أسعدنا تسجيلك وانضمامك لنا

ونأمل من الله أن تنشر لنا كل مالديك

من إبداعات ومشاركات جديده

لتضعها لنا في هذا القالب المميز

نكرر الترحيب بك

وننتظر جديدك المبدع

مع خالص شكري وتقديري

ENAMILS

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

أسعدنا تسجيلك وانضمامك لنا

ونأمل من الله أن تنشر لنا كل مالديك

من إبداعات ومشاركات جديده

لتضعها لنا في هذا القالب المميز

نكرر الترحيب بك

وننتظر جديدك المبدع

مع خالص شكري وتقديري

ENAMILS

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
 محاضرات في مقياس المؤسسات والعلاقات الدولية لطلبة السنة أولى حقوق 580_im11 ENAMILS  محاضرات في مقياس المؤسسات والعلاقات الدولية لطلبة السنة أولى حقوق 580_im11

المواضيع الأخيرة

» مدونة القوانين الجزائرية - محدثة يوميا -
 محاضرات في مقياس المؤسسات والعلاقات الدولية لطلبة السنة أولى حقوق I_icon_minitimeالسبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed

»  شركة التوصية بالاسهم -_-
 محاضرات في مقياس المؤسسات والعلاقات الدولية لطلبة السنة أولى حقوق I_icon_minitimeالجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin

» مكتبة دروس
 محاضرات في مقياس المؤسسات والعلاقات الدولية لطلبة السنة أولى حقوق I_icon_minitimeالإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin

» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
 محاضرات في مقياس المؤسسات والعلاقات الدولية لطلبة السنة أولى حقوق I_icon_minitimeالخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin

» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
 محاضرات في مقياس المؤسسات والعلاقات الدولية لطلبة السنة أولى حقوق I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin

» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
 محاضرات في مقياس المؤسسات والعلاقات الدولية لطلبة السنة أولى حقوق I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin

» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
 محاضرات في مقياس المؤسسات والعلاقات الدولية لطلبة السنة أولى حقوق I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin

» بحث حول المقاولة التجارية
 محاضرات في مقياس المؤسسات والعلاقات الدولية لطلبة السنة أولى حقوق I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl

» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
 محاضرات في مقياس المؤسسات والعلاقات الدولية لطلبة السنة أولى حقوق I_icon_minitimeالأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique

» الدفاتر التجارية:
 محاضرات في مقياس المؤسسات والعلاقات الدولية لطلبة السنة أولى حقوق I_icon_minitimeالجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma

ENAMILS


كتاب السنهوري


    محاضرات في مقياس المؤسسات والعلاقات الدولية لطلبة السنة أولى حقوق

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 6322
    نقاط : 17825
    تاريخ التسجيل : 28/06/2013
    العمر : 33

     محاضرات في مقياس المؤسسات والعلاقات الدولية لطلبة السنة أولى حقوق Empty محاضرات في مقياس المؤسسات والعلاقات الدولية لطلبة السنة أولى حقوق

    مُساهمة من طرف Admin الإثنين يوليو 01, 2013 12:22 am




    محاضرات في مقياس المؤسسات والعلاقات الدولية لطلبة السنة أولى حقوق ل م د (02)
    الدبلوماسية الدولية في العصور الوسطى
    كان للدولة الإخشيدية في مصر وسوريا علاقات وثيقة مع بيزنطة . وكان الاتصال الجغرافي المباشر بين مصر والدولة البيزنطية من ناحية الحدود الشمالية ، وتنافسهما البحري المستمر في شرقي البحر الأبيض المتوسط ، وعلاقاتهما التجارية الهامة ، مما يستوجب تنظيم العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين بصورة مرضية . ولم تكن الخلافة ببغداد بعيدة عن تحسين علاقاتها مع بيزنطة . في عام 326 هـ/936م أرسل القيصر رومانوس وشريكاه القيصران اسطفانوس وقسطنطين سفارة إلى الخليفة العباسي الراضي بالله . وكانت الرسالة مكتوبة بلغتين ، باللغة اليونانية بالذهب ، ومعها ترجمة عربية مكتوبة بالفضة ، جاء فيها: (بإسم الأب والإبن وروح القدس الإله الواحد ، الحمد لله ذي الفضل العظيم ، الرؤوف بعباده ، الجامع للمفترقات ، والمؤلف للأمم المختلفة في العداوة حتى يصيروا واحداً).
    ثم يعرب القياصرة بعد ذلك عن رغبتهم في طلب الهدنة وعقد أواصر الصداقة مع المسلمين . فرد الخليفة عليهم بكتاب جاء فيه :
    (من عبدالله أبي العباس الإمام الراضي بالله أمير المؤمنين إلى رومانس وقسطنطين واسطفانس رؤساء الروم . سلام على من اتبع الهدى ، وتمسك بالعروة الوثقى ، وسلك سبيل النجاة والزلفى ..) وفيه يجيبهم إلى ما طلبوا من عقد الهدنة والصداقة [1] .
    وفي العام التالي أرسل القيصر رومانوس سفارة أخرى إلى الإخشيد أمير مصر . وتضمنت مؤاخذة دبلوماسية على الإخشيد ، إذ تضمن كتاب القيصر أنه تنازل لمكاتبة الإخشيد مباشرة ، لأن مقامه كقيصر الدولة الرومانية الشرقية يحتم عليه ألا يكاتب من هو دون الخليفة ، ولكنه مع ذلك قد خص الإخشيد بالمكاتبة لما نمى إليه من رفيع مكانته ، وحميد سيرته ، وموفور عدالته ورحمته .
    وقد رد الإخشيد على كتاب القيصر بكتاب شهير من إنشاء كاتبه إبراهيم بن عبدالله البجيرمي ، وكان من أبرع كتاب عصره . ويعتبر هذا الرد وثيقة دبلوماسية من الطراز الأول تفيض إباءً وحزماً ، ويطبعها في نفس الوقت طابع بارع من اللباقة والمجاملة; ذلك أن الإخشيد لم يغضب لما وجهه إليه القيصر من عبارات المن والاستعلاء ، ولكنه بالعكس أكرم وفادة رسوليه ، وغمرهما بالتحف المختارة هدية إلى سيدهما ، وبذل لهما كل تسهيل ممكن لتحقيق مهمتهما التجارية . على أنه لم ينس في نفس الوقت أن يجيب القيصر على منه واستعلائه ، وأن يفند أقواله فيما زعمه من تفضله بمكاتبته . وجاء في الجواب :
    (وأما ما وصفته من ارتفاع محلك عن مرتبة من هو دون الخليفة في المكاتبة لما يقتضيه عظم ملككم ، وأنه الملك القديم الموهوب من الله ، الباقي على الدهر ، وأنك إنما خصصتنا بالمكاتبة لما تحققته من حالنا عندك ، فإن ذلك لو كان حقاً ، وكانت منزلتنا كما ذكرته تقصر عن منزلة من تكاتبه ، وكان لك في ترك مكاتبتنا غنم ورشد ، لكان من الأمر البين أن أحظى وأرشد وأولى بمن حل محلك أن يعمل بما فيه صلاح رعيته ، ولا يراه وصمة ولا نقيصة ولا عيباً ، ولا يقع في معاناة صغيرة تعقبها كبيرة ، فإن السائس الفاضل قد يركب الأخطار ويخوض الغمار ، ويعرض مهجته فيما ينفع رعيته ، والذي تجشمته من مكاتبتنا إن كان كما وصفته ، فهو أمر سهل يسير ، لأمر عظيم خطير ..) . وأما عن مطالب القيصر فإن الإخشيد يجيبه عما طلب من تنظيم الفداء وتبادل الأسرى ، ويشكر القيصر على عنايته بالأسرى المسلمين ، وما يلقونه من المعاملة الحسنة . ويبدي الإخشيد إستعداده لعقد الصداقة مع القيصر ، مشيراً إلى ذلك بقوله :
    (وأما ما ابتدأتنا به من المواصلة ، واستشعرته لنا من المودة والمحبة ، فإن عندنا من مقابلة ذلك ما توجبه السياسة التي تجمعنا على اختلاف المذاهب ، وتقتضيه نسبة الشرف الذي يؤلفنا على تباين النحل) [2].
    وتأثرت العلاقات بين البيزنطيين والفاطميين ببعض الحوادث والظروف السياسية التي أحاطت بها . فمن جانب كانت بيزنطة تشعر بالقلق من تزايد حركة السلاجقة في بغداد ، ومن جانب آخر حاولت القسطنطينية استغلال الصراع والتنافس بين الدولتين الإسلاميتين ، السلجوقية والفاطمية . ففي عام 446هـ/1053م عانت مصر من الوباء الذي امتد أعواماً ، ورافقته كالعادة مجاعة وغلاء وقحط ، فأرسل المستنصر بالله الفاطمي رسالة إلى إمبراطور القسطنطينية وهو قسطنطين التاسع IX Constantine، يطلب منه معونة اقتصادية وإرسال أغذية وغلال . وكانت الدولة البيزنطية تعاني إضطرابات داخلية، وتواجه تهديدات السلاجقة الذين كانوا من قبل قد اقتحموا بعض مدنها وأقاليمها ، حتى وصلوا حدود أرمينيا . فلبى قسطنطين الدعوة ، ووجدها فرصة لتقوية العلاقة مع مصر ، وتفادي نشاطها العسكري من الجنوب ومن البحر . وتم الاتفاق واُعدت شحنات المؤن لإرسالها إلى مصر ، لكن قسطنطين توفي قبل تنفيذ الإتفاق عام 1054 . فخلفته على عرش قسطنطينية الإمبراطورة تيودورا ، واشترطت لإرسال المؤن إلى مصر شروطاً رفضها المستنصر بالله ، ومنها أن يمدها بقوة عسكرية لعونها على مواجهة السلاجقة ومحاربة الخارجين عليها . فانقطعت المفاوضات بين الفريقين ، وغضب المستنصر ، وقرر إرسال حملة عسكرية إلى الحدود البيزنطية ، فانتصرت على الحدود البرية ، لكن الاُسطول البيزنطي غزا السواحل السورية ، وهزم المصريين ، وتم أسر القائد المسلم وجماعة كبيرة من الضباط والقادة ، فتوقف المستنصر عن مواصلة الحرب ، ولجأ إلى المهادنة والمفاوضة ، وأرسل سفيراً إلى البلاط البيزنطي سعياً لعقد الصلح وتنظيم العلاقات . وكان السفير هو القاضي أبو عبدالله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي الشافعي المصري . فوصل القسطنطينية عام 1055م ، وصلى في جامعها ، وخطب للخليفة [3].
    تشير بعض المصادر التاريخية إلى وجود مسجد في القسطنطينية ، وهي ظاهرة تبدو غريبة في ذلك العصر المبكر . ولعل المسجد قد بني في القرن العاشر كي يقيم الرسل والتجار المسلمون الصلوات فيه . وكانت تقام فيه صلاة الجمعة ، ويخطب به للخليفة المسلم ، الصديق لبيزنطة ، فتارة يكون الخليفة العباسي وتارة الخليفة الفاطمي ، حسب الأوضاع السياسية . وفي عام 1027م قام الإمبراطور البيزنطي بتجديد بناء المسجد ، وقام بإصلاحه قسطنطين التاسع عام 1048م [4]. وقد يكون دار للضيافة للوفود الإسلامية ألحق به المسجد . وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أن الخطبة في المسجد باسم الخليفة كانت ضمن عقد هدنة مع مصر; كما أن الملك الظاهر يرفع الحجر عن كنيسة القيامة ببيت المقدس ، يقوم القيصر بإصلاح المسجد [5].
    في عام 1248 وصل ملك فرنسا لويس التاسع IX Louis (حكم 1226 ـ 1270 م) إلى الشرق للإشراف على حملة عسكرية جديدة على مصر ، والتي فشلت فيما بعد ووقع لويس أسيراً فيها في معركة المنصورة . وانتظاراً لفصل الربيع ، إستقر لويس في جزيرة قبرص للراحة قبل المباشرة بتحقيق الحلم الفرنسي . فبدأ سلسلة من النشاطات الدبلوماسية بما يخدم خطته : إبرام حلف مع المغول لوضع العالم الإسلامي بين فكي كماشة . ففي عام 1248م إستقبل وفداً مغولياً جاء للحصول على دعم غربي ، فلوح الوفد بإمكانية إعتناق المغول الديانة المسيحية ، فبادر إلى تزويد البعثة عند عودتها بالهدايا الدنيوية والدينية النفيسة إلى خان المغول [6]. فقد كان كلاهما ، المغول والصليبيون ، يبحثون عن حليف مناسب لمواجهة العدو المشترك ، الإسلام . وبقي التعاون بين المغول والصليبيين بسيطاً ، رغم اعتناق بعضهم المسيحية . ففي عام 1251 عاد المغول بموجة جديدة من الهجمات الوحشية يقودها ثلاثة إخوة من أحفاد جنكيزخان وهم مُنكا وكوبلاي وهولاكو . فأما الأول فعين عاهلاً غير مدافع للإمبراطورية وعاصمته كراكورم في منغوليا; وأما الثاني فحكم سعيداً في بكين; وأما الثالث فقد استقر في إيران ، وكان طامحاً في غزو الشرق الإسلامي بأسره حتى شواطئ المتوسط ، وربما حتى النيل . وكان هولاكو شخصية مركبة ، فمن الولع بالعلوم والفلسفة ومخالطة الأدباء ، إلى وحش دموي متعطش للدماء والدمار . ولا يقل سلوكه في موضوع الدين تناقضاً . فعلى الرغم من تأثره بالمسيحية ـ كانت أمه وزوجته الأثيرة وعدد من معاونيه ينتمون إلى الكنيسة النسطورية ـ فإنه لم يتخل قط عن الشمانية ديانة شعبه التقليدية .
    في عام 1258م دخل هولاكو بغداد فاتحاً فأباد أهلها ، ودمر أسواقها ومدارسها ومكتباتها ، بعد أن اتفق مع أهلها على التسليم والإبقاء على حياتهم . فقتل في بغداد زهاء 000ر80 نسمة . ولم يسلم من الذبح سوى الطائفة المسيحية بناء على تدخل زوجة الخان [7].
    واصل هولاكو مسيرته باتجاه الشام ليكمل فتوحاته ومذابحه . وكانت الأقلية المسيحية تتواجد في المدن السورية . ولما دخلت جيوش هولاكو ، كانت مواقف المسيحيين من فرنج وشرقيين مختلفة تجاه هولاكو : فالأرمن وقفوا بشخص ملكهم (هتهوم) في صف المغول ، كما وقف في صفهم صهره بيمند حاكم إنطاكية وهو فرنجي . والتزم فرنج عكا في المقابل وقفة حياد هو أميل إلى المسلمين . ولكن الشعور السائد في الشرق كما في الغرب هو أن الحملة المغولية نوع من حرب مقدسة تُشن على الإسلام وتمثل تتمة للحملات الفرنجية . وقد دعم هذا الشعور أن نائب هولاكو الرئيس في بلاد الشام ، القائد كيتبوكا ، وهو مسيحي نسطوري . وعندما أُخذت دمشق في أول آذار 1260 م ، كان الذين دخلوها ظافرين ، وسط استنكار العرب الشديد ، ثلاثة أمراء مسيحيين هم بيمند وهتهوم وكيتبوكا [8].
    إعتمدت السياسة الخارجية الأوربية منهجاً براغماتياً ، إذ كانت تنتهز أية فرصة لتحقيق مصالحها ، وتتعامل مع الواقع السياسي من أجل تعبئة كل الجهود والإمكانيات من أجل مصالحها . في القرن السادس عشر عندما كانت الدولة العثمانية تمارس ضغطاً قوياً على أوربا ، بعد توسعها داخل القارة الأوربية ، والسيطرة على أقاليم أوربية واسعة ، فبادرت الدول الأوربية الأخرى إلى محاولة لتخفيف الضغط العثماني عنها ، وفتح جبهات أخرى على الدولة العثمانية ، كي تسحب جزءاً من قواتها في أوربا ، نحو تلك الجبهات . فكانت سياسة تحسين وتوثيق علاقات أوربا بمنافسي وأعداء العثمانيين ، أي مصر وإيران الصفوية .
    فقد شهدت القاهرة وأصفهان حركة دبلوماسية غربية ، واستقبلت وفوداً وسفارات أوربية عديدة . كما شهدت البلاطات الأوربية سفراء مسلمين . ففي عام 1518 م أرسل الشاه عباس الصفوي مبعوثين إلى بولندا وهنغاريا . واستقبل البلاط الصفوي سفارة اسبانية عام 1529 من قبل تشارلس كونت إسبانيا ، إلى الشاه إسماعيل . وكانت رسالة الوفد الإسباني تتركز بالطلب من الشاه الصفوي إرسال قوة عسكرية إلى الحدود مع العثمانيين لممارسة ضغط عليهم ، من أجل سحب قسم من قواتهم المتواجدة في أوربا [9].
    في تلك الفترة كانت لإيران علاقات جيدة مع أوربا ، فقد كانت هناك العديد من السفارات السياسية والمعاهدات الإقتصادية . ففي عام 1598م وصلت أول بعثة دبلوماسية إلى إيران ، تألفت من 27 عضواً برئاسة إثنين من النبلاء الإنجليز هما السير أنتوني شيرلي Shirly Anthony Sir وأخوه روبرت شيرلي RobertShirly. لقد كانت مهمتهما عسكرية هي تأسيس جيش فارسي حديث . وتمكنا من تجنيد وتدريب 000ر12 رجل مجهزين بالبنادق والمدافع الإنجليزية [10]. وفي عام 1600 كلف الشاه الصفوي ، السير أنتوني شيرلي بمهمة دبلوماسية ، إذ طلب منه ترؤس وفد إيراني يزور أوربا ، وإجراء إتصالات مع الحكومات والدول الأوربية . وضم الوفد حسين علي بيك وأربعين آخرين ، زار النمسا وألمانيا وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا . واستغرقت البعثة سنتين نجحت خلالهما في ترسيخ أسس العلاقات السياسية مع أوربا . كما قابلت البابا في روما ، وشرحت له سياسة التحالف ضد العثمانيين ، فوعد البابا بالتعاون مقابل أن يمنح القساوسة والمبشرين الكاثوليك الإيرانيين حرية أكثر في نشاطاتهم [11]. وفي عام 1602 أرسل البابا كولمان الثامن VIII Colman بعثة أكليركية برئاسة بير جان تادي Pere Juan Tadiإلى البلاط الصفوي ، حيث استقبله الشاه الذي استلم الرسالة والهدايا . ثم سمح الشاه عباس ببناء كنيسة في أصفهان . وبقي الأسقف تادي عدة سنوات في فارس متمتعاً بضيافة الشاه .
    وكان الأوربيون يتنافسون من أجل السيادة على منطقة الخليج ، فالتجار الهولنديون والألمان كانوا في منافسة حادة من أجل الهيمنة على السوق الإيراني ، والسيطرة على صناعة الحرير في إيران . وفي تلك الفترة حصل الألمان على امتياز لتصدير الحرير الإيراني إلى أوربا عبر الأراضي الروسية [12]. أغضب الإمتياز الهولنديين ، مما دعا ممثل شركة الهند الشرقية في المنطقة نيكولاس ياكوب أوفرشخل Nicholas Jacob Overschle إلى لقاء السفير الألماني في فارس ، أوتو برخمان Otto Brugmann، وأبلغه بأن التجارة الألمانية تهدد المصالح الهولندية ، لكن الألمان لم يعيروا أهمية للتحذير الهولندي . عندذاك بادر الهولنديون إلى رفع أسعار الحرير ، الأمر الذي سبب اضطراباً في الأسواق . وجد التجار الألمان الأسعار باهضة جداً ، بحيث أن شراءها يكلفهم غالياً ، إضافة إلى أنهم يجب أن يدفعوا ضرائب وجمارك . فلم يعد باستطاعتهم شراء الحرير ، فاضطروا إلى مغادرة إيران . بعد رحيل الألمان قام الهولنديون بتخفيض الأسعار مرة أخرى ، وليحتفظوا بهيمنتهم على الأسواق .
    وجد الشاه في ممارسة الهولنديين خلقاً غير لائق ، فأصدر أمراً بأن يدفع الهولنديون الجمارك أيضاً . رفض الهولنديون دفع الضريبة . تطورت القضية واستمرت إلى عهد الشاه عباس الثاني . وفي عام 1645 هاجم الأسطول الهولندي جزيرة قشم وجزيرة هرمز وميناء بندر عباس ، من أجل إعاقة التجارة البريطانية في المنطقة . أثار الهجوم البحري قلق الشاه فطلب من الإدميرال نيكولاس بلوك Block Nicholas التفاوض وتسوية القضية . إتفق الطرفان ووقعا اتفاقية منحت الهولنديين إمتيازات أكبر [13].
    في العصور الوسطى ، كانت العلاقات الخارجية تتركز على الصلات التقليدية والدينية ، إذ كان من الطبيعي ، وليس دائماً ، أن تكون الدول تسعى إلى التحالف مع نظيراتها في الدين والعقيدة ، فالمسلم يرغب بالمسلم ، والمسيحي يفضل المسيحي . ولكن ذلك لا يعني أنه لا توجد صراعات وحروب بين أتباع الدين الواحد ، وأن مصالحهم لا تتقاطع ، بل نريد الإشارة إلى أن العامل الديني يبقى دافعاً هاماً في السياسة الخارجية . في عام 1489 وخلال تقدم القوات المسيحية في العمق الإسباني جنوباً لإستعادة الأندلس من المسلمين ، أرسل الأمراء الأندلسيون عدة رسائل إلى الحكام المسلمين ، طالبين المساعدة للوقوف بوجه الهجوم المسيحي بقيادة الملك فرناندو Fernando. وكانت القاهرة قد استقبلت بعثة أندلسية طلبت مساعدة عسكرية لمواجهة القوات المسيحية المحيطة بغرناطة . يصف إبن إياس وصول السفارة إلى مصر بقوله : وفي ذي العقدة سنة 892هـ/ 1487م جاء قاصد من عند ملك المغرب صاحب الأندلس ، وعلى يد مكاتبة من مرسله تتضمن أن السلطان يرسل له تجريدة تعينه على قتال الفرنج ، فإنهم أشرفوا على أخذ غرناطة وهو في المحاصرة معهم [14]. في ذلك الوقت كانت علاقات مصر المملوكية جيدة مع الدول الأوربية . قرر الملك الأشرف قايتباي المحمودي الظاهري تكليف رعاياه المسيحيين في القدس للتوسط بالأمر . فبعث برسالة إلى القساوسة في كنيسة القيامة طالباً منهم «أن يرسلوا كتاباً على يد قسيس من أعيانهم إلى ملك الفرنج صاحب نابل (نابولي الإيطالية) ، بأن يكاتب صاحب أشبيلية (الإسباني المسيحي) بأن يحل عن أهل مدينة غرناطة ويرحل عنهم» [15]، وإلا يقوم السلطان بإلقاء القبض على المسيحيين المقيمين في القدس وأشرافهم ، ويمنع الأوربيين من دخول القدس ، بل ويهدمها . فلبى القساوسة الأمر ، وراسلوا حاكم نابولي ، لكن لم تثمر شيئاً ، إذ دخل فرناندو غرناطة وسقطت آخر مدينة أندلسية مسلمة
    ولم يكن موقف العثمانيين أفضل من موقف مصر التي اكتفت بالتهديد والوعيد . فقد راسل الأندلسيون السلطان العثماني بايزيد الثاني طلباً للعون ، فاتصل بمصر وعقدا هدنة مؤقتة ، تنهي الحروب والعداوات بين الدولتين المسلمتين ، ووضعا خطة مشتركة بإرسال أسطول قوي لغزو صقلية التي كانت يومئذ من أملاك إسبانيا ليشغل بذلك اهتمام إيزابيلا وفرناندو ، وأن تبعث قوات برية من مصر وأفريقية ، تعبر مضيق جبل طارق إلى الأندلس لمساعدة جيوشها [16]. وبقيت الخطة مجرد حبر على ورق ، وتهاون العثمانيون في إنقاذ الأندلس في الوقت الذي كانت لديهم قوات كبيرة في أوربا ، ويجوب أسطولهم البحر المتوسط . فضاعت الأندلس بسبب تقاعس المسلمين وتهاونهم واستفحال العداوة والتجزئة بينهم .
    يقع شمال أفريقيا على الشاطئ الجنوبي للبحر المتوسط فيما تحتل أوربا الشاطئ الشمالي منه . هذا الوضع الجغرافي أتاح الفرصة لإقامة علاقات مباشرة ومستمرة مع أوربا . وكان للبلاط المغربي خبرة طويلة في العلاقات الدبلوماسية مع الدول الأوربية . في عام 1610 وصل الشيخ أحمد بن قاسم الحجري إلى باريس ، في مهمة خاصة . فقد تعرضت الطائفة المورسكية ، التي كانت تقيم في إسبانيا بعد سقوطها بأيدي المسيحيين ، للنهب من قبل أصحاب السفن الفرنسية التي استأجروها لنقلهم من إسبانيا إلى المغرب ، بعد أن طردهم فيليب الثالث من إسبانيا لرفضهم التخلي عن الإسلام وإعتناق المسيحية . على إثر هذا النهب ، إتصلت بعض العائلات بسلطان المغرب المولى زيدان ، وطلبوا منه مساعدتهم ، وإرسال من يطالب بحقهم . يقول الحجري :
    (وبعد ما أخذ فيليب الثالث كل ما كان لهم ، أخرجوهم في بعض الجزر من بلاد المسلمين ، وأربعة من تلك السفن المنهوبة خرجت بالمغرب ... وطلبوا من السلطان المولى زيدان ... أن يأذن لهم في إرسال بعض من أصحابهم مع رجل من الأندلس من الذين كانوا قبلهم بتلك المدينة ، وأسفر نظره أن نمشي بأصحابهم وأعطانا السلطان كتابه) [17]. واستطاع الحجري أن يتم المهمة بنجاح ، وأعاد الأموال المنهوبة إلى أصحابها ، فقال (والحمد لله أن كل من وكلني من جميع الأندلس وصل إليه شيء من الدراهم) [18].
    وزار الحجري هولندا وتجول في مدنها ، أمستردام وليدن ولاهاي ، والتقى بالمستشرق الهولندي الكبير إربينيوس Erpenius، وكانت لديه حوارات ونقاشات معه . وقد ورد ذكر أحمد الحجري في رسالة بعثها إربينيوس بتاريخ 28 أيلول 1611 إلى صديقه المستشرق كازابون Casaubon قال له فيها :
    (ووراء كل ما كنت أتوقع ، فقد وصل إلى زيارتي تاجر مغربي مسلم إسمه أحمد ، وهو رجل متحضر وذكي . وكان قد درس الأدب في شبابه ، ويتكلم العربية الفصحى بصورة جيدة ولكن متواضعة ... لقد كنا نتكلم بالعربية ، لأنه كان يتكلم الإسبانية إضافة إلى العربية ، لكنني لا أتكلم بها . وقد كنا نتناقش دائماً في أمور الدين) [19]. أما أحمد الحجري فقد وصف إربينيوس بأنه لم يكن يجيد العربية ، بل كان (يعرب الأسماء ويصرف الأفعال) ، وذكر بأنه أخذ يعلم المستشرق إربينيوس اللغة العربية عندما التقاه في باريس عند الطبيب هبرت ، الذي كان قد تعرف عليه في مراكش . يصف الحجري ذلك اللقاء بقوله : (والتقيت في تلك المدينة (باريز) برجل من علمائهم كان يقرأ بالعربية ، وبعض النصارى يقرأون عليه ، كان يسمى بأبرت وقال لي : أنا أخدمك فيما تحتاجني ... وما نحب منك إلا أن نقرأ عليك في الكتب التي عندي بالعربية).
    وتطرق الحجري في وصفه لرحلته ولقاءاته ، إلى الحديث عن المجتمع الأوربي في ذلك الوقت ، الإقتصاد ، السياسة ، طراز المدن ، العادات والتقاليد ، الطعام والملابس .
    تطور القانون الدولي الإسلامي في القرون الوسطى
    على الرغم من دعوة القرآن إلى التعارف وإقامة علاقات مع غير المسلمين من شعوب وقبائل ، وأن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)قد بدأ بسلسلة من الإتصالات الدبلوماسية وأرسل سفراءه إلى الدول المجاورة مثل بيزنطة وفارس ومصر والحبشة ، إلا أن خلفاءه لم يواصلوا مبادرته وسياسته . لقد حققوا فتوحات كبيرة وسعت رقعة الدولة الإسلامية بشكل متسارع خلال فترة زمنية قصيرة . لقد أدت هذه الفتوحات المفاجئة إلى زوال إحدى القوى العظمى آنذاك ، الإمبراطورية الساسانية ، وانسحاب القوة العظمى الأخرى ، الامبراطورية البيزنطية ، من تواجدها التأريخي في الشام (سوريا وفلسطين والأردن) . لقد غيرت هذه الفتوحات مكانة ووضعية العرب ، من محاربين بدو إلى حكام متحضرين . كما غرست الشعور لديهم بالقوة والسيادة على غيرهم من الأمم ، وخاصة غير المسلمين . فقد نما الشعور القومي في العصر الأموي مما أدى إلى الإزدراء بغير العرب ، وحرمانهم من حقوق المواطنة والمساواة التي يكفلها الإسلام لهم .
    لقد وضعت الظروف والتغيرات الجديدة الدولة الإسلامية في تحديات جديدة ، حيث أصبحت تتعامل بشكل مباشر مع الدول غير المسلمة ، وخاصة الواقعة على حدود دار الإسلام . وجد المسلمون أن هناك حاجة لصيغة جديدة في التعامل مع الدول غير المسلمة ، بالإضافة إلى سياستها المتسامحة تجاه الأقليات غير الإسلامية داخل الدولة الإسلامية . قام الفقهاء بتطوير فرع من الفقه الإسلامي ، له علاقة بالعلاقات الخارجية ، هو السّيَر ، لتلبية متطلبات الظروف المستجدة والقضايا الطارئة . فهذا يعتبر أساس القانون الدولي الإسلامي [1].
    لعبت العلاقات بين الدولة الإسلامية والدول غير الإسلامية دوراً هاماً في تطوير مفاهيم وآراء جديدة في الفقه الإسلامي . فالواقع وقضاياه ومشاكله تطرح أسئلة وتطلب حلولاً ، لا بد للفقه أن يبدي رأيه فيها ، سواء كانت القضايا نابعة من داخل المجتمع الإسلامي أو بسبب علاقته واتصاله بالأمم الأخرى . قد يكون من الصحيح القول بأن القانون الدولي الإسلامي أو السير ، نشأ أولاً لتنظيم قضايا الحرب والقتال وشؤون الأسرى وعقد الهدنة أو غيرها ، لكن هناك دوافع وأسباباً أخرى جعلت القانون الدولي الإسلامي يتوسع ليشمل أمراً غير الحرب مع الكفار . فقد كانت التجارة وانتقال الأفراد والتجار إلى دار الحرب ، والتعاون السياسي مع دار الكفر وغيرها أموراً تدفع الفقهاء إلى المزيد من البحث والإجتهاد لمواجهة الأوضاع السياسية والإجتماعية والإقتصادية المتغيرة . ففي العصر العباسي عقد الخليفة هارون الرشيد حلفاً مع فرنسا المسيحية ، وكلاهما كان ضد بيزنطة . وصلت العلاقات العباسية ـ الفرنسية ذروتها عندما قبل هارون بمبادرة أسقف القدس الذي أرسل بعثة إلى شارلمان ملك فرنسا تحمل معها هدية عبارة عن مفاتيح الضريح المقدس والمدينة مع الراية [2]. يعتبر البروفسور بوكلر Bucklerهذه الخطوة بمثابة منصب رمزي لشارلمان باعتباره والياً للقدس تحت سلطة الخليفة العباسي . ويحتج بأن مثل هذا المنصب ، وحسب الماوردي ، يكون بتوكيل من الخليفة ، الذي يمكن أن يمنحه لغير مسلم . ويرفض مجيد خدوري ذلك التفسير قائلاً أن العلاقات الدبلوماسية بين شارلمان والرشيد كانت سياسية . ولم يتم التعامل أبداً مع القدس باعتبارها جزءاً من صفقة سياسية ، حتى يقال أنه يمكن تعيين وال غير مسلم عليها . وينفي وجود أي شيء في كتابات الماوردي تسمح بمثل ذلك ، كما يدعي بوكلر ، وإعطاء مثل ذلك المنصب إلى غير مسلم [3].
    لقد فرضت متطلبات الدولة الإسلامية وحقائق الحياة وواقعها على المسلمين أن يتولى الفقهاء التعامل مع المستجدات ، ومنها كيفية التعامل مع الدول غير الإسلامية ، وإعطاء وجهة نظر الشريعة بالمسائل المطروحة عليهم . ويلاحظ أن ليس كل فقهاء الإسلام تعرضوا لذلك الواقع ، فقد كان فقهاء الحجاز بعيدين عن الإحتكاك بالأمم الأخرى ، ولذلك لم يتعرضوا لمسائل التعامل مع الدول غير الإسلامية . فالفقيه مالك بن أنس فقيه الحجاز (93 ـ 179هـ/712 ـ 796م) لم يخصص إلا فصلاً صغيراً عن الجهاد . كما أن شيوخه من قبل كابن شهاب الزهري (ت 124هـ/742م) وربيعة الرأي (ت 136هـ/ 754م) إهتموا بالموضوع أقل منه . ذلك أن فقهاء الحجاز كانوا بعيدين عن المناطق التي حصل فيها الإتصال المباشر بين الاسلام وبين شعوب أخرى، فلم يبالوا كثيراً بالمشكلات التي كانت تنشأ نتيجة لهذا الإحتكاك بين المسلمين وبين الشعوب الأخرى [4].
    ومن تلاميذه الذين اهتموا بالجهاد سحنون الذي كتب (المدونة) خارج الحجاز ، في القيروان . من جانب آخر نجد أن فقهاء العراق أولوا إهتماماً كبيراً بقضايا الحرب والجهاد ، بل أن القانون الدولي الإسلامي يمكن إعتباره من إجتهاد فقهاء العراق . فالفقيه أبو حنيفة (80 ـ150هـ/699 ـ 802م) الذي نشأ ودرس في الكوفة وتوفي في بغداد ، وتلامذته أمثال محمد بن الحسن الشيباني (132 ـ 189 هـ/750 ـ 805م) وأبي يوسف القاضي (113 ـ 182هـ/ 731 ـ 798م) وأبي اسحاق الفزاري (ت 186هـ/802م) قد كتبوا وفصلوا في باب السير وقضايا جهاد الكفار والتعامل مع الدول غير المسلمة أكثر من معاصريهم من الفقهاء . ويعد عبد الرحمن الأوزاعي (ت 157 هـ/774 م) أحد الفقهاء القدامى الذين عالجوا السير كموضوع مستقل من مواضيع الشريعة . وكانت آراء الأوزاعي في هذا الموضوع ـ وهي آراء توصل إليها في سوريا في العهد الأموي ، إذ أنه عاش معظم حياته في ذلك العهد ـ تمثل التفكير الشرعي لتلك الحقبة [5].
    بصورة عامة ، كان فقهاء المغرب وشمال أفريقيا قد تعاملوا بشكل مباشر مع قضية العلاقات مع غير المسلمين أكثـر من فقهاء المشرق (العراق ، سوريا ، الحجاز وفارس) . فالفقيه المالكي سحنون ، أبو سعيد عبدالسلام التنوخي (ت 240 هـ / 855 م) كتب مفصلاً في مسائل الحرب ، لأن الإسلام في شمال أفريقيا وإسبانيا كان على اتصال يومي ومباشر مع الدول الأوربية وغير الإسلامية ، ولكن معالجته تعكس تأثره بالفقهاء الحنفية ليس بأقل من تأثره بالمالكية فيما يتعلق بهذا الموضوع . وتعتبر (المدونة) لسحنون من عمدة المؤلفات في المذهب المالكي ، إضافة إلى (الواضحة) لعبد الملك بن حبيب ، و(العتيبية) لمحمد ابن أحمد العتبي القرطبي (ت 255هـ /869م) ، و(الموازية) لمحمد بن إبراهيم بن زياد الإسكندري المعروف بالمواز (ت 269هـ/882م) [6]. وأصل المدونة كتبها أسد بن الفرات (ت 213هـ/828م) الذي توفي أثناء حصار سرقوسة في جزيرة صقلية . وتعرف بالمدونة الأسدية ، وقام سحنون بشرحها فنسبت إليه .
    وأصدر الفقيه الأندلسي إبن ربيع (ت 719هـ/1320م) فتوى تتعلق بوضعية الأقلية الإسلامية تحت الحكم المسيحي . كما عالج الفقيه الأندلسي إبن رشد مسائل ذات علاقة بالتعامل مع غير المسلمين .
    وفي القرن الخامس عشر ، كتب الفقيه المغربي ، الأندلسي الأصل ، عبد العباس الونشريسي مقالة بعنوان (أسنى المتاجر في بيان أحكام من غلب على وطنه النصارى ولم يهاجر) . ناقش الونشريسي مسائل تتعلق بشرعية البقاء تحت الحكم المسيحي . فقد سئل من قبل جماعة من المهاجرين المسلمين الذين غادروا الأندلس بعد سقوط غرناطة وعودة الحكم المسيحي بقيادة الملك فرناندو والملكة إيزابيلا إلى إسبانيا . وكان هؤلاء المهاجرون قد رغبوا بالعودة إلى الأندلس حيث عاشوا ، عندما واجهوا ضيق العيش وقلة الرزق في المهجر .
    1-المجتمع الدولي وتطور العلاقات الدولية
    مقدمة:
    إن المتأمّل في صرح المجتمع الدولي يلاحظ مدى التنظيم والتطور والانسجام الذي أصبح يطبع الحياة السياسية في كثير من مجالاتها، فالبشرية لم تصل إلى هذه الدرجة من التنظيم إلا بعد حقبة زمنية طويلة وشاقة.
    وقد اعتاد كثير من فقهاء القانون الدولي العام أن يؤرخوا لنشأة المجتمع الدولي بداية من القرن 16 م، و الأسباب التي دفعت إلى هذا الاعتياد تكمن في النظرة الأوربية الضيقة للقانون الدولي العام، الذي أُعتبر إلى عهد قريب قانون الأمم الأوربية المتحضرة.
    غير أن هناك من يرى أن القانون الدولي العام هو قبل كل شيء قانون يحكم العلاقات ما بين الجماعات والتجمعات البشرية على أساس أن القانون الدولي العام عندما يطبق على الدول إنما يعني ـ في الواقع ـ أنه يطبق عليهم باعتبارهم مجتمعات سياسية متميزة ومستقلة.
    ومن هذا نستطيع القول أن المجتمعات في القديم كانت تعتبر "مجتمعات سياسية" وأن القانون الدولي القديم يستمد حدوده من علاقات هذه المجتمعات.
    ماهية المجتمع الدولي:
    المجتمع الدولي نوع من المجتمعات السياسية كما هو الشأن في المجتمعات الوطنية (مع وجود اختلاف في النطاق الجغرافي وإطار العلاقات).
    فالمجتمع السياسي قديم التكوين بقدم العمران البشري لأنه ناتج عن استقرر وتنظيم حياة جماعات بشرية في زمان ومكان معين ويتميز بـ:
    • وجود سلطة تحافظ على التضامن بواسطة قواعد قانونية.
    • يمتلك وسائل القهر والإلزام.
    وعليه فدول العالم جمعاء تشترك في تكوين المجتمع الدولي. ومن ثم فإن دراسة تكوين وتطور المجتمع الدولي يجب أن تبدأ من الفترات التاريخية الأولى وهو ما سنقوم به بصورة موجزة ومركزة كما يلي:
    1ـ المجتمع الدولي قبل الميلاد (3000 ق م إلى 476 م).
    • 1ـ حضارة الشرق القديم.
    • 2 ـ حضارة الغرب القديم.
    2 ـ المجتمع الدولي في العصور الوسطى (476 م إلى 1453 م).
    • 1 ـ العالم المسيحي (أوربا في العصور الوسطى).
    • 2 ـ العالم الإسلامي في العصور الوسطى.
    3 ـ المجتمع الدولي في العصر الحديث والمعاصر (1453 إلى اليوم).
    • أ ـ المرحلة الأولى (1453 – 1815).
    • ب ـ المرحلة الثانية (1815 – 1914).
    • ج ـ المرحلة الثالثة (1914 – إلى يومنا هذا).
    4 ـ أشخاص المجتمع الدولي.
    • أ ـ الدولة وأركانها.
    • ب ـ أشكال الدول.
    • ج ـ حقوق الدول وواجباتها.
    • د ـ السيادة في ظل العولمةو تبدل موازين القوة.
    العصر القديم:
    ويبدأ هذا العصر حوالي الألفية الثالثة قبل الميلاد إلى غاية سقوط روما سنة 476 م.
    مميزات الوضع العام خلال هذه المرحلة: يتميز بنوعين من التنظيمات السياسية:
    1ـ الإمبراطوريات التي أسستها القوى العظمى في ذلك الوقت (الإمبراطورية الفرعونية، الإمبراطورية الأخمينية (من ق 6 إلى القرن 4 ق م) بفارس،الأمبراطورية البابلية.
    2 ـ الدول- المدن- وبالأخص المدن اليونانية وامتازت بالانسجام في تعاملها والتنظيم الكبير في علاقاتها.
    وكان يغلب على هذه المجتمعات طابع الحرب ومنطق العداء، وهو الأمر الذي أثار الخلاف بين الفقهاء حول إمكانية نشوء قواعد قانونية ومصادر أولية لتنظيم دولي.
    غير أن الأبحاث العلمية كشفت عن وجود قواعد دولية وعلاقات فيما بين هذه المجتمعات حتى وإن كانت هذه القواعد محدودة في مجالها وبدائية في مفهومها.
    ويؤكد المفكر الفرنسي مونتسكيو "إن كل الشعوب بما فيهم جماعة الهنود الحمر الذين يأكلون لحوم أسراهم كان لها قانون دولي".
    أولا:الشرق القديم:
    1 ـ حضارة وادي الرافدين:
    المعاهدة المبرمة سنة 3100 ق م بين زعيمي قبيلتين من منطقة ما بين النهرين لوضع حد لنزاع قائم بينهما على الحدود كما نصت على تسوية المنازعات فيما بينهما عن طريق اللجوء إلى التحكيم.
    2 ـ الحضارة الفرعونية:
    كشفت الأبحاث عن معاهدة كتبت باللغة البابلية بين رمسيس الثاني ملك مصر وحاتوبيل ملك الحيثيين حوالي سنة 1292 ق م، حيث تعهد الطرفان من خلالها بتبادل المساعدة ضد الأعداء الداخليين والقيام بتسليم هؤلاء إذا لجأوا إلى بلد الطرف الآخر على شرط عدم توقيع عقاب عليهم قبل ذلك.
    وتعتبر هذه المعاهدة أقدم نموذج معروف في شأن تسليم المجرمين السياسيين.
    وكان احترام وتنفيذ هذه المعاهدات يتم بضمان الآلهة فقد جرت العادة أن يقسم كل طرف من أطراف المعاهدة بعدد من الآلهة ضمانا لاحترام المعاهدة.
    3 ـ الديانة اليهودية:
    اتصفوا بالانعزالية والتعالي على الشعوب الأخرى وتمجيد العنف وأسلوب الحرب إلى درجة أطلقوا على إلههم "رب الانتقام" ففي العهد القديم تضمن الإصحاح 15 من سفر صموائيل أمرا صريحا من رب اليهود إلى ملكهم مفاده: "... ولا تعف عنهم بل اقتل رجلا،طفلا ورضيعا، جملا وحمارا...".
    4 ـ الحضارة الفينيقية:
    ملك الفينيقيون قوة تجارية كبرى وامتد نفوذهم الاقتصادي إلى بلاد الشام شرقا حتى بلاد الإسبان غربا، وقويت شوكتهم أكثر بعدما قامت دولتم في تونس ببناء مدينة قرطاجنة سنة 825 قم.
    والدولة القرطاجنية دستورية ونظام حكمها جمهوري ولها مجالس متخصصة مثل: مجلس الشيوخ المنتخب (28 عضو) ومجلس التجار ومجلس القضاء.
    وفي الجزائر قامت إمارات ودويلات كان أشهرها الدولة النوميدية التي حكمها يوغرطة (118 ق م إلى 14 ق م) عاش طول حياته يحارب الرومان.
    ثانيا: الغرب القديم: (L’occident antique):
    يقصد بالغرب القديم كل من الحضارتين اليونانية (الإغريقية) والرومانية.
    1 ـ الحضارة اليونانية: ساهمت هذه الحضارة بشكل كبير في تكوين قواعد القانون الدولي، حيث أن المجتمع اليوناني كان مقسما إلى عدد من الوحدات السياسية ومستقلة عن بعضها تماما (قبل أن تتوحد على يد الإسكندر الأكبر في النصف الثاني من القرن 4 ق م)، مما ساعد مع مرور الزمن على إنشاء نوعا من قواعد القانون الدولي التي تنظم العلاقات بين هذه المدن في وقت الحرب والسلم.
    بلغ عدد هذه الوحدات السياسية اثني عشر وحدة، كل واحدة تدعى مدينة (cité)، وهذا المصطلح يقابل إلى حد كبير مصطلح الدولة في الوقت الحاضر، وقد عرفت هذه المدن علاقات وثيقة فيما بينها، تميزت بالاستقرار والتفاهم نظرا لانتمائهم إلى حضارة واحدة، تستند إلى اعتبارات عرقية ودينية ولقومية مشتركة، حيث تمّ تبادل البعثات الديبلوماسية، ونظموا قواعد للتعايش السلمي بينهم، وذلك بإيجاد التحكيم وسيلة لحسم الخلافات، وبعض قواعد الحرب (مثل ضرورة إعلان الحرب قبل شنها، وتحريمها أو وقفها في أوقات معينة كفترة الألعاب الأولمبية، وتبادل الأسرى، واحترام اللاجئين إلى المعابد...).
    كما عرف اليونانية وسيلتين أساسيتين للعلاقات القانونية هما المعاهدة والديبلوماسية: فالنسبة للمعاهدات فقد استعملت لتنظيم العلاقات بينهم في العديد من المجالات مثل تعزيز السلم (معاهدة سنة 446 ق م بين أثينا وإسبرطة) أو التحالف العسكري (معاهدة سنة 418 ق م بين إسبرطة وأرغوس).
    أما فيما يخص الديبلوماسية فقد ظهر ما عرف بنظام البروكسينية (Proxénie) الذي هو أساس ما يعرف بالحماية الديبلوماسية (احترام حرمة السفراء).
    لكن كل هذه القواعد تطبق بين المدن فقط، وذلك لأن اليونانيين قد ميزّوا بين الشعب اليوناني وغيره من الشعوب الأخرى الذين اعتبروا غير متحضرين (Barbares) يحق استعبادهم وقتلهم، وليس لهم أية حقوق، ولذلك كانت علاقات هذه المدن اليونانية بالشعوب الأخرى تقوم على أساس الحرب التي لا تخضع لأي قواعد قانونية أو اعتبارات إنسانية.
    2 ـ الحضارة الرومانية: لم يختلف الرومان عن اليونانيين في اعتقاداتهم بأنهم جنس متميز عن الشعوب الأخرى فقد أوجدوا القانون المدني الروماني (Jus civil) لا يطبق إلا على الرومان دون غيرهم من شعوب الإمبراطورية الرومانية المترامية الأطراف. ولما كثر عدد الغرباء لجأت السلطات الرومانية منذ سنة 242 ق م إلى تعيين قضاة خاصين بهم يسمون "قضاة الغرباء" مهمتهم الفصل في الخلافات التي تعرض عليهم ليس استنادا إلى القانون وإنما اعتمادا على الأعراف السائدة بين المتقاضين وإلى مبادئ الأخلاق والعدالة، وهذه القواعد عرفت فيما بعد بقانون الشعوب (Jus comtium)، أما بالنسبة لعلاقات الرومان مع الأمم الأخرى، فقد عرفت نظام آخر لتنظيمها، تمثل في القانون الإلهي المقدس، أشرفت على تطبيقه هيئة تتكون من مجموعة من رجال الدين، عددهم عشرين رجلا، عرفوا باسم (Fetiales) كانوا يقررون ما إذا كان هناك سبب عادل لإعلان الحرب ضد بلد أجنبي أم لا، وكذلك عقد السلم وإبرام المعاهدات.
    ومن اشهر المفكرين الذين عالجوا موضوع الحرب في تلك الحقبة نجد القديس "أوغسطين" (354-430 م)، الذي ميّز بين الحرب العادلة (Guerre juste) والحرب غير العادلة (Guerre injuste) في كتابه "مدينة الله" (La cité de Dieu).
    إضافة إلى ما سبق ذكره كانت علاقات الرومان مع الشعوب الأخرى تتوقف على ما إذا كانت هذه الشعوب تربطها بروما معاهدة صداقة (Amicitia) أم معاهدة ضيافة (Hospitium) أم معاهدة نحالف (Foedus)، وبالتالي فإنّ أفراد هذه الشعوب يتمتعون بالحماية عند انتقالهم أو وجودهم بروما، أما الشعوب الأخرى التي لا تربطها أية معاهدة بروما، فإنّ أفرادها وممتلكاتها لا يتمتعون بالحماية، إذ يحل قتلهم أو استعبادهم كما يحل الاستيلاء على ممتلكاتهم.
    خلاصة القول: رغم أنّ مختلف الشعوب وبالتالي الحضارات خلال العصور القديمة ساهمت في تكوين قواعد القانون الدولي وبالتالي التنظيم الدولي، إلا أننا نجد بعض الفقهاء يرفضون ذلك،على اعتبار أن تلك الدول والحضارات القديمة لم يكن لها قانونا مشتركا، ولم تكن هناك مساواة بين مختلف الشعوب والأجناس، وبالتالي لم تتوفر الأسس الاجتماعية لقانون دولي.
    ويضيف آخرون (من بينهم "كانت" Kent، "فرجيه" Vergé، "موري" Maury، "هوتن" Whoton...) أنه خلال العصور القديمة لم يكن هناك استيعاب للمفهوم الأساسي لقانون الأمم، لأنه لم يحترم الإنسان بوصفه إنسانا، وكان ينظر للأجنبي كعدو، ولم يكن للمعاهدات حرمة، وبالتالي كان يطغى على المجتمع الدولي آنذاك منطق القوة وتسوده الفوضى، حيث كانت الحرب وسيلة مشروعة لاكتساب الحقوق ولحماية هذه الحقوق.
    ومن جهة أخرى، فإذا كان القانون الدولي المعاصر قانونا موحدا، فإنّ القواعد (الدولية) التي عرفت قديما كانت تشكل نظما مختلفة ومتباينة حسب كل دولة أو حضارة قديمة، والسبب في ذلك دون شك يرجع إلى أنّ ظروف الحياة في كل منطقة، والظروف التاريخية والجغرافية والسياسية والاقتصادية حتمت نشوء جملة من المبادئ القانونية الخاصة بشعوب أو بدول كل منطقة.
    لكن على العموم لا يعني ذلك أننا ننكر مساهمة الحضارات القديمة في نشأة قواعد القانون الدولي، وهي قواعد تلائم ظروف العصر، وكانت محدودة جغرافيا وموضوعيا، ولم يكن هناك ما يشبه المجتمع الدولي الحالي الذي يتميّز إلى حد ما بنوع من التنظيم والاستقرار، ويخضع لقواعد قانونية ثابتة. ومن بين أهم المبادئ التي عرفت قديما نذكر:
    • الاعتراف بوجود وحدات سياسية متمايزة ومستقلة.
    • وجود التمثيل الديبلوماسي.
    • إمكانية قيام علاقات قانونية بين مختلف هذه الوحدات، على أساس حقوق وواجبات متبادلة.
    • وجود اعتقاد لدى مختلف المجتمعات آنذاك بأنّ التعهدات المتخذة وفقا لشروط شكلية معينة ملزمة للأطراف المعنية.
    المبحث الثاني: المجتمع الدولي في العصر الوسيط (476 م – 1453 م).
    يجمع أغلب المؤرخون أن العصر الوسيط يبدأ بسقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية (عاصمتها روما) سنة 476 م، وينتهي بسقوط الإمبراطورية الرومانية الشرقية (عاصمتها القسطنطينية) سنة 1453 على يد محمد الفاتح العثماني، لتخضع للحكم العثماني.
    سنحاول في هذه المبحث التطرق إلى وضع أوربا المسيحية في تلك الفترة، إضافة إلى توضيح أهم المبادئ ذات الطابع الدولي التي تضمنتها الشريعة الإسلامية، والمسلمون في علاقاتهم بالشعوب غير الإسلامية.
    أولاـ العالم المسيحي (أوربا في العصر الوسيط):
    لقد شهد العالم وخاصة بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية توقف أي تقدم فيما يخص تطور قواعد القانون الدولي، بفعل جملة من العوامل والظروف حالت دون توفر شروط إنشاء مجتمع دولي أو تنظيم دولي ولو إقليمي (في أوربا على الأقل)، خاصة وأنه كان يسود مبدأ إقليمية السلطة التي احتكرها الإقطاعيون، وذلك ما حال دون قيام سلطة مركزية فعلية وحقيقية، واستمر الأمر كذلك إلى غاية بداية القرن11، حيث بدأت تقوم تدريجيا علاقات مباشرة مع الخارج لغرض التجارة بصفة خاصة، وبالتالي بدأت تظهر الأسواق الدولية.
    إن أهم العوامل والظروف التي حالت دون تطوير القانون الدولي نذكر:
    1 ـ التجزئة والفوضى السياسية: بعد التقسيم الذي مسّ الإمبراطورية الرومانية سنة 395 م في عهد الإمبراطور "ثيودوس" (Théodose) بين ولديه إلى إمبراطورية غربية وأخرى شرقية، لم تلبث الأولى كثيرا لتسقط على يد القبائل الجرمانية سنة 476 م، وبذلك قسمت أوربا إلى عدد من الممالك والإمارات المتصارعة، ميّز علاقاتها روح العداء والحروب المستمرة.
    واستمرت هذه الفوضى السياسية إلى أن تمكن الإمبراطور "شارلمان" (Charlemagne) من توحيد تلك الوحدات السياسية تحت إطار الإمبراطورية الرومانية المقدسة، بعد تتويجه من طرف البابا "ليون الثالث" لكن الأمر لم يدم طويلا، إذ بعد وفاة "شارلمان" سنة 843 م رجعت الفوضى والانقسامات من جديد، وزاد أكثر تدخل الكنيسة في أمور السياسة والحكم.
    2 ـ نظام الإقطاع (Régime de la féodalité): ظهر هذا النظام بأوربا ابتداء من القرن 9 م واستمر إلى نهاية العصر الوسيط تقريبا. يقوم نظام الإقطاع من الناحية السياسية على استئثار وانفراد الأمير أو الحاكم بجميع مظاهر السلطة داخل إقليم معين، على أساس أنها ملك شخصي له يتصرف فيه كما يشاء، كما يقوم على أساس الاقتصاد الزراعي ونظام ا لرقيق .
    كانت السلطة في المماليك الإقطاعية موزعة بين الملك والإمبراطور والبابا والسيد الإقطاعي.
    في الداخل كان كل إقطاعي يمارس السلطة في مقاطعته دون الملك، وأما في الخارج فلم يكن بمقدور الملك أن يعبر عن إرادة موحدة لمملكته أمام باقي الممالك بسبب التجزئة التي مسّت مملكته إلى عدة إمارات إقطاعية، وبالتالي لم تكن المملكة وحدة تباشر السيادة الداخلية والخارجية.
    أمام هذا الوضع لم يكن ممكنا نشوء تنظيم دولي لأن الممالك أصبحت مقسمة إلى إمارات إقطاعية منغلقة على نفسها، وتسود الحروب بينها.
    3 ـ الصراع بين البابا والإمبراطور: عرف العصر الوسيط صراعا مريرا بين البابا والإمبراطور حول من يباشر السلطة الزمنية (الأمور الدنيوية باستثناء الدينية منها)، وقد حاول كل طرف أن يبرر أحقيته بتولي هذه السلطة، فالإمبراطور كان يستند إلى نظرية الحق الإلهي (Théorie du droit Div ) ومفادها أن الله فوّض للملك حكم الناس، وبالتالي هو ممثل الإرادة الإلهية فوق الأرض بينما البابا كان يستند إلى ما عرف بنظرية السيفين (Théorie de deux glaives)، ومفادها أنّ الله خلق سيفين، أحدهما يمثل الروح والثاني يمثل الجسد، وقد منح الله سيف الروح للبابا، وسيف الجسد للإمبراطور، ولما كانت الروح تسمو على الجسد فمعنى ذلك أن البابا يسمو على الإمبراطور.
    ولذلك كان يحكم الإمبراطورية قانونان هما: القانون الزمني (الوضعي): الذي ينظم العلاقات المدنية والتجارية التي تنشأ بين رعايا الإمبراطورية، والقانون الكنسي: الذي ينظم العلاقات المتفرعة من العقائد.
    لكن رغم وجود الكنيسة كسلطة دينية والإمبراطور كسلطة زمنية، إلا أنّ الصراع كان كبيرا بينهما بغرض ا لسيطرة. وقد بلغ هذا الصراع ذروته خلال النصف الثاني من القرن 11 عندما قام الإمبراطور "هنري الرابع" (Henri IV) بخلع البابا "جريجوري السابع" (Gregorie VII). ولاشك أن ذلك ساهم في تفاقم الفوضى السياسية في أوربا.
    4 ـ دور الديانة المسيحية: ثبت تاريخيا أنّ إقرار المسيحية كديانة رسمية للإمبراطورية الرومانية وبالتالي لأوربا، كان من طرف الإمبراطور "ثيودوس" سنة 380 م. وقد ساعد انتشارها في أوربا على تلطيف العلاقات بين الممالك الأوربية التي توجد نسبيا من الناحية الدينية تحت الزعامة الروحية للبابا الكاثوليكي.
    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 6322
    نقاط : 17825
    تاريخ التسجيل : 28/06/2013
    العمر : 33

     محاضرات في مقياس المؤسسات والعلاقات الدولية لطلبة السنة أولى حقوق Empty رد: محاضرات في مقياس المؤسسات والعلاقات الدولية لطلبة السنة أولى حقوق

    مُساهمة من طرف Admin الإثنين يوليو 01, 2013 12:22 am


    لقد حرّم المسيحيون الأوائل الحرب تحريما مطلقا استنادا إلى ما جاء في الكتاب المقدس، لكن هذا الإجماع لم يستمر طويلا على تحريم الحرب، حيث انقسموا إلى اتجاهين:
    الأول: تمسك بمبدأ السلام بشكل مطلق، ولابد من تطبيقه استنادا إلى تأكيد السيد المسيح على نبذ استخدام القوة.
    الثاني: يرى أن الإنجيل لم يمنع استعمال القوة في الحياة الإنسانية.
    وأمام هذا الاختلاف، وللتوفيق بين نص الإنجيل وضرورات الدولة توصلوا إلى تعريف الحرب العادلة (المشروعة) والحرب غير العادلة (غير المشروعة)، وذلك ما ظهر في عدة مؤلفات أهمها مؤلف القديس "Saint Augustin" "مدينة الله" الذي تعرض فيه لعدة قضايا تهم القانون الدولي من جهة نظر مسيحية بحتة، مفرقا بين الحرب الدفاعية التي تستهدف القضاء على الظلم وإعادة السلم (الحرب العادلة)، والحرب غير العادلة التي تهدف إلى السبي والحصول على الغنائم.
    كذلك الفقيه "توماس الإ كويني" في القرن 13 الذي نادى بفكرة الحرب العادلة التي يعلنها الأمير ضد شعب ارتكب ظلما ضد شعب آخر، والحرب غير العادلة التي توجه بقصد اغتصاب إقليم أو اعتداء على حدود دولة أخرى.
    رغم أن المجامع الكنسية فشلت في محاولة منع الحروب نهائيا بين الدول المسيحية،إلا أنها اكتفت بإقرار الاتفاقات الآتية:
    • سلم الرب (La paix de dieu) في 1095، ويتعلق بحياد منشآت الكنيسة وحماية رجال الدين والشيوخ والأطفال والنساء عند قيام الحرب.
    • هدنة الرب (La trêve de dieu) في 1096، تخص تحريم الحرب في بعض أيام الأسبوع (من مساء الجمعة إلى صبيحة الاثنين) وتلك التي تصادف الأعياد الدينية.
    • إقرار مبدأ التحكيم، أي وجوب أن يلجأ الأمراء المتخاصمون قبل اللجوء إلى الحرب على تحكيم إحدى الشخصيات الدينية أو السياسية العليا.
    • إقرار مبدأ الوساطة، أي تدخل طرف محايد لتقريب وجهات النظر بين المتخاصمين.
    الشيء الملاحظ من جهة أخرى هو أن هذه الوحدة الدينية المسيحية كان لها آثار سلبية في علاقات الدول الأوربية مع البلاد غير المسيحية لأن هذه الممالك رفضت الاعتراف بالبلاد الإسلامية والدخول معها في علاقات على أساس المساواة، بدليل الحروب الصليبية (Les croisades) التي بدأها أمراء المسيحية بدعوة من البابا "أوريان الثاني" والراهب "بطرس الناسك" مع بداية القرن 11، واستمرت نحو ثلاثة قرون.
    5 ـ القواعد القانونية الدولية التي ظهرت في العصر الوسيط: يمكن إجمال ما ظهر في العصر الوسيط من قواعد قانونية دولية فيما يلي:
    أ ـ تقسيم القانون الدولي إلى قانوني سلم وحرب، وهذا التقسيم لازال معتمدا إلى يومنا هذا.
    ب ـ ظهور فكرة الحرب الشرعية (العادلة) والحرب غير الشرعية (غير العادلة)، حيث تقوم الأولى ضد من هم ليسوا مسيحيين، والثانية ضد المسيحيين في حالة قيامها دون أسباب شرعية. كما ظهرت فكرة الحرب كعقوبة وذلك لمواجهة ظلم قام به أحد الأمراء، فهي عقاب على هذا التصرف المنافي لاستقلال وحرمة الدول المسيحية الأخرى.
    ج ـ الاحتفاظ بالتحكيم لحل المنازعات الدولية والوقاية من الحروب.
    د ـ ظهور العلاقات الديبلوماسية والتجارية، حيث ظهرت لأول مرة وزارات الخارجية، وأقيمت السفارات الدائمة، كما عرفت أوربا تنظيم الوظيفية الديبلوماسية والامتيازات والحصانات.
    ه ـ ساهمت العلاقات التجارية في ظهور قانون البحار من حيث حماية التجارة البحرية، حق التفتيش والتهريب البحري.
    و ـ نشأة نظام القنصليات لحماية المواطنين المسيحيين في البلاد غير المسيحية.
    لكن على العموم هذا التطور لم يشمل كافة الدول التي كانت قائمة آنذاك، وإنما طبق على الدول المسيحية فقط، وبالتالي لم تتحقق صفة العمومية لهذه القواعد المتطورة في ذلك العصر لارتباطها بالجانب الديني (المسيحية).
    ثانيا: العالم الإسلامي في العصر الوسيط:
    جاء الإسلام مؤكدا دعوات الرسل والنبيين للإيمان برب العالمين، ومن ثمّة مقررا وحدة مصدر هذه الدعوات وهو الله الواحد، وجوهر هذه الدعوات وهو الإيمان به دون شريك (التوحيد)، وبالتالي فإنّ دعوة الإسلام لوحدة الأديان في مصدرها وفي جوهرها، ومن ثمّة الإيمان بجميع الرسل هو تأكيد لوحدة الإنسانية كلها في أصلها وفي اعتقادها.
    لذلك كانت دعوة الإسلام إلى وحدة عالمية قائمة على أخوة إسلامية لا يستبعد فيها الفرد باسم الجماعة ولا الجماعة لصالح الفرد، فهي وحدة قائمة على الحرية والعدالة.
    لقد ساهم الفقه الإسلامي كثيرا في تعميق جملة من مبادئ القانون الدولي وحماية حقوق الإنسان، ولازال اليوم كذلك قادرا على الإثراء والتطوير، ويبرز كل ذلك من خلال ما يلي:
    1 ـ البعد العالمي لأحكام الشريعة الإسلامية: لقد اهتم الإسلام بمختلف جوانب الحياة، وجاء بمبادئ اجتماعية وإنسانية سامية تصلح لأن تكون أساسا متينا ودائما للعلاقات الدولية، ولتنظيم المجتمع العالمي، لما تحمله من أبعاد عالمية شاملة، تتمثل فيما يلي:
    أ ـ رسالة عالمية (عالمية الشريعة الإسلامية): لقد جاء الإسلام كدعوة دينية حضارية لجميع البشر دون تمييز، وهذا ما تؤكده العديد من الآيات القرآنية: "... وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا..." [سبأ، الآية 28]، "...قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا..." [الأعراف، الآية 158].
    ب ـ الدعوة إلى الإسلام: فالإسلام هو الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم من أجل توثيق أواصر الأخوة والرحمة بين كافة الناس "... وإن جنحوا للسلم فاجنح لهم وتوكل على الله إنه هو السميع العليم..." [الأنفال، الآية 61]. ولا يباح للمسلمين القتال إلا دفاعا عن النفس "...وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعدوا إنّ الله لا يحب المعتدين..."[البقرة، الآية 189]، ومن ثمّة فالإسلام لا يقرّ شرعية الحرب التي تبقى عملا استثنائيا، وقد حث الإسلام على اتباع السلوك الإنساني في حالة قيام الحرب بين المسلمين وغيرهم، حيث دعا إلى ضرورة إعلانها، حيث لا يجوز مهاجمة الأعداء وأخذهم على غرّة، ولا يجوز التمثيل بقتلى العدو، ولا قتل من لا يقاتل(الشيوخ والأطفال...)، وحسن معاملة الأسير وجرحى الحرب والاعتناء بهم.
    ج ـ المساواة بين البشر: بالنسبة للإسلام فإنّ كل الناس متساوون في الأصل "يا أيها الناس اتّقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء"[النساء، الآية 1]، أنّ الاختلاف في العرق أو اللون أو اللغة لا يمنع من إقامة علاقات متبادلة فيما بينهم يسودها التفاهم والتعاون، "...يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمك عند الله أتقاكم..."[الحجرات، الآية 13].
    د ـ كفالة حقوق الإنسان وحرياته: لقد حفظ الإسلام للإنسان حقوقه ورفع من قيمته من خلال تكريمه دون غيره من المخلوقات "ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناكم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممّن خلقنا تفضيلا"[الإسراء، الآية 70]، وسخر له ما في الكون وجعله تحت سلطانه، وملّكه العقل الذي يستطيع به إدراك حقائق الكون "الله الذي سخّر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره، ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون، وسخّر لكم ما في السماوات والأرض جميعا منه، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون..."[الجاثية، الآيتين 12و13].
    أما احترام الإسلام حرية العقيدة، ومنع إكراه الناس وإجبارهم على التدين "لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغي..."[البقرة، الآية 25].، "...ولو شاء ربّك لآمن كل من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين..."[يونس، الآية 99].
    ه ـ الالتزام بالتعهدات: أكّد الإسلام على ضرورة احترام التعهدات والوفاء بالعهود "وأوفوا بالعهد إنّ العهد كان مسؤولا"[الإسراء، الآية 34]، "وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها..."[النحل، الآية 91].
    2 ـ نظرية الفقه الإسلامي للعلاقات الدولية: يقسم الفقه الإسلامي المجتمع الدولي إلى ثلاثة أقسام هي: دار الإسلام، دار الحرب ودار العهد.
    أ ـ دار الإسلام: وهي البلاد التي تطبق فيها أحكام الشريعة الإسلامية، بحيث تكون السلطة أو الولاية فيها للمسلمين، وهناك استثناء وحيد لا يمنع من تطبيق شريعة أخرى غير الشريعة الإسلامية في القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية لغير المسلمين مثل أهل الذمّة والمستأمنون، فأهل الذمّة (اليهود والنصارى) هم رعايا غير مسلمين، يتمتعون بكل الحقوق التي يتمتع بها المسلمون مع ضمان الحرية الدينية لهم في مقابل دفع ضريبة مالية معينة تعرف بالجزية، تجب على الرجال القادرين على القتال دون النساء والأطفال.
    أما المستأمنون فهم الذين يدخلون البلاد الإسلامية طلبا للأمان دون نيّة الإقامة فيها باستمرار، لهم جملة من الحقوق تقارب حقوق الذميّين.
    ب ـ دار الحرب: وهي تلك البلاد التي ليس للمسلمين عليها حكم أو سلطان، وليس بينها وبين المسلمين أي عهد.
    ج ـ دار العهد: تقع وسطا بين دار الإسلام ودار الحرب، وهي حقيقة اقتضاها الواقع، فهناك بلاد لا تخضع لحكم المسلمين، ولكنها تقيم عهدا مع المسلمين، ونحن نعلم تأكيد الإسلام على احترام الصلح والمعاهدات، وهنا من واجب دار الإسلام الدفاع عن دار العهد ضد أيّ عدوان.
    لقد اختلف الفقهاء المسلمون في تكيف العلاقة بين دار الإسلام ودار الحرب، فهناك فريق ذهب إلى القول بأن الحروب هي أساس العلاقة بين الدارين، إلا أنّ الرأي الراجح يذهب إلى أنّ السلم هو أساس العلاقات بين الدارين استنادا إلى ما سبق ذكره من خصائص الشريعة الإسلامية خاصة النصوص القرآنية التي لا تبيح للمسلمين القتال إلا للدفاع عن أنفسهم.
    وعلى العموم فإنّ الدولة الإسلامية في تلك الفترة شكّلت طرفا أساسيا فاعلا في العلاقات الدولية من خلال دخولها في علاقات (حربية أو سلمية) خاصة مع أوربا المسيحية.
    المبحث الثالث: المجتمع الدولي في العصر الحديث.
    يجمع المؤرخون على أنّ العصر الحديث يبدأ بسقوط القسطنطينية على يد العثمانيين سنة 1453م إلى غاية وقتنا الحاضر، لذلك ونظرا لطول هذه الحقبة وتعدد التطورات الحاصلة خلالها سنقسمها إلى ثلاث مراحل هي:
    ـ المرحلة الأولى (1453م-1815م): وتميّزت بنشوء ما يعرف بالقانون الدولي التقليدي (أو القانون الدولي الأوربي)، وظهور الدولة الحديثة وسياسة التوازن الدولي.
    ـ المرحلة الثانية (1815م-1914م): تميّزت بعقد المؤتمرات الدولية كوسيلة جديدة في العلاقات الدولية، إضافة إلى إبرام عدد كبير من المعاهدات الدولية.
    ـ المرحلة الثالثة (منذ 1914) أو المجتمع الدولي المعاصر: عرفت ظهور المنظمات الدولية كأشخاص جديدة في المجتمع الدولي، وتطور بموجبها تنظيم المجتمع الدولي.
    أولا ـ المرحلة الأولى (1453-1815).
    عرفت هذه المرحلة ميلاد تنظيم دولي حقيقي في أوربا فقط، من طرف الدول الأوربية الكبرى آنذاك يسمى بالقانون الدولي التقليدي أو القانون العام الأوربي، جاء في البداية ليحكم العلاقات بين الدول الأوربية المسيحية دون غيرها في إطار ما يسمى بالنادي الأوربي، الذي كان ينطلق من فكرة أنّ باقي العالم ما هو إلا وسيلة للحفاظ أو لتعزيز محتمل لنوعية حياة الطبقات الحاكمة وشعوب أوربا، وهذا ما يفسر لنا الظاهرة الاستعمارية فيها.
    بعد ذلك اتّسع نطاق الأسرة الدولية ليشمل إلى جانب أوربا المسيحية بعض الدول المسيحية غير الأوربية وهي الدول الأمريكية التي حصلت على استقلالها من إسبانيا والبرتغال. ولم يتحرر القانون الدولي العام من الطابع المسيحي نهائيا بعد معاهدة السلام بباريس سنة 1856 سُمح لتركيا أن تنظم إلى المجتمع الدولي. أما بقية العالم فقد كانت تعيش إما حياتها الخاصة بعيدة عن مجرى العلاقات الدولية، أو كانت خاضعة للدول الغربية.
    لقد تميّزت هذه المرحلة بعدّة عوامل ساهمت بشكل أو بآخر في نمو وتطور التنظيم الدولي الحديث نذكر أهمها: ظهور الدول الحديثة، النهضة الفكرية، الاكتشافات الجغرافية، حركة الإصلاح الديني ومعاهدتي وستفاليا، وأخيرا تأثير الثورتين الأمريكية والفرنسية.
    1 ـ ظهور الدولة الحديثة: شهدت نهاية الحرب العصر الوسيط صراعا حادا بين الممالك الأوربية من جهة وكل من أمراء الإقطاع والكنيسة والإمبراطور من جهة أخرى، فقد كانت الممالك من خلال صراعها مع الكنيسة والإمبراطور تهدف إلى التحرر من الوصايا والسيطرة اللتان كانتا يباشرانها على الممالك، وبالتالي تحقيق سيادتها الخارجية.
    الشيء الملاحظ هنا أن العامل الوطني أو القومية كان لها دورا كبيرا في تفعيل هذا الصراع، والسعي نحو تشكيل دولة قومية مستقلة، وذلك ما تمّ فعلا حيث ظهرت عدة دول مستقلة (بريطانيا، فرنسا، إسبانيا، سويسرا، السويد، هولندا، روسيا، البرتغال...) تقوم العلاقات بينها على أساس المساواة، وعدم الخضوع لأي سلطة عليا. وكانت هذه الدول الناشئة تتمسك بالسيادة المطلقة كمحاولة منها لتأكيد وتدعيم استقلالها، وبذلك ومنذ ذلك الوقت أصبحت الدولة الشخص الأساسي في القانون الدولي، وهو ما مهد السبيل لنشوء نظام قانوني دولي يحكم العلاقات بينها.
    2 ـ النهضة الفكرية: ساعد إنشاء الجامعات في أوربا خلال القرنين 13 و14 على تطوير العلوم والمعارف، وبالتالي بروز نهضة فكرية ساهمت في إحداث وإثراء عدد من مبادئ وأحكام القانون الدولي، وتطوير الجماعة الدولية وذلك من خلال أفكار ومؤلفات خاصة الفقهاء الأوربيين.
    لقد جرى الفقه الغالب على القول بمرور القانون الدولي باتجاهين أساسيين هما: مدرسة القانون الطبيعي والمدرسة الوضعية الإدارية.
    أ ـ مدرسة القانون الطبيعي: تقوم فلسفة هذا الاتجاه (الذي ترجع جذوره إلى أرسطو) على أساس أن هناك قانون طبيعي يسبق القانون الوضعي ويعلوه أيضا، ويلائم كون الإنسان كائن اجتماعي, هذا القانون الطبيعي هو قانون ثابت وأبدي لا يتغير بتغير الزمان والمكان، وبالتالي قابل للتطبيق على المجتمع الداخلي (الدولة) وكذلك المجتمع الدولي... ومن أهم رواد هذا الاتجاه الفكري نجد:
    ـ فرنسيسكودي فيتوريا (Francisco De Vitoria)(1480-1546) وهو راهب إسباني، كان يدرس القانون بجامعة Salamanque. ظهرت أفكاره من خلال كتابه الذي ظهر بعد وفاته باسم Relectiones theological، حيث اعترف بسيادة الدولة وحريتها، لكن تبقى خاضعة للقانون الطبيعي الذي يعلوها ويحد من إرادتها لأن هذا القانون مستمد من الإرادة الإلهية, وانطلاقا من ذلك فإن الدول شأنها شان الأفراد بحاجة ماسة إلى العيش في مجتمع منظم، وهذا التنظيم لا يتحقق إلا بواسطة قواعد قانونية ذات طابع دولي، ومن ثمّة فإن وجود القانون الدولي الذي ينظم علاقات الدول ضرورة من ضرورات المجتمع.
    ـ فرنسيسكو سواريز (Francisco Suarez)(1548-1617): فقيه إسباني، كان أستاذ القانون بجامعة "كَوَمْبَرْ" Coimbre. أصدر سنة 1612 كتابا فرق فيه بين القانون الدولي (قانون الشعوب) والقانون الطبيعي، حيث قرّر أنّ القانون الطبيعي قانون ضروري وغير قابل للتغيير، في حين القانون الدولي متطور ومحدود وهو قانون وضعي، والعلاقة بين هذين القانونين يتمثل في ضرورة مواكبة القانون الوضعي للقانون الطبيعي، وهذا ما يعني خضوع الدولة للقانون الطبيعي.
    ـ جروسيوس (Grotius)(1583-1645)، فقيه هولندي، ويعتبر المؤسس الأول للقانون الدولي الحديث خاصة من خلال مؤلفه "قانون الحرب والسلام" الذي نشره سنة 1625، وأصبح يدرس في الجامعات الأوربية الكبرى. يقوم فكره على الاعتراف بسيادة الدول وعدم خضوعها لسلطة أعلى، ومع ذلك فإنّ هذه السيادة مفيدة بشيء ولحد هو القانون الطبيعي، هذا الأخير يستمد من العقل، وهو بذلك يقرر المبادئ في حين قواعد تطبيق هذه المبادئ يتضمنها ما يعرف بالقانون الإرادي (Droit volontaire) الذي يجد مصدره من خلال إرادة الدول المعبر عنها بواسطة المعاهدات، وبالتالي فإنّ القانون الإرادي يجب ألا يتعارض مع القانون الطبيعي.
    ولهذا نجد "جروسيوس" يعرف القانون الدولي بأنه ذلك القانون الذي ينظم العلاقات بين الدول على أساس أنها تتمتع بالسيادة المعترف بها في إطار متبادل، وهكذا تتعايش الدول في نطاق المجتمع الدولي الذي يخضع للقانون الطبيعي، هذا القانون الذي يجد مصدره في الطبيعة العقلانية والرشيدة للإنسان مما يجعله يتمتع بالأخلاق (La morale).
    كما فرّق "جروسيوس" بين الحرب الشرعية والحرب غير الشرعية، فالحرب الشرعية هي التي تشن لدفع الظلم وأن القانون الطبيعي هو الذي يتولى تحديد حالات وقوع الظلم وذلك عندما تمس الحقوق الأساسية التي يعترف بها هذا القانون (الطبيعي) لصالح الدول وهي الحق والمساواة والاستقلال، والحق في الاحترام، الحق في التجارة الدولية، والحق في البقاء... وهكذا فإنّ أي انتهاك لهذه الحقوق يستدعي من الدولة التي وقع عليها الاعتداء أن تعلن حالة الدفاع الشرعي.
    ب ـ المدرسة الوضعية الإرادية: ابتداء من القرن 17 برز الكثير من المفكرين الذين أكّدوا ضرورة الاعتداد بالقانون الدولي الوضعي، أي الذي يستمد قوته منت الإلزامية من إرادة الدول. من بين هؤلاء نذكر الإنجليزي "سلدن" Selden"(1548-1654)، والهولندي "بنكرشوك" Bynkerskock(1673-1743) "موزر" Moser(1701-1785).
    لكن يأتي على رأس هؤلاء الفقيه السويسري "فاتيل" Vattel(1714-1768) من خلال مؤلفه "قانون الدول أو مبادئ القانون الطبيعي المطبقة على سلوك ومعاملات الأمم والحكام". فهو يختلف عن سابقيه في أنه يرى أن القانون الإرادي هو الذي يقوم بتفسير وترجمة القانون الطبيعي وحتى اللجوء إلى تعديله إذا استدعت مصلحة الدول ذلك حتى يسود التفاهم بينها. وهذا يعني أن القانون الإرادي لا يخضع للقانون الطبيعي وإنما يتوقف على تنفيذ مبادئ هذا القانون الأخير على رغبة وإرادة الدول.
    ويمكن حصر أهم المبادئ الأساسية التي جاءت بها المدرسة الوضعية في مجال التنظيم الدولي فيما يلي:
    • الدول تتمتع بالسيادة والمساواة فيما بينها.
    • المجتمع الدولي هو مجتمع ذات السيادة، ولا توجد فيه سلطة تعلو هذه الدول.
    • القانون الدولي هو قانون الدول ولا يطبق على الأفراد.
    • مصادر القانون الدولي تستمد من إرادة دول ورضاهم المعبر عنها عن طريق المعاهدات (القبول الصريح) وعن طريق العرف الدولي (القبول الضمن).
    • الدول وحدها هي التي تقرر ما يجب أو ما لا يجب عليها في العلاقات الدولية.
    • الحرب مشروعة بين الدول.
    3 ـ الاكتشافات الجغرافية: لقد كان اكتشاف الطريق البحري حول رأس الرجاء الصالح في جنوب إفريقيا سنة 1487، واكتشاف القارة الأمريكية سنة 1492 أثرا كبيرا في تطور التنظيم الدولي وفتح مجال جديد في القانون الدولي التقليدي، من خلال اشتداد التنافس بين الدول الأوربية خاصة إسبانيا والبرتغال للحصول على المستعمرات، الأمر الذي استدعى تدخل البابا لإصدار المراسيم البابوية Derets pontificaux لتقسيم المناطق المكتشفة بين هاتين الدولتين.
    إنّ تأثير هذه الاكتشافات على تطور التنظيم الدولي يبرز خاصة في مجال:
    أ ـ نظرية اكتساب السيادة الإقليمية عن طريق ما أثارته من مسائل حول مدى كفاية أو عدم كفاية المراسيم البابوية والاكتشافات الجغرافية كأساس لاكتساب السيادة الإقليمية.
    ب ـ طرح فكرة أعالي البحار أو البحر العام La haute mer، وبالتالي تطور قانون البحار نتيجة المنافسة الكبيرة بين القوى البحرية العظمى آنذاك والتي دفعت إلى إدعاء السيادة على البحار.
    ج ـ بروز ظاهرة الاستعمار كنظام من أنظمة القانون الدولي التقليدي.
    4 ـ حركة الإصلاح الديني ومعاهدة وستفاليا: إن الأخطاء والمظالم التي ارتكبتها الكنيسة الكاثوليكية، إضافة إلى تعسفها في استخدام سلطتها الدينية، قد أدت إلى ظهر حركة تدعو إلى الإصلاح الديني والتحرر من سيطرة هذه الكنيسة. تزعم هذه الحركة كل من الألماني "مارتن لوثر" (1483-1546)، والسويسري "جانكافان"(1509-1564) زعيمي المذهب البروتستنتي.
    لقد كان ظهور البروتستنتية سببا هاما في ظهور فترة الصراع الديني بين الدول المسيحية منذ 1517، وكان أخطرها حرب الثلاثين سنة (1618-1648)، وقد انتهت تلك الحروب بإبرام معاهدتي وستفانيا (Westphalie)، الأولى بمدينة "أوسنابروك" Osnabruk في 14/10/1648، والثانية بمدينة "مونسقر" Munster في 24/10/1648.
    لقد شكلت معاهدتي وستفاليا أهمية خاصة في نظر الكثير من فقهاء القانون الدولي، حيث يعتبرونها بمثابة شهادة ميلاد للقانون الدولي المعاصر، كما أرست المبادئ الأساسية للقانون العام الأوربي والمتمثلة في:
    أ ـ الاعتراف بانحلال الإمبراطوري الرومانية المقدسة وتقسيمها إلى دويلات قومية، وبالتالي ظهور فكرة الدولة الحديثة صاحبة السيادة، أي التي تخضع لسلطة عليا تأتي من الخارج، ومن ثمّة انتهت سلطة البابا والإمبراطور على الدول الأوربية، وأصبحت العلاقات بينها تستند إلى فكرة السيادة بدلا عن استنادها إلى رابطة الوحدة الدينية.
    ب ـ إقرار التعايش بين الدول الأوربية الكاثوليكية والبروتستنتية على السواء، ومن ثمّة ظهر القانون الدولي في تلك الفترة باعتباره القانون العام الأوربي والخاص بالجماعة المسيحية بأسرها.
    ج ـ إنهاء سيطرة الكنيسة وبالتالي زوال السلطة البابوية من الناحية الزمنية (المجال السياسي) وبقاؤها محصورة في النطاق الديني.
    د ـ إقرار مبدأ التوازن الدولي، ويقصد به أنه إذا حاولت إحدى الدول الأوربية التوسع على حساب دول أخرى يكون من حق هذه الدول التكتل لمنع هذه الدولة من التوسع والوصول إلى درجة من القوة بحيث تشكل خطرا على الدول الأخرى، وذلك بهدف الحفاظ على السلم في أوربا. وذلك ما تمّ فعلا عندما تكتلت الدول الأوربية ضد "لويس14" ملك فرنسا عندما حاول التوسع على حساب الدول المجاورة، وانتهى الأمر بإبرام معاهدة "أوترخت" Otrecht سنة 1713، حيث أعيد من خلالها تنظيم أوربا على أساس فكرة التوازن الدولي. وقد استمرت هذه الفكرة السياسة قائمة في أوربا مدة قرن من الزمن ممّا جعل الدول خاصة الصغيرة منها تطمئن على استقلالها.
    ه ـ إبراز أهمية المؤتمر الأوربي، أي اجتماع الدول الأوربية في شكل مؤتمر التشاور حول شؤونها وحل مشاكلها في ضوء مصالحها المشتركة.
    و ـ ظهور مبدأ السفارات الدائمة بدلا من البعثات المؤقتة، وفي تلك الفترة التزمت الدول المعنية بقواعد القانون الدولي العرفية بالنسبة للحماية المقررة لأعضاء البعثات الديبلوماسية وما يتمتعون به من حصانات وامتيازات.
    ز ـ أصبحت المعاهدات الدولية وسيلة أساسية لحل المشاكل الدولية، وبالتالي المحافظة على النظام الأوربي الجديد.
    ح ـ أصبحت الحرب حقا من حقوق السيادة تمارسه الدولة متى شاءت وأين شاءت، وذلك انطلاقا من فكرة السيادة ومبدأ تساوي الدول في هذه السيادة، وبالتالي زالت فكرة تقسيم الحروب إلى عادلة وغير عادلة.
    لكن عمليا ظلت الحرب الوسيلة الأساسية المشروعة لحماية المصالح وتحقيق الأطماع. وكانت العلاقات الدولية محدودة من حيث موضوعها ومؤقتة من حيث زمانها. فهي لم تكن تشمل سوى بعض المسائل السياسية مثل التحالف والمساعدة في حالة حدوث اعتداء، كما أنها كانت ترتبط بطبيعة العلاقات الخاصة بين الملوك والحكام أكثر من ارتباطها بمقتضيات التعايش الأوربي.
    5ـ الثورة الأمريكية: كانت المستعمرات الثلاثة عشرة الواقعة بين كندا والمكسيك (والتي أصبحت فيما بعد الولايات المتحدة الأمريكية) خاضعة للتاج البريطاني، ورغم أنها كانت تدفع الضرائب إلا أنه لم لديها ممثلين في البرلمان البريطاني.
    ومع تطور المستعمرات في أواخر القرن 18 وظهور بعض الصناعات الأولية، أدى ذلك إلى بروز نوع من البرجوازية الوطنية ذات النزعة الاستقلالية، قادت الثورة في البداية تحت شعار لا تمثيل لا ضرائب. وتطورت هذه الحركة لتأخذ شكل حرب الاستقلال عن بريطانيا، انتهت بإعلان الاستقلال الصادر في 04/07/1776، وبعده سنة 1787 اجتمعت ثلاث عشرة ولاية أمريكية في مؤتمر بمدينة فيلادلفيا لوضع دستور الدولة الفيدرالية (الاتحادية) الأمريكية.
    وتظهر أهمية الثورة الأمريكية في أنها أسفرت عن ميلاد دولة مسيحية مستقلة غير أوربية انضمت إلى ميدان العلاقات الدولية، ولعبت دورا كبيرا بعد ذلك في تثبيت العديد من قواعد القانون الدولي العام، ومن جهة أخرى حركت هذه الثورة شعوب المستعمرات الإسبانية في أمريكا اللاتينية باعتبارها كانت تمثل نموذجا للإصلاح، وتشجيعا للأماني الوطنية، وترتب على الاستقلال مبدأ ضرورة رضا الشعوب عن حكامها، والذي تضمنه فيما بعد الدستور الأمريكي.
    6 ـ الثورة الفرنسية: لقد قامت الثورة الفرنسية سنة 1789 كرد فعل عنيف على الاستبداد السياسي والطغيان لملوك في أوربا، وأعلنت عن تقديم العون للشعوب التي ترغب في استعادة حريتها، وبذلك أحدثت صدى عميقا في نفوس الشعوب الأوربية التي كانت تعاني من القهر والاستبداد السياسي، وانتشرت الحروب التحريرية في أوربا في ذلك الوقت.
    لقد سعت الثورة الفرنسية إلى إقرار عدد من المبادئ الأساسية أهمها:
    أ ـ الاعتراف بالحقوق السياسية والحريات العامة التي يتمتع بها الإنسان في إطار الحرية والمساواة والأخوة، وذلك من خلال المناداة بحقوق الإنسان من خلال بيان حقوق الإنسان والمواطن الذي يعتبر مقدمة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948.
    ب ـ التأكيد على أن السيادة ملك للشعب أو الأمة، ويمارسها عن طريق النواب الذين يختارهم الشعب بكل حرية، وهنا فقد ساهمت مؤلفات العديد من المفكرين في إبراز هذه المبادئ، ومن أهمهم نجد:
    "مونتيسكيو" من خلال كتابه روح القوانين سنة 1748، "جون جاك روسو" في كتابه العقد الاجتماعي سنة 1763.
    ج ـ الإقرار بمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها حتى تتمكن من تكوين دولة على هذا الأساس، وهو الأمر الذي أدى إلى ظهور مبدأ القوميات بعد ذلك، وكذلك مبدأ حق الشعوب في اختيار حكومتها.
    لكن المبادئ السالفة الذكر بقيت شعارات نظرا لأن حتى فرنسا لم تحترمها ولم تلتزم بها، وهذا ما اتخذه نابليون بونابرت فيما بعد من خلال نواياه وأطماعه التوسعية تحت غطاء نشر مبادئ الثورة الفرنسية.
    إلى أن تمكن تحالف الدول الأوربية الكبرى (روسيا، بروسيا، النمسا، إنجلترا) من القضاء عليه في معركة "واترلو" في 18/06/1815. والواقع أنّ هزيمة نابليون أتاحت الفرصة لإجماع الدول الأوربية للنظر في المسائل المترتبة على ذلك وبالذات لإعادة تقسيم خريطة أوربا بما يحقق التوازن الذي اختلّ بسبب الثورة الفرنسية وحروب نابليون.
    ثانيا: المرحلة الثانية (1815-1914):
    أهم ما يميز هذه المرحلة هو تحرر القانون الدولي من الطابع الأوربي مع مطلع القرن 19، حيث اتّسع نطاق المجموعة الدولية ليشمل إلى جانب الدول الأوربية بعض الدول الأمريكية التي حصلت على استقلالها وأهمها الولايات المتحدة الأمريكية. كما تخلّص القانون الدولي من الصيغة المسيحية ابتداء من منتصف القرن 19 عندما انضمّ غلى ميدان العلاقات الدولية لأول مرة دول غير مسيحية مثل الدولة العثمانية والصين واليابان. إضافة إلى ذلك برزت ظاهرة عقد المؤتمرات الدولية في أوربا، وكثرة استعمال المعاهدات كوسيلة لتسوية القضايا الدولية.
    1 ـ ظاهرة عقد المؤتمرات: عرفت هذه المرحلة ظاهرة عقد المؤتمرات كوسيلة جديدة للنظر في الأمور الدولية. من أهم هذه المؤتمرات نجد مؤتمري فينا وبرلين.
    فمؤتمر فينا انعقد منذ جوان 1814 واستمر إلى جوان 1815، وقد جاء لإعادة النظر في التوازن بقارة أوربا الذي انهار بسبب الحروب نابليون وأطماعه التوسعية، وبالتالي لضمان الاستقرار السياسي، وقد كان الجهاز المكلف بضمان تنفيذ مقررات هذا المؤتمر يعرف باسم Directoire Européen، مكونا من الدول الأربع المنتصرة وهي: روسيا، بروسيا النمسا وإنجلترا.
    تضمنت معاهدة فينا الصادرة عن المؤتمر في 09 جوان 1815 عدة مسائل أهمها:
    أ ـ إعادة تنظيم التوازن الأوربي: وهنا اختلفت آراء الدول المشاركة (بريطانيا، بروسيا، النمسا، روسيا، إسبانيا، البرتغال، السويد وفرنسا) حول التوازن.
    وجهة النظر الأولى تقودها فرنسا، ترى ضرورة أن يأخذ المؤتمر بعين الاعتبار إلى جانب هذا التوازن السياسي مبدأ المشروعية Principe de la légitimité، وهذا الأخير يعني احترام الحق الشرعي للملك على إقليمه ورعاياه نظرا لوجود رابطة مقدسة أبدية تربط بين الملك والإقليم الذي يحكمه.
    أما وجهة النظر الثانية فتزعمتها بروسيا، وكانت تعارض مبدأ المشروعية، على أساس أن عمل المؤتمر هو ذو طبيعة سياسية فقط، وبالتالي لا بد من التركيز على معالجة مبدأ التوازن السياسي ورغبات الدول المشاركة.
    لكن الاتجاه العام للمؤتمر سار مع وجهة النظر الفرنسية، حيث تقرر عدم الاعتراف بغير الملكيات الشرعية التي قضى عليها نابليون، حيث عادت عروش ملوك النمسا، إسبانيا، بروسيا ونابولي. ومن جهة أخرى تمّ اللجوء إلى بعض التسويات دون رغبات الشعوب كما حصل في تقسيم بولونيا بين كل من روسيا وبروسيا والنمسا، وضم بلجيكا إلى هولندا، وإنشاء حكم ملكي بين السويد والنرويج، كل ذلك أدى إلى تسمية سياسة هذا المؤتمر بأنها رجعية.
    كما حصل الاتفاق على التدخل للمحافظة على الأوضاع السائدة بالقضاء على الحركات الثورية التي قد تحدث بإحدى الدول الأوربية. ووضع هذا الاتفاق موضع التطبيق عندما صدرت المعاهدة المعروفة بالحلف المقدس La sainte alliance في 26/09/1815، وهو اتفاق بين روسيا والنمسا وبروسيا ثم انضمّت إليهم إنجلترا، فرنسا، السويد، إسبانيا والبرتغال. يقوم نظريا على أساس تعهد هذه الدول بانتهاج سياسة تستند إلى مبادئ الأخلاق المسيحية المستمدة من الكتب المقدّسة.
    لكن في الواقع لم يكن هذا التحالف سوى اتحاد شخصي بين ملوك تلك الدول، هدفه قمع الثورات الداخلية والحفاظ على العروش، وبالتالي المحافظة على الأوضاع الإقليمية في القارة، ذلك لا يتأتّى إلا بمواجهة مبادئ الثورة الفرنسية خاصة مبدأ حق تقرير المصير وتساوي الدول، وذلك ما تمّ مثلا في إسبانيا (1820) وإيطاليا (صقلية في 1821).
    الشيء الملاحظ أنّ كل دول الحلف المقدّس عندما حاولت التدخل للقضاء على الحركات الثورية التي اندلعت في بعض المستعمرات الإسبانية والبرتغالية في القارة الأمريكية، وجدت معارضة شديدة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية، حتى خلال التصريح الشهير لـ "جيمس مونرو" في 02/12/1823، حيث اعتبر أن بلاده سوف تعتبر أي تدخل من جانب دول الحلف المقدّس خاصة في شؤون الدول الأمريكية الجنوبية حديثة الاستقلال بمثابة خطر يهدد سلامتها، وهو ما كان له اثر في تحديد العلاقات بين الدول الأوربية والدول الأمريكية.
    إنّ الحلف المقدّس لم يدم أكثر من عشر سنوات لينهار بعد ذلك من جرّاء انتشار الأفكار والحركات التحررية وظهور مبدأ القوميات.
    ب ـ إقرار التنظيمات القانونية الدولية تمثلت فيمايلي:
    • تنظيم البعثات الديبلوماسية من خلال سن قوانين خاصة بالوضعية الخاصة للمبعوثين الديبلوماسيين.
    • تنظيم الملاحة بالأنهار الدولية مثل نهر الراين والدانوب.
    • وضع سويسرا في حالة حياد دائم Neutralité permanente.
    • منع تجارة الرقيق.
    أما بالنسبة لمؤتمر برلين لسنة 1885، فقد تمّ في إطار تقسيم مناطق النفوذ خاصة بقارة إفريقيا بين الدول الأوربية الكبرى، وكان ذلك بمثابة التكريس القانوني لنظام الاستعمار.
    وهكذا بالتدريج أصبحت المؤتمرات الدولية وسيلة ضرورية للنظر في القضايا الدولية المستجدة وتطلبت حلولا جماعية، فكانت تنعقد كلما استدعى الموقف ذلك، غير أنّ تعدد المؤتمرات التي كان يغلب عليها الطابع السياسي تطلب عقد مؤتمرات فنية (أي متخصصة في جوانب إجرائية أو مهنية) للموضوعات المشتركة بين الدول ذات العلاقة.
    2 ـ تقارب الدول الأمريكية: أخذت المستعمرات الإسبانية والبرتغالية تثور وتستقل، وهناك عوامل كثيرة ساعدت على تحقيق التقارب بين شعوب الأقاليم الأمريكية منها:
    أ) التجاور الجغرافي، ب) التاريخ المتشابه، ج) النضال ضد عدو واحد متمثل في المستعمرين الأوربيين، د) الخوف من مساعدة دول المؤتمر الأوربي لإسبانيا والبرتغال على استرجاع مستعمراتهما.
    وانطلاقا من هذا الواقع تقمصت الولايات الأمريكية دور الحامي لاستقلال الدول الأمريكية، فأصدر رئيسها "جيمس مونرو" تصريحه المشهور سنة 1823 الذي كان لها تأثير على السياسة الدولية، وخاصة على تطور العلاقات بين أوربا وأمريكا حيث جاء فيه:
    أ) حق الدول الأمريكية في الاستقلال، ب) عدم جواز استعمار أي إقليم من البلاد الأمريكية، ج)عدم جواز تدخل الدول الأوربية في شؤون دول العالم الجديد.
    وكما كانت دول المؤتمر الأوربي تتجمع وتتشاور، مشتركة في معالجة الشؤون الدولية، فإنّ الدول الأمريكية هي الأخرى تعقد المؤتمرات الدورية محاولة تنسيق العلاقات المتبادلة بينها فابتدأت أول الأمر بإنشاء مكتب تجاري للجمهوريات الأمريكية عام 1889 تحول فيما بعد إلى اتحاد الدول الأمريكية.
    3 ـ مبدأ القوميات Principe des nationalités : لقد لعبت القومية دورا هاما في العلاقات بين الدول خاصة في القرن 19 ومطلع القرن 20.
    إنّ الحديث عن مبدأ القوميات يرتبط قبل كل شيء بتحديد معيار القومية أو الأمة، فالقومية أو الأمة تعرف حسب الفقهاء على أنها رباط روحي يوجد بين مجموعة من الأفراد تجمعهم صلات روابط مشتركة كالعرق، الدين، اللغة، التاريخ، المصير المشترك، التقاليد والعادات... إلا أنّ الخلاف تمحور حول المقوم الأساسي في تشكيل الأمة. لذلك نجد أنه في تلك الفترة وعلى المستوى الفكري النظري برزت نظريتان أساسيتان في الفقه الغربي، طرحتا بمناسبة النزاع بين ألمانيا وفرنسا حول السيادة على مقاطعتي الألزاس واللورين، النظرية الموضوعية وتمثلها المدرسة الألمانية، والنظرية الشخصية أو الإرادية وتمثلها المدرسة الفرنسية.
    أ ـ المدرسة الألمانية: تنطلق من اعتبارات موضوعية في تحديد مفهوم الأمة. فهناك اتجاه يرى أنّ اللغة هي المعيار الأساسي الوحيد للأمة، ودافع عن هذه الفكرة الفقيه الألماني "مومسن" Mommsen حيث يقول: "إذا كان الألزاسيون قد فقدوا وعيهم القومي بسبب الاحتلال الفرنسي فإنهم لا يزالون ألمانا باللغة...".
    وهناك اتجاه يرى أن العرق هو المعيار الأساسي للأمة، أما اللغة فهي مجرد معيار تابع وكاشف عن العرق. ومن بين هؤلاء فيما بعد نجد مثلا "هتلر" Hitler من خلال كتابه "كفاحي" Mankeifسنة 1933.
    ب ـ المدرسة الفرنسية: تنظر إلى الأمة انطلاقا من اعتبارات نفسية ـ إرادية Psycho- volontariste، وبالتالي هي مجموعة من الأفراد اتفقت مشيئتهم (إرادتهم) على أن يعيشوا سويا مع بعضهم البعض... ومن بين المدافعين عن هذه النظرية نذكر الفرنسيان "آرنست رينان" Ernest Renan و"فوستيل دي كولانج" Fustel De Coulanges.
    لكن يعاب على هذه النظرية أنّ الإرادة لا تصلح لوحدها في تفسير ظاهرة الأمة على أساس أنّ الإرادة لا تقوم على فراغ وإنما لا بد من وجود دوافع وأسباب تجعل الأفراد يلتفون حولها.
    هكذا فإنّ مبدأ القومية يعني أنّ لكل دولة (أو كل شعب) الحق في تقرير مصيرها، وبالتالي تشكل دولة وطنية مستقلة خاصة بها. ولذلك ارتباط مبدأ تقرير المصير في هذه الفترة بمبدأ القوميات هو الذي دفع إلى تسميته بمبدأ تقرير المصير القومي.
    من الناحية الواقعية، نجد أن هذا المبدأ قد نجح في كثير من الحالات مثل انفصال اليونان عن الدولة العثمانية سنة 1830، وانفصال بلجيكا عن هولندا سنة 1831، والوحدة الإيطالية سنة 1871، والوحدة الألمانية سنة 1871...
    وهنا لابد من الإشارة إلى أنّ ظهور مبدأ القوميات قد لعب دورا أساسيا في القضاء على سياسة الحلف المقدّس، وتمهيد الطريق نحو اتباع سياسة أوربية جديدة عرفت بسياسة الوفاق الأوربي Concert européen، كانت تهدف هذه السياسة إلى تحقيق الأمن على مستوى القارة وإيجاد التسويات للمنازعات التي قد تنشأ بين الدول الأوربية. وكان تنفيذ هذه السياسة يتم عن طريق عقد مؤتمرات ترجي بصفة شبه دورية بناء على طلب إحدى الدول الكبرى، وذلك ما ساهم في إرشاد كثير من قواعد القانون الدولي العام من خلال الاتفاقيات التي كانت تبرم في ظل هذه المؤتمرات.
    4 ـ انتشار استعمال المعاهدات: برز بشكل واضح خلال هذه الفترة اللجوء المكثف لإبرام المعاهدات، التي أصبحت أسلوبا قانونيا تلجأ إليه معظم الدول في تعاملاتها المتبادلة لمعالجة قضايا عديدة أساسها ضمان التوازن على الصعيد الأوربي أو تجنب الحروب وحل المشاكل المتعلقة بمناطق النفوذ، وذلك ما ساعد على تطور التنظيم الدولي. ومن أهم هذه المعاهدات نذكر على سبيل المثال معاهدة باريس سنة 1856 خاصة بقانون البحار، المعاهدات المنظمة لوضع المضايق التركية والبحر الأسود (1841، 1856، 1871، 1878)، اتفاقية جنيف بشأن وضع أسرى الحرب سنة 1864، اتفاقية بروكسل بشأن حظر تجارة الرقيق سنة 1890...
    وتبقى المعاهدات التي كان لها تأثير كبير على تطور قواعد التنظيم الدولي هي دون سك معاهدتي "لاهاي" لسنتي 1899 و1907 اللتان تضمنتا معالجة مسألة السلم في العالم عن طريق صياغة قواعد خاصة لحل النزاعات الدولية سلميا، وسن قواعد قانونية لتنظيم حالة الحرب وحالة الحياد. كما اقترحت إنشاء محكمة تحكيم دولية دائمة يكون مقرها بمدينة "لاهاي" للنظر في النزاعات الدولية.
    كما تبرز أهمية هاتين المعاهدتين من حيث أنهما جاءا يف وقت السلم، وهو ما يعني ظهور نوع من الديبلوماسية الجماعية في وقت السلم، وعدم قصرها على الدول الأوربية بل ساهمت فيها أيضا دول غير أوربية.
    5 ـ اتّساع العلاقات الدولية: لقد ساعد انتهاج سياسة الوفاق الأوربي (التي طبعتها الدول الأوربية) على تهيئة المحيط العام ليصبح أكثر ملاءمة لقبول فكرة المساواة القانونية بين الدول. هذه المساواة برزت من خلال إقرار سياسة الباب المفتوح في ميدان العلاقات الدولية، مما سمح بدخول دول جديدة إلى المجموعة الدولية آنذاك مثل الدولة العثمانية (ولو بنية تقييدها بجملة من الالتزامات الدولية للتمكن من التصرف في البلاد التي تقع تحت حكمها) خلال مؤتمر باريس سنة 1856، وكذا الصين واليابان...، وبالتدريج ارتفع عدد أعضاء الجماعة الدولية بمناسبة انعقاد مؤتمر لاهاي الثاني سنة 1907، حيث بلغ عدد الدول المشاركة 44 دولة من بينها 19 دولة أمريكية ودولتين من إفريقيا.
    ثالثا ـ المرحلة الثالثة (منذ 1914) أو المجتمع الدولي المعاصر:
    لقد شهدت الفترة الممتدة من 1914 إلى سنوات التسعينات الحالية حدوث تغيرات هامة على الساحة الدولية، وظهور عوامل أساسية جديدة أثرت بشكل أساسي على تطور المجتمع الدولي، وبالتالي تطور قواعد القانون الدولي، ويمكن إجمال تلك العوامل الأساسية في العناصر التالية:
    1 ـ تبلور التنظيم الدولي: إنّ المجتمع الدولي المعاصر هو مجتمع منظم لأنه يخضع لجملة من القواعد تنظم العلاقات داخله (بين أعضائه). ورغم الحروب والمآسي التي عرفتها هذه المرحلة، إلا أنها بالمقابل سجّلت العديد من المؤتمرات والاتفاقيات والمعاهدات التي تهدف إلى إرساء وتطوير التعاون بين الدول، إضافة إلى ذلك بروز ظاهرة التنظيم الدولي من خلال إنشاء المنظمات الدولية لنفس الغرض، وظهور الشركات المتعددة الجنسيات.
    إنّ فكرة التنظيم الدولي هي فكرة قديمة، طرحها العديد من المفكرين لكن لم تتجسّد ميدانيا إلا بعد الحرب العالمية الأولى (ح.ع.1) عندما أنشئت أول منظمة عالمية ذات طبيعة سياسية ـ قانونية هي عصبة الأمم بمقتضى معاهدة فرنسا في 28/04/1919 من أجل حفظ السلم في العام وتنظيم العلاقات الدولية، وفتحت بذلك عهدا جديدا في العلاقات الدولية.
    ولكن لما انهارت العصبة سنة 1939 عندما عجزت عن حل الكثير من النزاعات الدولية والتي من أهمها قيام الحرب العالمية الثانية (ح.ع.2) وما أفرزته من دمار وخراب، جاءت منظمة الأمم المتحدة سنة 1945 وأكثر من ذلك فإن اعتبارات التضامن بين الدول خاصة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، دفع ذلك المجموعة الدولية إلى تأسيس منظمات دولية متخصصة يف عدة مجالات تحت إشراف هيئة الأمم المتحدة.
    وهكذا فإنّ المجتمع الدولي المعاصر يشهد تزايدا ملحوظا في عدد المنظمات الدولية، وبالتالي كان لهذه الظاهرة (التنظيم الدولي) انعكاسات عميقة على تطور المجتمع الدولي وتطور قواعد القانون الدولي، بدليل الاعتراف القانوني بأنّ المنظمة الدولية هي شخص من أشخاص القانون الدولي؛ أي أنها مخاطبة بأحكام هذا القانون، وبالتالي تتمتع بالشخصية القانونية الدولية. وقد تأكّد ذلك بوضوح في الرأي الاستشاري الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في 11/04/1949 في قضية تعويض الأمم المتحدة عن الأضرار التي تلحق بموظفيها أثناء تأدية مهامهم، وهي القضية التي أثيرت بعد مصرع وسيط الأمم المتحدة في فلسطين "الكونت برنادوت" على يد العصابات الصهيونية في سبتمبر 1948، وال>ي قد قدم إلى فلسطين لتقصي الحقائق حول الوضع العام إثر وقوع أول حرب عربية إسرائيلية في 1948.
    2 ـ عالمية المجتمع الدولي: بعد أن زال الطابع الأوربي المسيحي عن المجتمع الدولي مثلما كان الحال في القانون الدولي التقليدي (القانون العام الأوربي) من خلال بروز دول غير أوربية على الساحة الدولية (مثل الولايات المتحدة الأمريكية) ودول غير مسيحية (تركيا، اليابان)، تطور الأمر إلى ارتفاع عدد أعضاء هذا المجتمع الذين ينتمون إلى ثقافات وحضارات مختلفة، خاصة بعد انهيار النظام الاستعماري بفعل الحركات التحررية في قارتي آسيا وإفريقيا، واستقلال العديد من الدول منذ الستينات.
    إنّ ظهور هذا الكم من الدول الحديثة الاستقلال جاء بآثار جديدة مست العلاقات الدولية من خلال سعيها إلى توحيد جهودها والتكتل للدفاع عن مصالحها في مواجهة الدول الكبرى المتقدمة (التي وضعت قواعد القانون الدولي) ليس على الصعيد السياسي الدولي، بل أيضا في مجال القانون الدولي الذي يحكم المجتمع الدولي وينظم العلاقات داخله، حيث حرصت هذه الدول على السعي لتقرير المزيد من الحقوق لها تمكنها من تجاوز مختلف الصعوبات التي تعاني منها بحكم معاناتها خاصة من مخلفات الاستعمار.
    إضافة إلى ذلك عرفت نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من هذا القرن بروز ظاهرة الوعي القومي في أوربا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي سابقا وتفككه، وتراجع النظام الشيوعي، مما أدى إلى تفكك عدة دول مثل يوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا، واتحاد دول أخرى كالألمانيتين الشرقية والغربية. وحاليا فإنّ عدد الدول الأعضاء يف منظمة الأمم المتحدة وصل إلى 185 دولة (آخرها دولة "بيلاو" الواقعة في المحيط الهادي التي انضمت في سبتمبر 1974) بعد أن كان عدد الدول التي وقعت سنة 1945 على ميثاق سان فرانسيسكو 51 دولة فقط.
    3 ـ تقسيم العالم: بعد انتهاء ح.ع.2 بدأت المصالح تغلب على الهداف المشتركة كما بدأت الأطماع تحتل المكانة الأولى في سياسة الدول، الأمر الذي ترتب عليه أن حلفاء الأمس أصبحوا أعداء اليوم.
    زاد من شدة هذا الاختلاف وجود اختلاف آخر بين السياسة المطبقة في الدول المختلفة فقد ظهر الاتحاد السوفياتي كأحد القوى القطبية في العالم، وكذلك باعتباره الدولة الاشتراكية الكبرى التي تحاول أن تحمي نظامها وتعمل على توسيع تطبيقه في البلاد المختلفة، ويف نفس الوقت خرجي الولايات المتحدة الأمريكية من الرحب أيضا كقوة قطبية أساسية في العالم الغربي التي تطبق المذهب الفردي والنظام الرأسمالي، ومن ثمّة تسعى غلى حماية هذا النظام وتوسيع دائرة تطبيقه.
    وقد استدعى هذا الوضع أن تقوم كل قوة بتكوين تجمع دولي حولها يتحقق فيه قدر معين من الانسجام والتنسيق. وهكذا كان الاختلاف المذهبي عاملا أساسيا في ظهور الكتل الدولية (الكتلة الشرقية والكتلة الغربية أو الدول الاشتراكية والدول الرأسمالية). هذه الكتل الدولية قامت من اجل تحقيق ما كانت تهدف إليه الأحلاف يف الماضي لكن تتميز بقيامها على استراتيجية أكثر ثباتا ورسوخا من الحلاف القديمة.
    ومع ظهور هذا التنازع الواضح بين هاتين الكتلتين، وسعيا وراء تأكيد استقلال الشعوب المستعمرة، ورغبة في إحلال الأمن والسلام في العالم على أسس من العدل والتعاون المشترك، ظهرت مجموعة دولية أكثر مرونة في تشكيلها ومذهبها من المجموعتين السابقتين، كما أنها أكثر بعدا عن الاهتمام بمسائل التنظيم العسكري. هذه الفئة الجديدة تشمل ما يعرف باسم مجموعة دول عدم الانحياز.
    أ ـ دور الكتلة الغربية: أو الدول الرأسمالية، فمنذ ح.ع.2 كانت الدول الغربية وعلى رأسها (و.م.أ) تدرك مدى عدم التوافق بعد الحرب مع الاتحاد السوفياتي، وكمحاولة لحماية أوربا الغربية من السيطرة الروسية (خاصة بعدما حدث في بولندا سنة 1945 وتشيكوسلوفاكيا سنة 1948) بدأت (و.م.أ) في تزعم قيادة الدول الغربية في مواجهة المد السوفياتي، وقد اقتضى ذلك ضرورة قيامها بأمرين أساسيين هما: الأول: مساعدة أوربا الغربية للخروج مما ترتب على الحرب من دمار، ولذلك جاءت خطة الجنرال "مارشال" التي أعلن عنها في "هارفرد" في 05/07/1947. والثاني: تقرير نظام دفاع مشترك يكفل الدفاع عما يسمى بالعالم الغربي، تحقق من خلال حلف

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 7:05 pm