أسعدنا تسجيلك وانضمامك لنا

ونأمل من الله أن تنشر لنا كل مالديك

من إبداعات ومشاركات جديده

لتضعها لنا في هذا القالب المميز

نكرر الترحيب بك

وننتظر جديدك المبدع

مع خالص شكري وتقديري

ENAMILS

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

أسعدنا تسجيلك وانضمامك لنا

ونأمل من الله أن تنشر لنا كل مالديك

من إبداعات ومشاركات جديده

لتضعها لنا في هذا القالب المميز

نكرر الترحيب بك

وننتظر جديدك المبدع

مع خالص شكري وتقديري

ENAMILS

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
  محاضرات في مقياس المؤسسات والعلاقات الدولية لطلبة السنة أولى حقو 580_im11 ENAMILS   محاضرات في مقياس المؤسسات والعلاقات الدولية لطلبة السنة أولى حقو 580_im11

المواضيع الأخيرة

» مدونة القوانين الجزائرية - محدثة يوميا -
  محاضرات في مقياس المؤسسات والعلاقات الدولية لطلبة السنة أولى حقو I_icon_minitimeالسبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed

»  شركة التوصية بالاسهم -_-
  محاضرات في مقياس المؤسسات والعلاقات الدولية لطلبة السنة أولى حقو I_icon_minitimeالجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin

» مكتبة دروس
  محاضرات في مقياس المؤسسات والعلاقات الدولية لطلبة السنة أولى حقو I_icon_minitimeالإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin

» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
  محاضرات في مقياس المؤسسات والعلاقات الدولية لطلبة السنة أولى حقو I_icon_minitimeالخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin

» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
  محاضرات في مقياس المؤسسات والعلاقات الدولية لطلبة السنة أولى حقو I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin

» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
  محاضرات في مقياس المؤسسات والعلاقات الدولية لطلبة السنة أولى حقو I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin

» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
  محاضرات في مقياس المؤسسات والعلاقات الدولية لطلبة السنة أولى حقو I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin

» بحث حول المقاولة التجارية
  محاضرات في مقياس المؤسسات والعلاقات الدولية لطلبة السنة أولى حقو I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl

» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
  محاضرات في مقياس المؤسسات والعلاقات الدولية لطلبة السنة أولى حقو I_icon_minitimeالأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique

» الدفاتر التجارية:
  محاضرات في مقياس المؤسسات والعلاقات الدولية لطلبة السنة أولى حقو I_icon_minitimeالجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma

ENAMILS


كتاب السنهوري


    محاضرات في مقياس المؤسسات والعلاقات الدولية لطلبة السنة أولى حقو

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 6322
    نقاط : 17825
    تاريخ التسجيل : 28/06/2013
    العمر : 32

      محاضرات في مقياس المؤسسات والعلاقات الدولية لطلبة السنة أولى حقو Empty محاضرات في مقياس المؤسسات والعلاقات الدولية لطلبة السنة أولى حقو

    مُساهمة من طرف Admin الإثنين يوليو 01, 2013 12:27 am


    نظريات الاعتراف:
    1ـ النظرية المنشئة: يرى أنصار هذه النظرية أن الاعتراف هو الذي ينشئ الدولة، أو على الأقل يضفي عليها الشخصية القانونية الدولية، ولهذا فظهور الدولة يتوقف على الاعتراف بها من طرف الدول الأخرى.
    ـ ويتبنى هذه النظرية ممثلو المدرسة الإرادية في القانون من الألمان (تريبل، وجينيلاك) ومن إيطاليا (كفالياري) ومن بريطانيا (لوترباخت).
    ـ وهذه النظرية هي وجهة نظر حاولت الدول الاستعمارية الاستناد على أسسها حتى تحرم الأقاليم المستعمرة من الاستقلال، وكانت الدول المسيحية تعتمد معيار الاعتراف لقبول عضو جديد يف نطاق القانون الدولي التقليدي ذي الطابع المسيحي.
    ـ ومن الانتقادات الموجهة لهذه النظرية:
    • أنها نظرية سياسية تخدم وجهة نظر المصالح الخاصة بالدول المعترفة التي تعترف بما يفيدها سياسيا.
    • أنها تتناقض مع مبدأ المساواة القانونية فيما بين الدول.
    • النسبية في وجود الدول (أي توجد بالنسبة للمعترفين فقط).
    2 ـ النظرية المقرّرة: ظهرت كرد فعل للنظرية المنشئة ومفادها أنه متى اجتمعت للدولة العناصر الأساسية (إقليم، شعب، سلطة) تصبح شخصا قانونيا دوليا وتدخل إلى المجتمع الدولي دون إذن الاعتراف بها.
    3 ـ النظرية التوفيقية: فقد ذهب لوترباخت وكافنهايم إلى القول بأنه من واجب الدول أن تعترف بغيرها متى توفرت في الدولة عناصر قيامها.
    ـ غير أن هذا الرأي ما هو إلى خطوة للتخلي عن النظرية المنشئة بحيث أنه إذا كان من واجب الدولة أن تعترف كلما توفرت شروط معينة في الدولة المنصب عليها الاعتراف فما ذلك في حقيقة الأمر سوى إقرار بوجود حالة وحقيقة قائمة.
    أنواع الاعتراف:
    بما أن الاعتراف ذو طبيعة اختيارية من حيث المبدأ، وأنه يقترن بظروف سياسية واقتصادية واجتماعية فإننا نجد يف الحقيقة أنواعا مختلفة للاعتراف.
    ـ إن أضعف أنواع الاعتراف هو الاعتراف المحدود وذلك كوجود دولتين لا تعترفان ببعضهما البعض ولكن تجمعهما الظروف كونهما أطراف في معاهدة متعددة الأطراف أو أعضاء في منظمة دولية، فهذا يفرض عليهما التعامل يف إطار المنظمة أو طبقا للمعاهدة لتحقيق الهدف منها.
    ـ الاعتراف الواقعي: هو اعتراف مبدئي ينطوي على نوع من التردد والتخوف تجاه الكائن الجديد وذلك في انتظار الاعتراف الكامل وسبب ذلك هو عدم وجود الاستقرار يف الكائن الجديد.
    مثال ذلك: اعتراف بريطانيا بالاتحاد السوفياتي في 1924، اعتراف قانون 1924، اعتراف أمريكا وكثير من دول الغرب بالاتحاد السوفياتي والصين اعتراف واقع تحول إلى اعتراف قانوني.
    الاعتراف القانوني: أو كما يطلق عليه الاعتراف الكامل فهو الاعتراف الواقعي لا شكّ ولا تردد فيه بالنسبة للدولة المعترفة، فالاعتراف القانوني هو ما 00000 كل كائن جديد.
    ـ إن الاعتراف القانوني آثاره حقوق بكثير أثار الاعتراف الواقعي خاصة من الناحية السياسية. وقد ينتج عن ذلك معاملة خاصة يف القوانين الداخلية للدولة المعترفة، فإذا طالبت دولة تحصلت عل اعتراف واقعي فقط بممتلكاتها يف الخارج ففي إمكان الدولة الأخرى الموجودة بترابها أن ترفض هذه المطالبة خاصة إذا كان هناك طرف آخر معترف به قانونيا يطالب ينفس الممتلكات.
    ـ إنّ الاعتراف الواقعي يمكن سحبه.
    السيادة في ظل العولمة وتبدل موازين القوة
    1 ـ عن المفهوم وإشكاليته:
    "السيادة" مفهوم قانوني ـ سياسي ارتبط بوجود الدولة القومية وأصبح أحد أهم خصائصها وسماتها الرئيسية. وحين توصف الدولة بأنها كيان يتمتع بالسيادة فالمقصود أنّ الدولة هي التنظيم السياسي والاجتماعي الذي يحق له وحده دون غيره أن يحتكر أدوات القوة التي يحتاجها، بما في ذلك أدوات القمع والإكراه، لفرض سلطته على مجمل الإقليم الذي يشكل حدوده السياسية، وعلى الأفراد الذين يقطنون هذا الإقليم. معنى هذا أن تتمتع الدولة بخاصية السيادة هو الذي يبرز احتكارها لأدوات القوة اللازمة لتمكينها من القيام بوظائفها وأدوارها المختلفة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وهي وظائف وأدوار حيوية للغاية وغير قابلة للاختزال على الرغم من أنّ مضمونها وأساليب القيام بها تقبل التغير والتحول لمواكبة التطور المستمر في طبيعة العلاقات الدولية. فالدولة هي وحدها المسؤولة عن سن القوانين وفرض الالتزام بها وتحقيق المن والنظام والاستقرار في الداخل، وهي وحدها المسؤولة، في الوقت نفسه، عن الدفاع عن الوطن وحماية أمنه وسلامته وتكامله الإقليمي في مواجهة القوى والأطماع الخارجية.
    ويرتبط مفهوم السيادة بمفهوم الاستقلال وحرية الإرادة، ولذلك يعد الاستقلال السياسي شرطا لتمكين الدولة من ممارسة مظاهر سيادتها على الصعيدين الداخلي والخارجي.
    وكانت حركة المد الاستعماري، والتي بدأت مع الاكتشافات الجغرافية الكبرى ووصلت ذروتها خلال القرن التاسع عشر، قد أدت إلى تقلص عدد الدول المستقلة على المسرح الدولي، بعد أن تمكنت حفنة صغيرة من الدول الاستعمارية الأوربية من إحكام سيطرتها على العالم. غير أنّ حركة مناهضة لها هي التحرر الوطني، والتي وصلت ذروتها خلال الخمسينات والستينات من القرن العشرين، عادت وتمكنت من تصحيح هذا الوضع المختل وأدت بالتالي إلى زيادة هائلة في عدد الدول المستقلة بعد أن استعادت جميع الدول "فاقدة" أو "ناقصة" السيادة لوضعها الطبيعي كدول مستقلة ذات سيادة. وهكذا لم يعد هناك سوى حالات نادرة لدول يمكن وصفها، قانونيا، بالدول المستعمرة أو المحمية أو التابعة، كما لم تعد هناك دول خاضعة لنظام الانتداب أو الوصاية. وأصبحت جميع شعوب العالم تقريبيا تعيش الآن داخل وحدات سياسية مستقلة تسمى الدول وتتمتع من الناحية الشكلية على الأقل بالسيادة الكاملة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
    وقد ظل مفهوم السيادة موضوعا لم يتوقف في الواقع منذ نشأة ظاهرة الدولة القومية في أوربا في منتصف القرن السابع عشر وحتى الآن. ففي أعقاب ظهور الدولة القومية، بدت الحاجة ملحة لحماية هذا الشكل الوليد من أشكال التجمع الإنساني، ولذا مال معظم الفقهاء نحو التشدد والتوسع في مفهوم السيادة، فاعتبروا أن السيادة إما أن تكون مطلقة أو لا تكون.
    والسيادة بمعناها المطلق تعني عدم الخضوع لأي سلطة سياسية أعلى، وأن يصبح بمقدورها أن تقرر بنفسها ما تراه صالحا لها، وأن لا تسمح لأحد كائنا من كان بالتدخل في شؤونها الخاصة، وأن تكون مطلقة الحرية في اختيار نظمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في الداخل، وفي اختيار ما تراه مناسبا من وسائل لتحقيق مصالحها، في الخارج، بما في ذلك حقها في استخدام القوة.
    غير أن المآسي الإنسانية الكبرى التي نجمت عن الحروب واستخدام القوة كوسيلة لحل المنازعات، من ناحية، وتطور علاقات الاعتماد المتبادل بين الدول، من ناحية أخرى، رسّخت الاقتناع بنسبية مفهوم السيادة وباستحالة، بل وبخطورة، الادّعاء بوجود سيادة مطلقة على أرض الواقع. فالسيادة هي، في جوهرها، أداة لتنظيم العلاقات بين الدول، وليست حقا مكتسبا لفرض الإرادة المنفردة على الآخرين. وبهذا المعنى يصبح من الممكن إزالة أي تناقض بين مفهوم السيادة ومتطلبات الالتزام بقواعد القانون الدولي العام وإدارة العلاقات الدولية من خلال أطر وإجراءات مؤسسية أصبح لا غنى عنها لتنظيم العلاقات بين الدول.
    وإذا كان مفهوم السيادة يرتبط، بالضرورة، سواء من حيث الشكل أو من حيث المضمون، بتسليم الدول، كبيرها وصغيرها، بعدد من المبادئ أو القواعد العامة الحاكمة للعلاقات في ما بينها، وفي مقدمتها مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، فإن هذه المبادئ نفسها تثير العديد من الإشكاليات في ما يتعلق بوضع مفهوم السيادة موضع التطبيق. فالإقرار بمبدأ سيادة الدول، وبالتالي بأهليتها للتصرف كشخص من أشخاص القانون الدولي العام، يرتب تلقائيا، ضرورة التسليم بمبدأ المساواة القانونية بينها، وبالتالي ضرورة التزام الجميع بالكف عن التدخل في الشؤون الداخلية للغير. ونظرا لأن هذه المساواة القانونية لا تقابلها مساواة فعلية على أرض الواقع، حيث تختلف كثيرا أحجام وأوزان وقوة الدول، وبالتالي قدرتها على التأثير الفعلي على مجملا التفاعلات الدولية، فإنّ هذه المفارقة تثير إشكالية كبرى في تنظيم العلاقات بين الدول وفي وضع خطوط فاصلة بين الشأن الداخلي، والذي هو مسؤولية الدولة المعنية وحدها، والشأن الخارجي، والذي يفترض، أو يتعين، أن يكون مسؤولية المجتمع الدولي ككل.
    ولأنه يوجد ميل طبيعي من جانب الدول الأكبر والأقوى في المجتمع الدولي للتدخل في شؤون الدول الأصغر والأضعف، كما يوجد نفور طبيعي من جانب الدول الكبرى والأقوى في المجتمع الدولي للتعامل مع الدول الأصغر والأضعف على أساس من الندية والمساواة، فقد كان من الطبيعي أيضا أن تواجه المحاولات الرامية لتنظيم العلاقات الدولية وفق قاعدة المساواة في السيادة صعوبات بالغة. ويمكن القول أن تطور فكرة السيادة، كمفهوم أو كأداة قابلة للتطبيق عمليا داخل نسيج العلاقات الدولية، تأثر بعاملين رئيسين:
    الأول: ثقب موقع الدولة كفاعل في العلاقات الدولية، مقارنة بالفاعلين الدوليين الآخرين الذين بدؤوا يزاحمون الدول مثل: المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية، والشركات متعددة الجنسيات...إلخ.
    الثاني: موازين القوى السائدة وطبيعة وهيكل النظام الدولي الذي تفرزه الموازين في المراحل التاريخية المختلفة لتطور العلاقات الدولية.
    2 ـ موقف القانون الدولي:
    يعتبر ميثاق الأمم المتحدة هو الوثيقة الرئيسية التي تحدد وتعكس موقف القانون الدولي من المفاهيم والقضايا الدولية الرئيسية، ومنها مفهوم وقضية سيادة الدول، دون مبالغة أو تجاوز، أن البنية الفلسفية والقانونية لهذه الوثيقة لا ترتكز على مجرد الاعتراف بمفهوم السيادة ولكنها تحاول في الوقت نفسه تكريسه وتدعيمه كمبدأ وكأساس للتنظيم الدولي وكمعيار لتحديد حقوق الدول وواجباتها. فقد نصت الفقرة الأولى من المادة الثانية من الميثاق على "قيام الأمم المتحدة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع الأعضاء". والمقصود هنا المساواة القانونية في الحقوق والواجبات. ويعكس الهيكل التنظيمي للأمم المتحدة، كما تعكس معظم القواعد والإجراءات الأساسية المحددة لحقوق الدول وواجباتها مدى حرص الأمم المتحدة على وضع هذا المبدأ الأساسي موضع التطبيق. فجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة متساوون في الحقوق والواجبات، وفي مقدمتها حقوق المشاركة والتصويت في أعمال المنظمة وفقا لقاعدة أن لكل دولة صوت واحد.
    ومع ذلك فقد تعيّن أن يوائم الميثاق، في الوقت نفسه، بين ما تفرضه حقوق السيادة، من ضرورة المساواة القانونية بين الدول الأعضاء كبيرها وصغيرها، وبين ما تفرضه مقتضيات الفاعلية، من ضرورة تحمل الدول الكبرى أعباء ومسؤوليات خاصة في ما يتعلق بدورها في المحافظة على السلم والأمن الدولي، ومطالبتها هذه الدول بأن تتمتع في مقابل ذلك بحقوق ومزايا موازية.
    فقد اقتضت الاعتبارات الخاصة بتفعيل دور الأمم المتحدة في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين، مقارنة بدور عصبة الأمم، منح خمس دول كبرى تم تحديدها بالاسم مقاعد دائمة في مجلس الأمن ومزايا تصويتية لا تتمتع بها الدول الأعضاء في المجلس (حق الفيتو).
    غير أنّ الميثاق لم يكتف بمجرد الاعتراف بمبدأ المساواة في السيادة بين الدول الأعضاء ولكنه حاول، في الوقت نفسه، تدعيم هذا المبدأ بتحريم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، حتى من جانب الأمم المتحدة نفسها. إذ نصّت الفقرة السابعة من المادة الثانية على انه: "ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة التدخل في الشؤون التي تعتبر من صميم الاختصاص الداخلي لدولة ما، وليس ما يسمح لدول الأعضاء بأن تطرح هذه الشؤون على أجهزة الأمم المتحدة لمعالجتها بمقتضى الميثاق". غير أنّ نص الفقرة نفسها وضع قيدا على هذا التحريم المطلق حين أضاف على الفور: "أنّ التسليم بهذا المبدأ (عدم التدخل في الشؤون الداخلية) لا يحول دون تطبيق تدابير الردع الواردة في الفصل السابع من الميثاق. معنى ذلك أنّه لا يجوز الدفع بمبدأ حظر التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء لتقييد حرية مجلس الأمن في اتخاذ ما يراه من تدابير لازمة للمحافظة على السلم والأمن الدوليين، خصوصا تلك المتعلقة بأعمال الردع أو المنع أو القمع المخولة له بموجب الفصل السابع من الميثاق. غير أنّ ميثاق الأمم المتحدة لم يتضمن تعريفا أو حصرا للمسائل التي تدخل في إطار الاختصاص الداخلي للدول.
    ومن المعروف أنّ موقف الفقهاء من قضية حدود الشأن الداخلي للدول يختلف اختلافا بيّنا. فهناك من يعتبر أن لكل دولة الحق في تحديد ما تعتبره شأنا داخليا يخصها (نظرية اختصاص الاختصاص)، وهناك من يحاول تضييق نطاق الصلاحيات الممنوحة للسلطة المنفردة للدول في هذا الشأن لحساب الصلاحيات الموكولة للمؤسسات التي تتحدث باسم المجتمع الدولي، وخصوصا المؤسسات المعنية بالمحافظة على السلم، مثل مجلس الأمن. كما تجدر الإشارة إلى أنّ الميثاق لم يقتصر اختصاصات وصلاحيات الأمم المتحدة على المجالات السياسية والأمنية فقط وغنما مد نطاق هذه الصلاحيات والاختصاصات لتشمل كافة المجالات الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بما يف ذلك المجلات التي كانت تعتبر، تقليديا، من صميم الاختصاص لحل المنازعات للدول، مثل قضايا حقوق الإنسان.
    ولكي يوفر الميثاق بيئة دولية ملائمة، تحافظ على السلم وسيادتها وتحترم مبدأ عدم التدخل في شؤونها الداخلية، تضمن مبادئ وقواعد أخرى معاونة تلزم كافة الدول الأعضاء باللجوء إلى الوسائل السلمية وتحريم استخدام القوة أو التهديد بها كوسيلة لحل المنازعات الدولية وتنفيذ التزاماتها بحسن نية...إلخ.
    وقد ساعدت عوامل عديدة في الواقع على ترجيح كفة الاتجاه المطالب بتنفيذ الاختصاص الداخلي للدول لصالح التوسع في اختصاصات المؤسسات الدولية وتمكين هذه الأخيرة من إدارة أكثر فاعلية لشؤون ومصالح المجتمع الدولي ككل. من هذه العوامل:
    1 ـ عدم وضوح الخطوط الفاصلة بين ما هو شأن داخلي وما هو شأن دولي وضوحا كاملا وقاطعا في القانون الدولي، مما أتاح مجالا واسعا للتفسيرات المختلفة وربما المتعارضة.
    2 ـ تداخل وتشابك المصالح بين الدول والمجتمعات الإنسانية وتعاظم درجة الاعتماد المتبادل بينها نتيجة تطور العلاقات بينها في جميع المجالات تحت تأثير الثورات العلمية والتكنولوجية المتعاقبة، مما ضاعف من صعوبة الفصل القاطع بين "شؤون الداخل" و"شؤون الخارج".
    3 ـ تآكل الدور التقليدي للدول في العلاقات الدولية بسبب بروز ومزاحمة فاعلين دوليين آخرين مثل المنظمات الدولية، الحكومية وغير الحكومية، والشركات المتعددة الجنسيات وغيرها، مما ساعد على ظهور شبكات وخرائط جديدة للتفاعلات والمصالح الدولية لا تتطابق بالضرورة مع خريطة التقسيم السياسي للعالم على أساس الدولة القومية.
    ولهذا لم يعد مقبولا أن تتعلق بسيادتها وبمبدأ تحريم التدخل في شؤونها الداخلية، مثلما كان يحدث عادة في الماضي، للحيلولة دون تمكين المؤسسات من الاضطلاع بمسؤولياتها.
    غير أن ترجيح كفة المؤسسات الدولية ومنحها صلاحيات جديدة للتدخل في بعض ما كان يعتبر تقليدا شأنا داخليا، تلب بدوره، وكما سنشير لا حقا، وضع ضوابط دقيقة تقضي أن يكون هذا التدخل في أضيق الحدود الممكنة، من ناحية، وان يكون مدفوعا بالرغبة الصادقة في تحقيق مصالح عليا مؤكدة تتعلق بالمجتمع الدولي ككل، وليس مجرد غطاء لمصالح دولية خاصة أو ضيقة.
    3 ـ سيادة الدول في ظل القطبية الأحادية:
    لا جدل في أنّ إبرام ميثاق الأمم المتحدة، بما تضمنه من مبادئ وقواعد وضوابط عديدة ومتكاملة، ثم دخوله حيز التنفيذ العلي، بعد تصديق الدول الموقعة عليه، شكّل خطوة هائلة إلى الأمام على طريق محاولة نقل العلاقات الدولية من "حالة الطبيعة" إلى "حالة المجتمع"، وفقا للتعبير الأثير لدى هوبز. غير أنّ هذه الخطوة لم تكن كافية بذاتها لضمان وكفالة احترام المبادئ والقواعد المنصوص عليها في الميثاق، وخاصة ما يتعلق باستقلال وسيادة الدول ومنع التدخل في شؤونها الداخلية. فقد توقف ذلك على توافر عاملين إضافيين متكاملين ومترابطين، الأول: أن تعمل الدول من تلقاء نفسها وفق هذا النهج الذي حدده الميثاق، والثاني: أن تصبح المؤسسات الدولية، وخاصة مجلس الأمن في وضع يسمح لها بإلزام الدول بالسير وفق هذا النهج، وبإنزال العقاب الملائم بكل من يجرؤ على الخروج عليه. وللأسف فإنّ التعويل على الالتزام الذاتي والإداري للدول بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى هو أمر يبدو مغرقا في مثالية ولا يستقيم مع خبرة وتجارب الماضي، ولذلك تركزت الآمال في الأمم المتحدة، وبالذات في مجلس الأمن، لتوفير تلك الضمانات. غير أنّه تبيّن أن المناخ الدولي الذي ساد في أعقاب الحرب العالمية الثانية مباشرة لم يساعد على تهيئة أفضل الظروف لقيام مؤسسات دولية فاعلة.
    فالوضع الدولي الاستثنائي الذي أفرز منظومة الأمم المتحدة كان قد اتسم بصراع حاد بين دواتين تمكن أحدهما من الانتصار على الآخر وسحقه. وهكذا أصبح التحالف المنتصر هو نفسه "الأمم المتحدة" وتمّ استبعاد التحالف المنهزم من المنظمة الدولية الوليدة حتى إشعار آخر. ولم يكن التحالف المنتصر نفسه يشكّل بدوره كتلة واحدة متجانسة عند إنشاء "الأمم المتحدة"، ولكنه كان ينقسم بدوره إلى مجموعتين مختلفتي المصالح والأهداف:مجموعة الدول الكبرى التي تحملت العبء الأكبر في تحقيق النصر وهي: الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي (السابق) والمملكة المتحدة، ومعهما فرنسا والصين أيضا، وهي المجموعة التي تم الاعتراف لها بوضع متميز في النظام الدولي مكنها من الحصول على عضوية دائمة وعلى حق الاعتراض "الفيتو" في مجلس الأمن/ ومجموعة الدول الأخرى التي لم يكن أمامها من خيار آخر سوى أن تسلم بالمزايا الممنوحة للدول الكبرى المنتصرة وأن تقبل بالأوضاع الجديدة على مضض. أما الدول والشعوب التي كانت تقف خارج أسوار المنظمة الدولية الوليدة عند نشأتها فلم تكن قاصرة على الدول "المهزومة" وحدها وإنما شملت أيضا كافة البلدان التي كانت ما تزال خاضعة للاستعمار الغربي وخاصة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.
    غير أنّ الأحلام والتطلعات التي صنعت الأمم المتحدة في لحظة كان النظام الدولي يمرّ فيها بحالة من السيولة سرعان ما اصطدمت بموازين القوى الفعلية التي أفرزها النظام الدولي الجديد الذي استقرّ في أعقاب الحرب العالمية الثانية، واستمرّ بعد ذلك لما يقرب من خمسين عاما، وهو نظام القطبية الثنائية. فقد تصد"ع تحالف الدول الكبرى المنتصرة في الحرب، وانقسم بدوره إلى معسكرين إيديولوجيين متصارعين يسعى كل منهما للهيمنة على العالم. وآثار هذا الانقسام سلسلة من التفاعلات وردود الأفعال غيّرت من قواعد اللعبة التي كان قد تمّ الاتفاق عليها في الميثاق. وفي ظل النظام الدولي ثنائي القطبية تغيّر مفهوم "العدو" كما تغيّرت النظرة إلى مفهوم الاستعمار لتصبح المستعمرات نفسها محلا للصراع على النفوذ بين القطبين العظميين.
    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 6322
    نقاط : 17825
    تاريخ التسجيل : 28/06/2013
    العمر : 32

      محاضرات في مقياس المؤسسات والعلاقات الدولية لطلبة السنة أولى حقو Empty رد: محاضرات في مقياس المؤسسات والعلاقات الدولية لطلبة السنة أولى حقو

    مُساهمة من طرف Admin الإثنين يوليو 01, 2013 12:28 am



    ولا جدال في أنّ هذا التحول في هيكل النظام الدولي كانت له جوانبه السلبية والإيجابية كما كانت له انعكاساته الهائلة على قدرة الأمم المتحدة على المحافظة على استقلال وسيادة الدول دون تدخل الدول الكبرى في شؤون الدول الصغرى. ولو أنّ هذا التحول كان قد تمّ قبل انعقاد مؤتمر سان فرانسيسكو أو بعده مباشرة لما قامت "منظمة الأمم المتحدة" أصلا، أو لقامت على قواعد وأسس مختلفة تماما. وعلى أي حال فقد دفع هذا التحول في اتجاهين متناقصين في ما يتعلق بقدرة الأمم المتحدة على المحافظة على سيادة الدول ومنع التدخل في شؤونها الداخلية. فالحرب الباردة أدت، من ناحية، إلى شلل نظام الأمن الاجتماعي، ومن ناحية أخرى، إلى ضخ الرياح في شراع حركة التحرر الوطني وبالتالي فتحت طريق العالمية أمام الأمم المتحدة بعد أن كانت أقرب إلى كونها منظمة للدول المتحالفة والمنتصرة في الحرب العالمية الثانية.
    أولا: شلل نظام الأمن الاجتماعي:
    كان ميثاق الأمم المتحدة،كما سبقت الإشارة، قد وضع نظاما دقيقا ومتكاملا للأمن الدولي يقوم على فكرة أنّ أمن الجزء يرتبط ارتباطا عضويا بأمن الكل، ومن ثمّة يتعين على هذا الكل (ممثلا في الأمم المتحدة) أن يتصدى، مجتمعا لأي عدوان أو تهديد قد تتعرض له أي دولة عضو. وتضمّن هذا النظام ثلاث عناصر وآليات محددو:
    1 ـ مبادئ وقواعد سلوك عامة وموحدة يتعين أن تلتزم بها كافة الدول: كبيرها وصغيرها، في العلاقات الدولية.
    2 ـ جهاز يملك صلاحية مراقبة سلوك الدول وسلطة فرض الجزاءات، بما فيها القيام بعمل عسكري، على الخارجين على قواعد الشرعية الدولية (مجلس الأمن).
    3 ـ مجموعة من الأجهزة والآليات المكملة التي تستهدف إما مساعدة الدول على تسوية خلافاتها بالطرق السلمية و/ أو تهيئة الوسائل الكفيلة بتمكين مجلس الأمن من القيام بوظائفه.
    غير أنّ استكمال مقومات هذا النظام، ناهيك عن تشغيله، تطلب توافق آراء وإجماع الدول الدائمة العضوية، وهو ما أصبح متعذرا تماما بسبب انقسام التحالف المنتصرة في الحرب العالمية الثانية إلى معسكرين. وخلقت الحرب الباردة أوضاعا أدت إلى انعكاسات خطيرة على نظام الأمن الجماعي. فقد تعذر استكمال آليات النظام نفسه، لأن لجنة أركان الحرب (المنصوص عليها في المادة 47) كجهاز معاون لمجلس الأمن في (الأمور العسكرية) لم تتمكن من الاتفاق على وضع المادة 43 (والخاصة بتشكيل جيش دولي يمكن لمجلس الأمن أن يستخدمه عند الضرورة) موضع التنفيذ. وأدى ذلك بدوره إلى تجميد لجنة الأركان نفسها وحرمان مجلس الأمن من الأداة العسكرية التي صممت لتعاونه في قمع العدوان أو ردعه. من ناحية أخرى، فقد أدت الحرب الباردة بين المعسكرين المتصارعين إلى إسراف الدول دائمة العضوية في استخدام حق النقض (الفيتو) وغلى استخدامه في غير الأغراض التي شرعت له، مما عرقل عمل مجلس الأمن إلى درجة الشلل أحيانا، ولذلك يمكن القول أنّ نظام الأمن الجماعي ولد غير مكتمل النمو،فعاش طوال حياته مشوها.
    وهكذا بدأت الدول الكبرى، وخاصة دول المعسكر الغربي، تبحث عن ترتيبات أخرى لحماية أمنها خارج النظام المنصوص عليه في الميثاق، وجدت ضالتها في حلف شمال الأطلسي (1949) ثم حلف وارسو (1955). وبصرف النظر عما قيل وقتها عن شرعية قيام هذه الأحلاف استنادا إلى نص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تجيز الدفاع الجماعي عن النفس، إلا أنّ قيامها أثّر تأثيرا سلبيا خطيرا على المم المتحدة. فقد حلّ نظام "مناطق النفوذ" محل نظام "المن الجماعي" المنصوص عليه في الميثاق، وهو نظام نقيض له يف الواقع. ذلك أنّ نظام الأمن الجماعي يتعامل مع الكون ككتلة واحدة ويرتب على الكل مسؤولية تضامنية لمواجهة ما قد يقع من عدوان على الجزء. أمام نظام مناطق النفوذ فيقسم العالم إلى أجزاء يطلب كل منها الحماية المنفردة لقوة عظمى. وهذا ما حدث بالفعل.
    فقد خضعت أوربا الشرقية للنفوذ السوفياتي المنفرد وأصبحت مرتعا لتدخله المتكرر في شؤونها الداخلية (المجر:56، تشيكوسلوفاكيا:68...إلخ. كما خضعت أوربا الغربية والأمريكيتين لنفوذ وتدخل الولايات المتحدة المنفرد في شؤونها الداخلية. وفي هذا السياق يمكن القول إنّ دور وفاعلية الأمم المتحدة في المحافظة على استقلال وسيادة الدول وفي منع الدول الكبرى من التدخل في شؤون الدول الصغرى قد اختلف في مرحلة الحرب الباردة باختلاف طبيعة الأزمات التي اندلعت خلال تلك المرحلة، والتي يمكن التمييز بين ثلاثة أنماط منها:
    1 ـ الأزمات التي داخل النفوذ المباشر لإحدى القطبين العظميين. ولم تلعب الأمم المتحدة أي دور فاعل لمعالجتها، بعد أن تحولت هذه المناطق إلى ميادين محجوز لتدخل أطر إقليمية تهيمن عليها إحدى القوتين العظميين (حلف وارسو بالنسبة للاتحاد السوفياتي، وحلف الأطلسي ومنظمة الدول الأمريكية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية).
    2 ـ الأزمات التي انخرطت فيها إحدى القوتين العظميين كطرف مباشر (فيتنام أو أفغانستان على سبيل المثال). وهي أزمات عجزت الأمم المتحدة ليس فقط عن معالجتها وإيجاد الحلول وإنما حتى عن مجرد مناقشتها أحيانا (أزمة فيتنام) أو لمجرد توفير غطاء الانسحاب القوى العظمى يف أحيان أخرى (أفغانستان).
    3 ـ الأزمات الأخرى، أي تلك التي دارت خارج مناطق النفوذ المباشر أو لم تكن إحدى القوتين العظميين طرفا مباشرا فيها. وكان هذا هو النمط الوحيد من الأزمات الذي سمح النظام الدولي ثنائي القطبية للأمم المتحدة بأن تلعب فيه دورا اختلفت أشكاله وفاعليته من أزمة أخرى.
    ورغم ضعف الدور الذي لعبته الأمم المتحدة عموما في معالجة الأزمات الدولية وعدم تمكنها من صد محاولات الدول الكبرى للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الصغرى خلال مرحلة الحرب الباردة، إلا أنّ التوازن الدولي النسبي الذي ساد خلال تلك الفترة حال دون أن تصبح الأمم المتحدة أداة يف يد أي من المعسكرين المتصارعين. ومع ذلك فمن الواضح أن موازين القوة الفعلية في النظام الدولي كانت تميل خلال تلك الفترة لصالح الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها في الواقع، وهو ما ألقى بظلاله السلبية على الأمم المتحدة، بدليل أن إسرائيل تمكنت في مرحلة الحرب الباردة من أن تشنّ في عام 1967 عدوانا على الدول العربية المجاورة، وان تحتلّ أراضي شاسعة من هذه الدول، وأن تحتفظ بهذه الأراضي كورقة مساومة تفرض من خلالها شروطها للتسوية على الدول العربية. ولم يتمكن مجلس الأمن من مجرد الإشارة يف قراره بوقف إطلاق النار إلى انسحاب القوات المتحاربة إلى الخطوط التي كانت عندها قبل العمليات العسكرية كما اعتاد أن يفعل يف مثل هذه الأزمات. وكان ذلك مؤشرا مبكرا على عجز المم المتحدة عن تقديم الحماية الضرورية للضعفاء في النظام الدولي.
    ثانيا: تنامي دور العالم الثالث: لا جدال أن النظام الدولي ثنائي القطبية قد أفسح المجال لصعود نجم مجموعة الدول التي لم تكن لها مصلحة يف الانضمام إلى أي المعسكرين المتصارعين ويف تمكين هذه المجموعة من أن تلعب ، من خلال منظومة الأمم المتحدة، دورا سياسيا يدعم استقلال الدول وسيادتها ويحاول الحد قدر الإمكان من تدخل الدول الكبرى في شؤونها الداخلية. فقد دلت قيادة النظام الدولي في مرحلة الاستقطاب الثنائي إلى قوى غير أوربية ليس لها ماض استعماري مما أدى من ناحية، إلى إضعاف القوى الاستعمارية التقليدية الأوربية وتراجع دورها يف هذا النظام الدولي الجديد، ومن ناحية أخرى، إلى تنشيط ودعم حركات التحرر يف الدول المستعمرة التي حاولت كل القوتين العظميين المتصارعتين استمالتها إلى ناحيتها. وقد خلق هذا الوضع زخما ساعد على أن تتمتع "مجموعة عدم الانحياز"، تدريجيا، بأغلبية عددية في الجمعية العامة الأمم المتحدة في المنظمات العالمية المتخصصة الديمقراطية الطابع، حاولت استخدامها لتحقيق هدفين:
    الأول: القضاء على الظاهرة الاستعمارية وتمكين الدول الواقعة تحت الاستعمار أو الدول ناقصة السيادة، بأشكالها المختلفة، من الحصول على استقلالها السياسي. وهو ما نجحت فيه بشكل شبه تام.
    الثاني: تصحيح الخلل في هياكل وموازين القوة في النظام الدولي، وخاصة الاقتصادية والتكنولوجية، والحصول على دعم مالي وفني يمكنها من تحويل استقلالها السياسي، أو القانوني والشكلي، إلى استقلال فعلي. وهو مل لم تنجح فيه إلا على نحو محدود جدا.
    وعلى الرغم من ظان حركة العالم الثالث لم تنجح بالكامل في تحويل استقلالها السياسي إلى استقلال حقيقي، إلا أن نظام الاستقطاب الدولي وضعها في حالة استنفار ويقظة نسبية مكنتها من استخدام الأمم المتحدة ومنظماتها الديمقراطية المتخصصة كأداة للمحافظة قدر الإمكان على استقلالها السياسي والحيلولة دون خضوعها للاستعمار والتبعية المباشرة والفجة من جديد.
    ولذلك شكّلت هذه الحركة شوكة في حلق القوتين العظميين، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي صبّ جام غضبها على منظومة الأمم المتحدة.
    وبوصول الجناح اليميني في الحزب الجمهوري بقيادة ريجان إلى السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1980 زاد الضغط الأمريكي على الأمم المتحدة ووكالتها المتخصصة إلى حد انسحاب الولايات المتحدة من اليونسكو والامتناع عن تسديد جانب كبير من التزاماتها المالية إلى الأمم المتحد...إلخ.
    وكان الهدف تركيع هذه المنظمات وضمان عدم تجاوزها للخطوط الحمراء التي ترسمها الإدارة الأمريكية. وتسبب الموقف الأمريكي في أكبر أزمة مالية في تاريخ الأمم المتحدة التي أصبحت تكاد تكون عاجزة عن دفع رواتب موظفيها. غير أن مياها كثيرة جرت يف نهر النظام الدولي قبل أن تبدأ بوادر انهيار الاتحاد السوفياتي في أعقاب وصول غوباتشوف إلى السلطة، ثم انهياره الفعلي عقب أزمة الخليج الثانية.
    4 ـ سيادة الدول يف ظل العولمة والقطبية الحادية:
    حين نتحدث عن ظاهرة "العولمة" يجدر بنا أن نميز بين العولمة كعملية تاريخية Process والتي يشير إليها مصطلح Globalisation وبين العولمة كإطار فكري أو كنظام قيمي أو إيديولوجي، والتي يشير إليها مصطلح Globalism فالتقدم التكنولوجي، وخاصة في مجال الاتصالات والمواصلات، غير من أنماط ومن درجة وكثافة التفاعلات بين الدول والمجتمعات والشعوب والأفراد بطريقة جعلت من العزلة مسألة شبه مستحيلة. وبالطبع فإنّ درجة تأثر الدول والمجتمعات بهذه العملية "التاريخية"، والتي تدفع أجزاء العالم الجغرافية المتناثرة نحنو التقارب وربما التوحد، تختلف من حالة إلى أخرى، وتتوقف على موقع الدول والمجتمعات من شبكة التفاعلات الناجمة عن هذه العملية، ومدى قربها أو بعدها من مركز هذه الشبكة. وبهذا المعنى تعتبر "العولمة" أمرا واقعا يتعين التسليم به وبحث تأثيراته المختلفة، على الاقتصاد والسياسة والاجتماع...إلخ، بغية التقليل من أضراره والاستفادة من مزاياه إلى أقصى حد ممكن. أما العولمة Globalism كإيديولوجية أو كنظام قيمي والتي جسدتها بعض النظريات مثل نظرية فوكوياما حول "نهاية التاريخ" أو نظرية هنتنغتون حول "صراع الحضارات"، فهي أطروحات قابلة للجدل والاختلاف وتدخل في نطاق الفلسفة وليس في نطاق العلم. وتركيزنا سوف يكون على العملية التاريخية لا على إيديولوجية العولمة أو نظامها القيمي.
    ولا جدال في أن التحولات المتسارعة لعملية العولمة تدخل تحولات مهمة وعميقة على هيكل وموازين القوة في النظام الدولي وبما يؤثر بشدة على موضوع استقلال وسيادة الدول الذي نناقشه. من هذه التحولات:
    1 ـ إعادة توزيع وتغيير الأوزان النسبية للفاعلين في النظام الدولي لصالح الشركات العابرة للقوميات والمنظمات الدولية غير الحكومية (مؤسسات المجتمع المدني الدولي) وعلى حساب الدول لصال والمنظمات الدولية الحكومية.
    2 ت إعادة تشكيل خريطة وموازين القوى يف النظام الدولي بما يرجح أوزان القوى الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية (وخاصة في مجال تكنولوجيا المعلومات) على حساب القوى التقليدية، وخاصة العسكرية والديموغرافية.
    3 ـ إعادة ترتيب الأولويات على جدول أعمال النظام الدولي وتراجع القضايا التقليدية التي كانت تحتل مرتبة الصدارة في مرحلة الحرب الباردة، مثل قضايا الصراع بين الشرق والغرب أو بين الشمال والجنوب، وتقدم قضايا جديدة إلى موقعا الصدارة، مثل قضايا البيئة وحقوق الإنسان وأسلحة الدمار الشامل والإرهاب...إلخ.
    ولهذه التحولات انعكاسات بعيدة المدى على قضية سيادة الدول ومبدأ عدم التدخل يف الشؤون الداخلية للدول لأنها تثير تساؤلات، وربما إشكاليات، بالغة الأهمية تتعلق بمدى صلاحية الأسس والمبادئ التقليدية التي يقوم عليها صرح التنظيم الدولي، والوظائف والأدوار التي تؤديها (أو يتعين أن تؤديها) أجهزة هذا التنظيم وآلياته المتنوعة، وطبيعة العلاقة بين المنظمات الدولية بأنواعها المختلفة (الحكومية وغير الحكومية، العالمية والإقليمية، العامة والخاصة...إلخ)، ومدى ملاءمة هياكلها وبنيتها الداخلية للاضطلاع بالوظائف المنوطة بها...إلخ.
    ففي ما يتعلق بحدود العلاقة بين الشأن الداخلي والشأن الخارجي، أصبح من المسلم به، في ظل تنامي علاقات التأثير والاعتماد المتبادل بين الدول أن فكرة السيادة المطلقة لم تعد مقبولة، وان إطلاق يد الأنظمة الحاكمة في تحديد نطاق الشأن الداخلي لم يعد أمرا مسلّما كما كن في الماضي، بل وأصبح تدخل المجتمع الدولي في بعض الأمور التي كانت تعتبر في ما مضى شأنا داخليا ليس فقط أمرا مقبولا وإنما يراه البعض ضروريا وواجبا. فالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان أو تقديم العون والمساعدة للإرهاب الدولي أو الإضرار بالأنساق البيئية...إلخ أصبحت كلها أمورا تستوجب أو تبرر تدخل المجتمع الدولي.
    وقد عكس السكرتير العام للأمم المتحدة طبيعة التحول الذي طرأ على مفهوم السادة في عصر العولمة حين أشار في تقريره لعام 1999 إلى أنّ "مفهوم سيادة الدولة يمر في جوهره وفي معناه العميق بعملية تحول كبرى لا تعود فقط إلى وقوعه تحت ضغط وقى العولمة والتعاون الدولي. فالدول ينظر إليها الآن باعتبارها أدوات خاصة في خدمة شعوبها وليس العكس"، واستخدم تعبير "سيادة الفرد أو الإنسان" باعتباره مفهوما يتجدد الوعي به ويحظى بدعم متزايد نتيجة انتشار الحقوق الفردية، قبل أن يطالب بإيجاد تعريف أكثر رحابة لمفهوم المصالحة الوطنية" يتناسب مع متطلبات القرن الحادي والعشرين ويساعد على حفز الدول لضم الصفوف والسعي لتحقيق درجة أكبر من الوحدة على طريق الأهداف والقيم المشتركة".
    كذلك تعيد العولمة طرح قضية تعريف العدوان. إذ تتوقف فاعلية المؤسسات في تحقيق السلم والأمن الدوليين، في نهاية التحليل، على مدى وضوح مفهوم العدوان ومعناه وحجم الاتفاق المتحقق حوله. ولم يكن تعريف العدوان في مرحلة الحرب الباردة سهلا، كما سبقت الإشارة. ومع ذلك فقد كان هناك ما يشبه الإجماع على أنّ مفهوم العدوان ينصرف أساسا إلى أي عمل عسكري غير مبرر، أي غير مشروع تقوم به دولة أو أكثر ضد دولة أخرى أو أكثر. أما في زمن العولمة فقد اصبح تعريف العدوان أكثر تعقيدا بما لا يقاس. فقد يؤدي التلاعب يف أسواق المال الدولية أو إلقاء نفايات نووية، أو تسهيل حصول جماعات إرهابية على أحد أسلحة الدمار الشامل ...إلخ، إلى إحداث أضرار قد تفوق بما لا يقاس حجم الأضرار الناجمة عن العدوان العسكري بمعناه التقليدي. ولأنه لا يوجد يف ميثاق الأمم المتحدة تعريف محدد للعدوان، فضلا عن أنّ معظم أجهزة الأمم المتحدة العاملة في مجال المحافظة على السلم والأمن الدوليين كانت قد صمّمت لمواجهة العدوان العسكري بمعناه التقليدي، فإنّ البحث عن تعريف دقيق للعدوان يف زمن العولمة لا يتطلب فقط ضرورة إعادة التفكير في مصادر تهديد السلم والأمن الدوليين، وإنما يتطلب أيضا، وفي الوقت نفسه، ضرورة العمل على إعادة هيكلة وتصميم المؤسسات الدولية بما يمكنها من مواجهة كافة تلك التهديدات القديمة منها والمستحدثة.
    على صعيد آخر يلاحظ أنّ العولمة تدفع في اتجاه دور الفاعلين الآخرين غير الدول على المسرح الدولي وهو ما يؤدي إلى انعكاسات بالغة الخطورة على قدرة المؤسسات الدولية الحكومية على القيام بالوظائف والأدوار المنوطة بها تقليديا. فالعضوية في المؤسسات الدولية الراهنة تقتصر على الدول التي تمثل من خلال حكومتها. وهناك من يرى أنّه إذا كان لهذا الوضع ما يبرره في مرحلة كانت فيها الدول هي الفاعل الرئيسي،إن لم يكن الوحيد، في العلاقات الدولية، فإنّ استمرار هذا الوضع في مرحلة تتآكل يفها أوزان الدول والحكومات في ظل الأوضاع الراهنة. وتطرح هذه الإشكالية تحديا خطيرا يتمثل في ضرورة إعادة صياغة العلاقة بين المنظمات الدولية والحكومية، من ناحية، وبين كل من المنظمات الدولية غير الحكومية الشركات العابرة للقوميات من ناحية أخرى.
    وكانت الأمم المتحدة قد حاولت إفساح المجال أمام المنظمات الدولية غير الحكومة للتعبير عن رأيها بصورة أوضح عندما وجّهت الدعوة إلى أعداد ضخمة منها للمشاركة في المؤتمرات العالمية التي نظمتها حول قضايا البيئة (قمة الأرض:ريو دي جانيرو)، وحقوق الإنسان (فينا) والسكان والتنمية (القاهرة)...إلخ. لكن العلاقة بين الأمم المتحدة والمنظمات الدولية غير الحكومية ما تزال في حاجة إلى صيغة مؤسسية أكثر وضوحا واستقرارا. وكانت الشركات العابرة للقوميات محل هجوم وانتقادات عنيفة ومتواصلة من جانب دول العالم الثالث خلال مرحلة الحرب الباردة، وقد خفّت حدة هذا الهجوم الآن بسبب طبيعة الإيديولوجية العالمية السائدة وتراجع دور العالم الثالث في التنظيم الدولي، لكن العلاقة ما تزال في حاجة إلى صيغة مؤسسية مستقرة.
    وتثير هذه الأمور كلها قصية المواءمة بين الاعتبارات المتعلقة بديمقراطية التنظيم الدولي والاعتبارات المتعلقة بفاعليته. فالديمقراطية تتطلب تحقيق المساواة الكاملة بين الدول الأعضاء على أساس أنّ لكل دولة صوتا واحدا، كما تتطلب اتخاذ القرارات بالأغلبية ومشاركة الجميع في التصويت. أما الفاعلية فتتطلب سرعة اتخاذ القرارات وسرعة حشد وتعبئة الموارد المادية والبشرية اللازمة لمواجهة المواقف الطارئة وإدارة الأزمات الدولية. وكانت الأمم المتحدة قد حاولت حل هذا التناقض، كما سبقت الإشارة، عن طريق إنشاء مجلس الأمن محدود العضوية، إلى جانب الجمعية العامة التي تمثل فيها كافة الدول الأعضاء دون تمييز. واسند هذا المجلس المصغر مهمة حفظ السلم والأمن الدوليين، وخوّل سلطات وصلاحيات واسعة (اشتملت أيضا على سلطة اتخاذ إجراءات عسكرية).، وانفردت فيه الدول الكبرى وحدها بالعضوية الدائمة وبحق الاعتراض على مشروعات القرارات المعروضة عليه. غير أنّ الفاعلية المرجوة من وراء هذا الحل توقفت على شرط مهم وهو إجماع الدول الكبرى دائمة العضوية، والذي لم يتحقق بسبب اندلاع الحرب الباردة مما ترتب عليه إصابة مجلس الأمن بالشلل طوال ما يقرب من نصف قرن، كما سبقت الإشارة. غير أنّ التحول الذي أصاب هيكل موازين القوة في النظام الدولي تحت تأثير العولمة وانتهاء الحرب الباردة أحال الجهاز المسؤول عن السلم والأمن الدوليين إلى مجرد أداة في يد القوة العظمى الوحيدة المهيمنة وهي الولايات المتحدة.
    وكانت قد لاحت يف الواقع فرصة نادرة لإحياء نظام الأمن الجماعي وتدعيمه عندما اندلعت الأزمة التي تسبب فيها الغزو العراقي للكويت في 2 أغسطس عام 1990، خصوصا وان حائط برلين كان قد سقط وانتهت الحرب الباردة قبل اندلاع الأزمة. وطرح بوش، وغيره من زعماء العالم، شعار "النظام العالمي الجدي" الذي تلعب فيه المم المتحدة الدور الرئيسي في المحافظة على السلم والمن في العالم. وبدأ مجلس الأمن يتصرف أثناء الأزمة الكويتية بطريقة مختلفة تماما وغير معهودة. فاجتمع أكثر من مرة على مستوى وزراء الخارجية، وبدأ يشير في قراراته جميعها (صراحة ولول مرّة) أنّه يتصرف وفقا للفصل السابع، وقام بتطبيق نظام العقوبات المنصوص عليه في الميثاق بحذافيره وبطريقة بالغة القسوة والصرامة. لكن اتضح بعد ذلك، وللأسف الشديد، أن هذا الشعار لم يقصد به سوى المحافظة على تماسك التحالف الدولي الذي برز في مواجهة العراق، وأن إحياء نظام الأمن الجماعي لم يكن مطروحا أصلا على أجندة الإدارة الأمريكية. ولذلك ما إن حصلت الولايات الأمريكية المتحدة على القرار 687، والذي يفوض التحالف الدولي الذي تقوده باستخدام القوة ضد العراق، حتى أحست بأنها أصبحت حرّة تماما وطليقة الحركة وظانّ مجلس الأمن لم يعد يعنيها في قليل أو كثير. ولذلك يلاحظ أنّ مجلس الأمن أصيب بالسكتة القلبية تمام في الفترة الممتدة من 29 نوفمبر 1990 (تاريخ صدور قرار التفويض) وحتى نهاية الحرب في مارس 1991. واعتبر العديد من الباحثين أنّ مجلس الأمن تعرّض خلال هذه الفترة لعملية اختطاف فعلية كي تصبح الولايات المتحدة في موقف يمكنها من إدارة الأزمة بالطريقة التي تحقق لها أهدافها الرئيسية وهي: ضمان تواجد أمريكي عسكري كبير ودائم في منطقة الخليج، والتعجيل بانهيار الاتحاد السوفياتي عن طريق إثبات عجزه وتدهور مكانته في النظام الدولي. وقد تمكنت بالفعل من تحقيق هذين الهدفين بالكامل.
    وإذا كانت نهابة الحرب الباردة قد أعادت لمجلس الأمن بعضا من حيويته المفقودة، بعد أن تقلّصت احتمالات استخدام الفيتو في ظل النظام العالمي "الجديد"، إلا أنّ هذا النظام كشف، في الوقت نفسه، عن مواطن الخلل الهيكلي في الشرعية الدولية التي يمثلها مجلس الأمن. ويظهر تحليلنا للطريقة التي أدارت بها الأمم المتحدة الأزمات الدولية بعد انهيار نظام القطبية الثنائية وجود ثلاثة أنماط لهذه الإدارة وهي:
    1 ـ الإدارة بالاستبعاد: في الأزمات التي لا يراد للأمم المتحدة أن تتدخل فيها على ا؟ي نحو. واهم مثال هذا النموذج إدارة الصراع العربي ـ الإسرائيلي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة.
    2 ـ الإدارة بالافتعال: في الأزمات التي يراد إقحام مجلس الأمن فيها إقحاما دون أي مبرر قانوني أو أخلاقي. واهم مثال على هذا النموذج إدارة الأزمة في ليبيا بسبب حادث لوكربي.
    3 ـ الإدارة بالمشاركة المحسوبة: وهو النمط الغالب على أسلوب الأمم المتحدة في إدارة الأزمات الدولية بعد نهاية الحرب الباردة. ووفقا لهذا النمط تلعب الأمم المتحدة دورا يختلف من حيث الحجم والفاعلية باختلاف نوع الأزمة ويتوقف على درجة حماس الدول الغربية، وخاصة الولايات الأمريكية المتحدة، ومدى استعدادها لوضع الإمكانات المادية والبشرية اللازمة تحت تصرف الأمم.
    وقد أظهرت إدارة الأمم المتحدة للأزمات زمن العولمة عموما أنّ مجلس الأمن معرض لأن يتخذ قرارات غير دستورية دون أن يكون في مقدور أي جهاز دولي آخر أن يمارس في مواجهته أي نوع من أنواع الرقابة السياسية أو القضائية. وساهم سقوط وانهيار الاتحاد السوفياتي في إلقاء مزيد من الضوء على حقيقة أنّ تشكيل مجلس الأمن لم يعد يعكس هيكل وموازين القوى في النظام الدولي "الجديد". ومعنى ذلك أنّ مصداقية تمثيل مجلس الأمن للمجتمع الدولي أصبحت محلّ شكّ. بعبارة أخرى يمكن القول أنّ مجلس الأمن، وهو الجهاز الذي يحتل موقع القلب في بنية التنظيم الدولي العالمي، تحول في زمن العولمة إلى شيء أشبه بحكومة ديكتاتورية غير مسؤولة وغير شرعية أيضا. ويطرح هذا الوضع تحديا من طبيعة مزدوجة تتعلق، من ناحية، بضرورة البحث عن صيغة جديدة لحل معضلة التوفيق بين اعتبارات الديمقراطية واعتبارات الفاعلية، ومن ناحية أخرى، تطوير معايير لفرز واختيار القوى التي يحق لها احتلال مقاعد دائمة أو شبه دائمة في مجلس الأمن بما يضمن شرعية ومصداقية تمثيل هذا الجهاز للمجتمع الدولي وموازين القوى فيه.
    وعلى الرغم من اتباع الولايات المتحدة، منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، لسياسة منظمة تهدف في نهاية المطاف إلى تهميش وإضعاف دور الأمم المتحدة، إلا أنّ الحرص على وجود غطاء الشرعية الدولية ظلّ قائما في جميع الأحوال. وعلى سبيل المثال فقد ظلّت الولايات المتحدة تدّعي أنّ العمليات العسكرية التي تقوم بها منفردة أو بالتعاون مع دول أخرى ضد العراق عمليات مشروعة قانونا، لأنها تأتي في إطار تفويض سبق صدوره من مجلس الأمن ومازال معمولا به، وأنّ الهدف النهائي لهذه العمليات هو تطبيق قرارات صادرة عن مجلس الأمن. لكن يبدو أنّ الولايات المتحدة لم تعد حريصة حتى على مجرد استيفاء النواحي الشكلية اللازمة للإضفاء المشروعية على سياستها. وقد ظهر هذا جليا عندما تدخل حلف الناتو عسكريا في كوسوفا دون الحصول على تصريح بذلك من مجلس الأمن، وهو ما يمكن أن يتكرّر في الأزمة العراقية الحالية حيث تهدد الولايات المتحدة علنا بعزمها على استخدام القوة ضد العراق، منفردة أو بالتعاون مع آخرين، إذا لم تتمكن من استصدار القرار الذي تريده من مجلس المن. وربما يعود السبب في هذا المنحى الجديد إلى رغبة الولايات المتحدة في ممارسة سياسة حرّة وطليقة من كل قيد حتى ولو تمّ ذلك عبر جثة الأمم المتحدة. ولتبرير هذا الاستخدام غير الشرعي للقوة يطرح مبدأ التدخل لأغراض إنسانية. لكن التدخل المسلح لأغراض إنسانية له شروطه ويتعين في جميع الأحوال أن يتم تحت سلطة مجلس الأمن.
    على صعيد آخر فإنّ الآثار المتوقعة لعملية العولمة ولهيمنة القطب الواحد تفرض إعادة طرح قضية العلاقة بين التنظيم العالمي والتنظيم الإقليمي. وكان ميثاق الأمم المتحدة قد أوجد صيغة معقولة لهذه العلاقة، لكنها لم تعمل على ارض الواقع بالكفاءة المطلوبة يف زمن الحرب الباردة بسبب انهيار نظام المن الجماعي وبروز نظام مناطق النفوذ. ولأن نهاية الحرب الباردة لم تؤدّ إلى إحياء نظام المن الجماعي فقد حاول حلف الأطلسي، وهو أحد أهم الأطراف المنتصرة في الحرب الباردة، أن يعطي لنفسه دورا جديدا يتجاوز به ليس فقط دوره التقليدي كحلف دفاعي وإنما أيضا الدور المنصوص عليه في الميثاق للمنظمات والترتيبات الإقليمية المشكلة وفقا للفصل الثامن من الميثاق، بل يمكن القول أنّ حلف الأطلسي يحاول أن يطرح نفسه الآن كبديل لمجلس الأمن نفسه، في حالة عدم تحقق الإجماع بين الدول دائمة العضوية أو كأداة عسكرية لمجلس الأمن في حالة تحقق مثل هذا الإجماع. وذلك وضع خطير جدا يفرض ضرورة إعادة صياغة العلاقة بين التنظيمين العالمي وإقليمي وهو ما يحتاج إلى جهد مبتكر وخلاق.
    الخلاصة:
    من الضروري والمفيد أن نميز بين نمطين من أنماط التحولات التي يشهدها النظام الدولي حاليا وهما: نمط التحولات الناجم عن عملية العولمة، من ناحية، ونمط التحولات الناجم عن هيمنة القطب الواحد على النظام الدولي في مرحلة تطوره الراهن، من ناحية أخرى. فلكل من هذين النمطين تأثيرات تبدو متناقضة على مفهوم سيادة الدول ومبدأ التدخل في شؤونها الداخلية.
    فعملية العولمة، والتي تبدو وكأنها عملية حتمية لا فكاك منها، تؤدي إلى مزيد من تداخل وتشابك المصالح بين الدول والشعوب وعلى نحو يصعب معه تحديد الخطوط الفاصلة بين حدود الاختصاص في الشأن الداخلي وحدود المسؤولية الدولية. وحلّ هذه الإشكالية، في تقديرنا، لا يكون إلا بالعودة إلى المفاهيم التقليدية للسيادة وبإعادة التأكيد على أنّ السلطة القائمة في الدول، وبصرف النظر عن مدى شرعيتها، هي التي تقرر بنفسها ولنفسها حدود الشأن الداخلي. وإنّما يكون بدعم وتقوية سلطة المؤسسات الدولية وضمان نزاهتها وديمقراطيتها.
    أما عملية الهيمنة، والتي قد تكون هي نفسها أحد النتائج الفرعية لعملية العولمة في مرحلة تطورها الراهن، فقد أفرزت موازين للقوة غذت طموح ونهم الولايات المتحدة الأمريكية في السيطرة على العالم. فهناك فجوة كبيرة بين حجم ونوع ما تملكه من وسائل القوة، بمعناها الشامل، وما تملكه القوى الأخرى على قمة التنظيم الدولي كالاتحاد الأوربي وروسيا الاتحادية الصين، وربما اليابان أيضا. وتحاول الولايات المتحدة استخدام هذه الفجوة لتسخير قوى وآليات عملية العولمة لصالحها وعن النحو الذي يمكنها من السيطرة على النظام الدولي مستفيدة من حالة الارتباك والفوضى التي تميّز المؤسسات الدولية يف الوقت الراهن. وفي هذا السياق تروّج الولايات المتحدة لمبدأ "التدخل الإنساني" وتتوسع في تفسير مفهومه، لكنها تخلط عمدا بين إرادتها هي وبين إرادة المجتمع الدولي معتبرة أنّ إرادتها الخاصة تعبر بالضرورة عن إرادة الشرعية الدولية. ويصبّ الوضع في اتجاه إضعاف المؤسسات الدولية وطمس شفافيتها ودعم النزاعات الفاشية والإرهابية.
    وهكذا تعود فكرة الحكومة العالمية لتطل برأسها من جديد في زمن العولمة، لا باعتبارها حلما بعيد المنال، كما كان الحال في الماضي، وإنما باعتبارها مسألة ضرورية وربما حتمية. ولم تعد الإشكالية المطروحة في هذا الزمن تتعلق بخيار قبول أو رفض وجود مثل هذه الحكومة وغنما بنوع الحكومة المطلوبة وسبل إقامتها. وما هو مطروح، في هذا الإطار، قد لا يخرج عن ثلاثة بدائل. الأول: حكومة خفيّة تمثلها شبكة متّسعة من تحالف غير معلن بين الشركات العابرة للقارات وبعض المؤسسات المجتمع المدني بالتنسيق والتعاون مع حكومات مجموعة الدول السبع. والثاني: حكومة معلنة مفروضة بحكم الأمر الواقع، تمثلها الإدارة الأمريكية وتمارس تدخلها من خلال مجلس الأمن أو حلف الأطلسي أو منفردة، حسب ما تراه ملائما لمصلحتها. والثالث: حكومة منبثقة عن نظام عالمي ديمقراطي تمارس عملها في ظل رقابة سياسية وقانونية، أي في ظل سلطة تشريعية دولية وسلطة قضائية.
    البديلان الأول والثاني قائمان ويتنافسان على أرض الواقع. أما البديل الثالث فمازال حلما بعيد المنال لأن الظروف لم تتضح بعد لوضعه موضع التنفيذ. وهذا ما يتعيّن على القوى الرافضة للهيمنة والباحثة عن ديمقراطية العلاقات الدولية أن تبذل كل جهد ممكن لتحويله إلى واقع .

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 5:56 pm