نظريات الاعتراف:
1ـ النظرية المنشئة: يرى أنصار هذه النظرية أن الاعتراف هو الذي ينشئ الدولة، أو على الأقل يضفي عليها الشخصية القانونية الدولية، ولهذا فظهور الدولة يتوقف على الاعتراف بها من طرف الدول الأخرى.
ـ ويتبنى هذه النظرية ممثلو المدرسة الإرادية في القانون من الألمان (تريبل، وجينيلاك) ومن إيطاليا (كفالياري) ومن بريطانيا (لوترباخت).
ـ وهذه النظرية هي وجهة نظر حاولت الدول الاستعمارية الاستناد على أسسها حتى تحرم الأقاليم المستعمرة من الاستقلال، وكانت الدول المسيحية تعتمد معيار الاعتراف لقبول عضو جديد يف نطاق القانون الدولي التقليدي ذي الطابع المسيحي.
ـ ومن الانتقادات الموجهة لهذه النظرية:
• أنها نظرية سياسية تخدم وجهة نظر المصالح الخاصة بالدول المعترفة التي تعترف بما يفيدها سياسيا.
• أنها تتناقض مع مبدأ المساواة القانونية فيما بين الدول.
• النسبية في وجود الدول (أي توجد بالنسبة للمعترفين فقط).
2 ـ النظرية المقرّرة: ظهرت كرد فعل للنظرية المنشئة ومفادها أنه متى اجتمعت للدولة العناصر الأساسية (إقليم، شعب، سلطة) تصبح شخصا قانونيا دوليا وتدخل إلى المجتمع الدولي دون إذن الاعتراف بها.
3 ـ النظرية التوفيقية: فقد ذهب لوترباخت وكافنهايم إلى القول بأنه من واجب الدول أن تعترف بغيرها متى توفرت في الدولة عناصر قيامها.
ـ غير أن هذا الرأي ما هو إلى خطوة للتخلي عن النظرية المنشئة بحيث أنه إذا كان من واجب الدولة أن تعترف كلما توفرت شروط معينة في الدولة المنصب عليها الاعتراف فما ذلك في حقيقة الأمر سوى إقرار بوجود حالة وحقيقة قائمة.
أنواع الاعتراف:
بما أن الاعتراف ذو طبيعة اختيارية من حيث المبدأ، وأنه يقترن بظروف سياسية واقتصادية واجتماعية فإننا نجد يف الحقيقة أنواعا مختلفة للاعتراف.
ـ إن أضعف أنواع الاعتراف هو الاعتراف المحدود وذلك كوجود دولتين لا تعترفان ببعضهما البعض ولكن تجمعهما الظروف كونهما أطراف في معاهدة متعددة الأطراف أو أعضاء في منظمة دولية، فهذا يفرض عليهما التعامل يف إطار المنظمة أو طبقا للمعاهدة لتحقيق الهدف منها.
ـ الاعتراف الواقعي: هو اعتراف مبدئي ينطوي على نوع من التردد والتخوف تجاه الكائن الجديد وذلك في انتظار الاعتراف الكامل وسبب ذلك هو عدم وجود الاستقرار يف الكائن الجديد.
مثال ذلك: اعتراف بريطانيا بالاتحاد السوفياتي في 1924، اعتراف قانون 1924، اعتراف أمريكا وكثير من دول الغرب بالاتحاد السوفياتي والصين اعتراف واقع تحول إلى اعتراف قانوني.
الاعتراف القانوني: أو كما يطلق عليه الاعتراف الكامل فهو الاعتراف الواقعي لا شكّ ولا تردد فيه بالنسبة للدولة المعترفة، فالاعتراف القانوني هو ما 00000 كل كائن جديد.
ـ إن الاعتراف القانوني آثاره حقوق بكثير أثار الاعتراف الواقعي خاصة من الناحية السياسية. وقد ينتج عن ذلك معاملة خاصة يف القوانين الداخلية للدولة المعترفة، فإذا طالبت دولة تحصلت عل اعتراف واقعي فقط بممتلكاتها يف الخارج ففي إمكان الدولة الأخرى الموجودة بترابها أن ترفض هذه المطالبة خاصة إذا كان هناك طرف آخر معترف به قانونيا يطالب ينفس الممتلكات.
ـ إنّ الاعتراف الواقعي يمكن سحبه.
السيادة في ظل العولمة وتبدل موازين القوة
1 ـ عن المفهوم وإشكاليته:
"السيادة" مفهوم قانوني ـ سياسي ارتبط بوجود الدولة القومية وأصبح أحد أهم خصائصها وسماتها الرئيسية. وحين توصف الدولة بأنها كيان يتمتع بالسيادة فالمقصود أنّ الدولة هي التنظيم السياسي والاجتماعي الذي يحق له وحده دون غيره أن يحتكر أدوات القوة التي يحتاجها، بما في ذلك أدوات القمع والإكراه، لفرض سلطته على مجمل الإقليم الذي يشكل حدوده السياسية، وعلى الأفراد الذين يقطنون هذا الإقليم. معنى هذا أن تتمتع الدولة بخاصية السيادة هو الذي يبرز احتكارها لأدوات القوة اللازمة لتمكينها من القيام بوظائفها وأدوارها المختلفة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وهي وظائف وأدوار حيوية للغاية وغير قابلة للاختزال على الرغم من أنّ مضمونها وأساليب القيام بها تقبل التغير والتحول لمواكبة التطور المستمر في طبيعة العلاقات الدولية. فالدولة هي وحدها المسؤولة عن سن القوانين وفرض الالتزام بها وتحقيق المن والنظام والاستقرار في الداخل، وهي وحدها المسؤولة، في الوقت نفسه، عن الدفاع عن الوطن وحماية أمنه وسلامته وتكامله الإقليمي في مواجهة القوى والأطماع الخارجية.
ويرتبط مفهوم السيادة بمفهوم الاستقلال وحرية الإرادة، ولذلك يعد الاستقلال السياسي شرطا لتمكين الدولة من ممارسة مظاهر سيادتها على الصعيدين الداخلي والخارجي.
وكانت حركة المد الاستعماري، والتي بدأت مع الاكتشافات الجغرافية الكبرى ووصلت ذروتها خلال القرن التاسع عشر، قد أدت إلى تقلص عدد الدول المستقلة على المسرح الدولي، بعد أن تمكنت حفنة صغيرة من الدول الاستعمارية الأوربية من إحكام سيطرتها على العالم. غير أنّ حركة مناهضة لها هي التحرر الوطني، والتي وصلت ذروتها خلال الخمسينات والستينات من القرن العشرين، عادت وتمكنت من تصحيح هذا الوضع المختل وأدت بالتالي إلى زيادة هائلة في عدد الدول المستقلة بعد أن استعادت جميع الدول "فاقدة" أو "ناقصة" السيادة لوضعها الطبيعي كدول مستقلة ذات سيادة. وهكذا لم يعد هناك سوى حالات نادرة لدول يمكن وصفها، قانونيا، بالدول المستعمرة أو المحمية أو التابعة، كما لم تعد هناك دول خاضعة لنظام الانتداب أو الوصاية. وأصبحت جميع شعوب العالم تقريبيا تعيش الآن داخل وحدات سياسية مستقلة تسمى الدول وتتمتع من الناحية الشكلية على الأقل بالسيادة الكاملة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
وقد ظل مفهوم السيادة موضوعا لم يتوقف في الواقع منذ نشأة ظاهرة الدولة القومية في أوربا في منتصف القرن السابع عشر وحتى الآن. ففي أعقاب ظهور الدولة القومية، بدت الحاجة ملحة لحماية هذا الشكل الوليد من أشكال التجمع الإنساني، ولذا مال معظم الفقهاء نحو التشدد والتوسع في مفهوم السيادة، فاعتبروا أن السيادة إما أن تكون مطلقة أو لا تكون.
والسيادة بمعناها المطلق تعني عدم الخضوع لأي سلطة سياسية أعلى، وأن يصبح بمقدورها أن تقرر بنفسها ما تراه صالحا لها، وأن لا تسمح لأحد كائنا من كان بالتدخل في شؤونها الخاصة، وأن تكون مطلقة الحرية في اختيار نظمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في الداخل، وفي اختيار ما تراه مناسبا من وسائل لتحقيق مصالحها، في الخارج، بما في ذلك حقها في استخدام القوة.
غير أن المآسي الإنسانية الكبرى التي نجمت عن الحروب واستخدام القوة كوسيلة لحل المنازعات، من ناحية، وتطور علاقات الاعتماد المتبادل بين الدول، من ناحية أخرى، رسّخت الاقتناع بنسبية مفهوم السيادة وباستحالة، بل وبخطورة، الادّعاء بوجود سيادة مطلقة على أرض الواقع. فالسيادة هي، في جوهرها، أداة لتنظيم العلاقات بين الدول، وليست حقا مكتسبا لفرض الإرادة المنفردة على الآخرين. وبهذا المعنى يصبح من الممكن إزالة أي تناقض بين مفهوم السيادة ومتطلبات الالتزام بقواعد القانون الدولي العام وإدارة العلاقات الدولية من خلال أطر وإجراءات مؤسسية أصبح لا غنى عنها لتنظيم العلاقات بين الدول.
وإذا كان مفهوم السيادة يرتبط، بالضرورة، سواء من حيث الشكل أو من حيث المضمون، بتسليم الدول، كبيرها وصغيرها، بعدد من المبادئ أو القواعد العامة الحاكمة للعلاقات في ما بينها، وفي مقدمتها مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، فإن هذه المبادئ نفسها تثير العديد من الإشكاليات في ما يتعلق بوضع مفهوم السيادة موضع التطبيق. فالإقرار بمبدأ سيادة الدول، وبالتالي بأهليتها للتصرف كشخص من أشخاص القانون الدولي العام، يرتب تلقائيا، ضرورة التسليم بمبدأ المساواة القانونية بينها، وبالتالي ضرورة التزام الجميع بالكف عن التدخل في الشؤون الداخلية للغير. ونظرا لأن هذه المساواة القانونية لا تقابلها مساواة فعلية على أرض الواقع، حيث تختلف كثيرا أحجام وأوزان وقوة الدول، وبالتالي قدرتها على التأثير الفعلي على مجملا التفاعلات الدولية، فإنّ هذه المفارقة تثير إشكالية كبرى في تنظيم العلاقات بين الدول وفي وضع خطوط فاصلة بين الشأن الداخلي، والذي هو مسؤولية الدولة المعنية وحدها، والشأن الخارجي، والذي يفترض، أو يتعين، أن يكون مسؤولية المجتمع الدولي ككل.
ولأنه يوجد ميل طبيعي من جانب الدول الأكبر والأقوى في المجتمع الدولي للتدخل في شؤون الدول الأصغر والأضعف، كما يوجد نفور طبيعي من جانب الدول الكبرى والأقوى في المجتمع الدولي للتعامل مع الدول الأصغر والأضعف على أساس من الندية والمساواة، فقد كان من الطبيعي أيضا أن تواجه المحاولات الرامية لتنظيم العلاقات الدولية وفق قاعدة المساواة في السيادة صعوبات بالغة. ويمكن القول أن تطور فكرة السيادة، كمفهوم أو كأداة قابلة للتطبيق عمليا داخل نسيج العلاقات الدولية، تأثر بعاملين رئيسين:
الأول: ثقب موقع الدولة كفاعل في العلاقات الدولية، مقارنة بالفاعلين الدوليين الآخرين الذين بدؤوا يزاحمون الدول مثل: المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية، والشركات متعددة الجنسيات...إلخ.
الثاني: موازين القوى السائدة وطبيعة وهيكل النظام الدولي الذي تفرزه الموازين في المراحل التاريخية المختلفة لتطور العلاقات الدولية.
2 ـ موقف القانون الدولي:
يعتبر ميثاق الأمم المتحدة هو الوثيقة الرئيسية التي تحدد وتعكس موقف القانون الدولي من المفاهيم والقضايا الدولية الرئيسية، ومنها مفهوم وقضية سيادة الدول، دون مبالغة أو تجاوز، أن البنية الفلسفية والقانونية لهذه الوثيقة لا ترتكز على مجرد الاعتراف بمفهوم السيادة ولكنها تحاول في الوقت نفسه تكريسه وتدعيمه كمبدأ وكأساس للتنظيم الدولي وكمعيار لتحديد حقوق الدول وواجباتها. فقد نصت الفقرة الأولى من المادة الثانية من الميثاق على "قيام الأمم المتحدة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع الأعضاء". والمقصود هنا المساواة القانونية في الحقوق والواجبات. ويعكس الهيكل التنظيمي للأمم المتحدة، كما تعكس معظم القواعد والإجراءات الأساسية المحددة لحقوق الدول وواجباتها مدى حرص الأمم المتحدة على وضع هذا المبدأ الأساسي موضع التطبيق. فجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة متساوون في الحقوق والواجبات، وفي مقدمتها حقوق المشاركة والتصويت في أعمال المنظمة وفقا لقاعدة أن لكل دولة صوت واحد.
ومع ذلك فقد تعيّن أن يوائم الميثاق، في الوقت نفسه، بين ما تفرضه حقوق السيادة، من ضرورة المساواة القانونية بين الدول الأعضاء كبيرها وصغيرها، وبين ما تفرضه مقتضيات الفاعلية، من ضرورة تحمل الدول الكبرى أعباء ومسؤوليات خاصة في ما يتعلق بدورها في المحافظة على السلم والأمن الدولي، ومطالبتها هذه الدول بأن تتمتع في مقابل ذلك بحقوق ومزايا موازية.
فقد اقتضت الاعتبارات الخاصة بتفعيل دور الأمم المتحدة في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين، مقارنة بدور عصبة الأمم، منح خمس دول كبرى تم تحديدها بالاسم مقاعد دائمة في مجلس الأمن ومزايا تصويتية لا تتمتع بها الدول الأعضاء في المجلس (حق الفيتو).
غير أنّ الميثاق لم يكتف بمجرد الاعتراف بمبدأ المساواة في السيادة بين الدول الأعضاء ولكنه حاول، في الوقت نفسه، تدعيم هذا المبدأ بتحريم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، حتى من جانب الأمم المتحدة نفسها. إذ نصّت الفقرة السابعة من المادة الثانية على انه: "ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة التدخل في الشؤون التي تعتبر من صميم الاختصاص الداخلي لدولة ما، وليس ما يسمح لدول الأعضاء بأن تطرح هذه الشؤون على أجهزة الأمم المتحدة لمعالجتها بمقتضى الميثاق". غير أنّ نص الفقرة نفسها وضع قيدا على هذا التحريم المطلق حين أضاف على الفور: "أنّ التسليم بهذا المبدأ (عدم التدخل في الشؤون الداخلية) لا يحول دون تطبيق تدابير الردع الواردة في الفصل السابع من الميثاق. معنى ذلك أنّه لا يجوز الدفع بمبدأ حظر التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء لتقييد حرية مجلس الأمن في اتخاذ ما يراه من تدابير لازمة للمحافظة على السلم والأمن الدوليين، خصوصا تلك المتعلقة بأعمال الردع أو المنع أو القمع المخولة له بموجب الفصل السابع من الميثاق. غير أنّ ميثاق الأمم المتحدة لم يتضمن تعريفا أو حصرا للمسائل التي تدخل في إطار الاختصاص الداخلي للدول.
ومن المعروف أنّ موقف الفقهاء من قضية حدود الشأن الداخلي للدول يختلف اختلافا بيّنا. فهناك من يعتبر أن لكل دولة الحق في تحديد ما تعتبره شأنا داخليا يخصها (نظرية اختصاص الاختصاص)، وهناك من يحاول تضييق نطاق الصلاحيات الممنوحة للسلطة المنفردة للدول في هذا الشأن لحساب الصلاحيات الموكولة للمؤسسات التي تتحدث باسم المجتمع الدولي، وخصوصا المؤسسات المعنية بالمحافظة على السلم، مثل مجلس الأمن. كما تجدر الإشارة إلى أنّ الميثاق لم يقتصر اختصاصات وصلاحيات الأمم المتحدة على المجالات السياسية والأمنية فقط وغنما مد نطاق هذه الصلاحيات والاختصاصات لتشمل كافة المجالات الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بما يف ذلك المجلات التي كانت تعتبر، تقليديا، من صميم الاختصاص لحل المنازعات للدول، مثل قضايا حقوق الإنسان.
ولكي يوفر الميثاق بيئة دولية ملائمة، تحافظ على السلم وسيادتها وتحترم مبدأ عدم التدخل في شؤونها الداخلية، تضمن مبادئ وقواعد أخرى معاونة تلزم كافة الدول الأعضاء باللجوء إلى الوسائل السلمية وتحريم استخدام القوة أو التهديد بها كوسيلة لحل المنازعات الدولية وتنفيذ التزاماتها بحسن نية...إلخ.
وقد ساعدت عوامل عديدة في الواقع على ترجيح كفة الاتجاه المطالب بتنفيذ الاختصاص الداخلي للدول لصالح التوسع في اختصاصات المؤسسات الدولية وتمكين هذه الأخيرة من إدارة أكثر فاعلية لشؤون ومصالح المجتمع الدولي ككل. من هذه العوامل:
1 ـ عدم وضوح الخطوط الفاصلة بين ما هو شأن داخلي وما هو شأن دولي وضوحا كاملا وقاطعا في القانون الدولي، مما أتاح مجالا واسعا للتفسيرات المختلفة وربما المتعارضة.
2 ـ تداخل وتشابك المصالح بين الدول والمجتمعات الإنسانية وتعاظم درجة الاعتماد المتبادل بينها نتيجة تطور العلاقات بينها في جميع المجالات تحت تأثير الثورات العلمية والتكنولوجية المتعاقبة، مما ضاعف من صعوبة الفصل القاطع بين "شؤون الداخل" و"شؤون الخارج".
3 ـ تآكل الدور التقليدي للدول في العلاقات الدولية بسبب بروز ومزاحمة فاعلين دوليين آخرين مثل المنظمات الدولية، الحكومية وغير الحكومية، والشركات المتعددة الجنسيات وغيرها، مما ساعد على ظهور شبكات وخرائط جديدة للتفاعلات والمصالح الدولية لا تتطابق بالضرورة مع خريطة التقسيم السياسي للعالم على أساس الدولة القومية.
ولهذا لم يعد مقبولا أن تتعلق بسيادتها وبمبدأ تحريم التدخل في شؤونها الداخلية، مثلما كان يحدث عادة في الماضي، للحيلولة دون تمكين المؤسسات من الاضطلاع بمسؤولياتها.
غير أن ترجيح كفة المؤسسات الدولية ومنحها صلاحيات جديدة للتدخل في بعض ما كان يعتبر تقليدا شأنا داخليا، تلب بدوره، وكما سنشير لا حقا، وضع ضوابط دقيقة تقضي أن يكون هذا التدخل في أضيق الحدود الممكنة، من ناحية، وان يكون مدفوعا بالرغبة الصادقة في تحقيق مصالح عليا مؤكدة تتعلق بالمجتمع الدولي ككل، وليس مجرد غطاء لمصالح دولية خاصة أو ضيقة.
3 ـ سيادة الدول في ظل القطبية الأحادية:
لا جدل في أنّ إبرام ميثاق الأمم المتحدة، بما تضمنه من مبادئ وقواعد وضوابط عديدة ومتكاملة، ثم دخوله حيز التنفيذ العلي، بعد تصديق الدول الموقعة عليه، شكّل خطوة هائلة إلى الأمام على طريق محاولة نقل العلاقات الدولية من "حالة الطبيعة" إلى "حالة المجتمع"، وفقا للتعبير الأثير لدى هوبز. غير أنّ هذه الخطوة لم تكن كافية بذاتها لضمان وكفالة احترام المبادئ والقواعد المنصوص عليها في الميثاق، وخاصة ما يتعلق باستقلال وسيادة الدول ومنع التدخل في شؤونها الداخلية. فقد توقف ذلك على توافر عاملين إضافيين متكاملين ومترابطين، الأول: أن تعمل الدول من تلقاء نفسها وفق هذا النهج الذي حدده الميثاق، والثاني: أن تصبح المؤسسات الدولية، وخاصة مجلس الأمن في وضع يسمح لها بإلزام الدول بالسير وفق هذا النهج، وبإنزال العقاب الملائم بكل من يجرؤ على الخروج عليه. وللأسف فإنّ التعويل على الالتزام الذاتي والإداري للدول بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى هو أمر يبدو مغرقا في مثالية ولا يستقيم مع خبرة وتجارب الماضي، ولذلك تركزت الآمال في الأمم المتحدة، وبالذات في مجلس الأمن، لتوفير تلك الضمانات. غير أنّه تبيّن أن المناخ الدولي الذي ساد في أعقاب الحرب العالمية الثانية مباشرة لم يساعد على تهيئة أفضل الظروف لقيام مؤسسات دولية فاعلة.
فالوضع الدولي الاستثنائي الذي أفرز منظومة الأمم المتحدة كان قد اتسم بصراع حاد بين دواتين تمكن أحدهما من الانتصار على الآخر وسحقه. وهكذا أصبح التحالف المنتصر هو نفسه "الأمم المتحدة" وتمّ استبعاد التحالف المنهزم من المنظمة الدولية الوليدة حتى إشعار آخر. ولم يكن التحالف المنتصر نفسه يشكّل بدوره كتلة واحدة متجانسة عند إنشاء "الأمم المتحدة"، ولكنه كان ينقسم بدوره إلى مجموعتين مختلفتي المصالح والأهداف:مجموعة الدول الكبرى التي تحملت العبء الأكبر في تحقيق النصر وهي: الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي (السابق) والمملكة المتحدة، ومعهما فرنسا والصين أيضا، وهي المجموعة التي تم الاعتراف لها بوضع متميز في النظام الدولي مكنها من الحصول على عضوية دائمة وعلى حق الاعتراض "الفيتو" في مجلس الأمن/ ومجموعة الدول الأخرى التي لم يكن أمامها من خيار آخر سوى أن تسلم بالمزايا الممنوحة للدول الكبرى المنتصرة وأن تقبل بالأوضاع الجديدة على مضض. أما الدول والشعوب التي كانت تقف خارج أسوار المنظمة الدولية الوليدة عند نشأتها فلم تكن قاصرة على الدول "المهزومة" وحدها وإنما شملت أيضا كافة البلدان التي كانت ما تزال خاضعة للاستعمار الغربي وخاصة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.
غير أنّ الأحلام والتطلعات التي صنعت الأمم المتحدة في لحظة كان النظام الدولي يمرّ فيها بحالة من السيولة سرعان ما اصطدمت بموازين القوى الفعلية التي أفرزها النظام الدولي الجديد الذي استقرّ في أعقاب الحرب العالمية الثانية، واستمرّ بعد ذلك لما يقرب من خمسين عاما، وهو نظام القطبية الثنائية. فقد تصد"ع تحالف الدول الكبرى المنتصرة في الحرب، وانقسم بدوره إلى معسكرين إيديولوجيين متصارعين يسعى كل منهما للهيمنة على العالم. وآثار هذا الانقسام سلسلة من التفاعلات وردود الأفعال غيّرت من قواعد اللعبة التي كان قد تمّ الاتفاق عليها في الميثاق. وفي ظل النظام الدولي ثنائي القطبية تغيّر مفهوم "العدو" كما تغيّرت النظرة إلى مفهوم الاستعمار لتصبح المستعمرات نفسها محلا للصراع على النفوذ بين القطبين العظميين.
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma