النظام القضائي الأميركي- مقدمة
مقدمة لمطبوعة: موجز النظام القضائي الأميركي، الصادرة عن وزارة الخارجية الأميركية.
بقلم مايكل دجاي فريدمان
بداية النص
مقدمة
في كل يوم عمل، تُصدر المحاكم عبر الولايات المتحدة أحكاماً تؤثر مجتمعة على عدة آلاف من الناس. بعض هذه الأحكام يؤثر فقط على الأطراف المعنيين في دعوى قانونية معيّنة، لكن غيرها يقضي بحقوق، وفوائد، ومبادئ قانونية ذات أثر على جميع الأميركيين. فلا مفّر من أن العديد من الأميركيين قد يُرحّبون بحكم مُعيّن، في حين أن آخرين، وهم أحياناً كُثر، قد لا يوافقون على هذا الحكم. غير أنهم جميعاً يقبلون بمشروعية هذه القرارات، وبدور المحاكم كمُفسّر نهائي للقانون. لا يمكن أن يكون هناك بيان أقوى من هذا عن الثقة التي يضعها الأميركيون في حكم القانون، وعن ثقتهم بالنظام القضائي في الولايات المتحدة.
الصفحات التي تلي تستعرض هذا النظام. يشرح معظم البحث كيفية تنظيم المحاكم الأميركية وطريقة عملها. المحاكم عنصر مركزي في النظام القضائي لكنها ليست النظام بأكمله. ففي كل يوم عبر أميركا، تُفسّر المحاكم الفدرالية، ومحاكم الولايات، والمحاكم المحلية القوانين وتصدر أحكامها بالنسبة للنزاعات، بموجب القوانين القائمة. بل إنها، في بعض الأحيان، تبطل القوانين لانتهاكها الحمايات الأساسية التي يضمنها الدستور لجميع الأميركيين. في ذات الوقت، يُجري ملايين الأميركيين صفقات في أعمالهم اليومية دونما رجوع إلى المحاكم. فهم أيضاً يعتمدون على النظام القضائي. فالزوجان الشابان اللذان يشتريان منزلهما الأول، ورجلا الأعمال اللذان يدخلان في عقد، والأبوان اللذان ينظمان وصية لأولادهما، يحتاجون جميعاً الى قابلية التكهن بماهية هذه القوانين والأنظمة والقدرة على تنظيمها، وحكم القانون، وضمانات النظام القضائي الأميركي.
تسعى هذه المقدمة إلى تعريف القارئ بالبنية الأساسية للقانون الأميركي ومصطلحاته. الفصول التي تلي ذلك تضيف التفاصيل، وتعطي فكرة عن كيف تطوّر النظام القضائي الأميركي لتلبية حاجات دولة تنمو وحاجات واقعها الاقتصادي والاجتماعي المتزايد تعقيداً.
نظام قضائي فدرالي
نظرة إجمالية
النظام القضائي الأميركي مؤلف من عدة طبقات، ربما أكثر مما هي الحال في معظم الدول الأخرى. أحد الأسباب هو التقسيم بين القانون الفدرالي وقانون الولايات. من المفيد لفهم ذلك، التذكير بأن الولايات المتحدة تأسست ليس كدولة موحدة بل كاتحاد من 13 مستعمرة، كانت تطالب كل واحدة منها بالاستقلال عن التاج البريطاني. وهكذا، تحدّث إعلان الاستقلال (1776) عن "الشعوب الطيبة في هذه المستعمرات"، لكنه أعلن في ذات الوقت أن "هذه المستعمرات المتحدة هي، ويحق لها أن تكون، "ولايات حرة ومستقلة". التوتر بين الشعب الواحد والولايات المتعددة في التاريخ القانوني الأميركي. فكما هو مشروح أدناه، الدستور الأميركي (تم تبنيه سنة 1787، وجرت المصادقة عليه سنة 1788) دخل في تحوّل تدريجي، وفي بعض الأحيان تحويل واجه معارضة شديدة، للسلطة وللصلاحيات القانونية من الولايات باتجاه الحكومة الفدرالية. لكن، حتى في أيامنا هذه، تملك الولايات سلطات ذات شأن. على كل طالب يدرس النظام القضائي الأميركي أن يفهم كيفية توزيع الاختصاصات القانونية في ما بين الحكومة الفدرالية والولايات.
حدّد الدستور العديد من الحدود بين القانون الفدرالي وقانون الولايات، وقسّم أيضاً السلطة الفدرالية بين فروع الحكم التنفيذية والتشريعية، والقضائية (محدثاً بهذا "فصل السلطات" بين كل فرع ومُثريا "مبدأ الضوابط والتوازنات" في نظام الحكم والإدارة لمنع سيطرة أي فرع على الفروع الأخرى) بحيث يساهم كل فرع من هذه الفروع بصورة مميزة في النظام القضائي. وفي نطاق هذا النظام، حدّد الدستور أنواع القوانين التي يحق للكونغرس سنّها.
وتعقيداً لهذا الأمر أكثر، نجد أن القانون الأميركي يذهب الى أبعد من القوانين النظامية التي يسنّها الكونغرس. ففي بعض الميادين، يسمح الكونغرس للوكالات الإدارية بتبّني قوانين تضيف التفاصيل إلى المتطلبات القانونية. كما أن النظام بكامله يستند إلى المبادئ القانونية التقليدية القائمة في القانون العام الإنكليزي. صحيح أن الدستور والقوانين النظامية لهما الأسبقية على القانون العام، لكن المحاكم تواصل تطبيق مبادئ القانون العام غير المكتوبة لأجل ملء الفراغات التي يكون الدستور صامتاً بصددها وحيث لم يُشرّع لها الكونغرس.
مصادر القانون الفدرالي
دستور الولايات المتحدة
* سيادة القانون الفدرالي
خلال الحقبة بين 1781 و1788، حَكَمت اتفاقية أُطلق عليها أسم مواد الكونفدرالية (أو الاتحاد الكونفدرالي) العلاقات بين الولايات الثلاث عشرة. أقامت الاتفاقية كونغرساً فدرالياً ضعيفاً وتركت معظم السلطات بيد الولايات. لم تنص المواد على قضاء فدرالي، باستثناء محكمة بحرية، وإن كانت كل ولاية قد أُمرت باحترام (توفير "الثقة والاعتماد بالكامل") الأحكام الصادرة عن محاكم الولايات الأخرى.
عكست صياغة الدستور وتصديقه القبول المُتنامي للحاجة لتقوية الحكومة الفدرالية. كان النظام القضائي أحد الميادين التي تم فيها ذلك. وكان البند الأكثر أهمية "بند السيادة" الموجود في المادة السادسة:
"هذا الدستور، وقوانين الولايات المتحدة التي سوف يجري سنها تبعاً له؛ وجميع المعاهدات القائمة أو التي سوف يجري ابرامها، تحت سلطة الولايات المتحدة، سوف تكون القانون الأعلى للبلاد؛ وعلى القضاة في كل ولاية أن يتقيدوا بها، بالرغم من أي شيء آخر في دستور أو قوانين أي ولاية مخالف له."
أرست هذه الفقرة المبدأ الأول في القانون الأميركي: فحيث يتكلم الدستور الفدرالي، لا يحق لأي ولاية أن تعارضه. أما ما بقي غير واضح, فهو كيف يمكن تطبيق هذا المنع على الحكومة الفدرالية نفسها، ودور الأنظمة القانونية في الولايات المختلفة في المجالات التي لم يعالجها الدستور الجديد صراحة. كان من شأن التعديلات الدستورية تأمين جزء من الجواب، وكان للتاريخ دور أكبر، لكن حتى في أيامنا هذه، يواصل الأميركيون التصّارع مع الخطوط الفاصلة الدقيقة بين ميادين السلطة الفدرالية وميادين سلطة الولايات.
كل فرع يلعب دوراً في النظام القضائي
في الوقت ذاته الذي سعى فيه واضعو الدستور إلى تقوية الحكومة الفدرالية، فإنهم كانوا يخشون تقويتها أكثر من اللزوم. كانت إحدى وسائل الحد من سلطات نظام الحكم الجديد تقسيمه إلى فروع. فكما شرح جيمس ماديسون في مجلة فدراليست العدد 51، "الحماية من اغتصاب الحكم مؤمنة بفضل تقسيم الحكومة إلى دوائر مُتميزة ومنفصلة". لقد تمتع كل واحد من "فروع" ماديسون هذه، وهي "التشريعية" و"التنفيذية" و"القضائية"، بقدر معين من النفوذ على النظام القضائي.
* الفرع التشريعي
أعطى الدستور الكونغرس سلطة سنّ التشريعات. الاقتراح الذي يدرسه الكونغرس يُسمى مشروع قانون (bill). إذا صوتّت أكثرية مطلقة في كل من مجلسي الكونغرس، الثلثان في حال كان هناك نقض رئاسي، يصبح المشروع قانوناً. تعرف القوانين الفدرالية بالقوانين النظامية (statutes). قوانين الولايات المتحدة (The United States Code) تتشكل من خلال "تدوين" للقوانين النظامية الفدرالية. مجموعة القوانين ليست في حد ذاتها قانوناً، بل هي مجرد إدراج للقوانين النظامية في ترتيب منطقي. القانون رقم 20، مثلاً، يتضمن قوانين نظامية منوعة وثيقة الصلة بالتعليم، والقانون رقم 22 يتضمن القوانين التي تغطي العلاقات الخارجية.
سلطة الكونغرس في صنع القوانين محدودة. بل هي، بتحديد أدق، مُفوّضة للكونغرس من جانب الشعب الأميركي عبر الدستور، الذي يُعين الميادين التي يحق أو لا يحق للكونغرس التشريع فيها. المادة الأولى، القسم 9 في الدستور تمنع الكونغرس من سنّ بعض أنواع القوانين. فلا يحق للكونغرس، مثلاً، سنّ قانون رجعي الأثر “ex post facto” (قانون يشمل تطبيقا بأثر رجعي، او "بعد الوقائع")، أو فرض ضرائب على الصادرات. المادة الأولى، القسم 8، تضع قائمة المجالات التي يحق للكونغرس التشريع فيها. بعض هذه المجالات ("إنشاء مكاتب بريدية") مُحدّدة جيداً، لكن غيرها، والأهم من بينها، "تنظيم التجارة مع الدول الأجنبية، وبين الولايات المتعددة"، أقل تحديداً. من الواضح أن سلطة تفسير التفويض الأقل دقة هامة جداً. لعب الفرع القضائي هذا الدور باكراً في تاريخ الجمهورية الفتية، وأمّن بذلك دوراً إضافياً وحيوياً للغاية في النظام القضائي الأميركي.
* الفرع القضائي
كما هي الحال في الفروع الأخرى، يمتلك القضاء الأميركي فقط تلك السلطات التي يفوضه إياها الدستور. مدّد الدستور سلطة الاختصاص القضائي الفدرالي إلى بعض أنواع النزاعات. المادة الثالثة، القسم 2، تُدرج قائمة بها. تشكل اثنتان من أكثر القضايا أهمية تلك المتعلقة بالقانون الفدرالي ("جميع قضايا القانون والانصاف، التي تنشأ بموجب هذا الدستور، وقوانين الولايات المتحدة، والمعاهدات المبرمجة...") وقضايا "الاختلاف"، أو النزاع بين مواطنين من ولايتين مختلفتين. سلطة الاختلاف القضائية تسمح لأي فريق تجنب إقامة قضيته أمام محاكم ولاية خصمه.
ظهرت في السنوات المبكرة للجمهورية سلطة قضائية ثانية. فكما هو مشروح في الفصل 2، فسّرت المحكمة العليا في قضية ماربوري ضد ماديسون (1803) السلطات المفوضة لتشمل سلطة تحديد ما إذا كان قانون نظامي معين قد انتهك الدستور، وفي حال فعل، إعلان هذا القانون باطلاً. قد يكون قانون معين غير دستوري لأنه ينتهك الحقوق التي يضمنها الدستور للناس، أو لأن المادة الأولى لا تسمح للكونغرس بسنّ ذلك النوع من التشريعات.
إن سلطة تفسير الأحكام الدستورية التي تصف أين يحق للكونغرس التشريع هي لذلك بالغة الأهمية. تقليدياً، برّر الكونغرس عدة قوانين باعتبارها ضرورية لتنظيم "التجارة... بين الولايات المتعددة"، أو التجارة ما بين الولايات. هذا مفهوم مطاط يصعب وصفه بدقة. الواقع أن على المرء أن يبتكر لأي قانون نظامي تقريباً صلة معقولة بين أهداف هذا القانون وبين تنظيم التجارة ما بين الولايات. في بعض الأحيان، فسّر الفرع القضائي "بند التجارة" بصورة ضيقة. سنة 1935، مثلاً، أبطلت المحكمة العليا قانوناً فدرالياً ينظم ساعات عمل وأجور العمال في مسلخ في نيويورك لأن الدجاجات التي كان يتم ذبحها وإعدادها للبيع هناك كانت تباع جميعها إلى القصّابين وباعة المفرق في نيويورك، ولم تكن بالتالي جزءاً من التجارة بين الولايات. لكن، بعد ذلك بوقت قصير، بدأت المحكمة العليا إعطاء برامج العصفقة الجديدة للرئيس فرانكلين د. روزفلت هامشاً أكبر من التفسير، واليوم تستمر المحاكم الفدرالية بتوسع مجال سلطتها في تنظيم التجارة رغم ان هذا الاتساع يبقى دون الحدود التي تسمح بتبرير أي تشريع قد يسنّه الكونغرس.
* الفرع التنفيذي
المادة الثانية تكون "السلطة التنفيذية" بعهدة رئيس الولايات المتحدة. أيام الرئيس جورج واشنطن (1789 – 1801)، كان كامل الفرع التنفيذي مُكوّناً من الرئيس، ومن نائب الرئيس، ومن وزارات الخارجية، والمالية، والحرب، والعدل. ومع نمو الدولة، نما الفرع التنفيذي معها. هناك اليوم 15 دائرة على المستوى الوزاري. تتضمن كل وزارة عدداً من المكاتب والوكالات والكيانات الأخرى. كذلك، فإن أجزاء من الفرع التنفيذي تقع خارج هذه الوزارات، وتمارس جميعها السلطات المفوضة بها من قِبَل الرئيس وهي، بالتالي مسؤولة أمامه في نهاية المطاف.
العلاقة بين الفرع التنفيذي والفرعين الآخرين واضحة في بعض الميادين. لنفترض أن فرداً أو أكثر سرق مصرفاً. سنّ الكونغرس قانوناً يجعل من سرقة المصارف جناية. (مجموعة قوانين الولايات المتحدة، القانون رقم 18، القسم 2113*). يعود إلى مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI)، وهو مكتب ضمن وزارة العدل، التحقيق في الجنايات. عندما يتم توقيف مشتبهٍ به أو أكثر، يحاول المدعي العام الفدرالي (أيضاً ضمن وزارة العدل) إثبات جرم المشتبه به في محاكمة تجريها محكمة مقاطعة (فدرالية) أميركية.
قضية سرقة المصرف قضية بسيطة. لكن مع تحديث الدولة ونموها، تطورت علاقات الفروع الثلاثة ضمن النظام القضائي لتتكيف مع القضايا المعقدة أكثر في المجتمع الصناعي، وما بعد الصناعي. دور الفرع التنفيذي هو الذي تغيّر أكثر من كل غيره. ففي سرقة المصرف، مثلاً، كان الكونغرس بحاجة إلى القليل من، او لم يكن بحاجة للخبرات الخاصة لصياغة قانون يجعل من سرقة المصارف جناية. لنفترض، بدلاً من ذلك، أن المشترعين رغبوا في حظر الأدوية "الخطرة" في السوق، أو خفض كمية المواد الملوثة "الضارة بالصحة" في الهواء. بإمكان الكونغرس، إذا أراد، تحديد تعريف دقيق لهذه التعابير. وهو يفعل ذلك أحياناً، لكن الكونغرس يميل، بدلاً من ذلك، أكثر فأكثر إلى تفويض جزء من سلطته إلى الوكالات الإدارية القائمة في الفرع التنفيذي. فإدارة الأدوية والغذاء (FDA) ووكالة حماية البيئة (EPA) تنظم كيفية تأثير الصناعات على التربة، والمياه، والهواء.
صحيح أن الوكالات لا تمتلك سوى السلطات التي يفوضها بها الكونغرس بموجب القانون، لكن هذه السلطات تبقى ذات شأن. فهي قد تتضمن سلطة سنّ قواعد التعريف للتعابير القانونية النظامية بدقة أكثر. فقد يُحظر قانون معين كميات الملوثات "الخطرة" في الجو في حين يعرف نظام تسنه وكالة حماية البيئة (EPA) مواد وكميات كل واحدة منها (الملوثات) التي يمكن اعتبارها خطرة. أحياناً، يعطي القانون وكالة معينة حق التحقيق في انتهاكات انظمتها، وحق الحكم في هذه الانتهاكات، بل وحتى حق فرض الغرامات!
تقوم المحاكم بإبطال القانون الذي يمنح وكالة ما سلطات زائدة عن اللزوم. يُفسّر قانون نظامي هام يدعى قانون الإجراءات الإدارية (مجموعة القوانين الأميركية، القانون 5، القسم 551، وما بعد) الإجراءات التي ينبغي على الوكالات إتباعها عندما تسنّ أنظمة، وتحكم في الانتهاكات، وتفرض الغرامات. ويضع أيضاً كيف يمكن لفريق ما ان يطلب مراجعة قضائية بشأن قرار صادر عن وكالة.
* مصادر القانون الأخرى
أكثر مصادر القانون الأميركي وضوحاً هي القوانين النظامية التي سنّها الكونغرس والتي استكملت بالقوانين التنظيمية الإدارية. تحدّد هذه القوانين بوضوح أحياناً، السلوك القانوني واللاقانوني، كمثال سرقة المصرف، مرة أخرى، لكن ما من حكومة تستطيع سنّ قوانين تكفي لتغطية كل وضع. لكن هناك مجموعة اخرى من المبادئ والمعايير القانونية التي تساعد، لحسن الحظ، في ملء الفجوات، كما هو مُبيّن أدناه.
* القانون العام
عندما لا يكون هنالك قانون نظامي أو أحكام دستورية تنطبق على وضع ما، كثيراً ما تعود المحاكم الفدرالية ومحاكم الولايات إلى القانون العام المتشكل من مجموعة من القرارات القضائية، والعادات والمبادئ العامة بدأت منذ قرون في إنجلترا وتواصل تطورها اليوم. ففي العديد من الولايات، يواصل القانون العام لعب دور هام في النزاعات بشأن العقود، إذ أن الهيئات التشريعية في الولايات لم تجد من المناسب سن قوانين تغطي كل حالة تعاقدية محتملة.
* السوابق القضائية
تحكم المحاكم في ادعاءات المخالفات وفي النزاعات الناشئة بموجب القانون. يتطلب هذا من المحاكم، أحياناً كثيرة، تفسير القانون. عندما تفعل المحاكم ذلك، تعتبر نفسها مُقيّدة بطريقة تفسير المحاكم الأخرى المساوية أو الأعلى درجة، للقانون سابقاً. يُعرف هذا بمبدأ بمبدأ "ما سبق اقراره stare decisis، أو ببساطة، السوابق. المتخاصمون الذين يواجهون سوابق غير ملائمة، أو قانون دعوى (اخرى)، يحاولون التمييز بين وقائع قضيتهم الخاصة وبين وقائع تلك القضية التي أنتجت القرارات السابقة.
تفسر المحاكم أحياناً القانون بطريقة مختلفة. فالتعديل الخامس للدستور، مثلاً، يحتوي على بند يقول "لا يمكن إجبار أي إنسان في أي قضية جنائية على أن يكون شاهداً ضد نفسه". نشأت بين فينة وأخرى، قضايا رفض فيها فرد ما الاستجابة لأمر الحضور للمحكمة (subpoena) أو الشهادة على أساس أن شهادته قد تُعرضّه للمقاضاة الجنائية، ليس في الولايات المتحدة بل في بلد آخر. هل يُطبق بند التجريم الذاتي هنا؟ حكمت محكمة الاستئناف الأميركية في الدائرة الثانية بأنه يطبق، لكن الدائرتين الرابعة والحادية عشرة قالتا إنه لا يطبق*. عنى هذا عملياً أن القانون اختلف حسب المكان في البلاد التي نشأت فيها القضية!
تحاول محاكم المستويات الأعلى حل هذه التناقضات. فالمحكمة العليا في الولايات المتحدة، مثلاً، تختار، أحياناً كثيرة، الاستماع إلى قضية معينة عندما يؤدي قرارها الى حل خلاف بين محاكم دائرة معينة. سابقة المحكمة العليا سوف تسيطر (او تسود) أو تطبق على جميع المحاكم الفدرالية الأدنى. في دعوى الولايات المتحدة ضد بالسيس (524 U.S. 666 (1998))، حكمت المحكمة العليا أن الخوف من المقاضاة الخارجية هو خارج نطاق بند التجريم الذاتي*. أصبح هذا الحكم قانون الدولة بكاملها بما في ذلك الدائرة الثانية. فأي محكمة فدرالية تواجه هذه المسألة كانت مقيّدة بحكم المحكمة العليا في دعوى بالسيس. كذلك فإن قرارات المحكمة الدورية تقيد جميع محاكم المقاطعات داخل الدائرة القضائية. ويطبق مبدأ "ما سبق اقراره" أيضاً على أنظمة محاكم الولايات المختلفة. بهذه الطريقة، تنمو السوابق في آن معاً من حيث الحجم ومن حيث مدى متناولها التفسيري.
قوانين مختلفة؛ علاجات مختلفة
نظراً إلى هذا الجسم المتنامي من القوانين، من المفيد التمييز بين الأنواع المختلفة من القوانين والقضايا، أو الدعاوى، المرفوعة للمحاكم، وبين العلاجات التي يؤمنها القانون في كل نوع من أنواع القضايا.
* الدعاوى المدنية / الجنائية
تستمع المحاكم إلى نوعين من النزاعات؛ المدنية والجنائية. الدعوى المدنية تستلزم وجود فريقين خاصين أو أكثر، يدعي واحد منهم على الأقل بحصول انتهاك (او مخالفة) لقانون نظامي أو لبعض أحكام القانون العام. الفريق الذي يبادر إلى تقديم الدعوى هو المُدعّي، أما خصمه فهو المدعّى عليه. بإمكان المدعّى عليه التقدم بإدعاء مقابل ضد المدعي أو بإدعاء متقابل (cross-claim) ضد مدعى عليه مشارك، طالما كان لهذا الأخير علاقة بشكوى المدعي الأصيل. تفضل المحاكم النظر من خلال دعوى منفردة في جميع المطالب الناشئة عن نزاع ما. فخصومات شركات الأعمال، كخرق العقود، أو قضايا الإساءة، حيث يدعي فريق أنه أصيب بأضرار بسبب إهمال أو سوء تصرف شخص آخر، كلها دعاوى مدنية.
في حين تكون معظم الدعاوى المدنية بين فرقاء خاصين، فإن الحكومة الفدرالية أو حكومة الولايات هي دائماً فريق في جميع الدعاوى الجنائية. فهي تقاضي، باسم الشعب، المدعى عليهم المتهمين بانتهاك القانون الذي يحظر بعض السلوك الذي يعتبره مؤذياً للصالح العام. قد تتخاصم شركتا أعمال في دعوى مدنية بسبب خرق عقد معين، لكن الحكومة وحدها تستطيع توجيه تهمة القتل إلى شخص ما.
تختلف معايير البراهين والعقوبات الممكنة أيضاً. فلا يمكن إدانة مدعى عليه بجريمة إلا عند اقرار ذنبه "بما يتجاوز أي شك معقول" (beyond a reasonable doubt). أما في جميع الدعاوى المدنية فلا يحتاج المدعي إلاّ إلى إظهار "رجحان الأدلة"، وهذه صياغة أضعف من الأولى، وتَعني "احتمال اقتراف الجرم أكثر من عدمه". المُدان بجريمة يمكن سجنه، لكن الفريق الخاسر في الدعاوى المدنية يكون مسؤولاً فقط عن التعويضات القانونية أو المنصفة، كما هو مُفسّر أدناه.
* التعويضات القانونية والمنصفة
يؤمن النظام القضائي الأميركي تشكيلة واسعة، ولكن ليست بلا حدود، من التعويضات. القوانين النظامية الجنائية تحدد بالنسبة لإساءة معينه تشكيلة من الغرامات أو فترات السجن الممكن للمحكمة فرضها. وتتيح أجزاء أخرى من القانون الجنائي من خلال بعض السلطات القضائية فرض عقوبات اشد للمسيئين المُكرّرين. العقوبات الخاصة بالمخالفات الأكثر خطورة، أو الجنايات، أشد بكثير من تلك الخاصة بالجنح.
في الدعاوى المدنية، يمكن لمعظم المحاكم الأميركية الاختيار بين فرض تعويضات قانونية أو منصفة. هذا التمييز يعني اليوم أقل مما كان يعني في السابق لكنه لا يزال جديرا بالفهم. في إنجلترا في القرن الثالث عشر، كانت "محاكم القانون" مخّولة تقرير تعويضات نقدية وحسب. فإذا كلّف خرق عقدٍ معين المدعّي بسبب المُدّعَى عليه 50 جنيهاً استرلينياً، كان بوسع المحكمة أن تأمر المُدّعى عليه بدفع هذا المبلغ إلى المدعي. كانت هذه التعويضات كافية، في العديد من الحالات، ولكن ليس في غيرها، مثل عقد لبيع قطعة فنية نادرة أو قطعة أرض مُعيّنة. خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر، تم تشكيل "محاكم الإنصاف". صاغت هذه المحاكم تعويضات منصفة، مثل أداء امر مُعيّن، يجبر الفرقاء على أداء التزاماتهم بدلاً من إجبارهم على دفع التعويضات عن الأضرار التي يسببها عدهم أدائهم لها. في حلول القرن التاسع عشر، ألغت معظم السلطات القضائية الأميركية التمييز بين القانون والإنصاف. اليوم، رغم استثناءات قليلة، تستطيع المحاكم الأميركية منح تعويضات إما قانونية أو منصفة حسب ما يتطلبه الوضع.
ثمة مثال شهير يُصور الفوارق بين القانون المدني والقانون الجنائي، والتعويضات التي يمكن لكل واحد منها فرضه. ولاية كاليفورنيا وجهت إلى نجم كرة القدم الأميركي السابق أو.جي. سمبسون تهمة القتل. لو أدين سمبسون، لكان أودع السجن. غير أنه لم يُدن لأن هيئة المحلفين قررت أن النيابة العامة فشلت في إثبات جرمه دون أي شك معقول. بعدها، أقامت عائلة زوجته السيدة سمبسون، دعوى ضد سمبسون بتهمة "الموت الغاشم"، دعوى مدنية. قررت هيئة المحلفين في هذه القضية أن رجحان الدليل أثبت مسؤولية سمبسون عن وفاة زوجته، وأمرت سمبسون بدفع تعويضات مالية – تعويض قانوني – إلى المدعين.
* دور قانون الولايات في النظام الفدرالي
منع الدستور بالتحديد الولايات من تبني بعض أنواع القوانين (الدخول في معاهدات مع الدول الأجنبية، سكّ العملة). ومنعت المادة الرابعة، الخاصة ببند السيادة، أيضاً قوانين الولايات التي تُناقض اما الدستور أو القانون الفدرالي. وعلى الرغم من ذلك، تبقى أجزاء كبيرة من النظام القضائي تحت سيطرة الولايات. حدّد الدستور بعناية الميادين التي يستطيع فيها الكونغرس سنّ التشريعات. فالتعديل العاشر في الدستور (1791) يقول بصراحة إن قوانين الولاية تسيطر في أماكن أخرى: "السلطات التي لم يوكلها الدستور إلى الولايات المتحدة أو التي لا يحظرها الدستور على الولايات، تكون مخصصة للولايات، أو للشعب، على التوالي".
مع هذا، بقي هناك توتر كبير بين الحكومة الفدرالية والولايات، حول الرق، وفي نهاية المطاف، حول حق ولاية ما في ترك الاتحاد الفدرالي. النزاع الأهلي لسنوات 1861 – 1865 حل هذين الخلافين، وأنتج أيضاً قيوداً جديدة على دور الولايات داخل النظام القضائي: ينص التعديل الرابع عشر (1868) على أنه "لا يحق لأية ولاية... حرمان أي فرد من الحياة، أو الحرية، أو الملكية، دون أصول المحاكمات المرعية الاجراء؛ ولا حرمان أي فرد ضمن سلطتها القانونية من الحماية المتساوية للقوانين". هذا التعديل وسّع إلى حد كبير قدرة المحاكم الفدرالية على إبطال قوانين الولايات. فدعوى براون ضد مجلس التعليم (1954) التي منعت التمييز العنصري في النظام المدرسي في ولاية أركنساو، استندت إلى بند "الحماية المتساوية" هذا.
ابتداء من أواسط القرن العشرين، اجتمع عدد من الميول الموجزة أعلاه - بروز الحالة الإدارية، التفسير القضائي الأقوى والأوسع لاتباع اصول المحاكمات المرعية الاجراء، واعتماد الحماية المتساوية للقوانين، والتوسع المشابه لسلطة الكونغرس في تنظيم التجارة -جمعت كلها لتعزيز الدور الفدرالي ضمن النظام القضائي. وعلى الرغم من ذلك، بقي قسم كبير من هذا النظام ضمن صلاحيات الولايات. وفي حين لا يحق لأي ولاية حرمان مواطن ما من أي حق يضمنه الدستور الفدرالي، فإن العديد من الولايات تفسر دساتيرها الخاصة عن طريق منح حقوق وامتيازات أكثر كرماً. فمحاكم الولايات التي تطبق قوانين الولايات تواصل الحكم في معظم النزاعات التعاقدية. والشيء نفسه صحيح بالنسبة لمعظم القضايا الجنائية، والدعاوى المدنية الجنحية. قانون الأسرة، الذي يشمل أموراً مثل الزواج والطلاق، هو على وجه الحصر تقريباً، مسألة تخص الولايات. فبالنسبة لمعظم الأميركيين في معظم الأوقات، يعني النظام القضائي ضباط الشرطة والمحاكم في ولايتهم الخاصة، أو محاكم البلديات المختلفة، والتقسيمات السياسية الثانوية الأخرى في الولاية.
توفر هذه المقدمة لمحة مختصرة عن النظام القضائي. ويقدم بقية هذا الكتاب المزيد من التفاصيل، والنكهة، والإدراك. يصف الفصلان الأول والثاني على التوالي كيف تم تنظيم نظام المحاكم الفدرالية ومحاكم الولايات، في حين يشرح الفصل الثالث مُطولاً مسألة السلطة القضائية المعقدة. يرسم هذا الفصل، بالضرورة، الحدود بين المحاكم الفدرالية ومحاكم الولايات لكنه يستكشف أيضاً مسألة من يحق له إقامة الدعاوى ومسألة أنواع القضايا التي سوف تستمع المحاكم إليها. يتوسع الفصل الرابع من التركيز على المحاكم إلى المجموعات التي تَمثُل أمامها. يتم درس ممارسة القانون في الولايات المتحدة في هذا الفصل، كما يجري وصف للمتخاصمين النموذجيين. يفسر الفصل أيضاً الدور الذي تلعبه مجموعات المصالح التي تضغط بخصوص قضايا مُعينة لدفع برامجها الاجتماعية والسياسية قُدماً. يروي الفصل الخامس بالتفصيل كيف تتعامل المحاكم مع القضايا الجنائية، في حين يوجّه الفصل السادس التركيز نحو الدعاوى المدنية. يصف الفصل السابع كيف يتم اختيار القضاة الفدراليين. اما الفصل الأخير فيستكشف بعض القرارات القضائية، قرارات المحاكم الأعلى بنوع خاص، إلى شكل من صنع السياسة، ومن ثم القضاء في علاقات معقدة مع الفرعين التشريعي والتنفيذي.
بقلم مايكل جاي فريدمان
* تقنياً، يُطبق القانون على مصرف منشأ فدرالياً، ومؤمن، أو عضو في نظام الاحتياط الفدرالي. من الممكن أن يكون كل مصرف في الولايات المتحدة مُلبياً لهذه المعايير؛ لكن المصرف الذي لا يلبيها لا يمكن اعتبار انه يؤثر على التجارة بين الولايات، ولن يكون خاضعاً للتشريع الفدرالي. فالقوانين الفدرالية تسرد عادة اسنادات قضائية: في هذه الحالة، متطلبات الانشاء القانون الفدرالية.
* محكمة الدائرة الأميركية في الدائرة الثانية هي محكمة استئناف تستمع إلى الاستئنافات الواردة من محاكم المقاطعات الفدرالية في ولايات نيويورك وكوناتيكت وفرمونت. الدائرة الرابعة تشمل المحاكم الفدرالية في ولايات ماريلاند، ونورث كارولينا، وساوث كارولينا، وفرجينيا، ووست فرجينيا، وتغطي الدائرة الحادية عشرة ألاباما، وجورجيا، وفلوريدا. للمزيد من المعلومات حول المحاكم الفدرالية، أنظر الفصل الأول.
* تشمل الأرقام في هذه الجملة، الاشارة الى قرار بالسيس. إنها تشير إلى أن المحكمة أصدرت حكمها سنة 1998، وأن القرار يظهر في المُجلّد 524 في سلسلة تدعى تقارير الولايات المتحدة، تبدأ في الصفحة 666.
* مايكل جاي فريدمان مسؤول برامج في مكتب الإعلام الخارجي بوزارة الخارجية الأميركية، يحمل شهادة دكتوراه في التاريخ الأميركي من جامعة بنسلفإنيا وشهادة دكتوراه في القانون من كلية الحقوق بجامعة جورجتاون.
نهاية النص
منقول للافادة
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma