تحدثنا سابقا عن مبداْ الشرعية الجنائية بين الشريعة والقانو ن ووعدنا الحديث عن باقي المبادئ في مقالات لاحقة ،لذا سنخصص اليوم للحديث عن مبداْ عدم الرجعية ومبداْ التفسير الضيق للنص .
مبداْ عدم الرجعية :
1 ـ مبداْ عدم الرجعية في الشريعة الاسلامية:
"ومعناها اْن النصوص الخاصة بالتجريم في الشريعة الاسلامية لا تسري على الماضي لاْنه لا تكليف قبل ورود الشرع"(1)،ويجب مع هذا اْن تبلغ الشريعة للمكلف حتى يتسنى له العلم بما اْوجبه الشارع الاسلامي وبما نهى عنه،وهذا المبداْهو نتيجة منطقية لمبداْالشرعية لاْنه خصص بنصوص قطعية في القرآن الكريم مثل قوله تعالى:"وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا"(الاسراء:15)،وقوله تعالى:"قل للذين كفروا ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف"(الاْنفال:38)،وفي المجال الجنائي احترمت هذه النتيجة سواء من حيث النصوص الجنائية بشقيها الموضوعي والاجرائي اْو من حيث التطبيقات،"ويتجلى ذلك في احترام الشريعة الاسلامية للحقوق المكتسبة في المجال الجنائي حيث اعتبرتها اْصلا من اْصول احترام الحريات الاْساسية وحقا من حقوق الانسان التي لا يجوز المساس بها على الاطلاق"(2)،فلم يرد من حيث التطبيق في الآثار اْن عاقب الرسول صلى الله عليه وسلم على جريمة حدثت قبل نزول النصوص،اذن قاعدة عدم الرجعية مطلقة في الفقه الاسلامي والتزم بها القضاء من حيث القاعدة الاصولية"لا تكليف شرعا الا بفعل ممكن مقدور للمكلف معلوم له علما يحمله على امتثاله"،وهنا اْورد الشارع ـ الله ـ استثناءات على هذه القاعدة في بعض الجرائم الخطيرة التي تمس الاْمن والنظام العام كجريمةالقذف والحرابة والظهار.
2ـ مبداْ عدم الرجعية في القانون الوضعي الجنائي الجزائري:
اذا ثار نزاع في تطبيق القانون من حيث الزمان على القاضي التقيد بقاعدة عدم رجعية القوانين الجنائية،وهذا المبداْ يعد نتيجة منطقية لقاعدة شرعية الجرائم والعقوبات لاْن في عدم تطبيق هذه القاعدة مساس بحقوق الاْفراد وحرياتهم،حيث نصت المادة الثانية من قانون العقوبات الجزائري على اْنه ـ اْي هذا القانون ـلا يسري على الماضي وينتج عن ذلك اْنه"لا يجوز اْن يطبق نص التجريم على فعل ارتكب قبل العمل به وكان معاقبا عليه بعقوبة اْشد مما يقضي به النص الجديد"(3)،واستثناء من هذه القاعدة نصت المادة الثانية من قانون العقوبات الجزائري على اْنه:"لا يسري قانون العقوبات على الماضي الا ما كان منه اْقل شدة"،ووضح القانون شروط تطبيق هذا المبداْ اْي رجعية القانون الاْصلح للمتهم وهي:
ـ التاْكد من صلاحية القانون الجديد للمتهم.
ـ اْن يكون القانون القديم محدد الفترة.
ـ صدور القانون الجديد قبل الحكم النهائي على المتهم.
مبداْ التفسير الضيق للنص:
1ـ مبداْ التفسير الضيق للنص في الشريعة الاسلامية:
ان الشريعة الاسلامية لا تعمل القياس في جرائم الحدود والقصاص والكفارات،اْما ما تعلق بجرائم التعزير فمن الفقهاء من رفض استعمال القياس اطلاقا ومنهم من اْجازه لكن بقيود وضوابط صارمة ومعايير حتى لا يخرج عن المبادئ الكلية للاسلام،وبالتالي فالقاضي لا يجوز له التوسع في تفسير النصوص الخاصة بالعقوبة سواء كانت من القرآن اْو السنة لاْن التوسع يؤدي الى التشريع،وهذا ما لا يجوز في المواد الجنائية حفاظا على الحريات الاْساسية للاْفراد،لذا فالمشرع الجنائي الاسلامي نظم جملة نتائج اندرجت ضمن هذا الاطار وهي:
1ـ القاضي ملزم بالحكم بما يقضي النص الصريح بتوقيعه من اجراء اْو عقوبة فلا يخرج عنه.
2ـ لكل جريمة عقوبة خاصة فلا يجوز الحكم بعقوبة جريمة على جريمة اْخرى مهما كانت ملاءمتها لتلك الجريمة.
3ـلابد من تعيين القاضي العقوبة المناسبة لكل جريمة وتبيين ما يناسبها من اجراءات واْساليب لتنفيذها.
4ـ لا يجوز للقاضي الجنائي التوسع في تفسير النصوص الجنائية.
5ـ لابد من احترام القواعد الاجرائية بقدر ما تحترم القواعد التجريمية.
فهذه كلها ضمانات هادفة الى منع الاْخطاء القضائية ومنها المحافظة على الحريات.
مبداْالتفسير الضيق للنص في القانون الوضعي:
ان القاضي الجنائي عند تطبيق النصوص الجنائية يفسرها ويؤولها طبقا للوقائع المعروضة عليه ،مع التقيد بقاعدة الشرعية الجنائية حتى لا يقرر جرائم جديدة لم ينص عليها المشرع وعليه بالتالي احترام قاعدتين:
1ـ عدم التوسع في تفسير النصوص الجنائية:يجب اْن يهدف التفسير الى توضيح قصد المشرع من خلال اْلفاظالنص بشرط الا يؤدي ذلك الى الخروج عن مبداْ شرعية الجرائم والعقوبات حتى لا يخلق جرائم اْو عقوبات لم ينص عليها القانون اْواباحة اْفعال حرمهاالقانون.
2ـ عدم استعمال القياس في تفسير النصوص الجنائية:لاستناده لمبداْالشرعية حيث يتعرض هذا الاْخير للخطر ولا يكون ذلك جائزا الا فيما يتعلق بالنصوص الاجرائية التي تجعل المتهم في موقف اْسواْ
"وقد يكون جائزا في النصوص الموضوعية اذا كانت في صالح المتهم كاْن تقرر سببا للاباحة اْوالاعفاء من العقاب اْولامتناع المسؤولية الجنائية اْوتخفيفها"(4)،مثلا حالة الدفاع الشرعي :نصت المادة 39/2من قانون العقوبات الجزائري على اْنه"لاجريمة اذا كان الفعل قد دفعت اليه الضرورة في حالة الدفاع الشرعي عن النفس اْوعن الغيراْو عن مال مملوك لشخص اْوللغير بشرط اْن يكون الدفاع مناسبا مع جسامة الاعتداء"،وكذا في امتناع المسؤولية نصت المادة 47ـ 48ـ 49من نفس القانون بصيغة كانت على سبيل الحصر ومع هذا لا يمنع تفسير هذه النصوص لاْن عباراتها واسعة خاصة المادة48"لاعقوبة على من اضطرته الى ارتكاب الجريمة قوة لا قبل له بدفعها"،حيث التساؤل هنا عن اْي سبب يعتبر لا قبل للانسان بدفعه وهذا التفسير جائز لاْنه لا ينشئ جرائم ولا يقرر عقوبات ولا يمس بمبداْالشرعية.
التهميش:
1ـ عبد الحميد عمارة:ضمانات المتهم اثناء مرحلة التحقيق الابتدائي في الشريعة الاسلامية والتشريع الجنائي الجزائري،ط1998،دار المحمدية العامة الجزائر.ص160.
2ـ المرجع نفسه.ص161.
3ـالمرجع نفسه.ص184.
4ـ المرجع نفسه.ص186.
هاشمي غزلان ـ المركز الجامعي سوق اهراس ـ
الجزائر
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma