نشاة و تعديل و نهاية الدساتير -
________________________________________
خــــطة البـــحث
مقدمــــــة
المبحث الأول: ظهور الدساتير .
المطلب الأول:تاريخ ومكان ظهور أول دستور .
المطلب الثاني:أسباب ودوافع وضع الدساتير .
المبحث الثاني: الأساليب غير الديمقراطية لنشأة الدساتير .
المطلب الأول:أسلوب المنحة .
المطلب الثاني:أسلوب العقد أو الاتفاق .
المبحث الثالث: الأساليب الديمقراطية لنشأة الدساتير .
المطلب الأول:أسلوب الجمعية التأسيسية .
المطلب الثاني:أسلوب الاستفتاء الشعبي أو الإستفتاء الدستوري .
المبحث الرابع: طرق وضع الدساتير الجزائرية .
المطلب الأول:دستـور 10 سبتمبر 1963 .
المطلب الثاني:دستـور 22 نوفمبر 1976 .
المطلب الثالث:دستـور 23 فيفري 1989 .
المطلب الرابع:دستـور 28 نوفمبر 1996 .
المبحث الخامس: تعديل الدساتير .
المطلب الأول: الإقتراح بالتعديل .
المطلب الثاني: الموافقة على مبدأ التعديل ( تقرير مبدأ الاقتراح بالتعديل ) .
المطلب الثالث : إعداد التعديل .
المطلب الرابع : إقرار التعديل .
المبحث السادس: إنهاء الدساتير وأثار إلغائها .
المطلب الأول: الطرق القانونية .
المطلب الثاني: الطرق الغير قانونية .
المطلب الثالث : آثار إلغاء الدساتير .
الخاتمـــــة.
قائمــة المراجــع .
مقدمــــــة
تتنوع الأساليب التي تنشأ بها الدساتير بتنوع أنظمة الحكم في العالم. وذلك لأن كل دستور هو نتاج للأوضاع الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية المحيطة به، وعلى وجه الخصوص مستوى التطور الذي بلغه النظام السياسي وتبعا لدرجة التطور الديمقراطي في كل دولة من هذه الدول، وكذا لتقاليدها وخبراتها السياسية ، وهى تتطور بتطور أنظمة الحكم في كل دولة من الدول، ففي ظل الأنظمة السياسية القديمة القائمة على الحكم المطلق حيث لا حدود ولا قيود على سلطات الحكام لم تنشأ الدساتير المكتوبة، لأن هذه الدساتير ما نشأت إلا لتقييد سلطات الحكام والحد منها، ولكن مع انتشار الأفكار الديمقراطية، والرغبة في الحد من الحكم المطلق، ظهرت الحاجة إلى تدوين الدساتير، من أجل تحديد الواجبات والحقوق لكل من الحكام والمحكومين. بإتباع طرق تختلف باختلاف الدولة ودرجة النضج السياسي لدى الرأي العام فيها. وقد يلعب الأسلوب الذي يتبع في وضع الدستور دوراً هاما في كشف المذهب السياسي الذي ينطوي عليه. فما هي هذه الأساليب المتبعة التي تنشأ بواسطتها الدساتير؟ والحديث عن النشاة يجرنا الى طرح اسئلة فرعية متمثلة في كيفية تعديل الدساتير وكيفية انهاءها ؟ .. هذه الاسئلة تطرح مباحث مهمة للغاية، للإجابة عليها يتطلع هذا البحث إلى تقديم إجابات محددة وبسيطة، استنادا بالدرجة الأولى الى بعض المراجع العربية المتوفرة عن هذا الموضوع ومن خلال بعض المقالات القانونية المنشورة عبر شبكة الانترنت. وقد اتبعنا المنهجين التحليلي والوصفي في بحثنا هذا والمقسم إلى ستة مباحث موضحة في خطة البحث..
المبحث الأول : ظهور الدساتير .
تنشأ الدساتير بأساليب مختلفة ومتعددة، وقبل التعرض لأساليب نشأتها يتوجب علينا بحث تاريخ، مكان وأسباب ظهورها والتطور الذي عرفته بفعل تزايد مهام الدولة.
المطلب الأول :تاريخ ومكان ظهور أول دستور .
إذا رجعنا لتاريخ العالم الإسلامي نجد أن أول دستور عرف بالمفهوم الفني الحديث في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ويعرف "بالصحيفة"، تلك الوثيقة التي أعدها رسول الإسلام لتنظيم أحوال دولة المدينة بعد أن انتقل إليها من مكة.
البعض يرى بأن الحركة الدستورية أو أول بداية لظهور الدستور تعود إلى القرن الثالث عشر وبالتحديد سنة 1215 عندما منح الملك جان ستير الميثاق الأعظم للنبلاء الانجليز الثائرين عليه. والبعض الآخر يؤكدون بأن تاريخ ظهور الحركة الدستورية الأولى بدأت تظهر معالمها في القرن السابع عشر عندما وضع الجناح المؤيد لكرومويل في المجلس العسكري دستورا، وان كان البرلمان وكرومويل ذاته لم يساندا ذلك المشروع فبقي كذلك بحيث لم يعرض على الشعب، وان كانت بعض نصوصه اعتمدت فيما بعد لتنظيم السلطة وعادت فيما بعد مصدرا لتنظيم السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية .
" أما أول الدساتيرالمكتوبة ظهرت في المستعمرات البريطانية بأمريكا الشمالية كرد فعل للانفصال عنإنكلترا، فأول دستور عرفه العالم الغربي في ولاية فرجينيا دستور جوان 1776، وقدسابقه الإعلان للحقوق الذي يعتبر القاعدة الأساسية لأي حكومة في فرجينيا، ثم تلىذلك في عام 1781 صدوردستور الاتحاد التعاهدي، وفي عام 1787 صدرالدستور الاتحادي للولايات المتحدة الأمريكية. فالمثل الأمريكي كان سببا لاقتداءالعديد من الدول به كفرنسا مثلا، عرفت أول دستور مكتوب عام 1791، وقدسبقها قبل ذلك إعلان حقوق الإنسان والمواطن الذي صدقت عليه الجمعية الوطنية في أوت 1789. فقدأصبحت الدساتير المكتوبة من خصائص الدول الحديثة، نتيجة لرواج الأفكار الديمقراطيةوالحركات السياسية التي نادت بمبدأ السيادة الشعبية، وبلورة فكرة العقد الاجتماعي،ومبدأ الفصل بين السلطات...أمام هذه المزايا العديدة انتقات فكرة الدساتير المكتوبةالى العديد من الدول الأوروبية، فصدر دستور السويد سنة 1809، والنرويجوبلجيكا سنة 1831، وعلى إثرالحرب العالمية الأولى، زاد انتشار الدساتير المكتوبة كنتيجة منطقية للحد من التعسففي استعمال السلطة فصدر دستور روسيا يوم 10 يوليو 1918، فدستورتركيا 1924ودستورالنمسا 1 أكتوبر 1920" (1) .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
1- د/ فوزي أوصديق : الوافي في شرح القانونالدستوري. الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعية، الجزء الثاني، الطبعة الأولى، 1994، ص40 .
(02)
المطلب الثاني : أسباب ودوافع وضع الدساتير
" إن انهيار الحكم الملكي المطلق بعد الثورات الأوربية وسيطرة البرجوازية على السلطة إلى جانب ظهور فكرة القومية وانحسار الاستعمار كانت من الأسباب والدوافع الرئيسية في دسترة أنظمة الحكم، وكان غرض شعوب تلك الأنظمة إثبات سيادتها الداخلية واستقلاليتها، وذلك بواسطة تنظيم الحياة السياسية بوضع دستور يبين السلطات وعلاقاتها في الدولة الجديدة وعلاقاتها بالمحكومين والدول الأخرى. وأن هذه الدول بوضع الدستور تؤهل نفسها لإقامة حوار بين السلطة والحرية فكأنها تعلن للغير بأنها وصلت إلى مرحلة النضج السياسي، ولها الحق في الانضمام للمجتمع الدولي "(1). وكما أشرنا سابقا على إثر الحرب العالمية الأولى، زاد انتشار الدساتير المكتوبة كنتيجة منطقية، بحيث حددت اختصاصات الحكام ومدى السلطات التي تحت أيديهم والواجبات المفروضة عليهم حتى لا تتكرر نفس التجربة (التعسف في استعمال السلطة)، كما أن حركة التحرر، ساهمت بشكل فعال في انتشار هذه الظاهرة، بالأخص إذا علمنا أن أغلب هذه الدول تفتقر إلى رصيد دستوري، كانعدام حياة دستورية سابقة..أو عدم وجود أعراف سابقة..كل هذا كان سببا مباشرا لوضع دستور مكتوب إلى جانب ضرورة اقتناء وتدوين وثيقة دستورية للإنضمام في المجتمع الدولي مثل غينيا قد أعلن عن استقلالها يوم 02 أكتوبر 1958 ، " وفي ذلك الوقت كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة منعقدة، ولكي يضمن الرئيس سيكوتوري الحصول على الموافقة، أصدر دستور في 10 نوفمبر 1958، وأعلنت الأمم المتحدة عن قبولها كعضو في 12 نوفمبر 1958. وفي الكويت دستور 1962 إذ كانت قد قبلت في جامعة الدول العربية في 30 يوليو 1961 بمجرد إعلان استقلالها في 19 يونيو 1961، فإنها لم تقبل في المم المتحدة ولم تنظم إلى المجتمع الدولي إلا في 14 مايو 1963 أي بعد صدور دستورها في 11 نوفمبر 1962، وإذا كانت حركة الدساتير المكتوبة قد سادت الدول العربية، إلا أن بعض دول الخليج تفتقر إلى دستور مكتوب ولا يوجد فيها دستور مدون على نسق الدساتير المعاصرة "(2) .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
1- د/ فوزي أوصديق: المرجع السابق ، ص40.
2- د/ سعيد بو الشعير :القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة ،النظرية العامة للدولة والدستور ،طرق ممارسة السلطة ،الجزء الأول ،الطبعة الثالثة ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ،1986 ،ص 139 .
(03)
المبحث الثاني : الأساليب غير الديمقراطية لنشأة الدساتير .
" يمكن تعريف الأساليب غير الديمقراطية لنشأة الدساتير بأنها الأساليب التي لا يستأثر الشعب وحده في وضعها، وإنما الذي يضعها هو الحاكم وحده (منحة) أو بالاشتراك مع الأمة أو الشعب (عقد). وهما أسلوبان تزامنا مع تطور الملكية من ملكية مطلقة إلى ملكية مقيدة "(1) .
المطلب الأول : أسلوب المنحة .
" يصدر الدستور في شكل منحة إذا تنازل الحاكم بإرادته المنفردة عن بعض سلطاته للشعب، أو أن يحددها ببعض القيود، بواسطة قواعد قانونية يمن بها على شعبه في صورة دستور. والأصل في هذه الدساتير أن الحاكم هو مصدر السلطات، ومنبع الحقوق والحريات، يجمع بين يديه الوظائف والاختصاصات، ومن بينها الاختصاص التأسيسي. غير أن انتشار الأفكار الديمقراطية، ونضج وعي الشعوب بحقوقها، والدعوة إلى الحد من من السلطان المطلق، دفع الحكام إلى منح شعوبهم دساتير، تنازلوا بموجبها عن جزء من سيادتهم، ليظهروا بمظهر المتفضلين على شعوبهم، قبل أن تجبرهم الأوضاع على التنازل عن جٌل سيادتهم، وبالتالي يفقدون هيبتهم وكرامتهم.
وهكذا؛ وعلى الرغم من أن الشكل الخارجي للدستور الصادر بطريق المنحة يظهر على أنه عمل قانوني صادر بالإرادة المنفردة للحاكم، فإن الدستور لم يكن ليصدر إلا نتيجة لضغط الشعوب على حكامها، ووعيها بحقوقها، وخوف الحاكم من ثورتها وتمردها. ويسجل لنا التاريخ أمثلة كثيرة لدساتير صدرت بطريق المنحة، ومنها الدستور الفرنسي لعام 1814 الذي أصدره لويس الثامن عشر للأمة الفرنسية ، وجدير بالذكر إن معظم دساتير الولايات الألمانية في القرن التاسع عشر صدرت بهذه الطريقة. ومن أمثلة الدساتير الممنوحة كذلك: الدستور الإيطالي لعام 1848 والدستور الياباني لعام 1889، ودستور روسيا لسنة 1906، وإمارة موناكو لعام 1911، وكذلك الدستور المصري لعام 1923، ودستور إثيوبيا لعام 1931، والقانون الأساسي لشرقي الأردن لعام 1926، ودستور الإمارات العربية المتحدة لسنة 1971 وكذلك الدستور القطري لسنة1971"(2)
ونتيجة لصدور الدستور بطريقة المنحة يثور تساؤل هام، حول قدرة الحاكم الذي منح الدستور هل له الحق في سحبه أو إلغائه ؟ وللإجابة على هذا السؤال انقسم الفقه إلى اتجاهين :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
1- د/ نعمان أحمد الخطيب : الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري، الطبعة الأولى،الإصدار الأول، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، 1999،الأردن ، ص482.
2- د/ فاطمة سعيد. ”أساليب نشأةالدساتير“.البحرين: منتديات البحرين،http://malware-site.www/link/fast_link.html?user=54782&url=http://forum.montadayat.org،2002م.
(04)
* يذهب أولهما إلى قدرة الحاكم على استرداد دستوره طالما كان هذاالدستور قد صدر بإرادته المنفردة، عل شكل منحة، لأن من يملك المنح يملك الاسترداد. يساند هذا الرأي أمثلة حدثت فعلاً، حيث أصدر شارلالعاشر .
ملك فرنسا قراراً ملكياً عام 1830 بإلغاء دستور عام 1814، تحت حجة أن المنحة أو الهبة في الحقوق العامة تشبه الهبة في الحقوق الخاصة، وكما يحق للواهب الرجوع عن الهبة. يحق للملك الرجوع عن دستوره، إذا صدر عن الشعب جحود للمنحة ونكران للجميل.
" ويذكر ثانيهما على الحاكم حق استرداد دستوره، ما دام هذا الدستور قد صدر، حيث تترتب عليه حقوق للأمة، فلا يحق للحاكم - عندها - المساس به إلا بالاستناد إلى الطرق القانونية المقررة بالدستور نفسه، حتى التسليم بأن صدور الدستور كان وليداً للإرادة المنفرد للحاكم، لأن هذه الإرادة تصلح أن تكون مصدراً للالتزامات، متى ما صادفت قبولاً من ذوي الشأن. وجدير بالإشارة أن الدستور الصادر بطريقة المنحة يدرس على اعتبار أنه مرحلة تاريخية، تمثلت بالانتقال من الملكيات المطلقة إلى الملكيات المقيدة، وقد انقضت وانتهت هذه المرحلة منذ زمن، نتيجة لزوال الحكم الفردي، واستعادة معظم الشعوب لكامل حقوقها في السيادة والسلطة. ومع ذلك، فما زالت بعض الدساتير تعتمد على الإرادة المنفردة للحاكم، في نشأتها وفي إصدارها، منذ تسلمه للسلطة وحتى مماته، وإن أمكن استبداله بغيره...وقائمة الدساتير التي صدرت بهذه الطريقة كبيرة. ولنا بعالمنا العربي أمثلة متعددة، حتى أن بعضها لا يزال نافذاً إلى يومنا هذا" (1) .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
1- د/ فاطمة سعيد. ”أساليب نشأةالدساتير“.البحرين: منتديات البحرين،http://malware-site.www/link/fast_link.html?user=54782&url=http://forum.montadayat.org،2002م.
(05)
المطلب الثاني: أسلوب العقد أو الإتفاق .
ينشأ الدستور وفقطريقة العقد بناء على اتفاق بين الحاكم من جهة والشعب من جهة أخرى. أي لا تنفردإرادة الحاكم بوضع الدستور كما هو الحال في صدور الدستور على شكل منحة، وإنما يصدرالدستور تبعاً لهذه الطريقة بتوافق إرادتي كل من الحاكم والشعب. ويترتب على ذلك ألايكون بمقدور أي من طرفي العقد الانفراد بإلغاء الدستور أو سحبه أو تعديله. وعلى هذاالنحو تٌمثل طريقة العقد أسلوباً متقدماً على طريقة المنحة، لأن الشعب يشترك معالحاكم في وضع الدستور في طريقة العقد، بينما ينفرد الحاكم بوضع الدستور في طريقةالمنحة. وبناء على ذلك؛ يعد أسلوب العقد مرحلة انتقال باتجاه الأساليب الديمقراطية. خاصة وأن ظهور هذا الأسلوب - لأول مرة - كان نتيجة لنشوب ثورات، في كل من انجلتراوفرنسا. ففي إنجلترا ثار الأشراف ضد الملك جون، فأجبروه على توقيع العهد الأعظم فيعام 1215، الذييعتبر مصدراً أساسياُ للحقوق والحريات. وبنفس الطريقة؛ تم وضع وثيقة الحقوقلعام1689 بعداندلاع ثورة ضد الملك جيمس الثاني، حيث اجتمع ممثلون عن الشعب، ووضعوا هذه الوثيقة،التي قيدت سلطات الملك، وكفلت الحقوق والحريات الأساسية للأفراد. وتمت دعوة الأميروليم الأورنجـي لتولي العرش، على أساس الالتزام بالقيود الواردة بالوثيقة. وتشكل هاتان الوثيقتان جزءاً هاماً من الدستور الإنجليزي الذي يتكون معظمه من القواعد العرفية.
أما في فرنسا فقدر صدر أول دستور فيها بطريقة العقد إثر ثورة سنة 1830 ضد الملك شـارل العاشر، ووضع مشروع دستور جديد من قبل جمعية منتخبة من قبل الشعب، ومن ثم دعوة الأمير لويس فيليب لتولي العرش، إذا قبل بالشروط الواردة بالدستور الجديد. وبعد قبول الأمير بهـذه الشروط نودي به ملكاً على فرنسا.
ويشار كذلك؛ إلى أن جميع الدساتير التي صدرت بطريقة العقد كانت من عمل جمعيات منتخبة، والأمثلة على هذا النوع من الدساتير عديدة نذكر منها الميثاق الأعظم في انجلتلرا سـنة 1215 الذي هو جزء من دستور انجلترا، وكذلك قانون الحقوق الصادر سنة 1688 في نفس البلــد، ودساتير كل من اليونان لسنة1844، ورومانيا لسنة 1864، وبلغاريا لسنة 1979، والقانـون الأساسي العراقي لعام 1925، والدستورين الكويتي لسنة 1962 والبحريني لسنة 1973. حيث وضعت المجالس التشريعية في هذه الدول الدساتير المذكورة، ثم دعت أمراء أجانب لـتولي العرش على أساس الالتزام بأحكامها. وعلى الرغم من أن أسلوب العقد يعد أسلوبا تقدمياً أكثر من أسلوب المنحة، فإنه لا يعد أسلوبا ديمقراطيا خالصاً، لأنه يضع إرادة الحاكم على قدم المساواة مع إرادة الشعب، بينما تفترض الديمقراطية أن يكون الشعب هو صاحب السيادة، لا يشـاركه فيها ملك ولا أمير.
(06)
المبحث الثالث : الأساليب الديمقراطية لنشأة الدساتير .
" يمكن تعريف الأساليب الديمقراطية في وضع الدساتير، بأنها الأساليب التي تستأثر الأمة وحدها في وضعها دون مشاركة الحاكم ملكا كان أو أميرا أو رئيسا للجمهورية. وبغض النظر عن التفصيلات والإجراءات المتبعة في وضع الدساتير داخل إطار هذا المفهوم الديمقراطي في وضع الدساتير، يمكن جمع هذه الأساليب في أسلوبين رئيسيين هما الجمعية التأسيسية وأسلوب الاستفتاء الشعبي " (1) .
المطلب الأول : أسلوب الجمعية التأسيسية .
تعد نشأة الدساتير وفقاً لهذا الأسلوب منطلقة من مبدأ السيادة الشعبية، كما ينظر إليه أيضاً على أنه من الأساليب الديمقراطية لخلق الدساتير حيث يمثل مرحلة أكثر تقدماً في نضال الشعوب ضد الحاكم المطلق.
ويصدر الدستور وفقاً لأسلوب الجمعية التأسيسية من مجلس أو جمعية تنتخب بصفة خاصة من الشعب ونيابة عنه، يعهد إليها بمهام وضع وإصدار دستور جديد يصبح واجب النفاذ. ولذا فإن هذه الجمعية التأسيسية أو كما يطلق عليها البعض اسم الجمعية النيابية التأسيسية هي في الواقع تجمع كل السلطات في الدولة فهي سلطة تأسيسية تشريعية وتنفيذية. وهذا الأسلوب في وضع الدساتير هو الذي تم إتباعه في وضع معظم الدساتير التي ظهرت عقب الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية. وكأمثلة تاريخية على أسلوب الجمعية التأسيسية نذكر دساتير الولايات المتحدة الأمريكية عقب استقلالها من إنجلترا عام 1776م كما اتخذته أمريكا أسلوباً في وضع وإقرار دستورها الاتحادي لعام 1787م وقد انتشرت هذه الطريقة فيما بعد فاعتمد رجال الثورة الفرنسية هذا الأسلوب من ذلك دستور فرنسا لعام 1791م، وعام 1848م، وعام 1875م، وقد انتهج هذه الطريقة كل من اليابان عام 1947م، والدستور الإيطالي عام 1947م، والدستور التشيكوسلوفاكي عام 1948م، والدستور الروماني عام 1948م، والدستور الهندي 1949م، والدستور السوري عام 1950 وتعد هذه الطريقة أكثر ديمقراطية من الطريقتين السابقتين، إذ أن الدستور يقوم بوضعه في هذه الحالة جمعية منتخبة من الشعب.
كما أن هذه الطريقة تحتوي على العديد من المخاطر يمكن تلخيصها كالآتي:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
1- د/ نعمان أحمد الخطيب : المرجع السابق ،ص486.
(07)
1 - احتمال انحراف الجمعية التأسيسية عن غرضها المنشود، بتفوق السلطة التشريعية على باقي السلطات الأخرى، لكون أغلب الأعضاء فيها تراودهم فكرة الترشح للمرة الثانية.
2 - الاعتماد على فكرة الجمعية التأسيسية يحتمل فيها استحواذ هذه الأخيرة على جميع الاختصاصات، مما قد يخلق عجزا وانسدادا أثناء معالجة المشاكل الشائكة وقت الأزمات.
3 –" احتمال رفض الشعب للجمعية التأسيسية بعد إقرارها للدستور، وهذا فعلا ما حدث في دستور الجمعية الفرنسية الرابعة سنة 1946م، مما بدد الطاقات والمجهودات "(1) .
المطلب الثاني : أسلوب الاستفتاء الشعبي أو الاستفتاء الدستوري .
ينشأ الدستور وفقاً لهذا الأسلوب من خلال الإرادة الشعبية الحرة، إذ يفترض أن يقوم الشعب أو يشترك بنفسه في مباشرة السلطة التأسيسية، في هذه الحالة يصدر الدستور مباشرة من الشعب الذي يوكل الأمر إلى جمعية منتخبة تكون مهمتها وضع مشروع الدستور أو إلى لجنة معينة من قبل الحكومة أو البرلمان إن وجد، ومن أجل أن يكون استفتاء دستوري يجب أن تكوّن أولا هيئة أو لجنة تقوم بتحضير مشروع الدستور وعرضه على الشعب لاستفتائه فيه، لأخذ رأي الشعب في مشروع الدستور ، ولكن هذا المشروع لا تصبح له قيمة قانونية إلا بعد عرضه على الشعب واستفتائه فيه وموافقته عليه. علماً بأنه ليس بلازم أن تقوم بوضع الدستور -المراد الاستفتاء عليه- جميعة تأسيسية نيابية، وإنما يفترض أن تكون هناك هيئة أو جمعية أو لجنة أو شخصية، قد أسند إليها وقامت بالفعل بإعداد مشروع الدستور، كما حدث بالنسبة لبعض دساتير العالم. ولا يختلف الأمر إذا كانت هذه الجمعية أو اللجنة التحضيرية للدستور منتخبة أو معينة، إذ تقتصر مهمتها على مجرد تحضير الدستور فحسب تمهيداً لعرضه على الشعب للاستفتاء عليه بالموافقة أو بالرفض، ويعتبر تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء هو الفصل في بدء سريان الدستور والعمل بأحكامه.
وإذا كان بعض الفقهاء قد ذهب إلى عدم اعتبار أسلوب الاستفتاء الشعبي أسلوبا متميزا عن أسلوب الجمعية التأسيسية أي عدم التفرقة بين الجمعية التأسيسية والاستفتاء السياسي على أساس طريقة واحدة، بل يعتبرون الاستفتاء مكملا للجمعية التأسيسية، فهو حلقة له ويستدلون بالعديد من القرائن التاريخية، فقد يوضع المشروع الدستوري بواسطة جمعية تأسيسية، مثال ذلك دستور 1946، وقد يوضع عن طريق لجنة حكومية، ومثال ذلك الدستور المصري الصادر سنة 1956، أو دستور الجمهورية الخامسة 1958.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
1-د/ فوزي أوصديق : المرجع السابق ، ص52.
(08)
وأخيرا ما يمكن قولهفي هذه المسألة هو وجود اختلاف بين الجمعية التأسيسية والاستفتاء الدستوري، فالأوليتخذ قوته الإلزامية بمجرد صدوره عن الجمعية، فلا يشترط فيه عرضه على الشعب، وهذافعلا ما حدث سنة1946في فرنسا،بحيث الجمعية التأسيسية أقرها الدستور في مايو1946، وعرضهعلى الشعب، فرفض الموافقة
" عليه مما أدى إلى إنشاء جمعية تأسيسية أخرى لصياغة المشروع من جديد وعرضه على الشعب في أكتوبر 1946 الذي وافق عليه. كما يجب التفرقة بين الاستفتاء الدستوري والاستفتاء السياسي، فقد تنتهج هذه الطريقة لترويض الشعب لقبول الأوضاع السائدة، فهو إقراري (بمعنى إقرار مشروع دستوري تضعه جمعية تأسيسية رغم اختلاف في تكوينها، كما حدث للدساتير الفرنسية (1793-1795-1946)، أو دستور ايرلندا الحرة سنة 1973. وليس كاشفا للإرادة الشعبية، فالشعب في هذا الموطن له دور سلبي، بحيث يستشار شكليا لتبييض وجه النظام الحاكم، كالاستفتاء بشأن إبقاء نابليون قنصلا عاما مدى الحياة و أول إستفتاء سنة 1804 بشأن توارث الإمبراطورية في سلالة نابليون "(1)
" وقد أتبع هذا الدستور في وضع دستورنا لسنة 1976 ودستور ايطاليا لسنة 1948 والعديد من الدساتير الحديثة.كما تعتبر هذه الطريقة أكثر ديمقراطية من غيرها، إلا أنها لكي تحقق تلك الميزة أهدافها يجب أن يكون الشعب واعيا ومدركا للعمل العظيم الذي يقوم به، ونظرا لصعوبة تحقيق هذه الأمنية فان على السلطة التي تريد مشاركة الشعب فعلا في اتخاذ القرارات الحاسمة أن تتجنب تقديم النصوص المعقدة له بل تقدمها فقط للبرلمان بشرط أن يكون برلمانا وليس هيئة فنية استشارية وتقتصر على تقديم المسائل البسيطة الواضحة على أن تسبقها حملة إعلامية وتنظم مناقشات حول الموضوع حتى يشعر الشعب بأنه شارك فعلا في وضع النص ولم يقتصر على تقديم استشارة " (2) .
طريقة المعاهدات الدولية : بعض الدساتير يمكن أن ترجع في نشأتها إلى معاهدات دولية مثل الدستور البولندي لعام 1815 والدستور الألماني لعام 1871، حيث يكون الدستور مستمدا من معاهدة دولية.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
1-د/ فوزي أوصديق : المرجع السابق ، ص 53.
2- د/ سعيد بو الشعير : نفس المرجع السابق ،ص 152 .
(09)
المبحث الرابع : طرق وضع الدساتير الجزائرية .
بعد أن تناولنا في هذه الدراسة أساليب نشأة الدساتير بصفة عامة، يصبح لزاماً أن نقدم نبذة موجزة عن تطور الدساتير الجزائرية ونشأته التي بدأت مراحلها عقب انتهاء الاستعمار الفرنسي الغاشم للجزائر، وجلاء قواته عن أراضيها. خلال ثلاثين سنة من الاستقلال عرفت الجزائر حياة دستورية مضطربة بين المشروعية والشرعية ازدادت تأزما بعد الثمانينات، ففكرة إنشاء المجلس الدستوري الجزائري تعود إلى ما بعد الاستقلال مباشرة، حيث تبناها المؤسس الدستوري في أول دستور للجمهورية الجزائرية، وهو الدستور الصادر في 08 سبتمبر 1963 وذلك تأثرا بالنظام القانوني الفرنسي، الذي يتبنى نظام الرقابة على دستورية القوانين عن طريق المجلس الدستوري. أما في الجزائر فقد عرفت دستورين برامج مشحونين بالإيديولوجية الاشتراكية سنة (1963 – 1976) ودستور قانون سنة (1989) وتعديل لهذا الأخير سنة (1996)، ويرجع ذلك إلى تباين الأوضاع السياسية والاقتصادية والقانونية لكل مرحلة من مراحل التجربة الدستورية الجزائرية، وخاصة في الفترة الممتدة بعد أحداث أكتوبر 1989. سنحاول التعرض لكل مرحلة.
المطلب الأول : دستور 08 سبتمبر 1963 .
دستور 1963 كان دستور برنامج، أي ذلك الدستور الذي يغلب عليه الطابع الإيديولوجي على الجانب القانوني، ويعرف في الأنظمة الاشتراكية، فالدستور في هذه الحالة يكرس الاشتراكية ويحددها هدفا ينبغي تحقيقه، كما يحدد وسائل تحقيقها ويكرس أيضا هيمنة الحزب الحاكم، ومع ذلك كله فإنه يتناول الجوانب القانونية المتعلقة بتنظيم السلطة كما يبين حقوق وحريات الأفراد ومجالاتها.
" وضع دستور 1963كان مناختصاصات المجلس التأسيسي المنشئ بحكم اتفاقية افيان، إلا أن الرئيس "أحمد بن بلة" تملص عن هدا المبدأ بإعطاء الضوء الأخضر للمكتب السياسي في مناقشة وتقويم مشروعدستور في جويلية 1963، وعرضهعلى المجلس التأسيسي للتصويت عليه، ثم تقديمه للاستفتاء الشعبي في سبتمبر 1963، وإصدارهفي 08 سبتمبر 1963،فرغم أنالمشرع الجزائري أخذ بالطريقة الديمقراطية (الجمعية التأسيسية والاستفتاء) إلا أنهذه الطريقة يشوبها العديد من المخالفات، كمناقشة الدستور على المستوى الحزبي، مماتبعه سلسلة من الاستقالات على مستوى المجلس التأسيسي (فرحات عباس، حسين آيتأحمد)" (1) .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
1-د/ فوزي أوصديق : المرجع السابق ، ص 57 ،58 .
(10)
بالرجوع إلى دستور 1963 نجد أن المادة 63 منه تنص على مايلي: "يتألف المجلس الدستوري من الرئيس الأول للمحكمة العليا ورئيس الغرفتين المدنية والإدارية في المحكمة العليا وثلاث نواب يعينهم المجلس الوطني الشعبي وعضو يعينه رئيس الجمهورية". ومن المعلوم أن هذا المجلس لم يشكل ليمارس نشاطه، وذلك نظرا لما عرفته الجزائر آنذاك من أحداث وعدم الاستقرار، حيث أن الصراع من أجل السلطة كان على أشده مما لم يسمح بتشكيل هذا المجلس، وما أحداث الانقلاب الذي عرفته الجزائر في 19 جوان 1965 والذي أطلق عليه اسم التصحيح الثوري، حيث جمد الدستور فور استيلاء الثورة على السلطة وحل محله أمر: 10 جويلية 1965، وما ينبغي معرفته من خلال نص المادة السالفة الذكر هو طريقة التشكيل العضوي لهذا المجلس، حيث نلاحظ أنه مزيج بين رجال السياسة ورجال القانون، أي أن المجلس الدستوري الجزائري آنذاك كان ذو طبيعة مختلطة قضائية وسياسية، تضم رجالا تابعين لسلك القضاء وأعضاء آخرين بالتمثيل السياسي.
المطلب الثاني : دستور 22 نوفمبر 1976 .
حاولت جماعة 19 جوان 1965 تأسيس نظام سياسي مدستر، فأصدرت نصين، إحداهما ذو طابع سياسي إيديولوجي هو "الميثاق الوطني"-أعتبر بمثابة عقد بين الحاكم والمحكومين، إذ تضمن المحاور الكبرى لبناء المجتمع الاشتراكي وحدد الحزب الواحد، ووحدة القيادة السياسية للحزب والدولة- والثاني يعتبر تكريسا قانونيا للأول وهو "الدستور". وضع دستور 1976 جاء بعد إصدار القيادة في الجريدة الرسمية –المرقمة 58 والمؤرخة في 13 جويلية 1965- عزمها على استصدار دستور فتشكلت لجنة حكومية لصياغة نص الدستور وتقديمه للاستفتاء الدستوري يوم 19 نوفمبر 1976، وتمت الموافقة عليه و أصدر في 22 نوفمبر 1976. وكان إقرار الميثاق الوطني سابق له، فقد تم إعداد المشروع التمهيدي على مستوى مجلس الثورة والحكومة، وفتحت المناقشة العامة خلال شهري ماي وجوان.
إنالرقابة على دستورية القوانين تعد أهم وسيلة لضمان احترام الدستور، غير أن دستور 1976 لميعتمد على هذا النظام بالرغم من المطالب العديدة أثناء مناقشته الدستور والميثاقالوطني، وإثرائه في مؤتمرات حزب جبهة التحرير الوطني بشأن إحداث هيئة دستورية تتولىالسهر على احترام أحكام الدستور، إلا أن البعض قد رأى عدم إنشاء تلك الهيئة وهذاتجنبا للإكثار من مؤسسات الرقابة حتى يمكن تفادي تداخل اختصاصاتها وعدم فاعليتها،كما أن وجودها قد يؤدي لا محالة إلى عرقلة أعمال السلطة في ذلك الوقت لم يكن يؤخذبمبدأ الفصل بين السلطات، وإنما بوحدة السلطة ولذلك فإنشاء مثل هذه الهيئة يحد منحرية المشروع وينازعه في أعماله، كما أن هناك من لا يعترف بوجود هذه الهيئةللاختفاء وراء السلطة الثورية لتبرير تصرفاتهم غير الشرعية وهذا ما يجعل من القانونأداة في يد فئة تستخدمه لتغطية تصرفاتها.
(11)
المطلب الثالث : دستور 23 فيفري 1989 .
بالنسبة لهذا الدستور فإنه لم يكن وليد ظروف عادية، وإنما لتلبية مطالب عديدة جسدتها أحداث أكتوبر التي جاءت كرد فعل لأوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية مزرية، أدت فقد أغلبية الشعب الثقة في السلطة ولأجل ذلك وحفاظا على مؤسسات الدولة فقام رئيس الجمهورية بفتح باب الحوار وطرح القضايا الأساسية على الشعب للفصل بكل ديمقراطية كما وعد بالقيام بإصلاحات سياسية ودستورية، ومنها دستور 23 فيفري 1989 الذي كرس مبدأ التعددية الحزبية، واقتصر على ذكر الجوانب القانونية المتعلقة بتنظيم السلطة وتحديد صلاحياتها وتكريس نظام الحريات وحقوق الأفراد، هذا الدستور الذي تبنى فكرة الرقابة بعد أن أهملها الدستور السابق أي 1976 وهو بذلك يتفق مع دستور 1963.
تم الإعلان عن المشروع الدستوري، مما تبعته مناقشات على مستوى الإعلام المكتوب والمرئي، وتحضير العديد من الموائد المستديرة بمشاركة مختلف الاتجاهات (الإسلاميين، الأحرار، الديمقراطيين، أعضاء جبهة التحرير الوطني)، وقد تم إقرار الدستور من خلال استفتاء دستوري يوم 23 فيفري 1989 وكانت النتائج نعم 78.98% ، وهكذا فإن الدستور أقر عن طريق الاستفتاء(1) .
المطلب الرابع : دستور 28 فيفري 1996 .
إن هذا الدستور الأخيرما هو إلا نتيجة للظروف الاستثنائية التي تعيشها البلاد و الأوضاع المزرية على كلالأصعدة، خاصة منذ استقالة رئيس الجمهورية السابق وتعطيل المسار الانتخابي وما ترتبعن ذلك من أعمال هددت الأمن العام والاستقرار السياسي والمؤسساتي للبلاد، وهذا ممادفع إلى إنشاء بعض المؤسسات وصفت بالمؤسسات الانتقالية منها المجلس الأعلى للدولةانتهت مهامه بتنظيم ندوة الوفاق الوطني في جانفي 1994. ثم أولانتخابات رئاسية تعددية شهدتها الجزائر، وذلك في 16 أفريل 1995، كما تمإنشاء المجلس الوطني الانتقالي والذي تولى مهام السلطة التشريعية منذ 18 ماي 1994 إلى غايةتنظيم الانتخابات التشريعية في جوان 1997، حيث ضمهذا المجلس ممثلي بعض الأحزاب بالإضافة إلى أغلبية ممثلي الحركة الجمعوية وبعضالمنظمات الوطنية والنقابات التي لها ثقل على المستوى الوطني. كما كان هذا الهدف منهذا الدستور سد مجموعة من الثغرات التي تضمنها دستور 1989 وخاصة فيما يخص حالة تزامن شغور منصب رئيس الجمهورية مع حل المجلس الشعبي الوطنيكما كان الحال في جانفي 1992. ونظرا للأسباب السالفة الذكر تم اقتراح تعديل الدستوربمشاركة مجموع الطبقة السياسية بمختلف تياراتها وخاصة في مرحلة إعداد الوثيقةالمعدلة للدستور التي تمت المصادقة عليها من طرف الأمة في استفتاء 28 نوفمبر 1996 .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
1-د/ فوزي أوصديق : المرجع السابق ، ص 63 .
(12)
وقد جاء هذا الدستور بعدة تعديلات كإنشاء مجموعة من المؤسسات الدستورية منها مجلسالأمة والمحكمة العليا للدولة، ومجلس الدولة، كما كرس الرقابة الدستورية وذلك منخلال الدور الفعال للمجلس الدستوري، هذا الأخير الذي ارتفع عدد أعضائه إلى تسعة كماجاء في نص المادة 164 من دستور 1996، أما مدة العضوية فلم تتغير أي ست سنوات غيرقابلة للتجديد ولا يمكن لأي عضو أن يمارس أية وظيفة أو تكليف آخر.
المبحث الخامس : تعديل الدساتير .
تتباين الدساتير فيما تحدده من إجراءات بشأن كيفية تعديلها، ومرجع هذا التباين والاختلاف إلى اعتبارات متعددة بعضها يرجع لاعتبارات سياسية والتى تتمثل فى أن التنظيم المقرر لتعديـــل الدستور يجب أن يراعى جانب السلطات التى يقوم عليها نظام الحكم فى الدولة وأيــة ذلك أن التنظيم الذى يتقرر لتعديل الدستور فى النظام الديمقراطى شبه المباشر يجب أن يراعى الشعــب والبرلمان وإن التنظيم الذى يتقرر لتعديل الدستور فى النظام البرلمانى يجب أن يراعى الـــوزارة والشعب ، وان التنظيم الذى يتقرر لتعديل الدستور فى النظام الرئاسى يجب أن يراعى شــكل الدولة والولايات الداخلة فى الاتحاد الفيدرالى والبرلمان وهكذا .
وهناك اعتبارات فنية أهمها يتمثل فى أساليب ووسائل الصياغة التى يأخذ بها واضعوا الدساتير وأهمها
اشتراط التماثل فى الأوضاع القانونية بين نشأة الدستور وتعديله خاصة إذا كان منشئ الدستـور هى جمعية تأسيسية منتخبة وأية ذلك أنه حيث ينشأ دستور عن طريق هيئة منتخبة فإن الأسلوب الذى يشترط لتعديل الدستور فى هذه الحالة هو ذات الأسلوب الذى اتبع فى وضع الدستور، أى انتخاب جمعية لهذا الغرض .
الاقتصار على تنظيم الأسس الجوهرية فى الدستـور يؤدى بواضـعيه إلى تشـددهم فى تنظيـم وإجراءات تعديله ، وعلى العكس حيث إيراد تفصيلات فى الدستور يجعلهم أكثر تقبلاً نــحو التيسير فى تعديله وعلى ضوء ذلك نود ان نوضح المراحل المختلفة التى يمر بها تعديل الدستـور أهمها :
المطلب الأول : الاقتراح بالتعديل .
الاقتراح بتعديل الدستور قد يتقرر للبرلمان وحده أو للوزارة وحدها ( السلـطة التنفيـذية ) أو لكليهما معاً أو لعدد من أفراد الشعب أو للشعب أو للشعب مع البرلمان .
(13)
فالدساتير التى تسيطر فى ظلها السلطة التنفيذية يتم الاقتراح بتعديل الدستور من جانبـها وكان هذا الأسلوب هو فى الأغلب الأعم المتبع قديماً حيث كانت السلطة أو رأس الدولة ( الملك) هو المسيطر على مقدرات الدولة ومن ثم يناط به حق اقتراح تعديل الدستور . ولكن الدساتير عدلت فى معظمها فى غالبية دول العالم عن ذلك الآن نظراً لقوة السلطة التشريعية فى مواجهة السـلطة التنفيذية . ويتقرر حق التعديل للبرلمان وحده فى معظم الدساتير فى الدول التى يكون فيـــها استقلال حقيقى للسلطات الثلاثة . كما يتقرر حق اقتراح تعديل الدستور لكل من الـوزارة – السلطة التنفيذية – والبرلمان معاً وذلك فى ظل الدساتير التى تحاول تحقيق التوازن بين السلـطتين التنفيذية والتشريعية ، وقد يتقرر حق الاقتراح بالتعديل الدستورى للشعب والطريقة الأخــيرة تتبعها معظم دساتير العالم الثالث.
باستثناء الدستور المصرى الحالى لسنة 1971م فقد جعل هذا الحق باقتراح التعديل لكل مـن :
- رئيس الجمهورية - مجلس الشعب .
على انفراد حيث نصت المادة 189 على انه " لكل من رئيس الجمهورية ومجلس الشعب طـلب تعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور ويجب أن يذكر فى طلب تعديل المواد المطلوب تعديلــها والأسباب الداعية إلى هذا التعديل .
فإذا كان الطلب صادراً من مجلس الشعب وجب أن يكون موقعاً من ثلث أعضاء المجلس عـلى الأقل وفى جميع الأحوال يناقش المجلس مبدأ التعديل ويصدر قراره بأغلبية أعضاءه فإذا رفـض الطلب لا يجوز إعادة طلب تعديل المواد ذاتها قبل مضى سنة على هذا الرفض .
وإذا وافق مجلس الشعب على مبدأ التعديل يناقش بعد شهرين من تاريخ هذه الموافـــقة المواد المطلوب تعديلها فإذا وافق على التعديل ثلثى عدد أعضاء المجلس عرض على الشعب لاستفتائه فى شأنه فإذا وافق على التعديل اعتبر نافذا من تاريخ إعلان نتيجة لاستفتاء .
والشىء المؤسف ان الإجراءات التى يتطلبها الدستور لتعديله أسهل من الناحية الواقعية بالنـسبة لرئيس الجمهورية عن البرلمان !
المطلب الثاني :الموافقة على مبدأ التعديل ( تقرير مبدأ الاقتراح بالتعديل )
يلاحظ أن معظم الدساتير تخول البرلمان سلطة الفصل فى الاقتراح بالتعديل على سنــد من ان البرلمان يمثل الأمة بأسرها وأكثر السلطات ملاءمة للفصل فى اقتراح التعديل وبيان ضرورتــه والحاجةاليه.
وبجانب موافقة البرلمان على مشروع الاقتراح بالتعديل فقد اشترطت دساتير الولايات المتحـدة الأمريكية وسويسرا موافقة الشعب وذلك أفضل من ناحية تطبيق الديمقراطية .
(14)
المطلب الثالث : إعداد التعديل .
فى سويسرا يجيز الدستور السويسرى للشعب السويسرى إعداد مشروع التعديل فضلاً عن تقرير هذا الحق للجمعية النيابية.
كما قد تتطلب بعض الدساتير اختيار أو انتخاب هيئة ولجنة خاصة يعهد إليها باقتراح مشـروع التعديل . بيد أن معظم الدساتير الحديثة تعهد بهذه المهمة باقتراح التعديل الى البرلمان بشــروط خاصة تضمن الجدية وسلامة الإجراءات ، سواء تمثلت هذه الشروط والإجراءات فى ان يقـوم البرلمان ككل بإعداد الاقتراح عن طريق التصويت عليه أو بوجوب توافر نسبة معينه فى اجتماعه أو فى وجوب حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة بتشكيل جديد للبرلمان يعهد إليه بهذه المهمـة لكن الطريقة الأنسب لممارسة الديمقراطية هى إعطاء هذا الحق للجمعية التأسيسية وللشــعب مصدراً كل السلطات .
المطلب الرابع : إقرار التعديل .
معظم الدساتير خاصة تلك التى صدرت بعد منتصف القرن العشرين تجعل حق إقرار التعديــل النهائى للدستور لذات الهيئة أو السلطة أو الجهة التى قامت بوضع الدستور واقراره نهائياً وهـذه الهيئة كما سبق اما هيئة منتخبة لهذا الغرض واما البرلمان مع تطلب شروط خاصة مثل موافقــة الشعب ، واما أن يعرض مشروع التعديل الدستورى على الشعب للاستفتاء كما أخذ بذلــك الدستور المصرى لسنة 1971م حيث تطلب عرض التعديل على الشعب لاستفتائه فى شانه طبقا للفقرة الثالثة من المادة 189 منه .
ويعتبر الاستفتاء وحده وسيلة سيئة لاقرار التعديلات الدستورية خاصة فى الدول التى تعانى مـن استبداد سياسى .
المبحث السادس: إنهاء الدساتير وآثار إلغائها .
المقصود بانقضاء الدستور أو بنهايته أو بإلغائه، وضع حد لسريانه بالنسبة للمستقبل و إخراجه من حيز النفاذ.
ولهذا الصدد تقسم طرق و أساليب انقضاء الدستور إلى نوعين:الطرق القانونية، والطرق غير القانونية.
(15)
المطلب الأول : الطرق القانونية (1) .
يكون الإلغاء شرعيا حين يتم طبقا لمقتضيات الدستور نفسه وللإجراءات التي يحددها في نصوصه.
بالنسبة للدول الليبرالية قليلا ما تنص دساتيرها على مسألة إلغائها لأنها تعتبر الدساتير من النصوص القانونية الثابتة التي قد تعدل، ولكن لا تلغى بصفة نهائية لأنها مبادئ عامة وراسخة و صالحة لمختلف الظروف.
ومع ذلك توجد بعض الدساتير التي تشير إلى إمكانية الإلغاء الجزئي أو الشامل مثل الدستور السويسري أو الدستور الفرنسي لسنة 1875.
أما بالنسبة للدول التي تعتمد-أو كانت تعتمد-النظام الاشتراكي ، فهي ترى أن الدستور عبارة عن نص قانوني يعبر عن مرحلة تاريخية معينة،ولذا يتغير الدستور كلما تغيرت تلك المرحلة ، ومن أمثلة ذلك الصين الشعبية التي عرفت عدة دساتير مثل دستور 1982،1980،1978،1975،1954....الخ.
وعادة ما يتم الإلغاء الشرعي أو القانوني عن طريق الاستفتاء أو عن طريق الجمعية التأسيسية أو عن طريقهما معا ، أو عن طريق المجالس البرلمانية بالنسبة للدساتير المرنة، وقد يكون الإلغاء بطريقة غير مباشرة عند المصادقة على دستور جديد مثلما حدث في الجزائر بالنسبة لدستور 1976 ،حيث ألغي بطريقة قانونية غير مباشرة أو ضمنية تتمثل في عرض دستور 1989 على الاستفتاء الشعبي ، وكانت المصادقة عليه تشكل في نفس الوقت إلغاء لدستور 1976،لكن يجب التحفظ حول مدى مشروعية هذا الإلغاء بالرجوع إلى دستور1976نفسه ،فهو لايتضمن نصا حول إمكانية إلغائه ،بل أن التعديل نفسه لم يتم طبقا للإجراءات المنصوص عليها في هدا الدستور ،فعملية الإلغاء نفسها غير مشروعة بالنظر إلى الدستور نفسه ،لكن مادام الشعب هو صاحب السيادة وهو السلطة التأسيسية ،فان مصادقته على دستور 1989 تشكل إلغاءا قانونيا لدستور1976 وهذا هو المهم من الناحية الدستورية وعليه فان الإلغاء كانِِِِِِِِ شرعيا.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
1-د.الأمين شريط:الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية المقارنة،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ،الطبعة الرابعة 2005.ص 62 .
(16)
إلى جانب ذلك فان الدساتير العرفية تلغي بطرق قانونية وهذا سواء بنشأة عرف جديد يحل محل العرف القديم، أو بوضع دستور جديد مكتوب أو بإصدار قوانين عادية تلغي العرف الدستوري.
المطلب الثاني : الطرق الغير قانونية .
يلغي الدستور بالطرق غير القانونية عند ما لايتم هذا الإلغاء وفقا للطرق التي تعرضنا لها أعلاه،وعادة مايكون الإلغاء غير القانوني عن طريق القوة والعنف وتتمثل هذه الطرق في :
أولا :الثورة الشعبية .
عندما يصبح الشعب أو قسم هام منه ،غير راض عن النظام القائم سواء لإستبداده أو لعدم استجابته لمطامح الجماهير وارادتها في التغيير ،فقد تقوم ثورة شاملة للإطاحة بالنظام وتغييره.
والثورة هي عبارة عن عملية تغيير جذري للنظام القائم واستبداله بنظام جديد يمس كافة الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وعادة ما تكون الثورة منظمة ومخططة وتتم تحت إشراف قيادة مهيأة لاستلام الحكم.
والثورة تؤدي عموما إلى إلغاء الدستور القائم ،والأمثلة على ذلك كثيرة جدا منها الثورة الروسية سنة 1917 ، والثورة الإيرانية سنة 1979 والثورة المصرية سنة 1952 والليبية سنة 1969.
إلى جانب الثورة هناك حالة قريبة منها تعرف بالانتفاضة أو التمرد الشعبي الذي يتميز بكونه غير منظم وفوضوي،لكن قد يتحول إلى ثورة ناجحة أو إلى عصيان لاينتهي بسقوط النظام،بل قد يسفر عن إلغاء جزئي أو كلي.
ثانيا : الانقــــــلاب .
هنا لاتتدخل الجماهير الشعبية،بل يكون هناك صراع حول السلطة بين أعضاء الطبقة السياسية أنفسهم،وبالتالي يهدف هذا لصراع إلى تغيير شخص أو مجموعة من الأشخاص وإبعادهم عن السلطة ، أو تغيير الجهاز السياسي الحاكم بمجمله ،إلى جانب بعض الأسس التي يقوم عليها ، بما في دلك الدستور والمؤسسات السياسية الموجودة طبقا له .
ومن أهم هذه الطرق هناك الانقلاب الذي هو عبارة عن حركة يقوم بها جزء من السلطة الحاكمة ضد جزء آخر لإبعاده عن الحكم عن طريق العنف أو الإكراه بأشكال مختلفة، ولو تم ذلك في شكل سلمي ظاهريا.
وعادة ما يكون الجيش هو مدبر الانقلاب، ولدا يسمى بالانقلاب العسكري وهذه الظاهرة منتشرة في بلدان العالم الثالث، كما قد يكون الانقلاب مدنيا أو بتدبير من المدنيين والعسكريين معا، مثل بعض الوزراء أو بعض قادة الجيش.
(17)
والانقلاب قد يقوم به فرد وهذه حالة نادرة ،ومن أمثلتها الانقلاب الذي قام به نابليون، وقد يكون جماعيا تقوم به تقوم به مجموعة من الأشخاص مثل الانقلاب الذي قام به مجلس الثورة في الجزائر في 19 جوان 1965، تحت قيادة الرئيس هواري بومدين ،والذي أدى إلى إلغاء دستور 1963.
والجدير بالملاحظة أن إلغاء الدستور عن طريق الثورة أو عن طريق الانقلاب لا يعني أن هذه الطرق مستقبحة وسيئة ومستهجنة ، بل الثورة تكون أحيانا ضرورية لوضع حد للاستبداد وللحكم التسلطي ولطغيان الحاكم ، ولذا فهي وان لم تكن مشروعة ، أي مطابقة لنصوص الدستور ، فهي شرعية من حيث أهدافها وغاياتها ومطابقتها لإرادة الجماهير الشعبية وبالتالي تشكل حقا من حقوق الشعب .
ونفس الشيء بالنسبة للانقلاب في بعض الحالات حيث إذا كان الشعب عاجزا عن القيام بالتغيير ، فان بعض القادة السياسيين يبادرون بذلك الانقلاب ولذا سمي انقلاب 19 جوان 1965 تصحيحا ثوريا مقبولا من الناحية السياسية والتاريخية ،وان كان مرفوضا دستوريا.
المطلب الثالث : آثار إلغاء الدساتير .
إلغاء الدستور يؤدي عادة إلى سقوط المؤسسات السياسية القائمة طبقا له .ولذا فهو يؤثر على النظام السياسي أو نظام الحكم السائد في الدولة.
وهكذا فان إلغاء الدستور الإيراني لسنة 1979 أدى إلى سقوط النظام الشاهنشامي ، وقيام الجمهورية الإسلامية ، كما أن إلغاء دستور 1976 في الجزائر أدى إلى إسقاط نظام الحزب الواحد الاشتراكي ، وقيام نظام ليبرالي تعددي .
أما بالنسبة للدولة نفسها ، فان إلغاء الدستور لا اثر له سواء على مستوى علاقاتها الخارجية أو على مستوى القواعد القانونية الداخلية ، حيث تبقى سارية المفعول ، ولذا فان إلغاء الدستور لا تؤثر على الدولة نفسها .
(18)
الخـاتمـة
من هذا العرض الموجز لأساليب نشأة الدساتير يمكننا التعليق عليها بالتالي أن نشأة الدساتير قد تتباين وفقاً للظروف التي يوجد فيها كل دستور، وهذا بالتالي يعتمد على النظام السياسي القائم ونوع الحكم السائد في البلاد. ومن ثم فقد مرت عملية نشأة الدساتير بعدة مراحل: المرحلة الأولى كان الملوك ينفردون بالسلطة التأسيسية من الناحية القانونية وهو ما أطلقنا عليه أسلوب المنحة، المرحلة الثانية وهى المرحلة التي تبرز فيها جهود الشعب عن طريق هيئات تعمل باسمه لحمل الملوك على الاعتراف بحق الشعب في المشاركة في السلطة التأسيسية، وهو ما يعرف بأسلوب التعاقد، المرحلة الثالثة وهى مرحلة إنفراد الشعب بالسلطة التأسيسية وهو أسلوب الجمعية التأسيسية، والذي قد أدى إلى ظهور أسلوب الاستفتاء الدستوري، في الحالات التي لا يباشر فيها الشعب بنفسه السلطة التأسيسية ويوكلها إلى هيئة أو لجنة مختصة، ت
________________________________________
خــــطة البـــحث
مقدمــــــة
المبحث الأول: ظهور الدساتير .
المطلب الأول:تاريخ ومكان ظهور أول دستور .
المطلب الثاني:أسباب ودوافع وضع الدساتير .
المبحث الثاني: الأساليب غير الديمقراطية لنشأة الدساتير .
المطلب الأول:أسلوب المنحة .
المطلب الثاني:أسلوب العقد أو الاتفاق .
المبحث الثالث: الأساليب الديمقراطية لنشأة الدساتير .
المطلب الأول:أسلوب الجمعية التأسيسية .
المطلب الثاني:أسلوب الاستفتاء الشعبي أو الإستفتاء الدستوري .
المبحث الرابع: طرق وضع الدساتير الجزائرية .
المطلب الأول:دستـور 10 سبتمبر 1963 .
المطلب الثاني:دستـور 22 نوفمبر 1976 .
المطلب الثالث:دستـور 23 فيفري 1989 .
المطلب الرابع:دستـور 28 نوفمبر 1996 .
المبحث الخامس: تعديل الدساتير .
المطلب الأول: الإقتراح بالتعديل .
المطلب الثاني: الموافقة على مبدأ التعديل ( تقرير مبدأ الاقتراح بالتعديل ) .
المطلب الثالث : إعداد التعديل .
المطلب الرابع : إقرار التعديل .
المبحث السادس: إنهاء الدساتير وأثار إلغائها .
المطلب الأول: الطرق القانونية .
المطلب الثاني: الطرق الغير قانونية .
المطلب الثالث : آثار إلغاء الدساتير .
الخاتمـــــة.
قائمــة المراجــع .
مقدمــــــة
تتنوع الأساليب التي تنشأ بها الدساتير بتنوع أنظمة الحكم في العالم. وذلك لأن كل دستور هو نتاج للأوضاع الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية المحيطة به، وعلى وجه الخصوص مستوى التطور الذي بلغه النظام السياسي وتبعا لدرجة التطور الديمقراطي في كل دولة من هذه الدول، وكذا لتقاليدها وخبراتها السياسية ، وهى تتطور بتطور أنظمة الحكم في كل دولة من الدول، ففي ظل الأنظمة السياسية القديمة القائمة على الحكم المطلق حيث لا حدود ولا قيود على سلطات الحكام لم تنشأ الدساتير المكتوبة، لأن هذه الدساتير ما نشأت إلا لتقييد سلطات الحكام والحد منها، ولكن مع انتشار الأفكار الديمقراطية، والرغبة في الحد من الحكم المطلق، ظهرت الحاجة إلى تدوين الدساتير، من أجل تحديد الواجبات والحقوق لكل من الحكام والمحكومين. بإتباع طرق تختلف باختلاف الدولة ودرجة النضج السياسي لدى الرأي العام فيها. وقد يلعب الأسلوب الذي يتبع في وضع الدستور دوراً هاما في كشف المذهب السياسي الذي ينطوي عليه. فما هي هذه الأساليب المتبعة التي تنشأ بواسطتها الدساتير؟ والحديث عن النشاة يجرنا الى طرح اسئلة فرعية متمثلة في كيفية تعديل الدساتير وكيفية انهاءها ؟ .. هذه الاسئلة تطرح مباحث مهمة للغاية، للإجابة عليها يتطلع هذا البحث إلى تقديم إجابات محددة وبسيطة، استنادا بالدرجة الأولى الى بعض المراجع العربية المتوفرة عن هذا الموضوع ومن خلال بعض المقالات القانونية المنشورة عبر شبكة الانترنت. وقد اتبعنا المنهجين التحليلي والوصفي في بحثنا هذا والمقسم إلى ستة مباحث موضحة في خطة البحث..
المبحث الأول : ظهور الدساتير .
تنشأ الدساتير بأساليب مختلفة ومتعددة، وقبل التعرض لأساليب نشأتها يتوجب علينا بحث تاريخ، مكان وأسباب ظهورها والتطور الذي عرفته بفعل تزايد مهام الدولة.
المطلب الأول :تاريخ ومكان ظهور أول دستور .
إذا رجعنا لتاريخ العالم الإسلامي نجد أن أول دستور عرف بالمفهوم الفني الحديث في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ويعرف "بالصحيفة"، تلك الوثيقة التي أعدها رسول الإسلام لتنظيم أحوال دولة المدينة بعد أن انتقل إليها من مكة.
البعض يرى بأن الحركة الدستورية أو أول بداية لظهور الدستور تعود إلى القرن الثالث عشر وبالتحديد سنة 1215 عندما منح الملك جان ستير الميثاق الأعظم للنبلاء الانجليز الثائرين عليه. والبعض الآخر يؤكدون بأن تاريخ ظهور الحركة الدستورية الأولى بدأت تظهر معالمها في القرن السابع عشر عندما وضع الجناح المؤيد لكرومويل في المجلس العسكري دستورا، وان كان البرلمان وكرومويل ذاته لم يساندا ذلك المشروع فبقي كذلك بحيث لم يعرض على الشعب، وان كانت بعض نصوصه اعتمدت فيما بعد لتنظيم السلطة وعادت فيما بعد مصدرا لتنظيم السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية .
" أما أول الدساتيرالمكتوبة ظهرت في المستعمرات البريطانية بأمريكا الشمالية كرد فعل للانفصال عنإنكلترا، فأول دستور عرفه العالم الغربي في ولاية فرجينيا دستور جوان 1776، وقدسابقه الإعلان للحقوق الذي يعتبر القاعدة الأساسية لأي حكومة في فرجينيا، ثم تلىذلك في عام 1781 صدوردستور الاتحاد التعاهدي، وفي عام 1787 صدرالدستور الاتحادي للولايات المتحدة الأمريكية. فالمثل الأمريكي كان سببا لاقتداءالعديد من الدول به كفرنسا مثلا، عرفت أول دستور مكتوب عام 1791، وقدسبقها قبل ذلك إعلان حقوق الإنسان والمواطن الذي صدقت عليه الجمعية الوطنية في أوت 1789. فقدأصبحت الدساتير المكتوبة من خصائص الدول الحديثة، نتيجة لرواج الأفكار الديمقراطيةوالحركات السياسية التي نادت بمبدأ السيادة الشعبية، وبلورة فكرة العقد الاجتماعي،ومبدأ الفصل بين السلطات...أمام هذه المزايا العديدة انتقات فكرة الدساتير المكتوبةالى العديد من الدول الأوروبية، فصدر دستور السويد سنة 1809، والنرويجوبلجيكا سنة 1831، وعلى إثرالحرب العالمية الأولى، زاد انتشار الدساتير المكتوبة كنتيجة منطقية للحد من التعسففي استعمال السلطة فصدر دستور روسيا يوم 10 يوليو 1918، فدستورتركيا 1924ودستورالنمسا 1 أكتوبر 1920" (1) .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
1- د/ فوزي أوصديق : الوافي في شرح القانونالدستوري. الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعية، الجزء الثاني، الطبعة الأولى، 1994، ص40 .
(02)
المطلب الثاني : أسباب ودوافع وضع الدساتير
" إن انهيار الحكم الملكي المطلق بعد الثورات الأوربية وسيطرة البرجوازية على السلطة إلى جانب ظهور فكرة القومية وانحسار الاستعمار كانت من الأسباب والدوافع الرئيسية في دسترة أنظمة الحكم، وكان غرض شعوب تلك الأنظمة إثبات سيادتها الداخلية واستقلاليتها، وذلك بواسطة تنظيم الحياة السياسية بوضع دستور يبين السلطات وعلاقاتها في الدولة الجديدة وعلاقاتها بالمحكومين والدول الأخرى. وأن هذه الدول بوضع الدستور تؤهل نفسها لإقامة حوار بين السلطة والحرية فكأنها تعلن للغير بأنها وصلت إلى مرحلة النضج السياسي، ولها الحق في الانضمام للمجتمع الدولي "(1). وكما أشرنا سابقا على إثر الحرب العالمية الأولى، زاد انتشار الدساتير المكتوبة كنتيجة منطقية، بحيث حددت اختصاصات الحكام ومدى السلطات التي تحت أيديهم والواجبات المفروضة عليهم حتى لا تتكرر نفس التجربة (التعسف في استعمال السلطة)، كما أن حركة التحرر، ساهمت بشكل فعال في انتشار هذه الظاهرة، بالأخص إذا علمنا أن أغلب هذه الدول تفتقر إلى رصيد دستوري، كانعدام حياة دستورية سابقة..أو عدم وجود أعراف سابقة..كل هذا كان سببا مباشرا لوضع دستور مكتوب إلى جانب ضرورة اقتناء وتدوين وثيقة دستورية للإنضمام في المجتمع الدولي مثل غينيا قد أعلن عن استقلالها يوم 02 أكتوبر 1958 ، " وفي ذلك الوقت كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة منعقدة، ولكي يضمن الرئيس سيكوتوري الحصول على الموافقة، أصدر دستور في 10 نوفمبر 1958، وأعلنت الأمم المتحدة عن قبولها كعضو في 12 نوفمبر 1958. وفي الكويت دستور 1962 إذ كانت قد قبلت في جامعة الدول العربية في 30 يوليو 1961 بمجرد إعلان استقلالها في 19 يونيو 1961، فإنها لم تقبل في المم المتحدة ولم تنظم إلى المجتمع الدولي إلا في 14 مايو 1963 أي بعد صدور دستورها في 11 نوفمبر 1962، وإذا كانت حركة الدساتير المكتوبة قد سادت الدول العربية، إلا أن بعض دول الخليج تفتقر إلى دستور مكتوب ولا يوجد فيها دستور مدون على نسق الدساتير المعاصرة "(2) .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
1- د/ فوزي أوصديق: المرجع السابق ، ص40.
2- د/ سعيد بو الشعير :القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة ،النظرية العامة للدولة والدستور ،طرق ممارسة السلطة ،الجزء الأول ،الطبعة الثالثة ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ،1986 ،ص 139 .
(03)
المبحث الثاني : الأساليب غير الديمقراطية لنشأة الدساتير .
" يمكن تعريف الأساليب غير الديمقراطية لنشأة الدساتير بأنها الأساليب التي لا يستأثر الشعب وحده في وضعها، وإنما الذي يضعها هو الحاكم وحده (منحة) أو بالاشتراك مع الأمة أو الشعب (عقد). وهما أسلوبان تزامنا مع تطور الملكية من ملكية مطلقة إلى ملكية مقيدة "(1) .
المطلب الأول : أسلوب المنحة .
" يصدر الدستور في شكل منحة إذا تنازل الحاكم بإرادته المنفردة عن بعض سلطاته للشعب، أو أن يحددها ببعض القيود، بواسطة قواعد قانونية يمن بها على شعبه في صورة دستور. والأصل في هذه الدساتير أن الحاكم هو مصدر السلطات، ومنبع الحقوق والحريات، يجمع بين يديه الوظائف والاختصاصات، ومن بينها الاختصاص التأسيسي. غير أن انتشار الأفكار الديمقراطية، ونضج وعي الشعوب بحقوقها، والدعوة إلى الحد من من السلطان المطلق، دفع الحكام إلى منح شعوبهم دساتير، تنازلوا بموجبها عن جزء من سيادتهم، ليظهروا بمظهر المتفضلين على شعوبهم، قبل أن تجبرهم الأوضاع على التنازل عن جٌل سيادتهم، وبالتالي يفقدون هيبتهم وكرامتهم.
وهكذا؛ وعلى الرغم من أن الشكل الخارجي للدستور الصادر بطريق المنحة يظهر على أنه عمل قانوني صادر بالإرادة المنفردة للحاكم، فإن الدستور لم يكن ليصدر إلا نتيجة لضغط الشعوب على حكامها، ووعيها بحقوقها، وخوف الحاكم من ثورتها وتمردها. ويسجل لنا التاريخ أمثلة كثيرة لدساتير صدرت بطريق المنحة، ومنها الدستور الفرنسي لعام 1814 الذي أصدره لويس الثامن عشر للأمة الفرنسية ، وجدير بالذكر إن معظم دساتير الولايات الألمانية في القرن التاسع عشر صدرت بهذه الطريقة. ومن أمثلة الدساتير الممنوحة كذلك: الدستور الإيطالي لعام 1848 والدستور الياباني لعام 1889، ودستور روسيا لسنة 1906، وإمارة موناكو لعام 1911، وكذلك الدستور المصري لعام 1923، ودستور إثيوبيا لعام 1931، والقانون الأساسي لشرقي الأردن لعام 1926، ودستور الإمارات العربية المتحدة لسنة 1971 وكذلك الدستور القطري لسنة1971"(2)
ونتيجة لصدور الدستور بطريقة المنحة يثور تساؤل هام، حول قدرة الحاكم الذي منح الدستور هل له الحق في سحبه أو إلغائه ؟ وللإجابة على هذا السؤال انقسم الفقه إلى اتجاهين :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
1- د/ نعمان أحمد الخطيب : الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري، الطبعة الأولى،الإصدار الأول، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، 1999،الأردن ، ص482.
2- د/ فاطمة سعيد. ”أساليب نشأةالدساتير“.البحرين: منتديات البحرين،http://malware-site.www/link/fast_link.html?user=54782&url=http://forum.montadayat.org،2002م.
(04)
* يذهب أولهما إلى قدرة الحاكم على استرداد دستوره طالما كان هذاالدستور قد صدر بإرادته المنفردة، عل شكل منحة، لأن من يملك المنح يملك الاسترداد. يساند هذا الرأي أمثلة حدثت فعلاً، حيث أصدر شارلالعاشر .
ملك فرنسا قراراً ملكياً عام 1830 بإلغاء دستور عام 1814، تحت حجة أن المنحة أو الهبة في الحقوق العامة تشبه الهبة في الحقوق الخاصة، وكما يحق للواهب الرجوع عن الهبة. يحق للملك الرجوع عن دستوره، إذا صدر عن الشعب جحود للمنحة ونكران للجميل.
" ويذكر ثانيهما على الحاكم حق استرداد دستوره، ما دام هذا الدستور قد صدر، حيث تترتب عليه حقوق للأمة، فلا يحق للحاكم - عندها - المساس به إلا بالاستناد إلى الطرق القانونية المقررة بالدستور نفسه، حتى التسليم بأن صدور الدستور كان وليداً للإرادة المنفرد للحاكم، لأن هذه الإرادة تصلح أن تكون مصدراً للالتزامات، متى ما صادفت قبولاً من ذوي الشأن. وجدير بالإشارة أن الدستور الصادر بطريقة المنحة يدرس على اعتبار أنه مرحلة تاريخية، تمثلت بالانتقال من الملكيات المطلقة إلى الملكيات المقيدة، وقد انقضت وانتهت هذه المرحلة منذ زمن، نتيجة لزوال الحكم الفردي، واستعادة معظم الشعوب لكامل حقوقها في السيادة والسلطة. ومع ذلك، فما زالت بعض الدساتير تعتمد على الإرادة المنفردة للحاكم، في نشأتها وفي إصدارها، منذ تسلمه للسلطة وحتى مماته، وإن أمكن استبداله بغيره...وقائمة الدساتير التي صدرت بهذه الطريقة كبيرة. ولنا بعالمنا العربي أمثلة متعددة، حتى أن بعضها لا يزال نافذاً إلى يومنا هذا" (1) .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
1- د/ فاطمة سعيد. ”أساليب نشأةالدساتير“.البحرين: منتديات البحرين،http://malware-site.www/link/fast_link.html?user=54782&url=http://forum.montadayat.org،2002م.
(05)
المطلب الثاني: أسلوب العقد أو الإتفاق .
ينشأ الدستور وفقطريقة العقد بناء على اتفاق بين الحاكم من جهة والشعب من جهة أخرى. أي لا تنفردإرادة الحاكم بوضع الدستور كما هو الحال في صدور الدستور على شكل منحة، وإنما يصدرالدستور تبعاً لهذه الطريقة بتوافق إرادتي كل من الحاكم والشعب. ويترتب على ذلك ألايكون بمقدور أي من طرفي العقد الانفراد بإلغاء الدستور أو سحبه أو تعديله. وعلى هذاالنحو تٌمثل طريقة العقد أسلوباً متقدماً على طريقة المنحة، لأن الشعب يشترك معالحاكم في وضع الدستور في طريقة العقد، بينما ينفرد الحاكم بوضع الدستور في طريقةالمنحة. وبناء على ذلك؛ يعد أسلوب العقد مرحلة انتقال باتجاه الأساليب الديمقراطية. خاصة وأن ظهور هذا الأسلوب - لأول مرة - كان نتيجة لنشوب ثورات، في كل من انجلتراوفرنسا. ففي إنجلترا ثار الأشراف ضد الملك جون، فأجبروه على توقيع العهد الأعظم فيعام 1215، الذييعتبر مصدراً أساسياُ للحقوق والحريات. وبنفس الطريقة؛ تم وضع وثيقة الحقوقلعام1689 بعداندلاع ثورة ضد الملك جيمس الثاني، حيث اجتمع ممثلون عن الشعب، ووضعوا هذه الوثيقة،التي قيدت سلطات الملك، وكفلت الحقوق والحريات الأساسية للأفراد. وتمت دعوة الأميروليم الأورنجـي لتولي العرش، على أساس الالتزام بالقيود الواردة بالوثيقة. وتشكل هاتان الوثيقتان جزءاً هاماً من الدستور الإنجليزي الذي يتكون معظمه من القواعد العرفية.
أما في فرنسا فقدر صدر أول دستور فيها بطريقة العقد إثر ثورة سنة 1830 ضد الملك شـارل العاشر، ووضع مشروع دستور جديد من قبل جمعية منتخبة من قبل الشعب، ومن ثم دعوة الأمير لويس فيليب لتولي العرش، إذا قبل بالشروط الواردة بالدستور الجديد. وبعد قبول الأمير بهـذه الشروط نودي به ملكاً على فرنسا.
ويشار كذلك؛ إلى أن جميع الدساتير التي صدرت بطريقة العقد كانت من عمل جمعيات منتخبة، والأمثلة على هذا النوع من الدساتير عديدة نذكر منها الميثاق الأعظم في انجلتلرا سـنة 1215 الذي هو جزء من دستور انجلترا، وكذلك قانون الحقوق الصادر سنة 1688 في نفس البلــد، ودساتير كل من اليونان لسنة1844، ورومانيا لسنة 1864، وبلغاريا لسنة 1979، والقانـون الأساسي العراقي لعام 1925، والدستورين الكويتي لسنة 1962 والبحريني لسنة 1973. حيث وضعت المجالس التشريعية في هذه الدول الدساتير المذكورة، ثم دعت أمراء أجانب لـتولي العرش على أساس الالتزام بأحكامها. وعلى الرغم من أن أسلوب العقد يعد أسلوبا تقدمياً أكثر من أسلوب المنحة، فإنه لا يعد أسلوبا ديمقراطيا خالصاً، لأنه يضع إرادة الحاكم على قدم المساواة مع إرادة الشعب، بينما تفترض الديمقراطية أن يكون الشعب هو صاحب السيادة، لا يشـاركه فيها ملك ولا أمير.
(06)
المبحث الثالث : الأساليب الديمقراطية لنشأة الدساتير .
" يمكن تعريف الأساليب الديمقراطية في وضع الدساتير، بأنها الأساليب التي تستأثر الأمة وحدها في وضعها دون مشاركة الحاكم ملكا كان أو أميرا أو رئيسا للجمهورية. وبغض النظر عن التفصيلات والإجراءات المتبعة في وضع الدساتير داخل إطار هذا المفهوم الديمقراطي في وضع الدساتير، يمكن جمع هذه الأساليب في أسلوبين رئيسيين هما الجمعية التأسيسية وأسلوب الاستفتاء الشعبي " (1) .
المطلب الأول : أسلوب الجمعية التأسيسية .
تعد نشأة الدساتير وفقاً لهذا الأسلوب منطلقة من مبدأ السيادة الشعبية، كما ينظر إليه أيضاً على أنه من الأساليب الديمقراطية لخلق الدساتير حيث يمثل مرحلة أكثر تقدماً في نضال الشعوب ضد الحاكم المطلق.
ويصدر الدستور وفقاً لأسلوب الجمعية التأسيسية من مجلس أو جمعية تنتخب بصفة خاصة من الشعب ونيابة عنه، يعهد إليها بمهام وضع وإصدار دستور جديد يصبح واجب النفاذ. ولذا فإن هذه الجمعية التأسيسية أو كما يطلق عليها البعض اسم الجمعية النيابية التأسيسية هي في الواقع تجمع كل السلطات في الدولة فهي سلطة تأسيسية تشريعية وتنفيذية. وهذا الأسلوب في وضع الدساتير هو الذي تم إتباعه في وضع معظم الدساتير التي ظهرت عقب الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية. وكأمثلة تاريخية على أسلوب الجمعية التأسيسية نذكر دساتير الولايات المتحدة الأمريكية عقب استقلالها من إنجلترا عام 1776م كما اتخذته أمريكا أسلوباً في وضع وإقرار دستورها الاتحادي لعام 1787م وقد انتشرت هذه الطريقة فيما بعد فاعتمد رجال الثورة الفرنسية هذا الأسلوب من ذلك دستور فرنسا لعام 1791م، وعام 1848م، وعام 1875م، وقد انتهج هذه الطريقة كل من اليابان عام 1947م، والدستور الإيطالي عام 1947م، والدستور التشيكوسلوفاكي عام 1948م، والدستور الروماني عام 1948م، والدستور الهندي 1949م، والدستور السوري عام 1950 وتعد هذه الطريقة أكثر ديمقراطية من الطريقتين السابقتين، إذ أن الدستور يقوم بوضعه في هذه الحالة جمعية منتخبة من الشعب.
كما أن هذه الطريقة تحتوي على العديد من المخاطر يمكن تلخيصها كالآتي:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
1- د/ نعمان أحمد الخطيب : المرجع السابق ،ص486.
(07)
1 - احتمال انحراف الجمعية التأسيسية عن غرضها المنشود، بتفوق السلطة التشريعية على باقي السلطات الأخرى، لكون أغلب الأعضاء فيها تراودهم فكرة الترشح للمرة الثانية.
2 - الاعتماد على فكرة الجمعية التأسيسية يحتمل فيها استحواذ هذه الأخيرة على جميع الاختصاصات، مما قد يخلق عجزا وانسدادا أثناء معالجة المشاكل الشائكة وقت الأزمات.
3 –" احتمال رفض الشعب للجمعية التأسيسية بعد إقرارها للدستور، وهذا فعلا ما حدث في دستور الجمعية الفرنسية الرابعة سنة 1946م، مما بدد الطاقات والمجهودات "(1) .
المطلب الثاني : أسلوب الاستفتاء الشعبي أو الاستفتاء الدستوري .
ينشأ الدستور وفقاً لهذا الأسلوب من خلال الإرادة الشعبية الحرة، إذ يفترض أن يقوم الشعب أو يشترك بنفسه في مباشرة السلطة التأسيسية، في هذه الحالة يصدر الدستور مباشرة من الشعب الذي يوكل الأمر إلى جمعية منتخبة تكون مهمتها وضع مشروع الدستور أو إلى لجنة معينة من قبل الحكومة أو البرلمان إن وجد، ومن أجل أن يكون استفتاء دستوري يجب أن تكوّن أولا هيئة أو لجنة تقوم بتحضير مشروع الدستور وعرضه على الشعب لاستفتائه فيه، لأخذ رأي الشعب في مشروع الدستور ، ولكن هذا المشروع لا تصبح له قيمة قانونية إلا بعد عرضه على الشعب واستفتائه فيه وموافقته عليه. علماً بأنه ليس بلازم أن تقوم بوضع الدستور -المراد الاستفتاء عليه- جميعة تأسيسية نيابية، وإنما يفترض أن تكون هناك هيئة أو جمعية أو لجنة أو شخصية، قد أسند إليها وقامت بالفعل بإعداد مشروع الدستور، كما حدث بالنسبة لبعض دساتير العالم. ولا يختلف الأمر إذا كانت هذه الجمعية أو اللجنة التحضيرية للدستور منتخبة أو معينة، إذ تقتصر مهمتها على مجرد تحضير الدستور فحسب تمهيداً لعرضه على الشعب للاستفتاء عليه بالموافقة أو بالرفض، ويعتبر تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء هو الفصل في بدء سريان الدستور والعمل بأحكامه.
وإذا كان بعض الفقهاء قد ذهب إلى عدم اعتبار أسلوب الاستفتاء الشعبي أسلوبا متميزا عن أسلوب الجمعية التأسيسية أي عدم التفرقة بين الجمعية التأسيسية والاستفتاء السياسي على أساس طريقة واحدة، بل يعتبرون الاستفتاء مكملا للجمعية التأسيسية، فهو حلقة له ويستدلون بالعديد من القرائن التاريخية، فقد يوضع المشروع الدستوري بواسطة جمعية تأسيسية، مثال ذلك دستور 1946، وقد يوضع عن طريق لجنة حكومية، ومثال ذلك الدستور المصري الصادر سنة 1956، أو دستور الجمهورية الخامسة 1958.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
1-د/ فوزي أوصديق : المرجع السابق ، ص52.
(08)
وأخيرا ما يمكن قولهفي هذه المسألة هو وجود اختلاف بين الجمعية التأسيسية والاستفتاء الدستوري، فالأوليتخذ قوته الإلزامية بمجرد صدوره عن الجمعية، فلا يشترط فيه عرضه على الشعب، وهذافعلا ما حدث سنة1946في فرنسا،بحيث الجمعية التأسيسية أقرها الدستور في مايو1946، وعرضهعلى الشعب، فرفض الموافقة
" عليه مما أدى إلى إنشاء جمعية تأسيسية أخرى لصياغة المشروع من جديد وعرضه على الشعب في أكتوبر 1946 الذي وافق عليه. كما يجب التفرقة بين الاستفتاء الدستوري والاستفتاء السياسي، فقد تنتهج هذه الطريقة لترويض الشعب لقبول الأوضاع السائدة، فهو إقراري (بمعنى إقرار مشروع دستوري تضعه جمعية تأسيسية رغم اختلاف في تكوينها، كما حدث للدساتير الفرنسية (1793-1795-1946)، أو دستور ايرلندا الحرة سنة 1973. وليس كاشفا للإرادة الشعبية، فالشعب في هذا الموطن له دور سلبي، بحيث يستشار شكليا لتبييض وجه النظام الحاكم، كالاستفتاء بشأن إبقاء نابليون قنصلا عاما مدى الحياة و أول إستفتاء سنة 1804 بشأن توارث الإمبراطورية في سلالة نابليون "(1)
" وقد أتبع هذا الدستور في وضع دستورنا لسنة 1976 ودستور ايطاليا لسنة 1948 والعديد من الدساتير الحديثة.كما تعتبر هذه الطريقة أكثر ديمقراطية من غيرها، إلا أنها لكي تحقق تلك الميزة أهدافها يجب أن يكون الشعب واعيا ومدركا للعمل العظيم الذي يقوم به، ونظرا لصعوبة تحقيق هذه الأمنية فان على السلطة التي تريد مشاركة الشعب فعلا في اتخاذ القرارات الحاسمة أن تتجنب تقديم النصوص المعقدة له بل تقدمها فقط للبرلمان بشرط أن يكون برلمانا وليس هيئة فنية استشارية وتقتصر على تقديم المسائل البسيطة الواضحة على أن تسبقها حملة إعلامية وتنظم مناقشات حول الموضوع حتى يشعر الشعب بأنه شارك فعلا في وضع النص ولم يقتصر على تقديم استشارة " (2) .
طريقة المعاهدات الدولية : بعض الدساتير يمكن أن ترجع في نشأتها إلى معاهدات دولية مثل الدستور البولندي لعام 1815 والدستور الألماني لعام 1871، حيث يكون الدستور مستمدا من معاهدة دولية.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
1-د/ فوزي أوصديق : المرجع السابق ، ص 53.
2- د/ سعيد بو الشعير : نفس المرجع السابق ،ص 152 .
(09)
المبحث الرابع : طرق وضع الدساتير الجزائرية .
بعد أن تناولنا في هذه الدراسة أساليب نشأة الدساتير بصفة عامة، يصبح لزاماً أن نقدم نبذة موجزة عن تطور الدساتير الجزائرية ونشأته التي بدأت مراحلها عقب انتهاء الاستعمار الفرنسي الغاشم للجزائر، وجلاء قواته عن أراضيها. خلال ثلاثين سنة من الاستقلال عرفت الجزائر حياة دستورية مضطربة بين المشروعية والشرعية ازدادت تأزما بعد الثمانينات، ففكرة إنشاء المجلس الدستوري الجزائري تعود إلى ما بعد الاستقلال مباشرة، حيث تبناها المؤسس الدستوري في أول دستور للجمهورية الجزائرية، وهو الدستور الصادر في 08 سبتمبر 1963 وذلك تأثرا بالنظام القانوني الفرنسي، الذي يتبنى نظام الرقابة على دستورية القوانين عن طريق المجلس الدستوري. أما في الجزائر فقد عرفت دستورين برامج مشحونين بالإيديولوجية الاشتراكية سنة (1963 – 1976) ودستور قانون سنة (1989) وتعديل لهذا الأخير سنة (1996)، ويرجع ذلك إلى تباين الأوضاع السياسية والاقتصادية والقانونية لكل مرحلة من مراحل التجربة الدستورية الجزائرية، وخاصة في الفترة الممتدة بعد أحداث أكتوبر 1989. سنحاول التعرض لكل مرحلة.
المطلب الأول : دستور 08 سبتمبر 1963 .
دستور 1963 كان دستور برنامج، أي ذلك الدستور الذي يغلب عليه الطابع الإيديولوجي على الجانب القانوني، ويعرف في الأنظمة الاشتراكية، فالدستور في هذه الحالة يكرس الاشتراكية ويحددها هدفا ينبغي تحقيقه، كما يحدد وسائل تحقيقها ويكرس أيضا هيمنة الحزب الحاكم، ومع ذلك كله فإنه يتناول الجوانب القانونية المتعلقة بتنظيم السلطة كما يبين حقوق وحريات الأفراد ومجالاتها.
" وضع دستور 1963كان مناختصاصات المجلس التأسيسي المنشئ بحكم اتفاقية افيان، إلا أن الرئيس "أحمد بن بلة" تملص عن هدا المبدأ بإعطاء الضوء الأخضر للمكتب السياسي في مناقشة وتقويم مشروعدستور في جويلية 1963، وعرضهعلى المجلس التأسيسي للتصويت عليه، ثم تقديمه للاستفتاء الشعبي في سبتمبر 1963، وإصدارهفي 08 سبتمبر 1963،فرغم أنالمشرع الجزائري أخذ بالطريقة الديمقراطية (الجمعية التأسيسية والاستفتاء) إلا أنهذه الطريقة يشوبها العديد من المخالفات، كمناقشة الدستور على المستوى الحزبي، مماتبعه سلسلة من الاستقالات على مستوى المجلس التأسيسي (فرحات عباس، حسين آيتأحمد)" (1) .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
1-د/ فوزي أوصديق : المرجع السابق ، ص 57 ،58 .
(10)
بالرجوع إلى دستور 1963 نجد أن المادة 63 منه تنص على مايلي: "يتألف المجلس الدستوري من الرئيس الأول للمحكمة العليا ورئيس الغرفتين المدنية والإدارية في المحكمة العليا وثلاث نواب يعينهم المجلس الوطني الشعبي وعضو يعينه رئيس الجمهورية". ومن المعلوم أن هذا المجلس لم يشكل ليمارس نشاطه، وذلك نظرا لما عرفته الجزائر آنذاك من أحداث وعدم الاستقرار، حيث أن الصراع من أجل السلطة كان على أشده مما لم يسمح بتشكيل هذا المجلس، وما أحداث الانقلاب الذي عرفته الجزائر في 19 جوان 1965 والذي أطلق عليه اسم التصحيح الثوري، حيث جمد الدستور فور استيلاء الثورة على السلطة وحل محله أمر: 10 جويلية 1965، وما ينبغي معرفته من خلال نص المادة السالفة الذكر هو طريقة التشكيل العضوي لهذا المجلس، حيث نلاحظ أنه مزيج بين رجال السياسة ورجال القانون، أي أن المجلس الدستوري الجزائري آنذاك كان ذو طبيعة مختلطة قضائية وسياسية، تضم رجالا تابعين لسلك القضاء وأعضاء آخرين بالتمثيل السياسي.
المطلب الثاني : دستور 22 نوفمبر 1976 .
حاولت جماعة 19 جوان 1965 تأسيس نظام سياسي مدستر، فأصدرت نصين، إحداهما ذو طابع سياسي إيديولوجي هو "الميثاق الوطني"-أعتبر بمثابة عقد بين الحاكم والمحكومين، إذ تضمن المحاور الكبرى لبناء المجتمع الاشتراكي وحدد الحزب الواحد، ووحدة القيادة السياسية للحزب والدولة- والثاني يعتبر تكريسا قانونيا للأول وهو "الدستور". وضع دستور 1976 جاء بعد إصدار القيادة في الجريدة الرسمية –المرقمة 58 والمؤرخة في 13 جويلية 1965- عزمها على استصدار دستور فتشكلت لجنة حكومية لصياغة نص الدستور وتقديمه للاستفتاء الدستوري يوم 19 نوفمبر 1976، وتمت الموافقة عليه و أصدر في 22 نوفمبر 1976. وكان إقرار الميثاق الوطني سابق له، فقد تم إعداد المشروع التمهيدي على مستوى مجلس الثورة والحكومة، وفتحت المناقشة العامة خلال شهري ماي وجوان.
إنالرقابة على دستورية القوانين تعد أهم وسيلة لضمان احترام الدستور، غير أن دستور 1976 لميعتمد على هذا النظام بالرغم من المطالب العديدة أثناء مناقشته الدستور والميثاقالوطني، وإثرائه في مؤتمرات حزب جبهة التحرير الوطني بشأن إحداث هيئة دستورية تتولىالسهر على احترام أحكام الدستور، إلا أن البعض قد رأى عدم إنشاء تلك الهيئة وهذاتجنبا للإكثار من مؤسسات الرقابة حتى يمكن تفادي تداخل اختصاصاتها وعدم فاعليتها،كما أن وجودها قد يؤدي لا محالة إلى عرقلة أعمال السلطة في ذلك الوقت لم يكن يؤخذبمبدأ الفصل بين السلطات، وإنما بوحدة السلطة ولذلك فإنشاء مثل هذه الهيئة يحد منحرية المشروع وينازعه في أعماله، كما أن هناك من لا يعترف بوجود هذه الهيئةللاختفاء وراء السلطة الثورية لتبرير تصرفاتهم غير الشرعية وهذا ما يجعل من القانونأداة في يد فئة تستخدمه لتغطية تصرفاتها.
(11)
المطلب الثالث : دستور 23 فيفري 1989 .
بالنسبة لهذا الدستور فإنه لم يكن وليد ظروف عادية، وإنما لتلبية مطالب عديدة جسدتها أحداث أكتوبر التي جاءت كرد فعل لأوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية مزرية، أدت فقد أغلبية الشعب الثقة في السلطة ولأجل ذلك وحفاظا على مؤسسات الدولة فقام رئيس الجمهورية بفتح باب الحوار وطرح القضايا الأساسية على الشعب للفصل بكل ديمقراطية كما وعد بالقيام بإصلاحات سياسية ودستورية، ومنها دستور 23 فيفري 1989 الذي كرس مبدأ التعددية الحزبية، واقتصر على ذكر الجوانب القانونية المتعلقة بتنظيم السلطة وتحديد صلاحياتها وتكريس نظام الحريات وحقوق الأفراد، هذا الدستور الذي تبنى فكرة الرقابة بعد أن أهملها الدستور السابق أي 1976 وهو بذلك يتفق مع دستور 1963.
تم الإعلان عن المشروع الدستوري، مما تبعته مناقشات على مستوى الإعلام المكتوب والمرئي، وتحضير العديد من الموائد المستديرة بمشاركة مختلف الاتجاهات (الإسلاميين، الأحرار، الديمقراطيين، أعضاء جبهة التحرير الوطني)، وقد تم إقرار الدستور من خلال استفتاء دستوري يوم 23 فيفري 1989 وكانت النتائج نعم 78.98% ، وهكذا فإن الدستور أقر عن طريق الاستفتاء(1) .
المطلب الرابع : دستور 28 فيفري 1996 .
إن هذا الدستور الأخيرما هو إلا نتيجة للظروف الاستثنائية التي تعيشها البلاد و الأوضاع المزرية على كلالأصعدة، خاصة منذ استقالة رئيس الجمهورية السابق وتعطيل المسار الانتخابي وما ترتبعن ذلك من أعمال هددت الأمن العام والاستقرار السياسي والمؤسساتي للبلاد، وهذا ممادفع إلى إنشاء بعض المؤسسات وصفت بالمؤسسات الانتقالية منها المجلس الأعلى للدولةانتهت مهامه بتنظيم ندوة الوفاق الوطني في جانفي 1994. ثم أولانتخابات رئاسية تعددية شهدتها الجزائر، وذلك في 16 أفريل 1995، كما تمإنشاء المجلس الوطني الانتقالي والذي تولى مهام السلطة التشريعية منذ 18 ماي 1994 إلى غايةتنظيم الانتخابات التشريعية في جوان 1997، حيث ضمهذا المجلس ممثلي بعض الأحزاب بالإضافة إلى أغلبية ممثلي الحركة الجمعوية وبعضالمنظمات الوطنية والنقابات التي لها ثقل على المستوى الوطني. كما كان هذا الهدف منهذا الدستور سد مجموعة من الثغرات التي تضمنها دستور 1989 وخاصة فيما يخص حالة تزامن شغور منصب رئيس الجمهورية مع حل المجلس الشعبي الوطنيكما كان الحال في جانفي 1992. ونظرا للأسباب السالفة الذكر تم اقتراح تعديل الدستوربمشاركة مجموع الطبقة السياسية بمختلف تياراتها وخاصة في مرحلة إعداد الوثيقةالمعدلة للدستور التي تمت المصادقة عليها من طرف الأمة في استفتاء 28 نوفمبر 1996 .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
1-د/ فوزي أوصديق : المرجع السابق ، ص 63 .
(12)
وقد جاء هذا الدستور بعدة تعديلات كإنشاء مجموعة من المؤسسات الدستورية منها مجلسالأمة والمحكمة العليا للدولة، ومجلس الدولة، كما كرس الرقابة الدستورية وذلك منخلال الدور الفعال للمجلس الدستوري، هذا الأخير الذي ارتفع عدد أعضائه إلى تسعة كماجاء في نص المادة 164 من دستور 1996، أما مدة العضوية فلم تتغير أي ست سنوات غيرقابلة للتجديد ولا يمكن لأي عضو أن يمارس أية وظيفة أو تكليف آخر.
المبحث الخامس : تعديل الدساتير .
تتباين الدساتير فيما تحدده من إجراءات بشأن كيفية تعديلها، ومرجع هذا التباين والاختلاف إلى اعتبارات متعددة بعضها يرجع لاعتبارات سياسية والتى تتمثل فى أن التنظيم المقرر لتعديـــل الدستور يجب أن يراعى جانب السلطات التى يقوم عليها نظام الحكم فى الدولة وأيــة ذلك أن التنظيم الذى يتقرر لتعديل الدستور فى النظام الديمقراطى شبه المباشر يجب أن يراعى الشعــب والبرلمان وإن التنظيم الذى يتقرر لتعديل الدستور فى النظام البرلمانى يجب أن يراعى الـــوزارة والشعب ، وان التنظيم الذى يتقرر لتعديل الدستور فى النظام الرئاسى يجب أن يراعى شــكل الدولة والولايات الداخلة فى الاتحاد الفيدرالى والبرلمان وهكذا .
وهناك اعتبارات فنية أهمها يتمثل فى أساليب ووسائل الصياغة التى يأخذ بها واضعوا الدساتير وأهمها
اشتراط التماثل فى الأوضاع القانونية بين نشأة الدستور وتعديله خاصة إذا كان منشئ الدستـور هى جمعية تأسيسية منتخبة وأية ذلك أنه حيث ينشأ دستور عن طريق هيئة منتخبة فإن الأسلوب الذى يشترط لتعديل الدستور فى هذه الحالة هو ذات الأسلوب الذى اتبع فى وضع الدستور، أى انتخاب جمعية لهذا الغرض .
الاقتصار على تنظيم الأسس الجوهرية فى الدستـور يؤدى بواضـعيه إلى تشـددهم فى تنظيـم وإجراءات تعديله ، وعلى العكس حيث إيراد تفصيلات فى الدستور يجعلهم أكثر تقبلاً نــحو التيسير فى تعديله وعلى ضوء ذلك نود ان نوضح المراحل المختلفة التى يمر بها تعديل الدستـور أهمها :
المطلب الأول : الاقتراح بالتعديل .
الاقتراح بتعديل الدستور قد يتقرر للبرلمان وحده أو للوزارة وحدها ( السلـطة التنفيـذية ) أو لكليهما معاً أو لعدد من أفراد الشعب أو للشعب أو للشعب مع البرلمان .
(13)
فالدساتير التى تسيطر فى ظلها السلطة التنفيذية يتم الاقتراح بتعديل الدستور من جانبـها وكان هذا الأسلوب هو فى الأغلب الأعم المتبع قديماً حيث كانت السلطة أو رأس الدولة ( الملك) هو المسيطر على مقدرات الدولة ومن ثم يناط به حق اقتراح تعديل الدستور . ولكن الدساتير عدلت فى معظمها فى غالبية دول العالم عن ذلك الآن نظراً لقوة السلطة التشريعية فى مواجهة السـلطة التنفيذية . ويتقرر حق التعديل للبرلمان وحده فى معظم الدساتير فى الدول التى يكون فيـــها استقلال حقيقى للسلطات الثلاثة . كما يتقرر حق اقتراح تعديل الدستور لكل من الـوزارة – السلطة التنفيذية – والبرلمان معاً وذلك فى ظل الدساتير التى تحاول تحقيق التوازن بين السلـطتين التنفيذية والتشريعية ، وقد يتقرر حق الاقتراح بالتعديل الدستورى للشعب والطريقة الأخــيرة تتبعها معظم دساتير العالم الثالث.
باستثناء الدستور المصرى الحالى لسنة 1971م فقد جعل هذا الحق باقتراح التعديل لكل مـن :
- رئيس الجمهورية - مجلس الشعب .
على انفراد حيث نصت المادة 189 على انه " لكل من رئيس الجمهورية ومجلس الشعب طـلب تعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور ويجب أن يذكر فى طلب تعديل المواد المطلوب تعديلــها والأسباب الداعية إلى هذا التعديل .
فإذا كان الطلب صادراً من مجلس الشعب وجب أن يكون موقعاً من ثلث أعضاء المجلس عـلى الأقل وفى جميع الأحوال يناقش المجلس مبدأ التعديل ويصدر قراره بأغلبية أعضاءه فإذا رفـض الطلب لا يجوز إعادة طلب تعديل المواد ذاتها قبل مضى سنة على هذا الرفض .
وإذا وافق مجلس الشعب على مبدأ التعديل يناقش بعد شهرين من تاريخ هذه الموافـــقة المواد المطلوب تعديلها فإذا وافق على التعديل ثلثى عدد أعضاء المجلس عرض على الشعب لاستفتائه فى شأنه فإذا وافق على التعديل اعتبر نافذا من تاريخ إعلان نتيجة لاستفتاء .
والشىء المؤسف ان الإجراءات التى يتطلبها الدستور لتعديله أسهل من الناحية الواقعية بالنـسبة لرئيس الجمهورية عن البرلمان !
المطلب الثاني :الموافقة على مبدأ التعديل ( تقرير مبدأ الاقتراح بالتعديل )
يلاحظ أن معظم الدساتير تخول البرلمان سلطة الفصل فى الاقتراح بالتعديل على سنــد من ان البرلمان يمثل الأمة بأسرها وأكثر السلطات ملاءمة للفصل فى اقتراح التعديل وبيان ضرورتــه والحاجةاليه.
وبجانب موافقة البرلمان على مشروع الاقتراح بالتعديل فقد اشترطت دساتير الولايات المتحـدة الأمريكية وسويسرا موافقة الشعب وذلك أفضل من ناحية تطبيق الديمقراطية .
(14)
المطلب الثالث : إعداد التعديل .
فى سويسرا يجيز الدستور السويسرى للشعب السويسرى إعداد مشروع التعديل فضلاً عن تقرير هذا الحق للجمعية النيابية.
كما قد تتطلب بعض الدساتير اختيار أو انتخاب هيئة ولجنة خاصة يعهد إليها باقتراح مشـروع التعديل . بيد أن معظم الدساتير الحديثة تعهد بهذه المهمة باقتراح التعديل الى البرلمان بشــروط خاصة تضمن الجدية وسلامة الإجراءات ، سواء تمثلت هذه الشروط والإجراءات فى ان يقـوم البرلمان ككل بإعداد الاقتراح عن طريق التصويت عليه أو بوجوب توافر نسبة معينه فى اجتماعه أو فى وجوب حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة بتشكيل جديد للبرلمان يعهد إليه بهذه المهمـة لكن الطريقة الأنسب لممارسة الديمقراطية هى إعطاء هذا الحق للجمعية التأسيسية وللشــعب مصدراً كل السلطات .
المطلب الرابع : إقرار التعديل .
معظم الدساتير خاصة تلك التى صدرت بعد منتصف القرن العشرين تجعل حق إقرار التعديــل النهائى للدستور لذات الهيئة أو السلطة أو الجهة التى قامت بوضع الدستور واقراره نهائياً وهـذه الهيئة كما سبق اما هيئة منتخبة لهذا الغرض واما البرلمان مع تطلب شروط خاصة مثل موافقــة الشعب ، واما أن يعرض مشروع التعديل الدستورى على الشعب للاستفتاء كما أخذ بذلــك الدستور المصرى لسنة 1971م حيث تطلب عرض التعديل على الشعب لاستفتائه فى شانه طبقا للفقرة الثالثة من المادة 189 منه .
ويعتبر الاستفتاء وحده وسيلة سيئة لاقرار التعديلات الدستورية خاصة فى الدول التى تعانى مـن استبداد سياسى .
المبحث السادس: إنهاء الدساتير وآثار إلغائها .
المقصود بانقضاء الدستور أو بنهايته أو بإلغائه، وضع حد لسريانه بالنسبة للمستقبل و إخراجه من حيز النفاذ.
ولهذا الصدد تقسم طرق و أساليب انقضاء الدستور إلى نوعين:الطرق القانونية، والطرق غير القانونية.
(15)
المطلب الأول : الطرق القانونية (1) .
يكون الإلغاء شرعيا حين يتم طبقا لمقتضيات الدستور نفسه وللإجراءات التي يحددها في نصوصه.
بالنسبة للدول الليبرالية قليلا ما تنص دساتيرها على مسألة إلغائها لأنها تعتبر الدساتير من النصوص القانونية الثابتة التي قد تعدل، ولكن لا تلغى بصفة نهائية لأنها مبادئ عامة وراسخة و صالحة لمختلف الظروف.
ومع ذلك توجد بعض الدساتير التي تشير إلى إمكانية الإلغاء الجزئي أو الشامل مثل الدستور السويسري أو الدستور الفرنسي لسنة 1875.
أما بالنسبة للدول التي تعتمد-أو كانت تعتمد-النظام الاشتراكي ، فهي ترى أن الدستور عبارة عن نص قانوني يعبر عن مرحلة تاريخية معينة،ولذا يتغير الدستور كلما تغيرت تلك المرحلة ، ومن أمثلة ذلك الصين الشعبية التي عرفت عدة دساتير مثل دستور 1982،1980،1978،1975،1954....الخ.
وعادة ما يتم الإلغاء الشرعي أو القانوني عن طريق الاستفتاء أو عن طريق الجمعية التأسيسية أو عن طريقهما معا ، أو عن طريق المجالس البرلمانية بالنسبة للدساتير المرنة، وقد يكون الإلغاء بطريقة غير مباشرة عند المصادقة على دستور جديد مثلما حدث في الجزائر بالنسبة لدستور 1976 ،حيث ألغي بطريقة قانونية غير مباشرة أو ضمنية تتمثل في عرض دستور 1989 على الاستفتاء الشعبي ، وكانت المصادقة عليه تشكل في نفس الوقت إلغاء لدستور 1976،لكن يجب التحفظ حول مدى مشروعية هذا الإلغاء بالرجوع إلى دستور1976نفسه ،فهو لايتضمن نصا حول إمكانية إلغائه ،بل أن التعديل نفسه لم يتم طبقا للإجراءات المنصوص عليها في هدا الدستور ،فعملية الإلغاء نفسها غير مشروعة بالنظر إلى الدستور نفسه ،لكن مادام الشعب هو صاحب السيادة وهو السلطة التأسيسية ،فان مصادقته على دستور 1989 تشكل إلغاءا قانونيا لدستور1976 وهذا هو المهم من الناحية الدستورية وعليه فان الإلغاء كانِِِِِِِِ شرعيا.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
1-د.الأمين شريط:الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية المقارنة،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ،الطبعة الرابعة 2005.ص 62 .
(16)
إلى جانب ذلك فان الدساتير العرفية تلغي بطرق قانونية وهذا سواء بنشأة عرف جديد يحل محل العرف القديم، أو بوضع دستور جديد مكتوب أو بإصدار قوانين عادية تلغي العرف الدستوري.
المطلب الثاني : الطرق الغير قانونية .
يلغي الدستور بالطرق غير القانونية عند ما لايتم هذا الإلغاء وفقا للطرق التي تعرضنا لها أعلاه،وعادة مايكون الإلغاء غير القانوني عن طريق القوة والعنف وتتمثل هذه الطرق في :
أولا :الثورة الشعبية .
عندما يصبح الشعب أو قسم هام منه ،غير راض عن النظام القائم سواء لإستبداده أو لعدم استجابته لمطامح الجماهير وارادتها في التغيير ،فقد تقوم ثورة شاملة للإطاحة بالنظام وتغييره.
والثورة هي عبارة عن عملية تغيير جذري للنظام القائم واستبداله بنظام جديد يمس كافة الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وعادة ما تكون الثورة منظمة ومخططة وتتم تحت إشراف قيادة مهيأة لاستلام الحكم.
والثورة تؤدي عموما إلى إلغاء الدستور القائم ،والأمثلة على ذلك كثيرة جدا منها الثورة الروسية سنة 1917 ، والثورة الإيرانية سنة 1979 والثورة المصرية سنة 1952 والليبية سنة 1969.
إلى جانب الثورة هناك حالة قريبة منها تعرف بالانتفاضة أو التمرد الشعبي الذي يتميز بكونه غير منظم وفوضوي،لكن قد يتحول إلى ثورة ناجحة أو إلى عصيان لاينتهي بسقوط النظام،بل قد يسفر عن إلغاء جزئي أو كلي.
ثانيا : الانقــــــلاب .
هنا لاتتدخل الجماهير الشعبية،بل يكون هناك صراع حول السلطة بين أعضاء الطبقة السياسية أنفسهم،وبالتالي يهدف هذا لصراع إلى تغيير شخص أو مجموعة من الأشخاص وإبعادهم عن السلطة ، أو تغيير الجهاز السياسي الحاكم بمجمله ،إلى جانب بعض الأسس التي يقوم عليها ، بما في دلك الدستور والمؤسسات السياسية الموجودة طبقا له .
ومن أهم هذه الطرق هناك الانقلاب الذي هو عبارة عن حركة يقوم بها جزء من السلطة الحاكمة ضد جزء آخر لإبعاده عن الحكم عن طريق العنف أو الإكراه بأشكال مختلفة، ولو تم ذلك في شكل سلمي ظاهريا.
وعادة ما يكون الجيش هو مدبر الانقلاب، ولدا يسمى بالانقلاب العسكري وهذه الظاهرة منتشرة في بلدان العالم الثالث، كما قد يكون الانقلاب مدنيا أو بتدبير من المدنيين والعسكريين معا، مثل بعض الوزراء أو بعض قادة الجيش.
(17)
والانقلاب قد يقوم به فرد وهذه حالة نادرة ،ومن أمثلتها الانقلاب الذي قام به نابليون، وقد يكون جماعيا تقوم به تقوم به مجموعة من الأشخاص مثل الانقلاب الذي قام به مجلس الثورة في الجزائر في 19 جوان 1965، تحت قيادة الرئيس هواري بومدين ،والذي أدى إلى إلغاء دستور 1963.
والجدير بالملاحظة أن إلغاء الدستور عن طريق الثورة أو عن طريق الانقلاب لا يعني أن هذه الطرق مستقبحة وسيئة ومستهجنة ، بل الثورة تكون أحيانا ضرورية لوضع حد للاستبداد وللحكم التسلطي ولطغيان الحاكم ، ولذا فهي وان لم تكن مشروعة ، أي مطابقة لنصوص الدستور ، فهي شرعية من حيث أهدافها وغاياتها ومطابقتها لإرادة الجماهير الشعبية وبالتالي تشكل حقا من حقوق الشعب .
ونفس الشيء بالنسبة للانقلاب في بعض الحالات حيث إذا كان الشعب عاجزا عن القيام بالتغيير ، فان بعض القادة السياسيين يبادرون بذلك الانقلاب ولذا سمي انقلاب 19 جوان 1965 تصحيحا ثوريا مقبولا من الناحية السياسية والتاريخية ،وان كان مرفوضا دستوريا.
المطلب الثالث : آثار إلغاء الدساتير .
إلغاء الدستور يؤدي عادة إلى سقوط المؤسسات السياسية القائمة طبقا له .ولذا فهو يؤثر على النظام السياسي أو نظام الحكم السائد في الدولة.
وهكذا فان إلغاء الدستور الإيراني لسنة 1979 أدى إلى سقوط النظام الشاهنشامي ، وقيام الجمهورية الإسلامية ، كما أن إلغاء دستور 1976 في الجزائر أدى إلى إسقاط نظام الحزب الواحد الاشتراكي ، وقيام نظام ليبرالي تعددي .
أما بالنسبة للدولة نفسها ، فان إلغاء الدستور لا اثر له سواء على مستوى علاقاتها الخارجية أو على مستوى القواعد القانونية الداخلية ، حيث تبقى سارية المفعول ، ولذا فان إلغاء الدستور لا تؤثر على الدولة نفسها .
(18)
الخـاتمـة
من هذا العرض الموجز لأساليب نشأة الدساتير يمكننا التعليق عليها بالتالي أن نشأة الدساتير قد تتباين وفقاً للظروف التي يوجد فيها كل دستور، وهذا بالتالي يعتمد على النظام السياسي القائم ونوع الحكم السائد في البلاد. ومن ثم فقد مرت عملية نشأة الدساتير بعدة مراحل: المرحلة الأولى كان الملوك ينفردون بالسلطة التأسيسية من الناحية القانونية وهو ما أطلقنا عليه أسلوب المنحة، المرحلة الثانية وهى المرحلة التي تبرز فيها جهود الشعب عن طريق هيئات تعمل باسمه لحمل الملوك على الاعتراف بحق الشعب في المشاركة في السلطة التأسيسية، وهو ما يعرف بأسلوب التعاقد، المرحلة الثالثة وهى مرحلة إنفراد الشعب بالسلطة التأسيسية وهو أسلوب الجمعية التأسيسية، والذي قد أدى إلى ظهور أسلوب الاستفتاء الدستوري، في الحالات التي لا يباشر فيها الشعب بنفسه السلطة التأسيسية ويوكلها إلى هيئة أو لجنة مختصة، ت
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma