ظاهرة جرائم الأحداث ، المشكلة و الأسباب
مقدمــة:
لقد أصبحت الظاهرة الإجرامية في الجزائر كما في غيرها من الدول واقعا معاشا لا يمكن التنكر له تشهد عليه الآثار التي تخلفها الجرائم على مستوى الاقتصاد الوطني وأمن الأشخاص وممتلكاتهم، وهو ما يعكس الجهود التي تبذلها السلطات العامة في الدولة للوقاية والكفاح ضد الجرائم خاصة في الآونة الأخيرة بهدف معالجة الآثار السلبية المترتبة عن تردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والذي واكب ظهور الجرائم الإرهابية والتخريبية مطلع العشرية الماضية.
غير أن الملفت للانتباه هو أن تكتسح الظاهرة الإجرامية الأوساط الشبانية بشكل أدى إلى تفاقم معدلات جرائم الأحداث وارتفاع نسبها إلى مستوى ينبئ بالخطر ويدعو إلى القلق على مستقبل هذه الفئة من رجال الغد حيث الجانح الصغير مشروع مجرم كبير.
يتأكد وضع جرائم الأحداث في الجزائر بالنظر إلى الإحصائيات الرسمية الصادرة من مصالح الشرطة القضائية والمحاكم ومراكز إيداع الأحداث وغيرها من النظم والمؤسسات المعنية بشؤون الأحداث والتي لا تبعث على الارتياح، وهو ما دفع السلطات للتحرك فراحت السلطة التنفيذية تفكر عن طريق وزارة العدل في إنشاء ما يزيد عن 15 مؤسسة عقابية جديدة تزود بأجنحة خاصة لإيداع الأحداث، وتباشر حملات تحسيسية عن طريق وزارة الداخلية لوقاية الشباب من أخطار العنف والإرهاب والمخدرات.
وفي نفس السياق من المرتقب أن تصدر السلطة التشريعية بعد أن يعرض عليها قانون خاص بالطفل، وقانون حماية الأطفال من التسول والتشرد فضلا عن تنسيق الجهود على المستوى الدولي حيث وافقت الجزائر على إنشاء برلمان عربي للطفل.
من هنا جاءت فكرة هذه الدراسة التي ستحاول التعرض لمشكلة جرائم الأحداث والحلول التشريعية المعروضة في هذا الإطار وعن طريق المقابلة بين المشكلة والحل من خلال المبحثين التاليين:
المبحث الأول: ظاهرة جرائم الأحداث. المشكلة والأسباب.
المبحث الثاني: مواجهة جرائم الأحداث . الوقاية والعلاج.
المبحث الأول: ظاهرة جرائم الأحداث. المشكلة والأسباب.
إجرام الأحداث في الجزائر مشكلة حقيقية في تنامي مستمر، الارقام المنشورة هنا وهناك تشير إلى خطورة الوضع وفي الواجهة جرائم السرقة، المخدرات، الاعتداءات على الاشخاص وحتى جرائم القتل، وما خفي ربما كان أعظم، ويبقى التسرب المدرسي، تفكك الأسرة، الفقر، التهميش...وغيرها كثير مما قيل في أسباب وعوامل انتشار هذه الظاهرة.
المطلب الأول: مشكلة جرائم الأحداث: يتضح حجم ظاهرة إجرام الأحداث بالنظر إلى واقعها الحالي في الجزائر كما تجسده الإحصاءات الرسمية وتعكسه جهود السلطات والمؤسسات المعنية بشؤون الأحداث.
أولا: واقع ظاهرة جرائم الاحداث: إن الدراسات الإحصائية على قدر كبير من الأهمية بحيث تمكن من التعرف على حجم الظاهرة الاجتماعية المعنية كما لو تعلق الأمر بالجريمة وتوصل إلى التقدير الدقيق بمدى زيادتها أو نقصانها أو سكونها ومن ثم اتخاذ التدابير المناسبة لكل وضع، إلا أن الدوائر المعنية بشؤون الأحداث في الجزائر مثل المكتب الوطني لحماية الطفولة وجنح الأحداث بمديرية الشرطة ومرصد حقوق الطفل بمديرية الصحة وغيرها...غالبا ما لا تهتم بإجراء إحصاءات وطنية شاملة ومنظمة عن جرائم الأحداث أو على الأقل لا تهتم بنشرها في حدود إطلاعي الشخصي.
ومع هذا فإن الاهتمام الخاص بهذه الظاهرة لسنوات قليلة مضت مكنني من تشخيص بسيط لواقع جرائم الأحداث في الجزائر بالاعتماد على بعض الإحصاءات لسنوات مختلفة والتي تظهر ما يلي:
- الأحداث الموقوفين بمراكز الشرطة القضائية: أوقفت مصالح الدرك الوطني سنة 2006 7232 طفل تورطوا في 13558 جريمة على المستوى الوطني، وأوقفت في السنة الجارية ومن شهر جانفي إلى أفريل 890 حدث.(1)
قبل هذا تشير بعض الإحصاءات لسنة 2002 أن مصالح الشرطة سجلت تورط 5338 حدث تتراوح أعمارهم بين 16 و 18 سنة في أعمال إجرامية مقابل تورط 3712 حدث من الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و 16 سنة في أعمال إجرامية(2)
وفي إحصاءات حديثة تضمنتها تقارير إعلامية على موسوعة Encarta 2006 أن المكتب الوطني لحماية الطفولة بمديرية الشرطة أحصى خلال السداسي الأول من سنة 2006 و 3925 قضية تورط فيها 5462 حدث منهم 75 فتاة. وفي سنة 2005 تورط في الجرائم 11302 حدث مقابل 10965 حدث سنة 2004.
- الأحداث الموقوفين: أحصت المديرية العامة للسجون بوزارة العدل 698 حدث مسجون بالمؤسسات العقابية إلى غاية 21 سبتمبر من سنة 2006 لا تتعدى أعمارهم 17 (3) من المجرمين الخطيرين ويفوق
هذا العدد الأحداث المتورطين في جرائم الذين يودعون بالمراكز الخاصة للأحداث وكذلك الأحداث الذين يسلمون إلى أهاليهم بعد تشردهم أو هروبهم من المنزل.
- نوع الجرائم المرتكبة: في مقدمتها جرائم السرقة، الضرب والجرح العمدي ترويج واستهلاك المخدرات، الدعارة....وقد تصل في العنف إلى جرائم القتل وبالرجوع إلى تقارير موسوعة Encarta سالفة الذكر فإن توزيع هذه الجرائم سنة 2006 ومن مجموع 3925 جريمة احتلت فيها الصدارة جرائم السرقة بــ 1760 قضية ثم الضرب والجرح العمدي بــ 750 قضية وتحطيم ممتلكات الغير بــ156 واستهلاك وحيازة المخدرات بــ121 وتكوين جمعية أشرار 100 والاعتداء على الأصول بـ46 قضية، وأخيرا جرائم القتل بــ03 بعدما سجل منها 25 سنة 2005 و13 سنة 2004.
على الرغم من تذبذب هذه الإحصائيات بالنظر إلى عدم شموليتها وعدم تخصص مراجعها إلا أنها تعكس خطورة الوضع وتدعو إلى النظر بمزيد من الحذر لظاهرة إجرام الأحداث.
ثانيا: خطورة الوضع الحالي: إن الوضع الحالي لجرائم الأحداث يوصف بحق بانه "قنبلة موقوتة" ما يؤكد ضرورة تحرك المؤسسات والأنظمة المعنية بشؤون الأحداث وحتى جمعيات المجتمع المدني لإنقاد ما يمكن إنقاذه حيث الوضع لا يحتمل التأخير والجانح الصغير مشروع لسفاح كبير.
وقد ساهم في تفاقم الظاهرة الإجرامية عند الأحداث في العشرية الأخيرة تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية وما ترتب عنها من دفع الأطفال مبكرا إلى سوق العمل والتسرب المدرسي والتشرد من المنزل بسبب فقد العائل بالنسبة لأسر المفقودين وضحايا الإرهاب.
موجة العنف التي شهدتها الجزائر وما صاحبها من أعمال التخريب والإرهاب أثرت بدورها في نفسيات الأطفال وخلقت لديهم في العديد من الحالات صدمات نفسية وحتى نوبات جنون جعلتهم أقرب إلى جرائم العنف والانتحار، وقد استعمل الأحداث لتنفيذ التفجيرين الانتحاريين في بومرداس وباتنة في الأيام الماضية القليلة من هذه السنة.
هذه الأوضاع دفعت السلطات المعنية للتحرك بغية إسعاف الوضع فأخذت قيادة الدرك الوطني في كبريات المدن في تنظيم دورات تحسيسية لتوعية الأحداث من مخاطر العنف والانتحار وبهدف حماية الشباب من التطرف والعنف اقترحت ورشات العمل التي أفرزها لقاء الحكومة مع الولاة ضرورة تبني استراتيجية خاصة لمحاربة توظيف شبكات الإجرام للشباب واستغلالهم في العنف والإرهاب عن طريق جملة إجراءات أهمها التكفل بالشباب ضحايا المأساة الوطنية في إطار قانون المصالحة الوطنية، وتنظيم محاضرات تحسيسية عبر وسائل الإعلام لمحاربة الإرهاب والفئات الاجتماعية، وعلى رأسها المخدرات.(5)
المطلب الثاني: أسباب جرائم الأحداث.
تسجل الدراسات الاجتماعية أن أخطر مراحل الطفولة تكون في الفقرة ما بين العاشرة والخامسة عشر من العمر(6)، حيث يكون الفتى عرضة لارتكاب الجرائم بفعل تأثير حالات نفسية خطيرة أهمها الغيرة، الشك، المغامرة، سرعة الغضب، الإسراف في آمال الحب والمجد والغنى...فضلا عن تأثره بعوامل البيئة الطبيعية والاجتماعية التي يعيش فيها.
وعلى العموم فقد عنيت الدراسات الاجتماعية والنفسية بالبحث في أسباب جنوح الأحداث وأرجعها الباحثون إلى أسباب وعوامل كثيرة يمكن تقسيمها بالنظر إلى مظاهر تأثيرها في الحدث إلى نوعين أسباب وعوامل داخلية وأخرى خارجية.
أولا: الأسباب والعوامل الداخلية(7) : العوامل الداخلية لإجرام الأحداث هي عوامل ذاتية تبع من ذات الحدث وتؤثر فيه وتعود إلى العوامل النفسية والبيولوجية والعضوية.
1- العوامل النفسية: تتضمن المدرسة النفسية لتفسير الظاهرة الإجرامية عدة اتجاهات حاول كل منهما أن يرجع الإجرام إلى عامل نفسي معين وقالوا لتحديد المقصود بالعامل النفسي بأنه فعل النفس التي تختل وتتأثر بذاتها من ثاذتها وليس باختلاف بعض وظائف أعضاء الجسم كالمخ والغدد والصماء والعاهات.(
فالمصاب بالأمراض النفسية لا يبدو عليه أي خلل عضوي في جسده وهو يختلف عن الأمراض العصبية التي تعود أسبابها إلى إصابات في المخ، وفي هذا الصدد يقول فرويد " المرض النفسي يعمل على تجاهل الواقع دون أن ينكره بينما المرض العقلي ينكره تماما ويستبدل به شيئا آخر جديد".(9)
ومن العوامل النفسية التي تصلح لتفسير جرائم الأحداث كما هو الحال بالنسبة لجرائم البالغين نذكر(10) المحاكاة، الصراع النفسي والحرمان العاطفي، الطاقة الغريزية الزائدة عن الحد، السيكوباتية، الذهان...وقد أعطى الباحثون في ميدان علم النفس تفسيرات لهذه العوامل ليس من الضرورة التعرض إلى تفاصيلها من هذا السياق.
2- العوامل البيولوجية: نظرية الطبيب الإيطالي لمبروزو التي ضمنها كتابه "الإنسان المجرم" هي أساس النظريات البيولوجية، وقد كان عمله الإضافي في الجيش الإيطالي فرصة أتاحت له ملاحظة الجنود عن كثب حيث لاحظ أن الجنود المشاكسون يتميزون عن الجنود الوديعين فهم اعتادوا وشم أجزاء من أجسامهم بصور وكتابات فاحشة، وقد اكتشف عند تشريح جثث الجنود عيوب في تكوينهم الجسماني خاصة على مستوى الجبهة والجمجمة، الأسنان، الفك الأسفل....
نظرية لمبروزو تعرضت للنقد خاصة بعد ما أثبت آخرون أن(11) الصفات التي أشار إليها تتوفر لدى الطلبة الجامعيين والأشخاص الأبرياء بنفس الدرجة عند الجنود والمساجين، ومع ذلك ساهمت نظريته في تطوير بحوث أنصار الوراثة من أن الجريمة تنتقل من السلف إلى الخلف عن طريق مكروب في الدم.
3- العوامل العضوية: يقصد بالعوامل العضوية للظاهرة الإجرامية حالات الخلل أو الشذوذ أو الإصابة في أعضاء الجسم الباطنية أو الظاهرة التي تساهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في ارتكاب الجرائم.
الضعف العقلي أحد عوامل الظاهرة الإجرامية ويقل ذكاء ضعاف العقول عن 75 درجة من 200 والضعف العقلي قد يكون وراثيا أو مكتسبا من مختلف البيئات التي يعيش فيها الطفل من مرحلة ما قبل الولادة إلى ظروف الوضع والإصابات من المخ والتغذية....
ومن العوامل العضوية أيضا اختلال وظائف الغدد الصماء واحدة أو أكثر حيث يؤثر الزيادة أو النقصان في إفرازاتها في انحراف السلوك وتؤدي إلى النشاط أو الخمول، الاستقرار أو الهيجان، الهدوء أو القلق....(12)
التشريعات الحديثة في أغلبها آمنت بالدور الذي تلعبه النظريات النفسية والبيولوجية والعضوية في تفسير جرائم الأحداث فأوصت بالتحقق من الحالة النفسية والصحية للحدث، هذا التوجه يجد صدى له في قانون الإجراءات الجزائية الجزائري الذي أوصى في المادة 453 منه قاضي الأحداث بأن يبذل كل همة وعناية للوصول إلى حقيقة وله أن يأمر بإجراء فحص طبي أو نفسي إذا لزم الأمر، وأجاز لقاضي الأحداث أيضا في المادة 455 أن يأمر بوضع الحدث في مركز ملاحظة معتمد إذا تبين أن حالته الجسمانية والنفسية تستدعي فحصا.
ثانيا: الأسباب والعوامل الخارجية: هي عوامل خارجية من جهة أنها تحيط بالحدث وتؤثر فيه من الخارج، وتعود إلى عوامل البيئة الاجتماعية وعوامل البيئة الطبيعية الجغرافية.
1- العوامل الاجتماعية: ترجع المبادرة بلفت انتباه الباحثين إلى أثر العوامل الاجتماعية في الإجرام إلى الإيطالي فيري الذي يرى أن "الجريمة تنتج عن أسباب وهي بدورها تسبب نتائج، أن قوانين العقوبات التي تهتم فقط وبصورة جزئية بنتائج الجريمة ليست صالحة لحذف أسباب الجريمة.
وقد مضى على نحو أربعين سنة وأنا أؤكد وأقول بأن علاج الأسباب التي تدفع الناس إلى اقتراف الجرائم هي في تسعة أعشارها خارجة عن قانون العقوبات أنها في القانون المدني وفي التشريع الاقتصادي وفي التنظيم المدرسي والتربوي إنها في جميع مواقف وفصول الحياة الاجتماعية التي تحذف وتخفف أسباب الجرائم".(13)
وأخذ الباحثون بعد ذلك في تعداد العوامل الاجتماعية التي تساهم في انتشار الظاهرة الإجرامية بالنسبة للبالغين والأحداث على حد سواء وقدموا لذلك العوامل التالية(14)
- الأسرة: اهتم الباحثون بدراسة العلاقة بين تفكك الأسرة وجرائم الأحداث على اعتبار أن للأسرة دور هام في تقرير النماذج السلوكية للطفل وفكرته عن الحياة وشخصيته.
- المدرسة: هي البيئة الثانية للطفل يقضي فيها جزءا معتبرا من حياته ويتلقى فيها ألوان التربية والتعليم بهما يساهم في تكوين شخصيته واتجاه سلوكه وعلاقته بالمجتمع.
- الفقر: الفقر وما يترتب عنه من حرمان الطفل من إشباع حاجياته الضرورية من الغذاء والدواء والمبيت، وكذلك الحرمان من متابعة التعليم ووسائل التسلية واللعب في المنزل كل هذه تؤثر في نمو وتربية الحدث دور ربما تخلق في نفسه النقمة على الأشخاص الموسرين والقوانين ونظام المجتمع.
- حالة السكن والحي: تؤثر حالة السكن في نفسية الحدث بالنظر إلى بنسبة الازدحام وعدد الغرف، الفصل بين الأفراد في المبيت، الإضاءة، الصرف الصحي، الكهرباء، الرطوبة....
وكذلك موقع الحي وحالة الطريق وشروط النظافة والأمراض وبعده عن وسائل النقل، ومدى جاذبيته بالنسبة لساكنيه....
ويضيف الباحثون تأثير عوامل أخرى على اختلاف درجتها وأهميتها مثل الفارق في السلوك بين أهل الريف والحضر، وكذلك الفراغ ورفقة السوء والحروب ووسائط الاتصال السمعية والبصرية والمكتوبة....ويضاف تأثير هذه العوامل إلى تأثير عوامل خارجية أخرى ممثلة في عوامل البيئة الجغرافية.
2- العوامل الجغرافية: رغم محدودية تأثير العوامل الطبيعية والمناخية على سلوك الأفراد إلا أن العلماء ذكروا عوامل الحرارة والرطوبة، القرب من خط الاستواء، القرب من القطبين، وبعض الأشهر من مختلف فصول السنة.
وقال مونتسيكو أن جرائم الأحداث تكثر بالقرب من خط الاستواء مقابل جرائم السكر بالقرب من القطبين، وقال آخرون أن جرائم القتل والعنف تكثر في الفصول الحارة، وربط الدكتور رؤوف عبيد بين ارتفاع معدل الإجرام وبعض فصول السنة عندما لاحظ أن جرائم القتل والشروع فيه لدى الأحداث يرتفع معدلها من يونيو إلى أكتوبر وجرائم المال العام من نوفمبر إلى مارس....(15)
ظاهرة جرائم الأحداث بحجمها وخطورتها سالف ذكرهما جعلت الدولة تتحرك لإسعاف الوضع منذ صدور مجموعتي قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجزائية سنة 1966 إلى سنة 1972 أين صدر الأمر المتعلق بحماية الطفولة والمراهقة ما يجسد في الواقع مجموعة من الحلول التي ترصدها الدولة لمواجهة هذه الظاهرة.
المبحث الثاني: مواجهة جرائم الأحداث الوقاية والعلاج.
إن مشكلة جرائم الأحداث وعلى اختلاف درجات حدتها لم تكن وليدة سنوات العشرية الماضية كما في الإحصائيات سالفة الذكر التي أخذت كعينة طالما لم تقع يدي على إحصائيات شاملة في السنوات الماضية ويعود السبب ربما إلى عدم اهتمام السلطات المعنية بهذا النوع من الإحصائيات في سنوات معينة أو عدم الاهتمام بنشرها في سنوات أخرى.
وهذا ما يعني أن ظاهرة إجرام الأحداث تعود في ظهورها إلى فجر الاستقلال بتأثير من عدة عوامل واكبت الاستقلال الجديد وعلى رأسها كثرة الأطفال اليتامى والمتشردين كمخلفات لثورة التحرير إضافة إلى ضعف السياسة التعليمية في بداية عهدها وظروف المجتمع الجديد حيث النزوح إلى المدن والاختلاط.
هذه المعطيات والظروف هي التي تفسر اهتمام المشرع بظاهرة إجرام الأحداث حيث اتخذ منها مواقف الوقاية والحماية والعلاج عن طريق مجموعة من النصوص القانونية أصدرها في فترات متلاحقة بداية من سنة 1966.
المطلب الأول: الوقاية في حالة الأحداث المعرضين لخطر الإجرام أولى المشرع عناية خاصة للحدث فقرر إمكانية إخضاعه لإجراءات وقائية حتى وإن لم يرتكب جرائم متى كان في وضع يهدد صحته أو أخلاقه وتربيته بالخطر.
أولا: حالات الخطر المعنوي: حتى وإن لم يرتكب الحدث جريمة أو يكون ضحية لها فإن تواجده في بعض الأوضاع يجعله عرضة لخطر الإجرام الأمر الذي يستدعي حمايته.
قرر المشرع هذه الحماية للقصر الذين لم يبلغوا من العمر 21 عاما بموجب المادة 01 من الأمر 72/03 المؤرخ في 10 فيفري 1972 المتعلق بحماية الطفولة والمراهقة وأجاز لمحكمة الأحداث تحقيقا لهذا الغرض أن تنظر في قضية الحدث إذا كان في وضع يهدد بالخطر صحته أو أخلاقه وتربيته أو كان وضع حياته وسلوكه يهدده بخطر الإجرام، وتأتي هذه الخطوة مسايرة لمبادئ الدفاع الاجتماعي التي تفرض التحرك لتفادي الخطر قبل وقوعه.(16)
ولم يحدد القانون الوطني حالات الأحداث المهددين بخطر الإجرام وترك لقاضي الأحداث أن يستخلصها بالنظر إلى الحالة الصحية والتربوية للحدث، على خلاف الوضع في التشريعات الأخرى كما في القانون المصري الذي حدد حالات الخطورة لدى الحدث في الحالات الثمانية التالية (17)
• التسول وفي حكمه ما لا يصلح مصدرا جديا للعيش كعرض سلع وخدمات تافهة أو القيام بألعاب بهلوانية.
• جمع أعقاب السجائر والفضلات والمهملات.
• القيام بأعمال تتصل بالدعارة والفسق والمخدرات والقمار أو خدمة من يقومون بها.
• عدم وجود محل إقامة مستقر أو الإقامة في أماكن غير معدة لذلك.
• مخالطة المعرضين لخطر الإجرام أو المشتبه فيهم أو أصحاب السيرة السيئة.
• اعتياد الهروب من مؤسسات التربية والتعليم.
• مقاومة سلطة الأب أو الولي أو الوصي ومن في حكمه.
• عدم وجود وسيلة مشروعة للعيش وعائل مؤتمن.والقاضي الوطني بإمكانه الوقوف على مثل هذه الحالات وغيرها بالنظر إلى حالة معيشة الطفل وصحته وتربيته ويتخذ بناءا على ذلك جملة من الإجراءات الوقائية لحمايته.
ثانيا: إجراءات الوقاية من خطر الإجرام.
لحماية الحدث من خطر الإجرام الذي يهدد أخلاقه وتربيته في مثل الحالات السابقة أجاز الأمر المتعلق بحماية الطفولة والمراهقة سالف الذكر لقاضي الأحداث بمكان إقامة الحدث أو بالمكان الذي وجد فيه الحدث أن ينظر في العريضة التي ترفع إليه عن حالة الحدث ويفتتح بشأنها دعوى يتحقق فيها من حالة الحدث عن طريق الفحوص الطبية والنفسية والتحقيق الاجتماعي.
ترفع عريضة الدعوى لقاضي الأحداث من طرف ولي الحدث أو وصيه أو حاضنه وكذلك وكيل الجمهورية أو رئيس المجلس الشعبي البلدي، ويستدعي قاضي الأحداث ولي الحدث أو وصيه لحضور جلسات الدعوى ليستمع إليهم ويسجل آرائهم حول وضعية الحدث وظروفه.
فإذا اجتمعت عناصر التقدير الكافية لدى القاضي اتخذ ما يراه مناسبا لحالة الحدث، وله في هذا الإطار أن يصرف النظر عن قضيته أو أن يأمر بواحد أو أكثر من التدابير التالية (18)
- تسليم القاصر إلى والديه أو حاضنه أو أحد أقربائه أو شخص موثوق به.
- الأمر بالحراسة المؤقتة على القاصر في الوسط الذي يكون فيه بإشراف مصالح المراقبة والتربية أو إعادة التربية في بيئة مفتوحة.
- إلحاق القاصر مؤقتا:
- بمركز للإيواء والمراقبة
- مصلحة مكلفة بمساعدة الطفولة
- مؤسسة للتربية أو التكوين أو العلاج.
ومع هذا فإن المهمة الوقائية التي يؤديها قاضي الأحداث في هذا الإطار قد لا تحقق الغرض المرجو منها إما لعدم إطلاع القاضي على حالة الحدث أصلا أو لعدم جدوى التدبير الذي يتخذه لمعالجتها، فإذا ارتكب الحدث جريمة معينة تأكد فشل المهمة الوقائية وتبدأ المهمة العلاجية ومواجهة الجريمة.
المطلب الثاني: مواجهة حالات الأحداث المجرمين.
إذا انحرف سلوك الحدث بالشكل الذي أصبح يلحق أضرارا بالمصالح الفردية والجماعية لقي معاملة متميزة هدفها تقويم اعوجاج سلوكه وعلاج حالته، هذا الهدف تتوسل محاكم الأحداث لتحقيقه بأحكام قانوني الإجراءات الجزائية والعقوبات.
وإذا كان قانون الإجراءات الجزائية وفي المواد من 442 إلى 494 منه قد أبدى اهتمام متميز بقضايا الأحداث المتهمين في جرائم بما يسهل على القضاء تقدير حالتهم فأخضعهم لإجراءات خاصة للمتابعة والتحقيق وأفردهم بجهات خاصة للتحقيق (قاضي الأحداث) والمحاكمة (محاكم الأحداث)، فإن قانون العقوبات وفي المواد من 49 إلى 51 منه قد خص الأحداث المحكوم عليهم في جرائم بجزاءات متميزة هدفها التقويم والإصلاح في صورة العقوبات المخففة والتدابير الإصلاحية.
أولا : العقوبات المخففة.
تماشيا مع الأغراض الحديثة للعقوبة حيث طغت عليها جوانب الإصلاح إعادة التأهيل وإعادة الإدماج بما يجعلها تساهم في إصلاح الجاني وعلاج الخطورة الإجرامية لديه حماية للفرد والمجتمع من الإجرام، قرر المشرع الجزائري تحقيقا لهذه الأغراض حماية المحكوم عليهم الأحداث من قسوة العقوبات عن طريق الإعفاء من العقاب حينا وتخفيفه أحيانا أخرى.
فعملا بحكم المادة 49 من قانون العقوبات يعفى الأحداث الذين لم يبلغوا من العمر 13 سنة من أن تطبق عليهم أي عقوبة بصرف النظر عن الجرائم التي تنسب إليهم وعن جسامتها ويبقى للقاضي في هذه الحالة أن يطبق على الحدث تدابير الحماية والتربية إن كان لها محل.
ولا يؤثر في الوضع هنا تردد المشرع بخصوص الإعفاء الكلي من المسؤولية الجزائية بالنسبة للحدث في سنواته الأولى حيث جرى القضاء على عدم متابعة الحدث دون سن السادسة أو السابعة من العمر لما تتميز به هذه المرحلة من ضعف أو انعدام الإدراك والتمييز.
أما المادة 50 من نفس القانون فتبين كيفيات تخفيف العقوبة إذا قدر وأن انتهى القاضي إلى الحكم بإدانة الحدث الذي يتراوح سنه من 13 إلى 18 سنة حيث تكون العقوبة التي يحكم بها كالتالي:
- الحبس من 10 إلى 20 سنة إذا كانت العقوبة التي يحكم بها هي الإعدام والسجن المؤبد لو كان المتهم بالغا.
- الحبس لمدة تساوي نصف مدة السجن أو الحبس المؤقت التي يحكم بها لو كان المتهم بالغا.
وإذا كان المشرع قد منح الحكم بالعقوبة بالنسبة للحدث مادون 13سنة فإنه لا يفضل الحكم بالعقوبة دائما بالنسبة للحدث الذي تزيد سنه عن 13 سنة حيث خير القاضي بين الحكم عليه بعقوبة مخففة أو بتدابير الحماية والتربية م 49.
ثانيا: تدابير الحماية والتربية.
اتسع مجال الأخذ بالتدابير الإصلاحية في القرن العشرين بفعل تأثير مذهب الدفاع الاجتماعي وبعده توصيات المؤتمر الدولي السادس لقانون العقوبات الذي انعقد في روما سنة 1953 حيث شاع بعد ذلك تطبيق التدابير التربوية(19) على الأحداث وعديمي المسؤولية والمشردين وغيرهم من الجناة.
مسايرة من المشرع الجزائري لهذا الاتجاه أقر نظام التدابير التربوية في مجموعة قانون الإجراءات الجزائية الصادرة سنة 1966 ومكن القضاة من الحكم بتدبير أو أكثر منها، وتعود هذه التدابير حسب المادة 444 منه إلى مايلي:
- تسليم الحدث إلى والديه أو وصيه أو شخص جدير بالثقة.
- وضعه تحت نظام الحرية المراقبة.
- وضعه في مؤسسة طبية أو تربوية أو مصلحة مكلفة بالمساعدة.
- وضعه في مدرسة داخلية لإيواء الأحداث في سن الدراسة.
وفي نفس السياق صدر الأمر رقم 72/03 المتعلق بحماية الطفولة والمراهقة في 10 فيفري ومكن الأحداث من الأمر بنفس التدابير لمواجهة حالة الخطورة الإجرامية المحتملة للحدث المعرض لخطر الانحراف في أخلاقه وسلوكه ومستقبله.
هذه الحلول التشريعية لمواجهة جرائم الأحداث هي حلول مشابهة لما يجري العمل به في التشريعات المقارنة وهي أيضا منسجمة مع المبادئ الدولية المتعلقة بقضاء وجرائم الأحداث، وقد وقعت الجزائر على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل سنة 1989 واعتمدت كل ما جاء فيها ما عدا مسألة التبني التي قدمت تحفظا حولها.
الخاتمـــة:
هل وفقت المساعي التشريعية سالفة الذكر بعد مضي عقود زمنية من تطبيقها وأظهرت ثمارها في مواجهة ظاهرة إجرام الأحداث؟.
الإجابة عن هذا السؤال تدعو إلى البحث في مدى فعالية النظام الجنائي في مواجهة جرائم الأحداث بالنظر إلى الواقع الحالي لهذه الظاهرة في الجزائر.
الواقع أن ظاهرة جرائم الأحداث في الجزائر لم تعد من البساطة بحيث يمكن التغاضي عنها أو إرجاء التفكير في حلول جدية لها والإحصائيات سالفة الذكر عينات تؤكد خطورة الوضع، وفي الوقت نفسه تدعو إلى الشك في مدى فعالية الآليات المعتمدة حاليا لمكافحة جرائم الأحداث والتي يبدو أنها تتوفر على العديد من النقائص التي تعود عموما إلى مايلي:
- المشرع ساوى بين التدابير التي تتخذ لمعاملة الحدث المعرض للانحراف والحدث المنحرف على الرغم من اختلاف درجة خطورة كل واحد منهما.
- لم يعزز المشرع مسؤولية الأولياء عن القصر بحيث لم يقرر لذلك عقوبة لولي أمر الطفل بعد أن يتلقى إنذارين مثلا عن تدهور حالة الطفل وانحرافه.
- لم يخصص المشرع شرطة ولا قضاء متخصص في شؤون الأحداث بحيث تستفيد عدالة الأحداث من مستجدات الكشف العلمي في هذا المجال.
- وحد المشرع بين المحكمة التي تنظر حالة المجرم وحالة الحدث المعرض لخطر الإجرام وأسند الكل لقاضي الأحداث، وكان الأولى إعطاء الاختصاص بهذه الحالة الأخيرة لهيئات الخدمة الاجتماعية لتفحصها وتعالجها.
- الأثر السلبي لظروف تنفيذ العقوبة أو التدبير على تحقيق الغرض منها حيث تنفذ العقوبات بأجنحة من سجون البالغين عادة بسبب قلة المراكز الخاصة بإيداع الأحداث.
هذه النقائص وغيرها ساهمت في تدهور عدالة الأحداث ومن ثم تفاقم الظاهرة الإجرامية، وربما هي التي دفعت برئيس الجمهورية إلى تكليف وزير العدل بإعداد قانون خاص بالطفولة حيث أنشأ هذا الأخير لجنة خاصة أنهت عملها بإعداد تقارير حول قانون الطفل الذي ركز على حماية الأطفال المحرومين والمعرضين للخطر واستحدث يوم عالمي للطفل هو يوم 19 جوان على غرار باقي دول العالم.
وتفيد القراءة الأولية لمشروع هذا القانون الذي يتألف من 168 مادة أنه جاء لتكريس حماية الطفل من الآفات الاجتماعية ومن الاستغلال في العنف والعمل في سن مبكرة، كما أنه عزز إجراءات التحقيق والمحاكمة بما يمكنها من تحقيق غرض حماية الأحداث، ولم يعرض هذا المشروع لسبب ما على البرلمان إلى الوقت الحالي.
منقول ...
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma