1- حول فكرة القانون الجنائي للأعمال
كشفت السنوات الأخيرة، ومع تنامى صيحات العولمة La globalisation ou la mondialisation والخصخصة La prévitisation التى بدأت تضرب العديد من الثوابت المجتمعية التى لطالما دافعنا عنها لعقود طويلة فى مناهجنا التعليمية ووسائلنا الإعلامية، عن إحدى المشكلات التى بدأت تؤرق الفقه الجنائى, لما لها من أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية، ألا وهى مشكلة الانحراف المالى من قبل القائمين على إدارة المشروعات التجارية والاقتصادية، وخاصة التي تتخذ منها شكل الشركة سبيلا لممارسة نشاطها. فلقد سمح هذا الهيكل القانوني (الشركة)، والذي قد يتعدى إقليم الدولة الواحدة، مكونا ما يعرف بالشركات عابرة الحدود، للكثيرين من خربى الذمة إلى الانحراف بسلطتهم في إدارة المشروع أملين تكوين الثروات الطائلة، بل واتخاذه أحيانا ستارا لجمع الأموال من بين أيدى الجمهور في إطار الدعوة للاكتتاب العام في أسهم الشخص المعنوى الوليد الذي غالبا ما يكون شركة وهميةSociété fictive سرعان ما يهرب مؤسسيها دون أن تطولهم يد القانون تاركين ورائهم ألاف الأسر وقد تبددت أحلامهم التي سعوا إلى تحقيقها حال المشاركة والاستثمار فيها.
هنا يطل علينا القانون الجنائى برأسه دافعا الفقه إلى التساؤل حول إمكانية رسم سياسة جنائية وعقابية رادعة تؤمن للمساهمين في مجال الشركات إدارة جيدة وأمينة لأموالهم التي ساهموا بها والكيفية التى يمكن بها للقانون الجنائى أن يعوض غياب القوة المضادة والتي كان يجب أن يتمتع بها المساهمين من خلال الجمعيات العمومية للشركات، للقوة التي يتمتع بها القائمين على إدارة المشروعات التجارية والاقتصادية.
يجب علينا بادئ ذى بدء أن نؤكد على أن تلاقى القانون الجنائى بمجتمع رجال الأعمال والقائمين على إدارة الشركات قد أفرز منذ سنوات عديدة وخاصة فى فرنسا ما يسميه الفقهاء بالقانون الجنائى للأعمالDroit pénal des affaires ، والذي يعرف بأنه الفرع من القانون الجنائى الذي يهتم بحياة المشروع التجاري La branche du droit pénal intéressée par la vie de l’entreprise، والذي يستهدف توفير الحماية الجنائية للأفراد الذين يربطهم نشاط ما مع المشروع ضد أي شكل من أشكال الانحراف أو الإساءة1Certaines formes d’abus. ولقد بدأ هذا الفرع يمثل أرضا خصبة للجدل والنقاش في الفقه الجنائى الفرنسى وخاصة في السنوات العشر الأخيرة حين بدأت وسائل الإعلام المختلفة تسلط الأضواء على العديد من رجال الأعمال والوزراء الذين انحرفوا بسلطتهم وساهموا في تبديد رؤوس أموال العديد من الشركات الفرنسية. هذا الانحراف الذي يمثل صداعا مزمنا للحكومة الفرنسية الحالية والذي على أثرة تقدمت هذه الأخيرة بالعديد من مشروعات القوانين لتقوية قبضة القانون الجنائى في هذا المجال إلا أن هذه المشروعات جميعها باءت بالفشل نظراً للصراع السياسى القائم ولوجود مراكز القوى لا تبغى لهذه المشروعات أن تجد طريقها للنجاح1.
ولعلنا نبادر إلى القول بأن التدخل الجنائى في حياة الأعمال يعد أمراً غريبا للقائمين على هذه الأخيرة. فحياة الأعمال مجال يستعصى على القيود القانونية عموما ويبغى الجميع، مشرعين ورجال أعمال، أن يسودها عديد من الحريات الأساسية التي تشجع الطاقات على المنافسة والاستثمار، ومنها حرية ممارسة التجارة Liberté d’entreprendre وحرية المنافسةLiberté de concurrencer و حرية التعاقدLiberté de contracter .
غير أن الإجماع على هذا الأمر لا يعنى وجوب وقوف أفرع القانون عامة والقانون الجنائى خاصة على الحياد وبعيدا عن هذا المجال. فالمعلوم أن في هذا المجال - مجال الأعمال - يتمتع القائمين على هذا الحقل بالسلطة والنفوذ الذى يؤهلهم إلى الانحراف والإساءةL’abus ، لذا لزم التدخل لوضع الحدود والقيود اللازمة لكبح جماح هذه السلطة.
وقد تلعب نظرية التعسف في استعمال الحقThéorie d’abus de droit دورها في هذا المجال لتمثل الأداة الضابطة للتجاوزات المرتكبة من قبل رجال الأعمال2Cette théorie peut jouer en matière d’affaires un rôle régulateur, correcteur des excès manifestes. بيد أن الجزاءات المدنية لتلك النظرية - ( البطلانLa nullité - التعويضLes dommages intérêts ) - تعد غير ناجعة فى الكثير من الأحيان، مما يؤهل القانون الجنائى لأن يتدخل بقوة فى هذا الحقل بجزاءاته المختلفة ليمارس سياستا الردع والعقاب ضد الاستعمال السيئL’usage abusif والمنحرف للأموالLes biens وائتمانCrédit المشروعات والشركات التجارية.
وهناك حقيقة يجب التأكيد عليها وهى أن الانحراف والتعسف فى إدارة أموال وائتمان الشركات لا يمثل الشكل الوحيد لانحراف رجال الأعمال أو ما يسمى إجرام رجال الأعمال Criminalité des affaires. فالتجاوزاتLes excès المرتكبة فى هذا المجال، والتى يجرمها القانون الجنائى للأعمال، يمكن تقسيمها إلى قسمين :
الأول يتعلق بالعلاقات القانونية خارج أو حول المشروع التجارى Autour de l’entreprise ، والثانى يتعلق بالعلاقات القانونية داخل هذا الأخير Au sein de l’entreprise . فبالنسبة للطائفة الأولى من الجرائم فإن فرع القانون الجنائى للأعمال يجرم عددا من الانحرافات التى تمثل اعتداء على مصالح متشعبة منها على سبيل المثال ما يمثل اعتداء على مصالح الشركاء الاقتصاديين للمشروعLes partenaires de l’entreprise، كالدائنينLes créanciers (كجرائم الإفلاس1)، والمنافسينLes concurrents (كجرائم المضاربة على الأسعارSpéculation sur les prix وجرائم المنافسة غير المشروعة والممارسات الماسة بحرية المنافسةPratiques anticoncurrentielles والاتفاقات غير المشروعة Entente illicite واستغلال المركز الاحتكارى فى السوق والاستغلال الاقتصادىExploitation abusive de position dominante ou de 2dépendance économique)، و المستهلكينLes consommateurs (كالجرائم الخاصة بالدعاية الكاذبة أو الخادعة publicité mensongère ou trompeuse أو البيوع التعسفية3Ventes agressives ) والدولة ذاتها (كالجرائم الضريبية والجمركية).
أما بالنسبة للطائفة الثانية فإن فرع القانون الجنائى للأعمال يجرم بعض الأفعال التى تمثل اعتداء على مصالح القوى القائمة داخل المشروع وهما العمالSalariés (مثل الجرائم المتعلقة بالحقوق الجماعيةDroits collectifs والفرديةDroits individuelles للعمال وما يتعلق بتنظيم العمل ذاته الخ ...) والمساهمين أو الشركاء داخل المشروع Les actionnaires ou les associés ، أو ما نسميهم حائزى رأس المالDétenteurs du capital (كالجرائم الواقعة حال تأسيس الشركة مثل الإعلانات الكاذبة عند تجميع رأس المالFausses déclarations dans la constitution du capital وما يتعلق بالتدليس فى تقدير الحصص العينيةMajorations frauduleuses d’apports en nature أو إصدار وتداول أسهم شركات تأسست على خلاف أحكام القانونEmission ou négociation d’actions de sociétés irrégulièrement constituées وكالجرائم الواقعة حال إدارة الشركة ذاتها، كما فى جريمة إساءة أموال وائتمان الشركات L’abus de biens ou de crédit sociaux وكتقديم أو نشر موازنة كاذبة La présentation ou la publication de faux bilans وتوزيع أرباح صورية Distribution de dividendes fictifs4)
هذا التقسيم يوضح لنا أن فرع قانون الجنائى للأعمال يضم فى ذاته أفرع قانونية عديدة منها القانون الجنائى للمنافسة، القانون الجنائى للمستهلك والقانون الجنائى للشركات والقانون الجنائى للعمل الخ... غير أننا لا نستهدف بهذه الدراسة إجراء توصيف لكل هذه الجرائم أو التجاوزات الممكنة فى حياة رجال الأعمال وفى حياة المشروع التجارى، بل إننا نستهدف استجلاء سياسة المشرع الفرنسى الجنائية بصدد طائفة معينة من هذه الأفعال ألا وهى ما يتعلق فقط بإدارة أموال وائتمان الشركات بحسبانها أخطر الأفعال تأثيرا على الاقتصاد والذى تمثل الشركات عمادة وركنه الركين، ولنا فيما مارسته شركات توظيف الأموال فى السنوات السابقة وما أحدثته من هزة فى المجتمع المصرى لسند يدعم هذا الاختيار.
2- حول أزمة السياسة الجنائية فى مواجهة جرائم الشركات
إن إلقاء الضوء على سياسة المشرع والقضاء الفرنسيين فى مواجهة الاعتداءات على أموال وائتمان الشركات ليمثل ضرورة ملحة، إذ ستبرز لنا الدراسة كيف أن النصوص القانونية فى مجتمع لا يجب أن تصبح قوالب جامدة تستعصى على التعديل والتفسير كى تواجه متغيرات الزمن وما قد يتفتق ذهن المنحرفين من أساليب ملتوية لجمع ثرواتهم وإخفاء معالمها. فلقد خلق القضاء الفرنسى لنفسه سياسة برجماتية فى هذا المجال لا تتقيد بحرفية النصوص (رغم ما قد يستتبع ذلك من خروج على الشرعية الجنائية) راغبا فى تطهير حياة الأعمال مما قد يصيبها من انحراف، ويظهر ذلك من خلال التطبيقات القضائية وتفسيراته للمادتين 425/4 و437/3 من القانون 24 يوليو سنة 1966 الخاص بالشركات التجارية.
وستبرز لنا الدراسة أيضا قصور المشرع المصرى فى هذا المجال، فلازالت جريمتى خيانة الأمانة(م 341) والنصب (م 336) تمثلان السلاح الوحيد لمواجهة الانحرافات فى مجال أموال وائتمان الشركات الخاصة التى لا تملكها الدولة والتى لا تسهم فيها الدولة بنصيب والتى هى محور اهتمامنا فى هذه الدراسة. فهاتين الجريمتين - علاوة على ضعف العقوبة المقررة لهما - لم ينشأن لمواجهة الانحرافات فى مجال إدارة أموال الشركات، ويجدا محلا للتطبيق بحسب الأصل فى العلاقات بين الأفراد الطبيعيين1، كما أن شروط تطبيق هاتين الجريمتين تقف حائلا دون الردع الكافى للإساءة والانحراف الواقع من قبل مديرى المشروعات2.
فجريمة النصبL’escroquerie يتعين لقيامها أن تتوافر الشروط المتطلبة بالمادة 336 عقوبات مصرى (المادة 313/1 عقوبات فرنسى) وأهمها أن تتوافر الوسائل الاحتياليةManoeuvres frauduleuses التى توحى بصدق ادعاء الجانى كى يتوصل إلى الاستيلاء على أموال الغير. فلا يكفى مجرد الكذب أو ما يسمى الكذب العارى1Simple mensonge . فالكذب لا يبلغ مبلغ الطرق الاحتيالية إلا إذا كان مصحوبا بأعمال مادية وخارجية تحمل المجنى عليه على الاعتقاد بصحته. ولذلك فإن جريمة النصب لا تتحقق بمجرد الأقوال والادعاءات الكاذبة مهما بالغ القائل فى تأكيد صحتها حتى تأثر بها المجنى عليه2.كما أن المادة 336 تحدد أهدافا معينة يتعين أن يتوافر إحداها كى تقوم جريمة النصب، وأهمها الإيهام بوجود مشروع كاذب أو الإيهام بوجود واقعة مزورة أو إحداث الأمل بحصول ربح وهمى3. وفى خارج هذه الأحوال لا يمكن للقضاء أن يطبق النصوص الخاصة بجريمة النصب. علاوة على ذلك فإن النصب يتطلب أفعالا ايجابية ولا يمكن أن تقع بطريقة الامتناع4، مما يتعذر معه فى كثير من الأحيان أن تفى جريمة النصب بدورها فى ردع الإساءة الواقعة من قبل مديرى الشركة على أموال وائتمان هذه الأخيرة.
هذا العجز ينطبق أيضا على جريمة خيانة الأمانةL’abus de confiance (م 341 عقوبات مصرى – م 314 عقوبات فرنسى) والذى ينقسم إلى عجز ناشئ عن محل الجريمة Objet de l’infraction وإلى عجز ناشئ عن النشاط المجرم L’action incriminée .
أما بالنسبة لمحل الجريمة فإن خيانة الأمانة لا تنطبق إلا بالنسبة للمال المنقول، فالقاعدة أن العقارات لا ينطبق بشأنها هذا التجريم على أساس أن الملكية العقارية لا تتعرض لذات المخاطر التى تتعرض لها ملكية الأموال المنقولة5En incriminant l’abus de confiance, la loi n’a voulu garantir que la propriété, et la propriété immobilière n’est pas exposée aux même dangers que la propriété mobilière، ومن المعلوم أن أموال الشركات كثيرا ما تحتوى على أصول عقارية يصعب بشأنها تطبيق نصوص خيانة الأمانة عند الانحراف فى إداراتها. ومن ناحية أخرى فإن هذه الجريمة لا تنطبق إلا إذا جرى تسليم المال المنقول بناء على عقد من عقود الأمانة وهى الوديعة والإجارة والرهن وعارية الاستعمال والوكالة، وإذا كان من اليسير القول بأن مدير الشركة يعد وكيلا عن بقية الشركاء فإن هذا القول يصح فى مجال شركات الأشخاص (شركات التضامن - التوصية البسيطة) أما شركات الأموال (المساهمة - والتوصية بالأسهم)، والتى قد يتعدى مساهميها مئات الآلاف وقد تتعدد جنسيتهم فإنه يصعب التسليم بتكييف رابطة العلاقة بين مدير الشركة (رئيس مجلس الإدارة أو عضو مجلس الإدارة المنتدب) على أنها رابطة وكالة.
أما فيما يتعلق بالنشاط المجرم، فإن خيانة الأمانة لا تقع إلا بعمل مادى يتضمن الاختلاسDétournement أو التبديدDissipation يضاف اليهما الاستعمالUsage وفقا للنص المصرى. وعلى الرغم من أهمية هذا النشاط الأخير فى تعقب الكثير من الانحرافات فإن الفقه يدرج على عدم أهميته وضرورة حذفه على أساس أنه نوع من التكرار. وفى هذا يقول الأستاذ أحمد أمين : {إن النص على لفظ الاستعمال إلى جانب أفعال الاختلاس والتبديد يعد تزيدا من المشرع لا داعى له. ويقول أنه إذا كان الشارع قد أراد به الاستعمال المقترن بنية التملك فلا يكون قد جاء بمعنى جديد لأن الاستعمال على هذا الوجه لا يخرج عن أن يكون اختلاسا بالمعنى المتقدم وإن كان قد أراد به الاستعمال المجرد عن نية التملك فإنه يكون بذلك قد خالف الإجماع وأدخل فى جريمة خيانة الأمانة صورا اتفق الشراح على عدم جواز العقاب عليها}1.
على ذلك يمكن القول أن نشاطا الاختلاس والتبديد هما ركيزة الجريمة وبهما يغير الأمين نيته وحيازته للشيء من الحيازة الناقصةPossession précaire إلى الحيازة الكاملة. غير أن هذان النشاطان قد لا يصلحان فى كثير من الأحيان فى مكافحة أشكال الإساءة والانحراف المختلفة ومع تعقد الأساليب التى يلجأ إليها مديرى الشركات للاستيلاء على أموال الشركة. ولعل هذا هو ما دعى المشرع الفرنسى إلى إنشاء تجريم خاص لحماية أموال وائتمان الشركات يعوض به النقص القائم فى جريمة خيانة الأمانة، ذلك النقص الذى يتأكد إذا علمنا أن هذه الجريمة تتطلب إثبات الضرر كركن لازما لقيام الجريمة2.
إن القانون الجنائى للشركات بما يحتويه من تجريمات متعددة تستغرق كل حياة الشركة من لحظة ميلادها وتأسيسها مرورا بسيرها وإدارتها إلى حين انتهائها ليمثل بالتالى ضرورة لحماية الادخار العام وحماية الغير المتعاملين مع هذه الأشخاص القانونية حيث يتبسط هذا الفرع فى تحديد الأركان التى تقوم عليها الجرائم التى يشملها، ففى مجال حماية أموال وائتمان الشركات يكتفى المشرع بمجرد الاستعمال السيئSimple usage abusif لهذه الأموال كلفظ مرن يقبل أن يدخل فيه كل سبل التحايل المتخيلة من قبل القائمين على إدارة الشركة. ويكتفى هذا الفرع أيضا فى كثير من جرائمه بمجرد الكذب، خاصة فى الجرائم المتعلقة بتأسيس الشركة، فلا يهم البحث عن الهدف الذى كان يبتغيه الجانى من جراء الكذب، فالوسائل الاحتيالية مجرمة فى حد ذاتها بصرف النظر عن الغايةFinalité من استخدامها1. ويكتفى أيضا بمجرد الامتناع الذين يوهمان الغير فى صلابة المركز المالى للشركة ولا يتطلب شرط الضرر لاكتمال العناصر القانونية لجرائمه ولا يتطلب من القاضى أن يثبت أن هناك افتقاراً للذمة المالية للشركةAppauvrissement du patrimoine social قد وقع حتى تنعقد المسئولية عن جريمة إساءة أموال وائتمان الشركة.
وستكشف لنا الدراسة أيضا أن خصوصية النظام التجريمى والعقابى الخاص بمجال الشركات لا يتوقف عند حد قواعد الموضوعRègles de fond ولكن يمتد أيضا إلى القواعد الإجرائية أو قواعد الشكل Règles de forme ففى القانون الجنائى العام إذا كان تعين المسئول يتأتى كنتيجة مباشرة لإجراء التكييف القانونى للوقائع فإنه فى مجال القانون الجنائى للشركات فإن الأمر يبدو أكثر تعقيدا حيث يصعب تعيين المسئول عن الجريمة إذا ما ارتكبت من قبل هيئة أو جهاز جماعى للشركةOrgane collectif (مجلس الإدارة مثلا أو حكومة المديرين Directoire فى شركات المساهمة ذات النظام الحديث فى فرنسا). هنا يعتنق القانون الجنائى للشركات مبدأ تعدد المسئولينPluralité de responsables والذى لا يعنى أن تقع المسئولية على عاتق جملة المديرين فى الجهاز الجماعى فى كل مرة ترتكب جريمة ولكنة يعنى أن النصوص القانونية تتعين لكل جريمة، وبشكل مسبق على ارتكابها، المسئول عنها أو جملة المسئولين عنها وما على القاضى إلا أن يثبت فقط من وجود المساهمة الفعلية لهذا المدير الذى سبق تعينه كمسئول قانونى عن الجريمة، مما يعنى أن القانون الجنائى للشركات يعتنق في هذا الصدد مبدأ تركيز المسئولية الجنائية لمديري الشركات وفى شخصهم فقطPrincipe de canalisation de la responsabilité pénale aux seules dirigeants sociaux2.
هذا المبدأ تأكد أيضا باعتناق مبدأ استحالة الإعفاء من المسئولية الجنائية سواء بناء على تفويض السلطة Délégation de pouvoir أو بناء على وجود إذن سابقAutorisation أو تصديق لاحقApprobation من الجمعية العمومية للمساهمينAssemblée générale des actionnaires . وقد تأكد أيضا بتوسعة نطاق المسئولية الجنائية لكى تشمل إلى جانب المدير القانونى Dirigeant de droit مسئولية المدير الفعلى Dirigeant de fait والذى قام بارتكاب أعمال غير مشروعة تمس إدارة الشركة دون أن يتمتع فى ذلك بأى سلطة قانونية يعينها النظام الأساسى للشركة Statut de la société.
ولقد أسهم القضاء الفرنسى بدور كبير فى إبراز خصوصية القانون الجنائى فى مجال الشركات. فلقد كان لهذا القضاء دوره الخلاق عندما شيد نظرية متكاملة بصدد المسئولية الجنائية عن إساءة أموال وائتمان الشركات إذا ما ارتكبت الجريمة بين عدة شركات تكون فيما بينها مجموعة شركاتGroupe des sociétés، رغم أن النصوص القانونية المجرمة لهذه الأفعال الماسة بالأموال والائتمان لا توحى بوجود هذا السبب الجديد من أسباب الإباحة1. وكان للقضاء دوره أيضا فيما أدخلة من تعديلات على نظام تقادم الدعوى العمومية وعلى من له الحق فى رفع الدعوى المدنية الناشئة عن إساءة أموال وائتمان الشركات وكذلك التوسعة من دور المجنى عليه وبعض جهات الرقابة فى تحريك الدعوى العمومية عنها كل ذلك على التفصيل الذى سنراه فى موضعه من هذه الدراسة2.
ولعل أكبر ما تبرزه الدراسة هى سرعة التحرك التشريعى والقضائى والمرونة التى تتوافر فى المجتمعات الغربية لمواجهة الانحرافات المالية إيمانا منها بالدور الهام الذى تسهم به الشركات - وعلى الأخص شركات المساهمة3Sociétés anonymes - فى بناء المجتمع الرأسمالى و الاقتصاد الحر، وإيمانا بضرورة توفير المناخ الملائم لها للأداء دورها الاقتصادى المنشود. لذا كان حرص هذه المجتمعات على اللجوء للردع الجنائى حال الانحراف بإدارة الشركات. هذا التدخل يبرره بالضرورة ضعف المركز القانونى للمساهمين داخل الشركات. فمن الناحية القانونية، فإن للمساهمين كل السلطة داخل الجمعيات العمومية باعتبارها روح الشخص المعنوىL’âme de la personne morale ولهم السيطرة شبة الكاملةQuasi-domination على مجريات الأمور داخل الشركة. فلهم داخل هذا الجهاز (الجمعية العمومية) سلطة الرقابة والإذن والتصديق. فهناك، على ما يذكره بعض الفقه4، قدر من الديمقراطية تسود حال إدارة الشركة، وخاصة شركات المساهمة. وفقاً لهذه الديمقراطية فإن الإدارة تمارس سلطاتها نيابة عن المساهمين وعليها أن تخدم المصالح الجماعية لهؤلاء.
غير أن التحليل الواقعى والعملىL’analyse pragmatique لحياة الشركةVie sociale وكيفية سيرها يكشف على أن المساهمين هم ملوك تملك ولا تحكم، محرمون من حقوقهم التى منحها إياهم القانون. فهم أشبة بالقطيع الذى طالما يأكل ويجد ما يغذيه فإن ليس له حق نقد من يقدم له الطعام. فما علة تحمل مشقة حضور الجمعيات العامة والمشاركة فيما يدور ورقابة ما يعرض فيها وما يتخذ من قرارات طالما تحقق لهم الإدارة ربحا فى نهاية السنة المالية. من هنا لا يجد المساهمون فى غالب الأحيان الدافع للمساهمة فى شئون وأعمال الشركةLes affaires sociales . فالغياب والامتناعL’absentéisme هما السنة الغالبة المتبعة من قبل المساهمين، بما يؤدى فى النهاية إلى نشوء نوع من الدكتاتورية من قبل إدارة الشركة أو ما سماه البعض "الطاغية غير المراقب Dictature incontrôlée "، لتمتعها بقدر كبير من الحرية فى عملها الأمر الذى يدفع إلى الانحراف بالسلطة والعبث بأموال الشركة. وبالجملة فإن الجمعيات العمومية للمساهمين أصبحت الجهاز غير الفعالL’organe le plus inefficace فهى تصدق، بأعين مغلقة، على المشروعات والأعمال والتوصيات التى يعرضها القائمين على الإدارة ، ولم يعد المساهمون سادةLes maîtres فى بيتهم، إننا أمام حكم أقلية Oligarchie خلقت داخل الشركة بفضل سلبية المساهمين Passivité des actionnaires وما منحوه للقائمين على الإدارة من وكالة على بياضMandat en blanc سهلت لهؤلاء ارتكاب الكثير من أشكال الإساءة والانحراف .
غير أن هذه السلطة القانونية والواقعية التى يتمتع بها القائمين على الإدارة ليست مطلقة، ولها ما يحدها. فنصوص القانون التجارى، عن طريق النظام الأساسى للشركة، يمكن أن يضع قيود على المدير فى إجراء بعض التصرفات ذات الخطورة الخاصة (كإجراء قرض ذو فائدة عالية أو يجاوز مبلغ معين)، أو قد يفرض عليه الحصول على إذن مسبقAutorisation préalable من الشركاء أومن عضو الرقابة ( الجمعية العمومية أو هيئة أو حكومة المديرينDirectoire )، ويمكن للجمعية العمومية للمساهمين أن تختص لنفسها بإجراء بعض التصرفات أو التصديق على ما قد يكون أجرته الإدارة من تصرفات.
غير أن أهم ما يحد من سلطة الإدارة هو وجود نظام جنائى رادع يلزمها بإتباع مسلك الأمانة والشرفLoyauté et honnêteté حال إدارة الشركة ويلزمها بالامتناع عما قد يضر بالمصلحة الجماعية للشركةL’intérêt social وذلك بغية الحفاظ على الادخار العام ومصلحة الغير (المساهمين المحتملون فى المستقبل).
هذا النظام الأخير هو محور دراستنا، ولقد تخيرنا النظام القانونى الفرنسى وسياسته الجنائية على المستوى التشريعى والقضائى لتكون محورا لهذا العمل نقدمه للمشرع والقضاء المصرى بغية تطوير النظام الجنائى القائم فى مجال حماية أموال وائتمان الشركات.
3- معالم ومشكلات الحماية الجنائية للذمة المالية للشركة فى القانون الفرنسى
أخضع المشرع الفرنسى أموال وائتمان الشركات لنظام تجريمى وعقابى خاص تضمنته نصوص المواد 425/4 و437/3 من القانون الصادر فى 24 يوليو 1966 الخاص بالشركات التجارية. هذا النظام الذى يعرف بإسم جريمة إساءة أموال أو ائتمان الشركات L’abus de biens ou du crédit des sociétés. هذه الجريمة التى تمثل العصب والنواة الصلبةNoyau dur للقانون الجنائى للأعمال والقانون الجنائى للشركات فى فرنسا وتمثل محور الحديث حاليا على الساحة الفرنسية نظرا لكثرة القضايا المتداولة بشأنها أمام المحاكم. والمتهم فيها عليه القوم والكثير من رجال السياسة الفرنسيين السابقين والمعاصرين، حتى أن البعض أطلق على هذه الجريمة البعبعEpouvantail لأنه لا يمر يوم إلا ونجد أحد الوزراء أو أحد رجال الحكم البارزين فى الأقاليم الفرنسية متورطا بوصفة فاعلا أو شريكا فى صفقه تقع تحت طائلة القانون بوصف إساءة أموال أو ائتمان إحدى الشركات. بل ولقد استعملها القضاء فى أحيان كثيرة خارج نظامها القانونى لتعقب بعض رجال الأعمال إذا ما انسدت أمام جهات التحقيق إمكانية تتبعهم عن جرائم كالرشوة أو استغلال النفوذ (بسبب التقادم مثلا)، حيث يجرى القضاء تكيفا أخر على أساس إساءة أموال الشركات.
وعلى المستوى القانونى تثير هذه الجريمة العديد من المشكلات التى تمثل مأزقا للمشرع وللقضاء فى أن واحد. وسيقتصر حديثنا هنا على مشكلتين تتناسب والوقت المخصص للمادة فى مرحلة الدراسات العليا . أول تلك المشاكل هو الغموض الشديد الذى يكتنف نصوص التجريم فى مجال حماية أموال أو ائتمان الشركات، تلك المشكلة التى أكدها البروفسير شافانChavanne بقوله "إن أول المشكلات التى تفرض نفسها عندما نتسآل عن كيفية عقاب الانحرافات فى مجال الشركات هو تحديد عناصر التجريم". هذه المشكلة المتعلقة بغموض التجريم تنطبق ذاتها على جريمة إساءة أموال وائتمان الشركات والتى تخص " استعمال المديرين، عن علم و بسوء نية، للأموال أو ائتمان الشركة ضد مصلحة الشركةUn usage qu’ils savaient contraire à l’intérêt social وللأغراض شخصية A des fins personnelles أو بهدف تفضيل شركة أو مشروع أخر لهم فيه مصلحة مباشرة أو غير مباشرةou pour favoriser une autre société ou entreprise dans laquelle ils étaient intéressés directement ou indirectement". هنا يثور الجدل حول الحدود التى عندها يمكن للمدير أن يستخدم أموال وائتمان الشركة دون أن يقع تحت طائلة القانون وما هو مفهوم العمل المضاد لمصلحة الشركة ويكتنف الغموض أيضا مفهوم مصلحة الشركة ومفهوم المصلحة الشخصية. هذا الغموض و الثوب المرن والفضفاض لنصوص التجريم سمح للقضاة، كما سبق القول، إلى أن يتبنوا سياسة عقابية رادعة مرنة تمكنهم من الوصول إلى الإدانة عن هذه الجريمة إذا لم يستطيعوا، من خلال أوراق الدعوى، من توجيه الاتهام تحت وصف معين كان أولى بالتطبيق، كالرشوة واستغلال النفوذ، خاصة إذا كانت مدد التقادم قد انقضت لتمكن مديرى الشركة من إخفاء انحرافاتهم مدة طويلة من الزمن. الأمر الذى دفع بعض الفقه إلى القول بأن المشرع قد انتقل بجريمة إساءة أموال وائتمان الشركات من جريمة تناهض الاستيلاء غير المشروع على الأموال إلى جريمة تناهض مجرد الانحراف بإدارة الشركة وتوجيهها توجيه خاطئ Passage d’un délit d’appropriation illégitime à un délit de mauvaise gestion.
ثان المشكلات التى تتعلق بهذه الجريمة هى التساؤل حول إمكانية تطبيقا فى مجال مجموعات الشركات. فواضعى النصوص الجنائية فى قانون الشركات الفرنسى لم يأخذوا بعين الاعتبار إلا الإساءة المرتكبة فى الشركة الفرديةSociété isolée . غير أن التطور الاقتصادى، الذى أصاب المجتمع الفرنسى منذ سنوات عديدة، قد أفرز ما يسمى بظاهرة مجموعات الشركات بحيث أصبح من النادر أن توجد شركة تمارس بشكل فردى نشاطها التجارى. وفكرة مجموعات الشركات تقوم على ضرورة وجود التعاون المالىConcours financier بين الشركات الداخلة فى إطار المجموعة مما قد يستوجب إخراج أموال من خزانة إحدى الشركات لمساندة الأزمة المالية التى تواجهها شركة أخرى أو لمساعدتها على البدء فى خط إنتاج جديد أو إبرام صفقات يحتاجها النهوض بوضعها الاقتصادى، الأمر الذى قد يوقع الشركة المانحة تحت طائلة التجريم الخاص بإساءة أموال وائتمان الشركات خاصة إذا ما خرج هذا المال دون مقابل أو مع العلم على عدم قدرة الشركة المستدينة على سداد ما اقترضته.
هنا يقع التصادم بين النص القانونى ومقتضيات الواقع الاقتصادى والتجارى، وللتوفيق بين الأمرين بدأ الفقه يطرح التساؤل التالى : ألا يمكن للعناصر التقليدية لجريمة إساءة أموال الشركات أن تفسر بشكل مرن بحيث لا تنطبق فى حالة مجموعات الشركات إذا توافرت شروط معينة ؟ فى الإجابة على هذا التساؤل بدأ القضاء الفرنسى يتبنى ما عرف بمبدأ إباحة جريمة إساءة أموال وائتمان الشركات فى حالة ارتكابها بين شركات تكون فيما بينها ما يسمى بمجموعة الشركات. فالأفعال التى كان يمكن عقابها إذا ما ارتكبت فى إطار شركة فردية تصبح، وفق شروط معينة، مباحة إذا ثبت أن التعاون المالى ما كان إلا بين شركات تكون مجموعةGroupe .
"Les actes pouvant être abusifs dans une société isolée sont justifiés, sous certaines conditions, s’ils sont commis au sein d’un groupe des sociétés"
وفق هذا القضاء فإن مجموعة الشركات تعد سببا للإباحة أنشأه القضاء الفرنسى دون سند من النصوص القانونية. و يلقى هذا الحل القضائى، رغم عدم تقنينه حتى اليوم من قبل المشرع الفرنسى، ترحيبا فقهيا ويحاول الفقه دائما أن يبحث له عن أساس قانونى ضمن أسباب الإباحة المعروفة (حالة الضرورة مثلا) كى يجنب القضاء النقد بعدوانه على دور المشرع فى خلق النصوص. هذا الحل يثير بالتالى التساؤل حول حدود الإباحة الناشئة عن فكرة مجموعات الشركات وشروطها وطبيعة تلك الإباحة .
وبعيدا عما يثيره هذا التجريم الخاص بإساءة أموال وائتمان الشركات من تساؤلات قانونية محضة، فإنه يحدث قلقا فى دوائر الحكم فى فرنسا وبين كبار رجال الأعمال تبرزه كل يوم النشرات الإخبارية و الصحف القومية . فلقد تزايدت الفضائح المالية التى صدر فى شأنها أحكام بالإدانة فى حق عدد كبير من رجال المال والسياسة منهم على سبيل المثال ألان كرنيون وزير الاتصالات الأسبق وعمدة جرنوبل السابق وفيليب دى كانسون النائب بالجمعية الوطنية عن منطقةVar وموريس أدف بيف العمدة الاشتراكى لمنطقةThiers وكريستوف كمبادليس السكرتير القومى للحزب الاشتراكى للعلاقات الخارجية ولويز إيفون كاستا أمينة الصندوق السابقة لحزب التجميع من أجل الجمهورية وميشيل نوار وزير التجارة الخارجية الأسبق وعمدة ليون السابق وبيير مبهينير وبرنارد بوسون وجاك بارو الوزراء السابقين من أحزاب الوسط وبرنارد تابى وزير المدن الأسبق .
هذا الاهتمام الإعلامى، خاصة إذا ما تناولت القضية مثل هذه الطوائف، له تأثيره السلبى على المستوى الأخلاقى لرجال الأعمال بحيث أصبح المتهمون فى هذه القضايا يخافون الضجة الإعلامية التى تصاحب القضية أكثر ما يهابون الإدانة الناشئة عنها . هذا التأثير السلبى يظهر بوضوح إذا استفاد الشخص محل الاتهام بعد ذلك من الأمر بالأوجه أو البراءة عند إحالة الدعوى أمام القضاء خاصة إذا علمنا أن هذه التبرئة كثيرا ما لا تجد بين رجال الإعلام التغطية الكافية التى تنالها القضية عند بدايتها . هذا الأمر لا يمكن التسامح فيه لما يحدثه كل ذلك من انخفاض فى أسعار أسهم الشركة داخل البورصة يؤدى فى كثير من الأحيان بإفلاس الشركة رغم أنها فى الأصل مجنيا عليها من جراء الأفعال التى ارتكبها القائمين على إدارة الشركة بما يهدد المتعاملين معها من دائنين وموردين وعاملين فيها .
ويكشف الفقه عن نوع من القلق الإحصائى فيما يتعلق بالدعاوى المتعلقة بإساءة أموال وائتمان الشركات. فلقد أكدت الدراسات أن أحكام الإدانة فى هذا الصدد تضاعفت ثلاث مرات فى أقل من عشر سنوات . ويفسر البعض هذه الزيادة بالراحة التى يشعر بها الخصوم عند اللجوء للقضاء الجنائى والسرعة فى الفصل الأمر غير المتوافر عند اللجوء لجهات القضاء المدنى أو التجارى وكذلك يفسرها البعض بأن توجيه الاتهام بوصف إساءة أموال الشركات هو أسهل فى إثباته، نظرا للمرونة التى يتمتع بها نص التجريم .
وفى هذا الصدد أشار البعض إلى أن هذه الأحكام قد تزايدت من 300 إدانة فى عام 1988 إلى 400 فى المتوسط منذ 1991 وفى عام 1993 قد سجلت الدائرة الجنائية بمحكمة النقض 694 إدانة فى مجال جرائم الشركات منها فقط 501 عن جريمة إساءة أموال وائتمان الشركات ، مما حذا بالبعض إلى القول إلى أن هذه الجريمة أصبحت المصدر الأساسى للمنازعات فى مجال القانون الجنائى للأعمال L’abus de biens sociaux est la source principale du *******ieux du droit pénal des affaires. وقد بلغت هذه الأحكام 310 إدانة فى عام 1994 و 355 إدانة عام 1995 و 388 عام 1996 .
وقد أظهر استطلاع للرأى أجراه مركزSofres لحساب مجلة L’Entreprise أن 15% من رجال الأعمال يخشون الاتهام بوصف إساءة أموال الشركات وأن 61% منهم لا يرون أى خطورة فى دفع الشركة فواتير شخصية عن انتقالات أو تناول الوجبات فى المطاعم. بينما يرى 40% منهم أن اصطحاب رفيق فى رحلة عمل على نفقه الشركة لا يمثل أى خطورة ويرى 19% منهم أنة ليسوا على استعداد لدفع أى عمولاتCommissions للحصول على أى صفقه. كما عبر 43% من رجال الأعمال عن استيائهم من التدخل الجنائى وتشدد القضاء فى هذا المجال ويتمنى 71% منهم ألا يساوى القضاة بين الإثراء الشخصىL’enrichissement personnel وبين بقية الأفعال التى تمس بإدارة الشركة، وأكد 69% ممن شملهم الاستطلاع أنهم قد اتخذوا سياسات مختلفة فى إدارة الشركة على أثر اتهام الكثير من رجال الأعمال عن إساءة أموال الشركات التى يديرونها مما يعوق الطموح وروح المبادأة التى يجب أن يتحلى بها رجل الأعمال حال إدارته للمشروع التجارى .
كل ذلك قد فتح منذ سنوات باب الجدل حول ضرورة اتخاذ سياسة للحد من التجريم فى مجال الشركات وفى مجال القانون الجنائى للأعمال بصفة عامة ، مما حدا بوزير العدل الفرنسى أبان صدور القانون الخاص بالشركات التجارية الصادر فى 24 يوليو 1966 إلى الاعتراف مؤخرا أن من أكبر أخطاءة هو أنه قد ساهم فى إدخال النصوص الجنائية فى قانون الشركات . هذه الحاجة إلى الحد من التجريم والعقاب يبرره البعض بأن "التضخم التشريعى الجنائىL’inflation pénale يؤدى إلى الحد من الأثر الرادع للجزاءL’effet dissuasif de la sanction وأن مديرى الشركات يعتادون على التصرفات غير المشرعة وينظرون بالتالى إلى الجزاء الجنائى على أنه خطر لصيق بوظائفهمRisque inhérent à leurs fonctions يجب الاعتياد عليه" .
ولقد تعاظم الجدل حول مشكلة الحد من التجريم والعقاب فى مجال الشركات فى أعقاب نشر التقرير المعروف باسم تقرير مارينىRapport Marini ، الذى قدمه السيناتور فيليب مارينى إلى رئيس الوزراء بناء على طلبة فى إطار الخطوات المتخذة لتطوير قانون الشركات الفرنسى بما فيه من مواد جنائية تتعدى 160 مادة . وفقا لهذا التقرير فإنه لا يجب الاحتفاظ إلا بالتجريمات التى تتطلب القصد العام أو الخاص بين أركانها بحيث يجب رفع وصف التجريم عن الأفعال التى تقع تحت وصف الإهمال. وفقا لهذا المعيار فإن هناك خمس طوائف من الجرائم يتعين الاحتفاظ بوصفها الجنائى وتشمل : ما يتعلق بالحسابات المالية للشركة، وما يتعلق بانعقاد الجمعيات العمومية، وما يتعلق بإصدار الأوراق المالية، وما يتعلق بإدارة الشركة وأخيرا ما يتعلق بتصفيتها.
فى ضوء ذلك فإن من المستبعد تماما رفع وصف التجريم عما يتعلق بإدارة أموال وائتمان الشركات، غير أن ذلك لا يعفى من ضرورة التدخل بإجراء التعديلات التى يرها الفقه لازمة للوصول إلى هيكل تجريمى مناسب يحقق سياسة الردع حماية للادخار العام ويكفل العقاب الفعال لكل انحراف فى إدارة المشروعات والشركات التجارية.
4- تقسيم الدراسة
إن إبراز النموذج التشريعى الفرنسى لحماية أموال وائتمان الشركات وإيضاح الأسلوب الذى اتبعه القضاء من أجل سد الثغرات التى تعترى النصوص التجريمية فى هذا المجال يقتضى منا القول إلى أن السياسة الجنائية فى هذا المجال تقوم على أمرين: الأول هو انتهاج منهج تجريمى مرن يسمح بتتبع جميع الانحرافات الماسة بأموال وائتمان الشركات حتى أن البعض تحدث فى هذا المجال عن فكرة التجريم غير المحدودL’incrimination inclassable أو الذى لا يمكن وضع معالم واضحة تقتضيها الشرعية الجنائية وهو الأمر الذى تخصص له الفصل الثانى من الدراسة. الأمر الثانى الذى يميز السياسة الجنائية فى فرنسا فى مجال حماية أموال وائتمان الشركات هو الدور الخلاق للقضاء وابتداعه للحلول خارج دائرة النص الجنائى وفقا لما تقتضيه متطلبات الحماية الجنائية للأموال وائتمان الشركات. ولعل أظهر دليل على ذلك هو نظرية الإباحة الناشئة عن فكرة مجموعات الشركات وهو ما سنخصص له الفصل الثالث من هذه الدراسة.
غير أن قبل هذا و ذلك يثور سؤال مبدئى يهم المشرع المصرى فى هذه المرحلة التى تتعالى فيها الأصوات مطالبا بتشديد العقاب فى مجال الانحرافات المالية والتدخل أحيانا بتجريمات جديدة، هذا التساؤل يدور حول العوامل التى دفعت المشرع الفرنسى إلى التدخل جنائيا فى مجال الشركات وما هو الموقف الفقهى من هذا التدخل فى مجال الأعمال وعلاقات التجارة، حيث يبدو للبعض أن هناك تصادما يصل لحد التعارض بين فرعين من أفرع القانون مختلفين فى الطبيعة هما القانون الجنائى القائم على مبادئ صارمة وتعريفات محددة تقتضيها الشرعية الجنائية والثانى هو القانون التجارى أو قانون الأعمال الذى يحكم عالما يتطلب المرونة والسرعة فى المعاملات. لهذا التساؤل نخصص الفصل الأول من دراستنا.
فى ضوء ذلك فسوف تجرى خطتنا فى هذا العمل على النحو التالى:
الفصل أول: ضرورات التدخل الجنائى فى مجال الشركات التجارية
الفصل الثانى: المرونة التشريعية فى مجال حماية الذمة المالية للشركة
الفصل الثالث: الدور الخلاق للقضاء فى مجال حماية الذمة المالية للشركة
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma