مذكرة التخرج لنيل إجازة المعهد الوطني للقضاء
بعنوان : الظروف المشددة و الأعذار لجريمة القتل العمد في القانون الجزائري
من إعداد الطالبة القاضية: نوال عبد اللا وي الدفعة الثانية عشر:
خطة المذكرة:
المقدمــة
الفصل الأول : الظروف المشددة لجريمة القتل العمد في القانون الجزائري.
المبحث الأول: الظروف المشددة بالنظر إلى النية المبيتة لدى الجاني.
المطلب الأول: القتل مع سبق الإصرار
الفرع الأول: عناصر ظرف سبق الإصرار
الفرع الثاني: مالا يؤثر في قيام ظرف سبق الإصرار.
الفرع الثالث: بيانه في الحكم.
المطلب الثاني: القتل مع الترصد.
الفرع الأول: عناصر الترصد.
الفرع الثاني: مقارنة بين ظرف الترصد وظرف سبق الإصرار.
الفرع الثالث: إثبات الترصد واستظهاره في الحكم.
المبحث الثاني: الظروف المشددة بالنظر إلى الوسيلة المستعملة.
المطلب الأول: التسميم.
الفرع الأول: شروطه.
الفرع الثاني: إثباته وبيانه في الحكم
المطلب الثاني: القتل باستخدام وسائل التعذيب أو أعمال وحشية.
الفرع الأول: العناصر المكونة للجريمة.
الفرع الثاني: إثباته وبيانه في الحكم.
المبحث الثالث : الظروف المشددة بالنظر لغرض الجاني لبلوغ جريمة أخرى
المطلب الأول: اقتران القتل بجناية.
الفرع الأول: شروط التشديد
الفرع الثاني: الأثر القانوني للإقتران
المطلب الثاني: ارتباط القتل بجنحة.
الفرع الأول: شروط التشديد
الفرع الثاني:الأثر القانوني للإرتباط
المبحث الرابع : الظروف المشددة بالنظر إلى صفة المجني عليه.
المطلب الأول: قتل الأصول
الفرع الأول: شروط تحقق جناية قتل الأصول
الفرع الثاني:إثباته وبيانه في الحكم.
المطلب الثاني: قتل الفروع.
الفرع الأول: الرأي الذي يرى أن قتل الفروع ظرف مشدد.
الفرع الثاني: رأينا في الموضوع.
الفصل الثاني : الأعذار القانونية المخففة لجريمة القتل العمد في القانون الجزائري.
المبحث الأول : قتل الأم لإبنها حديث العهد بالولادة.
المطلب الأول : أركان الجريمة
الفرع الأول: الأركان العامة
الفرع الثاني: العناصر الخاصة لجريمة قتل الأم لإبنها الحديث العهد بالولادة
المطلب الثاني: إثباته وبيانه في الحكم
المبحث الثاني: عذر تجاوز حد الدفاع الشرعي.
المطلب الأول : القتل لدفع اعتداء شديد.
الفرع الأول: أعمال الإثارة التي تبرر عذر التجاوز.
الفرع الثاني: شروط تطبيق العذر.
الفرع الثالث: الفرق بين عذر التجاوز وحالة الدفاع الشرعي.
المطلب الثاني: عذر التسلق أو ثقب الأسوار أو تحطيم مداخل المنازل الذي يبرء القتل
الفرع الأول: الأفعال المادية المنصوص عليها في مضمون المادة.
الفرع الثاني: شروط تطبيق هذا العذر.
المطلب الثالث: استظهار عذر التجاوز والعقوبة المقررة له.
الفرع الأول: استظهار العذر.
الفرع الثاني: العقوبة المقررة له
المبحث الثالث : عذر تلبس أحد الزوجين بالزنا.
المطلب الأول : شروط تطبيق العذر
الفرع الأول: صفة الجاني
الفرع الثاني: مفاجأة أحد الزوجين متلبسا بالزنا
الفرع الثالث: القتل في الحال
المطلب الثاني : إثبات عذر التلبس بالزنا والعقوبة المقررة له.
الفرع الأول: إثباته.
الفرع الثاني: العقوبة المقررة له.
الخاتمـــة
مقدمــة
إن جريمة القتل لا ريب أنها من أفضع الجرائم على الإطلاق، وأقدمها على وجه البسيطة إذ تعود إلى ما روي عن نبأ بني آدم في قوله تعالى في سورة المائدة، الآية 22 "فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من النادمين".
ومما لاشك فيه أيضا أن أطماع النفس وأهوائها قد تحيد بها عن الطريق السليم، لهذا كان لابد من وجود ضابط يكبحها، فتكفلت الشرائع السماوية بذلك فوضعت معيار العقاب تلتها بعد ذلك القوانين الوضعية هادفة إلى المحافظة على المجتمع وحمايته، ففرضت الجزاء على من يقترف جريمة تخالف نظمه وأحكامه، هذا الجزاء الذي تطور مع مرور الأزمان والعصور تطورا سريعا مما جعل المشرع ينشط في بيان الأسباب التي دعت إلى وجوده والأفعال التي يطبق عليها وتفصيل كل ما يمكن أن يتداخل في تحديده وأخيرا بيان تلك الظروف التي قد تؤثر فيه تشديدا أو تخفيفا أو إعفاءا كليا منه.
لأجل كل هذا فإن المشرع الجزائري على غرار التشريعات الأخرى قدر سلفا أن هناك ظروفا تقترن بالجريمة وتلازمها وتلازم مرتكبيها فتؤثر على وجه الخصوص على العقوبة، فنص على عدة ظروف جعلها سببا للتشديد أو التخفيف، إلا أن سياسته في بيان ذلك اقتصرت على ذكرها بمناسبة تحديد بعض الجرائم ولم يضع لها نظرية عامة تنظمها الأمر الذي جعل كلا من الفقه والقضاء يتولى البحث لكي يصل إلى دقائق وجزئيات الظروف المشددة والأعذار المخففة التي قد تحيط بالجريمة والتي قد يلتمسها على وجه الخصوص رجال القضاء عند ممارستهم لمهامهم وتطبيقهم لمواد قانون العقوبات التي توحي أحيانا بالتوسع في مثل هذه الظروف وبالتطبيق أحيانا أخرى وفي هذا اختلاف في التفسير.
وقد يكون هذا هو الإشكال الرئيسي الذي يصادفه القاضي في حياته العملية إذا ما اقترنت الجريمة المطروحة عليه بظروف وملابسات يصعب تفسيرها ما إذا كانت تدخل ضمن الظرف الذي قصده المشرع في مواده فتشدد العقوبة أو تخفف أم أنه لا يدخل في المعنى المقصود فيلتزم بتطبيق العقوبة كما حددها القانون للجريمة البسيطة، غير المقترنة بأي ظرف.
وإيمانا منا بأهمية الموضوع وما يطرحه من إشكاليات في الحياة العملية وإيمانا منا كذلك بفضاعة جريمة القتل العمد وانتشارها الواسع في الوقت الراهن فقد وقع اختيارنا على موضوع الظروف المشددة والأعذار المخففة لجريمة القتل العمد في القانون الجزائري.
وقد حرصنا على أن يكون هذا البحث شاملا وجامعا لكل جزئيات هذا الموضوع، كل ذلك في بيان سهل في خطة مبسطة متبوع برأي الفقه والقضاء أي الأحكام الصادرة عن المحكمة العليا وقرارات المجالس القضائية التي أحطناها بتعليق منا، وبطبيعة الحال سوف نعالج هذا الموضوع من خلال مواد قانون العقوبات الجزائري المنظمة له.
وسوف نستعرض في الفصل الأول من هذه الدراسة الظروف المشددة لجريمة القتل العمد، ونخصص
الفصل الثاني إلى الأعذار القانونية المخففة لجريمة القتل العمد.
الفصل الأول: الظروف المشددة لجريمة القتل العمد في القانون الجزائري.
الظروف المشددة هي تلك الوقائع أو الملابسات التي إذا ما اقترنت بالجريمة شددت عقوبتها سواء كان هذا التشديد مغيرا لوصف الجريمة أو مبقيا لهذا الوصف.
وقد صدر قرار عن الغرفة الجنائية الأولى بالمحكمة العليا بتاريخ : 18/04/1984 في الطعن رقم 646-36 جاء فيه: "يعتبر ركنا من أركان الجريمة العنصر الذي يشترط توافره لتحقيقها بينما يعد ظرفا مشددا العنصر الذي يضاف إلى أركان الجريمة ويشدد عقوبتها"(1)
والظروف المشددة نوعان(2): ظروف مشددة خاصة وتنقسم إلى ظروف واقعية وظروف شخصية وظرف مشدد عام ويتعلق الأمر بظرف العود.
وجريمة القتل العمد من الجرائم التي شدد المشرع الجزائري عقوبتها إذا ما اقترنت بها بعض الظروف التي أشارت إليها مواد قانون العقوبات على سبيل الحصر والتي يجوز للقاضي فيها أن يتجاوز الحد الأقصى للعقوبة المقررة قانونا لجريمة القتل العمد البسيط بل يجب عليه ذلك، فالظروف المشددة هي وجوبيه للقاضي بحيث تلزمه إذا توافرت بتطبيقها وترتيب أثرها برفع عقوبتها إلى الحد الذي قرره القانون.
وسوف نتناول الظروف المشددة لجريمة القتل العمد من خلال المباحث التالية:
المبحث الأول: الظروف المشددة بالنظر إلى النية المبيتة لدى الجاني.
المبحث الثاني: الظروف المشددة بالنظر إلى الوسيلة المستعملة.
المبحث الثالث: الظروف المشددة بالنظر إلى الغرض المراد الوصول إليه من طرف الجاني.
المبحث الرابع: الظروف المشددة بالنظر إلى صفة المجني عليه.
(1) أنظر المجلة القضائية للمحكمة العليا، العدد 02 لسنة 1990 ص:242.
(2) أنظر الدكتور أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجنائي العام، طبع الديوان الوطني للأشغال التربوية 2002، ص: 258 و 259، فقد عرف الظروف المشددة الواقعية هي تلك التي تتصل بالوقائع الخارجية التي رافقت الجريمة وهذه الظروف تغلظ إجرام الفعل أما الظروف المشددة الشخصية فهي ظروف ذاتية تتصل بالصفة الشخصية للفاعل والشريك ومن شأنها تغليظ عقوبة من تتصل به.
المبحث الأول: الظروف المشددة بالنظر إلى النية المبيتة لدى الجاني.
تنص المادة 255 من ق.ع.ج. على أن: "القتل قد يقترن بسبق الإصرار أو الترصد". ويتضح من نص هذه المادة أن القتل العمد يرجع في هذه الحالة إلى النية الداخلية لدى الجاني والتي تتضح وتتجلى من خلال إصراره على ارتكاب الجريمة أو ترصده بالمجني عليه.
وسبق الإصرار والترصد من الظروف التي لا يمكن اكتشافها أو إثباتها إلا إذا توجت بمظاهر خارجية وهي الأفعال المادية التي تقع من الجاني والتي تدل على ما كان يضمره في نفسه من قبل(1) وسوف نتناول أحكام الظرفين المشددين الواردين في المادة 255 ق.ع فنتكلم في المطلب الأول عن ظرف سبق الإصرار وفي المطلب الثاني عن ظرف الترصد.
المطلب الأول:القتل مع سبق الإصرار.
عرفت المادة 256 ق.ع.ج. سبق الإصرار بأنه: "عقد العزم قبل ارتكاب الفعل على الاعتداء على شخص معين أو حتى على شخص يتصادف وجوده أو مقابلته وحتى لو كانت هذه النية متوقفة على أي ظرف أو شرط كان"(2).
أول ما يلاحظ أن هذه المادة تضمنت تعريفا لظرف سبق الإصرار ولكن ليس كظرف خاص بالقتل العمد وحده وإنما يمتد إلى أي جناية أو جنحة عمدية يقرر المشرع تشديد عقوبتها عند توافر سبق الإصرار، كما هو الحال في جرائم الضرب والجرح العمدي المنصوص عليها بالمادة 265 ق.ع.
والسؤال الذي يطرح في شأن المادة 265 ق.ع. هو ما مدى ضرورة ذكرها في الحكم ؟
لم نعثر على قرار للمحكمة العليا يفصل في هذه الإشكالية غير أن القضاء المصري(3) قد فصل فيها إذ قرر بأن ذكر المادة المتعلقة بظرف سبق الإصرار ليس ضروريا كونها لا تتضمن عقوبة أو جزاء معينا إلا أنه وحسب رأينا وخلافا لما جاء في الإجتهاد المصري السابق الذكر وإن كان فعلا نص المادة 256 ق.ع يعطي تعريفا وليس جزاءا معينا إلا أنه وفي نفس الوقت يعد الحدود التي رسم بموجبها المشرع الخطوط الرئيسية للقاضي عند تقديره لهذا الظرف وعليه فإننا نرى ضرورة أن يذكر في الحكم القاضي بإدانة المتهم من أجل جناية القتل مع سبق الإصرار نص المادة 256 ق.ع إلى حين صدور قرار عن المحكمة العليا يفصل نهائيا في هذا التساؤل.
(1) أنظر د: سيد البغال الظروف المشددة والمخففة في قانون العقوبات فقها وقضاءا دار الفكر العربي ص: 113.
(2) تقابلها المادة 297 ق.ع فرنسي، 231 ق.مصري، أما الشريعة الإسلامية والنظام الأنجلو سكسوني فلم يعرفا سبق الإصرار.
(3) أنظر د:سيد البغال، موسوعة التعليقات على قانون العقوبات والقوانين المكملة ج 01، دار الفكر العربي ص 489.
الفرع الأول: عناصر سبق الإصرار.
العنصر الأول: العزم أو التصميم السابق.
وهو العنصر الذي أشار إليه المشرع في سياق عباراته فقال:"سبق الإصرار هو عقد العزم قبل ارتكاب الفعل..." فهو يقتضي مرور مدة من الزمن تمضي بين العزم على ارتكاب الجريمة وبين تنفيذها فعلا.
العنصر الثاني: التفكير والتدبير.
فعلى الرغم من عدم تطرق المشرع لهذا العنصر في نص المادة 256 ق.ع إلا أن جل الفقهاء بما فيهم المصريون والفرنسيون اتفقوا على وجوب توافره لكي يتوفر الظرف المشدد إذ يجب أن يكون الجاني قد تدبر وفكر فيما يريد إتيانه ورتب عواقبه ثم ينفذ جريمته فعلا وهو مطمئن هادئ البال(1).
فالعبرة إذن لا بالزمن طال أم قصر بل بالزمن الكافي للتدبير والتفكير وبناءا على ذلك قضي في فرنسا باستبعاد سبق الإصرار في حالة القتل المرتكب تحت تأثير الهوى(2).
وسبق الإصرار بهذا المعنى ليس هو القصد الجنائي إنما هو في جوهره أمر نفسي آخر يحيط بالقصد الجنائي(3).
الفرع الثاني: ما لا يؤثر في قيام سبق الإصرار.
متى توفر لسبق الإصرار عنصراه الزمني والنفسي (عنصر التفكير والتدبير)، يتحقق الظرف وينتج أثره في تشديد العقوبة، ولا يؤثر في قيامه بعد ذلك أن يكون قصد القاتل محددا بإنسان معين أو غير معين وهذا ما جاء صراحة في نص المادة 256 ق.ع عند قولها:"أو حتى على شخص يتصادف وجوده أو مقابلته".
وتطبيقا لذلك فقد قضي بتوافر ظرف سبق الإصرار في حق المتهمة (ب، ف) التي أصدرت محكمة الجنايات بمجلس قضاء تبسة(4) في حقها حكما بالإعدام لأجل اقترافها لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار، حيث أننا وبرجوعنا إلى قرار الإحالة الصادر عن غرفة الإتهام للوقوف على ملابسات القضية، تبين أن المتهمة فعلا كانت قد فكرت في أمر جريمتها وخططت لها انتقاما لابنتها التي سبق الاعتداء عليها جنسيا من أحد أفراد عائلة الضحية، فعقدت العزم منذ تلك الواقعة على أن تثأر لإبنها، فضلا على ذلك فإن النية المبينة من طرف القاتلة لم تكن مقتصرة على الضحية بل أنها عقدت العزم على أن تقتل أي شخص من عائلة الضحية يأتي إلى منزلها، فهذا مفاده وأن المجني عليها كانت ممن شملهم التصميم السابق وعليه يكون هذا القتل وليد إصرار سابق لذلك أصاب قضاة المجلس عند إجابتهم عن السؤال المتعلق بالظرف المشدد بنعم بالأغلبية "الإيجاب".
(1) أنظر د: احسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجنائي الخاص، الجزء الأول، دار هومة، ص: 27 + د: محمد صبحي نجم، شرح قانون العقوبات الجزائري، قسم خاص، الطبعة الثانية، ص 44، ديوان المطبوعات الجامعية، + د: رؤوف عبيد ص: 58، وفي الفقه الفرنسي Michel Véron, Droit Pénal Spécial, 07ème édition armand colin, p 25.
(2) أنظر: د.احسن بوسقيعة، المرجع السابق ص: 27 + Michel véron Op.cit p M 25.
(3) إذ أن هناك جانبا من الفقه ركز لا على عنصر الهدوء والتفكير لدى الجاني بتوافر سبق الإصرار بل على استمرارية القصد الجنائي وإلحاح فكرته على صاحبه وعدم العدول عنه. أنظر د. رمسيس بهنام، بعض الجرائم المنصوص عليها في المدونة العقابية- الجرائم المضرة بالمصلحة العمومية والعدوان على الناس في أشخاصهم وأموالهم، الناشر المعارف الإسكندرية ص 359.
(4) حكم صادر عن محكمة الجنايات لمجلس قضاء تبسة بتاريخ 01/07/2002 قضية رقم 30/2002.
كذلك لا ينال من توفر ظرف سبق الإصرار أن يكون باتا أو معلقا على شرط مثال ذلك أن تصمم امرأة على قتل عشيقها إن لم يتزوج بها أو التصميم على قتل إنسان إذا عاد إلى قرية بعد هروبه منها(1).
وأخيرا لا أثر للغلط في الشخص أو الشخصية فالقتل يعتبر مقترنا بسبق الإصرار ولو أصاب القاتل شخصا غير الذي صمم على قتله أو أخطأه وأصاب غيره.
كما أن رضا الضحية لا يمنع قيام سبق الإصرار كحالة القتل بدافع الشفقة أو بطلب منه بل إنه يظهر جليا وواضحا وجود تفكير وتنظيم سابق في مثل هذا الفعل(2).
لذلك فقد قضي بتوافر سبق الإصرار لوجود ضغينة سابقة بين القاتلة والمقتولة(3)، كما حكم بتوافره أيضا من إعداد آلة القتل والسلاح المسبق(4) أيضا ثم إثبات توافره من تدبير الجناة لقتل المجني عليه وذلك باستدراجه للركوب معه في سيارته لتنفيذ ما عقدوا العزم عليه(5).
- فمتى ثبت توافر سبق الإصرار فعلى المحكمة أن تستظهره بسؤال يشترط أن يكون مستقل ومتميز، وهذا ما قضت به المحكمة العليا في القرار الصادر عن الغرفة الجنائية والذي جاء فيه: "إذ كان السؤال المطروح على المحكمة قد تضمن فعلا رئيسيا وهو القتل العمد وظرفا مشددا، وهو سبق الإصرار، فإن مثل هذا السؤال يعد متشعبا ويؤدي إلى النقض(6)".
كما صدر عنها قرار آخر بتاريخ 6 نوفمبر 1984 في الطعن رقم 506-35 جاء فيه:"كما يشترط أن يكون كل فعل وكل ظرف مشدد محل سؤال مستقل ومتميز حتى يتمكن أعضاء محكمة الجنايات من الإجابة عليه بكل ارتياح واطمئنان"(7).
- ولا يشترط أن يذكر لفظ سبق الإصرار صراحة فيمكن أن يكون السؤال يتضمن العبارات الدالة على قيامه عند المتهم.
فكل متهم متابع بجناية القتل العمد مع سبق الإصرار فإنه يجب أن يطرح السؤال عن أركان القتل ثم سؤال مستقل ومميز عن الظرف المشدد كما يلي.
(1) أنظر: د علي عبد القادر القهوجي ود. فتوح عبد الله الشاذلي، شرح قانون العقوبات، القسم الخاص الجرائم المضرة بالمصلحة العامة وجرائم الاعتداء على الأشخاص والأموال، دار المطبوعات الجديدة، الاسكندرية ص 68. وفي هذا المعنى فقد قضت محكمة النقض المصرية بأن إصرار المتهم على استعمال القوة على المجني عليهما إذا منعاه من إزالة السد وتصميمهما على ذلك منذ اليوم السابق ثم حضوره فعلا إلى محل الحادث ومعه سلاح ليدل على سبق الإصرار كما عرفه القانون.
(2) أنظر:Michel véron op cit p 25.
يلاحظ أن قانون العقوبات الجزائري لم ينص على هذا الظرف المخفف في القتل العمد ولم يخفف العقوبة على القاتل إذا ما قتل المجني عليه إشفاقا أو حتى بناءا على طلب منه وذلك لأنه لا يعتد بالباعث على القتل وهذا ما يجعل الفاعل في أغلب الأحوال واقعا تحت سلطان النصوص العادية للقتل بل وخاضعا للظروف المشددة التي ترفع من العقوبة بدلا من تخفيضها كظرف سبق الإصرار، وأن القتل بدافع الشفقة قد أثار جدلا كبيرا بين الفقهاء، أنظر في ذلك الدكتور: أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجنائي الخاص، المرجع السابق، ص 15 وما يليها + القسم الخاص في قانون العقوبات لرمسيس بهنام، ص 344 وما بعدها.
(3) حكم صادر عن محكمة الجنايات بمجلس قضاء تبسة بتاريخ 01/07/2002 قضية رقم 30/2002.
(4) حكم صادر عن محكمة الجنايات بمجلس قضاء تبسة بتاريخ 02/12/2003 قضية رقم 24/2003.
(5) حكم صادر عن محكمة الجنايات بمجلس قضاء تبسة بتاريخ 06/7/2003 قضية رقم 28/2003.
(6) جنائي 24 مارس 1981 نشرة القضاة 1982 ص 203 أنظر الدكتور أحسن بوسقيعة، قانون الإجراءات الجزائية في ضوء الممارسة القضائية. الطبعة الثانية، طبع الديوان الوطني للأشغال التربوية 2002 ص 116.
(7) أنظر المجلة القضائية للمحكمة العليا- العدد الأول سنة 1989 صفحة 314.
السؤال الأول: هل أن المتهم مذنب لإرتكابه بتاريخ ........ومنذ زمن لم يمض عليه أهم التقادم بالمكان......اختصاص......محكمة......بمجلس قضاء.......محكمة الجنايات....جريمة القتل العمد وهي إزهاق روح الضحية الفعل المنصوص والمعاقب عليه بالمادة 254 ق.ع.
السؤال الثاني: هل أن المتهم مذنب لإرتكاب بنفس الظروف الزمانية والمكانية المذكورة فعل القتل العمد مع ظرف سبق الإصرار المنصوص عليه بالمادة 256 ق.ع.
-ومتى انتهت المحكمة إلى توفر سبق الإصرار بأن أجيب عن السؤال المتعلق به بالإيجاب فإنه يتعين عليها ترتيب أثره من حيث تشديد العقاب ورفعه إلى الإعدام طبقا للمادة 261 ق.ع/01. وهذا ما يتضح من مراجعة نص المادة السابقة الذكر باللغة الفرنسية الذي استخدم لفظ « Assassinat » أي القتل اغتيالا والذي يعبر عن ظرفي سبق الإصرار أو الترصد كما جاء في المادة 25 ق.ع.
-وبعدها ليس للمحكمة العليا إذا ما تم الطعن بالنقض في حكم من الأحكام المتعلقة بجريمة القتل مع ظرف سبق الإصرار. إلا مراقبة طريقة طرح السؤال أما ما توصلت إليه المحكمة من اقتناع حول توافر الظرف من عدم توافره فلا رقابة للمحكمة العليا عليه. ذلك أن الأمر يتعلق بمسألة اقتناع شخصي لقضاة محكمة الجنايات طبقا للمادة 307 ق.إ.ج.
المطلب الثاني: القتل مع الترصد.
الترصد حسب ما عرفته المادة 257 ق.ع هو:" انتظار شخص لفترة طالت أو قصرت في مكان أو أكثر وذلك لإزهاق روحه أو الإعتداء عليه"(1).
أول ما يلاحظ أن ظرف الترصد كسبق الإصرار ظرف مشدد ليس خاصا بجريمة القتل العمد فقط بل يطبق على جرائم أخرى التي قرر المشرع تشديد عقوبتها إذا توفر هذا الظرف كجرائم الضرب والجرح العمدي.
وإن العلة من اعتباره ظرفا مشددا في نظر الرأي الغالب في الفقه(2) هو المفاجئة والمباغثة التي تمكن الجاني من الإقتناص من غنيمة دون صعوبة فهو ظرف يبلور لنا خطورة الجاني لما يكنه في نفسه من غدر ونذالة.
الفرع الأول : عناصر الترصد.
قيام الترصد يستلزم توافر عنصرين:
العنصر الزمني: مؤداه أن ينتظر الجاني ضحيته فترة من الزمن طالت أو قصرت قبل أن ينفذ جريمته وهذا ما هو واضح في نص المادة 257 بقولها: "انتظار شخص لفترة طالت أو قصرت....".
(1) تقابلها المادة 232 ق.ع مصري، كما بينت مدلوله محكمة النقض المصرية حين قضت بأن "العبرة في قيام الترصد هي تربص الجاني وترقبه للمجني عليه فترة من الزمن طالت أم قصرت في مكان يتوقع قدومه إليه ليتوصل بذلك إلى الإعتداء عليه دون أن يؤثر في ذلك أن يكون الترصد في مكان خاص بالجاني (أنظر د.علي عبد القادر القهوجي ود.فتوح عبد الله الشاذلي المرجع السابق ص 76 + د.أحسن بوسقيعة المرجع السابق ص 28.
(2) أنظر د.إسحاق ابراهيم منصور شرح قانون العقوبات الجزائري الطبعة الثانية 1988 ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر ص 30 + د.أحسن بوسقيعة المرجع السابق ص 28 + د. محمد صبحي نجم المرجع السابق ص 45.
العنصر المكاني: مقتضاه انتظار الجاني للمجني عليه في مكان ما يمكنه من تنفيذ جريمته، ومما تجدر الإشارة إليه أن هذا المكان لا يتطلب شروطا خاصة فقد يكون مكانا عاما مثل مسجد، مستشفى أو محطة الحافلات،...وقد يكون خاصا كمنزل أو سيارة...وقد يكون هذا المكان مملوكا للمجني عليه أو لغيره أو للجاني نفسه، وقد يكون المكان منفردا بعيدا عن العمران وقد لا يكون كذلك(1).
كما أنه لا يشترط أن يكون الجاني متخفيا ذلك أن الاختفاء ليس شرط من شروط الترصد(2) فالمهم هو عنصر المفاجئة والمباغتة.
العنصر الغائي: لقد جاء في نص المادة 257 العبارة التالية: ".....وذلك لإزهاق روحه". ويتبين من قراءتها أنه يجب لتوافر ظرف الترصد أن يكون الهدف أو الغاية من تواجد الجاني في هذا المكان هو الإعتداء على حياة الغير، وعليه فإنه لا يكفي لتوافر الترصد أن ينتظر الجاني لساعات عديدة أمام منزل المجني عليه في مقهى ولما قدم المجني عليه قتله، لأنه قد يكون جلوس الجاني في هذا المكان عرضا أو بحكم العادة مع أصدقائه دون أن تكون لديه نية القتل، فلما رأى المجني عليه قادما ثارت ثائرته وقتله في الحال(3).
الفرع الثاني : مقارنة بين ظرف الترصد وظرف سبق الإصرار.
- من تعريف الترصد وسبق الإصرار على النحو الذي سبق، نستنتج وأن كلاهما ظرفا مشددا لجريمة القتل العمد ولكن هناك بعض الاختلاف بينهما، إذ يعد سبق الإصرار من الظروف الشخصية التي تتصل بالركن المعنوي للجريمة في حين الترصد ظرف عيني يتعلق بالركن المادي وبالنظر إلى ذلك فإن أثره ينصرف طبقا للقواعد العامة إلى كل المساهمين في الجريمة فاعلين أصليين أم شركاء، علموا به أم لم يعلموا به وذلك على عكس سبق الإصرار الذي يقتصره أثره على من توافر فيه فقط لأنه ظرف شخصي.
إلا أنه صدر قرار مبدئي عن الغرفة الجنائية للمحكمة العليا بتاريخ 29/04/2003 تحت رقم303401 يقضي بجعل سبق الإصرار والترصد في جريمة القتل العمدي ظرفين مشددين شخصيين يتعلقان بالفاعل الأصلي وحده ولا تجوز معاقبة الشريك بهما(4).
- والرأي السائد في القضاء الفرنسي وجانب من الفقه أن الترصد نوع من سبق الإصرار لأجل ذلك استقر على أنه لا ترصد دون سبق إصرار(5). بمعنى أنه حيث يتوافر الترصد يتوافر سبق الإصرار بالضرورة وأن الثاني يحوي الأول.
(1) أنظر د. علي عبد القادر القهوجي + د.فتوح عبد الله الشاذلي المرجع السابق ص 76.
(2) لذلك قضي في مصر بأنه يعتبر متربصا من ينتظر المجني عليه على مرأى من الناس ويفاجئه بالقتل العمد (أنظر د.أحسن بوسقيعة الوجيز في القانون الجنائي الخاص المرجع السابق ص 28 + د.إسحاق ابراهيم منصور المرجع السابق ص 30).
(3) أنظر الدكتور علي عبد القادر القهوجي والدكتور فتوح عبد الله الشاذلي المرجع السابق ص 74.
(4) أنظر الإجتهاد القضائي للغرفة الجنائية عدد خاص 2003 المحكمة العليا قسم الوثائق ص 118.
(5) أنظر د. أحسن بوسقيعة الوجيز في القانون الجنائي الخاص المرجع السابق ص 28.
كنتيجة لذلك فقد رأى الأستاذ بن شيخ لحسين(1) أنه إذا كان تصريح محكمة الجنايات إيجابيا فيما يخص سؤال الترصد و بالنفي حول سؤال سبق الإصرار فإنه يكون متناقضا. إلا أن هذا الرأي انتقد من طرف بعض الفقهاء(2) الذين يرون وأنه من الجائز أن يقترن القتل العمد بترصد دون سبق إصرار كمن ينتظر خصمه عقب مشاجرة بينهما ويقتله وهو في ثورة غضبه فيكون هذا القتل مصحوبا بترصد وحده دون سبق إصرار وذلك كون أهم عناصر سبق الإصرار اختفى في الترصد وهو عنصر هدوء البال، فحسب هذا الرأي أنه لا يصح القول أن الترصد عنصر من سبق الإصرار.
في حين الكل يتفق على إمكانية توفر سبق الإصرار دون أن يصحب ترصد.
وأمام الاختلاف المطروح حول ما إذا كان الترصد عنصر من سبق الإصرار وأمام غياب اجتهاد قضائي صادر عن المحكمة العليا يؤكد وأن الترصد نوع من سبق الإصرار، فإنه حسب رأينا أن كلا من الطرفين مستقلين ولا تداخل بينهما وإن كنا في الغالب والواقع العملي نجد اقتران الترصد بسبق الإصرار إلا أن هذا التلازم ليس حتميا خاصة وأن المشرع نص في المادة 255 ق.ع على القتل يقترن بسبق الإصرار أو الترصد. أي أنه ميز بين الظرفين، وإذا أراد مستقبلا غير ذلك فعلية أن يكتفي في التعديلات اللاحقة بالنص على ظرف سبق الأصرار دون الترصد كما فعله المشرع الفرنسي صراحة في قانون العقوبات الجديد لسنة 1992(3).
- كما أن ظرف الترصد يتوفر سواء كان القصد محددا أو غير محدد، معلقا على شرط أو موقوف على حدوث أمر أم لا رغم عدم نص المادة 257 صراحة على ذلك، كما لا ينتفي هذا الظرف نتيجة للغلط في الشخص المراد قتله، وهو في ذلك مثله مثل سبق الإصرار التي وردت هذه الأحكام صراحة بشأنه في المادة 256 ق.ع.
الفرع الثالث: إثبات الترصد واستظهاره في الحكم:
الترصد واقعة مادية يمكن إثباتها بكافة طرق الإثبات بما في ذلك الإعتراف وشهادة الشهود، ويقع على النيابة العامة عبىء إثبات الترصد. ذلك أن الإثبات من واجبات سلطة الإتهام، ذلك من خلال مرافعاتها في محكمة الجنايات، وتقدير هذه الأدلة يخضع بعد ذلك لسلطة محكمة الموضوع مما دار أمامها من مناقشات وما حصلته من ظروف الدعوى وقرائنها. ومتى ثبت اقتناعها بتوافره أو عدم توفره فلا رقابة للمحكمة العليا في ذلك، بل يكفي أن يطرح رئيس المحكمة السؤال المتعلق بظرف الترصد، ويجيب عليه أعضاء المحكمة بنعم أو لا بالأغلبية حسب ما توصلوا أليه لذلك فإننا نتصور عدم وجود ذلك الظرف ليس لأنه لم يحدث بل لأنه لم يثبت كون المحلفين والقضاة في محكمة الجنايات لم يعترفوا بوجوده.
وتطبيقا لذلك فقد حكمت محكمة الجنايات بمجلس قضاء تبسة(4) بعدم توفر ظرف الترصد في حق المتهم (ص.ع) وذلك بإجابتها عن السؤال المتعلق بهذا الظرف بالنفي.
(1) أنظر الأستاذ: بن شيخ لحسين (مذكرات في القانون الجنائي الخاص، دار هومة ص 29 و 30.
(2) أنظر د.محمد صبحي نجم المرجع السابق ص 45 + د.فتوح عبدالله الشاذلي ود.علي عبد القادر القهوجي المرجع السابق ص 75.
(3) أنظر د.أحسن بوسقيعة الوجيز في القانون الجنائي الخاص المرجع السابق ص 29 المرجع السابق + Michel Néron Op.cit page 25.
(4) قرار بإحالة على محكمة الجنايات صادر عن غرفة الإتهام بمجلس قضاء تبسة بتاريخ 12/08/2003. قضية رقم 514/2003 فهرس رقم 514/2003.
- إلا أنه وبعد إطلاعنا على قرار الإحالة وكذا المناقشات التي دارت بالجلسة، يتبين لنا وأن كل الظروف والملابسات التي أحاطت بالجريمة توحي بتوفر عنصر الترصد في حق المتهم حسب التعريف الوارد في المادة 257 ق.ع. فضلا عن شهادة الشهود الذين أكدوا واقعة إنتظار المتهم للضحية في مكان الحادث على متن سيارة من نوع بيجو 204. وما أن وصل الضحية حتى تفاجئ بها تسير نحوه ولولا تفطنه لكان قد قضى على حياته، ولذلك كانت المتابعة و كذلك الإحالة على محكمة الجنايات بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد سليمة إلا أن الإجابة عن السؤال المتعلق بظرف الترصد والتي كانت بالنفي ستكون محل تعليق منا بعد أن نسرد المثال الثاني.
- وعلى العكس مما سبق ففي قضية أخرى(1) أين تمت متابعة المدعو(س.س) على أساس تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، وكانت الإجابة عن السؤال المتعلق بالترصد بالإيجاب، إلا أنه لا يوجد في وقائع الدعوى ما يفيد وأن المتهم ترصد للضحية، سيما واقعة الإنتظار والتي تشكل أهم عناصر الترصد حسب التعريف الوارد في المادة 257 ق.ع.فقرارالإحالة الصادر عن غرفة الإتهام جاء خاليا من التعليل حول ثبوت هذا الظرف وذلك بعدم ذكره للوقائع والقرائن التي تبعث بالإعتقاد أنه فعلا ترصد للضحية، وحسب رأينا لو كان هذا القرار محلا للطعن لتم نقضه حتما لسوء تطبيق القانون على الوقائع وتشويهها.
- من خلال هذين المثالين ارتأينا أن نقول وإن كان ليس بإمكاننا أن نعقب على ما وصلت إليه محكمة الجنايات ذلك أن الأمر يتعلق بمسألة اقتناع شخصي لا رقابة للمحكمة العليا عليه، إلا أننا بالنظر إلى التعريف الوارد لظرف الترصد في المادة 257 باعتباره مسألة قانونية نعيب على ما توصلت إليه المحكمة. كما رأينا في المثال الأول الظرف كان قائما بكل عناصره ومع ذلك كانت الإجابة بالنفي عكس المثال الثاني والذي لم يكن يوجد ما يدل على توفره إلا أن الإجابة كانت بالإيجاب، وإن دلّ هذا على شيء فإنما يدل على عدم تحكم قضاة الموضوع في المفهوم القانوني للظرف المشدد وفي العناصر المكونة له حسب التعريف الوارد في المادة 257 ق.ع السابقة الذكر. وإن في ذلك أثر على الحكم الذي سوف يصدر عن المحكمة والذي قد يشكل خطرا على المتهم المحال عليها خاصة إذا علمنا أن محكمة الجنايات هي محكمة اقتناع شخصي وأن الأحكام التي تصدر عنها قد تصل إلى الإعدام كما هو الحال في المثال السابق، إضافة إلى أنها تقضي ابتدائيا ونهائيا في القضايا المحالة أمامها فكل هذه الاعتبارات نرى أنه لا يجب أن تكون مسألة الاقتناع الشخصي سببا للخروج عن التطبيق السليم للمفاهيم القانونية: وإن كانت المحكمة العليا لا تراقب أو لا تناقش قناعة القاضي فيبقى ضمير القاضي الرقيب الأوحد عليه قبل الهيئات القضائية العليا.
ونقترح لتفادي مثل هذه النتائج أن يلتزم قضاة الموضوع عند طرح السؤال المستقل والمتعلق بالظرف المشدد بتبيان وجوبا توافر العناصر القانونية للظرف، ويكون ذلك طبعا بذكر مجموع الوقائع والملابسات التي استشف منها الظرف لا الإكتفاء بذكره بلفظة كما هو ساري عليه العمل حاليا فهذه الطريقة حسب اعتقادنا ناقصة وهي ما أدت إلى ما سبق ذكره.
وبهذا تكون الأحكام التي لا تتضمن بيان الوقائع التي استشف منها الظرف أحكاما قابلة للطعن فيها بالنقض على أساس القصور في التسبيب ذلك أن الأسئلة التي تطرح على مستوى محكمة الجنايات تعد بمثابة تسبيب للحكم الجنائي، وعليه فهي تخضع لرقابة المحكمة العليا باعتبارها مسألة قانونية وعادة ما تكون هي المجال الخصب لنقض أحكام محكمة الجنايات.
(1) حكم صادر عن محكمة الجنايات بمجلس قضاء تبسة ، في قضية رقم 24/2003، جلسة 02/12/2003.
وأخيرا إذ ما ثبت توافر ظرف الترصد فعلى المحكمة أن ترتب أثره بأن ترفع العقوبة إلى الإعدام حسب ما هو مقرر في المادة 261 ق.ع على النحو الذي سبق شرحه.
أما إذا استبعدته المحكمة فلا يجوز الحكم على المدان طبقا للمادة 263 ق.ع بعقوبة القتل البسيط وهي السجن المؤبد.
لذلك فقد صدر قرار عن المحكمة العليا بتاريخ 10/03/199 في الملف رقم 63197 جاء فيه: "إذا كان مؤدى الفقرة الثالثة للمادة 263 ق.ع أنها تعاقب على القتل البسيط بالسجن المؤبد فإن محكمة الجنايات في قضية الحال متى إستبعدت ظرف سبق الإصرار والترصد وأدانت المتهم بالقتل العمد البسيط ومع ذلك طبقت المادة 261 ق.ع والتي تعاقب بالإعدام تكون بقضائها هذا قد أخطأت في تطبيق القانون"(1).
المبحث الثاني: الظروف المشددة بالنظر إلى الوسيلة المستعملة:
إذا كانت القاعدة العامة أن المشرع لا يهتم بالوسيلة التي تتم بها الجريمة، إلا أنه قد يلجأ أحيانا لجعل الوسيلة التي تستخدم لارتكاب الجريمة ظرفا مشددا، وهذا ما سلكه المشرع الجزائري عند تناوله لجريمة القتل العمد باعتبارها من الجرائم ذات الوسيلة المطلقة، بمعنى أنها قد تتم باستعمال أية وسيلة دون تمييز ثم خرج عن هذا الأصل من خلال اقراره بالوسيلة المقيدة، إذ قرر المشرع الجزائري أن استخدام السم في القتل أو استخدام وسائل التعذيب وأعمال وحشية يضعنا أمام نموذج خاص جدير بعقوبة شديدة وخاصة، بل أكثر من ذلك جعل مثل هذه الظروف تغير من وصف الجريمة.
فاستعمال السم كوسيلة للقتل يغير الجريمة من قتل عمد (254-263/3 من ق.ع) وعقوبتها السجن المؤبد إلى التسميم (260-261) وعقوبتها الإعدام. فالتسميم في القانون الجزائري يشكل جريمة مستقلة وقائمة بذاتها عن جريمة القتل العمد سيما عدم اشتراط جريمة التسميم للنتيجة وهي إزهاق الروح التي تعد من الأركان الأساسية لقيام جريمة القتل العمد، وهذا ما سوف نتناوله بالشرح في المطلب الأول.
ثم أن استعمال وسائل التعذيب والأعمال الوحشية يغير الجريمة من قتل عمد إلى قتل مكيف على أساس أنه اغتيال وهذا ما يتضح من نص المادة 262 ق.ع باللغة الفرنسية وهذا ما سوف نتطرق إليه في المطلب الثاني.
وقبل تفصيل ذلك تجدر بنا الملاحظة أن استخدام السم لو لم يستثنيه المشرع بنص خاص لكان حسب اعتقادنا داخلا في عموم استعمال وسائل التعذيب والأعمال الوحشية.
---------------------
(1) راجع الموسوعة القضائية (قرص مضغوط (CD بتاريخ/03/2003.
المطلب الأول: التسميم.
تنص المادة 260 ق.ع على مايلي: "التسميم هو الإعتداء على حياة إنسان بتأثير مواد يمكن أن تؤدي إلى الوفاة عاجلا أو آجلا أيا كان استعمال أو إعطاء هذه المواد ومهما كانت النتائج التي تؤدي إليها".
لقد اعتبر المشرع الجزائري استخدام المواد السامة كوسيلة للقتل جدير بالتشديد من غيره من الوسائل الأخرى ذلك أن القتل باستخدام وسائل سامة يدل على غدر ونذالة لا مثيل لهما في صور القتل الأخرى، فضلا عن سهولة تنفيذها وإخفاء آثارها ذلك أن المجني عليه في هذه الجريمة غالبا ما يتناول هذه المادة السامة ممن يثق فيهم ويأمن لهم.
لذلك لقد صدر قرار عن الغرفة الجنائية بالمحكمة العليا بتاريخ 09 ديسمبر 1980 في الطعن رقم 218-23 جاء فيه :"إن الوسيلة المستعملة في القتل لا تعد ظرفا مشددا فيما عدا التسميم الذي له حكم خاص"(1).
فهذا الإجتهاد يؤكد ما سبق وأن ذكرناه في مقدمة هذا المبحث من أن جريمة القتل من الجرائم ذات الوسيلة المطلقة بمعنى أنها تتم باستخدام أية وسيلة، إلا أن المشرع قد خرج على هذا الأصل وقرر أن استخدام السم في القتل يضعنا أمام نموذج خاص جديد بعقوبة شديدة وخاصة، فجريمة التسميم إذن من الجرائم ذات الوسيلة المقيدة.
على أن المشرع الجزائري على غرار المشرع الفرنسي لم يشأ أن يجعل من جريمة القتل بالسم جريمة تتحد مع جريمة القتل العمد في كل عناصرها وتتميز عنها فقط بعنصر الوسيلة، وإنما جعلها جريمة شكلية العبرة فيها باستخدام المادة السامة ولو لم تتم الوفاة بالفعل لذلك فإن جريمة التسميم تعتبر تامة لا مجرد شروع بمجرد استخدام السم ووضعه في متناول المجني عليه. فالنتيجة لا تتحقق بالقضاء على الحياة (بإزهاق الروح) شأن جريمة القتل العمد. وإنما يكفي لتحقق النتيجة الاعتداء بواسطة المادة السامة وهذا ما أكده الإجتهاد السابق الذكر عندما ذكر أن التسميم له حكم خاص وسوف نفصل كل ما سبق ذكره فيما يلي:
الفرع الأول: شروط تطبيق المادة 260.ق.ع.
I- الوسيلة المستعملة.
تشترط المادة 260 ق.ع وقوع الإعتداء على حياة إنسان بتأثير مواد يمكن أن تؤدي إلى الوفاة عاجلا أو آجلا(2).
أول تساؤل تطرحه هذه المادة هو ما هي طبيعة المواد المستعملة ؟
بالرجوع إلى نص المادة السابقة الذكر نلاحظ أن المشرع لم يحدد صراحة طبيعة المواد المستعملة مكتفيا بقوله: "مواد يمكن أن تؤدي إلى الوفاة…"
(1) أنظر جيلالي بغدادي. الإجتهاد القضائي في المواد الجزائية الجزء الأول الطبعة الأولى الديوان الوطني للأشغال التربوية 2002.ص 258.
(2) تقابلها المادة 233 ق.عقوبات مصري والتي تستعمل مصطلح جواهر+المادة 301 ق.ع فرنسي المعدلة بموجب المادة 221/05
وقد أثارت مسألة طبيعة المواد المستعملة جدلا واختلافا في الفقه الفرنسي(1) إلا أن الراجح في الجزائر فقها(2) وقضاءا أنه لكي ينطبق نص المادة 260 ق.ع يجب أن تكون المادة القاتلة سامة وهذا ما يستشف من سياق النص بقوله "التسميم".
كما أن المادة 260 ق.ع لا تتضمن وصف للمواد السامة، إلا أنه يشترط أن تكون صالحة بطبيعتها لإحداث نتيجة القتل ولا يهم بعد ذلك وقوع النتيجة حتما، وهذا ما يستشف من قوله: "يمكن أن…"بمعنى أنه قد يخيب أثرها كون الكمية المقدمة للمجني عليه غير كافية للقتل أو لعدم تناول المجني عليه للسم المقدم إليه، ففي كل هذه الأحوال يعاقب الجاني على أساس الشروع في جريمة القتل بالتسميم وهذا ما جرى عليه القضاء بأن الجريمة تعتبر خائبة لا مستحيلة.
وتطبيقا لذلك قضي في مصر(3) "أنه متى كانت المادة المستعملة للتسميم صالحة بطبيعتها لإحداث النتيجة المبتغاة فلا محل للأخذ بنظرية الجريمة المستحيلة، لأن مقتضى القول بهذه النظرية ألا يكون في الإمكان تحقق الجريمة مطلقا لإنعدام الغاية التي ارتكبت من أجلها الجريمة أو لعدم صلاحية الوسيلة التي استخدمت في ارتكابها. أما كون هذه المادة –سلفات النحاس- لا تحدث التسميم إلا إذا أخذت بكمية كبيرة وكونها يندر استعمالها في التسميم الجنائي لخواصها الظاهرة، فهذا كله لا يفيد استحالة تحقق الجريمة بواسطة تلك المادة، وإنما هي ظروف خارجة عن إرادة الجاني".
وبمفهوم المخالفة لما سبق ذكره فإنه إذا تم تقديم للمجني عليه مادة غير سامة وغير ضارة وكان الجاني يعتقد أنها مادة سامة، وقصد من ذلك قتل المجني عليه، إلا أن الوفاة لم تحدث لعدم صلاحية الوسيلة للقتل، فهنا الجاني لا يمكن أن يسأل لا عن جريمة القتل بالتسميم ولا الشروع فيها على أساس أن أهم ركن من أركان هذه الجريمة وهو الوسيلة المستعملة والتي يجب أن تكون صالحة بطبيعتها لإحداث نتيجة القتل لم تتوفر وأنه طبقا للقواعد العامة إذا إنتفى عنصر من عناصر قيام الجريمة إنتفت بذلك الجريمة وتبعا لذلك تنتفي المسؤولية. وعليه فإن عدم صلاحية الوسيلة المستعملة لإحداث القتل على حسب ما ورد في نص المادة 260 ق.ع يؤدي إلى عدم مساءلة الجاني في المثال السابق عن جريمة قتل بالتسميم ولا الشروع فيها حتى إن كانت نيته قد اتجهت إلى القتل فعلا.
وإن القول بأنه يجب أن تكون المادة بطبيعتها صالحة لإحداث التسميم فهذا يعني حسب بعض الفقهاء(4) أنه يمكن أن تكون المادة غير سامة ولكن إذا ما أضيفت لها مادة أخرى أصبحت كذلك كمادة الأنتيمونيا المعدنية فهي غير سامة بطبيعتها ولكنها تصبح سامة متى أخلطت بالنبيذ ومن ثمة نأخذ حكم المادة السامة، وعلى العكس من ذلك فقد تكون المادة سامة بطبيعتها ولكنها عندما يضاف إليها مادة أخرى تزيل أثرها السام وتصبح بالتالي مادة غير سامة.
(1) إذ ذهب رأي من الفقه إلى تطبيق حكم المادة 301 على القتل الذي يحدث باستعمال مادة يمكن أن تؤدي إلى الوفاة وهذا ما يستشف من عموم النص الذي لم يتطلب أن تكون تلك المادة سامة وعليه فالعقوبة تشدد سواء كانت المادة سامة أو غير سامة ولكنها قاتلة. أما الرأي الراجح فذهب إلى قصد تطبيق المادة 301 على حالة استعمال المادة السامة، لأن المشرع أشار إلى عبارة "القتل بالسم" لذلك فإن المحاكم الفرنسية تميل إلى هذا الرأي فقد اعتبرت قتلا عمدا لا قتلا بالتسميم. إعطاء زوجة لزوجها كمية كبيرة من الخمر تفصد قتله فمات فعلا. أنظر الدكتور علي عبد القادر القهوجي + فتوح عبد الله الشاذلي المرجع السابق ص 79.
(2) أنظر الدكتور أحسن بوسقيعة المرجع السابق ص 33 + د.عبد المجيد زعلاني قانون عقوبات خاص مطبعة الكاهنة الجزائري 2000 ص.86.
(3) أنظر إلى سيد البغال المرجع السابق ص 139 + د.أحسن بوسقيعة المرجع السابق ص 33 و 34.
(4) أنظر الدكتور علي عبدالقادر القهوجي والدكتور فتوح عبد الله الشاذلي المرجع السابق ص 81.
فالأمر إذن يتعلق بدراسة كل حالة على حدى لمعرفة ما إذا كانت المادة التي استعملت سامة أو غير سامة وأن تحديد هذا الأمر مسألة فنية يجوز فيها للقاضي أن يستعين برأي أهل الخبرة كالخبراء في السموم والكيميائيين والأطباء.
والمواد السامة قد تكون حيوانية –كسم الثعابين- أو معدنية –كالزرنيخ وسلفات النحاس- أو نباتية –كالكوكايين- كما قد تكون صلبة أو سائلة أو غازية.
* استعمال المادة السامة:
لم يحدد المشرع الجزائري طريقة استعمال المواد السامة وهذا ما أقرته المادة 260 ق.ع. بقولها: "أيا كان استعمال أو إعطاء هذه المواد…" وعلى هذا الأساس فلا فرق بين ما إذا وضعت هذه المواد في طعام أو شراب أو دواء ولا يهم إن كان المجني عليه تناولها عن طريق الفم أو الأنف أو الحقن، ولا أهمية كذلك أن يقدم دفعة واحدة أو على دفعات متقاربة.
ب-النتيجة :
ليس من الضروري لتكون جناية القتل بالتسميم قائمة أن تتوفى الضحية، فالإعتداء كاف بمفرده، فالمهم هو استعمال المواد السامة، ولا تهم بعد ذلك النتيجة فنص المادة 260 ق.ع صريح في ذلك بقوله "مهما كانت النتائج التي تؤدي إلى ذلك".
وعلى هذا الأساس متى تناولت الضحية المواد السامة تكون الجريمة تامة مهما كانت النتيجة والآثار المترتبة عنها(1) كأن تنجو الضحية من الوفاة أو لم يصبها مكروه لتناولها سائلا ضد السم أو ناولها إياه مرتكب جناية التسميم أو لأي دافع آخر فإن الجريمة تبقى قائمة.
فمعنى هذا أن الجاني طبقا لقانون العقوبات الجزائري يعد مسؤولا عن فعلته بمجرد وضع السم تحت تصرف المجني عليه وتناول هذا الأخير إياه ولو عدل الجاني بعد ذلك عدولا اختياريا وكشف عما فعله للمجني عليه وأسعفه بالعلاج.
أما إذا تدخل قبل تناول الضحية لهذه المواد فإن المحاولة لا توجد لكون الجريمة لم تحدث للعدول الإختياري والإرادي للفاعل.
وعليه فيسأل عن الشروع من وضع السم في متناول المجني عليه، ولم يتناوله لأسباب مستقلة عن إرادة الجاني(2) كما يسأل عن الشروع أيضا من يعطي خطأ مادة سامة بكمية ضعيفة.
ج- العلاقة السببية:
لكي يكتمل النشاط المادي لجريمة القتل بالتسميم فلا بد أن تتوافر الرابطة السببية بين تقديم المادة السامة والنتيجة التي حصلت فإذا انتفت هذه الرابطة فلا يعاقب الفاعل على جريمة القتل بالتسميم(3).
(1) أما القانون المصري فإن الجريمة تعد تامة متى حدثت الوفاة نتيجة تناول المجني عليه.أنظر الدكتور سيد البغال المرجع السابق ص 138 و 139.
(2) أنظر الأستاذ شيخ لحسين + الدكتور أحسن بوسقيعة المرجع السابق ص 39.
(3) أنظر الدكتور أحسن بوسقيعة المرجع السابق ص 34.
إلا أن إشتراط علاقة السببية في جريمة القتل بالتسميم، كانت محل نقاش في مصر(1)، وذلك بمناسبة قضية تتلخص وقائعها في أن شخص عزم على قتل أخته (هانم) نظرا لسوء سلوكها فوضع زرنيخا في قطعة حلوى ثم انتهز فرصة وجودها معه بالحقل فأعطاها الحلوى لتأكلها ولكنها أخذتها معها إلى المنزل وفي الصباح عثرت إبنة عمها (ندا) على تلك الحلوى فأكلت منها جزءا وسألت هانم عنها فأخبرتها هذه أن أخاها أعطاها لها، كما عرضت عليها أن تأخذها لتأكلها هي وأختها (فهيمة)، وبعد ذلك أكلت منها فهيمة أيضا وما لبث أن ظهرت أعراض التسميم على البنتين فماتت فهيمة وشفيت ندا وقدم المتهم للمحاكمة فبرأته محكمة الجنايات من تهمتي قتل فهيمة عمدا والشروع في قتل ندا وقد أيدت محكمة النقض المصرية محكمة الجنايات فيما ذهبت إليه.
فهذا الحكم كان محل تأييد من بعض الشراح المصريين وذهبوا إلى تعليل ذلك بالقول بعدم قيام مسؤولية الجاني عن قتل فهيمة وندا لإنقطاع علاقة السببية بين فعله وإصابة إحداهما ووفاة الأخرى. وذلك بتدخل إرادة المجني عليها المقصودة كعامل شاذ في حدوث تلك النتيجة.
في حين جانب آخر من الشراح المصريين ذهبوا إلى القول بأن الجاني يسأل عما وقع لكل من فهيمة وندى لأنه بفعله جعل المادة السامة تحت تصرف البنتين وأن الواقعة لا تخرج عن كونها غلط في شخص المجني عليها.
واعتبارا لما سبق فإننا نرى وأن اشتراط علاقة سببية في جناية القتل بالتسميم يتعارض فعلا مع فكرة الغلط في الشخص المجني عليها التي لا عبرة لها في قيام مسؤولية الجاني في القانون الجزائري، إذا توافرت نية القتل طبعا.
وإن فكرة الغلط في شخص المجني عليه هي تطبيقا لمسألة القصد الإحتمالي الذي يقتضي أن يسأل الجاني عن النتائج المحتمل وقوعها بمناسبة ارتكابه لجريمة معينة حتى وإن لم يكن يقصد اتيانها، وهذا ما حدث في المثال السابق.
وعلى هذا الأساس فإن الجاني في المثال السابق الذكر وطبقا للتشريع الجزائري يكون مرتكبا لجناية تسميم كل من فهيمة وندا على أساس أنه لا عبرة للغلط في شخص المجني عليه طالما لديه نية القتل والشروع في تسميم هانم.
د-نية القتل:
يستوجب التسميم توفر نية القتل، أي يتعين توفر القصد الجنائي بعنصرية العلم والإرادة، إذ يجب أن ينصرف علم الجاني إلى أن وسيلته في القتل هي مادة سامة وأنه يريد تحقيق النتيجة باستخدامها، وعليه إذا انتفى عنصر العلم والإرادة انتفت بذلك جريمة التسميم ولكن قد تق
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma