أسعدنا تسجيلك وانضمامك لنا

ونأمل من الله أن تنشر لنا كل مالديك

من إبداعات ومشاركات جديده

لتضعها لنا في هذا القالب المميز

نكرر الترحيب بك

وننتظر جديدك المبدع

مع خالص شكري وتقديري

ENAMILS

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

أسعدنا تسجيلك وانضمامك لنا

ونأمل من الله أن تنشر لنا كل مالديك

من إبداعات ومشاركات جديده

لتضعها لنا في هذا القالب المميز

نكرر الترحيب بك

وننتظر جديدك المبدع

مع خالص شكري وتقديري

ENAMILS

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
 أسبـاب الإبــاحةو مــوانع المسؤوليــة  580_im11 ENAMILS  أسبـاب الإبــاحةو مــوانع المسؤوليــة  580_im11

المواضيع الأخيرة

» مدونة القوانين الجزائرية - محدثة يوميا -
 أسبـاب الإبــاحةو مــوانع المسؤوليــة  I_icon_minitimeالسبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed

»  شركة التوصية بالاسهم -_-
 أسبـاب الإبــاحةو مــوانع المسؤوليــة  I_icon_minitimeالجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin

» مكتبة دروس
 أسبـاب الإبــاحةو مــوانع المسؤوليــة  I_icon_minitimeالإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin

» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
 أسبـاب الإبــاحةو مــوانع المسؤوليــة  I_icon_minitimeالخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin

» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
 أسبـاب الإبــاحةو مــوانع المسؤوليــة  I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin

» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
 أسبـاب الإبــاحةو مــوانع المسؤوليــة  I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin

» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
 أسبـاب الإبــاحةو مــوانع المسؤوليــة  I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin

» بحث حول المقاولة التجارية
 أسبـاب الإبــاحةو مــوانع المسؤوليــة  I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl

» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
 أسبـاب الإبــاحةو مــوانع المسؤوليــة  I_icon_minitimeالأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique

» الدفاتر التجارية:
 أسبـاب الإبــاحةو مــوانع المسؤوليــة  I_icon_minitimeالجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma

ENAMILS


كتاب السنهوري


    أسبـاب الإبــاحةو مــوانع المسؤوليــة

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 6322
    نقاط : 17825
    تاريخ التسجيل : 28/06/2013
    العمر : 32

     أسبـاب الإبــاحةو مــوانع المسؤوليــة  Empty أسبـاب الإبــاحةو مــوانع المسؤوليــة

    مُساهمة من طرف Admin الخميس يوليو 25, 2013 2:33 pm


    [size=18]

    مقدمــة
    الإنسان كائن اجتماعي لا يمكنه أن يعيش بمعزل عن أقرانه ، فهو عاجز عن الوفاء بمختلف حاجاته بمفرده ، فلا غنى له عن الحياة في بيئة اجتماعية يتأثر بها و يؤثر فيها من خلال التصرفات و السلوكات الصادرة عنه التي قد تكون نافعة و قد تكون ضارة نتيجة غريزة الأنانية و حب البقاء و التملك ، و تتمثل هذه الأفعال الضارة في الجرائم بمختلف صورها و درجاتها ، و من خلال الجريمة و رد الفعل عليها تكونت النواة الأولى لقانون العقوبات الذي جاء لحماية حقوق الأفراد و حرياتهم .
    و تظهر الجريمة ككيان مادي يشمل السلوك الإجرامي الذي يقوم به الفاعل
    و النتيجة الإجرامية الناتجة عن هذا السلوك و العلاقة السببية الرابطة بينهما ، و يعد هذا الفعل مجرما إذا ورد بتجريمه نص في قانون العقوبات أو القوانين المكملة له ، إلا انه في بعض الحالات قد يعتبر الفعل جريمة طبقا لنص قانوني لكن هذا النص لا يطبق عليه لوجود أسباب تعطل تطبيقه هي أسباب الإباحة و تتمثل في ، أمر و إذن القانون
    و الدفاع الشرعي ، و رضا المجني عليه كسبب إباحة اقره القانون المقارن ، لان هذه الأسباب تعتبر الجانب السلبي في ركن المشروعية الذي ينبغي نفيه لتحقق صفة اللامشروعية في الفعل المرتكب ، كما أنها تفترض أن الفعل توافرت فيه كافة الأركان اللازمة لقيام الجريمة و المبينة في نص التجريم ثم ينحصر دورها في إخراج هذا الفعل من نطاق التجريم الى الإباحة .
    و تقتضي الجريمة إضافة إلى وجود سلوك مادي يجرمه القانون وجود صلة نفسية بين هذا السلوك و الفاعل بأن يكون مدركا و حرا في اختياره ، فهي ليست كيانا ماديا خالصا بل كذلك كيان نفسي ، باعتبارها تصدر عن شخص يعده القانون مسئولا عنها متى توافرت لديه الأهلية الجزائية التي تجعله قادرا على التمييز بين الفعل المجرم و غير المجرم ، و تعطيه الاختيار بين إتيان الفعل أو الامتناع عنه.
    فالمسؤولية الجزائية تثبت إذا اجتمع شرطان هما التمييز و حرية الاختيار ، فإذا انتفى أي من هذين الشرطين ترتب على ذلك امتناع المسؤولية الجزائية ، و منه جاءت تسمية الأسباب التي تنفي التمييز و حرية الاختيار بموانع المسؤولية ، و تتمثل في صغر السن ، و الجنون ، و السكر ، و حالة الضرورة ، و الإكراه .
    و عليه إذا اقترن الفعل المجرم بسبب مبيح انتفت عنه صفة التجريم و إذا فقد مرتكبه التمييز و حرية الاختيار انتفت مسؤوليته الجزائية و من هنا تظهر أهمية هذا الموضوع .
    علاوة على أن القواعد التي تقرر سببا للإباحة أو لامتناع المسؤولية تعتبر جزءا مكملا لقواعد التجريم فالقتل مثلا جريمة طبقا لنصوص التجريم إلا إذا ارتكب في حالة من حالات الإباحة ، و يعاقب المجرم على جريمته إلا إذا قام مانع من موانع المسؤولية فهذه القواعد دورها الحد من نطاق فاعلية نصوص التجريم فهي ترسم حدود قاعدة التجريم .
    كما أنه بإقرار هذه القواعد تتحقق العدالة من خلال الاهتمام بشخصية الفاعل حين توقيع العقوبة ، فتوقيع عقوبة واحدة على فاعلين يختلف كل منهم في الدوافع ، والظروف التي قامت فيها الجريمة يتنافى و القيم الإنسانية فمن ارتكب جريمة سرقة لإحضار دواء لابنه المريض ليس كالذي يسرق لشراء الخمر ، و من يرتكب جريمة بسبق الإصرار
    و الترصد ليس كمن ارتكبها فاقدا وعيه .
    و يمكن من خلال أسباب الإباحة و موانع المسؤولية أيضا تحديد القانون الجديد الأصلح للمتهم ، لأنه قد يكون كذلك إذا كان النص الجديد يقرر سبب إباحة للفعل أو مانعا للمسؤولية لم يكن منصوصا عليه في النص القديم و بالتالي يستفيد منه المتهم .
    كما يظهر أثر هذا الموضوع في ضبط أحكام المساهمة الجزائية .
    و نظرا لهذه الأهمية التي يكتسبها هذا الموضوع نحاول التطرق إليه بشيء من التفصيل من خلال الإجابة على الإشكاليات التالية :
    * إلي أي مدى يمكن أن تؤثر أسباب الإباحة و موانع المسؤولية في الصفة الإجرامية للفعل و المسؤولية الناجمة عنه ؟
    * مــا مدى مصداقية رضا المجني عليه في محو الصفة الإجرامية عن الفعل باعتبار قانون العقوبات من النظام العام ، لا يجوز للفرد تعطيل تطبيقه بإرادته ؟
    * إلى أي مدى يمكن اعـتبار السكر مانعا للمسؤولية إذا كان لإرادة الإنسان دخل فيه ؟


    و للإجابة على هذه الإشكاليات اتبعنا المنهج التاريخي ، و التحليلي و المقارن وفق خطة تضم فصلين تناولنا في الفصل الأول أسباب الإباحة و قسمناه إلى مبحثين نعالج في المبحث الأول ماهية أسباب الإباحة و في المبحث الثاني تقسيم أسباب الإباحة بحسب الأشخاص المستفيدين منها ، أما الفصل الثاني فقد خصص لموانع المسؤولية و يندرج تحته كذلك مبحثين نعالج في المبحث الأول عموميات حول المسؤولية الجزائية ، و في المبحث الثاني تقسيم موانع المسؤولية ، و تفصيل الخطة كالآتي .

    الخــــطة

    مقدمــة
    الـفصل الأول : أسبـاب الإبــاحة
    المبحث الأول : ماهية أسباب الإباحة
    المطلب الأول : مفهوم أسباب الإباحة
    الفرع الأول : التطور التاريخي لأسباب الإباحة
    الفرع الثاني : تعريف أسباب الإباحة
    الفرع الثالث : التمييز بين أسباب الإباحة و الحالات المشابهة .
    المطلب الثاني : آثار أسباب الإباحة
    الفرع الأول : أسباب الإباحة و تعدد المساهمين .
    الفرع الثاني : الغلط في الإباحة
    الفرع الثالث : الجهل بالإباحة
    المبحث الثاني : تقسيم أسباب الإباحة بحسب الأشخاص المستفيدين منها
    المطلب الأول : الأسباب النسبية للإباحة
    الفرع الأول : أمر القانون
    الفرع الثاني : إذن القانون
    المطلب الثاني : الأسباب المطلقة للإباحة
    الفرع الأول : الــدفاع الشرعي
    الفرع الثاني : رضا المجــني عليه
    الفصل الثاني : مــوانع المسؤوليــة
    المبحث الأول : عموميات حول المسؤولية الجزائية
    المطلب الأول : مفهوم المسؤولية الجزائية
    الفرع الأول: أساس المسؤولية الجزائية
    الفرع الثاني : مراحل المسؤولية الجزائية
    المطلب الثاني : انتقاء المسؤولية الجزائية
    الفرع الأول : أركان المسؤولية الجزائية
    الفرع الثاني : أسباب امتناع المسؤولية الجزائية .
    الفرع الثالث : الفرق بين المسؤولية الجزائية و المدنية
    المبحث الثاني : تقسيم موانع المسؤولية
    المطلب الأول : موانع المسؤولية بسبب انعدام الأهلية
    الفرع الأول : صغر السن
    الفرع الثاني : الجنون
    الفرع الثالث : السكر
    المطلب الثاني : موانع المسؤولية بسبب انعدام حرية الاختيار
    الفرع الأول : حـــالة الضرورة
    الفرع الثاني : الإكراه
    الخــــاتمة

    الفصل الأول : أسبـــاب الإبـــاحة .
    تستوجب الجريمة قيام المسؤولية الجزائية لمرتكبها ، و يتمثل أثر هذه المسؤولية في الجزاء الجنائي أيا كانت صورته ، لكن هناك حالات ترتكب فيها أفعال مخالفة للقانون
    و لا يتحمل مرتكبها أي مسؤولية عنها ، و نكون بصدد هذه الحالات إذا توافر سبب من أسباب الإباحة .
    و قد ثار خلاف بين الفقهاء حول موقع أسباب الإباحة في قانون العقوبات و انقسم الفقه بصدد ذلك إلى فريقين :
    - فريق ألحق أسباب الإباحة بالمسؤولية الجزائية على أساس أنها من الأسباب الموضوعية لانعدام المسؤولية و تقابلها الأسباب الداخلية أو الذاتية لانعدام المسؤولية متمثلة في الجنون و الإكراه و صغر السن و ينتج عن كل هذه الأسباب عدم المساءلة الجزائية .
    - فريق ألحقها بالركن الشرعي للجريمة لأنها تعدمه ، و من ثم تنتفي الجريمة لغياب أحد أركانها مستندا في ذلك إلى ما نص عليه قانون العقوبات الفرنسي القديم في المادتين 327- 328 و التي تقابلها المادة 39 في قاع الجزائري ، و إن كان المشرع الفرنسي قد تراجع عن رأيه في قانون العقوبات الجديد الصادر في سنة 1992 .
    حيث أنه أعاد النظر في طبيعة الأفعال المبررة ، فلم تعد أسبابا لمحو الجريمة ، بل أصبحت من موانع المسؤولية (1) .
    لذا ارتأينا أن ندرس في هذا الفصل ، الأفعال المبررة تحت عنوان أسباب الإباحة و يندرج تحت هذا الفصل ، مبحثين نعالج في المبحث الأول ماهية أسباب الإباحة و في المبحث الثاني تقسيماتها بحسب الأشخاص المستفيدين منها .




    ________________________
    1)- د/أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، الطبعة الثانية ، الجزائر ، دار هومة ، سنة 2004
    ص 135-136 .
    المبحث الأول : مــاهية أسباب الإباحة
    يقوم الركن الشرعي في الجريمة على وجود نص يجرم الفعل ،وعدم اقتران هذا الفعل بسبب مبيح فإذا توافر أحد أسباب الإباحة ارتفع الوصف الإجرامي عن الفعل فهذه الأسباب تعمل على إعدام الركن الشرعي للجريمة وبالتالي يخرج الفعل من دائرة التجريم إلى دائرة الإباحة .
    فلإباحة إذن وصف يلحق بالفعل ولا شأن له بشخص الفاعل لذلك كانت أسبابا عينية
    أو موضوعية تحول دون قيام المسؤولية أيا كان نوعها .لذلك سنعالج في هذا المبحث مفهوم أسباب الإباحة في المطلب الأول ونعالج في المطلب الثاني أثار أسباب الإباحة.
    المطلب الأول: مفهوم أسباب الإباحة .
    مهما توصلت القوانين الوضعية بشأن أسباب الإباحة فإنها لم ترق إلى ماهي عليه اليوم إلا خطوة خطوة ، ولم تعرف إلا سببا بعد سبب رغم بروزها إلى الوجود الفعلي في صورة حالات خاصة وحوادث عملية على خلاف الشريعة الإسلامية التي عرفت جميع هذه الأسباب منذ مدة تزيد عن 14 قرنا.
    وحسب المادة 02 من الدستور الجزائري(*) وطبقا لمبدأ سمو الدستور ، فإن الدستور يعلو على قانون العقوبات لذا يتعين تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية على بعض الأفعال المباحة شرعا التي لم يرد بها نص في قانون العقوبات لذا يتعين تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية على بعض الأفعال المباحة شرعا التي لم يرد بها نص في قانون العقوبات
    و رغبة منا في معرفة نشأة هذه الأسباب و أحكامها ، نعالج في هذا المطلب كخطوة أولية التطور التاريخي لهذه الأسباب ، ثم تعريفها ، ثم نميز بينها و الحالات المشابهة لها
    الفرع الأول : التطور التاريخي لأسباب الإباحة .
    لم تظهر أسباب الإباحة إلى الوجود دفعة واحدة و لم تعرف سابقا كما هي اليوم
    و يرجع تاريخها إلى عمق العدالة الجزائية عبر تطورها البطيء ، و قد برزت إلى الوجود في صورة حالات خاصة و حوادث عملية ، كان يكتفي القضاء و المشرعون لاسيما في العهود الرومانية بضبطها و تدوينها حتى تكاثرت و تعددت ، فأصبحت أحكاما عامة
    ________________________
    *) - نص المادة 02 من الدستور الحالي الصادر في 28 نوفمبر 1996 " الإسلام دين الدولة "
    مسلما بها دون النص الصريح عليها ، بالإضافة إلى أن الشرائع الدينية نفسها قد تضمت بعض الأشكال منها كطريقة للمغفرة و المعذرة ، و الحل من الخطايا و الذنوب و الآثام
    فكان لابد أن تتقبل الأعراق الاجتماعية مع الزمن في كافة الأقطار فكرة أسباب التبرير و لو كانت أصلا ذات وجه سلبي يتعارض مع التجريم لان الحكمة الشعبية المشتركة بنت هذه الأسباب على أساس المصلحة العامة ، و لو اضطرارا في تغليب الإباحة و التبرير على التجريم و التحريم بالنسبة لوقائع معينة ضمن شروط محددة
    و لم تبلغ هذه الاعتبارات المتعارف عليها درجة المبادئ القانونية المقررة إلا مع انطلاقة التشريعات الجزائية المكتوبة في مطلع الربع الأول من القرن 19 إذا درجت ضمن غالبية القوانين التي لحظتها و تناولت نطاقها و مداها و أحوالها .
    أولا: في القانون الفرنسي .
    يمكن القول إن القانون الفرنسي الصادر في سنة 1810 قد كان سباقا في هذا المجال إذ نص لأول مرة على أسباب التبرير في المواد 327-328-329 .(1)
    غير أنه يعاب على هذا القانون بعض الأخطاء :
    - وضع أسباب التبرير في القسم الخاص من قانون العقوبات و ليس في القسم العام حيث مركزها الحقيقي ، و قد صرح بهذا معظم الفقهاء .
    - حصر أسباب التبرير في الجنايات و الجنح الواقعة على حياة الإنسان و سلامته الجسدية فقط و على وجه الخصوص جرائم القتل و الجرح ، كما أن تلك الحالات تقتصر على الاعتداء على حياة الإنسان و سلامة جسمه فقط دون الحقوق المادية و المعنوية و المالية ، رغم أنها حالات و ظروف شاملة و متعددة غير أن الاجتهاد القضائي قد توسع في التفسير لجهة شمول أسباب التبرير كافة الأفعال الإجرامية المنطبقة عليها .
    - يلاحظ أن حدود التجريم تتداخل مع أسباب التبرير مما يشكل ، خطرا قانونيا نظرا للتنافر القائم بين هاتين الوضعيتين المتعارضتين و لو كانتا متقابلتين اذ لكل منهما نطاق معلوم به ، فلا يجوز لتشريع جزائي أن يعاقب على نفس الفعل الذي يبيحه أو يبرر التصرف الواحد و هو يحظره.
    _______________________
    1) - د/ فريد الزغبي ، المسؤولية الجزائية ، المجلد الرابع ، الطبعة الثالثة، لبنان ، سنة 1995 ، ص 10-12-13 .
    - جاءت أحكام القانون الفرنسي في هذا المجال ناقصة في اقتصارها على الدفاع الشرعي ، و إطاعة القانون ، و أمر السلطة و حتى في الجمع بين حالة الدفاع المشروع و حالة الضرورة بطريقة مباشرة و موحدة ، رغم الفرق الشاسع بينهما مما حمل الاجتهاد القضائي على الدور المكمل و المصحح (1) .
    - من الطبيعي أن يكون لقانون نابليون الأثر البالغ على سائر التشريعات الجزائية فجاءت النصوص الخاصة بأسباب التبرير مضطربة سواء في اختصارها
    و غموضها كما هو الحال في القانون البلجيكي ، أو إسهابها و تفصيلها كما في القانون الايطالي ، و قد وقعت غالبيتها في خطأ التبويب إذا أوردت أسباب التبرير تارة في فصل المسؤولية الجزائية ، و احيانا في قسم العقوبات و موانعها ، و أحيانا في معرض الظروف و الأعذار مما يؤدي الى اختلاط المعطيات القانونية و تدخلها .
    ثانيا : في القانون العثماني .
    جاء القانون العثماني في صيغته الموضوعية عام 1868 و المنقولة حرفيا عن القانون الفرنسي خاليا من القواعد العامة المتعلقة بأسباب التبرير كحالات و أوضاع قانونية رغم التعديل الطارئ عليها سنة 1911 فلم ينص إلا على الدفاع المشروع عن النفس فقط .
    ثالثا : في القانون اللبناني
    لقد ضمن المشرع اللبناني في نصوص صريحة و واضحة كافة أسباب التبرير عام 1939 ، فاعتبرها أصلا في المادة( 183 قاع )من باب ممارسة الحق بغير تجاوز ثم عدد الحالات الواقعية لها فخصص المادة( 184 قاع) للدفاع المشروع و المادة (185 قاع) لأمر السلطة و المادة 186 قاع لإجازة القانون بعض الأفعال ، المادة 187 قاع لموافقة الضحية ( لرضا المجني عليه ) . و لقد سايرت مختلف التشريعات الجزائية فيما يخص أسباب التبرير القانون اللبناني بدليل أن القانون السوري و من بعده الأردني فالقانون الكويتي اعتمدوا نفس المبادئ في النصوص شكلا و مضمونا .
    رابعا : في القانون المصري .
    لم يجد القانون المصري الصادر عام 1883 ضرورة لتحديد مبدأ إباحة الأفعال
    ________________________
    1)- د/ فريد الزغبي ، المسؤولية الجزائية ، المرجع السابق ، ص 15
    التي تمنحها القوانين أو الأعراف المختلفة للأشخاص الطبيعيين على اعتبار أن هذا المبدأ هو من البداهة فلا يحتاج للذكر على وجه الخصوص ، فاكتفت المادة الأولى منه بشرط عدم الإخلال في أي حال من الأحوال بالحقوق الشخصية المقررة في الشريعة الغراء استنادا إلى أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد لأسباب التبرير ، و قد سببت هذه المادة تناقضات بالغة حملت مجلس الشورى في عام 1903 على اقتراح وضع نصوص صريحة في هذا الخصوص أدخلت فعلا في التشريع الصادر عام 1904 (1) .
    خامسا : في القانون الجزائري .
    نص المشرع الجزائري على أسباب الإباحة في المادة 39 قاع و كذلك المادة 40 قاع (*) ، حيث و من خلال المادة 39، 40 قاع نجد أن المشرع الجزائري حصر أسباب الاباحة فيما يأمر به القانون و يأذن به ، و الدفاع الشرعي و رتب على توافر أي سبب منها محو الصفة الإجرامية عن الفعل حيث أنه لم يكتفي بالقول « لا جناية و لا جنحة » بل قال « لا جريمة » .
    و بعد التطرق لهذه اللمحة التاريخية عن أسباب الإباحة يجدر بنا معرفة مصادر
    و أساس الإباحة . من خلال تعريف أسباب الإباحة في الفرع الموالي .
    الفرع الثاني : تعريف أسباب الإباحة
    نعرف أسباب الإباحة على أنها « الحالات التي تنتفي فيها عن السلوك صفته غير المشروعة » (2) .
    و هناك من يعرفها على أنها « ظروف مادية تطرأ وقت ارتكاب الفعل المجرم فتزيل عنه الصفة الإجرامية و تحيله إلى فعل مبرر ارتكابه » (3) .
    و لو لا قيام هذه الظروف لتحققت المسؤولية الجزائية ، و من خلال هذا التعريف
    _______________________
    1)-د/ فريد الزغبي ، المسؤولية الجزائية ، المرجع السابق ، ص 16-17 .
    *)-أشار المشرع الجنائي إلى أسباب الإباحة في الكتاب الثاني المتعلق بالأفعال و الأشخاص الخاضعين للعقوبة من الباب الأول
    ( الجريمة ) من الفصل الرابع ( الأفعال المبررة ) .
    2) - د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " الطبعة لا توجد ، مصر ، ديوان المطبوعات الجامعية
    سنة 2003 ، ص 243
    3) - د/كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات ، الطبعة الأولى ،الأردن، دار الثقافة ، سنة 2002 ، ص 127 .
    نستنتج أن أسباب الاباحة ترد على سلوك جرمه القانون ، و تحدث مفعولها فيه من حيث رفع الصفة الإجرامية عنه ، و لا محل لها بشأن سلوك مجرد أصلا من وصف الجريمة ، لان هناك فرق بين السلوك الذي لم ينص القانون على تجريمه و السلوك المجرم الخاضع لسبب إباحة ، فإذا كان الفعل الأول محل دعوى عمومية فما على القضاء إلا أن يتأكد من عدم وجود هذا النص في حين أن الفعل الثاني هناك نص جرمه و لو لا سبب الاباحة الذي طرأ وقت ارتكابه لا نطبق عليه نص التجريم ، و تحققت المسؤولية الجزائية قبل الفاعل إذا ما توافر عنصراها فيه و هما الوعي و الإرادة (1) .
    و نتطرق فيما يلي لمصادر أسباب الإباحة .
    أولا : مصــادر أسباب الإباحة
    يعتبر بعض الفقهاء أن القاعدة في الأصل بالنسبة لسلوك الإنسان و نشاطه و تصرفاته هي الإباحة على أساس أن ما يقوم به الشخص هو مسموح له به و أن التجريم في معرض ذلك ليس إلا استثناءا على تلك القاعدة العامة المطلقة ، و تأتي أسباب الإباحة كاستثناء على هذا الاستثناء لترد الفعل إلى أصله من المشروعية بعد أن كان مجرما (2) .
    و ينادي آخرون بإسناد سبب التبرير إلى مصدر التجريم نفسه (3) إذ أن الإباحة القانونية تقتصر على الأفعال الملحوظة صراحة في التشريع الجزائي لعلة كونها جرائم أصلا لا أعمالا مشروعة في طبيعتها و بالتالي هي غير مشروعة منذ البداية بمجرد قيام العناصر التنفيذية المادية المكونة لها .
    و قد تجد الاباحة مصدرها في النصوص القانونية سواء كانت نصوص في قانون العقوبات كما في حالة أمر و إذن القانون ، و الدفاع الشرعي ، أم نصوص قانونية أخرى غير جنائية كالقانون المنظم لمهنة الطب ،و قانون تنظيم الصحافة حيث أن هذا الأخير مثلا يقرر للصحفيين حق ممارسة النقد و نشر الأنباء و لو ترتب عن ذلك جريمة القذف و إفشاء الأسرار شرط عدم تجاوز الحدود المنصوص عليها قانونا في هذا المجال
    ________________________
    1)- د/ محمود محمود مصطفى ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، الطبعة لا توجد ، مصر ، دار النهضة العربية ، سنة 1974 ، ص 130 .
    2)- د/ عبد الله سليمان ، شرح قانون العقوبات الجزائري " القسم العام " ، الطبعة لا توجد ، الجزائر " بن عكنون " ، ديوان المطبوعات الجامعية ، سنة 1998 ، ص 117 .
    3)- د/ فريد الزغبي ، المسؤولية الجزائية ، المرجع السابق ، ص 21 .
    و قد تتمثل مصادر الإباحة في واقعة تتفق مع طبائع الأشياء كما في رضا المجني عليه متى كان ذلك ممكنا و جائز (1)، فهذا الرضا لا يستند إلى نص قانون صريح .
    و يذهب جانب من الفقه إلى أن العرف يصلح أن يكون مصدرا للإباحة شرط استبعاد الأعراف المخالفة للقانون التي لا يمكن لها أن تنشأ الإباحة و تعطل أحكام التجريم المقررة قانونا ، لأنها تبقى غير مقبولة حتى لو كانت قيد الممارسة الفعلية .
    ويرى جانب آخر من الفقه أن أثر العرف لا يمكن أن يصل إلى حد أن يكون مصدرا مباشرا للإباحة و إلا كان معنى ذلك ، الإقرار بصلاحية العرف لأن يعطل نصا قانونيا صريحا إذا تعارف الناس على خلاف ما يقتضي به .
    إلا أنه يمكن للعرف أن يؤثر في إباحة بعض الأفعال بطريق غير مباشر ، رغم عدم وجود نص قانوني صريح أو ضمني تستفاد منه هذه الإباحة (2) ، نجد مثلا دور العرف في تطبيق القانون الذي يعاقب على الفعل الخاضع المخل بالحياء ، فالقانون لم يحدد تعريف هذا الفعل ، و يبقى ذلك خاضعا للسلطة التقديرية للقاضي التي يستند فيها إلى ظروف الزمان و المكان و ما تعارف عليه الأفراد ، فجرى العرف على اعتبار أفعال معينة غير مخلة بالحياء إذا ارتكبت في زمان أو مكان معين كالظهور على الشواطئ بملابس الاستحمام أو في الطريق العام بملابس لا تستر كل أجزاء الجسم (3) .
    و فيما يلي نتعرف على العلة التي تقرر تبرير الفعل بعد تجريمه .
    ثانيا : أساس الإباحة .
    تقوم نصوص قانون العقوبات بحماية حقوق الأفراد و حرياتهم من خلال تجريم كل الأفعال التي تعد مساسا بها و تقرير الجزاء الجنائي المناسب لها فهي تجرم القتل لأنه يعد اعتداء على حق الإنسان في الحياة ، و تجرم فعل الإيذاء لأنه يمس بسلامة جسم الإنسان ، و تجرم السرقة لأنها تمثل اعتداء على حق الملكية و غيرها من الأفعال التي تمس بمصالح الأفراد و بمفهوم المخالفة المشرع لا يجرم أفعالا لا تمثل اعتداءا
    ________________________
    1)- محمود زكي أبو عامر ، القسم العم من قانون العقوبات ، الطبعة لا توجد ، مصر ، دار الجامعة الجديدة ، سنة 2002 ص 193- 194 .
    2)-: د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 259 .
    3)- د/ محمود محمود مصطفى ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 164 .
    على حق جدير بالحماية ، و منه يمكن القول أن هناك صورتين لا يمكن الادعاء فيهما أن الفعل المرتكب يشكل عدوانا على حق جدير بحماية المجتمع (1) .
    * الصورة الأولى : انتقاء علة التجريم
    أي ارتكاب الفعل في ظروف تنتفي معها علة التجريم فتصبح المصلحة المحمية غير جديرة بالحماية مع توافر تلك الظروف ، بحيث يصبح الفعل غير منتج للعدوان كما كان في الأصل إعتداء على حق يحميه القانون ، فالجرح الذي يقوم به شخص لأخر هو اعتداء على حق المجني عليه في سلامة جسمه لذا يعد جريمة لكن عندما يقوم به طبيب قصد علاج المريض لا يعتبر منتجا لأي اعتداء لأنه و إن مس بماديات الجسم إلا أنه لا يهدر مصلحة الجسم في أن يسير يسرا طبيعيا ، و الضرب الذي يقوم به شخص لآخر يجرمه القانون حماية لحق الإنسان في سلامة جسمه ، لكن أفعال الضرب إذا صدرت من زوج استعمالا لحقه في تأديب زوجته وفقا للضوابط القانونية تنتفي صفتها غير المشروعة .
    • الصورة الثانية : حالة ما إذا كان الفعل منتجا للاعتداء على حق لكن ارتكابه في الظروف التي تم فيها ينطوي على صيانة حق أجدر بالحماية من الحق المهدور. فالقتل جريمة لأنه اعتداء على حق المجني عليه في الحياة لكنه إذا وقع في حالة دفاع شرعي لا يعد كذلك ، لأن المشرع يرى أن حق المدافع في الحياة أجدر بالحماية من حق المعتدي في الحياة (2) ، و ذلك في إطار الموازنة بين المصالح المتعارضة للأفراد و إيثار مصلحة أولى بالرعاية تحقيقا للصالح العام و هو هدف كل نظام قانوني حيث أن المصلحة العامة تتحقق بإيثار مصلحة المدافع في درء الاعتداء على مصلحة من بادر بالاعتداء .
    و سبب هذا الانحياز العادل هو أن المجني عليه – المعتدي – باعتدائه قد هبط بقيمة

    ________________________
    1)- د/كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 128 .
    2)- د/ عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، الطبعة الرابعة ، الجزائر ، " بن عكنون " ديوان المطبوعات الجامعية ، سنة 1994 ، ص 67 .
    حقه في نظر المجتمع الذي آثر صيانة حق المعتدي عليه و إلا كان هو القتيل (1) و بعد تعريف أسباب الإباحة و معرفة التطور التاريخي لها نحاول التمييز بينها و الحالات المشابهة لها فيما يلي :
    الفرع الثالث : التمييز بين أسباب الإباحة و الحالات المشابهة لها .
    تختلف أسباب الإباحة عن موانع المسؤولية و موانع العقاب من حيث طبيعتها
    و الآثار المترتبة عنها ، و تبعا لذلك نتعرض للتمييز بين أسباب الإباحة و موانع المسؤولية ثم نميز بين أسباب الإباحة و موانع العقاب فيما يلي :
    أولا : التمييز بين أسباب الإباحة و موانع المسؤولية
    - من حيث الطبيعة : أسباب الإباحة ظروف موضوعية – مادية – تتصل بالركن الشرعي للجريمة و لا علاقة لها بشخص الفاعل ، فلا تضم أي عناصر شخصية إلا استثناءا ، فقد تدخل بعض العناصر الشخصية في تكوين سبب الاباحة كاتجاه نية الوالد إلى تهذيب ابنه في ممارسة حق التأديب ، و اتجاه نية الطبيب إلى شفاء المريض في ممارسة الأعمال الطبية (2) . و مثل هذا الاستثناء لا يؤثر على الأصل الذي يقوم على الطبيعة المادية لأسباب التبرير (3) .
    أما موانع المسؤولية فهي أسباب مرتبطة بمرتكب الجريمة تجعل إرادته غير معتبرة قانونا بتجريدها من التمييز و حرية الاختيار ، و لا تثار إلا بعد نسبة الجريمة إلى مرتكبها أي أنها أسباب لا تقدير لها في السلوك الإجرامي ، فهي ظروف شخصية تتعلق بالفاعل و تجعل إرادته غير معتبرة قانونا ، و بعبارة أخرى تتصل بالركن المعنوي للجريمة .
    - من حيث الآثار: أسباب الإباحة موضوعية في آثارها بحيث ينصرف أثرها إلى الفعل مباشرة فتبيحه ، مما يؤدي إلى انتفاء أي نوع من المسؤولية عن هذا الفعل سواء كانت مسؤولية جنائية ، أو مدنية أو تأديبية و بالتالي لا مجال لتطبيق أي عقوبة أو تدبير أمن ( تدبير احترازي ) .

    ________________________
    1)- د/كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 129 .
    2)- د/ عادل قوره ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 68 .
    3)- د/ محمود محمود مصطفى ، شرح قانون العقوبات ، " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 141
    أما موانع المسؤولية فهي أسباب شخصية مجالها إرادة الجاني و لا علاقة لها بالركن الشرعي للجريمة ، و من ثم لا ترتفع صفة اللاشرعية عن الفعل ، وإنما تمنع من ترتيب الآثار القانونية الجزائية بحق مرتكب الجريمة ، و يقتصر أثرها علي نفي المسؤولية الجزائية ، إلا أنها لا تنفي الخطورة الإجرامية لدى الفاعل فيجوز تطبيق تدبير احترازي اتجاهه .
    ثانيا : أسباب الإباحة و موانع العقاب .
    - من هذه الطبيعة : إن موانع العقاب لا تتعلق بأي ركن من أركان الجريمة لان هذه الأخيرة تظل قائمة طالما وجدت أركانها ، و تقوم المسؤولية الجزائية إذا لم يكن هناك أي مانع من موانع المسؤولية بينما أسباب الإباحة تنفي قيام الجريمة لاتصالها بالركن الشرعي للجريمة .
    - من حيث الآثار : في أسباب الإباحة تنتفي المسؤولية الجزائية و المدنية أما في موانع العقاب فإنها تكون قائمة ، و مع ذلك يقدر المشرع لاعتبارات المنفعة العامة عدم توقيع العقاب ، و ذلك ما أورده المشرع الجزائري في المادة (52/1 قاع ) كما أن أسباب الإباحة يستفيد منها كل من ساهم في الفعل عكس موانع العقاب فهي شخصية لا يستفيد منها إلا الشخص الذي توافرت في حقه (1) .
    و من أمثلة موانع العقاب صلة القرابة كالأصل ، و الفرع و الزوجة في جرائم السرقة و خيانة الأمانة ، و النصب ، وإخفاء الأشياء المسروقة التي تقررها المواد 368 ، 377 ، 389 قاع متى وقعت هذه الجرائم من أحد الأصول الفروع أو أحد الزوجين لا يتم العقاب عليها رغم قيام الجريمة و المسؤولية الجزائية المترتبة عنها .
    و قد تتجسد المنفعة الاجتماعية في أن تكون جرائم عسيرة الاكتشاف فيغري القانون أحد المساهمين أو الفاعلين باعفاءه من العقوبة ، إن هو أسدى خدمة للمجتمع بأن كشف عن الجريمة و المساهمين فيها و تطبيقات ذلك كثيرة في قانون العقوبات الجزائري مثلا المادة( 179 قاع ) و المادة( 192/1قاع ) و بعد التعرف على المفاهيم العامة حول أسباب الإباحة نعالج في المطلب الثاني آثار أساب الإباحة . ________________________
    1)- د/ عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ،ص 68 .
    المطلب الثاني : أثار أسباب الإباحة .
    يعد الفعل المقترن بسبب من أسباب الإباحة فعلا مشروعا و يترتب على ذلك
    - اعتبار كل من ساهم فيه كفاعل أصلي أو شريك بريء باعتباره قد ساهم في عمل مشروع أو مبرر .
    و بما أن أسباب الإباحة تنحصر في الظروف المادية للفعل لا الظروف الشخصية للفاعل ينجر عن ذلك .
    - عدم الاعتداد بالجهل بالإباحة كما ينحصر تأثير الغلط في الركن المعنوي للجريمة ، و هذا مل سنتطرق إليه بالتفصيل في الفروع التالية :
    الفرع الأول : أسباب الإباحة و تعدد المساهمين .
    يعاقب القانون على الجريمة عندما تكتمل أركانها و لا يقوم أي مانع من موانع المسؤولية ، سواء ارتكبها شخص واحد أو عدة أشخاص ، و في المقابل يستفيد من أسباب الإباحة جميع المساهمين في الفعل المبرر فاعلين كانوا أم شركاء أم متدخلين أم محرضين .
    إلا أن هذا الأمر ليس مطلقا إذ يجب لبيان أثر أسباب الإباحة في المساهمة الجزائية أن نفرق بين أسباب الإباحة النسبية و المطلقة ، فإذا كان سبب الإباحة مطلقا كالدفاع الشرعي مثلا استفاد منه جميع المساهمين فاعلين أصليين كانوا أم شركاء أم محرضين أم متدخلين، أما إذا كان السبب نسبيا فلا يستفيد منه إلا من قام فيه هذا السبب ، فلا يستفيد من يقوم بالعمليات الجراحية من الإباحة بإذن القانون إلا إذا كان طبيبا و لا يستفيد من ينفذ أمر الرئيس الواجب طاعته من الاباحة بأمر القانون إلا إذا كان موظفا مختصا لأن القانون هنا يتطلب فيمن يقوم بهذا الفعل أن يحتل مركزا قانونيا أو يتمتع بصفة قانونية تخوله القيام بهذا الفعل (1) .
    و لكن يستفيد من سبب الإباحة من قام بمساهمة تبعية في الفعل ، فيستفيد من ساعد الطبيب على العمليات الجراحية لأنه لا يرتكب العمل المبرر لغيره بنفسه ، و إنما يساهم فيه مجرد مساهمة تبعية .
    ________________________
    1) - د/كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 129-130 .

    الفرع الثاني : الغلط في الإباحة
    يعتبر الغلط في الإباحة الصورة المقابلة للجهل بالإباحة ، و يعبر بعض الفقه عن هذه الحالة بالبراءة الظنية (1) ، و هي أن يتصور الإنسان العادي العاقل وجود ظروف
    و ملابسات ووقائع منطقية ، و حقيقية و تؤكد أن سلوكه مشروع و غير معاقب عليه استنادا لأحد أسباب الإباحة (2) .
    مثال ذلك أن يعتقد شخص أن هناك خطر يهدده في نفسه أو حالة فيقتل من ظن أنه مصدر الخطر ثم يتبين عدم وجود مثل هذا الخطر على الإطلاق أو حالة الموظف
    الذي يفشي سرا أئتمن عليه اعتقادا أن صاحب السر راض عن إذاعته ، ثم يتبين أن
    صاحبه لم يرض بذلك .
    و إذا بحثنا عن أثر الغلط في الإباحة على المسؤولية الجزائية للفاعل في قانون العقوبات الجزائري لا نجد نصا تناولها على خلاف ما هو عليه في بعض التشريعات العربية الأخرى (*) .
    و مع ذلك نقول أن الغلط في الإباحة لا يعدل الإباحة ، و يبقى الفعل المرتكب غير مشروع لتخلف حالات الإباحة حسب الشروط المحددة قانونا ، و تفسير ذلك أن الغلط في الإباحة لا ينف الركن الشرعي للجريمة لكنه يؤثر في الركن المعنوي .
    و قد ينفي الغلط الركن المعنوي كليا إذا كان اعتقاد الشخص بتوافر الإباحة مبنيا على أسباب معقولة قياسا على حالة شخص معتاد وجد في نفس ظروفه (3) ، كأن يشاهد حارس ليلي قدوم شخص نحوه فينادي عليه فلا يجيبه ، ثم يطلق عيارا ناريا في الهواء
    ________________________
    1)-د/ نظام توفيق المجالي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، الطبعة الأولى ، الأردن ، دار الثقافة
    سنة 2005 ، ص 139 .
    2)- د/ محمد على السالم عياد الحلبي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، الطبعة لا توجد ، الأردن ، مكتبة الثقافة للنشر و التوزيع ، سنة 1997 ، ص 165 .
    *) - تنص المادة 63 قاع المصري " لا يعد جريمة العمل غير المشروع الذي يرتكبه الموظف بعد التثبت و التحري اذا كان يعتقد بمشروعيته و كان اعتقاده مبنيا على أسباب معقولة " .وورد تطبيق لهذه الفكرة في المادة 56 من قاع الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة ، " لا يعد جريمة اذا وقع الفعل استعمالا لحق الدفاع المشروع اذا واجه المدافع خطرا حالا على نفسه أو ماله أو اعتقد قيام هذا الخطر و كان اعتقاده مبنيا على أسباب معقولة " .
    3) - د / سليمان عبد المنعم ، النظرية العامة لقانون العقوبات ، الطبعة لا توجد ، مصر ، دار الجامعة الجديدة
    سنة 2000 ، ص 374 .
    فلا يتوقف ، و من ثم يبادر بإطلاق عيار ناري يصيبه في رجله ، ثم يتضح أن ذلك الشخص لم يكن إلا عابر سبيل لم يسمع النداء لأنه أصم فينتفي القصد الجنائي لقيام سبب من أسباب الإباحة هو أداء الواجب ، و بنتفي الخطأ غير العمدي لان الفاعل قد تثبت
    و تحرى قبل استعمال السلاح في سياق المجني عليه .
    و قد ينفى الغلط القصد الجنائي فقط و يبقى الشخص مسؤولا عن خطأ غير عمدي إذا كان لا يستند في اعتقاده بتوافر الإباحة إلى أسباب معقولة ، إذ يكون غلطه في الإباحة هنا مشوبا بالخطأ (1) ، كالحارس الذي يطلق النار على عابر سبيل مر به في الضلام فيرديه قتيلا لمجرد أنه ناداه فلم يجبه ، يكون قد أطلق النار دون تبصر و تروي ، فيتابع بجريمة القتل الخطأ ، و نشير أن الغلط في الإباحة ينصب على الوقائع التي أحاطت بارتكاب الفعل ، أو إذا انصبت على قانون آخر غير قانون العقوبات (2) .
    الفرع الثالث : الجهل بالإباحة
    يعبر بعض الفقهاء عن هذه الحالة بالجريمة الظنية (3) ، و نكون أمام هذه الحالة عندما يأتي شخص فعلا أو يمتنع عنه معتقدا أن ذلك غير مشروع و بالتالي يعاقب عليه بينما في الواقع فعله اقترن بسبب مبيح كان يجهله أو يعتقد عدم وجوده و قد يكون مرجع هذا الجهل بالإباحة غلط أو جهل بالقانون مثال ذلك الشخص الذي يدفع الاعتداء عليه بالقوة و هو يجهل أن القانون يبيح له الدفاع الشرعي ، و قد يكون مرجعه جهل بالوقائع ، كالطبيب الذي يجري عملية جراحية لمريض فيموت على أثرها ، فيعتقد الطبيب أن القانون سيعاقبه لعدم رضا المريض بالعلاج في حين يكون المريض قد وقع وثائق تثبت رضاه بإجراء هذه العملية له ، و هنا ثار التساؤل حول إمكانية تبرير الفعل بناءا على الوجود الفعلي للظرف المبرر أم اقتران الوجود الفعلي له العلم به .
    انقسم الفقهاء على أنفسهم بصدد الإجابة على هذا التساؤل حيث :

    ________________________
    1)- د/ محمود نجيب حسنى ، شرح قانون العقوبات اللبناني " القسم العام " ، الطبعة لا توجد " لبنان ، دار النهضة سنة 1968 ، ص 158 .
    2)- د/ نظام توفيق المجالي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 140 .
    3)- د/ كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 130 .

    - يرى بعض الشراح الألمان أن الفعل يكون مبررا ، بمجرد توافر شروط أسباب التبرير بغض النظر عن علم الفاعل بوجودها ، كنتيجة حتمية للطبيعة المادية لأسباب التبرير .
    - ذهب البعض الآخر منهم إلى أن الفعل لا يكون مبررا إلا إذا انصرفت النية إلى جعله متجاوبا مع مقتضى الظرف و ما عدم العلم بوجود الظرف المبيح إلا قرينة على عدم انصراف نية الفاعل إلى إعماله في واقعة الحال ، ووفقا لهذا الرأي الوجود
    الفعلي للسبب المبرر لا يغني عن ضرورة العلم بوجوده .
    - توسط الرأيين السابقين رأي ثالث ذهب إلى أن ارتكاب شخص جريمة ما مع
    وجود سبب مبرر لها لا يعلم به ، ينسب إليه مجرد شروع فيه لا جريمة كاملة .
    و قد حسمت بعض القوانين صراحة هذه المسألة (*) .
    أما قانون العقوبات الجزائري فقد خلا من نص صريح يتضمن هذه الحالة ، ذلك أن الأصول العامة في القانون لا تحتاج إلزاميا إلى نص صريح يقررها قياسا على تحديد الجريمة و أركانها ، فالجريمة استثناء يجب ضبطه حتى يكون الأفراد على علم به أما الأفعال التي أجازها القانون لا حاجة لأن يقوم بتحديد عناصرها حتى يتطلب العلم بها كما أن الحالة النفسية للفاعل ، و العلم بالتكييف القانوني للفعل المرتكب يتطلبه الركن المعنوي للجريمة ، و ليس عنصرا لانتفائها .
    و بما أن أسباب الإباحة ذات طبيعة موضوعية فإنها تحدث أثرها من حيث تعطيل مفعول النص القانوني بغض النظر عن نفسية مرتكب الفعل سواء كان عالما بقيام السبب المبرر أو جاهلا وجوده فالفعل يكون مبررا في الحالتين ، و قد عرض الأمر على محكمة النقض المصرية فقضت في حكمها الصادر في 03-12-1934 ، " أن تفتيش ضابط البوليس منزل المتهم بغير رضاءه لا يكون صحيحا إلا إذا كان الضابط مأذونا من النيابة العامة بإجراء هذا التفتيش و عالما بهذا الإذن قبل إجراء التفتيش فعلا و مؤدى هذا الحكم أنه يلزم علم الفاعل بقيام سبب الإباحة حتى يستفيد منه "

    ________________________
    *) - تنص المادة 202 / 02 من قاع السوري " لا يعاقب من ارتكب فعلا وظن خطأ أنه يكون جريمة " .
    1) - د/عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص70 .
    و قد تعرض هذا الحكم لنقد الفقه المصري تأسيسا على الأثر الموضوعي لأسباب الإباحة .
    هذا في حالة الجهل بقيام السبب المبيح ، أما إذا خرج الفاعل عن الضوابط التي حددها المشرع للاستفادة منه ، تعطل سبب الاباحة ووجب مساءلة الشخص عن الجريمة وتختلف هذه المساءلة حسب الموقف النفسي للفاعل من منظور الركن المعنوي.
    • فإذا تعمد الخروج عن الشروط التي يقررها القانون لتوافر الإباحة أعتبر عمله جريمة مقصودة و يسأل الفاعل عن جريمة مقصودة متعمدة لأنه قام بالفعل عن علم و إرادة .
    • أما إذا حدث التجاوز نتيجة إهمال أو خطأ أو عدم احتياط لا يصدر عن الإنسان العادي إذا وجد في نفس الظروف و الملابسات ، فيسأل عن الفعل المجرم بوصف الخطأ أي يسأل عن جريمة غير مقصودة (1) .
    • أما إذا حدث التجاوز نتيجة حادث فجائي أو إكراه معنوي فان الفاعل لا يكون مسؤولا (2) .
    و بعد أن انتهينا في هذا المبحث من دراسة المبادئ العامة حول أسباب الإباحة ننتقل إلى المبحث الثاني الذي خصصناه لدراسة أقسام أسباب الإباحة.
    المبحث الثاني : تقسيم أسباب الإباحة بحسب الأشخاص المستفيدين منها .
    تنص المادة 39 قاع « لا جريمة :
    - إذا كان الفعل قد أمر أو أذن به القانون .
    - إذا كان الفعل قد دفعت إليه الضرورة الحالة للدفاع المشروع عن النفس أو عن الغير أو عن مال مملوك للشخص أو للغير بشرط أن يكون الدفاع متناسبا مع جسامة الاعتداء ».
    « تنص المادة 40 قاع « يدخل ضمن حالات الضرورة الحالة للدفاع المشروع
    القتل أو الجرح أو الضرب الذي يرتكب لدفع اعتداء على حياة الشخص أو سلامة
    _____________________
    1)- د/ محمد علي السالم عياد الحلبي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 17 .
    2) - د/ محمود محمود مصطفى ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 147 .
    جسمه أو لمنع تسلق الحواجز أو الحيطان أو مداخل المنازل ، أو الأماكن المسكونة أو توابعها أو كسر شيء منها أثناء الليل .
    - الفعل الذي يرتكب للدفاع عن النفس أو عن الغير ضد مرتكبي السرقات أو النهب بالقوة ».
    و يلاحظ أن المشرع الجزائري حصر أسباب الإباحة في قانون العقوبات في آمر القانون و إذنه ، و الدفاع الشرعي ، أما رضا المجني عليه فلم بنص عليه كسب إباحة في قانون العقوبات و ذلك أن المبدأ العام يقضي بأن لا أثر له في نفي الجريمة و أثرها و مع ذلك هناك استثناءات على هذا المبدأ عززتها بعض التشريعات التي بدأت تتجه نحو الأخذ برضا المجني عليه كسب إباحة . لذلك سنتطرق لدراسة هذه الأسباب الأربعة مجتمعة كأسباب إباحة بشيء من التفصيل ، و إذا جئنا إلى تقسيم أسباب الإباحة وجدنا أن هناك عدة تقسيمات باختلاف المعايير المعتمدة في ذلك ، فنجد مثلا أنها تنقسم إلى أسباب خاصة و أسباب عامة ، فالأسباب الخاصة هي التي تتعلق بجريمة أو جرائم معينة مثل حق الدفاع أمام المحاكم باعتباره سببا خاصا لإباحة جرائم القذف و السب بشروط محددة ، أما الأسباب العامة هي التي لا تتقيد بجريمة معينة بل يمكن أن تتوافر بالنسبة لجميع الجرائم كالدفاع الشرعي و لا أهمية لهذا التقسيم إلا فيما يتعلق بتحديد مجال الإباحة من حيث الجرائم التي يشملها سبب الإباحة ، كما تقسم أسباب الإباحة وفقا لمعيار الأشخاص المستفيدين منها إلى أسباب نسبية و أسباب مطلقة ، و أسباب الإباحة النسبية هي التي لا يستفيد منها إلا من تتوافر فيه صفة معينة دون غيره من الأفراد (1) ، مثل أداء الواجب ( أمر القانون ) بالنسبة للموظف العام و إذن القانون ( استعمال الحق ) بالنسبة لأشخاص معنيين ، أما أسباب الإباحة المطلقة هي التي يستفيد منها كافة الناس دون شروط خاصة و تعيين للذات مثل الدفاع الشرعي و رضا المجني عليه ، و قد تبنينا هذا التقسيم في بحثنا هذا و سنحاول التطرق في المطلب الأول للأسباب النسبية للإباحة و نتطرق في المطلب الثاني للأسباب المطلقة للإباحة .


    ________________________
    1)- د/فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 243 – 249 .
    المطلب الأول : الأسباب النسبية للإباحة
    تتمثل في أمر القانون و إذنه ، و لا تقتصر عبارة قانون على النص الصادر عن السلطة التشريعية فحسب بل تتسع لتشمل كل قاعدة تنظيمية تقرر حقا (1) .

    و يقصد بأمر القانون أو كما يعبر عنه بعض الفقه « ممارسة السلطة أو أداء الواجب »
    « إباحة الأفعال التي يقوم بها الموظفون العموميون من تنفيذ نصوص القانون و أوامر الرؤساء الإداريين واجبة الطاعة و لو كانت تشكل بحسب الأصل جرائم » (2) .
    و يكمن سبب إباحة الأفعال التي يأمر بها القانون في النص القانوني ذاته ، إذ لا يعقل أن يأمر القانون أو يرخص للموظف بتنفيذ حكم أو أمر رئيس إداري ثم يعاقبه فيما بعد لو قام به (*أ) .
    بالرجوع إلى نص المادة ( 39 قاع ) نجد أنها لم تحدد الأفعال التي تشملها الإباحة إذا ارتكبت بناءا على أمر القانون أو اذنه ، فقد جاء مدلول النص عاما و شاملا بحيث يشمل جميع الأفعال التي تعتبر جرائم لو لم يأمر بها القانون أو يأذن بها ، كما لم يحدد لمشرع الجزائري شروط و ضوابط تطبيق هذا النص (*ب) ، و نعالج في الفرع الموالي أمر القانون ثم في الفرع الثاني إذن القانون .
    الفرع الأول : أمر القانون .
    نعالج أمر القانون كسبب إباحة من خلال العناصر التالية :
    أولا : المكلف بتنفيذ أمر القانون .
    الأصل أن تنفيذ القانون و أداء الواجبات العامة مهمة ممنوحة للموظفين فهم المؤهلين
    ________________________
    1)- د/ أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، مرجع سابق ، ص 137 .
    2)- د/ سليمان عبد المنعم ، النظرية العامة لقانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 135 .
    (*أ)- لذلك يري البعض أن ممارسة السلطة كسبب إباحة تعنى تنازعا بين النصوص ، النص الذي يجرم و يعاقب
    و النص الذي يبيح و يرخص .
    (*ب)- عكس من هو في المادة 63 قاع مصري « لا جريمة إذا وقع الفعل من موظف أميري في الأحول التالية : - إذا ارتكب الفعل تنفيذا لأمر صادر إليه من رئيس وجبت عليه اطاعته أو اعتقد أنها واجبة عليه .
    - إذا حسنت نيته و ارتكب فعلا تنفيذا لما أمرت به القوانين أو ما اعتقد أن اجراءه من اختصاصه و على كل حال يجب على الموظف أن يثبت أنه لم يرتكب الفعل إلا بعد التثبت و التحري و أنه كان يعتقد مشروعيته و أن اعتقاده كان مبنيا على أسباب معقولة ». و قد ادخل هذا النص في القانون المصري عام 1904 نقلا عن القانون البلجيكي
    و الإيطالي .
    لتنفيذ القوانين و اللوائح فيوجه المشرع أمره إلى موظف معين مع كيفية تنفيذ هذا الأمر و الشروط اللازمة حتى يعتبر هذا العمل مباح قانونا ، فان خالف الموظف هذه الشروط خرج عمله من دائرة الإباحة إلى دائرة التجريم ، و تحمل المسؤولية الجزائية الناجمة عنه.
    لكن قد يلزم الشارع الأشخاص العاديين بأداء بعض الواجبات العامة (1) كإلزام الأشخاص بإبلاغ السلطات عما يعلموه من التخطيط لنشاطات من طبيعتها الإضرار بالدفاع الوطني ( المادة 91 قاع ج ) و إلزامهم بأداء الشهادة في حالة استدعاءهم أمام الجهات القضائية لأدائها ( المادة 222 قاإج ) ، و بما أن تنفيذ أمر القانون من طرف الموظف العام هو الأصل نتناوله ضمن العناصر التالية :
    1- الموظف العام الحقيقي :
    إن تحديد مفهوم الموظف العام لا ينتمي إلى القانون الجنائي بل هو من أفكار القانون الإداري و يثار التساؤل لمعرفة ما إذا كان يجب التقيد بالمفهوم الإداري للموظف العام في تطبيق أحكام المادة( 39 قاع ) ، أم هناك مفهوم ذاتي للموظف العام يختلف عن مفهومه الإداري فيما يتعلق بإباحة ما قد يصدر عنه من أفعال تشكل بحسب الأصل جريمة (*أ) ، و يعرف الفقه الإداري الموظف العام على انه « كل شخص يعهد إليه من سلطة مختصة بأداء عمل دائم في خدمة مرفق عام يدار بأسلوب الاستغلال المباشر»(2)
    و قد أشار المشرع الجزائري إلى تعريف الموظف العام في المادة الرابعة من القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية التي تنص « يعتبر موظفا كل عون عين في وظيفة عمومية دائمة و رسم في رتبة السلم الإداري » (*ب) .
    ________________________
    1)- د/ عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 80
    2) - د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرج السابق ، ص 260 .
    *أ) -إذا رجعنا إلى قانون العقوبات الجزائري نجد أن المشرع الجزائري لم يتقيد بالمفهوم الإداري للموظف في عدة مواضيع مثلا المادة 126 قاع ففي جريمة الرشوة أضفى صفة الموظف العام الحكمي عل
    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 6322
    نقاط : 17825
    تاريخ التسجيل : 28/06/2013
    العمر : 32

     أسبـاب الإبــاحةو مــوانع المسؤوليــة  Empty رد: أسبـاب الإبــاحةو مــوانع المسؤوليــة

    مُساهمة من طرف Admin الخميس يوليو 25, 2013 2:34 pm

    و من خلال ما سبق ذكره نستنتج أنه يشترط لاعتبار الشخص موظفا عاما توافر ثلاثة شروط :
    - القيام بعمل في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو يتبع أحد الأشخاص المعنوية العامة .
    - القيام بالعمل بصفة دائمة لا عرضية .
    - أن يكون التحاق الشخص بالعمل قد تم على وجه قانوني .
    لكن إذا أخذنا بالمدلول الإداري فقط للموظف العام لأدى ذلك للتضييق من مجال الإباحة و خرج من نطاقه بعض الأشخاص الذين يباشرون جزءا من اختصاصات الدولة ، لذلك يجب الأخذ بالمفهوم الجنائي الموسع للموظف العام الذي يضم بالإضافة إلى التعريف التقليدي الإداري للموظف العام الأشخاص المكلفين بخدمة عامة ، و الموظفين الفعليين
    و الإجراء الذين يرتبطون بعلاقة تعاقدية مع الدولة (1) و هذا ما سنتطرق إليه فيما يلي .
    2- الموظف العام الحكمي .
    يعد موظفا عاما في خصوص تطبيق أمر القانون كسبب إباحة كل شخص يباشر طبقا للقانون جزءا من اختصاصات الدولة و لو لم يكن موظفا عاما طبقا للمدلول الإداري للموظف العام و يشمل .
    أ‌- المكلف بخدمة عامة : « هو كل شخص يعهد إليه من سلطة مختصة بأداء عمل مؤقت و عارض لحساب الدولة ، أو لحساب احد الأشخاص المعنوية العامة » (2) . كالمجند لأداء الخدمة الوطنية .
    ب - الموظف الفعلي : هو من لم يتم التحاقه بالعمل على وجه قانوني سواء لأن قرار تعيينه لم يكن قدر صدر وقت مباشرته العمل ، فعلا ، أو لأن قرار تعينه كان مشوبا بالبطلان .
    جـ - الموظف بناءا على رابطة تعاقدية طبقا لأحكام القانون الخاص :
    هو كل شخص يؤدي للدولة عملا محددا على وجه عارض بناءا على عقد خاص مثل المحامي الذي يوكله المرفق العام للدفاع عنه في قضية معينة .
    ________________________
    1)- د/ نجيب محمود حسني ، شرح قانون العقوبات اللبناني ، المرجع السابق ، ص 228 .
    2)-د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 228 .
    إذن صفة الموظف العام حسب المفهوم الجنائي الموسع شرط لازم للاستفادة من الإباحة بأمر القانون ، فلا يباح فعل الشخص تمسكا بأمر القانون إلا إذا كان موظفا عاما
    و العبرة في تقدير توافر هذه الصفة من عدمها هو بوقت ارتكاب الجريمة فلا يستفيد من الإباحة الموظف الذي كان ارتكابه للجريمة بعد استقالته ، أو فصله ، أو بلوغه سن التقاعد و في المقابل يستفيد من الإباحة من كان مكتسبا صفة الموظف العام وقت وقوع الجريمة حتى و لو فقدها فيما بعد (1).
    ثانيا : تنفيذ العمل القانوني .
    لكي يستفيد الموظف العام من أمر القانون كسبب لإباحة فعل مجرم ارتكبه امتثالا للقانون يجب أن يكون بصدد تنفيذ عمل قانوني ، و تتحقق هذه الصورة في حالة التنفيذ المباشر للقانون أو إطاعته أمر الرئيس و نعالج هاتين الحالتين فيما يلي :
    1- التنفيذ المباشر للقانون .
    إتيان الفعل في هذه الحالة يكون مشروعا ، لكن المشروعية قد تستند مباشرة إلى القانون كأن يلزم القانون الموظف بالقيام بعمل حددت شروطه سلفا ، أي أن العمل من صميم اختصاص الموظف و لا مجال للسلطة التقديرية ، و قد تستند المشروعية إلى القانون أيضا و لكن بطريق غير مباشر ، و هنا يكون القانون قد حدد العمل و لكن لم يلزم الموظف بإتيانه بل رخص له بين القيام به أو تركه (2) .
    أ- التزام الموظف بتنفيذ أمر القانون .
    تتحقق هذه الصورة في حالة إلزام القانون الموظف بالقيام بعمل معين إذا توافرت الشروط اللازمة لاجراءه دون أن يترك للموظف سلطة تقديرية في القيام بهذا العمل
    أو الامتناع عنه لذلك يباح فعل الموظف الذي ينفذ عقوبة الإعدام في محكوم عليه حسب ما يقرره القانون و يباح فعل مأمور الضبط القضائي الذي يقبض على شخص أو يفتش مسكنه تنفيذا لأمر صادر من النيابة العامة .

    ________________________
    1)- د/ سليمان عبد المنعم ، النظرية العامة لقانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 404 .
    2)- د/ عبد الحكم فودة ، امتناع المساءلة الجنائية في ضوء الفقه و قضاء النقض ، الطبعة لا توجد ، مصر ، دار الجامعة الجديدة ، سنة 2005 ، ص 128 .

    ب-السلطة التقديرية للموظف في تنفيذ أمر القانون .
    تتجسد هذه الصورة في حالة ما إذا ترك القانون للموظف سلطة تقديرية في القيام بالعمل أو الامتناع عنه ، و لكن حتى يعد الفعل وفق هذا الافتراض مبررا فانه يتعين توافر كل الشروط التي يتطلبها القانون لمباشرة السلطة التقديرية (1) . و تتمثل هذه الشروط في :
    * وجود السلطة التقديرية : إذ أن مختلف فروع القانون تخول للموظفين سلطة تقديرية لأداء وظائفهم تحقيقا للصالح العام و على رأسها القانون الإداري كما يقرر قانون الإجراءات الجزائية سلطات تقديرية منها إجراء التحريات و القبض على المتهمين
    و حبسهم مؤقتا و تفتيش منازلهم حسب ما يقرره القانون ، فإذا استعمل الموظف السلطة التقديرية الممنوحة له وفق الضوابط المحددة قانونا كان عمله مشروعا ، و لو ثبتت براءة المتهم الذي اتخذت قبله هذه الإجراءات مما نسب إليه من أفعال بررت الالتجاء إليها (2).
    * توافر السبب المشروع : يتمثل في الواقعة أو الحالة التي يرتب عليها القانون نشأة السلطة التقديرية ، و يجب أن يكون هذا السبب مشروعا .
    و منه نقول انه إذا لم يتوافر سبب استعمال السلطة التقديرية كان عمل الموظف غير مشروع (*أ). و نفس الحكم إذا توافر هذا السبب لكنه كان غير مشروع (*ب).
    * مطابقة العمل للقانون : أي أن هذا العمل يكون من اختصاص الموظف نوعيا و محليا حسب الشروط التي يحددها القانون ، و يجب ان يكون لازما لتحقيق الغرض المقصود منه و متناسبا مع هذا الغرض ، و تطبيقا لذلك لا يباح فعل مأمور الضبط الذي يحدث جروحا بالغة لمتهم كلف بالقبض عليه إذا ثبت أنه كان من الممكن القبض عليه دون اللجوء إلى العنف أو استعمال عنف أقل جسامة .
    ________________________
    1)- د/ نظام توفيق المجالي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " مرجع سابق " ص 159 .
    2)- د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 292 .
    *أ)- كمأمور الضبط الذي يطلق الرصاص على متهم متلبس بجريمة قصد القبض عليه فيصيبه رغم أنه لم يحاول الهرب فالسبب المنشئ للقبض متوفر – حالة التلبس – لكن سبب استعمال العنف غير متوفر لان المتهم لم يحاول الهرب .
    *ب) - كمأمور الضبط الذي يقبض على متهم في حالة تلبس بجريمة و كان قد اكتشف حالة التلبس بطريقة تشكل اعتداء على حرمة مسكن كما لو نظر من ثقب باب المسكن أو اقتحمه في غير الأوقات القانونية للتفتيش .
    * حسن النية : يجب أن تكون غاية الموظف من ممارسة العمل مشروعة لان القانون خوله السلطة التقديرية لتحقيق غرض معين هو دائما المصلحة العامة ، فإذا استعمل الموظف سلطته التقديرية لتحقيق غرض خاص به لا يتصل بالصالح العام كان عمله غير مشروع (*أ) . حتى لو تحققت الشروط الأخرى ، لان هذه الشروط تعد بمثابة الحدود المادية اللازمة لمشروعية استعمال السلطة التقديرية لكنها لا تكف للإباحة إذا تخلف الحد المعنوي اللازم لمشروعية استعمال هذه السلطة (1) .
    و يفسر حسن النية بضرورة تقيد من وجه إليه أمر القانون بالمصلحة التي شرع الإجراء من أجلها ، فمثلا الحبس المؤقت شرع لمصلحة سير الدعوى في مرحلة التحقيق الابتدائي و الأصل أن يكون غرض النيابة العامة عند إصدار أمر بالحبس المؤقت هو مصلحة التحقيق و ألا يكون له غرض آخر و إلا كان سيء النية ، لكن إذا استهدف بفعله غرضا غير ما حدده القانون إلى جانب استهدافه الغرض الذي حدده القانون ففعله مبرر لان ابتغاء الغرض القانوني كاف لتبرير الفعل (2) .فالغرض المشروع في هذه الحالة يحول دون تأثير البواعث الشخصية الثانوية في صحة و مشروعية عمل الموظف من الناحية القانونية (*ب).
    بعد التطرق إلى الحالة الأولى من تنفيذ العمل القانوني نتطرق لحالة الثانية المتمثلة في إطاعة أمر الرئيس .
    2- إطاعة أمر الرئيس .
    إذا أصدر الرئيس أمره للمرؤوس فأطاعه هذا الأخير و نفذه ، فالفعل مشروع
    و يشكل سببا من أسباب الاباحة ، ذلك أن القانون يأمر المرؤوس أن يطيع أمر رئيسه ________________________
    *أ)- في القضاء الإداري يكون القرار الإداري مشوبا بعيب سوء استعمال السلطة في حالة توجه إرادة مصدر القرار للخروج عن روح القانون و غاياته و أهدافه و تسخير السلطة التي وضعها القانون بين يديه في تحقيق أغراض بعيدة عن الصالح العام .
    1)- د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 295 .
    2)- د/ محمود نجيب حسني ، شرح قانون العقبات ، اللبناني ، المرجع السابق ، ص 251 .
    *ب)-من العسير البحث في نية الموظف الذي يستعمل السلطة التقديرية تحقيق لغرض ثانوي إلى جانب الغرض الرئيسي من كان مشروعا ، لأن هذا الأخير كاف لإباحة فعله بغض النظر عن الباعث الذي دفعه إلى القيام بالعمل سواء اقترن تحقيق الغرض الرئيسي بغرض آخر غير مشروع أو لم يقترن ، فالمصلحة العامة التي خول القانون لأجلها الموظف السلطة التقديرية ، تتحقق ما دامت شروط صحة العمل قد توافرت أي كان الباعث على القيام به .
    لاستتباب النظام و تحقيق المصلحة العامة (1) .
    لكن يجب أن يكون أمر الرئيس مستوفيا لكل الشروط التي يتطلبها القانون سواء كانت شروطا شكلية أو موضوعية .
    أ- الشروط الشكلية لأمر الرئيس .
    يجب أن يكون الأمر صادرا من مختص و موجها لمختص ، أما إذا كان صادرا عن سلطة غير مختصة فان قيام الموظف بتنفيذ لا يعفيه من المسؤولية (2) ، كما يجب أن يفرغ في الشكل الذي أوجب القانون إفراغه فيه و هي الكيفية التي تطلبها القانون لاستصدار الأمر ، مثلا إذا اصدر قاضي التحقيق أمر بإحضار المتهم يجب عليه أن يصدره كتابة ، كما يجب أن يكون هذا الأمر بحوزة عون القوة العمومية و ليس له القيام بالتنفيذ دونه بحجة انه ينفذ أمر القانون مباشرة ، و لا يجوز له إحضار المتهم دونه بحجة أنه تلقى الأمر شفاهية ، كما يجب أن يذكر في كل أمر نوع التهمة و مواد القانون المطبقة و إيضاح هوية المتهم و تاريخ الأمر و توقيع القاضي الذي أصدره ، و مهره بخاتمة (*) . مما يؤكد أن مراعاة الشكل المطلوب قانونا هو أمر لازم لاعتبار أن الفعل مباح (3).
    ب- الشروط الموضوعية .
    المقصود بها تلك المقدمات التي يوجب القانون وجودها كشرط لاستصدر الأمر (4)
    مثال ذلك ما نصت عنه المادة 45/1 قاإج من ضرورة تفتيش مسكن المتهم بحضوره أو
    حضور ممثل له أو شاهدين من غير الموظفين الخاضعين لسلطة ضابط الشرطة الذي
    ________________________
    1)- د/ عبد الحكم فودة ، امتناع المساءلة الجنائية في ضوء الفقه و قضاء النقض ، المرجع السابق ، ص 28 .
    2)- د/ سمير عالية ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، الطبعة لا توجد ، مصر ، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر ، سنة 1994 ، ص 380 .
    *)- تنص المادة 109 قااع « يجوز لقاضي التحقيق حسبما تقتضي الحالة أن يصدر أمر بإحضار المتهم و بإيداعه السجن أو بإلقاء القبض عليه ، و يتعين أن يذكر في كل أمر نوع التهمة و مواد القانون المطبقة مع إيضاح هوية المتهم و يؤرخ الأمر و يوقع عليه من القاضي الذي أصدره و يمهر بختمه » .
    3)- د/ عبد الله سليمان ، شرح قانون العقوبات الجزائري " القسم العام " ، الجزء الأول ، مرجع سابق ، ص 123 .
    4)- د/ ممدوح عزمي ، دراسة عملية في أسباب الإباحة و موانع العقاب ، الطبعة لا توجد ، مصر ، دار الفكر الجامعي ، سنة 2004 ، ص 89 – 90 .

    يشرف على التفتيش ، و كذلك لا بد أن تتوافر دلائل قوية على الاتهام ليمكن الأمر بالقبض عليه و تفتيشه و تفتيش مسكنه .
    و عليه لكي يكون عمل الموظف مشروعا بناءا على الإباحة بأمر القانون يجب توافر كل الشروط الشكلية و الموضوعية التي حددها القانون ، و أن لا يتجاوز الرئيس حدود السلطة المخولة له ، و إلا قامت مسؤوليته عن هذا التجاوز و لا يعتبر عمله مبررا
    و يعاقب عليه ، كذلك إذا تجاوز المرؤوس حدود الأمر الصادر إليه من الرئيس .
    و نبحث فيما يلي حكم تنفيذ العمل غير القانوني .
    ثالثا : تنفيذ العمل غير القانوني .
    قد يرتكب الموظف غلطا أثناء أداء وظيفته معتقدا أنه يقوم بوظيفته في الحدود التي يقررها له القانون و لكن هذا العمل ، غير قانوني في حقيقته ، و ينبني الاعتقاد الخاطئ بمشروعية الأمر على أحد الاحتمالين التاليين (1) اللذين يشكلان :
    1- حالات العمل غير القانوني :
    أ‌- اعتقاد الموظف أن العمل من اختصاصه .
    في هذه الحالة يعتقد الموظف انه قام بعمل يدخل في نطاق اختصاصه ، في حين أن هذا العمل يجاوز حدود اختصاصه القانوني ، و عليه يبقى فعله غير مشروع و لا يعد مباحا لان أسباب الإباحة موضوعية لا تتوافر في حالة الغلط المتجرد من كل قيمة موضوعية .
    ب- تنفيذ الموظف لأمر غير قانوني صادر إليه من رئيسه .
    في هذه الحالة يقوم الموظف بتنفيذ أمر صادر إليه من رئيسه معتقدا أن إطاعته واجبة ثم يتضح أن هذا الأمر كان مخالفا للقانون و ما كان عليه تنفيذه و يكون أمر الرئيس غير مطابق للقانون إذا شابه احد العيوب التي تجعله غير مشروع ، و قد يكون العمل المأمور به غير جائز قانونا (2) ، كأن يتم القبض على شخص لم يرتكب جريمة
    لذلك يمكن القول أن أمر الرئيس غير كاف لإضفاء المشروعية على فعل المرؤوس
    الذي تم تنفيذا لهذا الأمر لأن القانون فوق الجميع .
    ________________________
    1)- د/ محمد على السالم عياد الحلبي ، شرح قانون العقوبات ، " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 294 .
    2)- د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 299-300 .
    و بعد التطرق لحالات العمل غير القانوني نتطرق إلى حكم تنفيذه
    2- حكم تنفيذ العمل غير القانوني .
    نفرق بصدد ذلك بين ثلاث حالات :
    - إذا كان الموظف يعلم أن العمل الذي يأتيه مخالف للقانون .
    - إذا كان الموظف يعتقد أن العمل الذي يقوم به مشروع .
    - إذا كان الموظف يعتقد أن العمل الذي يقوم به مشروع بناءا على أسباب معقولة بعد التثبت و التحري و كان حسن النية .
    و نعالج هذه الحالات كل حالة على حدى فيما لي :
    أ- إذا كان الموظف يعلم أن العمل الذي يأتيه مخالف للقانون :
    في هذه الحالة تقوم مسؤولية الموظف عن جريمة عمدية لتوافر القصد الجنائي لديه من خلال قيامه بواقعة يعلم أنها غير مشروعة ، و مثال ذلك أن يقوم مأمور الضبط القضائي بحجز المتهم مدة تزيد عن 48 ساعة دون عرضه على وكيل الجمهورية ، فيكون قد ارتكب الجناية التي نصت عليها المادة 107 قاع (*أ) .
    و بالمثل إذا كان الموظف يعلم أن الأمر الصادر من رئيسه غير مشروع ، فلا تجب عليه طاعته فإذا أطاع المرؤوس الأمر رغم علمه بمخالفة للقانون فانه يسأل عن جريمة عمدية (1) ، كان يأمر ضابط الشرطة أحد رجال الشرطة التابعين له بتعذيب المتهم حتى يعترف فان أطاعه الشرطي تقوم مسؤوليته عن جريمة التعذيب و ليس له الاحتجاج بوجوب طاعة أمر الرئيس ما دام هذا الأمر مخالف للقانون .
    ب- إذا كان الموظف يعتقد أن العمل الذي يقوم به مشروع :
    إذا اعتقد الموظف أن العمل الذي يقوم به يدخل ضمن اختصاصه الوظيفي و أنه استوفى جميع الشروط القانونية في حين الحقيقة عكس ذلك تماما ، أو اعتقد أن الأمر الصادر إليه من رئيسه صحيح فانه في هذه الحالة لا يعتبر عمله مبررا نظرا للطبيعة الموضوعية لأسباب الإباحة .
    ________________________
    *أ) - تنص المادة 107 قاع « يعاقب الموظف بالسجن المؤقت من خمس إلى عشر سنوات إذا أمر بعمل تحكمي
    أو ماس سواء بالحرية الشخصية للفرد أو بالحقوق الوطنية لمواطن أو أكثر »
    1)- د/ عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات ، " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 83
    و مع ذلك فان الاعتقاد بمشروعية العمل من شأنه نفي القصد الجنائي (*ا) ، كأن يقبض مأمور الضبط القضائي على شخص آخر غير الذي عين في أمر القبض لتشابه الأسماء فانه في هذه الحالة لا يسأل عن جريمة عمدية ، و لكن لا ينتف الخطأ غير العمدي إذا ثبت أن الموظف لم يبذل عناية الموظف العادي في التحري عن شرعية العمل الذي بقوم به .
    ج- اذا كان الموظف يعتقد أن العمل الذي يقوم به مشروع بناءا على أسباب معقولة بعد التثبت و التحري(*ب) و كان حسن النية :
    أي أن الموظف في هذه الحالة كان يجهل العيب الذي يشوب عمله ، و بذل العناية اللازمة للتحقق من مشروعيته و رغم ذلك وقع في الغلط ، فانه هنا ينتفي الخطأ العمدي و غير العمدي و تنتفي معه المسؤولية الجزائية بصورتها العمدية و غير العمدية (1) .
    الفرع الثاني : إذن القانون
    قبل أن نتطرق إلى إذن القانون كسبب إباحة نفرق بينه و بين أمر القانون
    و نقول أن أمر القانون إجباري يجب الامتثال له ، و يترتب على مخالفته قيام المسؤولية ، أما إذن القانون فيسمح للمخاطب بالقيام بالعمل أو الامتناع عنه حسب ما يراه فإذا قام بالعمل لا يعد ذلك جريمة ، و قد نص المشرع الجزائري على إذن القانون كسبب للإباحة في المادة 39/1 قاع و هي المادة نفسها التي أشار فيها إلى أمر
    ________________________
    *أ)- لان القصد الجنائي يتطلب العلم بتوافر أركان الجريمة و اتجاه إرادة الجاني نحو ارتكابها فإذا انتفى هذا العلم انتفى القصد حتما .
    *ب)- التثبت و التحري الذي يتطلبه القانون من الموظف قبل القيام بالفعل يقاس بمعيار الموظف العادي اذا وجه في ذات الظروف التي تصرف فيها الموظف المتهم ، لذلك يجب مراعاة كل الظروف التي أحاطت بالموظف عند قيامه بعمل لا يدخل في اختصاصه أو تنفيذه أمر معيب صدر من رئيسه ، فإذا قدر القاضي كفاية و معقولية الأسباب التي دفعت الموظف الى الاعتقاد مشروعية العمل ، انتفت مسؤولية الموظف ، أما اذا أثبت أم الموظف لم تثبت و يتحرى عن مشروعية العمل بالقدر الذي كانت تسمح به ظروف الحال و أن اعتقاده بمشروعية العمل لم يكن بناءا على أسباب معقولة تحققت مسؤولية الموظف عن فعله .
    1)- د/ عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات ' القسم العام " ، المرجع السابق ، ص84 .


    القانون كسبب إباحة ، فما العلة من اعتبار إذن القانون سببا للإباحة ؟
    أولا : أساس الإباحة بإذن القانون .
    الإباحة بإذن القانون أو استعمالا للحق كما يعبر عنها بعض الفقه و التشريعات هي الحالات التي تنتفي فيها عدم مشروعية الفعل ، لأنه ارتكب استعمالا لحق قرره القانون لصاحبه ، و عبارة القانون تأخذ مدلولا أوسع ، حيث يتفق القضاء الفرنسي
    و المصري على أنها لا تقتصر على القانون في حد ذاته بل تتعداه لتشمل العرف و هذا يتفق مع واقعنا في الجزائر رغم عدم العثور على أحكام قضائية في هذا الشأن (1)
    تجد الإباحة بإذن القانون أساسها في وجوب تحقيق التناسق بين أحكام القانون لأن قيمة الحق تتجسد في استعماله للحصول على مزاياه أو تحقيق الغاية منه و إذا كان الاستعمال المشروع للحق يؤدي إلى ارتكاب بعض الأفعال فانه من غير المنطقي تجريم هذه الأفعال ، لان ذلك يعني أن القانون يقرر حقا ثم يعاقب صاحبه إذا استعمله استعمالا مشروعا ، و من أجل ذلك كان تحقيق التناسق بين أحكام القانون و تنزيه المشرع عن التناقض مقتضيا إباحة كل فعل يستهدف منه صاحب الحق الاستعمال المشروع لحقه (2).
    و استعمال الحق كسبب للإباحة يتطلب توافر شروط معينة كما أن له تطبيقات خاصة بالنظر إلى جرائم معينة ، لذلك نتعرض للشروط العامة للإباحة بإذن القانون ثم ندرس أهم تطبيقات إذن القانون .
    ثانيا : الشروط العامة للإباحة بإذن القانون
    يتعين لقيام إذن القانون كسبب للإباحة توافر الشروط التالية :
    1- وجود حق مقررا قانونا .
    يفترض استعمال الحق كسبب من أسباب الإباحة أن يثبت ابتداء هذا الحق لصاحبه
    فلابد إذن من حق (3) . و الحق هو كل مصلحة يعترف بها القانون و يحميها سواء كانت مادية أو معنوية ، و يجب أن يكون هذا الحق مؤكدا لصاحبه فان كان متنازعا عليه فلا يجوز لمن يدعيه أن يقرره ، لأن القانون لا يجيز لأي شخص إقامة العدالة لنفسه و إنما اللجوء إلى القضاء لاستفاء حقه .
    ________________________
    1)- د/ أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، مرجع سابق ، ص - 137 .
    2)- د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " المرجع السابق ، ص 250 .
    3)- د/ محمود محمود مصطفى ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 172 .
    و عليه يعتبر سارقا الدائن الذي يختلس مالا مملوكا للمدين وفاء لدينه ، فاستفاء دينه له طرق و إجراءات قانونية منصوص عليها (1) .
    و قد يكون مصدر الحق الدستور كحق أعضاء المجلس التشريعي في التعبير عن آراءهم ، و قد يكون مصدر الحق قانون الإجراءات الجزائية كحق الدفاع أمام المحاكم الذي يجيز إسناد الشخص لخصمه في دفاعه أمورا قد تعتبر مكونة لجرائم القذف أو السب أو إفشاء الأسرار و قد يكون مصدره القانون التجاري الذي يجيز أن يأمر الساحب المسحوب عليه بعدم دفع قيمة السفتجة التي أصدرها الصالح المستفيد في حالة ضياعها و قد يكون مصدره الشريعة الإسلامية كحق الزوج في تأديب زوجته و الوالد في تأديب ولده .
    ولا يقتصر النص القانوني كمصدر للإباحة على النصوص الصادرة عن السلطة التشريعية بل يشمل أيضا كل قاعدة تنظيمية متى كانت صادرة ممن يملك إصدارها قانونا و أن تنطوي على خاصية العمومية سواء تمثلت في أمر جمهوري أو قرار وزاري (2).
    و قد يكون العرف مصدرا للإباحة إذا استوفي كل العناصر التي تجعل منه مصدرا للقاعدة القانونية (3) .
    2- ارتكاب الفعل استعمالا للحق المقرر .
    يجب أن يكون الفعل المرتكب هو الوسيلة الوحيدة لاستعمال الحق (4)، و حتى يكون هذا الاستعمال مشروعا يجب أن يكون في إطار الحق ذاته دون تجاوزه و أن لا يتعسف صاحبه في استعماله ، فالقانون يجيز لصاحب الحق أفعالا معينة يأتيها استعمالا لحقه و يحدد مجال الاباحة بهذه الأفعال دون غيرها فإذا ارتكب صاحب الحق أفعالا غير التي أجازها له القانون أو أشد جسامة كان فعله غير مشروع و ينطبق نفس الحكم اذا كان القانون يحظر على صاحب الحق استعمال وسيلة معينة لاستفاء حقه لكنه يستعملها مثال ذلك الدائن الذي يستوفي حقه من مدينه بالعنف و استعمال القوة دون اللجوء إلى القضاء .
    ________________________
    1)- محمد زكي أبو عامر ، القسم العام من قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص: 195 .
    2)- د/ محمود محمود مصطفى ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 173 .
    3)- د/ سليمان عبد المنعم ، النظرية العامة لقانون العقوبات ، المرجع السابق ، 380 .
    4)- د- عبد الحكم فودة ، أسباب امتناع المسؤولية الجنائية في ضوء الفقه و قضاء النقض المرجع سابق ، ص 99
    ارتكاب الفعل في الحدود المقررة للحق .
    لكي يتوافر هذا الشرط يجب الالتزام بحدود الحق (*) ، و هذه الحدود قد تكون شخصية أي متعلقة بالشخص الذي يستعمل الحق ، و قد تتعلق بجسامة الفعل الذي يتعين إتيانه و نوضح ذلك كالآتي :
    - يجب أن يمارس الحق من الشخص الذي خوله القانون مباشرته و لا يجوز لغيره استعماله ، فالحق في تأديب الزوجة لا يثبت إلا للزوج وحده دون سواه فان استعمله غير الزوج مهما كانت قرابته للزوجة فان ما يتمخض عنه من فعل الضرب يكون مكونا جريمة (1) . لكن إذا أجاز القانون لصاحب الحق أن يفوضه إلى غيره فلا مانع في ذلك فمثلا الوكيل له أن ينسب إلى الخصم وقائعا تعد قذفا أو ذما عند ممارسة الحق في الدفاع أمام المحاكم باسم موكله .
    - يجب أن يكون ارتكاب الجريمة ضروريا لاستعمال الحق بان يكون الفعل المرتكب لازما و ضروريا ، و إلا كان استعمال الحق بإذن القانون غير مبرر فحق الدفاع أمام المحاكم لا يبيح جرائم القذف و السب إلا بالقدر الضروري اللازم لممارسة حق الشخص في الدفاع .
    - يجب أن يكون استعمال الحق في إطار المصالح المشروعة ، فلا يجوز استعماله لتحقيق مصلحة مخالفة للنظام العام و الآداب و العامة ، فالحق في مزاولة العمل الطبي لا يعف الطبيب من المسؤولية الجزائية إذا ثبتت أن ما أرتكبه من فعل يشكل جريمة لم يكن لازما لأداء العمل الطبي كأن يقوم بإجهاض امرأة دون مبرر صحي شرعي .
    4- استعمال الحق بحسن نية .
    يعني ذلك التقيد بالغرض الذي من أجله تقرر الحق ، أما إذا سعى الشخص إلى
    ________________________
    *)- نستخلص الحدود العامة للحق من نص المادة 124 مكرر قام المستحدثة بالأمر 05-10 المؤرخ في 2005
    و التي تنص على : « يشكل الاستعمال التعسفي للحق خطأ لا سيما في الحالات التالية :
    - إذا وقع بقصد الإضرار بالغير ، - إذا كان يرمي للحصول على فائدة قليلة بالنسبة للضرر الناشئ للغير
    - إذا كان الغرض منه الحصول على فائدة غير مشروعة » .
    1)- د/ محمود نجيب حسني ، شرح قانون العقوبات اللبناني ، المرجع السابق ، ص 165 .


    تحقيق غرض آخر انتفت لديه حسن النية (1) ، فحق التأديب مثلا غايته الإصلاح فان استعمله الزوج لمجرد إهانة زوجته لم يعد فعله مبررا استنادا لإذن القانون ، و الغرض من إجراء العمليات الجراحية هو العلاج فان كان قصد الطبيب من وراء إجراءها تحقيق شهرة علمية أو إجراء تجربة يسأل عن جريمة عمدية سواء بوصف القتل العم أو الجرح العمد بحسب النتيجة .
    بعد دراسة الشروط العامة للإباحة بإذن القانون نتطرق لتطبيقات إذن القانون فيما يلي:
    ثالثا : تطبيقات إذن القانون .
    تأذن القوانين بممارسة حقوق متعددة و متباينة ، فمن غير الممكن حصر كل حالات الإباحة بإذن القانون ، لذلك نتعرض إلى أهم التطبيقات التي يكثر وقوعها و تثير بعض جوانبها الجدل ، و هي حق التأديب ، حق مباشرة الأعمال الطبية ، حق ممارسة الألعاب الرياضية ، و نعالج كل حالة على حدى فيما يلي :
    1- حق التأديب .
    يكاد حق التأديب أن يكون محض تطبيق الشروط العامة التي سبق إيضاحها (2).
    و نشير إلى أنه لا يوجد نص في قانون العقوبات الجزائري يسمح لشخص بحق تأديب آخر و إنما هذا الحق يجد مصدره في أحكام الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الاحتياطي الأول من مصادر القانون (*) ، لذلك تعد الشريعة الإسلامية بالنسبة لهذا الحق مصدرا مباشرا له (3) ، و يساهم العرف أحيانا في تقرير هذا الحق (4) ، حيث يجوز للمعلم أن يضرب التلاميذ الصغار ضربا خفيفا بغرض التأديب .
    ________________________
    1)- د/ محمد أحمد المشهداني ، الوسيط في شرح قانون العقوبات ، الطبعة الأولى ، الأردن ، مؤسسة الوراق 2003 ، ص 200 .
    2)- د/ محمد زكي أبو عامر ، القسم العام من قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 203 .
    *)- تنص المادة الأولى من القانون المدني الجزائري « يسري القانون على جميع المسائل التي تتناولها نصوصه في لفضها أو في فحواها . و إذا لم يوجد نص تشريعي ، حكم القاضي بمقتضي مبادئ الشريعة الإسلامية ، فإذا لم يوجد فبمقتضى العرف ، فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي و قواعد العدالة »
    3)- د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 265 .
    4)- د/ سمير عالية ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 350 .


    كما يجوز لملقن الحرفة ضرب من يتعلم على يديه الحرفة ضربا خفيفا بغرض التأديب
    و حق التأديب يبرره المحافظة على كيان الأسرة و تقويم الصغار و تربيتهم لذلك فالتأديب الذي تقرره الشريعة الإسلامية لا يكون إلا للزوج على زوجته و للولي على الصغير الذي تحت ولايته .
    ا- تأديب الزوجة .
    حق مقرر للزوج بموجب الشريعة الإسلامية لقوله تعالى :« و اللائي تخافون نشوزهن فعظوهن و اهجروهن في المضاجع و اضربوهن فان أطعنكم فلا تبتغوا عليهن سبيلا » (*أ) .
    و ينشا هذا الحق بعقد الزواج الصحيح و إذا انقضت الرابطة الزوجية انقضى هذا الحق معها ، و يشترط لاستعماله أربعة شروط مجتمعة و نلخصها في العناصر التالية :
    * الصفة : يثبت هذا الحق للزوج فقط و لا يجوز أن يستعمله غيره من أهله أو أهلها
    و هذا الحق لا تجوز فيه الإنابة ، و إذا حدثت عوقب المعتدي على الزوجة كفاعل
    و عوقب الزوج كشريك (1) .
    * السبب : أي وقوع ما يوجب التأديب و قد حددته الآية الكريمة بأنه نشوز الزوجة الذي يعني خروجها عن طاعة زوجها و قيامها بمعصيته شرط أن لا تكون من تلك المعاصي
    التي حدد لها الشارع جزاءا ، و أن لا يكون أمر هذه المعصية قد رفع إلى السلطات العامة (2).
    * وسيلة التأديب : حصرت الآية الكريمة وسائل التأديب التي يحق للزوج استعمالها في الوعظ ، و الهجر في المضجع، ثم الضرب ، فلا يجوز للزوج أن يتجاوز الوسيلة الأولى ، مثلا و يلجأ إلى الثانية أو الثالثة إلا إذا رأى أن الوسيلة الأولى لم تجد نفعا في مواجهة
    نشوز الزوجة .
    * غــاية التأديب : يجب أن يتقيد الزوج بالغاية التي شرع لأجلها حق التأديب و هي تهذيب الزوجة و مواجهة نشوزها ، أما إذا كان بقصد الانتقام أو الاهانة ، فان الزوج لا
    ________________________
    *أ)- سورة النساء ، آية 34 .
    1)- د/ ممدوح عزمي ، دراسة عملية في أسباب الإباحة و موانع العقاب ، المرجع السابق ، ص 73 .
    2)- د/ علي عبد القادر القهوجي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، الطبعة لا توجد ، مصر ، دار المطبوعات الجامعية ، سنة 1997 ، ص 350 .
    يتمتع بالرخصة المقررة قانونا و يسال عن الفعل الذي أتاه لان الضرب شرع للتأديب باعتباره يحمي كيان الأسرة ، و الضرورة تقدر بقدرها دون إفراط و إذا تجاوز الزوج الغاية التي شرع لأجلها الضرب كان سيء النية و سقط حقه في التمسك بإذن القانون كسبب لإباحة فعله .
    ب- تأديب الصغار .
    يقابل حق التأديب الالتزام بالرقابة (1) ، فلا يعقل أن تكون هناك رقابة تحقق أهدافها في تربية الولد و تهذيبه دون أن يلازمها حق التأديب لمن يتولاه ، ويقصد بالولد في مجال التأديب « كل من بقي في كنف القائم على تربيته حتى بلغ سن الرشد أو أن ينفصل الولد في عيشة مستقلة » (2) وحق تأديب الصغار مقيد بشروط أو ضوابط هي كالتالي :
    * الصفـة : هذا الحق مقرر للأب، و الأم، و الولي الشرعي ، و الوصي ، كما هو مقرر أيضا لصالح معلم المدرسة و رب الحرفة (3) .
    و قد ثار خلاف في الفقه حول حق المخدوم في تأديب خادمه فاعترف بعض الفقه للمخدوم بهذا الحق لان العرف يخوله ذلك ، بينما أنكره عليه جانب آخر من الفقه حتى لو كان بإذن والد الخادم ، و هو رأي بعض فقهاء الشريعة الإسلامية .
    و حجتهم في ذلك أن حق التأديب مصدره الشريعة الإسلامية باعتباره يتعلق بالولاية على النفس و لا ولاية للمخدوم على خادمه ، و من ثم الشريعة الإسلامية لا تقرر هذا الحق للمخدوم (1) .
    * السبب : يكمن سبب تأديب الصغار في انحرافهم عن فعل يجب عليهم الامتناع عنه أو امتناعهم عن فعل يجب عليهم القيام به ، و من ثم يجوز معاقبة الصغير إذا تسول
    أو سوق أو لم يراجع دروسه أو خالف تعاليم دينه .
    * الوسيلة : حق التأديب الذي تقرره الشريعة الإسلامية يسمح بالضرب البسيط غير المؤذي ، الذي لا يحدث كسرا ، أو جرحا ، ولا يترك أثرا كأثر الكدمات و لا ينشأ عنه مرض .
    ________________________
    1)- د/ كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 188 .
    2)- د/ نظام توفيق المجالي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 147 .
    3)- د/ عبد الحكم فودة ، امتناع المساءلة الجنائية في ضوء الفقه و قضاء النقض ، مرجع سابق ، ص 101 .
    4)- د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 269 .
    و عليه يجب أن يلتزم صاحب الحق في التأديب حدود التأديب و إلا قامت مسؤوليته عن جريمة الضرب ، و يقصد بذلك أن لا تتجاوز أفعال التأديب مداها
    و لهذه الأفعال حدان هما المشروعية و الملائمة .
    و يراد بالمشروعية أن يكون الفعل مباحا في ذاته بأن يكون وسيلة مقبولة للتأديب فلا يتصور أن يتم بتر عضو من أعضاء الصغير ، أو حرمانه من الأكل كوسيلة للتأديب لان المصلحة التي تهدرها هذه الوسائل ، أولى من المصلحة التي يرجى من التأديب تحقيقها ، أما الملائمة فيقصد بها التناسب بين وسيلة التأديب و الغاية المرجوة منه
    و للقائم بالتأديب أن يختار من بين الوسائل المشروعة ما يراه أكثر ملائمة (1) .
    * غاية التأديب : تقرر حق التأديب لتهذيب الصغير أو تعليمه ، فلا يثبت هذا الحق إلا إذا استهدف هذه الغاية ، و في حالة تجاوز هذه الغاية إلى غاية أخرى كان الضرب غير مشروع و تحققت المسؤولية الجزائية عنه ، و من أمثلة ذلك أن يضرب الأب ابنه لحمله على التسول ، أو السرقة أو أن يضرب المعلم تلميذه لحمله على أخذ دروس خصوصية عنده .
    بعد التطرق إلى حق التأديب نتطرق فيما يلي إلى ممارسة الأعمال الطبية كثاني تطبيق من تطبيقات الإباحة بإذن القانون
    2- حق مباشرة الأعمال الطبية .
    إن كل مساس مقصود بجسم شخص يشكل اعتداء على حقه في سلامته الجسدية
    و الصحية ، غير أن العمليات الجراحية و المعالجة الطبية التي يجريها الأطباء على مرضاهم تخرج من نطاق التجريم ، ذلك أن القانون من خلال اعترافه بمهنة الطب
    و تحديد شروط ممارستها يرخص للطبيب حين يسمح له بمزاولة مهنته أن يفعل كل الأفعال التي تبدوا في ظاهرها جريمة و لكنها تباح لان الغرض منها شفاء المريض و إن كانت تمس بالجسم مساسا ماديا ، لكن هذا المساس في اغلب الأحيان يهدف إلى صيانة مصلحة الجسم في أن يسير سيرا طبيعيا في أداءه لوظائفه .
    و نتطرق إلى حق مباشرة الأعمال الطبية من خلال تعريف الأعمال الطبية و شروط إباحتها .
    ________________________
    1)- د/ ممدوح عزمي ، دراسة عملية في أسباب الإباحة و موانع العقاب ، المرجع السابق ، ص 71-72
    أ- تعريف الأعمال الطبية .
    تعرف الأعمال الطبية على أنها « كل نشاط يتفق في ماهيته ، و طبيعته و كيفيته
    و ظروفه مع القواعد و التعليمات المقررة في العلم الذي يهدف إلى الحفاظ على سلامة الإنسان و صحته و حواسه ، ووظائفها ، فهو ممارسة و تطبيق لتلك القواعد على شخص أو أشخاص معينين » (1) .
    و عليه لا يعتبر الطبيب مرتكبا لجريمة الجرح إذا أجرى عملية جراحية للمريض
    أو استأصل عضوا من المريض متى التزم و بحسن نية الأصول الطبية في هذا الخصوص كما أن حق ممارسة الأعمال الطبية يبيح للطبيب حيازة المواد المخدرة التي يتطلبها عمله الطبي و التي تشكل في الأصل جريمة يعاقب عليها القانون ، و تعتبر الأعمال الطبية مباحة و غير مرتبة لأي مسؤولية جزائية أو مدنية أو تأديبية اذا توافرت شروط معينة نتعرض لها فيما يلي :
    ب- شروط إباحة الأعمال الطبية .
    يشترط لإباحة الأعمال الطبية توافر الشروط التالية :
    * الترخيص القانوني بمزاولة المهنة : إن الترخيص بالعلاج للطبيب من الشروط اللازمة لممارسة مهنة الطب ، لأنه بذلك يكون مسؤولا عن العمل الذي يقوم به بالإضافة إلى أنه يكون على درجة علمية معينة تؤهله لذلك وفق الشروط التي تحددها القوانين الخاصة بمزاولة المهن الطبية (2).
    و قد نص المشرع الجزائري على هذا الشرط في المادة 197 من قانون الصحة (*) .
    إما المساس بسلامة الجسم من قبل شخص غير مرخص له بذلك و يقوم بمزاولة المهن الطبية ، فانه يسأل عن كل عمل يحدثه للمريض من جروح أو كي بالنار ، أو غير ذلك
    على أساس العمد (3). و قد اشترط القانون ضرورة الحصول على ترخيص لمزاولة مهنة
    ________________________
    1)-د/ فريد الزغبي ، المسؤولية الجزائية ، مرجع سابق ، ص 121 .
    2)-د/ محمد على السالم عياد الحلبي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 171 .
    *)- نص المادة 197 من قانون الصحة الصادر بالأمر رقم 85-05 و المعدل بالأمر رقم 90-07
    « تتوقف ممارسة مهنة الطبيب و الصيدلي و جراح الأسنان على رخصة يسلمها الوزير المكلف بالصحة » .
    3)- د/ محمود محمود مصطفى ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 171 .

    الطب بغرض تنظيم هذه المهنة ، و حماية الصحة العامة و عدم اللجوء إلى العلاجات الوهمية و الخرافات .
    * رضا المريض بالعلاج : يعتبر ذلك شرطا لازما لاعتبار العمل الطبي فعلا مبررا
    و هذا شرط طبيعي يقتضيه ما لجسم الإنسان من حرمة تمنع المساس به دون رضا صاحبه ، و قد يكون الرضا صادر من المريض نفسه أو ممن يمثله قانونا و قد يكون صريحا أو ضمنيا (1) ، و قد نص المشرع الجزائري على هذا الشرط في المادة 154/1 من قانون الصحة (*أ) . و إذا رفض المريض تدخل الطبيب لا يجوز للطبيب أن يقوم بأي عمل من الأعمال الطبية و إلا تقررت مسؤوليته عن تلك الأعمال ، و مع ذلك تدخل الطبيب في حالة الضرورة الماسة حين تكون حياة المريض في خطر ، و لا يمكن أخذ رأيه و لا يوجد من يمثله لكي يرضى بدلا منه ، في هذه الحالة لا يكون تدخل الطبيب مباحا بسبب تخلف
    رضاء المريض أو من يمثله ، و لكن الطبيب لا يسأل في هذه الحالة من توافرت شروط الضرورة قانونا ، و يجوز كذلك أن يتدخل الطبيب دون رضا المريض و يكون عمله مباحا بناءا على سبب آخر غير استعمال الحق « إذن القانون » هو تنفيذ أمر القانون كما يحدث في حالات الأوبئة (2).
    * توافر قصد العلاج : يجب ان يكون القصد من التدخل الطبي علاجيا ، و قد نص المشرع الجزائري على ذلك في المادة 07 من قانون الصحة ، و يشمل قصد العلاج القضاء على المرض أو التخفيف من الآلام الناشئة عنه ، أو الوقاية من المرض
    و توافر قصد العلاج عند الطبيب هو الذي يحقق حسن نيته (3).
    و إذا كان قصد الطبيب غرضا آخر غير علاج المريض كان مسؤولا عنه حتى لو تم برضا المريض ، كأن يحقنه بحقنة قاتلة لتخليصه من ألام مرض يستحيل شفاءه ، كذلك لا يكون فعل الطبيب مبررا ، و تقوم مسؤوليته إذا كانت الأعمال التي يباشرها لمجرد
    ________________________
    1)- د/ محمد زكي أبو عامر ، القسم العام من قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 206 .
    *أ)- تنص المادة 154/1 من قانون الصحة « يقدم العلاج الطبي بموافقة المريض أو من يخولهم القانون إعطاء موافقتهم على ذلك » .
    2)- د/ علي عبد القادر القهوجي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 249 .
    3)- د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " المرجع السابق . ص275 .
    إجراء تجربة علمية ، لم يقصد بها علاج المريض و إنما تحقيق شهرة أو اكتشاف جديد
    * مراعاة الأصول العلمية للمهنة : على الطبيب أن يراعي في مباشرة مهنته القواعد
    و الأصول العلمية المعروفة من أهل الاختصاص (1) . و إذا تعمد الطبيب الخروج على أصول المهنة التي يقضي بها علم الطب و الخبرة الفنية اعتبر فعله غير مشروع و قامت مسؤوليته عن جريمة عمدية ، أما إذا كان خروجه عنها من قبيل الخطأ اعتبر مسؤولا بوصف الخطأ . غير أنه إذا راعى الطبيب الأصول العلمية لمهنة الطب و بذل كل ما في وسعه لشفاء المريض لكنه رغم ذلك اشتد مرضه لا يكون الطبيب مسؤولا عن زيادة مرضه لان الطبيب مكلف ببذل عناية لا تحقيق نتيجة .
    و مراعاة الأصول العلمية للمهنة لا يعنى أنه يجب على الطبيب أن يطبقها بالضبط كما يطبقها غيره من الأطباء ، فمن حق الطبيب أن يكون له قدر من الاستقلال في التقدير سيما و أن الطب علم غير مكتمل (2).
    و بعد دراسة مباشرة الأعمال الطبية كتطبيق للإباحة بإذن القانون نتطرق إلى آخر تطبيق شائع للإباحة بإذن القانون و هو ممارسة الألعاب الرياضية .
    3- حق ممارسة الألعاب الرياضية .
    لقد درج الناس منذ القدم على ممارسة الألعاب الرياضية لما تحققه من مصلحة للفرد و المجتمع ، و لعل ذلك هو العلة في تبرير هذه الأفعال رغم ما قد يترتب عليها من عنف و إيذاء ، و نتطرق إلى ممارسة الألعاب الرياضية كتطبيق من تطبيقات الإباحة بإذن القانون وفق العناصر التالية :
    أ- تعريف الألعاب الرياضية .
    يقصد بها « مجموعة الألعاب و التمارين البدنية التي يمارسها بعض الأفراد بروح المنافسة من اجل تنمية أجسامهم أو من اجل التسلية خاضعين في ذلك لقواعد محددة في مباشرتها » (3).و الألعــاب الرياضية نوعان :
    * نـوع عادي : لا يحتاج إلى العنف و القوة بين اللاعبين كالجري ، القفز ، السباحة
    ________________________
    1)- د/ سمير عالية ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، مرجع سابق ، ص 352 - 354 .
    2)- د/ كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة قانون العقوبات ، مرجع سابق ، ص 199 .
    3)- د/ محمود نجيب حسني ، شرح قانون العقوبات اللبناني ، مرجع سابق ، ص 200 .
    كرة القدم ، كرة السلة ، فإذا أحدث أحد اللاعبين لأخر إصابة عن عمد كان مسئولا عن جريمة عمدية ، أما إذا أصابه عن إهمال كان مسئولا عن جريمة غير عمدية ، و إذا انتفى العمد و الإهمال فلا مسؤولية على اللاعبين كأن يقفز لاعبان في الهواء لتلقي الكرة فيرتطمان يبعضهما فتحدث إصابتهما أو إصابة أحدهما (1) .
    * نـوع عنيف : تفترض مما سنه استعمال القوة و العنف ، كالمصارعة و الملاكمة بحيث يشكل هذا النوع من الألعاب اعتداءا على سلامة الجسم بالضرب ، و قد يؤدي حتى إلى الإصابة بجروح ، و لكن اذا حدث ذلك في الحدود المقررة للعبة كان الفعل مباحا استنادا إلى الحق في ممارسة الألعاب الرياضية ، و لكي تكون ممارسة الألعاب الرياضية فعلا مبررا لابد من توافر الشروط التالية :
    ب- شروط إباحة الألعاب الرياضية .
    * يجب أن تكون اللعبة من الألعاب المعترف بها في العرف الرياضي :
    أي أن تكون لعبة من الألعاب المتعارف عليها في أوساط اللاعبين سواء كانت شائعة بصورة عامة أو خاصة ، إذ يستوي في نظر القانون أن تكون مما يمارس في جهة أو جهات معينة ، المهم أن تكون اللعبة مقيدة دائما بضوابط و أحكام يلزم إتباعها من قبل اللاعبين ، ولا يلزم بعد ذلك أن يكون لها جمعيات أو اتحادات رياضية تنظمها
    و تشجع عليها .
    * يجب أن يكون صدور أفعال العنف أثناء مباراة رياضية منظمة قانونا :
    يجب أن تكون أفعال العنف قد ارتكبت أثناء المباراة الرياضية ، و في الوقت المحدد لممارستها سواء في مباراة نظامية أو مجرد تمرينات للاستعداد للعبة أما إذا وقعت أفعال العنف قبل بدء المباراة أو بعد انتهاءها فإنها لا تكون مبررة و يتفرع عن هذا الشرط ضرورة رضا اللاعب بالاشتراك في المباراة (2). فإذا أكره الخصم على اللعب ، أو حصل العنف بعد تخلي الخصم عن اللعب كان الفعل غير مبرر .
    * يجب مراعاة اللاعبين قواعد و أصول الألعاب المتعارف عليها :
    يجب أن يراعي اللاعب قواعد اللعبة و أصولها و أن يكون حسن النية بان يتجه
    ________________________
    1)- د/ عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 78 .
    2)-د/ محمود نجيب حسني ، شرح قانون العقوبات اللبناني ، المرجع السابق ، ص 134.
    قصده إلى الاشتراك في اللعبة لهدف رياضي ، و ليس قصد التستر وراء اللعبة لشفاء ضغائن أو أحقاد ، أو إبعاد الخصم عن الرياضة (1) .
    و إذا تعمد اللاعب الخروج عن قواعد اللعبة و أصولها و أحدث إصابة للاعب آخر أثناء اللعبة اعتبر مسئولا عن جريمة عمدية ، أما إذا ترتبت الإصابة نتيجة إهمال اللاعب اعتبر مسئولا عنها بوصفها جريمة غير مقصودة بمقتضى القواعد العامة (2) أما إذا حصل العنف في لعبة احترم فيها اللاعب قواعد اللعبة ، فلا يتحمل اللاعب تبعة هذا العنف.
    و تجدر الإشارة أن المشرع الجزائري لم ينص على أعمال العنف الواقعة بسبب ممارسة الألعاب الرياضية في قانون العقوبات بل جاء النص عاما و شاملا لكل أفعال الضرب و الجرح ، و نجد أن الدولة تشجع على ممارسة مختلف الرياضيات و دعمها ماديا و معنويا ، و عليه إذا حدثت أفعال العنف أثناء مباراة رياضية ضمن قواعد اللعبة كانت هذه الأفعال مباحة ، أما في حالة تجاوز القواعد المحددة للعبة قامت مسؤولية اللاعب عن أفعال العنف التي قام بها .
    .

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 7:37 pm