الفصل الثالث :حقوق الدفاع والأحكام الصادرة
عن محكمة الجنايات
تأصلت جذور حق الدفاع في القاعدة التشريعية الثي إستقرت في كافة التشريعات الحديثة ، وهي أن الأصل في الإنسان البراءة لا الإدانة ، وأقر التشريع وألزم بهذه القاعدة لتحقيق العدالة القضائية ، والهدف منه في النهاية هو صدور حكم يعلن إرادة القانون في واقعة خاصة لحل النزاع ، ومتى إنتهت المحاكمة في الجنايات ، يكون الحكم قابلا للطعن فيه بالنقض في موعد معين إذا توافرت أسباب الطعن ، وهكذا فليس صدور أي حكم في الدعوى يرتب إنقضائها بل لا بد أن تكون الدعوى قد إستنفدت جميع أطوارها ، وصدر فيها حكم في الموضوع وأصبح هذا الحكم غير قابل للطعن فيه بالإستئناف ( الأصل أن حكم محكمة الجنايات إبتدائي نهائي غير قابل للإستئناف) أو المعارضة ( يكون حكم محكمة الجنايات قابل للمعارضة إذا صدر عبر إجراءات التخلف عن الحضور) ، ونطلق على هذا الحكم تعبير الحكم النهائي ، وبه تنقضي الدعوى العمومية.
المبحث الأول : حقوق الدفاع :
حق الدفاع هو حق متفق عليه من طرف جميع التشريعات أمام القضاء الجنائي على وجه الخصوص ، ويعتبر هذا المبدأ مستقر، ويستمد أصله من حق الإنسان في الدفاع عن نفسه ، ولهذا أستلزم على محكمة الجنايات تعيين محام للدفاع عن المتهم ، إذا لم ينتدب لنفسه مدافعا للدفاع عن نفسه والمرافعة عنه ، والغرض من وجود المترافع لا يتحقق إلا إذا حضر إجراءات المحاكمة أمام المحكمة ، وعاون المتهم معونة إيجابية(1).
المطلب الأول : مستلزمات الدفاع :
مستلزمات الدفاع يمكن التطرق إليها في أربعة زوايا كالآتي :
الفرع الأول : دعوة المتهم للحضور :
يبلغ المتهم بقرار الإحالة من طرف الرئيس المشرف على السجن وبكون ذلك أثناء الإجراءات التحضيرية للدورة ، وقبل أن يستجوب القاضي المتهم يتحقق من تلقي المتهم لحكم الإحالة ، فإذا لم يكن قد بلغ به ، يترك له نسخة من قرار الإحالة .
وبعد تولي النيابة العامة نقل ملف الدعوى وأدلة الإتهام إلى قلم كتاب المحكمة ، ينقل المتهم المحبوس إلى المحكمة (2)، والهدف من هذه الإجراءات هو إعلام المتهم بالتهمة التي أسندت إليه، هذا إذا كان المتهم محبوسا ، أما إذا لم يكن محبوسا ، أو
(1): د محمد محدة ، ضمانات المشتبه فيه وحقوق الدفاع من العهد البربري حتى الإستقلال ، الجزء الثاني ، ص202.
(2): أنظر المادة 269 من قانون الإجراءات الجزائية الصادر بالقانون 01-08 المؤرخ في 26 جانفي 2001.
43
لم يتم القبض عليه ، أو فر بعد القبض عليه فيبلغ بحكم الإتهام بتكليف بالحضور إلى جلسة المحاكمة ، ويجب أن تتضمن هذه الورقة : بيان نوع التهمة المقدم عليها المتهم إلى المحاكمة ، وتحت أي نص من النصوص القانونية تنطوي أو بالإمكان التكييف إستنادا إليه ، فضلا عن إيضاح المحكمة التي يمثل أمامها ، ومكان وساعة وتاريخ الجلسة (1).
الفرع الثاني : الإتصال بالمحامي والإطلاع على ملف الدعوى :
للمتهم الحق في أن يكون له محام قبل موعد الجلسة، ومنذ صدور حكم الإحالة في حقه ليتسنى له الحضور وتحضير دفاعه مع المحامي (2)، لأنه إذا كان وجود المحامي إلى جانب المتهم أمام محكمة الجنح والمخالفات هو أمر إختياري بصفة عامة ، فإن وجوده بجانب المتهم أمام محكمة الجنايات هو أمر وجوبي (3) ، وتستوجب العدالة أن يتمتع خصم النيابة العامة بمركز يوازي مركزها ،وبحقوق مماثلة لحقوقها حفاظا على التوازن القائم بين خصوم الدعوى العمومية ، وهذا مايسمى بحقوق الدفاع ، فهذه الحقوق مقررة للمجتمع نفسه ، وإن كان المتهم هو الذي يباشرها ، ولهذا فالأصل أن حقوق الدفاع هي قواعد متعلقة بالنظام العام ، رغم أنها تبدو مقررة لصالح المتهم (4) ، كما أن حرية الدفاع لا تقتصر على تقديم أدلته بل تمكنه من مناقشة أدلة الإتهام التي تقدمها النيابة العامة ضده.
و يجوز لمحامي المتهم الإطلاع على ملف الدعوى في مكان وجوده ،أي لدى قلم كتاب المحكمة ، على أن لا يعيق أو يعطل سير الإجراءات ، ويوجب القانون وضع الملف تحت تصرف المحامي بخمسة أيام قبل إنعقاد الجلسة على الأقل ، ولما كان الإطلاع على أوراق الدعوى من حقوق الدفاع الأساسية المتعلقة بالنظام العام ، فإن هذا الحق يصبح ساريا منذ إعلام المتهم بقرار الإحالة، فإذا لم يتسنى لمحاميه الإطلاع عليها لأي سبب كان ، ثم طلب التأجيل إستنادا لداعي عدم الإطلاع على أوراق القضية ، فهنا يتعين على المحكمة إجابتهم إيجابا ، وإلا عد رفضها إخلالا بحق المتهم في الدفاع.
الفرع الثالث : حضور المحامي :
بإعتبار المتهم طرفا ضعيفا أمام ممثل النيابة العامة ، بالإضافة إلى ما ينتابه من إرتباك قد يعيقه أو يعطل دفاعه عن نفسه (5) ، ولهذا السبب نص المشرع على وجوب حضور محامي المتهم أمام محكمة الجنايات ، ونص عليها الدستور بأن جعل
(1): أنظر المادة 400من قانون الإجراءات الجزائية.
(2): د / رؤوف عبيدة ، المشكلات العملية العامة في الإجراءات الجزائية، جامعة عين شمس ،ص634.
(3): د/ عبد العزيز سعد، مرجع سابق ،ص62.
(4): د/ صادق المرصفاوي ، ضمانات المحاكمة في التشريعات العربية ، ص123.
(5): د/ رمسيس بهنام ، مرجع سابق ، ص310.
44
حق الدفاع مضمون في القضايا الجنائية، وهذا في دستور 1989 في المادة 142-2 كما أكد على هذا المبدأ في تعديل الدستور سنة 1996.
ولما كان حضور المحامي مع المتهم أمام محكمة الجنايات وجوبيا ، فعدم حضوره يرتب بطلان المحاكمة (1) ، حتى لو كانت الإدانة في النهاية بعقوبة الجنحة لتوافر ظرف قضائي مخفف، وفي حال تعذر حضور المحامي ، فيتعين عليه أن يعين من ينوب عنه إذا كان موكلا من طرف المتهم ، أما إذا كان منتدبا من طرف المحكمة فعليه أن يعلمها لتنتدب آخر(2).
ويمكن أن يتولى محام واحد الدفاع عن عدة متهمين في جناية واحدة ، أما إذا قام تعرض بين مصالح المتهمين فإن الإجراءات تكون معيبة ، نظرا للإخلال بحقوق الدفاع والتي ضمنها القانون.
الفرع الرابع :التنبيه إلى تغيير وصف التهمة أو تعديله:
إن المبادئ العامة التي تحكم محكمة الجنايات تعطي للمحكمة مكنة قانونية تخولها عدم التقيد بالوصف القانوني للواقعة محل الإتهام الذي تعطيه جهة الإتهام عند رفعها الدعوى العمومية ومباشرتها أمام المحكمة ، فيمكنها تغيير الوصف القانوني للواقعة المحددة في قرار الإحالة وإعطائها الوصف الذي تراه مناسبا ، لها كذلك الحق في تعديل التهمة .
فيجب على المحكمة إذا غيرت الوصف القانوني للتهمة بإضافتها لظرف مشدد ، تنبيه المتهم بذلك حتى يستطيع أن يبني دفاعه على أساس التغيير ، أو التعديل الجديد
وعبيها كذلك أن تتيح للمتهم فرصة تقديم دفاعه كاملا ، وإن طلب الدفاع التأجيل وجب عليها الإستجابة لهذا الطلب وإلا عدت مخلة بحق الدفاع ، والذي يستوجب بطلان الحكم.
أما إذا إستبعدت المحكمة ظرفا مشددا أو إتخذت ظرفا مخففا ، أو أنها إستبعدت بعض عناصر الجريمة في الواقعة المطروحة ، فإن هذا يعتبر في مصلحة المتهم وليس هناك مساس بأي حقوق مقررة له (3) ، فلا حاجة لتنبيه المتهم إلى التعديل الذي طرأ ما دامت المرافعة قد أكدت تغيير الوصف الجرمي بما هو في صالح المتهم
بعد طرح ذاك التغيير بالجلسة ، ومنه إذا حضر المتهم دفاعه بعد ذلك على أساس الوصف الجديد ، فلا يجوز للمحكمة الرجوع للوصف القديم والذي تم إعتماده أولا ، وإلا عد ذلك إخلالا بحق الدفاع(4).
(1): د/ صادق المرصفاوي ، مرجع سابق ، ص116.
(2): د/ رؤوف عبيد ، المرجع نفسه ، ص224.
(3): د/ رؤوف عبيد ، المرجع نفسه ، ص117.
(4): د/ صادق المرصفاوي ، المرجع نفسه ، ص198.
45
المطلب الثاني : كفالة الدفاع في الجلسة :
إن دفاع المتهم يرتكز على مدى مقدرته على الحصول على جميع البراهين و الحجج المتاحة، وإمكانية توظيفها في صالح المتهم ، وبذلك يستطيع الدفاع نفي التهمة المسندة إلى المتهم ، فهو إذا يستعمل ويوظف شتى السبل والطرق القانونية المكفولة من أجل الوصول إلى ذلك الهدف ، كما يتيح القانون للدفاع طلب ما يراه مناسبا وموصلا إلى غايته في الدفاع.
الفرع الأول : حضور المتهم جلسة المحاكمة:
إن حضور المتهم إلى الجلسة يتم بواسطة تكليف بالحضور ، وحضور المحامي هو أمر وجوبي ، أما إذا لم يحضر المتهم رغم إعلامه ، فيوجه له إنذار من طرف رئيس المحكمة بواسطة القوة العمومية ، وإن رفض الحضور بعد ذلك ، أمر بإحضاره جبرا ، أو يتخذ بشأنه إجراءات المرافعة في غيابه ، وتكون الأحكام الصادرة في حقه حضورية ، كما يرفض أي دفاع عن المتهم المتغيب من طرف المحامي .
و أما العلة في حضور المتهم أمام محكمة الجنايات بعد تكليفه بالحضور ، هو إخباره بالتهمة المسندة إليه حتى يتمكن من إعداد دفاعه(1).
الفرع الثاني : واجب الإستماع إلى مرافعة المتهم ودفاعه عن نفسه:
بإعتبار الدفاع في مرحلة التحقيق الإبتدائي محصورا في تقديم الدفوع والطلبات ، فإن دوره في المحكمة يسمح بمناقشة الأدلة وحتى تعزيزها ، لذا يلزم المشرع محكمة الجنايات بسماع مرافعة المتهم ودفاعه حتى النهاية(2).
وكل منع للدفاع في إبداء وجهة نظره يبطل إجراءات المحاكمة كما أن المرافعة الشفهية لها دور كبير في السماح للمتهم من مناقشة كل ما يتعلق بالتهمة المسندة إليه لأن عمود الإثبات في الوقائع الجنائية هو شهادة الشهود وتقارير الخبراء ، وللدفاع كامل الحرية في عرض ما يراه لازما لإظهار براءة المتهم أو تخفيف الحكم الذي قد يصدر عليه ، ولا يجوز للمحكمة أن توجه المحامي ، أو أن تقيده بخطة معينة في دفاعه ، أو أن تقاطعه بسبب ضيق الوقت ، ويترتب عن ذلك إبطال إجراءات المحاكمة .
ويمكن لرئيس المحكمة مقاطعة الدفاع أثناء مرافعته للإستفسار عن نقاط معينة ، على أن لا يكون ذلك ماسا بحقوق الدفاع (3) .
(1): د/ رمسيس بهنام ، مرجع سابق ، ص830.
(2): د/ عبد العزيز سعد ، مرجع سابق ، ص63.
(3): د/ محمد محدة ، مرحع سابق، ص221.
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma