأولى بالفحوص الطبية واستعمال الأدوية فتشفى بإذن الله
2 إن الله تعالى أمر الأزواج أن يعاشروا زوجاتهم بالمعروف فقال: (وعاشرون
بالمعروف) النساء: 19 ، فهل يكون من المعروف أن يترك أحد زوجته مريضة فلا
يهتم بصحتها؟ وهل من حسن العشرة أن ينفق عليها في حال صحتها، فإذا مرضت
·؟ أرسلها إلى أهلها حتى تُشفى
ولقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأزواج إلى ملاطفة نسائهن والصبر على
ما لا يستقيم من أخلاقهن، آما دعا النساء إلى حسن تبعل أزواجهن ، فبيّن عليه
الصلاة والسلام أن أعلى رتبة في الخير وأحق الناس بالاتصاف بها من آان خيراً
لأهله، فقال صلى الله عليه وسلم: <أآمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخيارآم
خيارآم لنسائهم خلقاً>.
وهو ما آان · وهذا يحصل إذا آان اعتناء الأزواج ببنية زوجاتهم آاعتنائهم بصحتهن
فقد روت · يقوم به رسول الله صلى الله عليه وسلم مع نسائه إذا مرضت إحداهن
عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم <آان يعود بعض أهله، يمسح
بيده اليمنى ويقول: اللهم رب الناس أذهب الباس، اشفه وأنت الشافي لاشفاء إلا
شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً>، وأيضاً أخرج البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما
قال: <أما تغيب عثمان عن بدر، فإنه آانت تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
وآانت مريضة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: <إن لك أجر رجل ممن شهد بدراً
وسهمه>، فثبت بهذا أن تمريض الزوج زوجته هو عمل رسول الله صلى الله عليه
وسلم ودأب الصحابة مع زوجاتهم، وأنه يتقدم سائر ما تحتاجه الزوجة في غير حال
· مرضها
ثم إن الفقهاء أوجبوا النفقة للزوجة إذا مكنت زوجها من نفسها قبل مرضها، ولم
يسقطوا نفقتها بمرضها، فحكى ابن القيم قوله: <لو تعذر من المرأة الاستمتاع لمرض
فتطاول وأعسرت بالجماع، لم يمكن الزوج من فسخ النكاح، بل يوجبون عليه النفقة
·< آاملة مع إعسار زوجته بالوطء
من أجل هذا آان اللازم أن يختار الزوج من نفقة زوجته ما يقيم عودها ليستمتعا
وإن ما تحتاجه المرأة في مرضها أن تتناول الدواء لا الطعام وحده، · ببعضهما بعضاً
وهنا تتقدم نفقات العلاج على · لأن المرء إذا مرض يفقد شهية الأآل حتى يشفى
الإطعام، لأن الغاية من الإنفاق على الزوجة حفظ نفسها وهذا واجب، ومن لا يتم
· الواجب إلا به فهو واجب
ولعل الأئمة الفقهاء لم يذآروا نفقات التطبيب ضمن ما يجب للزوجة على زوجها لأن
<المداواة لم تكن في الماضي حاجة أساسية، فلا يحتاج الإنسان غالباً إلى العلاج لأنه
·< يلتزم قواعد الصحة والوقاية، فاجتهاد الفقهاء مبني على عرف قائم في عصرهم
3 إن الشرع ترك أمر تقدير النفقة إلى العرف، وقد تعارف الناس وساروا على أن
الرجل آما ينفق من أجل إطعام زوجته وإسكانها وإلباسها، فإنه ينفوق من أجل
وما من شك أن أهل العرف يذمون الزوج القادر وينكرون عليه إذا أهمل > · تطبيبها
·< زوجته المحتاجة إلى العلاج
---------------------------------------
المصدر : مجلة الوعي الاسلامي عدد422
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma