[size=18]
مقدمــة
الإنسان كائن اجتماعي لا يمكنه أن يعيش بمعزل عن أقرانه ، فهو عاجز عن الوفاء بمختلف حاجاته بمفرده ، فلا غنى له عن الحياة في بيئة اجتماعية يتأثر بها و يؤثر فيها من خلال التصرفات و السلوكات الصادرة عنه التي قد تكون نافعة و قد تكون ضارة نتيجة غريزة الأنانية و حب البقاء و التملك ، و تتمثل هذه الأفعال الضارة في الجرائم بمختلف صورها و درجاتها ، و من خلال الجريمة و رد الفعل عليها تكونت النواة الأولى لقانون العقوبات الذي جاء لحماية حقوق الأفراد و حرياتهم .
و تظهر الجريمة ككيان مادي يشمل السلوك الإجرامي الذي يقوم به الفاعل
و النتيجة الإجرامية الناتجة عن هذا السلوك و العلاقة السببية الرابطة بينهما ، و يعد هذا الفعل مجرما إذا ورد بتجريمه نص في قانون العقوبات أو القوانين المكملة له ، إلا انه في بعض الحالات قد يعتبر الفعل جريمة طبقا لنص قانوني لكن هذا النص لا يطبق عليه لوجود أسباب تعطل تطبيقه هي أسباب الإباحة و تتمثل في ، أمر و إذن القانون
و الدفاع الشرعي ، و رضا المجني عليه كسبب إباحة اقره القانون المقارن ، لان هذه الأسباب تعتبر الجانب السلبي في ركن المشروعية الذي ينبغي نفيه لتحقق صفة اللامشروعية في الفعل المرتكب ، كما أنها تفترض أن الفعل توافرت فيه كافة الأركان اللازمة لقيام الجريمة و المبينة في نص التجريم ثم ينحصر دورها في إخراج هذا الفعل من نطاق التجريم الى الإباحة .
و تقتضي الجريمة إضافة إلى وجود سلوك مادي يجرمه القانون وجود صلة نفسية بين هذا السلوك و الفاعل بأن يكون مدركا و حرا في اختياره ، فهي ليست كيانا ماديا خالصا بل كذلك كيان نفسي ، باعتبارها تصدر عن شخص يعده القانون مسئولا عنها متى توافرت لديه الأهلية الجزائية التي تجعله قادرا على التمييز بين الفعل المجرم و غير المجرم ، و تعطيه الاختيار بين إتيان الفعل أو الامتناع عنه.
فالمسؤولية الجزائية تثبت إذا اجتمع شرطان هما التمييز و حرية الاختيار ، فإذا انتفى أي من هذين الشرطين ترتب على ذلك امتناع المسؤولية الجزائية ، و منه جاءت تسمية الأسباب التي تنفي التمييز و حرية الاختيار بموانع المسؤولية ، و تتمثل في صغر السن ، و الجنون ، و السكر ، و حالة الضرورة ، و الإكراه .
و عليه إذا اقترن الفعل المجرم بسبب مبيح انتفت عنه صفة التجريم و إذا فقد مرتكبه التمييز و حرية الاختيار انتفت مسؤوليته الجزائية و من هنا تظهر أهمية هذا الموضوع .
علاوة على أن القواعد التي تقرر سببا للإباحة أو لامتناع المسؤولية تعتبر جزءا مكملا لقواعد التجريم فالقتل مثلا جريمة طبقا لنصوص التجريم إلا إذا ارتكب في حالة من حالات الإباحة ، و يعاقب المجرم على جريمته إلا إذا قام مانع من موانع المسؤولية فهذه القواعد دورها الحد من نطاق فاعلية نصوص التجريم فهي ترسم حدود قاعدة التجريم .
كما أنه بإقرار هذه القواعد تتحقق العدالة من خلال الاهتمام بشخصية الفاعل حين توقيع العقوبة ، فتوقيع عقوبة واحدة على فاعلين يختلف كل منهم في الدوافع ، والظروف التي قامت فيها الجريمة يتنافى و القيم الإنسانية فمن ارتكب جريمة سرقة لإحضار دواء لابنه المريض ليس كالذي يسرق لشراء الخمر ، و من يرتكب جريمة بسبق الإصرار
و الترصد ليس كمن ارتكبها فاقدا وعيه .
و يمكن من خلال أسباب الإباحة و موانع المسؤولية أيضا تحديد القانون الجديد الأصلح للمتهم ، لأنه قد يكون كذلك إذا كان النص الجديد يقرر سبب إباحة للفعل أو مانعا للمسؤولية لم يكن منصوصا عليه في النص القديم و بالتالي يستفيد منه المتهم .
كما يظهر أثر هذا الموضوع في ضبط أحكام المساهمة الجزائية .
و نظرا لهذه الأهمية التي يكتسبها هذا الموضوع نحاول التطرق إليه بشيء من التفصيل من خلال الإجابة على الإشكاليات التالية :
* إلي أي مدى يمكن أن تؤثر أسباب الإباحة و موانع المسؤولية في الصفة الإجرامية للفعل و المسؤولية الناجمة عنه ؟
* مــا مدى مصداقية رضا المجني عليه في محو الصفة الإجرامية عن الفعل باعتبار قانون العقوبات من النظام العام ، لا يجوز للفرد تعطيل تطبيقه بإرادته ؟
* إلى أي مدى يمكن اعـتبار السكر مانعا للمسؤولية إذا كان لإرادة الإنسان دخل فيه ؟
و للإجابة على هذه الإشكاليات اتبعنا المنهج التاريخي ، و التحليلي و المقارن وفق خطة تضم فصلين تناولنا في الفصل الأول أسباب الإباحة و قسمناه إلى مبحثين نعالج في المبحث الأول ماهية أسباب الإباحة و في المبحث الثاني تقسيم أسباب الإباحة بحسب الأشخاص المستفيدين منها ، أما الفصل الثاني فقد خصص لموانع المسؤولية و يندرج تحته كذلك مبحثين نعالج في المبحث الأول عموميات حول المسؤولية الجزائية ، و في المبحث الثاني تقسيم موانع المسؤولية ، و تفصيل الخطة كالآتي .
الخــــطة
مقدمــة
الـفصل الأول : أسبـاب الإبــاحة
المبحث الأول : ماهية أسباب الإباحة
المطلب الأول : مفهوم أسباب الإباحة
الفرع الأول : التطور التاريخي لأسباب الإباحة
الفرع الثاني : تعريف أسباب الإباحة
الفرع الثالث : التمييز بين أسباب الإباحة و الحالات المشابهة .
المطلب الثاني : آثار أسباب الإباحة
الفرع الأول : أسباب الإباحة و تعدد المساهمين .
الفرع الثاني : الغلط في الإباحة
الفرع الثالث : الجهل بالإباحة
المبحث الثاني : تقسيم أسباب الإباحة بحسب الأشخاص المستفيدين منها
المطلب الأول : الأسباب النسبية للإباحة
الفرع الأول : أمر القانون
الفرع الثاني : إذن القانون
المطلب الثاني : الأسباب المطلقة للإباحة
الفرع الأول : الــدفاع الشرعي
الفرع الثاني : رضا المجــني عليه
الفصل الثاني : مــوانع المسؤوليــة
المبحث الأول : عموميات حول المسؤولية الجزائية
المطلب الأول : مفهوم المسؤولية الجزائية
الفرع الأول: أساس المسؤولية الجزائية
الفرع الثاني : مراحل المسؤولية الجزائية
المطلب الثاني : انتقاء المسؤولية الجزائية
الفرع الأول : أركان المسؤولية الجزائية
الفرع الثاني : أسباب امتناع المسؤولية الجزائية .
الفرع الثالث : الفرق بين المسؤولية الجزائية و المدنية
المبحث الثاني : تقسيم موانع المسؤولية
المطلب الأول : موانع المسؤولية بسبب انعدام الأهلية
الفرع الأول : صغر السن
الفرع الثاني : الجنون
الفرع الثالث : السكر
المطلب الثاني : موانع المسؤولية بسبب انعدام حرية الاختيار
الفرع الأول : حـــالة الضرورة
الفرع الثاني : الإكراه
الخــــاتمة
الفصل الأول : أسبـــاب الإبـــاحة .
تستوجب الجريمة قيام المسؤولية الجزائية لمرتكبها ، و يتمثل أثر هذه المسؤولية في الجزاء الجنائي أيا كانت صورته ، لكن هناك حالات ترتكب فيها أفعال مخالفة للقانون
و لا يتحمل مرتكبها أي مسؤولية عنها ، و نكون بصدد هذه الحالات إذا توافر سبب من أسباب الإباحة .
و قد ثار خلاف بين الفقهاء حول موقع أسباب الإباحة في قانون العقوبات و انقسم الفقه بصدد ذلك إلى فريقين :
- فريق ألحق أسباب الإباحة بالمسؤولية الجزائية على أساس أنها من الأسباب الموضوعية لانعدام المسؤولية و تقابلها الأسباب الداخلية أو الذاتية لانعدام المسؤولية متمثلة في الجنون و الإكراه و صغر السن و ينتج عن كل هذه الأسباب عدم المساءلة الجزائية .
- فريق ألحقها بالركن الشرعي للجريمة لأنها تعدمه ، و من ثم تنتفي الجريمة لغياب أحد أركانها مستندا في ذلك إلى ما نص عليه قانون العقوبات الفرنسي القديم في المادتين 327- 328 و التي تقابلها المادة 39 في قاع الجزائري ، و إن كان المشرع الفرنسي قد تراجع عن رأيه في قانون العقوبات الجديد الصادر في سنة 1992 .
حيث أنه أعاد النظر في طبيعة الأفعال المبررة ، فلم تعد أسبابا لمحو الجريمة ، بل أصبحت من موانع المسؤولية (1) .
لذا ارتأينا أن ندرس في هذا الفصل ، الأفعال المبررة تحت عنوان أسباب الإباحة و يندرج تحت هذا الفصل ، مبحثين نعالج في المبحث الأول ماهية أسباب الإباحة و في المبحث الثاني تقسيماتها بحسب الأشخاص المستفيدين منها .
________________________
1)- د/أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، الطبعة الثانية ، الجزائر ، دار هومة ، سنة 2004
ص 135-136 .
المبحث الأول : مــاهية أسباب الإباحة
يقوم الركن الشرعي في الجريمة على وجود نص يجرم الفعل ،وعدم اقتران هذا الفعل بسبب مبيح فإذا توافر أحد أسباب الإباحة ارتفع الوصف الإجرامي عن الفعل فهذه الأسباب تعمل على إعدام الركن الشرعي للجريمة وبالتالي يخرج الفعل من دائرة التجريم إلى دائرة الإباحة .
فلإباحة إذن وصف يلحق بالفعل ولا شأن له بشخص الفاعل لذلك كانت أسبابا عينية
أو موضوعية تحول دون قيام المسؤولية أيا كان نوعها .لذلك سنعالج في هذا المبحث مفهوم أسباب الإباحة في المطلب الأول ونعالج في المطلب الثاني أثار أسباب الإباحة.
المطلب الأول: مفهوم أسباب الإباحة .
مهما توصلت القوانين الوضعية بشأن أسباب الإباحة فإنها لم ترق إلى ماهي عليه اليوم إلا خطوة خطوة ، ولم تعرف إلا سببا بعد سبب رغم بروزها إلى الوجود الفعلي في صورة حالات خاصة وحوادث عملية على خلاف الشريعة الإسلامية التي عرفت جميع هذه الأسباب منذ مدة تزيد عن 14 قرنا.
وحسب المادة 02 من الدستور الجزائري(*) وطبقا لمبدأ سمو الدستور ، فإن الدستور يعلو على قانون العقوبات لذا يتعين تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية على بعض الأفعال المباحة شرعا التي لم يرد بها نص في قانون العقوبات لذا يتعين تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية على بعض الأفعال المباحة شرعا التي لم يرد بها نص في قانون العقوبات
و رغبة منا في معرفة نشأة هذه الأسباب و أحكامها ، نعالج في هذا المطلب كخطوة أولية التطور التاريخي لهذه الأسباب ، ثم تعريفها ، ثم نميز بينها و الحالات المشابهة لها
الفرع الأول : التطور التاريخي لأسباب الإباحة .
لم تظهر أسباب الإباحة إلى الوجود دفعة واحدة و لم تعرف سابقا كما هي اليوم
و يرجع تاريخها إلى عمق العدالة الجزائية عبر تطورها البطيء ، و قد برزت إلى الوجود في صورة حالات خاصة و حوادث عملية ، كان يكتفي القضاء و المشرعون لاسيما في العهود الرومانية بضبطها و تدوينها حتى تكاثرت و تعددت ، فأصبحت أحكاما عامة
________________________
*) - نص المادة 02 من الدستور الحالي الصادر في 28 نوفمبر 1996 " الإسلام دين الدولة "
مسلما بها دون النص الصريح عليها ، بالإضافة إلى أن الشرائع الدينية نفسها قد تضمت بعض الأشكال منها كطريقة للمغفرة و المعذرة ، و الحل من الخطايا و الذنوب و الآثام
فكان لابد أن تتقبل الأعراق الاجتماعية مع الزمن في كافة الأقطار فكرة أسباب التبرير و لو كانت أصلا ذات وجه سلبي يتعارض مع التجريم لان الحكمة الشعبية المشتركة بنت هذه الأسباب على أساس المصلحة العامة ، و لو اضطرارا في تغليب الإباحة و التبرير على التجريم و التحريم بالنسبة لوقائع معينة ضمن شروط محددة
و لم تبلغ هذه الاعتبارات المتعارف عليها درجة المبادئ القانونية المقررة إلا مع انطلاقة التشريعات الجزائية المكتوبة في مطلع الربع الأول من القرن 19 إذا درجت ضمن غالبية القوانين التي لحظتها و تناولت نطاقها و مداها و أحوالها .
أولا: في القانون الفرنسي .
يمكن القول إن القانون الفرنسي الصادر في سنة 1810 قد كان سباقا في هذا المجال إذ نص لأول مرة على أسباب التبرير في المواد 327-328-329 .(1)
غير أنه يعاب على هذا القانون بعض الأخطاء :
- وضع أسباب التبرير في القسم الخاص من قانون العقوبات و ليس في القسم العام حيث مركزها الحقيقي ، و قد صرح بهذا معظم الفقهاء .
- حصر أسباب التبرير في الجنايات و الجنح الواقعة على حياة الإنسان و سلامته الجسدية فقط و على وجه الخصوص جرائم القتل و الجرح ، كما أن تلك الحالات تقتصر على الاعتداء على حياة الإنسان و سلامة جسمه فقط دون الحقوق المادية و المعنوية و المالية ، رغم أنها حالات و ظروف شاملة و متعددة غير أن الاجتهاد القضائي قد توسع في التفسير لجهة شمول أسباب التبرير كافة الأفعال الإجرامية المنطبقة عليها .
- يلاحظ أن حدود التجريم تتداخل مع أسباب التبرير مما يشكل ، خطرا قانونيا نظرا للتنافر القائم بين هاتين الوضعيتين المتعارضتين و لو كانتا متقابلتين اذ لكل منهما نطاق معلوم به ، فلا يجوز لتشريع جزائي أن يعاقب على نفس الفعل الذي يبيحه أو يبرر التصرف الواحد و هو يحظره.
_______________________
1) - د/ فريد الزغبي ، المسؤولية الجزائية ، المجلد الرابع ، الطبعة الثالثة، لبنان ، سنة 1995 ، ص 10-12-13 .
- جاءت أحكام القانون الفرنسي في هذا المجال ناقصة في اقتصارها على الدفاع الشرعي ، و إطاعة القانون ، و أمر السلطة و حتى في الجمع بين حالة الدفاع المشروع و حالة الضرورة بطريقة مباشرة و موحدة ، رغم الفرق الشاسع بينهما مما حمل الاجتهاد القضائي على الدور المكمل و المصحح (1) .
- من الطبيعي أن يكون لقانون نابليون الأثر البالغ على سائر التشريعات الجزائية فجاءت النصوص الخاصة بأسباب التبرير مضطربة سواء في اختصارها
و غموضها كما هو الحال في القانون البلجيكي ، أو إسهابها و تفصيلها كما في القانون الايطالي ، و قد وقعت غالبيتها في خطأ التبويب إذا أوردت أسباب التبرير تارة في فصل المسؤولية الجزائية ، و احيانا في قسم العقوبات و موانعها ، و أحيانا في معرض الظروف و الأعذار مما يؤدي الى اختلاط المعطيات القانونية و تدخلها .
ثانيا : في القانون العثماني .
جاء القانون العثماني في صيغته الموضوعية عام 1868 و المنقولة حرفيا عن القانون الفرنسي خاليا من القواعد العامة المتعلقة بأسباب التبرير كحالات و أوضاع قانونية رغم التعديل الطارئ عليها سنة 1911 فلم ينص إلا على الدفاع المشروع عن النفس فقط .
ثالثا : في القانون اللبناني
لقد ضمن المشرع اللبناني في نصوص صريحة و واضحة كافة أسباب التبرير عام 1939 ، فاعتبرها أصلا في المادة( 183 قاع )من باب ممارسة الحق بغير تجاوز ثم عدد الحالات الواقعية لها فخصص المادة( 184 قاع) للدفاع المشروع و المادة (185 قاع) لأمر السلطة و المادة 186 قاع لإجازة القانون بعض الأفعال ، المادة 187 قاع لموافقة الضحية ( لرضا المجني عليه ) . و لقد سايرت مختلف التشريعات الجزائية فيما يخص أسباب التبرير القانون اللبناني بدليل أن القانون السوري و من بعده الأردني فالقانون الكويتي اعتمدوا نفس المبادئ في النصوص شكلا و مضمونا .
رابعا : في القانون المصري .
لم يجد القانون المصري الصادر عام 1883 ضرورة لتحديد مبدأ إباحة الأفعال
________________________
1)- د/ فريد الزغبي ، المسؤولية الجزائية ، المرجع السابق ، ص 15
التي تمنحها القوانين أو الأعراف المختلفة للأشخاص الطبيعيين على اعتبار أن هذا المبدأ هو من البداهة فلا يحتاج للذكر على وجه الخصوص ، فاكتفت المادة الأولى منه بشرط عدم الإخلال في أي حال من الأحوال بالحقوق الشخصية المقررة في الشريعة الغراء استنادا إلى أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد لأسباب التبرير ، و قد سببت هذه المادة تناقضات بالغة حملت مجلس الشورى في عام 1903 على اقتراح وضع نصوص صريحة في هذا الخصوص أدخلت فعلا في التشريع الصادر عام 1904 (1) .
خامسا : في القانون الجزائري .
نص المشرع الجزائري على أسباب الإباحة في المادة 39 قاع و كذلك المادة 40 قاع (*) ، حيث و من خلال المادة 39، 40 قاع نجد أن المشرع الجزائري حصر أسباب الاباحة فيما يأمر به القانون و يأذن به ، و الدفاع الشرعي و رتب على توافر أي سبب منها محو الصفة الإجرامية عن الفعل حيث أنه لم يكتفي بالقول « لا جناية و لا جنحة » بل قال « لا جريمة » .
و بعد التطرق لهذه اللمحة التاريخية عن أسباب الإباحة يجدر بنا معرفة مصادر
و أساس الإباحة . من خلال تعريف أسباب الإباحة في الفرع الموالي .
الفرع الثاني : تعريف أسباب الإباحة
نعرف أسباب الإباحة على أنها « الحالات التي تنتفي فيها عن السلوك صفته غير المشروعة » (2) .
و هناك من يعرفها على أنها « ظروف مادية تطرأ وقت ارتكاب الفعل المجرم فتزيل عنه الصفة الإجرامية و تحيله إلى فعل مبرر ارتكابه » (3) .
و لو لا قيام هذه الظروف لتحققت المسؤولية الجزائية ، و من خلال هذا التعريف
_______________________
1)-د/ فريد الزغبي ، المسؤولية الجزائية ، المرجع السابق ، ص 16-17 .
*)-أشار المشرع الجنائي إلى أسباب الإباحة في الكتاب الثاني المتعلق بالأفعال و الأشخاص الخاضعين للعقوبة من الباب الأول
( الجريمة ) من الفصل الرابع ( الأفعال المبررة ) .
2) - د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " الطبعة لا توجد ، مصر ، ديوان المطبوعات الجامعية
سنة 2003 ، ص 243
3) - د/كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات ، الطبعة الأولى ،الأردن، دار الثقافة ، سنة 2002 ، ص 127 .
نستنتج أن أسباب الاباحة ترد على سلوك جرمه القانون ، و تحدث مفعولها فيه من حيث رفع الصفة الإجرامية عنه ، و لا محل لها بشأن سلوك مجرد أصلا من وصف الجريمة ، لان هناك فرق بين السلوك الذي لم ينص القانون على تجريمه و السلوك المجرم الخاضع لسبب إباحة ، فإذا كان الفعل الأول محل دعوى عمومية فما على القضاء إلا أن يتأكد من عدم وجود هذا النص في حين أن الفعل الثاني هناك نص جرمه و لو لا سبب الاباحة الذي طرأ وقت ارتكابه لا نطبق عليه نص التجريم ، و تحققت المسؤولية الجزائية قبل الفاعل إذا ما توافر عنصراها فيه و هما الوعي و الإرادة (1) .
و نتطرق فيما يلي لمصادر أسباب الإباحة .
أولا : مصــادر أسباب الإباحة
يعتبر بعض الفقهاء أن القاعدة في الأصل بالنسبة لسلوك الإنسان و نشاطه و تصرفاته هي الإباحة على أساس أن ما يقوم به الشخص هو مسموح له به و أن التجريم في معرض ذلك ليس إلا استثناءا على تلك القاعدة العامة المطلقة ، و تأتي أسباب الإباحة كاستثناء على هذا الاستثناء لترد الفعل إلى أصله من المشروعية بعد أن كان مجرما (2) .
و ينادي آخرون بإسناد سبب التبرير إلى مصدر التجريم نفسه (3) إذ أن الإباحة القانونية تقتصر على الأفعال الملحوظة صراحة في التشريع الجزائي لعلة كونها جرائم أصلا لا أعمالا مشروعة في طبيعتها و بالتالي هي غير مشروعة منذ البداية بمجرد قيام العناصر التنفيذية المادية المكونة لها .
و قد تجد الاباحة مصدرها في النصوص القانونية سواء كانت نصوص في قانون العقوبات كما في حالة أمر و إذن القانون ، و الدفاع الشرعي ، أم نصوص قانونية أخرى غير جنائية كالقانون المنظم لمهنة الطب ،و قانون تنظيم الصحافة حيث أن هذا الأخير مثلا يقرر للصحفيين حق ممارسة النقد و نشر الأنباء و لو ترتب عن ذلك جريمة القذف و إفشاء الأسرار شرط عدم تجاوز الحدود المنصوص عليها قانونا في هذا المجال
________________________
1)- د/ محمود محمود مصطفى ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، الطبعة لا توجد ، مصر ، دار النهضة العربية ، سنة 1974 ، ص 130 .
2)- د/ عبد الله سليمان ، شرح قانون العقوبات الجزائري " القسم العام " ، الطبعة لا توجد ، الجزائر " بن عكنون " ، ديوان المطبوعات الجامعية ، سنة 1998 ، ص 117 .
3)- د/ فريد الزغبي ، المسؤولية الجزائية ، المرجع السابق ، ص 21 .
و قد تتمثل مصادر الإباحة في واقعة تتفق مع طبائع الأشياء كما في رضا المجني عليه متى كان ذلك ممكنا و جائز (1)، فهذا الرضا لا يستند إلى نص قانون صريح .
و يذهب جانب من الفقه إلى أن العرف يصلح أن يكون مصدرا للإباحة شرط استبعاد الأعراف المخالفة للقانون التي لا يمكن لها أن تنشأ الإباحة و تعطل أحكام التجريم المقررة قانونا ، لأنها تبقى غير مقبولة حتى لو كانت قيد الممارسة الفعلية .
ويرى جانب آخر من الفقه أن أثر العرف لا يمكن أن يصل إلى حد أن يكون مصدرا مباشرا للإباحة و إلا كان معنى ذلك ، الإقرار بصلاحية العرف لأن يعطل نصا قانونيا صريحا إذا تعارف الناس على خلاف ما يقتضي به .
إلا أنه يمكن للعرف أن يؤثر في إباحة بعض الأفعال بطريق غير مباشر ، رغم عدم وجود نص قانوني صريح أو ضمني تستفاد منه هذه الإباحة (2) ، نجد مثلا دور العرف في تطبيق القانون الذي يعاقب على الفعل الخاضع المخل بالحياء ، فالقانون لم يحدد تعريف هذا الفعل ، و يبقى ذلك خاضعا للسلطة التقديرية للقاضي التي يستند فيها إلى ظروف الزمان و المكان و ما تعارف عليه الأفراد ، فجرى العرف على اعتبار أفعال معينة غير مخلة بالحياء إذا ارتكبت في زمان أو مكان معين كالظهور على الشواطئ بملابس الاستحمام أو في الطريق العام بملابس لا تستر كل أجزاء الجسم (3) .
و فيما يلي نتعرف على العلة التي تقرر تبرير الفعل بعد تجريمه .
ثانيا : أساس الإباحة .
تقوم نصوص قانون العقوبات بحماية حقوق الأفراد و حرياتهم من خلال تجريم كل الأفعال التي تعد مساسا بها و تقرير الجزاء الجنائي المناسب لها فهي تجرم القتل لأنه يعد اعتداء على حق الإنسان في الحياة ، و تجرم فعل الإيذاء لأنه يمس بسلامة جسم الإنسان ، و تجرم السرقة لأنها تمثل اعتداء على حق الملكية و غيرها من الأفعال التي تمس بمصالح الأفراد و بمفهوم المخالفة المشرع لا يجرم أفعالا لا تمثل اعتداءا
________________________
1)- محمود زكي أبو عامر ، القسم العم من قانون العقوبات ، الطبعة لا توجد ، مصر ، دار الجامعة الجديدة ، سنة 2002 ص 193- 194 .
2)-: د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 259 .
3)- د/ محمود محمود مصطفى ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 164 .
على حق جدير بالحماية ، و منه يمكن القول أن هناك صورتين لا يمكن الادعاء فيهما أن الفعل المرتكب يشكل عدوانا على حق جدير بحماية المجتمع (1) .
* الصورة الأولى : انتقاء علة التجريم
أي ارتكاب الفعل في ظروف تنتفي معها علة التجريم فتصبح المصلحة المحمية غير جديرة بالحماية مع توافر تلك الظروف ، بحيث يصبح الفعل غير منتج للعدوان كما كان في الأصل إعتداء على حق يحميه القانون ، فالجرح الذي يقوم به شخص لأخر هو اعتداء على حق المجني عليه في سلامة جسمه لذا يعد جريمة لكن عندما يقوم به طبيب قصد علاج المريض لا يعتبر منتجا لأي اعتداء لأنه و إن مس بماديات الجسم إلا أنه لا يهدر مصلحة الجسم في أن يسير يسرا طبيعيا ، و الضرب الذي يقوم به شخص لآخر يجرمه القانون حماية لحق الإنسان في سلامة جسمه ، لكن أفعال الضرب إذا صدرت من زوج استعمالا لحقه في تأديب زوجته وفقا للضوابط القانونية تنتفي صفتها غير المشروعة .
• الصورة الثانية : حالة ما إذا كان الفعل منتجا للاعتداء على حق لكن ارتكابه في الظروف التي تم فيها ينطوي على صيانة حق أجدر بالحماية من الحق المهدور. فالقتل جريمة لأنه اعتداء على حق المجني عليه في الحياة لكنه إذا وقع في حالة دفاع شرعي لا يعد كذلك ، لأن المشرع يرى أن حق المدافع في الحياة أجدر بالحماية من حق المعتدي في الحياة (2) ، و ذلك في إطار الموازنة بين المصالح المتعارضة للأفراد و إيثار مصلحة أولى بالرعاية تحقيقا للصالح العام و هو هدف كل نظام قانوني حيث أن المصلحة العامة تتحقق بإيثار مصلحة المدافع في درء الاعتداء على مصلحة من بادر بالاعتداء .
و سبب هذا الانحياز العادل هو أن المجني عليه – المعتدي – باعتدائه قد هبط بقيمة
________________________
1)- د/كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 128 .
2)- د/ عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، الطبعة الرابعة ، الجزائر ، " بن عكنون " ديوان المطبوعات الجامعية ، سنة 1994 ، ص 67 .
حقه في نظر المجتمع الذي آثر صيانة حق المعتدي عليه و إلا كان هو القتيل (1) و بعد تعريف أسباب الإباحة و معرفة التطور التاريخي لها نحاول التمييز بينها و الحالات المشابهة لها فيما يلي :
الفرع الثالث : التمييز بين أسباب الإباحة و الحالات المشابهة لها .
تختلف أسباب الإباحة عن موانع المسؤولية و موانع العقاب من حيث طبيعتها
و الآثار المترتبة عنها ، و تبعا لذلك نتعرض للتمييز بين أسباب الإباحة و موانع المسؤولية ثم نميز بين أسباب الإباحة و موانع العقاب فيما يلي :
أولا : التمييز بين أسباب الإباحة و موانع المسؤولية
- من حيث الطبيعة : أسباب الإباحة ظروف موضوعية – مادية – تتصل بالركن الشرعي للجريمة و لا علاقة لها بشخص الفاعل ، فلا تضم أي عناصر شخصية إلا استثناءا ، فقد تدخل بعض العناصر الشخصية في تكوين سبب الاباحة كاتجاه نية الوالد إلى تهذيب ابنه في ممارسة حق التأديب ، و اتجاه نية الطبيب إلى شفاء المريض في ممارسة الأعمال الطبية (2) . و مثل هذا الاستثناء لا يؤثر على الأصل الذي يقوم على الطبيعة المادية لأسباب التبرير (3) .
أما موانع المسؤولية فهي أسباب مرتبطة بمرتكب الجريمة تجعل إرادته غير معتبرة قانونا بتجريدها من التمييز و حرية الاختيار ، و لا تثار إلا بعد نسبة الجريمة إلى مرتكبها أي أنها أسباب لا تقدير لها في السلوك الإجرامي ، فهي ظروف شخصية تتعلق بالفاعل و تجعل إرادته غير معتبرة قانونا ، و بعبارة أخرى تتصل بالركن المعنوي للجريمة .
- من حيث الآثار: أسباب الإباحة موضوعية في آثارها بحيث ينصرف أثرها إلى الفعل مباشرة فتبيحه ، مما يؤدي إلى انتفاء أي نوع من المسؤولية عن هذا الفعل سواء كانت مسؤولية جنائية ، أو مدنية أو تأديبية و بالتالي لا مجال لتطبيق أي عقوبة أو تدبير أمن ( تدبير احترازي ) .
________________________
1)- د/كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 129 .
2)- د/ عادل قوره ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 68 .
3)- د/ محمود محمود مصطفى ، شرح قانون العقوبات ، " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 141
أما موانع المسؤولية فهي أسباب شخصية مجالها إرادة الجاني و لا علاقة لها بالركن الشرعي للجريمة ، و من ثم لا ترتفع صفة اللاشرعية عن الفعل ، وإنما تمنع من ترتيب الآثار القانونية الجزائية بحق مرتكب الجريمة ، و يقتصر أثرها علي نفي المسؤولية الجزائية ، إلا أنها لا تنفي الخطورة الإجرامية لدى الفاعل فيجوز تطبيق تدبير احترازي اتجاهه .
ثانيا : أسباب الإباحة و موانع العقاب .
- من هذه الطبيعة : إن موانع العقاب لا تتعلق بأي ركن من أركان الجريمة لان هذه الأخيرة تظل قائمة طالما وجدت أركانها ، و تقوم المسؤولية الجزائية إذا لم يكن هناك أي مانع من موانع المسؤولية بينما أسباب الإباحة تنفي قيام الجريمة لاتصالها بالركن الشرعي للجريمة .
- من حيث الآثار : في أسباب الإباحة تنتفي المسؤولية الجزائية و المدنية أما في موانع العقاب فإنها تكون قائمة ، و مع ذلك يقدر المشرع لاعتبارات المنفعة العامة عدم توقيع العقاب ، و ذلك ما أورده المشرع الجزائري في المادة (52/1 قاع ) كما أن أسباب الإباحة يستفيد منها كل من ساهم في الفعل عكس موانع العقاب فهي شخصية لا يستفيد منها إلا الشخص الذي توافرت في حقه (1) .
و من أمثلة موانع العقاب صلة القرابة كالأصل ، و الفرع و الزوجة في جرائم السرقة و خيانة الأمانة ، و النصب ، وإخفاء الأشياء المسروقة التي تقررها المواد 368 ، 377 ، 389 قاع متى وقعت هذه الجرائم من أحد الأصول الفروع أو أحد الزوجين لا يتم العقاب عليها رغم قيام الجريمة و المسؤولية الجزائية المترتبة عنها .
و قد تتجسد المنفعة الاجتماعية في أن تكون جرائم عسيرة الاكتشاف فيغري القانون أحد المساهمين أو الفاعلين باعفاءه من العقوبة ، إن هو أسدى خدمة للمجتمع بأن كشف عن الجريمة و المساهمين فيها و تطبيقات ذلك كثيرة في قانون العقوبات الجزائري مثلا المادة( 179 قاع ) و المادة( 192/1قاع ) و بعد التعرف على المفاهيم العامة حول أسباب الإباحة نعالج في المطلب الثاني آثار أساب الإباحة . ________________________
1)- د/ عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ،ص 68 .
المطلب الثاني : أثار أسباب الإباحة .
يعد الفعل المقترن بسبب من أسباب الإباحة فعلا مشروعا و يترتب على ذلك
- اعتبار كل من ساهم فيه كفاعل أصلي أو شريك بريء باعتباره قد ساهم في عمل مشروع أو مبرر .
و بما أن أسباب الإباحة تنحصر في الظروف المادية للفعل لا الظروف الشخصية للفاعل ينجر عن ذلك .
- عدم الاعتداد بالجهل بالإباحة كما ينحصر تأثير الغلط في الركن المعنوي للجريمة ، و هذا مل سنتطرق إليه بالتفصيل في الفروع التالية :
الفرع الأول : أسباب الإباحة و تعدد المساهمين .
يعاقب القانون على الجريمة عندما تكتمل أركانها و لا يقوم أي مانع من موانع المسؤولية ، سواء ارتكبها شخص واحد أو عدة أشخاص ، و في المقابل يستفيد من أسباب الإباحة جميع المساهمين في الفعل المبرر فاعلين كانوا أم شركاء أم متدخلين أم محرضين .
إلا أن هذا الأمر ليس مطلقا إذ يجب لبيان أثر أسباب الإباحة في المساهمة الجزائية أن نفرق بين أسباب الإباحة النسبية و المطلقة ، فإذا كان سبب الإباحة مطلقا كالدفاع الشرعي مثلا استفاد منه جميع المساهمين فاعلين أصليين كانوا أم شركاء أم محرضين أم متدخلين، أما إذا كان السبب نسبيا فلا يستفيد منه إلا من قام فيه هذا السبب ، فلا يستفيد من يقوم بالعمليات الجراحية من الإباحة بإذن القانون إلا إذا كان طبيبا و لا يستفيد من ينفذ أمر الرئيس الواجب طاعته من الاباحة بأمر القانون إلا إذا كان موظفا مختصا لأن القانون هنا يتطلب فيمن يقوم بهذا الفعل أن يحتل مركزا قانونيا أو يتمتع بصفة قانونية تخوله القيام بهذا الفعل (1) .
و لكن يستفيد من سبب الإباحة من قام بمساهمة تبعية في الفعل ، فيستفيد من ساعد الطبيب على العمليات الجراحية لأنه لا يرتكب العمل المبرر لغيره بنفسه ، و إنما يساهم فيه مجرد مساهمة تبعية .
________________________
1) - د/كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 129-130 .
الفرع الثاني : الغلط في الإباحة
يعتبر الغلط في الإباحة الصورة المقابلة للجهل بالإباحة ، و يعبر بعض الفقه عن هذه الحالة بالبراءة الظنية (1) ، و هي أن يتصور الإنسان العادي العاقل وجود ظروف
و ملابسات ووقائع منطقية ، و حقيقية و تؤكد أن سلوكه مشروع و غير معاقب عليه استنادا لأحد أسباب الإباحة (2) .
مثال ذلك أن يعتقد شخص أن هناك خطر يهدده في نفسه أو حالة فيقتل من ظن أنه مصدر الخطر ثم يتبين عدم وجود مثل هذا الخطر على الإطلاق أو حالة الموظف
الذي يفشي سرا أئتمن عليه اعتقادا أن صاحب السر راض عن إذاعته ، ثم يتبين أن
صاحبه لم يرض بذلك .
و إذا بحثنا عن أثر الغلط في الإباحة على المسؤولية الجزائية للفاعل في قانون العقوبات الجزائري لا نجد نصا تناولها على خلاف ما هو عليه في بعض التشريعات العربية الأخرى (*) .
و مع ذلك نقول أن الغلط في الإباحة لا يعدل الإباحة ، و يبقى الفعل المرتكب غير مشروع لتخلف حالات الإباحة حسب الشروط المحددة قانونا ، و تفسير ذلك أن الغلط في الإباحة لا ينف الركن الشرعي للجريمة لكنه يؤثر في الركن المعنوي .
و قد ينفي الغلط الركن المعنوي كليا إذا كان اعتقاد الشخص بتوافر الإباحة مبنيا على أسباب معقولة قياسا على حالة شخص معتاد وجد في نفس ظروفه (3) ، كأن يشاهد حارس ليلي قدوم شخص نحوه فينادي عليه فلا يجيبه ، ثم يطلق عيارا ناريا في الهواء
________________________
1)-د/ نظام توفيق المجالي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، الطبعة الأولى ، الأردن ، دار الثقافة
سنة 2005 ، ص 139 .
2)- د/ محمد على السالم عياد الحلبي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، الطبعة لا توجد ، الأردن ، مكتبة الثقافة للنشر و التوزيع ، سنة 1997 ، ص 165 .
*) - تنص المادة 63 قاع المصري " لا يعد جريمة العمل غير المشروع الذي يرتكبه الموظف بعد التثبت و التحري اذا كان يعتقد بمشروعيته و كان اعتقاده مبنيا على أسباب معقولة " .وورد تطبيق لهذه الفكرة في المادة 56 من قاع الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة ، " لا يعد جريمة اذا وقع الفعل استعمالا لحق الدفاع المشروع اذا واجه المدافع خطرا حالا على نفسه أو ماله أو اعتقد قيام هذا الخطر و كان اعتقاده مبنيا على أسباب معقولة " .
3) - د / سليمان عبد المنعم ، النظرية العامة لقانون العقوبات ، الطبعة لا توجد ، مصر ، دار الجامعة الجديدة
سنة 2000 ، ص 374 .
فلا يتوقف ، و من ثم يبادر بإطلاق عيار ناري يصيبه في رجله ، ثم يتضح أن ذلك الشخص لم يكن إلا عابر سبيل لم يسمع النداء لأنه أصم فينتفي القصد الجنائي لقيام سبب من أسباب الإباحة هو أداء الواجب ، و بنتفي الخطأ غير العمدي لان الفاعل قد تثبت
و تحرى قبل استعمال السلاح في سياق المجني عليه .
و قد ينفى الغلط القصد الجنائي فقط و يبقى الشخص مسؤولا عن خطأ غير عمدي إذا كان لا يستند في اعتقاده بتوافر الإباحة إلى أسباب معقولة ، إذ يكون غلطه في الإباحة هنا مشوبا بالخطأ (1) ، كالحارس الذي يطلق النار على عابر سبيل مر به في الضلام فيرديه قتيلا لمجرد أنه ناداه فلم يجبه ، يكون قد أطلق النار دون تبصر و تروي ، فيتابع بجريمة القتل الخطأ ، و نشير أن الغلط في الإباحة ينصب على الوقائع التي أحاطت بارتكاب الفعل ، أو إذا انصبت على قانون آخر غير قانون العقوبات (2) .
الفرع الثالث : الجهل بالإباحة
يعبر بعض الفقهاء عن هذه الحالة بالجريمة الظنية (3) ، و نكون أمام هذه الحالة عندما يأتي شخص فعلا أو يمتنع عنه معتقدا أن ذلك غير مشروع و بالتالي يعاقب عليه بينما في الواقع فعله اقترن بسبب مبيح كان يجهله أو يعتقد عدم وجوده و قد يكون مرجع هذا الجهل بالإباحة غلط أو جهل بالقانون مثال ذلك الشخص الذي يدفع الاعتداء عليه بالقوة و هو يجهل أن القانون يبيح له الدفاع الشرعي ، و قد يكون مرجعه جهل بالوقائع ، كالطبيب الذي يجري عملية جراحية لمريض فيموت على أثرها ، فيعتقد الطبيب أن القانون سيعاقبه لعدم رضا المريض بالعلاج في حين يكون المريض قد وقع وثائق تثبت رضاه بإجراء هذه العملية له ، و هنا ثار التساؤل حول إمكانية تبرير الفعل بناءا على الوجود الفعلي للظرف المبرر أم اقتران الوجود الفعلي له العلم به .
انقسم الفقهاء على أنفسهم بصدد الإجابة على هذا التساؤل حيث :
________________________
1)- د/ محمود نجيب حسنى ، شرح قانون العقوبات اللبناني " القسم العام " ، الطبعة لا توجد " لبنان ، دار النهضة سنة 1968 ، ص 158 .
2)- د/ نظام توفيق المجالي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 140 .
3)- د/ كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 130 .
- يرى بعض الشراح الألمان أن الفعل يكون مبررا ، بمجرد توافر شروط أسباب التبرير بغض النظر عن علم الفاعل بوجودها ، كنتيجة حتمية للطبيعة المادية لأسباب التبرير .
- ذهب البعض الآخر منهم إلى أن الفعل لا يكون مبررا إلا إذا انصرفت النية إلى جعله متجاوبا مع مقتضى الظرف و ما عدم العلم بوجود الظرف المبيح إلا قرينة على عدم انصراف نية الفاعل إلى إعماله في واقعة الحال ، ووفقا لهذا الرأي الوجود
الفعلي للسبب المبرر لا يغني عن ضرورة العلم بوجوده .
- توسط الرأيين السابقين رأي ثالث ذهب إلى أن ارتكاب شخص جريمة ما مع
وجود سبب مبرر لها لا يعلم به ، ينسب إليه مجرد شروع فيه لا جريمة كاملة .
و قد حسمت بعض القوانين صراحة هذه المسألة (*) .
أما قانون العقوبات الجزائري فقد خلا من نص صريح يتضمن هذه الحالة ، ذلك أن الأصول العامة في القانون لا تحتاج إلزاميا إلى نص صريح يقررها قياسا على تحديد الجريمة و أركانها ، فالجريمة استثناء يجب ضبطه حتى يكون الأفراد على علم به أما الأفعال التي أجازها القانون لا حاجة لأن يقوم بتحديد عناصرها حتى يتطلب العلم بها كما أن الحالة النفسية للفاعل ، و العلم بالتكييف القانوني للفعل المرتكب يتطلبه الركن المعنوي للجريمة ، و ليس عنصرا لانتفائها .
و بما أن أسباب الإباحة ذات طبيعة موضوعية فإنها تحدث أثرها من حيث تعطيل مفعول النص القانوني بغض النظر عن نفسية مرتكب الفعل سواء كان عالما بقيام السبب المبرر أو جاهلا وجوده فالفعل يكون مبررا في الحالتين ، و قد عرض الأمر على محكمة النقض المصرية فقضت في حكمها الصادر في 03-12-1934 ، " أن تفتيش ضابط البوليس منزل المتهم بغير رضاءه لا يكون صحيحا إلا إذا كان الضابط مأذونا من النيابة العامة بإجراء هذا التفتيش و عالما بهذا الإذن قبل إجراء التفتيش فعلا و مؤدى هذا الحكم أنه يلزم علم الفاعل بقيام سبب الإباحة حتى يستفيد منه "
________________________
*) - تنص المادة 202 / 02 من قاع السوري " لا يعاقب من ارتكب فعلا وظن خطأ أنه يكون جريمة " .
1) - د/عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص70 .
و قد تعرض هذا الحكم لنقد الفقه المصري تأسيسا على الأثر الموضوعي لأسباب الإباحة .
هذا في حالة الجهل بقيام السبب المبيح ، أما إذا خرج الفاعل عن الضوابط التي حددها المشرع للاستفادة منه ، تعطل سبب الاباحة ووجب مساءلة الشخص عن الجريمة وتختلف هذه المساءلة حسب الموقف النفسي للفاعل من منظور الركن المعنوي.
• فإذا تعمد الخروج عن الشروط التي يقررها القانون لتوافر الإباحة أعتبر عمله جريمة مقصودة و يسأل الفاعل عن جريمة مقصودة متعمدة لأنه قام بالفعل عن علم و إرادة .
• أما إذا حدث التجاوز نتيجة إهمال أو خطأ أو عدم احتياط لا يصدر عن الإنسان العادي إذا وجد في نفس الظروف و الملابسات ، فيسأل عن الفعل المجرم بوصف الخطأ أي يسأل عن جريمة غير مقصودة (1) .
• أما إذا حدث التجاوز نتيجة حادث فجائي أو إكراه معنوي فان الفاعل لا يكون مسؤولا (2) .
و بعد أن انتهينا في هذا المبحث من دراسة المبادئ العامة حول أسباب الإباحة ننتقل إلى المبحث الثاني الذي خصصناه لدراسة أقسام أسباب الإباحة.
المبحث الثاني : تقسيم أسباب الإباحة بحسب الأشخاص المستفيدين منها .
تنص المادة 39 قاع « لا جريمة :
- إذا كان الفعل قد أمر أو أذن به القانون .
- إذا كان الفعل قد دفعت إليه الضرورة الحالة للدفاع المشروع عن النفس أو عن الغير أو عن مال مملوك للشخص أو للغير بشرط أن يكون الدفاع متناسبا مع جسامة الاعتداء ».
« تنص المادة 40 قاع « يدخل ضمن حالات الضرورة الحالة للدفاع المشروع
القتل أو الجرح أو الضرب الذي يرتكب لدفع اعتداء على حياة الشخص أو سلامة
_____________________
1)- د/ محمد علي السالم عياد الحلبي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 17 .
2) - د/ محمود محمود مصطفى ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 147 .
جسمه أو لمنع تسلق الحواجز أو الحيطان أو مداخل المنازل ، أو الأماكن المسكونة أو توابعها أو كسر شيء منها أثناء الليل .
- الفعل الذي يرتكب للدفاع عن النفس أو عن الغير ضد مرتكبي السرقات أو النهب بالقوة ».
و يلاحظ أن المشرع الجزائري حصر أسباب الإباحة في قانون العقوبات في آمر القانون و إذنه ، و الدفاع الشرعي ، أما رضا المجني عليه فلم بنص عليه كسب إباحة في قانون العقوبات و ذلك أن المبدأ العام يقضي بأن لا أثر له في نفي الجريمة و أثرها و مع ذلك هناك استثناءات على هذا المبدأ عززتها بعض التشريعات التي بدأت تتجه نحو الأخذ برضا المجني عليه كسب إباحة . لذلك سنتطرق لدراسة هذه الأسباب الأربعة مجتمعة كأسباب إباحة بشيء من التفصيل ، و إذا جئنا إلى تقسيم أسباب الإباحة وجدنا أن هناك عدة تقسيمات باختلاف المعايير المعتمدة في ذلك ، فنجد مثلا أنها تنقسم إلى أسباب خاصة و أسباب عامة ، فالأسباب الخاصة هي التي تتعلق بجريمة أو جرائم معينة مثل حق الدفاع أمام المحاكم باعتباره سببا خاصا لإباحة جرائم القذف و السب بشروط محددة ، أما الأسباب العامة هي التي لا تتقيد بجريمة معينة بل يمكن أن تتوافر بالنسبة لجميع الجرائم كالدفاع الشرعي و لا أهمية لهذا التقسيم إلا فيما يتعلق بتحديد مجال الإباحة من حيث الجرائم التي يشملها سبب الإباحة ، كما تقسم أسباب الإباحة وفقا لمعيار الأشخاص المستفيدين منها إلى أسباب نسبية و أسباب مطلقة ، و أسباب الإباحة النسبية هي التي لا يستفيد منها إلا من تتوافر فيه صفة معينة دون غيره من الأفراد (1) ، مثل أداء الواجب ( أمر القانون ) بالنسبة للموظف العام و إذن القانون ( استعمال الحق ) بالنسبة لأشخاص معنيين ، أما أسباب الإباحة المطلقة هي التي يستفيد منها كافة الناس دون شروط خاصة و تعيين للذات مثل الدفاع الشرعي و رضا المجني عليه ، و قد تبنينا هذا التقسيم في بحثنا هذا و سنحاول التطرق في المطلب الأول للأسباب النسبية للإباحة و نتطرق في المطلب الثاني للأسباب المطلقة للإباحة .
________________________
1)- د/فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 243 – 249 .
المطلب الأول : الأسباب النسبية للإباحة
تتمثل في أمر القانون و إذنه ، و لا تقتصر عبارة قانون على النص الصادر عن السلطة التشريعية فحسب بل تتسع لتشمل كل قاعدة تنظيمية تقرر حقا (1) .
و يقصد بأمر القانون أو كما يعبر عنه بعض الفقه « ممارسة السلطة أو أداء الواجب »
« إباحة الأفعال التي يقوم بها الموظفون العموميون من تنفيذ نصوص القانون و أوامر الرؤساء الإداريين واجبة الطاعة و لو كانت تشكل بحسب الأصل جرائم » (2) .
و يكمن سبب إباحة الأفعال التي يأمر بها القانون في النص القانوني ذاته ، إذ لا يعقل أن يأمر القانون أو يرخص للموظف بتنفيذ حكم أو أمر رئيس إداري ثم يعاقبه فيما بعد لو قام به (*أ) .
بالرجوع إلى نص المادة ( 39 قاع ) نجد أنها لم تحدد الأفعال التي تشملها الإباحة إذا ارتكبت بناءا على أمر القانون أو اذنه ، فقد جاء مدلول النص عاما و شاملا بحيث يشمل جميع الأفعال التي تعتبر جرائم لو لم يأمر بها القانون أو يأذن بها ، كما لم يحدد لمشرع الجزائري شروط و ضوابط تطبيق هذا النص (*ب) ، و نعالج في الفرع الموالي أمر القانون ثم في الفرع الثاني إذن القانون .
الفرع الأول : أمر القانون .
نعالج أمر القانون كسبب إباحة من خلال العناصر التالية :
أولا : المكلف بتنفيذ أمر القانون .
الأصل أن تنفيذ القانون و أداء الواجبات العامة مهمة ممنوحة للموظفين فهم المؤهلين
________________________
1)- د/ أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، مرجع سابق ، ص 137 .
2)- د/ سليمان عبد المنعم ، النظرية العامة لقانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 135 .
(*أ)- لذلك يري البعض أن ممارسة السلطة كسبب إباحة تعنى تنازعا بين النصوص ، النص الذي يجرم و يعاقب
و النص الذي يبيح و يرخص .
(*ب)- عكس من هو في المادة 63 قاع مصري « لا جريمة إذا وقع الفعل من موظف أميري في الأحول التالية : - إذا ارتكب الفعل تنفيذا لأمر صادر إليه من رئيس وجبت عليه اطاعته أو اعتقد أنها واجبة عليه .
- إذا حسنت نيته و ارتكب فعلا تنفيذا لما أمرت به القوانين أو ما اعتقد أن اجراءه من اختصاصه و على كل حال يجب على الموظف أن يثبت أنه لم يرتكب الفعل إلا بعد التثبت و التحري و أنه كان يعتقد مشروعيته و أن اعتقاده كان مبنيا على أسباب معقولة ». و قد ادخل هذا النص في القانون المصري عام 1904 نقلا عن القانون البلجيكي
و الإيطالي .
لتنفيذ القوانين و اللوائح فيوجه المشرع أمره إلى موظف معين مع كيفية تنفيذ هذا الأمر و الشروط اللازمة حتى يعتبر هذا العمل مباح قانونا ، فان خالف الموظف هذه الشروط خرج عمله من دائرة الإباحة إلى دائرة التجريم ، و تحمل المسؤولية الجزائية الناجمة عنه.
لكن قد يلزم الشارع الأشخاص العاديين بأداء بعض الواجبات العامة (1) كإلزام الأشخاص بإبلاغ السلطات عما يعلموه من التخطيط لنشاطات من طبيعتها الإضرار بالدفاع الوطني ( المادة 91 قاع ج ) و إلزامهم بأداء الشهادة في حالة استدعاءهم أمام الجهات القضائية لأدائها ( المادة 222 قاإج ) ، و بما أن تنفيذ أمر القانون من طرف الموظف العام هو الأصل نتناوله ضمن العناصر التالية :
1- الموظف العام الحقيقي :
إن تحديد مفهوم الموظف العام لا ينتمي إلى القانون الجنائي بل هو من أفكار القانون الإداري و يثار التساؤل لمعرفة ما إذا كان يجب التقيد بالمفهوم الإداري للموظف العام في تطبيق أحكام المادة( 39 قاع ) ، أم هناك مفهوم ذاتي للموظف العام يختلف عن مفهومه الإداري فيما يتعلق بإباحة ما قد يصدر عنه من أفعال تشكل بحسب الأصل جريمة (*أ) ، و يعرف الفقه الإداري الموظف العام على انه « كل شخص يعهد إليه من سلطة مختصة بأداء عمل دائم في خدمة مرفق عام يدار بأسلوب الاستغلال المباشر»(2)
و قد أشار المشرع الجزائري إلى تعريف الموظف العام في المادة الرابعة من القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية التي تنص « يعتبر موظفا كل عون عين في وظيفة عمومية دائمة و رسم في رتبة السلم الإداري » (*ب) .
________________________
1)- د/ عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 80
2) - د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرج السابق ، ص 260 .
*أ) -إذا رجعنا إلى قانون العقوبات الجزائري نجد أن المشرع الجزائري لم يتقيد بالمفهوم الإداري للموظف في عدة مواضيع مثلا المادة 126 قاع ففي جريمة الرشوة أضفى صفة الموظف العام الحكمي عل
مقدمــة
الإنسان كائن اجتماعي لا يمكنه أن يعيش بمعزل عن أقرانه ، فهو عاجز عن الوفاء بمختلف حاجاته بمفرده ، فلا غنى له عن الحياة في بيئة اجتماعية يتأثر بها و يؤثر فيها من خلال التصرفات و السلوكات الصادرة عنه التي قد تكون نافعة و قد تكون ضارة نتيجة غريزة الأنانية و حب البقاء و التملك ، و تتمثل هذه الأفعال الضارة في الجرائم بمختلف صورها و درجاتها ، و من خلال الجريمة و رد الفعل عليها تكونت النواة الأولى لقانون العقوبات الذي جاء لحماية حقوق الأفراد و حرياتهم .
و تظهر الجريمة ككيان مادي يشمل السلوك الإجرامي الذي يقوم به الفاعل
و النتيجة الإجرامية الناتجة عن هذا السلوك و العلاقة السببية الرابطة بينهما ، و يعد هذا الفعل مجرما إذا ورد بتجريمه نص في قانون العقوبات أو القوانين المكملة له ، إلا انه في بعض الحالات قد يعتبر الفعل جريمة طبقا لنص قانوني لكن هذا النص لا يطبق عليه لوجود أسباب تعطل تطبيقه هي أسباب الإباحة و تتمثل في ، أمر و إذن القانون
و الدفاع الشرعي ، و رضا المجني عليه كسبب إباحة اقره القانون المقارن ، لان هذه الأسباب تعتبر الجانب السلبي في ركن المشروعية الذي ينبغي نفيه لتحقق صفة اللامشروعية في الفعل المرتكب ، كما أنها تفترض أن الفعل توافرت فيه كافة الأركان اللازمة لقيام الجريمة و المبينة في نص التجريم ثم ينحصر دورها في إخراج هذا الفعل من نطاق التجريم الى الإباحة .
و تقتضي الجريمة إضافة إلى وجود سلوك مادي يجرمه القانون وجود صلة نفسية بين هذا السلوك و الفاعل بأن يكون مدركا و حرا في اختياره ، فهي ليست كيانا ماديا خالصا بل كذلك كيان نفسي ، باعتبارها تصدر عن شخص يعده القانون مسئولا عنها متى توافرت لديه الأهلية الجزائية التي تجعله قادرا على التمييز بين الفعل المجرم و غير المجرم ، و تعطيه الاختيار بين إتيان الفعل أو الامتناع عنه.
فالمسؤولية الجزائية تثبت إذا اجتمع شرطان هما التمييز و حرية الاختيار ، فإذا انتفى أي من هذين الشرطين ترتب على ذلك امتناع المسؤولية الجزائية ، و منه جاءت تسمية الأسباب التي تنفي التمييز و حرية الاختيار بموانع المسؤولية ، و تتمثل في صغر السن ، و الجنون ، و السكر ، و حالة الضرورة ، و الإكراه .
و عليه إذا اقترن الفعل المجرم بسبب مبيح انتفت عنه صفة التجريم و إذا فقد مرتكبه التمييز و حرية الاختيار انتفت مسؤوليته الجزائية و من هنا تظهر أهمية هذا الموضوع .
علاوة على أن القواعد التي تقرر سببا للإباحة أو لامتناع المسؤولية تعتبر جزءا مكملا لقواعد التجريم فالقتل مثلا جريمة طبقا لنصوص التجريم إلا إذا ارتكب في حالة من حالات الإباحة ، و يعاقب المجرم على جريمته إلا إذا قام مانع من موانع المسؤولية فهذه القواعد دورها الحد من نطاق فاعلية نصوص التجريم فهي ترسم حدود قاعدة التجريم .
كما أنه بإقرار هذه القواعد تتحقق العدالة من خلال الاهتمام بشخصية الفاعل حين توقيع العقوبة ، فتوقيع عقوبة واحدة على فاعلين يختلف كل منهم في الدوافع ، والظروف التي قامت فيها الجريمة يتنافى و القيم الإنسانية فمن ارتكب جريمة سرقة لإحضار دواء لابنه المريض ليس كالذي يسرق لشراء الخمر ، و من يرتكب جريمة بسبق الإصرار
و الترصد ليس كمن ارتكبها فاقدا وعيه .
و يمكن من خلال أسباب الإباحة و موانع المسؤولية أيضا تحديد القانون الجديد الأصلح للمتهم ، لأنه قد يكون كذلك إذا كان النص الجديد يقرر سبب إباحة للفعل أو مانعا للمسؤولية لم يكن منصوصا عليه في النص القديم و بالتالي يستفيد منه المتهم .
كما يظهر أثر هذا الموضوع في ضبط أحكام المساهمة الجزائية .
و نظرا لهذه الأهمية التي يكتسبها هذا الموضوع نحاول التطرق إليه بشيء من التفصيل من خلال الإجابة على الإشكاليات التالية :
* إلي أي مدى يمكن أن تؤثر أسباب الإباحة و موانع المسؤولية في الصفة الإجرامية للفعل و المسؤولية الناجمة عنه ؟
* مــا مدى مصداقية رضا المجني عليه في محو الصفة الإجرامية عن الفعل باعتبار قانون العقوبات من النظام العام ، لا يجوز للفرد تعطيل تطبيقه بإرادته ؟
* إلى أي مدى يمكن اعـتبار السكر مانعا للمسؤولية إذا كان لإرادة الإنسان دخل فيه ؟
و للإجابة على هذه الإشكاليات اتبعنا المنهج التاريخي ، و التحليلي و المقارن وفق خطة تضم فصلين تناولنا في الفصل الأول أسباب الإباحة و قسمناه إلى مبحثين نعالج في المبحث الأول ماهية أسباب الإباحة و في المبحث الثاني تقسيم أسباب الإباحة بحسب الأشخاص المستفيدين منها ، أما الفصل الثاني فقد خصص لموانع المسؤولية و يندرج تحته كذلك مبحثين نعالج في المبحث الأول عموميات حول المسؤولية الجزائية ، و في المبحث الثاني تقسيم موانع المسؤولية ، و تفصيل الخطة كالآتي .
الخــــطة
مقدمــة
الـفصل الأول : أسبـاب الإبــاحة
المبحث الأول : ماهية أسباب الإباحة
المطلب الأول : مفهوم أسباب الإباحة
الفرع الأول : التطور التاريخي لأسباب الإباحة
الفرع الثاني : تعريف أسباب الإباحة
الفرع الثالث : التمييز بين أسباب الإباحة و الحالات المشابهة .
المطلب الثاني : آثار أسباب الإباحة
الفرع الأول : أسباب الإباحة و تعدد المساهمين .
الفرع الثاني : الغلط في الإباحة
الفرع الثالث : الجهل بالإباحة
المبحث الثاني : تقسيم أسباب الإباحة بحسب الأشخاص المستفيدين منها
المطلب الأول : الأسباب النسبية للإباحة
الفرع الأول : أمر القانون
الفرع الثاني : إذن القانون
المطلب الثاني : الأسباب المطلقة للإباحة
الفرع الأول : الــدفاع الشرعي
الفرع الثاني : رضا المجــني عليه
الفصل الثاني : مــوانع المسؤوليــة
المبحث الأول : عموميات حول المسؤولية الجزائية
المطلب الأول : مفهوم المسؤولية الجزائية
الفرع الأول: أساس المسؤولية الجزائية
الفرع الثاني : مراحل المسؤولية الجزائية
المطلب الثاني : انتقاء المسؤولية الجزائية
الفرع الأول : أركان المسؤولية الجزائية
الفرع الثاني : أسباب امتناع المسؤولية الجزائية .
الفرع الثالث : الفرق بين المسؤولية الجزائية و المدنية
المبحث الثاني : تقسيم موانع المسؤولية
المطلب الأول : موانع المسؤولية بسبب انعدام الأهلية
الفرع الأول : صغر السن
الفرع الثاني : الجنون
الفرع الثالث : السكر
المطلب الثاني : موانع المسؤولية بسبب انعدام حرية الاختيار
الفرع الأول : حـــالة الضرورة
الفرع الثاني : الإكراه
الخــــاتمة
الفصل الأول : أسبـــاب الإبـــاحة .
تستوجب الجريمة قيام المسؤولية الجزائية لمرتكبها ، و يتمثل أثر هذه المسؤولية في الجزاء الجنائي أيا كانت صورته ، لكن هناك حالات ترتكب فيها أفعال مخالفة للقانون
و لا يتحمل مرتكبها أي مسؤولية عنها ، و نكون بصدد هذه الحالات إذا توافر سبب من أسباب الإباحة .
و قد ثار خلاف بين الفقهاء حول موقع أسباب الإباحة في قانون العقوبات و انقسم الفقه بصدد ذلك إلى فريقين :
- فريق ألحق أسباب الإباحة بالمسؤولية الجزائية على أساس أنها من الأسباب الموضوعية لانعدام المسؤولية و تقابلها الأسباب الداخلية أو الذاتية لانعدام المسؤولية متمثلة في الجنون و الإكراه و صغر السن و ينتج عن كل هذه الأسباب عدم المساءلة الجزائية .
- فريق ألحقها بالركن الشرعي للجريمة لأنها تعدمه ، و من ثم تنتفي الجريمة لغياب أحد أركانها مستندا في ذلك إلى ما نص عليه قانون العقوبات الفرنسي القديم في المادتين 327- 328 و التي تقابلها المادة 39 في قاع الجزائري ، و إن كان المشرع الفرنسي قد تراجع عن رأيه في قانون العقوبات الجديد الصادر في سنة 1992 .
حيث أنه أعاد النظر في طبيعة الأفعال المبررة ، فلم تعد أسبابا لمحو الجريمة ، بل أصبحت من موانع المسؤولية (1) .
لذا ارتأينا أن ندرس في هذا الفصل ، الأفعال المبررة تحت عنوان أسباب الإباحة و يندرج تحت هذا الفصل ، مبحثين نعالج في المبحث الأول ماهية أسباب الإباحة و في المبحث الثاني تقسيماتها بحسب الأشخاص المستفيدين منها .
________________________
1)- د/أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، الطبعة الثانية ، الجزائر ، دار هومة ، سنة 2004
ص 135-136 .
المبحث الأول : مــاهية أسباب الإباحة
يقوم الركن الشرعي في الجريمة على وجود نص يجرم الفعل ،وعدم اقتران هذا الفعل بسبب مبيح فإذا توافر أحد أسباب الإباحة ارتفع الوصف الإجرامي عن الفعل فهذه الأسباب تعمل على إعدام الركن الشرعي للجريمة وبالتالي يخرج الفعل من دائرة التجريم إلى دائرة الإباحة .
فلإباحة إذن وصف يلحق بالفعل ولا شأن له بشخص الفاعل لذلك كانت أسبابا عينية
أو موضوعية تحول دون قيام المسؤولية أيا كان نوعها .لذلك سنعالج في هذا المبحث مفهوم أسباب الإباحة في المطلب الأول ونعالج في المطلب الثاني أثار أسباب الإباحة.
المطلب الأول: مفهوم أسباب الإباحة .
مهما توصلت القوانين الوضعية بشأن أسباب الإباحة فإنها لم ترق إلى ماهي عليه اليوم إلا خطوة خطوة ، ولم تعرف إلا سببا بعد سبب رغم بروزها إلى الوجود الفعلي في صورة حالات خاصة وحوادث عملية على خلاف الشريعة الإسلامية التي عرفت جميع هذه الأسباب منذ مدة تزيد عن 14 قرنا.
وحسب المادة 02 من الدستور الجزائري(*) وطبقا لمبدأ سمو الدستور ، فإن الدستور يعلو على قانون العقوبات لذا يتعين تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية على بعض الأفعال المباحة شرعا التي لم يرد بها نص في قانون العقوبات لذا يتعين تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية على بعض الأفعال المباحة شرعا التي لم يرد بها نص في قانون العقوبات
و رغبة منا في معرفة نشأة هذه الأسباب و أحكامها ، نعالج في هذا المطلب كخطوة أولية التطور التاريخي لهذه الأسباب ، ثم تعريفها ، ثم نميز بينها و الحالات المشابهة لها
الفرع الأول : التطور التاريخي لأسباب الإباحة .
لم تظهر أسباب الإباحة إلى الوجود دفعة واحدة و لم تعرف سابقا كما هي اليوم
و يرجع تاريخها إلى عمق العدالة الجزائية عبر تطورها البطيء ، و قد برزت إلى الوجود في صورة حالات خاصة و حوادث عملية ، كان يكتفي القضاء و المشرعون لاسيما في العهود الرومانية بضبطها و تدوينها حتى تكاثرت و تعددت ، فأصبحت أحكاما عامة
________________________
*) - نص المادة 02 من الدستور الحالي الصادر في 28 نوفمبر 1996 " الإسلام دين الدولة "
مسلما بها دون النص الصريح عليها ، بالإضافة إلى أن الشرائع الدينية نفسها قد تضمت بعض الأشكال منها كطريقة للمغفرة و المعذرة ، و الحل من الخطايا و الذنوب و الآثام
فكان لابد أن تتقبل الأعراق الاجتماعية مع الزمن في كافة الأقطار فكرة أسباب التبرير و لو كانت أصلا ذات وجه سلبي يتعارض مع التجريم لان الحكمة الشعبية المشتركة بنت هذه الأسباب على أساس المصلحة العامة ، و لو اضطرارا في تغليب الإباحة و التبرير على التجريم و التحريم بالنسبة لوقائع معينة ضمن شروط محددة
و لم تبلغ هذه الاعتبارات المتعارف عليها درجة المبادئ القانونية المقررة إلا مع انطلاقة التشريعات الجزائية المكتوبة في مطلع الربع الأول من القرن 19 إذا درجت ضمن غالبية القوانين التي لحظتها و تناولت نطاقها و مداها و أحوالها .
أولا: في القانون الفرنسي .
يمكن القول إن القانون الفرنسي الصادر في سنة 1810 قد كان سباقا في هذا المجال إذ نص لأول مرة على أسباب التبرير في المواد 327-328-329 .(1)
غير أنه يعاب على هذا القانون بعض الأخطاء :
- وضع أسباب التبرير في القسم الخاص من قانون العقوبات و ليس في القسم العام حيث مركزها الحقيقي ، و قد صرح بهذا معظم الفقهاء .
- حصر أسباب التبرير في الجنايات و الجنح الواقعة على حياة الإنسان و سلامته الجسدية فقط و على وجه الخصوص جرائم القتل و الجرح ، كما أن تلك الحالات تقتصر على الاعتداء على حياة الإنسان و سلامة جسمه فقط دون الحقوق المادية و المعنوية و المالية ، رغم أنها حالات و ظروف شاملة و متعددة غير أن الاجتهاد القضائي قد توسع في التفسير لجهة شمول أسباب التبرير كافة الأفعال الإجرامية المنطبقة عليها .
- يلاحظ أن حدود التجريم تتداخل مع أسباب التبرير مما يشكل ، خطرا قانونيا نظرا للتنافر القائم بين هاتين الوضعيتين المتعارضتين و لو كانتا متقابلتين اذ لكل منهما نطاق معلوم به ، فلا يجوز لتشريع جزائي أن يعاقب على نفس الفعل الذي يبيحه أو يبرر التصرف الواحد و هو يحظره.
_______________________
1) - د/ فريد الزغبي ، المسؤولية الجزائية ، المجلد الرابع ، الطبعة الثالثة، لبنان ، سنة 1995 ، ص 10-12-13 .
- جاءت أحكام القانون الفرنسي في هذا المجال ناقصة في اقتصارها على الدفاع الشرعي ، و إطاعة القانون ، و أمر السلطة و حتى في الجمع بين حالة الدفاع المشروع و حالة الضرورة بطريقة مباشرة و موحدة ، رغم الفرق الشاسع بينهما مما حمل الاجتهاد القضائي على الدور المكمل و المصحح (1) .
- من الطبيعي أن يكون لقانون نابليون الأثر البالغ على سائر التشريعات الجزائية فجاءت النصوص الخاصة بأسباب التبرير مضطربة سواء في اختصارها
و غموضها كما هو الحال في القانون البلجيكي ، أو إسهابها و تفصيلها كما في القانون الايطالي ، و قد وقعت غالبيتها في خطأ التبويب إذا أوردت أسباب التبرير تارة في فصل المسؤولية الجزائية ، و احيانا في قسم العقوبات و موانعها ، و أحيانا في معرض الظروف و الأعذار مما يؤدي الى اختلاط المعطيات القانونية و تدخلها .
ثانيا : في القانون العثماني .
جاء القانون العثماني في صيغته الموضوعية عام 1868 و المنقولة حرفيا عن القانون الفرنسي خاليا من القواعد العامة المتعلقة بأسباب التبرير كحالات و أوضاع قانونية رغم التعديل الطارئ عليها سنة 1911 فلم ينص إلا على الدفاع المشروع عن النفس فقط .
ثالثا : في القانون اللبناني
لقد ضمن المشرع اللبناني في نصوص صريحة و واضحة كافة أسباب التبرير عام 1939 ، فاعتبرها أصلا في المادة( 183 قاع )من باب ممارسة الحق بغير تجاوز ثم عدد الحالات الواقعية لها فخصص المادة( 184 قاع) للدفاع المشروع و المادة (185 قاع) لأمر السلطة و المادة 186 قاع لإجازة القانون بعض الأفعال ، المادة 187 قاع لموافقة الضحية ( لرضا المجني عليه ) . و لقد سايرت مختلف التشريعات الجزائية فيما يخص أسباب التبرير القانون اللبناني بدليل أن القانون السوري و من بعده الأردني فالقانون الكويتي اعتمدوا نفس المبادئ في النصوص شكلا و مضمونا .
رابعا : في القانون المصري .
لم يجد القانون المصري الصادر عام 1883 ضرورة لتحديد مبدأ إباحة الأفعال
________________________
1)- د/ فريد الزغبي ، المسؤولية الجزائية ، المرجع السابق ، ص 15
التي تمنحها القوانين أو الأعراف المختلفة للأشخاص الطبيعيين على اعتبار أن هذا المبدأ هو من البداهة فلا يحتاج للذكر على وجه الخصوص ، فاكتفت المادة الأولى منه بشرط عدم الإخلال في أي حال من الأحوال بالحقوق الشخصية المقررة في الشريعة الغراء استنادا إلى أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد لأسباب التبرير ، و قد سببت هذه المادة تناقضات بالغة حملت مجلس الشورى في عام 1903 على اقتراح وضع نصوص صريحة في هذا الخصوص أدخلت فعلا في التشريع الصادر عام 1904 (1) .
خامسا : في القانون الجزائري .
نص المشرع الجزائري على أسباب الإباحة في المادة 39 قاع و كذلك المادة 40 قاع (*) ، حيث و من خلال المادة 39، 40 قاع نجد أن المشرع الجزائري حصر أسباب الاباحة فيما يأمر به القانون و يأذن به ، و الدفاع الشرعي و رتب على توافر أي سبب منها محو الصفة الإجرامية عن الفعل حيث أنه لم يكتفي بالقول « لا جناية و لا جنحة » بل قال « لا جريمة » .
و بعد التطرق لهذه اللمحة التاريخية عن أسباب الإباحة يجدر بنا معرفة مصادر
و أساس الإباحة . من خلال تعريف أسباب الإباحة في الفرع الموالي .
الفرع الثاني : تعريف أسباب الإباحة
نعرف أسباب الإباحة على أنها « الحالات التي تنتفي فيها عن السلوك صفته غير المشروعة » (2) .
و هناك من يعرفها على أنها « ظروف مادية تطرأ وقت ارتكاب الفعل المجرم فتزيل عنه الصفة الإجرامية و تحيله إلى فعل مبرر ارتكابه » (3) .
و لو لا قيام هذه الظروف لتحققت المسؤولية الجزائية ، و من خلال هذا التعريف
_______________________
1)-د/ فريد الزغبي ، المسؤولية الجزائية ، المرجع السابق ، ص 16-17 .
*)-أشار المشرع الجنائي إلى أسباب الإباحة في الكتاب الثاني المتعلق بالأفعال و الأشخاص الخاضعين للعقوبة من الباب الأول
( الجريمة ) من الفصل الرابع ( الأفعال المبررة ) .
2) - د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " الطبعة لا توجد ، مصر ، ديوان المطبوعات الجامعية
سنة 2003 ، ص 243
3) - د/كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات ، الطبعة الأولى ،الأردن، دار الثقافة ، سنة 2002 ، ص 127 .
نستنتج أن أسباب الاباحة ترد على سلوك جرمه القانون ، و تحدث مفعولها فيه من حيث رفع الصفة الإجرامية عنه ، و لا محل لها بشأن سلوك مجرد أصلا من وصف الجريمة ، لان هناك فرق بين السلوك الذي لم ينص القانون على تجريمه و السلوك المجرم الخاضع لسبب إباحة ، فإذا كان الفعل الأول محل دعوى عمومية فما على القضاء إلا أن يتأكد من عدم وجود هذا النص في حين أن الفعل الثاني هناك نص جرمه و لو لا سبب الاباحة الذي طرأ وقت ارتكابه لا نطبق عليه نص التجريم ، و تحققت المسؤولية الجزائية قبل الفاعل إذا ما توافر عنصراها فيه و هما الوعي و الإرادة (1) .
و نتطرق فيما يلي لمصادر أسباب الإباحة .
أولا : مصــادر أسباب الإباحة
يعتبر بعض الفقهاء أن القاعدة في الأصل بالنسبة لسلوك الإنسان و نشاطه و تصرفاته هي الإباحة على أساس أن ما يقوم به الشخص هو مسموح له به و أن التجريم في معرض ذلك ليس إلا استثناءا على تلك القاعدة العامة المطلقة ، و تأتي أسباب الإباحة كاستثناء على هذا الاستثناء لترد الفعل إلى أصله من المشروعية بعد أن كان مجرما (2) .
و ينادي آخرون بإسناد سبب التبرير إلى مصدر التجريم نفسه (3) إذ أن الإباحة القانونية تقتصر على الأفعال الملحوظة صراحة في التشريع الجزائي لعلة كونها جرائم أصلا لا أعمالا مشروعة في طبيعتها و بالتالي هي غير مشروعة منذ البداية بمجرد قيام العناصر التنفيذية المادية المكونة لها .
و قد تجد الاباحة مصدرها في النصوص القانونية سواء كانت نصوص في قانون العقوبات كما في حالة أمر و إذن القانون ، و الدفاع الشرعي ، أم نصوص قانونية أخرى غير جنائية كالقانون المنظم لمهنة الطب ،و قانون تنظيم الصحافة حيث أن هذا الأخير مثلا يقرر للصحفيين حق ممارسة النقد و نشر الأنباء و لو ترتب عن ذلك جريمة القذف و إفشاء الأسرار شرط عدم تجاوز الحدود المنصوص عليها قانونا في هذا المجال
________________________
1)- د/ محمود محمود مصطفى ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، الطبعة لا توجد ، مصر ، دار النهضة العربية ، سنة 1974 ، ص 130 .
2)- د/ عبد الله سليمان ، شرح قانون العقوبات الجزائري " القسم العام " ، الطبعة لا توجد ، الجزائر " بن عكنون " ، ديوان المطبوعات الجامعية ، سنة 1998 ، ص 117 .
3)- د/ فريد الزغبي ، المسؤولية الجزائية ، المرجع السابق ، ص 21 .
و قد تتمثل مصادر الإباحة في واقعة تتفق مع طبائع الأشياء كما في رضا المجني عليه متى كان ذلك ممكنا و جائز (1)، فهذا الرضا لا يستند إلى نص قانون صريح .
و يذهب جانب من الفقه إلى أن العرف يصلح أن يكون مصدرا للإباحة شرط استبعاد الأعراف المخالفة للقانون التي لا يمكن لها أن تنشأ الإباحة و تعطل أحكام التجريم المقررة قانونا ، لأنها تبقى غير مقبولة حتى لو كانت قيد الممارسة الفعلية .
ويرى جانب آخر من الفقه أن أثر العرف لا يمكن أن يصل إلى حد أن يكون مصدرا مباشرا للإباحة و إلا كان معنى ذلك ، الإقرار بصلاحية العرف لأن يعطل نصا قانونيا صريحا إذا تعارف الناس على خلاف ما يقتضي به .
إلا أنه يمكن للعرف أن يؤثر في إباحة بعض الأفعال بطريق غير مباشر ، رغم عدم وجود نص قانوني صريح أو ضمني تستفاد منه هذه الإباحة (2) ، نجد مثلا دور العرف في تطبيق القانون الذي يعاقب على الفعل الخاضع المخل بالحياء ، فالقانون لم يحدد تعريف هذا الفعل ، و يبقى ذلك خاضعا للسلطة التقديرية للقاضي التي يستند فيها إلى ظروف الزمان و المكان و ما تعارف عليه الأفراد ، فجرى العرف على اعتبار أفعال معينة غير مخلة بالحياء إذا ارتكبت في زمان أو مكان معين كالظهور على الشواطئ بملابس الاستحمام أو في الطريق العام بملابس لا تستر كل أجزاء الجسم (3) .
و فيما يلي نتعرف على العلة التي تقرر تبرير الفعل بعد تجريمه .
ثانيا : أساس الإباحة .
تقوم نصوص قانون العقوبات بحماية حقوق الأفراد و حرياتهم من خلال تجريم كل الأفعال التي تعد مساسا بها و تقرير الجزاء الجنائي المناسب لها فهي تجرم القتل لأنه يعد اعتداء على حق الإنسان في الحياة ، و تجرم فعل الإيذاء لأنه يمس بسلامة جسم الإنسان ، و تجرم السرقة لأنها تمثل اعتداء على حق الملكية و غيرها من الأفعال التي تمس بمصالح الأفراد و بمفهوم المخالفة المشرع لا يجرم أفعالا لا تمثل اعتداءا
________________________
1)- محمود زكي أبو عامر ، القسم العم من قانون العقوبات ، الطبعة لا توجد ، مصر ، دار الجامعة الجديدة ، سنة 2002 ص 193- 194 .
2)-: د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 259 .
3)- د/ محمود محمود مصطفى ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 164 .
على حق جدير بالحماية ، و منه يمكن القول أن هناك صورتين لا يمكن الادعاء فيهما أن الفعل المرتكب يشكل عدوانا على حق جدير بحماية المجتمع (1) .
* الصورة الأولى : انتقاء علة التجريم
أي ارتكاب الفعل في ظروف تنتفي معها علة التجريم فتصبح المصلحة المحمية غير جديرة بالحماية مع توافر تلك الظروف ، بحيث يصبح الفعل غير منتج للعدوان كما كان في الأصل إعتداء على حق يحميه القانون ، فالجرح الذي يقوم به شخص لأخر هو اعتداء على حق المجني عليه في سلامة جسمه لذا يعد جريمة لكن عندما يقوم به طبيب قصد علاج المريض لا يعتبر منتجا لأي اعتداء لأنه و إن مس بماديات الجسم إلا أنه لا يهدر مصلحة الجسم في أن يسير يسرا طبيعيا ، و الضرب الذي يقوم به شخص لآخر يجرمه القانون حماية لحق الإنسان في سلامة جسمه ، لكن أفعال الضرب إذا صدرت من زوج استعمالا لحقه في تأديب زوجته وفقا للضوابط القانونية تنتفي صفتها غير المشروعة .
• الصورة الثانية : حالة ما إذا كان الفعل منتجا للاعتداء على حق لكن ارتكابه في الظروف التي تم فيها ينطوي على صيانة حق أجدر بالحماية من الحق المهدور. فالقتل جريمة لأنه اعتداء على حق المجني عليه في الحياة لكنه إذا وقع في حالة دفاع شرعي لا يعد كذلك ، لأن المشرع يرى أن حق المدافع في الحياة أجدر بالحماية من حق المعتدي في الحياة (2) ، و ذلك في إطار الموازنة بين المصالح المتعارضة للأفراد و إيثار مصلحة أولى بالرعاية تحقيقا للصالح العام و هو هدف كل نظام قانوني حيث أن المصلحة العامة تتحقق بإيثار مصلحة المدافع في درء الاعتداء على مصلحة من بادر بالاعتداء .
و سبب هذا الانحياز العادل هو أن المجني عليه – المعتدي – باعتدائه قد هبط بقيمة
________________________
1)- د/كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 128 .
2)- د/ عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، الطبعة الرابعة ، الجزائر ، " بن عكنون " ديوان المطبوعات الجامعية ، سنة 1994 ، ص 67 .
حقه في نظر المجتمع الذي آثر صيانة حق المعتدي عليه و إلا كان هو القتيل (1) و بعد تعريف أسباب الإباحة و معرفة التطور التاريخي لها نحاول التمييز بينها و الحالات المشابهة لها فيما يلي :
الفرع الثالث : التمييز بين أسباب الإباحة و الحالات المشابهة لها .
تختلف أسباب الإباحة عن موانع المسؤولية و موانع العقاب من حيث طبيعتها
و الآثار المترتبة عنها ، و تبعا لذلك نتعرض للتمييز بين أسباب الإباحة و موانع المسؤولية ثم نميز بين أسباب الإباحة و موانع العقاب فيما يلي :
أولا : التمييز بين أسباب الإباحة و موانع المسؤولية
- من حيث الطبيعة : أسباب الإباحة ظروف موضوعية – مادية – تتصل بالركن الشرعي للجريمة و لا علاقة لها بشخص الفاعل ، فلا تضم أي عناصر شخصية إلا استثناءا ، فقد تدخل بعض العناصر الشخصية في تكوين سبب الاباحة كاتجاه نية الوالد إلى تهذيب ابنه في ممارسة حق التأديب ، و اتجاه نية الطبيب إلى شفاء المريض في ممارسة الأعمال الطبية (2) . و مثل هذا الاستثناء لا يؤثر على الأصل الذي يقوم على الطبيعة المادية لأسباب التبرير (3) .
أما موانع المسؤولية فهي أسباب مرتبطة بمرتكب الجريمة تجعل إرادته غير معتبرة قانونا بتجريدها من التمييز و حرية الاختيار ، و لا تثار إلا بعد نسبة الجريمة إلى مرتكبها أي أنها أسباب لا تقدير لها في السلوك الإجرامي ، فهي ظروف شخصية تتعلق بالفاعل و تجعل إرادته غير معتبرة قانونا ، و بعبارة أخرى تتصل بالركن المعنوي للجريمة .
- من حيث الآثار: أسباب الإباحة موضوعية في آثارها بحيث ينصرف أثرها إلى الفعل مباشرة فتبيحه ، مما يؤدي إلى انتفاء أي نوع من المسؤولية عن هذا الفعل سواء كانت مسؤولية جنائية ، أو مدنية أو تأديبية و بالتالي لا مجال لتطبيق أي عقوبة أو تدبير أمن ( تدبير احترازي ) .
________________________
1)- د/كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 129 .
2)- د/ عادل قوره ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 68 .
3)- د/ محمود محمود مصطفى ، شرح قانون العقوبات ، " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 141
أما موانع المسؤولية فهي أسباب شخصية مجالها إرادة الجاني و لا علاقة لها بالركن الشرعي للجريمة ، و من ثم لا ترتفع صفة اللاشرعية عن الفعل ، وإنما تمنع من ترتيب الآثار القانونية الجزائية بحق مرتكب الجريمة ، و يقتصر أثرها علي نفي المسؤولية الجزائية ، إلا أنها لا تنفي الخطورة الإجرامية لدى الفاعل فيجوز تطبيق تدبير احترازي اتجاهه .
ثانيا : أسباب الإباحة و موانع العقاب .
- من هذه الطبيعة : إن موانع العقاب لا تتعلق بأي ركن من أركان الجريمة لان هذه الأخيرة تظل قائمة طالما وجدت أركانها ، و تقوم المسؤولية الجزائية إذا لم يكن هناك أي مانع من موانع المسؤولية بينما أسباب الإباحة تنفي قيام الجريمة لاتصالها بالركن الشرعي للجريمة .
- من حيث الآثار : في أسباب الإباحة تنتفي المسؤولية الجزائية و المدنية أما في موانع العقاب فإنها تكون قائمة ، و مع ذلك يقدر المشرع لاعتبارات المنفعة العامة عدم توقيع العقاب ، و ذلك ما أورده المشرع الجزائري في المادة (52/1 قاع ) كما أن أسباب الإباحة يستفيد منها كل من ساهم في الفعل عكس موانع العقاب فهي شخصية لا يستفيد منها إلا الشخص الذي توافرت في حقه (1) .
و من أمثلة موانع العقاب صلة القرابة كالأصل ، و الفرع و الزوجة في جرائم السرقة و خيانة الأمانة ، و النصب ، وإخفاء الأشياء المسروقة التي تقررها المواد 368 ، 377 ، 389 قاع متى وقعت هذه الجرائم من أحد الأصول الفروع أو أحد الزوجين لا يتم العقاب عليها رغم قيام الجريمة و المسؤولية الجزائية المترتبة عنها .
و قد تتجسد المنفعة الاجتماعية في أن تكون جرائم عسيرة الاكتشاف فيغري القانون أحد المساهمين أو الفاعلين باعفاءه من العقوبة ، إن هو أسدى خدمة للمجتمع بأن كشف عن الجريمة و المساهمين فيها و تطبيقات ذلك كثيرة في قانون العقوبات الجزائري مثلا المادة( 179 قاع ) و المادة( 192/1قاع ) و بعد التعرف على المفاهيم العامة حول أسباب الإباحة نعالج في المطلب الثاني آثار أساب الإباحة . ________________________
1)- د/ عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ،ص 68 .
المطلب الثاني : أثار أسباب الإباحة .
يعد الفعل المقترن بسبب من أسباب الإباحة فعلا مشروعا و يترتب على ذلك
- اعتبار كل من ساهم فيه كفاعل أصلي أو شريك بريء باعتباره قد ساهم في عمل مشروع أو مبرر .
و بما أن أسباب الإباحة تنحصر في الظروف المادية للفعل لا الظروف الشخصية للفاعل ينجر عن ذلك .
- عدم الاعتداد بالجهل بالإباحة كما ينحصر تأثير الغلط في الركن المعنوي للجريمة ، و هذا مل سنتطرق إليه بالتفصيل في الفروع التالية :
الفرع الأول : أسباب الإباحة و تعدد المساهمين .
يعاقب القانون على الجريمة عندما تكتمل أركانها و لا يقوم أي مانع من موانع المسؤولية ، سواء ارتكبها شخص واحد أو عدة أشخاص ، و في المقابل يستفيد من أسباب الإباحة جميع المساهمين في الفعل المبرر فاعلين كانوا أم شركاء أم متدخلين أم محرضين .
إلا أن هذا الأمر ليس مطلقا إذ يجب لبيان أثر أسباب الإباحة في المساهمة الجزائية أن نفرق بين أسباب الإباحة النسبية و المطلقة ، فإذا كان سبب الإباحة مطلقا كالدفاع الشرعي مثلا استفاد منه جميع المساهمين فاعلين أصليين كانوا أم شركاء أم محرضين أم متدخلين، أما إذا كان السبب نسبيا فلا يستفيد منه إلا من قام فيه هذا السبب ، فلا يستفيد من يقوم بالعمليات الجراحية من الإباحة بإذن القانون إلا إذا كان طبيبا و لا يستفيد من ينفذ أمر الرئيس الواجب طاعته من الاباحة بأمر القانون إلا إذا كان موظفا مختصا لأن القانون هنا يتطلب فيمن يقوم بهذا الفعل أن يحتل مركزا قانونيا أو يتمتع بصفة قانونية تخوله القيام بهذا الفعل (1) .
و لكن يستفيد من سبب الإباحة من قام بمساهمة تبعية في الفعل ، فيستفيد من ساعد الطبيب على العمليات الجراحية لأنه لا يرتكب العمل المبرر لغيره بنفسه ، و إنما يساهم فيه مجرد مساهمة تبعية .
________________________
1) - د/كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 129-130 .
الفرع الثاني : الغلط في الإباحة
يعتبر الغلط في الإباحة الصورة المقابلة للجهل بالإباحة ، و يعبر بعض الفقه عن هذه الحالة بالبراءة الظنية (1) ، و هي أن يتصور الإنسان العادي العاقل وجود ظروف
و ملابسات ووقائع منطقية ، و حقيقية و تؤكد أن سلوكه مشروع و غير معاقب عليه استنادا لأحد أسباب الإباحة (2) .
مثال ذلك أن يعتقد شخص أن هناك خطر يهدده في نفسه أو حالة فيقتل من ظن أنه مصدر الخطر ثم يتبين عدم وجود مثل هذا الخطر على الإطلاق أو حالة الموظف
الذي يفشي سرا أئتمن عليه اعتقادا أن صاحب السر راض عن إذاعته ، ثم يتبين أن
صاحبه لم يرض بذلك .
و إذا بحثنا عن أثر الغلط في الإباحة على المسؤولية الجزائية للفاعل في قانون العقوبات الجزائري لا نجد نصا تناولها على خلاف ما هو عليه في بعض التشريعات العربية الأخرى (*) .
و مع ذلك نقول أن الغلط في الإباحة لا يعدل الإباحة ، و يبقى الفعل المرتكب غير مشروع لتخلف حالات الإباحة حسب الشروط المحددة قانونا ، و تفسير ذلك أن الغلط في الإباحة لا ينف الركن الشرعي للجريمة لكنه يؤثر في الركن المعنوي .
و قد ينفي الغلط الركن المعنوي كليا إذا كان اعتقاد الشخص بتوافر الإباحة مبنيا على أسباب معقولة قياسا على حالة شخص معتاد وجد في نفس ظروفه (3) ، كأن يشاهد حارس ليلي قدوم شخص نحوه فينادي عليه فلا يجيبه ، ثم يطلق عيارا ناريا في الهواء
________________________
1)-د/ نظام توفيق المجالي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، الطبعة الأولى ، الأردن ، دار الثقافة
سنة 2005 ، ص 139 .
2)- د/ محمد على السالم عياد الحلبي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، الطبعة لا توجد ، الأردن ، مكتبة الثقافة للنشر و التوزيع ، سنة 1997 ، ص 165 .
*) - تنص المادة 63 قاع المصري " لا يعد جريمة العمل غير المشروع الذي يرتكبه الموظف بعد التثبت و التحري اذا كان يعتقد بمشروعيته و كان اعتقاده مبنيا على أسباب معقولة " .وورد تطبيق لهذه الفكرة في المادة 56 من قاع الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة ، " لا يعد جريمة اذا وقع الفعل استعمالا لحق الدفاع المشروع اذا واجه المدافع خطرا حالا على نفسه أو ماله أو اعتقد قيام هذا الخطر و كان اعتقاده مبنيا على أسباب معقولة " .
3) - د / سليمان عبد المنعم ، النظرية العامة لقانون العقوبات ، الطبعة لا توجد ، مصر ، دار الجامعة الجديدة
سنة 2000 ، ص 374 .
فلا يتوقف ، و من ثم يبادر بإطلاق عيار ناري يصيبه في رجله ، ثم يتضح أن ذلك الشخص لم يكن إلا عابر سبيل لم يسمع النداء لأنه أصم فينتفي القصد الجنائي لقيام سبب من أسباب الإباحة هو أداء الواجب ، و بنتفي الخطأ غير العمدي لان الفاعل قد تثبت
و تحرى قبل استعمال السلاح في سياق المجني عليه .
و قد ينفى الغلط القصد الجنائي فقط و يبقى الشخص مسؤولا عن خطأ غير عمدي إذا كان لا يستند في اعتقاده بتوافر الإباحة إلى أسباب معقولة ، إذ يكون غلطه في الإباحة هنا مشوبا بالخطأ (1) ، كالحارس الذي يطلق النار على عابر سبيل مر به في الضلام فيرديه قتيلا لمجرد أنه ناداه فلم يجبه ، يكون قد أطلق النار دون تبصر و تروي ، فيتابع بجريمة القتل الخطأ ، و نشير أن الغلط في الإباحة ينصب على الوقائع التي أحاطت بارتكاب الفعل ، أو إذا انصبت على قانون آخر غير قانون العقوبات (2) .
الفرع الثالث : الجهل بالإباحة
يعبر بعض الفقهاء عن هذه الحالة بالجريمة الظنية (3) ، و نكون أمام هذه الحالة عندما يأتي شخص فعلا أو يمتنع عنه معتقدا أن ذلك غير مشروع و بالتالي يعاقب عليه بينما في الواقع فعله اقترن بسبب مبيح كان يجهله أو يعتقد عدم وجوده و قد يكون مرجع هذا الجهل بالإباحة غلط أو جهل بالقانون مثال ذلك الشخص الذي يدفع الاعتداء عليه بالقوة و هو يجهل أن القانون يبيح له الدفاع الشرعي ، و قد يكون مرجعه جهل بالوقائع ، كالطبيب الذي يجري عملية جراحية لمريض فيموت على أثرها ، فيعتقد الطبيب أن القانون سيعاقبه لعدم رضا المريض بالعلاج في حين يكون المريض قد وقع وثائق تثبت رضاه بإجراء هذه العملية له ، و هنا ثار التساؤل حول إمكانية تبرير الفعل بناءا على الوجود الفعلي للظرف المبرر أم اقتران الوجود الفعلي له العلم به .
انقسم الفقهاء على أنفسهم بصدد الإجابة على هذا التساؤل حيث :
________________________
1)- د/ محمود نجيب حسنى ، شرح قانون العقوبات اللبناني " القسم العام " ، الطبعة لا توجد " لبنان ، دار النهضة سنة 1968 ، ص 158 .
2)- د/ نظام توفيق المجالي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 140 .
3)- د/ كامل السعيد ، شرح الأحكام العامة في قانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 130 .
- يرى بعض الشراح الألمان أن الفعل يكون مبررا ، بمجرد توافر شروط أسباب التبرير بغض النظر عن علم الفاعل بوجودها ، كنتيجة حتمية للطبيعة المادية لأسباب التبرير .
- ذهب البعض الآخر منهم إلى أن الفعل لا يكون مبررا إلا إذا انصرفت النية إلى جعله متجاوبا مع مقتضى الظرف و ما عدم العلم بوجود الظرف المبيح إلا قرينة على عدم انصراف نية الفاعل إلى إعماله في واقعة الحال ، ووفقا لهذا الرأي الوجود
الفعلي للسبب المبرر لا يغني عن ضرورة العلم بوجوده .
- توسط الرأيين السابقين رأي ثالث ذهب إلى أن ارتكاب شخص جريمة ما مع
وجود سبب مبرر لها لا يعلم به ، ينسب إليه مجرد شروع فيه لا جريمة كاملة .
و قد حسمت بعض القوانين صراحة هذه المسألة (*) .
أما قانون العقوبات الجزائري فقد خلا من نص صريح يتضمن هذه الحالة ، ذلك أن الأصول العامة في القانون لا تحتاج إلزاميا إلى نص صريح يقررها قياسا على تحديد الجريمة و أركانها ، فالجريمة استثناء يجب ضبطه حتى يكون الأفراد على علم به أما الأفعال التي أجازها القانون لا حاجة لأن يقوم بتحديد عناصرها حتى يتطلب العلم بها كما أن الحالة النفسية للفاعل ، و العلم بالتكييف القانوني للفعل المرتكب يتطلبه الركن المعنوي للجريمة ، و ليس عنصرا لانتفائها .
و بما أن أسباب الإباحة ذات طبيعة موضوعية فإنها تحدث أثرها من حيث تعطيل مفعول النص القانوني بغض النظر عن نفسية مرتكب الفعل سواء كان عالما بقيام السبب المبرر أو جاهلا وجوده فالفعل يكون مبررا في الحالتين ، و قد عرض الأمر على محكمة النقض المصرية فقضت في حكمها الصادر في 03-12-1934 ، " أن تفتيش ضابط البوليس منزل المتهم بغير رضاءه لا يكون صحيحا إلا إذا كان الضابط مأذونا من النيابة العامة بإجراء هذا التفتيش و عالما بهذا الإذن قبل إجراء التفتيش فعلا و مؤدى هذا الحكم أنه يلزم علم الفاعل بقيام سبب الإباحة حتى يستفيد منه "
________________________
*) - تنص المادة 202 / 02 من قاع السوري " لا يعاقب من ارتكب فعلا وظن خطأ أنه يكون جريمة " .
1) - د/عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص70 .
و قد تعرض هذا الحكم لنقد الفقه المصري تأسيسا على الأثر الموضوعي لأسباب الإباحة .
هذا في حالة الجهل بقيام السبب المبيح ، أما إذا خرج الفاعل عن الضوابط التي حددها المشرع للاستفادة منه ، تعطل سبب الاباحة ووجب مساءلة الشخص عن الجريمة وتختلف هذه المساءلة حسب الموقف النفسي للفاعل من منظور الركن المعنوي.
• فإذا تعمد الخروج عن الشروط التي يقررها القانون لتوافر الإباحة أعتبر عمله جريمة مقصودة و يسأل الفاعل عن جريمة مقصودة متعمدة لأنه قام بالفعل عن علم و إرادة .
• أما إذا حدث التجاوز نتيجة إهمال أو خطأ أو عدم احتياط لا يصدر عن الإنسان العادي إذا وجد في نفس الظروف و الملابسات ، فيسأل عن الفعل المجرم بوصف الخطأ أي يسأل عن جريمة غير مقصودة (1) .
• أما إذا حدث التجاوز نتيجة حادث فجائي أو إكراه معنوي فان الفاعل لا يكون مسؤولا (2) .
و بعد أن انتهينا في هذا المبحث من دراسة المبادئ العامة حول أسباب الإباحة ننتقل إلى المبحث الثاني الذي خصصناه لدراسة أقسام أسباب الإباحة.
المبحث الثاني : تقسيم أسباب الإباحة بحسب الأشخاص المستفيدين منها .
تنص المادة 39 قاع « لا جريمة :
- إذا كان الفعل قد أمر أو أذن به القانون .
- إذا كان الفعل قد دفعت إليه الضرورة الحالة للدفاع المشروع عن النفس أو عن الغير أو عن مال مملوك للشخص أو للغير بشرط أن يكون الدفاع متناسبا مع جسامة الاعتداء ».
« تنص المادة 40 قاع « يدخل ضمن حالات الضرورة الحالة للدفاع المشروع
القتل أو الجرح أو الضرب الذي يرتكب لدفع اعتداء على حياة الشخص أو سلامة
_____________________
1)- د/ محمد علي السالم عياد الحلبي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 17 .
2) - د/ محمود محمود مصطفى ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 147 .
جسمه أو لمنع تسلق الحواجز أو الحيطان أو مداخل المنازل ، أو الأماكن المسكونة أو توابعها أو كسر شيء منها أثناء الليل .
- الفعل الذي يرتكب للدفاع عن النفس أو عن الغير ضد مرتكبي السرقات أو النهب بالقوة ».
و يلاحظ أن المشرع الجزائري حصر أسباب الإباحة في قانون العقوبات في آمر القانون و إذنه ، و الدفاع الشرعي ، أما رضا المجني عليه فلم بنص عليه كسب إباحة في قانون العقوبات و ذلك أن المبدأ العام يقضي بأن لا أثر له في نفي الجريمة و أثرها و مع ذلك هناك استثناءات على هذا المبدأ عززتها بعض التشريعات التي بدأت تتجه نحو الأخذ برضا المجني عليه كسب إباحة . لذلك سنتطرق لدراسة هذه الأسباب الأربعة مجتمعة كأسباب إباحة بشيء من التفصيل ، و إذا جئنا إلى تقسيم أسباب الإباحة وجدنا أن هناك عدة تقسيمات باختلاف المعايير المعتمدة في ذلك ، فنجد مثلا أنها تنقسم إلى أسباب خاصة و أسباب عامة ، فالأسباب الخاصة هي التي تتعلق بجريمة أو جرائم معينة مثل حق الدفاع أمام المحاكم باعتباره سببا خاصا لإباحة جرائم القذف و السب بشروط محددة ، أما الأسباب العامة هي التي لا تتقيد بجريمة معينة بل يمكن أن تتوافر بالنسبة لجميع الجرائم كالدفاع الشرعي و لا أهمية لهذا التقسيم إلا فيما يتعلق بتحديد مجال الإباحة من حيث الجرائم التي يشملها سبب الإباحة ، كما تقسم أسباب الإباحة وفقا لمعيار الأشخاص المستفيدين منها إلى أسباب نسبية و أسباب مطلقة ، و أسباب الإباحة النسبية هي التي لا يستفيد منها إلا من تتوافر فيه صفة معينة دون غيره من الأفراد (1) ، مثل أداء الواجب ( أمر القانون ) بالنسبة للموظف العام و إذن القانون ( استعمال الحق ) بالنسبة لأشخاص معنيين ، أما أسباب الإباحة المطلقة هي التي يستفيد منها كافة الناس دون شروط خاصة و تعيين للذات مثل الدفاع الشرعي و رضا المجني عليه ، و قد تبنينا هذا التقسيم في بحثنا هذا و سنحاول التطرق في المطلب الأول للأسباب النسبية للإباحة و نتطرق في المطلب الثاني للأسباب المطلقة للإباحة .
________________________
1)- د/فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 243 – 249 .
المطلب الأول : الأسباب النسبية للإباحة
تتمثل في أمر القانون و إذنه ، و لا تقتصر عبارة قانون على النص الصادر عن السلطة التشريعية فحسب بل تتسع لتشمل كل قاعدة تنظيمية تقرر حقا (1) .
و يقصد بأمر القانون أو كما يعبر عنه بعض الفقه « ممارسة السلطة أو أداء الواجب »
« إباحة الأفعال التي يقوم بها الموظفون العموميون من تنفيذ نصوص القانون و أوامر الرؤساء الإداريين واجبة الطاعة و لو كانت تشكل بحسب الأصل جرائم » (2) .
و يكمن سبب إباحة الأفعال التي يأمر بها القانون في النص القانوني ذاته ، إذ لا يعقل أن يأمر القانون أو يرخص للموظف بتنفيذ حكم أو أمر رئيس إداري ثم يعاقبه فيما بعد لو قام به (*أ) .
بالرجوع إلى نص المادة ( 39 قاع ) نجد أنها لم تحدد الأفعال التي تشملها الإباحة إذا ارتكبت بناءا على أمر القانون أو اذنه ، فقد جاء مدلول النص عاما و شاملا بحيث يشمل جميع الأفعال التي تعتبر جرائم لو لم يأمر بها القانون أو يأذن بها ، كما لم يحدد لمشرع الجزائري شروط و ضوابط تطبيق هذا النص (*ب) ، و نعالج في الفرع الموالي أمر القانون ثم في الفرع الثاني إذن القانون .
الفرع الأول : أمر القانون .
نعالج أمر القانون كسبب إباحة من خلال العناصر التالية :
أولا : المكلف بتنفيذ أمر القانون .
الأصل أن تنفيذ القانون و أداء الواجبات العامة مهمة ممنوحة للموظفين فهم المؤهلين
________________________
1)- د/ أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، مرجع سابق ، ص 137 .
2)- د/ سليمان عبد المنعم ، النظرية العامة لقانون العقوبات ، المرجع السابق ، ص 135 .
(*أ)- لذلك يري البعض أن ممارسة السلطة كسبب إباحة تعنى تنازعا بين النصوص ، النص الذي يجرم و يعاقب
و النص الذي يبيح و يرخص .
(*ب)- عكس من هو في المادة 63 قاع مصري « لا جريمة إذا وقع الفعل من موظف أميري في الأحول التالية : - إذا ارتكب الفعل تنفيذا لأمر صادر إليه من رئيس وجبت عليه اطاعته أو اعتقد أنها واجبة عليه .
- إذا حسنت نيته و ارتكب فعلا تنفيذا لما أمرت به القوانين أو ما اعتقد أن اجراءه من اختصاصه و على كل حال يجب على الموظف أن يثبت أنه لم يرتكب الفعل إلا بعد التثبت و التحري و أنه كان يعتقد مشروعيته و أن اعتقاده كان مبنيا على أسباب معقولة ». و قد ادخل هذا النص في القانون المصري عام 1904 نقلا عن القانون البلجيكي
و الإيطالي .
لتنفيذ القوانين و اللوائح فيوجه المشرع أمره إلى موظف معين مع كيفية تنفيذ هذا الأمر و الشروط اللازمة حتى يعتبر هذا العمل مباح قانونا ، فان خالف الموظف هذه الشروط خرج عمله من دائرة الإباحة إلى دائرة التجريم ، و تحمل المسؤولية الجزائية الناجمة عنه.
لكن قد يلزم الشارع الأشخاص العاديين بأداء بعض الواجبات العامة (1) كإلزام الأشخاص بإبلاغ السلطات عما يعلموه من التخطيط لنشاطات من طبيعتها الإضرار بالدفاع الوطني ( المادة 91 قاع ج ) و إلزامهم بأداء الشهادة في حالة استدعاءهم أمام الجهات القضائية لأدائها ( المادة 222 قاإج ) ، و بما أن تنفيذ أمر القانون من طرف الموظف العام هو الأصل نتناوله ضمن العناصر التالية :
1- الموظف العام الحقيقي :
إن تحديد مفهوم الموظف العام لا ينتمي إلى القانون الجنائي بل هو من أفكار القانون الإداري و يثار التساؤل لمعرفة ما إذا كان يجب التقيد بالمفهوم الإداري للموظف العام في تطبيق أحكام المادة( 39 قاع ) ، أم هناك مفهوم ذاتي للموظف العام يختلف عن مفهومه الإداري فيما يتعلق بإباحة ما قد يصدر عنه من أفعال تشكل بحسب الأصل جريمة (*أ) ، و يعرف الفقه الإداري الموظف العام على انه « كل شخص يعهد إليه من سلطة مختصة بأداء عمل دائم في خدمة مرفق عام يدار بأسلوب الاستغلال المباشر»(2)
و قد أشار المشرع الجزائري إلى تعريف الموظف العام في المادة الرابعة من القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية التي تنص « يعتبر موظفا كل عون عين في وظيفة عمومية دائمة و رسم في رتبة السلم الإداري » (*ب) .
________________________
1)- د/ عادل قورة ، محاضرات في قانون العقوبات " القسم العام " ، المرجع السابق ، ص 80
2) - د/ فتوح عبد الله الشاذلي ، شرح قانون العقوبات " القسم العام " ، المرج السابق ، ص 260 .
*أ) -إذا رجعنا إلى قانون العقوبات الجزائري نجد أن المشرع الجزائري لم يتقيد بالمفهوم الإداري للموظف في عدة مواضيع مثلا المادة 126 قاع ففي جريمة الرشوة أضفى صفة الموظف العام الحكمي عل
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma