بحث حول المركزية الادارية -
مقدمة .
المبحث الأول : النظام الإداري المركزي
المطلب الأول : مفهوم النظام الإداري المركزي
المطلب الثاني : النظام المركزي في ظل الدولة القديمة .
المطلب الثالث : مبررات النظام الإداري المركزي
المطلب الرابع : عناصر النظام المركزية الإدارية .
المبحث الثاني : سلطات و امتيازات السلطة الرئاسية .
المطلب الأول : صور المركزية الإدارية
المطلب الثاني : المركزية الإدارية و المركزية السياسية
المطلب الثالث : سلطات الرئيس الإدارية
المطلب الرابع : مزايا و عيوب النظام الإداري المركزي .
خــــــــــــاتمة
مقدمـــــــة :
إن موضوع الإدارة المركزية يتسم بطابع سياسي ملموس و من ثم فهو أقرب إلى قانون الدستوري منه إلى القانون الإداري .
و كانت الدولة القديمة – دولة الملكيات المطلقة – التي ترتكز دستوريا على أساس نظرية الحق الإلهي المقدس و نظرية التفويض الإلهي غير المباشر كانت تطبق التركيز الإداري المطلق و الجامد في نطاق اختصاصاتها ووظائفها الإدارية حيث كانت سلطة التقرير النهائي في كل شؤون الوظيفة الإدارية تنحصر و تتركز في يد الملك الموجود في عاصمة الدولة و حرمان عمال الدولة و موظفها على مختلف درجات و مستويات السلم الإداري للدولة ، حتى القاعدة من سلطة اتخاذ القرارات و البت النهائي في مسائل و أمور الوظيفة الإدارية التي يقومون بها بل يجب عليهم الرجوع إلى السلطة الإدارية المركزية ( سلطة الملك ) في كل صغيرة و كبيرة فكان عمال و موظيفي الدولة على مختلف مستويات و درجات النظام الإداري مجرد أدوات و آلات فنية تنفيذية بحتة لا تبتكر و لا تخلف جديد في عالم الوظيفة الإدارية للدولة و هو ما يقودنا إلى طرح جملة الإشكاليات التالية :
- ماذا نعني بالنظام الإداري المركزي و ما مدى نجاعته؟
- إلى أي مدى يمكن أن يتوافق نظامين ( مركزي و لا مركزي ) في دولة واحدة ؟ .
المبحث الأول : نظام الإداري المركزي
المطلب الأول : مفهوم النظام الإداري المركزي
المركزية الإدارية لغة تعني التوحيد و التجميع و التركيز حول نقطة مركزية معينة ( المركز ) و عدم التشتت و التجزئة أما المركزية الإدارية أو النظام الإداري المركزي فيتصد به توحيد و حصر كل سلطة الوظيفة الإدارية في الدولة في يد السلطات الإدارية المركزية ( رئيس الدولة و الوزراء وممثليهم) في أقاليم الدولة حيث يؤدي هذا التركز و التوحيد و التجمع لمظاهر سلطة الوظيفة الإدارية إلى وحدة أسلوب و نمط النظام الإداري في الدولة و إلى إقامة و بناء الهيكل الإداري في الدولة على هيئة مثلث أو هرم متكون من مجموعة ضخمة من الطبقات
و الدرجات ( فنيا ، علميا ، قانونيا و بشريا ) مترابطة ، متناسقة متدرجة يعلو بعضها البعض و هو ما يعرف بالتدرج أو السلم الإداري ( hierarchie administrative ) و ترتبط كل طبقة أو درجة في السلم الإداري بالدرجة أو الطبقة التي تليها مباشرة برابطة وعلاقة السلطة الرئاسية التي تعني حق و إمكانية استعمال قوة الأمر و النهي من أعلى وواجب الطاعة و الخضوع و التبعية من أسفا (1) .
كما تعرف المركزية على أنها تجمع السلطة في يد هيئة واحدة بحيث لا يبت في أي شأن من شؤونها دون الرجوع إلى الرئاسة العليا و موافقتها عليه و لا يشترط في المركزية الإدارية أن يكون الرئيس الأعلى الذي تتركز في يده السلطة فردا إنما يجوز أن يكون هذا الرئيس هيئة متكونة من عدة أفراد كما يجوز في النظام المركزي تخويل الرؤوس حق إصدار القرارات التنفيذية دون حاجة إلى تصديق الرئيس الأعلى و لكن في هذه الحالة قرارات المرؤوس تخضع لسلطات رئيسيه الذي يكون له حق إلغاءها أو تعديلها (2
المطلب الثاني : النظام المركزي في ظل الدولة القديمة .
كانت الدولة القديمة - دولة الملكيات المطلقة – التي ترتكز دستوريا على نظرية الحق الإلهي المقدس و نظرية التفويض الإلهي الغير مباشر ، حيث كانت تطبيق التركيز الإداري المطلق و الجامد في نظام اختصاصاتها ووظائفها الإدارية حيث كانت تنحصر سلطة التقرير النهائي في كل شؤون الوظيفة الإدارية و تتركز في يد الملك الموجود في عاصمة الدولة و حرمان عمال الدولة وموظفيها على مختلف درجات و مستويات السلم الإداري للدولة حتى القاعدة من سلطة اتخاذ القرارات
و البت النهائي في مسائل و أمور الوظيفة الإدارية التي يقومون بها ، بل يجب عليهم الرجوع إلى السلطة الإدارية المركزية ( سلطة الملك ) في كل صغيرة
و كبيرة فكان عمال وموظفي الدولة على مختلف مستويات و درجات النظام الإداري مجرد أدوات و آلات فنية تنفيذية بحت ى تبتكر أي جديدة في عالم الوظيفة الإدارية للدولة و من أهم أسباب سياسة تركيز النظام الإداري المطلق الجامد في القديم نذكر ما يلي :
1- يعود وجود و سيادة النظام التركيز الإداري الجامد المطلق في القديم إلى أن الدولة لم تكن تقوم و تضطلع بوظائف إدارية معتبرة و أساسية ، بل كانت وظائفها الإدارية ضيقة جدا ، فتنحصر و تتركز في الإدارة العسكرية و إدارة العدالة ،
و إدارة حفظ النظام ، و تجسدت مهام و أعمال الوظيفة الإدارية في هذه الحقبة التاريخية أساسا في الدفاع ، و الردع و إخضاع المحكومين لأوامر و سلطات الملوك و رغباتهم و أهوائهم .
2- جل اهتمامات سلطة الدولة كانت تتمركز حول وظيفة الحكم و تثبيت دعائمه
و بناء الدولة القوية الموحدة و المطلقة و الخروج من فوضى النظام الإقطاعي و التخلص من الصراعات الدستورية و السياسية التي كانت قائمة في ذلك الوقت بين الملوك و رجال الدين من جهة و بين الملوك و رجال الدين و رجال الإقطاع جهة أخرى ( صراع متعدد الأطراف ) .
3- جو الفوضى الدستورية و السياسية و الاجتماعية الذي كان يسود الدولة القديمة جعل الرأي العام يميل إلى تفضيل إشباع رغبات و حاجات حكمه و تنظيمه سياسيا و اجتماعيا ، و تخلصيه من عبودية الصراعات التي ضيعت الشعوب في متاهات الفوضى السياسية و الدستورية و الاجتماعية ، فتأثرت الشعوب نفسيا ،
و تقبلت أولوية وظيفة الحكم على وظيفة الإدارة في إدارة و تسيير شؤونها الإدارية ، فلم تكن هناك تطلعات و رغبات قوية و مسلحة للشعوب في المطالبة بحق المشاركة في إدارة و تسيير شؤونها الإدارية وفقا لإدارة ديمقراطية لا مركزية ، لذلك كان حتما أن يسود و يزدهر نظام التركز الإداري الجامد المطلق في ظل الدولة القديمة .
المطلب الثالث : مبررات النظام الإداري المركزي ( أسس ) :
يلعب النظام المركزي الإدارية دورا هاما في الحياة الدستورية و السياسية
و الاجتماعية و الإدارية و الاقتصادية في الدولة ، و يتجلى ذلك من بيان بعض مزايا و فوائد نظام المركزية الإدارية كأسلوب من أساليب الإدارة في الدولة الحديثة .
1- فالنظام الإداري المركزي يؤكد و يدعم الوحدة الوطنية و الدستورية للدولة ،
و ذلك عن طريق حصر و تركيز السلطة الإدارية في الدولة في يد الحكومة المركزية و إحكام الرقابة على الوظيفة الإدارية عن طريق الرقابة عليها من قبل السلطات الإدارية المركزية ، و لذلك تتبنى و تعتمد كل الدول و النظم المعاصرة النظام الإداري المركزي لتدعيم وحدتها القانونية و الدستورية و السياسية الوطنية .
2- يؤدي النظام المركزي إلى تحقيق وحدة أسلوب و نمط الوظيفة الإدارية في الدولة ، و يؤدي إلى ثبات و استقرار الإجراءات الإدارية ووضوحها ودقتها ، الأمر الذي يزيد من تقبلها و احترامها من قبل المواطنين و التزامهم بها .
و يساهم نظام المركزية الإدارية بهذه الميزة في القضاء على سبب من أسباب ظاهرة البيروقراطية المتمثل في الإجراءات الإدارية و تداخلها و تناقضها
و غموضها على المواطنين .
3- أسلوب النظام الإداري المركزي يعد الأسلوب الإداري الأمثل الذي تستطيع بواسطة الدولة إدارة و تسيير و تمويل المؤسسات و المرافق الإدارية العامة الكبرى السياسية ( مرفق الدفاع الوطني مرفق العدالة ، مرفق الشؤون الخارجية ، مرفق التعليم الوطني المرافق الاقتصادية الكبرى ، وظيفة التخطيط ) ، فمثل هذه المرافق العامة لا يمكن إدارتها و تسييرها و تمويلها إلا بواسطة الدولة عن طريق النظام الإداري المركزي .
4- يؤدي تطبيق نظام المركزية الإدارية إلى تحقيق الاقتصاد و التوفير في أموال
و موارد الدولة و يساعد على عدم الإسراف و التبذير و الإنفاق العام .
5- يلعب النظام الإداري المركزي دورا هاما و متميزا في إدارة الدولة الاشتراكية القائمة على أساس مبدأ التخطيط العام الشامل ، فبواسطة أسلوب و نظام المركزية الإدارية تستطيع الدولة الاشتراكية ضمان و تحقيق و حدة التنفيذ و التطبيق للخطط الوطنية و السياسية العامة السائدة في الدولة و الحيلولة دون الخروج على أهداف الخطط الوطنية و السياسات العامة المراد تحقيقها و تنفيذها في الدولة .
المطلب الرابع : عناصر نظام المركزية الإدارية .
1- تركيز و حصر سلطة الوظيفة الإدارية المركزية : من عناصر و مقومات النظام المركزي الإداري حصر و تجميع سلطة الوظيفة الإدارية و تركيزها في يد سلطات الإدارة المركزية للدولة ، أي تجميع و حصر سلطات التقرير و البت النهائي في جميع شؤون و مسائل الوظيفة الإدارية في السلطات الإدارية المركزية المتمثلة في رئيس الوزراء و الوزراء أصلا في ظل النظام البرلماني ، أو في رئيس الجمهورية ثم الوزراء من بعده في ظل النظام الدستوري الرئاسي ، و حق إصدار القرارات الإدارية النهائية و الباتة في الشؤون و المسائل المتعلقة بالوظيفة الإدارية في الدولة و سلطة تعديل هذه القرارات أو إنهائها و إلغائها هو سلطة
و حق مقرر و منجوز لرجال السلطة الإدارية المركزية ( الوزير الأول و الوزير أصلا في ظل النظام الدستوري البرلماني ، ورئيس الجمهورية و الوزراء في نطاق ضيق في ظل النظام الدستوري الرئاسي ) .. كذلك يدخل في إعداد السلطات الإدارية المركزية ممثلي الإدارة المركزية في أقاليم و مناطق الدولة ( الولاة مثلا ) حيث يتبع هؤلاء الممثلين للسلطات الإدارية المركزية و يرتبطون بها لعلاقة التبعية
و الخضوع المباشر لها ،
و إعطائهم قسطا و قدرا معلوما من سلطة اتخاذ القرارات الإدارية النهائية ، إلا أن ذلك لا يعني أنهم أصبحوا مستقلين عن السلطات الإدارية المركزية لأنهم مازالوا يرتبطون بالسلطات الإدارية المركزية برابطة السلطة الرئاسية و الخضوع لها .
2- السلم الإداري و التدرج الإداري : إن فكرة التدرج الإداري كعنصر من عناصر النظام الإداري المركزي يعني أن يتخذ الجهاز الإداري أو هيكل النظام الإداري في الدولة المتكون من مجموعة من الأجهزة و الوحدات الإدارية المختلفة و مجموعة القواعد القانونية و الفنية المكونة له ، و المتكون أيضا من مجموعة العاملين الذين يعملون باسم الدولة و لحسابها يجب أن يتخذ هذا الهيكل شكل وهيئة مثلث أو هرم مترابط و متتابع الدرجات و المستويات و الطبقات يعلو بعضها فوق البعض و ترتبط كل درجة أو طبقة من هذا السلم الإداري أو التدرج الإداري بالدرجة التي تليها مباشرة برابطة و علاقة قانونية مباشرة هي رابطة و علاقة السلطة الإدارية و الهيمنة من أعلى رابطة التبعية و الخضوع و الطاعة من أسفل .
و أن أي انعدام أو فقدان للترابط للتردج و التسلسل الإداري المترابط في هيكل وبناء النظام الإداري على مستوى من مستوياته بالنسبة لأية وحدة أو هيئة إدارية من الوحدات و الهيئات المكونة لهذا النظام الإداري ، يجعل هذه الوحدة أو الهيئة
أ و الجماعة الإدارية التي لا تصبح تندمج في التدرج الإداري و ترتبط بدرجات
و طبقات هذا التدرج الإداري .
برابطة و علاقة السلطة الرئاسية ، يجعل هذه الوحدة منفصلة و مستقلة عن النظام الإداري المركزية للدولة ، و هو غالبا ما يتحقق عن طريق منح هذه الوحدة أو الهيئة الإدارية أو المجموعة الإدارية الخارجة عن التدرج الإداري فكرة الشخصية المعنوية مما يجعلها مستقلة عن السلطات الإدارية المركزية استقلالا إداريا و منفصلة عن تدرج النظام الإداري للإدارة المركزية .
3- فكرة السلطة الرئاسية و يمكن أن تعرف السلطة الرئاسية قانونيا و فنيا تعريفا عاما بأنها القوة أو الديناموا الذي يحرك التدرج أو السلم الإداري و القائم عليه النظام الإداري المركزي في الدولة و مفهوم السلطة الرئاسية في على الإدارة العامة و القانون الإداري هي حق و سلطة استعمال قوة الأمر و النهي من أعلى طرف الرئيس الإداري المباشر و المختص وواجب الطاعة و الخضوع و التبعية من طرف المرؤوس المباشر للرئيس الإداري المباشر المختص ففكرة السلطة الرئاسية تتألف من عنصرين هما :
أ- حق استعمال سلطة أو قوة الأمر و النهي فالرئيس الإداري أن وجد على طول *مستويات تدرج السلم الإداري للقطاع الإداري في الدولة يملك حق استعمال سلطة إصدار و توجيه مجموعة من الأوامر و النواهي الملزمة للموظف أو العامل العام المرؤوس له مباشرة و يمارس في مواجهته مجموعة من السلطات و المكنات سواء على شخص المرؤوس كعامل عام للإدارة العامة تابع للدولة أو على أعماله الوظيفية.
ب- واجب و التزام الطاعة و الخضوع و التبعية من قبل الموظف أو العامل العام المرؤوس : فالمرؤوس من واجباته و التزاماته الوظيفية واجب هو إطاعة أو أمر
و نواهي رئيسه الإداري المباشر فالمرؤوس ليس ملزما فقط بالخضوع و الطاعة
للقوانين و اللوائح و النظم العامة في الدولة بل هو ملزم قانونا أيضا بالخضوع لأوامر و نواهي و توجيهات و تعليمات رئيسية الإدارية و إطاعتها و تنفيذها في حدود القانون ، وكل إخلال التزامات واجب الطاعة من قبل المرؤوس لأوامر
و نواهي رئيسه الإداري المباشر يعد و يكون خطأ إداري تأديبيا بعقد و ترتيب المسؤولية التأديبية للعامل أو الموظف المرؤوس جزاؤها توقيع عقوبات تأديبية عليه فالرئيس الإداري الموجود في أي مرتبة أو درجة على أية مستوى من مستويات السلم و التدرج الإداري يخول سلطة و حق تحريك و استعمال سلطات
و مكنات السلطة الرئاسية في مواجهة العامل العام المرؤوس المباشر للرئيس الإداري المباشر .
المبحث الثاني : سلطات و اعتبارات السلطة الرئاسية
المطلب الأول : صور المركزية الإدارية
هناك صورتان للمركزية الإدارية و هما التركيز الإداري و عدم التركيز الإداري
- الصورة الأولى : التركيز الإداري بمقتضاها تتركز السلطة الإدارية كلها في عمومياتها و جزئياتها في يد الوزراء في العاصمة حيث لا يكون لممثلهم في الإقليم سلطة للبت في الأمور الإدارية أي تتركز سلطة التنفيذ في مكاتب الوزراء حيث لا تكون هناك أي سلطة خاصة لغيرهم من الموظفين المنتشرين في البلاد حيث يشرف الوزراء من العاصمة على جميع المرافق العامة سواء كانت تلك المرافق وطنية أو محلية ى محل في مثل هذا النظام لمجالس بلدية أو إقليمية منتخبة تتولى الإشراف على المرافق المحلية و يمثل ذلك أساسا في تركيز ولاية البت و التقرير النهائي في جميع شؤون الوظيفة الإدارية في يد رجال الحكومة المركزية ، بمعني إن يكون من حق هؤلاء وحدهم سلطة إصدار هذه القرارات الإدارية النهائية و ما تتضمنه هذه السلطة من ولاية تعديل هذه القرارات و تعديل أثارها أو سحبها أو إلغاءها ، كما يترتب على تركبز إصدار القرارات الإدارية احتكار عمال الحكومة المركزية و السلطة التعيين في الوظائف العامة ، فلا يترك اختيار للموظفين في الولايات و البلديات و الهيئات المحلية في سكان المناطق .
- الصورة الثانية : عدم التركيز الإداري و بمقتضاها يخول إلى موظفي الوزراء في العاصمة أو في الأقاليم سواء بمفردهم أو في شكل لجان ولاية البت في بعض الأمور دون حاجة للرجوع إلى الوزير .
كما أن تطبيق نظام عدم التركيز الإداري ضرورة لازمة في تنظيم الدولة و في كل المشروعات نظرا لما يترب على التركيز المطلق من تعقيدات و قد أخذت معظم الدول الحديثة بصورة عدم التركيز الإداري و لهذا أخذت القوانين الحديثة تقيم
بجانب رئيس السلطة التنفيذية جهازا إداريا يتدرج في وحدات إدارية منظمة تنظيما رئاسيا ، الأمر الذي يقتضي الاعتراف ولموظفيها غير أن قيام الدولة المعاصرة على أسلوب عدم التركيز الإداري لم يكن من شأنه في بداية الأمر أن يسلب مظاهر الوظيفة الإدارية بعمومياتها و جزئياتها من يد الحكومة إنما خفف العبء عن العاصمة بتحويل جزء من سلطاتها إلى مصالح و عمال منشرين في مختلف إقليم الدولة ( و بلدياتها وولاياتها ) و تبقى كل هذه الهيئات و المصالح
و هؤلاء الموظفين مرتبطين بعلاقة التدرج الرئاسي طبقا للسلم الإداري القائم على قاعدة التابعية من ناحية ، حيث تكون الهيئة الأدنى تابعة للهيئة التي تعلوها صعودا إلى أن نصل إلى قمة الهرم و على قاعدة السلطة الرئاسية حيث تكون الهيئة الأعلى بمثابة الرئيس الإداري للهيئة التي تدنوها نزولا إلى أن نصل إلى قاعدة الهرم .
غير أنه قد تحتاج بعد طول التجربة أن نظام عدم التركيز الإداري و إن أدى إلى تخفيف العبء عن العاصمة إلا أنه لم يحقق ديمقراطية الإدارة على صورة أكمل
المطلب الثاني : المركزية الإدارية و المركزية السياسية .
يوجد اختلاف بين المركزية الإدارية و المركزية السياسية ، فهذه الأخيرة يقصد بها تركيز كل سلطة من السلطات الثلاث التشريعية و التنفيذية و القضائية في يد هيئة واحدة تمارس اختصاصاتها على جميع أقاليم الدولة ، فتعمل على توحيد السياسية العامة معنى هذا أن نظام الحكم ، يكون موحدا في الدولة أما المركزية الإدارية تؤدي إلى الوحدة في الإدارة على التفصيل الذي نذكره في موضعه . (1)
المطلب الثالث : سلطات الرئيس الإداري
تتخلص سلطات الرئيس على مرؤوسين في الأنواع الثلاثة التالية :
1- سلطة التعقيب : تتمثل في سلطة الرئيس في التعقيب على أعمال مرؤوسيه في ما يخوله له القانون من حق إجازة أو إقرار أعمال هؤلاء المرؤوسين و حق سحب و إلغاء و تعديل قراراتهم و كذلك حقه في الحلول محلهم .
2- سلطة الرقابة : يمارس الرئيس الإداري سلطات الرقابة على أعمال مرؤوسية أما تلقائيا أو بناءا على نظام رئاسي يتقدم به صاحب المصلحة الذي أصابه ضرر نتيجة تصرفات هؤلاء المرؤوسين سواء المراقبة مشروعيتها أو ملاءمتها الإدارية (2)
3- سلطة التوجيه : و تتمثل في توجيه الرئيس لمرؤوسيه و حقه في إصدار تعليمات أو أوامر و منشورات و كتب دورية يفسر لهم بواسطتها القوانين و المراسيم التنظيمية المناط بهم تطبيقها ، و هذه الأوامر و التعليمات تعتبر من قبل الإجراءات الإدارية البحتة و من ثمة فهي ليست من طبعة القرارات الإدارية التي تكون موضعها للطعن فيها بالإلغاء أمام الغرفة الإدارية(3)
المطلب الرابع : مزايا و عيوب النظام الإداري المركزي :
للإدارة المركزية عدة مزايا نذكر منها ما يلي :
1- الأخذ لمبدأ الإدارة المركزية يؤدي إلى الوحدة الإدارية في الدولة و يساهم إلى حد كبير في تثبيت سلطات الحكومة المركزية في التمكين لها فهو ضد التجزئة
و لذلك أخذت الدولة الحديثة في أول الأمر لمبدأ تركيز السلطة .
2- الأخذ بمبدأ الإدارة المركزية يؤدي إلى توحيد الإدارة و تناسقها تبعا لتوحيد أساليب و أنماط النشاط الإداري في مختلف مرافق الدولة ، كما يؤدي مع طول التجزئة إلى استقرار الإجراءات و اكتسابها مع الزمن الدقة و وضوحا و نسوخا ، مما يبعد الروتين الإداري عن التعقيد و يساهم إلى حد كبير في تحقيق السرعة الواجبة في إنجاز الأعمال الإدارية .
3- الأخذ بمبدأ الإدارية المركزية هو الأسلوب الإداري الوحيد الذي يلائم المرافق العامة في بعض الأنظمة التي تهدف إلى أداء الخدمات على نطاق واسع .
4- من مزايا الأخذ بالإدارة المركزية أيضا أنها تساعد على انتقاء رجال الإدارة بطريق التعيين و بذلك تتمكن من انتقاء الرجال الأكفاء ذوي المواهب والخبرة الفنية و القانونية و الإدارية .
5- الأخذ بها تؤدي إلى تجميع القوة العامة أي الإمكانيات العامة في الدولة في يد الإدارة المركزية ، و يعتبر هذا مانعا و شرطا أساسيا كي تنجو الدولة من الثورات الداخلية و توطد الأمن العام في الداخل
II- عيوب الإدارة المركزية :
بالرغم ما للمركزية من مزايا إلا أن لها إلى جانب ذلك بعض من العيوب و التي نذكر منها .
1- البطيء في إنجاز المعاملات نتيجة الروتين الإداري و التعقيد بسبب كثرة الرئاسات المتعددة في الإدارة المركزية .
2- أنها تعتبر سلاح خطير في يد السلطة ، يأخذ شكل الضغط على المواطنين لسبب التعطيل في تصريف معالجة الأمور بسوء النية فالإدارة المركزية تولد بطئا في كثير أعمال الإدارة ، و تؤدي إلى تراكم القضايا أمام الإدارة المركزية ، و هذا العيب يترتب على العيب السابق المتعلق بالبطيء في إنجاز مما يؤدي إلى تأخير البت و إلى صدور قرارات قد تكون عاجلة غير مدروسة ، كما أنها تؤدي إلى وحدة تامة في الحلول التي توضع في معالجة الأمور كافة أي أنها تضع حلول متشابهة بل موحدة لقضايا قد تكون مختلفة دون الاهتمام بالأوضاع و الظروف الخاصة لكل منها ، و لقد رأى البعض التخليص من عيوب المركزية الإدارية فقاموا بالأخذ ببعض اللامركزية و ذلك للتخفيف عن كاهل السلطة المركزية و في محاولة منهم لتلاقي العيوب التي سبق ذكرها و الناجمة عن الإدارة المركزية (1)
خاتمة :
من خلال هذا العرض نخلص إلي أنه كلما رسخت المركزية الإدارية كلما رسخت أصول الديمقراطية في دولة من الدول ازدهرت اللامركزية الإدارية فيها
و من ثم فسلطات رئيس الدولة الإدارية تختلف ضيقا و اتساعا بحسب نظام الحكم الذي تأخذ به الدولة فدور رئيس الدولة في الدساتير الآخذة بالنظام البرلماني إنما هو دور محدود نظرا لقيام ذلك النظام على قاعدة أساسية تقضي أن رئيس الدولة يسود و لا يحكم و على العكس تزداد سلطة رئيس الدولة إلى أقصى حد ممكن في النظام الرئاسي .
فالدولة الحديثة تأخذ و تطبق نظام عدم التركز الإداري في القيام بمسؤوليات
و مهام وظيفتها التنفيذية ( الإدارية ) فكذا يتجمع الدولة الحديثة بين أسلوبين مختلفين في نطاق تنظيم و توزيع وحدات و أجهزة النظام الإداري في الدولة
و تقسيم و توزيع سلطة الوظيفة الإدارية النهائية و الباتة اللازمة لإدارة و تسيير الوظيفة الإدارية .
و في الأخير تتبادر إلى أذهاننا إشكالية مفادها ما يلي :
ما هي أفضل الأسس و المبررات و أدق القواعد و الأساليب الفنية و القانونية لتحديد نطاق كل من النظامين ( المركزي و اللامركزي ) ؟
مقدمة .
المبحث الأول : النظام الإداري المركزي
المطلب الأول : مفهوم النظام الإداري المركزي
المطلب الثاني : النظام المركزي في ظل الدولة القديمة .
المطلب الثالث : مبررات النظام الإداري المركزي
المطلب الرابع : عناصر النظام المركزية الإدارية .
المبحث الثاني : سلطات و امتيازات السلطة الرئاسية .
المطلب الأول : صور المركزية الإدارية
المطلب الثاني : المركزية الإدارية و المركزية السياسية
المطلب الثالث : سلطات الرئيس الإدارية
المطلب الرابع : مزايا و عيوب النظام الإداري المركزي .
خــــــــــــاتمة
مقدمـــــــة :
إن موضوع الإدارة المركزية يتسم بطابع سياسي ملموس و من ثم فهو أقرب إلى قانون الدستوري منه إلى القانون الإداري .
و كانت الدولة القديمة – دولة الملكيات المطلقة – التي ترتكز دستوريا على أساس نظرية الحق الإلهي المقدس و نظرية التفويض الإلهي غير المباشر كانت تطبق التركيز الإداري المطلق و الجامد في نطاق اختصاصاتها ووظائفها الإدارية حيث كانت سلطة التقرير النهائي في كل شؤون الوظيفة الإدارية تنحصر و تتركز في يد الملك الموجود في عاصمة الدولة و حرمان عمال الدولة و موظفها على مختلف درجات و مستويات السلم الإداري للدولة ، حتى القاعدة من سلطة اتخاذ القرارات و البت النهائي في مسائل و أمور الوظيفة الإدارية التي يقومون بها بل يجب عليهم الرجوع إلى السلطة الإدارية المركزية ( سلطة الملك ) في كل صغيرة و كبيرة فكان عمال و موظيفي الدولة على مختلف مستويات و درجات النظام الإداري مجرد أدوات و آلات فنية تنفيذية بحتة لا تبتكر و لا تخلف جديد في عالم الوظيفة الإدارية للدولة و هو ما يقودنا إلى طرح جملة الإشكاليات التالية :
- ماذا نعني بالنظام الإداري المركزي و ما مدى نجاعته؟
- إلى أي مدى يمكن أن يتوافق نظامين ( مركزي و لا مركزي ) في دولة واحدة ؟ .
المبحث الأول : نظام الإداري المركزي
المطلب الأول : مفهوم النظام الإداري المركزي
المركزية الإدارية لغة تعني التوحيد و التجميع و التركيز حول نقطة مركزية معينة ( المركز ) و عدم التشتت و التجزئة أما المركزية الإدارية أو النظام الإداري المركزي فيتصد به توحيد و حصر كل سلطة الوظيفة الإدارية في الدولة في يد السلطات الإدارية المركزية ( رئيس الدولة و الوزراء وممثليهم) في أقاليم الدولة حيث يؤدي هذا التركز و التوحيد و التجمع لمظاهر سلطة الوظيفة الإدارية إلى وحدة أسلوب و نمط النظام الإداري في الدولة و إلى إقامة و بناء الهيكل الإداري في الدولة على هيئة مثلث أو هرم متكون من مجموعة ضخمة من الطبقات
و الدرجات ( فنيا ، علميا ، قانونيا و بشريا ) مترابطة ، متناسقة متدرجة يعلو بعضها البعض و هو ما يعرف بالتدرج أو السلم الإداري ( hierarchie administrative ) و ترتبط كل طبقة أو درجة في السلم الإداري بالدرجة أو الطبقة التي تليها مباشرة برابطة وعلاقة السلطة الرئاسية التي تعني حق و إمكانية استعمال قوة الأمر و النهي من أعلى وواجب الطاعة و الخضوع و التبعية من أسفا (1) .
كما تعرف المركزية على أنها تجمع السلطة في يد هيئة واحدة بحيث لا يبت في أي شأن من شؤونها دون الرجوع إلى الرئاسة العليا و موافقتها عليه و لا يشترط في المركزية الإدارية أن يكون الرئيس الأعلى الذي تتركز في يده السلطة فردا إنما يجوز أن يكون هذا الرئيس هيئة متكونة من عدة أفراد كما يجوز في النظام المركزي تخويل الرؤوس حق إصدار القرارات التنفيذية دون حاجة إلى تصديق الرئيس الأعلى و لكن في هذه الحالة قرارات المرؤوس تخضع لسلطات رئيسيه الذي يكون له حق إلغاءها أو تعديلها (2
المطلب الثاني : النظام المركزي في ظل الدولة القديمة .
كانت الدولة القديمة - دولة الملكيات المطلقة – التي ترتكز دستوريا على نظرية الحق الإلهي المقدس و نظرية التفويض الإلهي الغير مباشر ، حيث كانت تطبيق التركيز الإداري المطلق و الجامد في نظام اختصاصاتها ووظائفها الإدارية حيث كانت تنحصر سلطة التقرير النهائي في كل شؤون الوظيفة الإدارية و تتركز في يد الملك الموجود في عاصمة الدولة و حرمان عمال الدولة وموظفيها على مختلف درجات و مستويات السلم الإداري للدولة حتى القاعدة من سلطة اتخاذ القرارات
و البت النهائي في مسائل و أمور الوظيفة الإدارية التي يقومون بها ، بل يجب عليهم الرجوع إلى السلطة الإدارية المركزية ( سلطة الملك ) في كل صغيرة
و كبيرة فكان عمال وموظفي الدولة على مختلف مستويات و درجات النظام الإداري مجرد أدوات و آلات فنية تنفيذية بحت ى تبتكر أي جديدة في عالم الوظيفة الإدارية للدولة و من أهم أسباب سياسة تركيز النظام الإداري المطلق الجامد في القديم نذكر ما يلي :
1- يعود وجود و سيادة النظام التركيز الإداري الجامد المطلق في القديم إلى أن الدولة لم تكن تقوم و تضطلع بوظائف إدارية معتبرة و أساسية ، بل كانت وظائفها الإدارية ضيقة جدا ، فتنحصر و تتركز في الإدارة العسكرية و إدارة العدالة ،
و إدارة حفظ النظام ، و تجسدت مهام و أعمال الوظيفة الإدارية في هذه الحقبة التاريخية أساسا في الدفاع ، و الردع و إخضاع المحكومين لأوامر و سلطات الملوك و رغباتهم و أهوائهم .
2- جل اهتمامات سلطة الدولة كانت تتمركز حول وظيفة الحكم و تثبيت دعائمه
و بناء الدولة القوية الموحدة و المطلقة و الخروج من فوضى النظام الإقطاعي و التخلص من الصراعات الدستورية و السياسية التي كانت قائمة في ذلك الوقت بين الملوك و رجال الدين من جهة و بين الملوك و رجال الدين و رجال الإقطاع جهة أخرى ( صراع متعدد الأطراف ) .
3- جو الفوضى الدستورية و السياسية و الاجتماعية الذي كان يسود الدولة القديمة جعل الرأي العام يميل إلى تفضيل إشباع رغبات و حاجات حكمه و تنظيمه سياسيا و اجتماعيا ، و تخلصيه من عبودية الصراعات التي ضيعت الشعوب في متاهات الفوضى السياسية و الدستورية و الاجتماعية ، فتأثرت الشعوب نفسيا ،
و تقبلت أولوية وظيفة الحكم على وظيفة الإدارة في إدارة و تسيير شؤونها الإدارية ، فلم تكن هناك تطلعات و رغبات قوية و مسلحة للشعوب في المطالبة بحق المشاركة في إدارة و تسيير شؤونها الإدارية وفقا لإدارة ديمقراطية لا مركزية ، لذلك كان حتما أن يسود و يزدهر نظام التركز الإداري الجامد المطلق في ظل الدولة القديمة .
المطلب الثالث : مبررات النظام الإداري المركزي ( أسس ) :
يلعب النظام المركزي الإدارية دورا هاما في الحياة الدستورية و السياسية
و الاجتماعية و الإدارية و الاقتصادية في الدولة ، و يتجلى ذلك من بيان بعض مزايا و فوائد نظام المركزية الإدارية كأسلوب من أساليب الإدارة في الدولة الحديثة .
1- فالنظام الإداري المركزي يؤكد و يدعم الوحدة الوطنية و الدستورية للدولة ،
و ذلك عن طريق حصر و تركيز السلطة الإدارية في الدولة في يد الحكومة المركزية و إحكام الرقابة على الوظيفة الإدارية عن طريق الرقابة عليها من قبل السلطات الإدارية المركزية ، و لذلك تتبنى و تعتمد كل الدول و النظم المعاصرة النظام الإداري المركزي لتدعيم وحدتها القانونية و الدستورية و السياسية الوطنية .
2- يؤدي النظام المركزي إلى تحقيق وحدة أسلوب و نمط الوظيفة الإدارية في الدولة ، و يؤدي إلى ثبات و استقرار الإجراءات الإدارية ووضوحها ودقتها ، الأمر الذي يزيد من تقبلها و احترامها من قبل المواطنين و التزامهم بها .
و يساهم نظام المركزية الإدارية بهذه الميزة في القضاء على سبب من أسباب ظاهرة البيروقراطية المتمثل في الإجراءات الإدارية و تداخلها و تناقضها
و غموضها على المواطنين .
3- أسلوب النظام الإداري المركزي يعد الأسلوب الإداري الأمثل الذي تستطيع بواسطة الدولة إدارة و تسيير و تمويل المؤسسات و المرافق الإدارية العامة الكبرى السياسية ( مرفق الدفاع الوطني مرفق العدالة ، مرفق الشؤون الخارجية ، مرفق التعليم الوطني المرافق الاقتصادية الكبرى ، وظيفة التخطيط ) ، فمثل هذه المرافق العامة لا يمكن إدارتها و تسييرها و تمويلها إلا بواسطة الدولة عن طريق النظام الإداري المركزي .
4- يؤدي تطبيق نظام المركزية الإدارية إلى تحقيق الاقتصاد و التوفير في أموال
و موارد الدولة و يساعد على عدم الإسراف و التبذير و الإنفاق العام .
5- يلعب النظام الإداري المركزي دورا هاما و متميزا في إدارة الدولة الاشتراكية القائمة على أساس مبدأ التخطيط العام الشامل ، فبواسطة أسلوب و نظام المركزية الإدارية تستطيع الدولة الاشتراكية ضمان و تحقيق و حدة التنفيذ و التطبيق للخطط الوطنية و السياسية العامة السائدة في الدولة و الحيلولة دون الخروج على أهداف الخطط الوطنية و السياسات العامة المراد تحقيقها و تنفيذها في الدولة .
المطلب الرابع : عناصر نظام المركزية الإدارية .
1- تركيز و حصر سلطة الوظيفة الإدارية المركزية : من عناصر و مقومات النظام المركزي الإداري حصر و تجميع سلطة الوظيفة الإدارية و تركيزها في يد سلطات الإدارة المركزية للدولة ، أي تجميع و حصر سلطات التقرير و البت النهائي في جميع شؤون و مسائل الوظيفة الإدارية في السلطات الإدارية المركزية المتمثلة في رئيس الوزراء و الوزراء أصلا في ظل النظام البرلماني ، أو في رئيس الجمهورية ثم الوزراء من بعده في ظل النظام الدستوري الرئاسي ، و حق إصدار القرارات الإدارية النهائية و الباتة في الشؤون و المسائل المتعلقة بالوظيفة الإدارية في الدولة و سلطة تعديل هذه القرارات أو إنهائها و إلغائها هو سلطة
و حق مقرر و منجوز لرجال السلطة الإدارية المركزية ( الوزير الأول و الوزير أصلا في ظل النظام الدستوري البرلماني ، ورئيس الجمهورية و الوزراء في نطاق ضيق في ظل النظام الدستوري الرئاسي ) .. كذلك يدخل في إعداد السلطات الإدارية المركزية ممثلي الإدارة المركزية في أقاليم و مناطق الدولة ( الولاة مثلا ) حيث يتبع هؤلاء الممثلين للسلطات الإدارية المركزية و يرتبطون بها لعلاقة التبعية
و الخضوع المباشر لها ،
و إعطائهم قسطا و قدرا معلوما من سلطة اتخاذ القرارات الإدارية النهائية ، إلا أن ذلك لا يعني أنهم أصبحوا مستقلين عن السلطات الإدارية المركزية لأنهم مازالوا يرتبطون بالسلطات الإدارية المركزية برابطة السلطة الرئاسية و الخضوع لها .
2- السلم الإداري و التدرج الإداري : إن فكرة التدرج الإداري كعنصر من عناصر النظام الإداري المركزي يعني أن يتخذ الجهاز الإداري أو هيكل النظام الإداري في الدولة المتكون من مجموعة من الأجهزة و الوحدات الإدارية المختلفة و مجموعة القواعد القانونية و الفنية المكونة له ، و المتكون أيضا من مجموعة العاملين الذين يعملون باسم الدولة و لحسابها يجب أن يتخذ هذا الهيكل شكل وهيئة مثلث أو هرم مترابط و متتابع الدرجات و المستويات و الطبقات يعلو بعضها فوق البعض و ترتبط كل درجة أو طبقة من هذا السلم الإداري أو التدرج الإداري بالدرجة التي تليها مباشرة برابطة و علاقة قانونية مباشرة هي رابطة و علاقة السلطة الإدارية و الهيمنة من أعلى رابطة التبعية و الخضوع و الطاعة من أسفل .
و أن أي انعدام أو فقدان للترابط للتردج و التسلسل الإداري المترابط في هيكل وبناء النظام الإداري على مستوى من مستوياته بالنسبة لأية وحدة أو هيئة إدارية من الوحدات و الهيئات المكونة لهذا النظام الإداري ، يجعل هذه الوحدة أو الهيئة
أ و الجماعة الإدارية التي لا تصبح تندمج في التدرج الإداري و ترتبط بدرجات
و طبقات هذا التدرج الإداري .
برابطة و علاقة السلطة الرئاسية ، يجعل هذه الوحدة منفصلة و مستقلة عن النظام الإداري المركزية للدولة ، و هو غالبا ما يتحقق عن طريق منح هذه الوحدة أو الهيئة الإدارية أو المجموعة الإدارية الخارجة عن التدرج الإداري فكرة الشخصية المعنوية مما يجعلها مستقلة عن السلطات الإدارية المركزية استقلالا إداريا و منفصلة عن تدرج النظام الإداري للإدارة المركزية .
3- فكرة السلطة الرئاسية و يمكن أن تعرف السلطة الرئاسية قانونيا و فنيا تعريفا عاما بأنها القوة أو الديناموا الذي يحرك التدرج أو السلم الإداري و القائم عليه النظام الإداري المركزي في الدولة و مفهوم السلطة الرئاسية في على الإدارة العامة و القانون الإداري هي حق و سلطة استعمال قوة الأمر و النهي من أعلى طرف الرئيس الإداري المباشر و المختص وواجب الطاعة و الخضوع و التبعية من طرف المرؤوس المباشر للرئيس الإداري المباشر المختص ففكرة السلطة الرئاسية تتألف من عنصرين هما :
أ- حق استعمال سلطة أو قوة الأمر و النهي فالرئيس الإداري أن وجد على طول *مستويات تدرج السلم الإداري للقطاع الإداري في الدولة يملك حق استعمال سلطة إصدار و توجيه مجموعة من الأوامر و النواهي الملزمة للموظف أو العامل العام المرؤوس له مباشرة و يمارس في مواجهته مجموعة من السلطات و المكنات سواء على شخص المرؤوس كعامل عام للإدارة العامة تابع للدولة أو على أعماله الوظيفية.
ب- واجب و التزام الطاعة و الخضوع و التبعية من قبل الموظف أو العامل العام المرؤوس : فالمرؤوس من واجباته و التزاماته الوظيفية واجب هو إطاعة أو أمر
و نواهي رئيسه الإداري المباشر فالمرؤوس ليس ملزما فقط بالخضوع و الطاعة
للقوانين و اللوائح و النظم العامة في الدولة بل هو ملزم قانونا أيضا بالخضوع لأوامر و نواهي و توجيهات و تعليمات رئيسية الإدارية و إطاعتها و تنفيذها في حدود القانون ، وكل إخلال التزامات واجب الطاعة من قبل المرؤوس لأوامر
و نواهي رئيسه الإداري المباشر يعد و يكون خطأ إداري تأديبيا بعقد و ترتيب المسؤولية التأديبية للعامل أو الموظف المرؤوس جزاؤها توقيع عقوبات تأديبية عليه فالرئيس الإداري الموجود في أي مرتبة أو درجة على أية مستوى من مستويات السلم و التدرج الإداري يخول سلطة و حق تحريك و استعمال سلطات
و مكنات السلطة الرئاسية في مواجهة العامل العام المرؤوس المباشر للرئيس الإداري المباشر .
المبحث الثاني : سلطات و اعتبارات السلطة الرئاسية
المطلب الأول : صور المركزية الإدارية
هناك صورتان للمركزية الإدارية و هما التركيز الإداري و عدم التركيز الإداري
- الصورة الأولى : التركيز الإداري بمقتضاها تتركز السلطة الإدارية كلها في عمومياتها و جزئياتها في يد الوزراء في العاصمة حيث لا يكون لممثلهم في الإقليم سلطة للبت في الأمور الإدارية أي تتركز سلطة التنفيذ في مكاتب الوزراء حيث لا تكون هناك أي سلطة خاصة لغيرهم من الموظفين المنتشرين في البلاد حيث يشرف الوزراء من العاصمة على جميع المرافق العامة سواء كانت تلك المرافق وطنية أو محلية ى محل في مثل هذا النظام لمجالس بلدية أو إقليمية منتخبة تتولى الإشراف على المرافق المحلية و يمثل ذلك أساسا في تركيز ولاية البت و التقرير النهائي في جميع شؤون الوظيفة الإدارية في يد رجال الحكومة المركزية ، بمعني إن يكون من حق هؤلاء وحدهم سلطة إصدار هذه القرارات الإدارية النهائية و ما تتضمنه هذه السلطة من ولاية تعديل هذه القرارات و تعديل أثارها أو سحبها أو إلغاءها ، كما يترتب على تركبز إصدار القرارات الإدارية احتكار عمال الحكومة المركزية و السلطة التعيين في الوظائف العامة ، فلا يترك اختيار للموظفين في الولايات و البلديات و الهيئات المحلية في سكان المناطق .
- الصورة الثانية : عدم التركيز الإداري و بمقتضاها يخول إلى موظفي الوزراء في العاصمة أو في الأقاليم سواء بمفردهم أو في شكل لجان ولاية البت في بعض الأمور دون حاجة للرجوع إلى الوزير .
كما أن تطبيق نظام عدم التركيز الإداري ضرورة لازمة في تنظيم الدولة و في كل المشروعات نظرا لما يترب على التركيز المطلق من تعقيدات و قد أخذت معظم الدول الحديثة بصورة عدم التركيز الإداري و لهذا أخذت القوانين الحديثة تقيم
بجانب رئيس السلطة التنفيذية جهازا إداريا يتدرج في وحدات إدارية منظمة تنظيما رئاسيا ، الأمر الذي يقتضي الاعتراف ولموظفيها غير أن قيام الدولة المعاصرة على أسلوب عدم التركيز الإداري لم يكن من شأنه في بداية الأمر أن يسلب مظاهر الوظيفة الإدارية بعمومياتها و جزئياتها من يد الحكومة إنما خفف العبء عن العاصمة بتحويل جزء من سلطاتها إلى مصالح و عمال منشرين في مختلف إقليم الدولة ( و بلدياتها وولاياتها ) و تبقى كل هذه الهيئات و المصالح
و هؤلاء الموظفين مرتبطين بعلاقة التدرج الرئاسي طبقا للسلم الإداري القائم على قاعدة التابعية من ناحية ، حيث تكون الهيئة الأدنى تابعة للهيئة التي تعلوها صعودا إلى أن نصل إلى قمة الهرم و على قاعدة السلطة الرئاسية حيث تكون الهيئة الأعلى بمثابة الرئيس الإداري للهيئة التي تدنوها نزولا إلى أن نصل إلى قاعدة الهرم .
غير أنه قد تحتاج بعد طول التجربة أن نظام عدم التركيز الإداري و إن أدى إلى تخفيف العبء عن العاصمة إلا أنه لم يحقق ديمقراطية الإدارة على صورة أكمل
المطلب الثاني : المركزية الإدارية و المركزية السياسية .
يوجد اختلاف بين المركزية الإدارية و المركزية السياسية ، فهذه الأخيرة يقصد بها تركيز كل سلطة من السلطات الثلاث التشريعية و التنفيذية و القضائية في يد هيئة واحدة تمارس اختصاصاتها على جميع أقاليم الدولة ، فتعمل على توحيد السياسية العامة معنى هذا أن نظام الحكم ، يكون موحدا في الدولة أما المركزية الإدارية تؤدي إلى الوحدة في الإدارة على التفصيل الذي نذكره في موضعه . (1)
المطلب الثالث : سلطات الرئيس الإداري
تتخلص سلطات الرئيس على مرؤوسين في الأنواع الثلاثة التالية :
1- سلطة التعقيب : تتمثل في سلطة الرئيس في التعقيب على أعمال مرؤوسيه في ما يخوله له القانون من حق إجازة أو إقرار أعمال هؤلاء المرؤوسين و حق سحب و إلغاء و تعديل قراراتهم و كذلك حقه في الحلول محلهم .
2- سلطة الرقابة : يمارس الرئيس الإداري سلطات الرقابة على أعمال مرؤوسية أما تلقائيا أو بناءا على نظام رئاسي يتقدم به صاحب المصلحة الذي أصابه ضرر نتيجة تصرفات هؤلاء المرؤوسين سواء المراقبة مشروعيتها أو ملاءمتها الإدارية (2)
3- سلطة التوجيه : و تتمثل في توجيه الرئيس لمرؤوسيه و حقه في إصدار تعليمات أو أوامر و منشورات و كتب دورية يفسر لهم بواسطتها القوانين و المراسيم التنظيمية المناط بهم تطبيقها ، و هذه الأوامر و التعليمات تعتبر من قبل الإجراءات الإدارية البحتة و من ثمة فهي ليست من طبعة القرارات الإدارية التي تكون موضعها للطعن فيها بالإلغاء أمام الغرفة الإدارية(3)
المطلب الرابع : مزايا و عيوب النظام الإداري المركزي :
للإدارة المركزية عدة مزايا نذكر منها ما يلي :
1- الأخذ لمبدأ الإدارة المركزية يؤدي إلى الوحدة الإدارية في الدولة و يساهم إلى حد كبير في تثبيت سلطات الحكومة المركزية في التمكين لها فهو ضد التجزئة
و لذلك أخذت الدولة الحديثة في أول الأمر لمبدأ تركيز السلطة .
2- الأخذ بمبدأ الإدارة المركزية يؤدي إلى توحيد الإدارة و تناسقها تبعا لتوحيد أساليب و أنماط النشاط الإداري في مختلف مرافق الدولة ، كما يؤدي مع طول التجزئة إلى استقرار الإجراءات و اكتسابها مع الزمن الدقة و وضوحا و نسوخا ، مما يبعد الروتين الإداري عن التعقيد و يساهم إلى حد كبير في تحقيق السرعة الواجبة في إنجاز الأعمال الإدارية .
3- الأخذ بمبدأ الإدارية المركزية هو الأسلوب الإداري الوحيد الذي يلائم المرافق العامة في بعض الأنظمة التي تهدف إلى أداء الخدمات على نطاق واسع .
4- من مزايا الأخذ بالإدارة المركزية أيضا أنها تساعد على انتقاء رجال الإدارة بطريق التعيين و بذلك تتمكن من انتقاء الرجال الأكفاء ذوي المواهب والخبرة الفنية و القانونية و الإدارية .
5- الأخذ بها تؤدي إلى تجميع القوة العامة أي الإمكانيات العامة في الدولة في يد الإدارة المركزية ، و يعتبر هذا مانعا و شرطا أساسيا كي تنجو الدولة من الثورات الداخلية و توطد الأمن العام في الداخل
II- عيوب الإدارة المركزية :
بالرغم ما للمركزية من مزايا إلا أن لها إلى جانب ذلك بعض من العيوب و التي نذكر منها .
1- البطيء في إنجاز المعاملات نتيجة الروتين الإداري و التعقيد بسبب كثرة الرئاسات المتعددة في الإدارة المركزية .
2- أنها تعتبر سلاح خطير في يد السلطة ، يأخذ شكل الضغط على المواطنين لسبب التعطيل في تصريف معالجة الأمور بسوء النية فالإدارة المركزية تولد بطئا في كثير أعمال الإدارة ، و تؤدي إلى تراكم القضايا أمام الإدارة المركزية ، و هذا العيب يترتب على العيب السابق المتعلق بالبطيء في إنجاز مما يؤدي إلى تأخير البت و إلى صدور قرارات قد تكون عاجلة غير مدروسة ، كما أنها تؤدي إلى وحدة تامة في الحلول التي توضع في معالجة الأمور كافة أي أنها تضع حلول متشابهة بل موحدة لقضايا قد تكون مختلفة دون الاهتمام بالأوضاع و الظروف الخاصة لكل منها ، و لقد رأى البعض التخليص من عيوب المركزية الإدارية فقاموا بالأخذ ببعض اللامركزية و ذلك للتخفيف عن كاهل السلطة المركزية و في محاولة منهم لتلاقي العيوب التي سبق ذكرها و الناجمة عن الإدارة المركزية (1)
خاتمة :
من خلال هذا العرض نخلص إلي أنه كلما رسخت المركزية الإدارية كلما رسخت أصول الديمقراطية في دولة من الدول ازدهرت اللامركزية الإدارية فيها
و من ثم فسلطات رئيس الدولة الإدارية تختلف ضيقا و اتساعا بحسب نظام الحكم الذي تأخذ به الدولة فدور رئيس الدولة في الدساتير الآخذة بالنظام البرلماني إنما هو دور محدود نظرا لقيام ذلك النظام على قاعدة أساسية تقضي أن رئيس الدولة يسود و لا يحكم و على العكس تزداد سلطة رئيس الدولة إلى أقصى حد ممكن في النظام الرئاسي .
فالدولة الحديثة تأخذ و تطبق نظام عدم التركز الإداري في القيام بمسؤوليات
و مهام وظيفتها التنفيذية ( الإدارية ) فكذا يتجمع الدولة الحديثة بين أسلوبين مختلفين في نطاق تنظيم و توزيع وحدات و أجهزة النظام الإداري في الدولة
و تقسيم و توزيع سلطة الوظيفة الإدارية النهائية و الباتة اللازمة لإدارة و تسيير الوظيفة الإدارية .
و في الأخير تتبادر إلى أذهاننا إشكالية مفادها ما يلي :
ما هي أفضل الأسس و المبررات و أدق القواعد و الأساليب الفنية و القانونية لتحديد نطاق كل من النظامين ( المركزي و اللامركزي ) ؟
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma