المسؤولية الجنائية للطبيب.
يطلق لفظ المسؤولية على الحالة التي يكون فيها الإنسان مطالبا بأمور و أفعال قام بها مخلا في ذلك بقواعد و أحكام أخلاقية و اجتماعية و قانونية ، و بكل دقة يمكن القول أن المسؤولية هي تحمل تبعات الأضرار .
و بما أن الطبيب يعتبر بمثابة طوق النجاة لكل مريض يلجأ إليه فيجب عليه أن يبذل العناية الكاملة مستخدما أقصى مهاراته الفنية و معارفه لرعاية المريض مقابل أتعاب يتقاضاه من طف المريض و لا تسقط مسؤولية الطبيب إلا بإختيار المريض لطبيب آخر و على الطبيب أن يرشد المريض إلى من يفوقه خبرة إذا لم يستطع أن يشخص المرض .
و الجدير بالذكر أن الطب مهنة أخلاقية و نبيلة و هو من أسمى و أرقى الرسالات و أكثرها تطورا و الذي يفترض مباشرته من طرف طبيب يقض و واع و متبصر و ملم بالقواعد الطبية كما يكون من شخص جند نفسه من أجل القيام بعمل إنساني يتصل بإنقاذ حياة المريض و تحقيق سلامته الجسدية بقصد الشفاء و هذا ما أدى في وقتنا الراهن إلى تغيير النظرة إلى الحقوق و الواجبات بالنسبة للأفراد و بالتالي إلى وجوب تغيير معايير المسؤولية ، و ضوابطها و لهذا إتجه القضاء إلى تقرير هدفين .
أولا : هو حماية المرضى من الأخطاء التي قد تصدر من الأطباء و تكون لها آثارا وخيمة مع ضمان توفير العناية الطبية اللازمة من خلال تأكيد مسؤولية الأطباء .
ثانيا: هو توفير القدر اللازم من الحرية للأطباء في معالجة المرضى ، إذ أن عمل الطبيب يجب أن يتم في مناخ تسوده الثقة و الطمأنينة دون تحسيسه أن مقيد عن طريق مساءلته قانونا .
لأنه بذلك يخشى أن لا يقوم بكل واجباته التي تساعد على الشفاء ، و لقد عرفت قواعد المسؤولية الطبية تطورا مع مرور الزمن فبعدما كان الطبيب لا يسأل عن أخطائه أصبح من الممكن أن يسأل عن أخطائه العمدية ، و ذلك لإستقرار مبادئ المسؤولية المدنية ، و أخيرا أصبح يسأل عن إهماله و خطئه الجسيم أي مسؤولية جنائية .
و نظرا لزيادة الوعي من خلال تعدد دعاوى المسؤولية ضد رجال الطب و مطالبتهم بالتعويض عما يصدر منهم من أخطاء أثناء مزاولة المهنة ، فقد تطورت المسؤولية الطبية تطورا كبيرا و ساعد هذا التطور زيادة التقدم العلمي و تنوع طرق العلاج ، و هذا كله ساعد في التصدي للمخاطر من جهة و نشر الثقافة الطبية من جهة أخرى .
فلم يعد التزام الطبيب مقصورا على بذل العناية بل تعدى ذلك إلى أن وصل إلى الالتزام بتحقيق نتيجة ألا و هي سلامة المريض و ذلك في الحالات التي لا تحتمل أي صعوبة بالنسبة للطبيب العادي .
و أهم ما يبرز من المسؤولية الطبية هي طبيعة الخطأ الطبي ذلك أن خطأ الطبيب ليس كخطأ الشخص العادي بما ينطوي عليه من طبيعة النية و دقة العملية ، خصوصا بتزايد استعمال الآلات و الأجهزة الطبية ، مما يؤدي إلى احتمال وقوع العديد من المخاطر التي تستوجب معرفة المسؤول عن مدى تطبيق قواعد المسؤولية
و عليه فإن الهدف من اختيار هذا الموضوع إلى جانب العوامل الذاتية و هي كثرة و تنوع المشاكل الدعاوى المطروحة أمام المحاكم و كذا كثرة إن صح القول ضحايا الأطباء المهملين و التشوهات و الأضرار المترتبة عن أخطائهم الشخصية سواء كان بعمد أو بغيره، و كذا الوقوف إلى جانب الطبيب و تجاهل ما ألم بالمريض أو ما أصاب ذويه من ضرر معنوي .
و عليه يتم طرح الإشكال عبر هذه الأسئلة :
هل مسؤولية الطبيب عند الإهمال مدنية أو جزائية ؟ و هل تقوم المسؤولية الجنائية عند قيام أركانها و خاصة الأخطاء العمدية ؟ و هل يعاقب الطبيب بمجرد الاهمال أو الترك ؟ و ما هي السلطة التقديرية للقاضي لأركان هذه الجريمة و عناصر هذه المسؤولية ؟ .
و من خلال طبيعة موضوعنا ارتأينا استعمال المنهج التحليلي الوصفي الذي أساسه كما يدل اسمه عرض و وصف الأفعال و الأعمال المرتكبة من طرف الطبيب التي تصب في نطاق الجريمة و إسقاطها على النموذج القانوني الخاص بها .
و سنتبع في دراستنا الخطوات التالية :
الفصل الأول :أركان الجريمة و قيام المسؤولية الطبية
المبحث الأول : الركن المادي
المطلب الأول : (السلوك المادي)
المطلب الثاني : الضرر الطبي
المطلب الثالث : العلاقة السببية بين الخطأ و الضرر
المبحث الثاني : الركن المعنوي
المطلب الأول : مفهوم القصد الجنائي و عناصره
المطلب الثاني : صور القصد الجنائي
المطلب الثالث : الخطأ غير العمدي
الفصل الثاني : الركن الشرعي و تطبيقات حول مسؤولية الأطباء
المبحث الأول : الركن الشرعي و إثبات الخطأ الطبي
المطلب الأول :عبء الإثبات
المطلب الثاني : سلطة القاضي في تقدير عناصر المسؤولية
المطلب الثالث : إعفاء الطبيب من المسؤولية
المبحث الثاني : تطبيقات حول المسؤولية الجنائية للأطباء
المطلب الأول : مسؤولية الطبيب عن الأفعال التي تعد جرائم
المطلب الثاني : مسؤولية الطبيب عن استعمال الأساليب و السبل العلمية الحديثة
المطلب الثالث : مسؤولية الطبيب في حالة إفشاء الأسرار المهنية
الفصل الأول :أركان الجريمة و قيام المسؤولية الطبية
بما أن الجريمة لا يقوم إلا إذا توافرت أركانها المادي و المعنوي حتى نسب الفعل الجرم إلى الجاني ، فالركن المادي في الجريمة الطبية يتكون من الخطأ الطبي و الضرر الرابطة السببية بينهما بالإضافة إلى الركن المعنوي الذي يتمثل في القصد الجنائي بجميع عناصره و صوره ، فهل تقوم المسؤولية الطبية عن الأخطاء الطبية عند توفر أركانها .
المبحث الأول : الركن المادي
لا يعاقب القانون على النوايا مهما كانت شريرة ، مادامت محبوسـة في نفس الجاني ، و دون أن يعبر عنها بفعل مادي ملموس ، ينتج أثره في العالم الخارجي ، ذلك أن مجرد التمني الذي لا رافقه فعل مادي لا يصيب حقا من الحقوق المحمية .
و بالتالي فالركن المادي هو المظهر الخارجي للجريمة ، حيث يعاقب القانون على الأفعال المادية ، التي تتطابق مع نص التجريم .
و بالتالي لن تكون هناك جريمة طبية ، إلا إذا توافرت أركانها ، و أولها الركن المادي المكون من الخطأ كسلوك مادي ، الضرر و هو نتيجة الخطأ الطبي ، و رابطة السببية بين الخطأ و الضرر .
المطلب الأول : (السلوك المادي)
السلوك المادي،و هو السلوك أو الفعل الصادر عن إنسان بما يتعارض مع القانون فالفعل هو جوهر الجريمة ، و لهذا قيل :"لا جريمة دون فعل" ، و يشمل الفعل على الإيجاب و السلب فمن يأمر القانون بالامتناع عن فعل و يصدر عن الفاعل في شكل حركة عضوية إرادية فيعتبر فعل ايجابي، أما من يأمر بالقانون بالعمل و يمتنع عن أدائه ، أو يكون مخالف لقاعدة قانونية آمرة ، تفرض عليه العمل فيمتنع ، فهذا هو السلوك السلبي الذي يشترك مع الفعل في كونهما عمل إرادي أي أنه صادر عن وعي.
إلا أن السلوك المادي في جريمة الخطأ الطبي ، تأتي بتوافر عنصر الخطأ من الطبيب غير أن المشرع الجزائري لم يقدم تعريف دقيق للخطأ الذي يمكن للقاضي من خلاله الاعتماد عليه في بناء حكمه و بهذا يكون قد فسح المجال لفقهاء القانون لتقديم تصوراتهم الخاصة حول تعريف الخطأ .
الفرع الأول : مفهوم و معيار الخطأ الطبي
أولا : مفهوم الخطأ الطبي (ماهيته)
إن الخطأ في التعريف القانوني هو ذلك الفعل القابل للتعويض ، و الصادر عن شخص معين كالطبيب و الصيدلي و المهندس و المحامي و المتعلق بأعمالهم و مهنهم و يتحدد هذا الخطأ بالرجوع إل القواعد العلمية و الفنية التي تحدد أصول مباشرة هذا المعنى ، و قد يرجع هذا الخطأ إلى تطبيق هذه القواعد تطبيقا غير صحيح أو سوء التقدير في ما تخوله من مجال تقديري ، و من ثم فإن الخطأ الطبي هو مخالفة أو خروج الطبيب في سلوكه ، على القواعد و الأصول الطبية التي يقضي بها العلم ، أو المتعارف عليه علميا و نظريا وقت تنفيذ للعمل الطبي ، أو الإخلال بواجبات الحيطة و اليقظة التي يفرضها القانون ، متى ترتب على فعله نتائج جسيمة في حين كان في قدرته واجبا عليه أن يتخذ في تصرفه اليقظة و التبصر حتى لا يضر بالمريض ، أو هو تقصير في مسلك الطبيب ، لا يقع من طبيب يقض وجد في نفس الظروف الخارجية التي أحاطت بالطبيب المسؤول .
ثانيا : معيار الخطأ الطبي
إن الالتزام الي يقع على عاتق الطبيب عد من حيث المبدأ التزام ببذل عناية ، و إن هناك حالات معينة يقع التزام الطبيب فيها بتحقيق نتيجة و يتلخص مضمون ذلك التزام في بذل الجهود الصادقة و اليقظة ، التي تتفق و الظروف القائمة و الأصول العلمية الثابتة بهدف شفاء المريض و تحسين حالته الصحية .
إن الإخلال بذلك الالتزام السابق و الملقى على عاتق الطبيب يثير مسؤوليته ، فالخطأ الطبي هو تقصير في مسلك الطبيب و لكن ما معيار هذا التقصير ؟
إن التزام الطبيب ليس التزام بتحقيق نتيجة في شفاء المريض و لكن هو التزام ببذل عناية إلا أن العناية المطلوبة منه تقتضي أن يبذل تجاه مريضه جهود صادقة يقظة تتفق مع الأصول المستقرة في مستواه المهني
وجد في نفس الظروف الخارجية التي أحاطت الطبيب المسؤول كما يسأل عن خطئه العادي مهما كانت درجة جسامته .
فالمعيار في تقدير خطأ الطبيب و تعيين مدى واجباته يكون إما بمقارنته بمسلك الطبيب العادي إذ وجد في مثل ظروفه الظاهرة أو بمقارنته بمسلك طبيب أخصائي مثله إذا وجدة في مثل هذه الظروف ، لأن الأخصائي محل ثقة خاصة لها وزنها عند تقدير معيار الخطأ نظرا لتخصصه .
معيار الخطأ هو المعيار العام ، أي المعيار الموضوعي الذي يقيس الفعل على أساس سلوك معين لا يختلف من حالة إلى أخرى ، و هو سلوك الشخص المعتاد و يتضح مما سبق أن معيار الخطأ الذي يستقر عليه القضاء في تحديد مسؤولية الطبيب يرتكز على ثلاثة أسس هي :
• الأساس الأول : تقدير سلوك الطبيب على ضوء سلوك طبيب آخر من نفس المستوى .
• الأساس الثاني : الظروف الخارجية التي تحيط بالعمل الطبي "توفير الإمكانيات من عدمه ، فالوحدة الريفية تختلف من العيادة المجهزة".
• الأساس الثالث: مدى اتفاق العمل الطبي مع المهنة و الأصول العلمية المستقرة .
الفرع الثاني : نوع الخطأ و مقدار جسامته
أولا : نوع الخطأ
يسأل الطبيب عن كل خطأ يرتكبه مهما كان نوعه ، عاديا قد يرتكب من أي شخص عادي نتيجة الإهمال ، أو عدم بذلك العناية اللازمة ، كقيامه بعملية جراحية و هو في حالة سكر ، أو كان يجري الجراحة في العضو السليم ، بدل من العضو المصاب المرض أو أن يهمل في تخدير المريض قبل العملية إلى غيرها .
من الحالات الأخرى أو مما يوصف بالخطأ الطبي (الفني) الذي يكون نتيجة جهل الطبيب بالأمور الفنية و الحقائق و المسلمات العلمية و التي لا يتصور صدورها من غير طبيب كأعمال التشخيص و مباشرة العلاج ، كما أنه لا عبرة بجسامة الخطأ أو يسره ، ماداما واضحا و ثابتا و يعكس جهل الطبيب بواجباته و المعطيات العلمية الثابتة ، بحيث لا يحتمـل نقاشـا يختلف فيه الآراء ذلك أنه إذا كان محل نقاش بين التعاليم الطبية المختلفة .
ثانيا: مقدار جسامته
لقد اختلفت الآراء حول تحديد جسامة الخطأ ما إذا كان كل خطأ مرتكب من الجاني يستوجب المسؤولية الجنائية ، بغض النظر عن درجة جسامته إلا أن القانون لا يعتد فيها إلا بالخطأ الذي يكون على درجة واحدة من الجسامة ؟
و لقد ذهب القضاء و خاصة المصري من خلال حكم النقض الصادر في 30/12/1964 ، إلى اتباع التفرقة بين نوعي الخطأ العادي و المهني.
و قد تبنى أغلبية القضاء هذه التفرقة، حيث قضت بأنه لا يجوز للقاضي التدخل في تقدير النظريات و الطرق العلمية و تنحصر مهمته في الكشف عما إذا كان قد وقع من الطبيب إهمال محقق بوضوح أو عدم اتخاذ الاحتياطات التي يمليها الحذر العادي أو الجهل بالقواعد الطبية المتفق عليها ، و بالتالي يتحقق استقلال الطبيب في ممارسته لمهنته .
كما اتجه كل من الفقه و القضاء إلى أنه لا يكفي لقيام مسؤولية الطبيب مطلق الخطأ بل يجب أن يكون خطؤه فاحشا أو جسيما ، إذا كان الخطأ فنيا و لكنه يسأل عن الخطأ المادي بجميع درجات جسامته و يسيرها.
و الخطأ الجسيم هو الخطأ الذي يبلغ حدا يسمح افتراض سوء نية الفاعل حيث لا يتوافر الدليل عليها أو هو الإهمال و عدم تبصير الذي يبلغ حدا من الجسامة يجعل له أهمية خاصة .
الفرع الثالث : صور الخطأ الطبي
يبدأ العمل الطبي بالفحص ، ثم تشخيص المرض ، ثم علاجه و كتابة الوصفة الطبية التي تعد المستند الذي يكتب فيه الطبيب ما وصل إليه بعد الفحص و سنحاول عرض بعض الصور للأخطاء الطبية
أولا : الإمتناع عن العلاج
إن العلاقة بين الطبيب و المريض هي علاقة تعاقدية يتطلب فيها توافر رضا كل من الطبيب و المريض ، و تبدأ هذه العلاقة بذهاب هذا الأخير إلى الطبيب في عيادته أو استدعائه لعلاجه ، فإذا رفض الطبيب العلاج و كان بمقدوره مساعدة المريض و ترتب عن ذلك ضرر فهل يسأل الطبيب جنائيا عن ذلك ؟
قديما الفقه الفرنسي يرى أن الطبيب له الحرية في ممارسته لمهنته ، و هذا راجع إلى طبيعة العلاقة بينه و بين المريض ، و منه فالطبيب لا يعد مخطءا إلا إذا أخل بواجب يفرضه عليه نص قانوني أو اتفاق ،
و لكن بظهور الاتجاهات الحديثة ، كان لها أثر فعال في تقييد الحرية المطلقة للطبيب فهناك واجب انساني و أدبي تفرضه أصور المهنة على الطبيب اتجاه المرضى .
و في نفس الوقت فهو ملزم بعلاج المريض ، حيث يعاقب كل من امتنع عمدا من تقديم المساعدة لشخص في حالة خطرة كان بإمكانه تقديمها إليه دون أن تكون هناك خطورة عليه أو على الغير، فالطبيب الذي يدعى في حادث لعلاج الإصابات و يمتنع عن علاج أحد المرضي لأنه لا يرى فائدة من حياته فيتركه يموت يعد قاتلا عمدا. إلا أن هذا الالتزام يتحدد بنطاق معين و ظروف معينة .
كما تثور مسؤولية الطبيب في الحالات التي ينقطع فيها الطبيب عن معالجة مريض في وقت غير لائق ، أو في حالة التأخر عليه بالحضور و لا يفلت من المسؤولية إلا إذا أقام الدليل عن وجود قوة قاهرة أو ظروف طارئة كاستحالة الزيارة أو التأخير بسبب عطل في المواصلات .
ثانيا : أخطاء التشخيص
تتجسد هذه الحالة في حالات تسرع الطبيب في تشخيص المرض ، مع أن هذه المرحلة من أهم و أدق المراحل ، بواسطتها يستطيع الطبيب معرفة المرض ، درجة خطورته و تطوره و اختيار الطريقة و الوسائل المناسبة للعلاج كالتحاليل الطبية، الأشعة، المناظير الطبية و الموجات فوق الصوتية و هذا ما أطلق عليه مرحلة الفحص التكميلية ، و تعتمد على إجراء فحوص أكثر عمقا .
تقوم مسؤولية الطبيب مهما كان الخطأ في التشخيص يسيرا ، كما تقوم عند الغلط في التشخيص إذا تم عن جهل جسيم بأولويات الطب أو عند إهمال في الفحص ، كان يتم بطريقة سطحية و سريعة ، كما يتطلب أن لا تلحق الأدوات الطبية ضررا بالمريض في حالة استعمالها حيث يمكن قيام المسؤولية إذا كان الخطأ يتعارض مع معيار العناية و الحيطة و الحذر ، كما يسأل الطبيب أيضا إذا كان خطؤه راجع إلى عدم استشارته لأخصائيين في الحالات التي يكون فيها التشخيص صعبا و دقيقا ، و تجدر الإشارة إلى أن التشخيص الطبي يعتبر من المسائل الفنية البحتة التي لا تستطيع المحكمة بنفسها إبداء الرأي فيها دون الإستعانة بخبير .
ثالثا : أخطاء العلاج
يعد تشخيص لمرض مرحلة أولية ليصف الطبيب الدواء و يحدد طريقة العلاج الملائمة له،ومن الطبيعي أن يلتزم الطبيب بنتيجة معينة و هي شفاء المريض و لكن كل ما عليه هو بذل العناية في اختيار الدواء و العلاج الملائمة لحالة المريض للتوصل لشفائه أو للتخفيف من آلامه، فلا يسأل الطبيب عن ذلك لأن الأمر مرجعه مدى فعالية العلاج من جهة، و مدى قابلية جسم المريض و حالته لاستيعاب ذلك من جهة أخرى، ولكن يلتزم الطبيب بمراعاة الحد الأقصى من الحذر في وصفه للعلاج، فعليه مراعاة بنية المريض و سنه و قوة مقاومته للدواء الموصوف، و من ثم يسأل الطبيب إذا لم يراعي ما سبق، أو في خطئه في تركيب الدواء بإعطاء المريض جرعة أزيد من اللازم .
و المحاكم تقيم مسؤولية الطبيب إذا ما استشف القاضي من وقائع القضية أن الطبيب قد باشر العلاج بإهمال و لا مبالاة و دون اتباع للأصول الطبية المتعارف عليها .
رابعا : أخطاء الحقن و نقل الدم
تتمثل أخطاء الحقن في عدم ادخال الإبرة كاملة في الوريد و حقن المادة أو جزءا منها خارجه مما يؤدي إلى حدوث مضاعفات تؤدي إلى بتر الجزاء المحقون .
كما يمكن أن يظهر خطأ الطبيب في عدم تطهير الإبرة ، أومكان الحقن من الجراثيم ، و يكون الإهمال عدم مراعاة الحيطة و الحذر في عملية الحقن.
أما نقل الدم فمن الطبيعي أن تسبقه فحوص معينة ، للتأكد من سلامة معطي الدم من جهة و من التوفيق بين الطرفين من جهة أخرى ، و بمفهوم المخالفة تقوم مسؤولية الطبيب في حالة نقل دم معين لأن معطيه حامل لمرض معين .
خامسا : أخطاء الأشعة و الجراحة
تعتبر الأشعة من الاكتشافات الهامة في علم الطب ، تستعمل للكشف عن الأمراض علاجها ، على أن استعمالها يجب أن يتم بحذر شديد لأنه قد تحدث مضاعفات في حالة تكرار استعمالها أو عدم صلاحية الجهاز المستعمل ، و عليه فإن استخدام الطبيب للأشعة يلقى عليه التزاما بالحرص و الحيطة في إجرائها ، و تكون مسؤولية الأخصائي في ذلك أشد من مسؤولية الطبيب العادي ، حيث أدانت محكمة باريس في 20/12/1975 الأخصائي الذي فسر الأشعة تفسير يختلف مع الواقع .
أما الأخطاء الجراحية فلا بد للطبيب أن يفحص المريض بدقة و عناية ، كما يقع عليه التزام إعلامه و رضاه ، كما يسأل الجراح إذا لم يؤدي عمله الجراحي بمهارة كأن يهمل في تنظيف الجرح و إزالة ما به من أجسام غريبة،ولعل من أكثر الأخطاء الجراحية شيوعا هي ترك شاشة أو آلة جراحة بالبطن كالمقص ...إلخ، كما تقوم مسؤولية الطبيب إذا أهمل العناية بالمريض بعد الخروج من العملية أو سمح له بالخروج و كانت حالته تقتضي بقاءه .
سادسا : أخطاء التوليد و أمراض النساء
أخطاء التوليد كثيرة جدا و التي قد تبدأ ن فترة الحمل، حيث يمكن أن تحدث عدة مضاعفات للمرأة الحامل و منها الإجهاض الذي ينهي الحمل ...، على أن تقوم مسؤولية القابلة أو الممرضة في حالة عسر الولادة و عدم إحالة المريضة على طبيب مختص ، كما تقوم مسؤولية الطبيب ناقص الخبرة في حالة عدم استعانته بطبيب مختص ، الذي يجب أن يضع مصلحة الأم و الجنين نصب عينيه، و لا يحاول الظهور بمظهر الطبيب الناجح المتعالي ، كما لا يجب أن يجعل الكسب المادي هدفه و يتحلى بالإنسانية التي يقتضيها العمل الطبي ، و لكن في أي حال من الأحوال لا يمكن حصر الأخطاء الطبية و ذلك راجع لسرعة التطور الذي يحدث في المجال الطبي .
المطلب الثاني : الضرر الطبي
لقد عرضنا فيما سبق الركن الأول من أركان الجريمة و المتمثلة في الخطأ، و الآن سنحاول استكمال دراسة الركن الثاني ألا و هو الضرر .
الفرع الأول : مفهوم الضرر الطبي
أخذ المشرع الجزائري في تعريف الضرر أو النتيجة كما هو معبر عنه في القواعد العامة بالمدلول المادي ، و المتمثل في التغيير الذي يحدثه السلوك الإجرامي.
نتيجة الضرب هي الإصابة و نتيجة القتل هي الوفاة و بالتالي فنتيجة الخطأ الطبي هو الضرر المتمثل في إصابة المريض أثناء عملية العلاج أو من جرائها ، أي أن الضرر هو نقطة البداية للحديث عن المسؤولية الطبية ، و يعد عنصرا لازما لإثارتها حتى إذا ثبت مجرد التقصير أو الإهمال من الطبيب المعالج ، أو بعد وقوع صورة من صور الأخطاء ، و من هنا تبدو أهميته من حيث أنه عنصر في الركن المادي الذي لا يكتمل إلا بتحققه .
فالضرر إذا هو الأثر المباشر الذي يصيب المريض في جسمه أو نفسه نتيجة السلوك المادي أو الخطأ و هو الركن الأساسي لقيام المسؤولية الجنائية للطب ، بحيث إذا لم يتحقق هذا الأخير إنتفت المسؤولية الجنائية ، و إن كان من المتصور قيا المسؤولية المدنية المتمثلة في التعويض.
الفرع الثاني : صور الضرر الطبي
إن الأضرار التي تصيب المريض أو ذويه و التي تنجم عن الخطأ الطبي ، يمكن أنم تكون مادية أو معنوية ، فالمساس بسلامة جسم الإنسان أو إصابته يترتب عليه خسارة مالية للشخص ، و يتمثل في نفقات العلاج أو في إضعاف القدرة على الكسب أو انعدام هذه القدرة أصلا .
أولا : الضرر المادي
إن المسؤولية الجنائية للطبيب تقوم إذا تسبب لمريضه بضرر مادي و المتمثل في المساس بسلامة جسم الإنسان ، مما يترتب عليه خسارة مادية سواء كانت بوفاته أو ترك عليه أثار واضحة كبتر أحد الأعضاء ، عجز مؤقت أو دائم ، فق د وظيفة من وظائف الجسم كالرؤية أو الجرح... و هذا نتيجة لجهله بالقواعد الطبية الثابتة أو لرعونته أو طيشه ... و يشترط للتعويض عن الضرر المادي أن يكون هناك إخلال بمصلحة مالية للمضرور، و أن يكون هناك الضرر محققا .
و قد يتعدى الضرر إلى ذوي الشخص المضرور ، لكن إذا تحقق الضرر ، فعلى الشخص الذي يدعيه نتيجة لوفاة أو عجز أن يثبت أن المجني عليه يعوله فعلا وقت تحقق النتيجة، و هذا ما أجمعت عليه محكمة النقض المصرية في مجموعة من أحكامها ، حيث قررت أن مسؤولية الطبيب لا تقوم لالتزامه بتحقيق غاية هي شفاء المريض ، و إنما التزامه ببذل العناية الصادقة لشفائه .
ثانيا : الضرر المعنوي
لا يعد الضرر الأدبي أو المعنوي خسارة مالية للمريض أو لذويه ، لكنه يتجسد بمجرد المساس بسلامة جسمه أو إصابته أو عجزه نتيجة خطأ الطبيب ، و يبدو كذلك في الآلام الجسمانية و النفسية ، التي يمكن أن يتعرض لها ، و يتمثل أيضا فيما قد ينشأ من تشوهات و عجز في وظائف الأعضاء .
و يختلف الضرر المعنوي بطبيعة الحال من شخص إلى آخر ، فالشاب ليس كالمسن ، الفتاة ليست كالوالد، فالأمر يقدر على الآثار التي تتركها إصابة المريض و عجزه و ذلك بالنظر لعمله أو مهنته أو الظروف الاجتماعية و الجسمانية و غيرها، كما يدخل في عناصر الضرر المعنوي بطبيعة الحال تفويت الفرصة، و هو أمر محقق يجب التعويض عنه،حيث تكون عادة مسؤولية الطبيب على الضرر المعنوي مدنية،يكون الضرر المعنوي في حالة الوفاة، بالنسبة لأقارب المتوفي من خلال الألم النفسي الذي يصيبهم في عواطفهم و شعورهم من جراءها .
الفرع الثالث : شروط الضرر الطبي
أولا : تحقق الضرر و مساسه بمصلحة مالية مشروعة
قد يصيب الضرر المادي ذوي المريض المضرور ، فإذا أصاب الضرر شخص ما بالنتيجة عن طريق ضرر أصاب شخص آخر ، فلا بد أن يتوفر لهذا حق أو مصلحة مالية مشروعة ، فالعبرة في تحقق الضرر المادي للشخص الذي يديعه نتيجة لوفاة شخص آخر أو عجزه هي أن يثبت أن المجني عليه كان يعوله فعلا وقت وفاته أو عجزه .و على نحو مستمر و دائم ، و إن فرصة الإستمرار على ذلك في المستقبل كانت محققة الوقوع، و مثال هذا الشرط لا ينطبق بطبيعة الحال على من يلتزم المضرور بإعالته قانونيا كزوجته و أولاده و والديه، فهؤلاء فرصة محققة لاحتجاج و إثبات و دليل.
ثانيا : أن يكون الضرر محقق الوقوع إذا كان مستقبلي
قد يطلب المضرور تعويضا عن الضرر المستقبلي من كان سيتحقق فعلا لذا يمكن للأب أن ا يقصر طلباته على تعويضه عما أنفقه في علاج إبنه بل يمكنه أن يضمنها بما ينتظره من نفقات أو مصاريف استكبدها في المستقبل لاتمام علاجه من جراء خطأ طبي تسبب في تشويه جسم إبنه المريص ، هذا فيما يخص الدعوى المدنية.
أما جنائيا فهي لا تسقط أبدا لأن المسؤولية الجنائية إقتصاص لحق المجتمع ، و تشدد مسؤولية الطبيب ، متى تحققت النتيجة، بمجرد تحقق الضرر الذي تسبب فيه الطبيب إثر إهماله و عدم مراعاته للقوانين ، و اللوائح المنظمة لمهنة الطب.
ثالثا: تفويت الفرصة في الحياة أو الشفاء
تبدو الفرصة بالنسبة للمريض من عدة وجوه ، سواء كانت أمامه من فرص للكسب أو النجاح في حياته العامة أو فيما يتعلق بمساعدته و توازنه كزواج الفتاة إذا كان ما أصابها متمثل في تشويهات و إلى غير ذلك من اعتبارات .
و قد يظهر جليا أن المريض تماثل للشفاء لو لم يرتكب الخطأ الطبي، و أنه كانت له فرصة في الحياة ، فكلاهما يعد ضررا مؤكدا لكن في مثل هذه الحالات يجب أن تتوفر الأدلة على أن حالة المريض كانت غير ميؤوس منها، و إنها في طريق التحسن أو كان في حالة مستقرة. فالقاضي يعتمد في ذلك على القرائن ، فإذا ثبتت أن المرض في سيره الطبيعي كان مؤديا به حتما بحياة المريض، سواء عملت له العملية أو لم تعمل فلا يسأل الطبيب عن موته، أما إذا كانت حالة المريض تبعث على الاطمئنان على شفائه فإنه أي خطأ من الطبيب المعالج يفوت فرصة للشفاء يعتبر مرتبطا برابطة سببية كافية لنشؤ المسؤولية، و يعد التعويض عن تفويت الفرصة مظهرا من مظاهر تشدده المتزايد في الحفاظ على صحة المرضى ، لكن التعويض الذي يقضي به القضاء أمام ضياع فرصة الحياة أو الشفاء أو التحسن يكون جزائيا. و ليس كاملا يساوي الأضرار الناجمة عن الخطأ سواء كانت وفاة أو عاهة أو ضرر آخر .
المطلب الثالث : العلاقة السببية بين الخطأ و الضرر
الفرع الأول : قيام العلاقة السببية
لا يكفي مجرد وقوع الضرر للمريض و ثبوت خطأ الطبيب،بل يجب كذلك أن تكون هناك علاقة مباشرة بين الخطأ و الضرر ، و هذا ما يعرف بركن السببية و هو الركن الثالث من أركان المسؤولية، و تحديد رابطة السببية في المجال الطبي يعد من الأمور الشاقة و العسيرة ، نظرا لتعقد الجسم الإنساني ، و تغير حالته و خصائصه، و عد وضوح الأسباب للمضاعفات الظاهرة فقد ترجع أسباب الضرر على عوامل بعيدة أو خفية مردها طبيعة أو تركيب جسم المريض و استعداده ، مما يصعب منه تبينها.
و من الأمثلة على ذلك ما عرض أمام محكمة مصر 04/02/1935، و القضاء يلقي التزاما على عاتق الطبيب بالتأكد من حالة المريض و استعداده الأولى قبل التدخل العلاجي أو الجراحي ، و لا يعفى الطبيب من المسؤولية إلا إذا أثبت أن النتائج الضارة لتدخله لم تكت متوقعة و ضعيفة الإحتمال طبقا للمجرى العادي للأمور، فمتى أثبت المضرور الخطأ و الضرر فإنه تقوم قرينة على توافر علاقة السببية بينهما تقوم بينهما لصالح المضرور و المسؤول نفي هذه القرينة بإثبات أن الضرر قد نشأ عن سبب أجنبي لا يد له فيه .
الفرع الثاني : انتفائها لقيام العامل الأجنبي
تنتفي العلاقة السببية إذا كان هناك سبب أجنبي ترتب عليه حدوث الضرر ، و هذا السبب قد يكن قوة قاهرة أو خطأ المريض أو الغير ، كما قد يكون مشتركا .
أولا : القوة القاهرة
يشترط لاعتبار الحادث قوة قاهرة ، عدم إمكان توقعه و استحالة دفعه أو التحرر منه و يترتب عليه انتفاء رابط السببية بين الخطأ و الضرر ، فلا يكون هناك محل للمسؤولية الجنائية ، و يرجع تقدير الواقعة المدعى بها ، فيما كانت قوة قاهرة أو لا إلى محكمة الموضوع ، ما دامت قد أقامت أسبابها سائغة و من أمثلة ذلك وفاة المريض بالقلب على إثر رعد مفاجئ أو زلزال .
ثانيا: خطأ المريض و خطأ الغير
إن خطأ المريض هو الآخر ينفي رابطة السببية ، إذا كان هو وحده السبب في إحداث الضرر ، أما إذا كان قد ساهم مع خطأ الطبيب في وقوع الضرر ، فإن ذلك يؤدي إلى انتقاص التعويض المحكوم به على الطبيب قدر نسبة خطأ المريض.
و قد قضت محكمة النقض ، بأن الأصل أن خطأ المضرور لا يرفع المسؤولية و إنما يخففها ، و لا يعفى المسؤول استثناء من هذا الأصل ، إلا إذا تبين من ظروف الحادث أن خطأ المضرور هو العامل الأول في إحداث الضرر الذي أصابه و أنه بلغ من الجسامة درجة بحيث يستغرق خطأ المسؤول ، و كمثال على ذلك انتحار المريض أو كذبه في سرد أغراض مرضه على الطبيب مما أدى إلى تشخيص خاطئ لحالته.
و خطأ المريض و إن كان يمكن أن ينفي الرابطة السببية بين الخطأ الطبي و الضرر الواقع ،إل أنه يمكن كذلك الربط بين الخطأ و نوعا آخر من الضرر ألا و هو فوات الفرصة في تحسين الحالة أو تفادي تفاقمها ، و قد تنتهي علاقة السببية كذلك لعامل آخر و هو خطأ الغير ، و الغرض هنا هو أن الضرر ، و قد استقر القضاء على أن خطأ الغير يقطع رابطة السببية متى استغرق خطأ الجاني و كان كافيا بذاته لإحداث النتيجة ، بحيث أن فعل الغير لا يرفع المسؤولية عن الأعمال الشخصية ، إلا إذا اعتبر هذا الفعل خطأ في حد ذاته و أحدث وحده الضرر ، و ذلك كأن يكون سبب الضرر الخطأ الصادر من طبيب آخر أو الخطأ الصادر من أحد العاملين بالمستشفى في إعطاء الدواء أو في تنفيذ تعليمات الطبيب ، كذلك الضرر الناتج عن انفجار آلة كهربائية يستعملها الطبيب دون إهمال أو خطأ منه .
ثالثا : الخطأ المشترك
يمكن أن يقع الحادث بناءا على خطأين من شخصين مختلفين ، و لا يسوغ في هذه الحالة القول بأن خطأ إحداهما ينفي المسؤولية عن الآخر، إذ يصح أن الخطأ مشتركا بين شخصين مختلفين أو أكثر ، أما إذ تعددت الأخطاء المؤدية إلى وقوع الحادث يوجب مساءلة كل من أسهم فيها ، أيا كان قدر الخطأ المنسوب إليه، و يستوي في ذلك على على أن يكون سببا مباشرا أو غير مباشر في حصوله ، و بالتالي تقوم مسؤولية الطبيب عن كل تقاعس و إهمال يخالف قواعد المهنة و تعاليمها ، كما أن التعجيل بموت المريض مرادف لإحداث توافر علاقة السببية و استجابة المسؤولية .
هذا و ينبغي الإشارة إلى أنه لا يكون هناك خطأ مشترك إذا كان ثمة خطأن متميزان كل مهما أحدث أثرا مستقلا عن الآخر ، ، و يؤخذ بهذا الصدد بنظرية السبب المنتج و ليس بنظرية تعامل الأسباب أي أنه لا يعتد بكافة الأسباب التي أحدثت الضرر بل بالسبب أو الأسباب المنتجة أي السبب المألوف الذي يحدث الضرر عادة و ليس السبب العارض .
المبحث الثاني : الركن المعنوي
الركن المعنوي هو الصلة النفسية التي تربط ماديات الجريمة و نفسية فاعليها، و بالتالي فإن قيام هذه الرابطة هي التي تعطي للواقعة وصفها القانوني فتكتمل صورتها و توصف بالجريمة و بالتالي فإن قيام هذه الرابطة تقوم المسؤولية بالتبعية و إذا انتفت تستتبع انتفاء المسؤولية أو التخفيف من العقوبة.
و يتمثل الركن المعنوي في القصد الجنائي ، بحيث يتصرف الجاني إلى ارتكاب الفعل الذي يتطابق مع النص العقابي ، بإرادة واعية مدركة لنتائج الفعل أو الامتناع عنه ، و هذا ما يظهر جليا في بعض جرائم الأطباء ، كما يمكن أن لا يرقى الفعل إلى وصف الجريمة بانتفاء هذه الصفة النفسية ، و يأخذ بذلك الفعل وصف الخطأ
المطلب الأول : مفهوم القصد الجنائي و عناصره
الفرع الأول : مفهوم القصد الجنائي
القصد الجنائي هو انصراف الإرادة إلى ارتكاب السلوك المكون للجريمة، مع وعي بالملابسات المحيطة بالسلوك المكون لها، أو ما يعبر عنه بالعمد أي بإرادة الفعل أو الترك و هو أبسط نماذج العنصر المعنوي، فالطبيب إذا لا يختلف عن أي شخص آخر إذا قام بفعل أو امتنع عن إتيان فعل يوجب القانون القيام به، و يستوي في ذلك إرادة تحقيق نتيجة من عدمه، فيفترض في بعض جرائم الأطباء توافر القصد الجنائي و من ذلك جرائم تزوير الشهادات الطبية ، إفشاء السر المهني ، الإجهاض أو الامتناع عن تقديم مساعدة للمرضى
يعتبر القصد من الحالات الذهنية التي لا يمكن معرفتها بسهولة، و لهذا اعتمد الفقه و القضاء على القرائن الخارجية بالمعيار المادي و الظروف الخارجية المحيطة بكل من الطبيب و المريض قبل ارتكاب الجريمة ، و من ذلك الطريقة المتبعة في العلاج أو الآلة المستعملة... إذا فالطبيب يتحمل المسؤولية متى ترتب عن عمله جرح أو إصابة على جسم المريض مع علمه بأنه فعل يجرمه القانون، و متى توافر القصد فلا تؤثر فيه البواعث و الدوافع التي حفزت الطبيب لارتكاب جرمه مهما كانت شريفة و مملوءة بالشفقة مثل القتل بدافع الشفقة لمريض ميؤوس منه و لو كان يرضاه.
الفرع الثاني : عناصر القصد الجنائي
يتكون القصد الجنائي من عنصرين هما : العلم و الإرادة .
أولا العلـــم:
هو حالة ذهنية أو قدرة من الوعي يسبق تحقق الإرادة، و يعمل على إدراك الأمور على نحو صحيح مطابق للواقع، و لكي يتوافر العلم يجب أن إلياسط بجميع العناصر الأساسية اللازمة لقيام الجريمة أو أن يكون الفاعل عالما بأركانها.
و بمعنى آخر فالعلم هو الذي يرسم للإرادة طريقها في تحقيق الواقعة الإجرامية و عناصرها لقيام القصد الجنائي أن يشمل علم الجاني ما يتطلبه القانون لبناء الجريمة ، و على هذا الأساس فإن علم الطبيب مفترض في بعض الجرائم الطبية ، لأنه يجب أن يكون ملما بالقواعد الأساسية للمهنة .
ثانيا: الإرادة
هي جوهر القصد الجنائي و أبرز عناصره، و يقصد بها القوة النفسية التي تتحكم في السلوك الإنساني ، فإذا توجهت هذه الإرادة المدركة و المميزة عن علم لتحقيق الواقعة الإجرامية بسيطرتها على السلك المادي للجريمة و توجيهها نحو تحقيق النتيجة قام القصد الجنائي ، و بالتالي لا يمكن تصور قيامه بالنسبة للطبيب أو الجراح عن فعل الضرب أو الجرح المنصوص عليه في قانون العقوبات جرائم عمدية، لأن المشرع الجزائري شملها بأسباب الإباحة، غير أن أسباب الإباحة لأفعال الطبيب لا تؤدي إلى انتفاء مسؤوليته بصفة كلية بحيث يتحمل المسؤولية الجزائية إذ زور أوراق رسمية ، أو قام بإخفاء مرض أو عاهة أو إعطاء بيانات كاذبة عن سبب الوفاة،كما يعاقب الطبيب أو القابلة بالسجن ، و الحكم عليهم بالحرمان من المهنة في حالة القيام بعملية الإجهاض، أو يرشدون عن طرقه، كما يعاقب كذلك الطبيب عن تعريض المريض لأخطاء لأساس لها.
و هناك العديد من الجرائم العمدية سواء التي نص عليها قانون العقوبات ، أو القوانين المنظمة لمهنة الطب
المطلب الثاني : صور القصد الجنائي
يظهر القصد الجنائي في عدة صور منها القصد العام و الخاص، القصد المباشر و غير المباشر .
الفرع الأول : القصد الجنائي العام و الخاص
عند ارتكاب الجاني لواقعة اجرامية مع العلم بعناصرها ، فهو يهدف بذلك إلى تحقيق غرض معين ، بحيث تتم الجريمة و يتوافر لها القصد الجنائي العام، و قد يتطلب القانون لقيام بعض الجرائم قصد جنائي خاص .
أولا : القصد الجنائي العام
ينحصر القصد العام في حدود تحقيق الغرض من الجريمة فلا يمتد له بعدها بغض النظر عن الغاية أو الباعث الذي يحركه أو يبتغيه، و على ذلك يعد تحقيق الغرض أو محاولة تحقيقه هو الأمر الضروري لقيام القصد العام بوصفه الهدف الفوري و المباشر للسلوك الإجرامي، و لهذا نجد القصد العام مطلوب في كل الجرائم العمدية .
ثانيا: القصد الجنائي الخاص
القصد الجنائي الخاص هو أن يتوافر لدى الجاني إرادة إحداث و تحقيق غاية معينة من الجريمة ، فلا يكتفي تحقق غرض الجاني ، كما في القصد العام بل يذهب إلى أبعد من ذلك فيتغلغل إلى نوايا الجاني و يعتبر بالغاية التي دفعته إلى ارتكاب الجريمة ، فتعرف الغاية على أنها الهدف الذي يبغيه الجاني من تحقيق غرضه المباشر في ارتكاب الجريمة و مثال ذلك: في جريمة الإجهاض الواقعة من طبيب، حيث يفترض لقيام هذه الجريمة الركن المعنوي المتمثل في القصد الجنائي، و يظهر ذلك من خلال انصراف إرادة الطبيب و علمه بعناصر الجريمة، كما حددها القانون .
فيجب أن يكون الطبيب عالما بوجود الحمل ، و كان قد قصد إحداث الإجهاض دون مبرر طبي، و في هذه الحالة يكون القصد الجنائي عاما، أما إذا قصد الطبيب تحقيق منفعة مالية من وراءه، فهو قصد خاص ، و قد نظر المشرع الجزائري لجرائم الإجهاض الواقعة من الطبيب ، على أنها تفترض صورتي القصد حتى بمجرد التدليل على طرقه.
الفرع الثاني : القصد المباشر و غير المباشر
أولا : القصد المباشر
يكون القصد مباشرا عندما تتوجه إرادة الفاعل لإرتكاب الواقعة الإجرامية، التي أرادها بكل عناصرها، بحيث لا يراوده شك بضرورة حدوث النتيجة التي يرغب في تحقيقها، و يعني ذلك اتجاه إرادة الفاعل لارتكاب الواقعة الإجرامية ، تحقيق نتيجتها مبني على الاعتقاد اليقيني بأن نتيجة محددة يعنيها سوف تحدث ، و يكون القصد مباشرا باتجاه إرادة الجاني رأسا إلى العدوان على الحق الذي يحميه القانون، و يجعل الجاني غرضه و هدفه النتيجة التي يسعى إلى تحقيقها بفعله .
ثانيا: القصد غير المباشر
لا يكون الجاني في القصد غير المباشر أو الإحتمالي موقنا وقت ارتكاب الفعل من حدوث النتيجة، و لكن مع ذلك لا يستبعد حدوثها تماما بل يتوقع ذلك على أنه أمر يقع أو لا ، ففي جريمة الإجهاض ، يتجه الطبيب إلى إحداث غرض محدد و مباشر هو تفريغ محتويات الرحم دون مبرر طبي ، و في نفس الوقت فقد يقصد الطبيب إنزال الجنين ، فتموت الأم و هذا هو القصد الإحتمالي لأن وفاتها ورد لصعوبة العملية .
المطلب الثالث : الخطأ غير العمدي
تتخذ الأخطاء غير العمدية مظهرين أساسيين هما: مظهر إيجابي و يكون عندما يقوم الجاني عن رعونة أو عدة الاحتياط على عمل من شأنه إحداث النتيجة التي يجرمها القانون ، أما المظهر السلبي فيتمثل في الإمتناع أي عندما يغفل عن أداء عمل يأمر به القانون ، و يجرمه بمجرد الإمتناع عن أدائه .
و بالتالي فإن هذين المظهرين ينضمان كافو صور الخطأ غير العمدي .
الفرع الأول : الرعونة و عدم الإحتياط
يقصد بالرعونة سوء التقدير أو نقص المهارة أو الجهل بالأمور التي يتعين العلم بها، و مثالها الطبيب الذي يجري عملية في الفخذ الأيمن بدل الفخذ الأيسر المصاب، بينما لو رجع إلى الملف الخاص كان بإستطاعته تجنب الوقوع في الخطأ، لذلك يصح عقابه عن جنحة الإصابة الخطأ. أما الاحتياط فيقصد بها الحالة التي يقوم فيها الجاني على ارتكاب فعل خطير ، و هو يتوقع نتائجه و لكنه مع ذلك لا يتخذ الاحتياطات الكافية التي تحول دون تحقيق هذه النتائج و مثالها الجراح الذي يقوم بعملية في منطقة حساسة تؤدي أدنى حركة خاطئة فيها إلى موت المريض .
الفرع الثاني : الإهمال و عدم مراعاة اتباع الأنظمة و اللوائح
يعرف الإهمال بأنه الامتناع عن القيام بالعناية المطلوبة من الشخص قانونا، فهي من الحالات التي يقف فيها الجاني موقفا سلبيا ، بحيث لا يتخذ الإجراءات أو الاحتياطات التي يدعو إليها الحذر و تضم هذه الصورة الطبيب الذي يمتنع عن معالجة مريضه مما يؤدي إلى موته ، لذلك فالإهمال يتطلب ثلاثة عناصر هي :
- وجوب واجب قانوني يلزم المدعي عليه باتخاذ العناية اتجاه المدعي
- الإخلال بهذا الواجب نتيجة لفشل المدعي عليه في اتخاذ العناية التي يتخذها الرجل العادي .
- ضرر يصيب المدعي نتيجة لهذا الإخلال .
أما عدم المراعاة و اتباع الأنظمة و اللوائح فيقصد بها جميع القواعد و السلوك الآمرة الصادرة عن الدولة، و من المقرر أنه إذا خالف الجاني القواعد التي تقرر اللوائح و التنظيمات الخاصة (قانون ممارسة الطب) ، يكون قد ارتكب جريمة غير عمدية ، يعاقب عليها بمقتضى نص عقابي ، و قد أورد المشرع الجزائري صور الخطأ الطبي غير العمدي في قانون العقوبات.
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma