أسعدنا تسجيلك وانضمامك لنا

ونأمل من الله أن تنشر لنا كل مالديك

من إبداعات ومشاركات جديده

لتضعها لنا في هذا القالب المميز

نكرر الترحيب بك

وننتظر جديدك المبدع

مع خالص شكري وتقديري

ENAMILS

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

أسعدنا تسجيلك وانضمامك لنا

ونأمل من الله أن تنشر لنا كل مالديك

من إبداعات ومشاركات جديده

لتضعها لنا في هذا القالب المميز

نكرر الترحيب بك

وننتظر جديدك المبدع

مع خالص شكري وتقديري

ENAMILS

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
 ديمقراطية الدستور وديمقراطية الحكومات ودور مجلس النواب 580_im11 ENAMILS  ديمقراطية الدستور وديمقراطية الحكومات ودور مجلس النواب 580_im11

المواضيع الأخيرة

» مدونة القوانين الجزائرية - محدثة يوميا -
 ديمقراطية الدستور وديمقراطية الحكومات ودور مجلس النواب I_icon_minitimeالسبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed

»  شركة التوصية بالاسهم -_-
 ديمقراطية الدستور وديمقراطية الحكومات ودور مجلس النواب I_icon_minitimeالجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin

» مكتبة دروس
 ديمقراطية الدستور وديمقراطية الحكومات ودور مجلس النواب I_icon_minitimeالإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin

» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
 ديمقراطية الدستور وديمقراطية الحكومات ودور مجلس النواب I_icon_minitimeالخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin

» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
 ديمقراطية الدستور وديمقراطية الحكومات ودور مجلس النواب I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin

» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
 ديمقراطية الدستور وديمقراطية الحكومات ودور مجلس النواب I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin

» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
 ديمقراطية الدستور وديمقراطية الحكومات ودور مجلس النواب I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin

» بحث حول المقاولة التجارية
 ديمقراطية الدستور وديمقراطية الحكومات ودور مجلس النواب I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl

» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
 ديمقراطية الدستور وديمقراطية الحكومات ودور مجلس النواب I_icon_minitimeالأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique

» الدفاتر التجارية:
 ديمقراطية الدستور وديمقراطية الحكومات ودور مجلس النواب I_icon_minitimeالجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma

ENAMILS


كتاب السنهوري


    ديمقراطية الدستور وديمقراطية الحكومات ودور مجلس النواب

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 6322
    نقاط : 17825
    تاريخ التسجيل : 28/06/2013
    العمر : 33

     ديمقراطية الدستور وديمقراطية الحكومات ودور مجلس النواب Empty ديمقراطية الدستور وديمقراطية الحكومات ودور مجلس النواب

    مُساهمة من طرف Admin الإثنين أغسطس 12, 2013 6:44 pm



    ديمقراطية الدستور وديمقراطية الحكومات ودور مجلس النواب

    المحامي
    الأستاذ الدكتور محمد الحموري


    إن نظام الدولة في الوطن العربي، قد استوردناه خلال القرن العشرين، من الدولة الغربية شكلا ومضمونا. وإذا كان المواطن العربي، يشعر داخل دولته الإقليمية، أن المواطن في الدول الغربية أفضل منه حالا في المجالات كافة، فإن المثقفين العرب، يعبرون عن هذه المفارقة بالقول أن المواطن الغربي يعيش في دولة ديمقراطية، في حين أن المواطن العربي يعيش في دولة لا تتوافر فيها الديمقراطية. فما هو أساس الديمقراطية التي تفتقر إليها العديد من دول الوطن العربي وما هي متطلباتها وعناصرها؟ ثم ما هو واقع الممارسة الديمقراطية في الأردن وما هو الدور الذي ينبغي على مجلس نوابنا الجديد وكتله القيام به؟

    بعد أن فكرت في الكتابة في هذا الموضوع، وتكاملت لدي عناصره، أحسست أن الكتابة فيه واجب وطني. ذلك أنه أصبح يغلب على الثقافة القانونية والسياسية طابعا انتهازيا، لكثرة ما استخدمت كوسيلة للتكسب، بل وغدا العديد من المتخصصين في حقل القانون من أصحاب الفتاوى الجاهزة، يبررون الخطيئة لا يهمهم ضحاياها ويتاجرون بالكلمة كشعراء المديح لا تعنيهم الحقيقة بل طرب من يمدحون، ويقفزون بالحاضر قرونا الى الوراء عندما كانت فتاوى فقهاء السلاطين تشكل سندا شرعيا للسوط الذي يجلد الأمة دون وجه حق، فيتحدثون باسم الشريعة الإسلامية وهي بريئة مما يفعلون. وقد ترتب على هذا اختلاط الأمر على الناس، بل وعلى المثقفين بوجه عام، حتى أصبحت عبارات مثل: الدستور والديمقراطية والتعددية السياسية وتداول السلطة، عبارات فارغة المدلول، لأن معانيها التي ينبغي أن تسود تفصل حسب الطلب وتبعا للمصلحة، ما دام صاحب الصوت الأعلى أو صاحب الجيب المنتفخ أو حتى من لديه بعضٌ من سلطة، هو سيد الساحة، شكرا لإعادة التاريخ بثمن مغموس بدماء الواقع المسفوح، ولا من مغيث مع كثرة من يستجير.

    وأمام هذا، وجدت من واجبي أن أدرس بأسلوب مبسط يكون واضحا للكافة، موضوع الديمقراطية، وواقع ممارستها في الأردن ثم دور مجلس النواب الجديد في هذا المجال. وأنا واثق من أن هذا الحديث سيكون فيه بعض الفائدة للعديد من النواب، فضلا عن القانونيين والمنشغلين بالثقافة السياسية والدستورية الحقة.

    أولا: في الأساسيات:

    إن الحديث عن الديمقراطية يقتضي تتبع فكرتها وتأصيلها منذ أن كانت غراسا ذهنيا عند أصحاب الفكر، حتى أصبحت وسيلة لتغيير التاريخ، وأساسا تقوم عليه دساتير الدول، ونهج حياة لدى المجتمعات.

    1. تستند الدولة الغربية الحديثة، التي استوردت الدول الإقليمية العربية شكل دولها منها، إلى نظرية العقد الإجتماعي. وقد ولدت هذه النظرية، على يد عدد من فلاسفة الغرب، الذين اشتهروا باسم فلاسفة العقد الإجتماعي. ومن أبرز هؤلاء الفلاسفة، الذين أعطوا للنظرية شكلها المنظم، (توماس هوبز) في كتابه (المارد) عام 1651 و(جون لوك) في كتابه (الحكومة المدنية) عام 1690 و(جان جاك روسو) في كتابه (العقد الإجتماعي) عام 1762.

    2. وقد جاءت هذه النظرية، كردة فعل لعصر العبودية المظلم، الذي عاش فيه الإنسان الغربي طيلة العصور الوسطى، وهي الفترة الممتدة من القرن الخامس الميلادي حتى القرن الخامس عشر. وخلال هذه الفترة، كانت الأرض ومن يعيش عليها مملوكة للحاكم. وكان يحيط بالحاكم، فئة من الناس، تنتفع من اقترابها منه، وتتمتع بامتيازات كبيرة. وفي مقابل هذه الامتيازات، كانت وظيفة تلك الفئة، أن تشكل سوط الحاكم، وأداته الضاربة، بل والقامعة للأفراد. أما أفراد الشعب، فقد كانوا عبيداً أو شبه عبيد، لا حرية لهم ولا حقوق في معايير اليوم. لقد كانوا في مواجهة الحاكم، أشبه بالحيوانات أو أقل من ذلك. ولقد عاش الإنسان الأوروبي في ذلك الزمان، فترة حالكة الظلام، آدميته مهدورة، وحريته مسلوبة، وحقوقه مستباحة، ووظيفته تنفيذ إرادة الحاكم، الذي كان يعتبر ظل الله على الأرض.

    3. وفي وسط هذا الظلام الدامس، غُرست بذور نظرية العقد الإجتماعي لتنمو، ثم بعد ذلك لتتكامل معالمها، خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر. ومضمون هذه النظرية، (على اختلاف في بعض التفصيلات بين فلاسفتها)، أن الإنسان في الأصل ولد حراً، وأن مصدر هذه الحرية ليس المجتمع أو القوانين أو الحاكم، وإنما الطبيعة التي وجد فيها، أو آدميته الإنسانية. وبالنظر إلى أن قدرات البشر الطبيعية والذهنية متفاوتة، فإن استمرار الحرية المطلقة للإنسان، التي لا تحكمها قيود أو قوانين، سوف يؤدي إلى سيادة شريعة الغاب، حيث يتكفل فيها القوي بابتلاع الضعيف. ومن هنا انطلق الفلاسفة إلى القول بأنه، حتى يتمكن الإنسان من العيش بأمان، فقد اتفق الأفراد على تكوين المجتمع، أي الدولة، بحيث تتولى السلطة، أي الحاكم، تنظيم هذا المجتمع، وعلى نحوٍ يتكفل فيه الحاكم بردع القوي وإنصاف الضعيف. وبمقتضى هذا العقد، يتنازل الأفراد عن جانب من حرياتهم البدائية التي ولدت معهم، من أجل تمكينهم من ممارسة الحريات الباقية بأمان، وعلى نحوٍ منظم. فإن اعتدى الحاكم على هذه الحريات، أو مارس امتيازاً شخصياً على حساب حريات الأفراد وحقوقهم، فإنه يكون بذلك قد أخلّ بالعقد الإجتماعي وفقد مبرر وجوده، ووجب تبديله بحاكم يحافظ على مضمون العقد الإجتماعي.

    4. ويلاحظ أن النظرية على النحو السابق، لا تستند إلى أي أساس تاريخي. فلم يحدث في التاريخ الغربي المعروف، الذي انطلق هؤلاء الفلاسفة من تحليله، أن تعاقد الأفراد على إنشاء دولة أو تنصيب حاكم. كما لم يحدث في التاريخ كله أيضا، أن عاش الإنسان منعزلا عن غيره، أي خارج مجتمع، ثم بعد ذلك دخل إلى المجتمع نتيجة اتفاق. لقد كانت نظرية العقد الإجتماعي مجرد خيال قانوني، لا أساس له من التاريخ أو الواقع. ولكن على الرغم من ذلك، فقد انتشرت النظرية في المجتمع الأوروبي، وزحفت إلى المجتمع الأمريكي البادئ النشأة، بسرعة فائقة، وتعاملت الشعوب معها وكأنها نظرية حقيقية واقعية، وأصبحت الشعوب تطالب بحقوقها وحرياتها في مواجهة الدولة والحاكم، تماما وكأن هناك عقداً واضح المعالم منضبط الشروط، بين الحاكم والمحكوم. لقد كانت الشعوب عطشى للحرية، بعد رحلة عذاب القرون الوسطى، وبدأت بالتمرد على الماضي والحاضر. وفي وسط هذا الضجيج، بل والدوي الهائل، الذي فجرت فيه نظرية العقد الإجتماعي كل تاريخ العبودية الطويل، قامت ثلاث ثورات: الأولى: الثورة الإنجليزية الثالثة، وهي ثورة بيضاء انتهت عام 1770م حيث استحوذ البرلمان الإنجليزي وفقا لها على السلطة، باعتبار أنه ما دام أن الشعب هو مصدر السلطة والبرلمان هو الذي يمثل الشعب صاحب السلطة فإن السلطة تكون للبرلمان وليس غيره. وترتب على ذلك أن الحكومة يفرزها البرلمان لتمارس سلطاتها تحت رقابته ورقابة القضاء. وكانت الثورة الثانية هي: الثورة الأمريكية، حيث أوردت في دستورها، الذي وضع عام 1787م، وبدأ تنفيذه اعتبارا من عام 1789م ولا يزال ساريا حتى الآن، ما يقنن الأفكار التحررية التي جاءت بها النظرية. واستناداً إلى النظرية أيضا قامت الثورة الثالثة وهي: الثورة الفرنسية عام 1789م، لتجعل من الشعب ـ الأمة ـ مصدراً للسلطات، ولتدوّن الفكر الجديد في دساتيرها المتعاقبة. وسرى سحر النظرية إلى الأمم الباقية من أوروبا، وشكلت تياراً جارفاً تهاوت أمام قوته السلطات المطلقة للحكام، لتحل مكان وحدانية الحاكم، دساتير ديمقراطية، تجعل الأمم والشعوب مصدراً للسلطات فيها، ولتقوم الدولة الحديثة على أساس هذا الفكر.

    5. وإذا كان إعمال نظرية العقد الإجتماعي، قد أدى الى أن تصبح الأمم والشعوب مصدراً للسلطات، فقد حرصت الدساتير الحديثة جميعاً، على إيجاد ثلاث سلطات في الدولة. السلطة التشريعية وينتخبها الشعب/الأمة، لتضع القوانين التي تنظم الحقوق والحريات وإنفاق الأموال العامة، وتتكفل برقابة السلطة التنفيذية ومنح الثقة للحكومة أو سحبها منها، والسلطة التنفيذية التي تتولى تنفيذ القوانين وأعمال الإدارة، ثم السلطة القضائية التي تتولى الرقابة على مشروعية سن القوانين وسلامة تطبيقها وتنفيذها.

    6. وحتى لا يعيد الحاكم سيرته الأولى، ويمارس وحدانية ليست له، فقد استقر في الدساتير مبدأ يقضي بخضوع كل من الحاكم والمحكوم للقانون. ويقصد بالقانون هنا معناه الواسع، أي مجموعة القواعد العامة والمجردة، التي توضع قبل وقوع الحوادث التي تطبق عليها، وبصرف النظر عن الأشخاص الذين تسري عليهم، وبالتالي فإن القانون هنا يشمل الدستور والقانون بمعناه الضيق، والأنظمة والتعليمات والقرارات. ويسمى هذا بمبدأ سيادة القانون. ووفقاً لهذا المبدأ، فإن قواعد القانون بمعناه الواسع لا بد وأن توضع لتحقيق المصلحة العامة، ولا بد أن يخضع لها كافة المخاطبين بأحكامها، أشخاصاً كانوا أم وقائع، ولا بد أخيراً في قواعد القانون أن تكون منسجمة في تدرجها، بمعنى أن لا تخالف القاعدة الأدنى القاعدة الأعلى منها مرتبة، بحيث لا يجوز للقرارات أن تخالف التعليمات، ولا للتعليمات أن تخالف النظام، ولا للنظام أن يخالف القانون، ولا للقانون أن يخالف الدستور، وهذا ما يعرف في الوقت الحاضر بمبدأ المشروعية.

    7. ويلاحظ هنا، أن مبدأ سيادة القانون، أو خضوع الحاكم والمحكوم للقانون، يقتضي أولا إصدار القواعد القانونية بمعناها الواسع، لتنظيم الأشخاص والأفعال والوقائع. ومتى صدرت هذه القواعد، فلا يجوز أن يخالفها لا الحاكم ولا المحكوم. وبالتالي، فإن على كافة سلطات الدولة، والأشخاص الذين يوجدون في موقع المسؤولية، أن يلتزموا بهذه القواعد، حتى ولو كانت تتعارض مع رغباتهم أو مصالحهم، كما أن عليهم، أن يلزموا المحكومين بها وبقوة الدولة عند الاقتضاء. فإذا ما تبينت سلطات الدولة، أو الأشخاص القائمين على هذه السلطات، أن بعض القواعد أصبحت غير مناسبة، فإن لهم تغييرها بالطريق القانوني المشروع، ولكن ليس لهم مخالفة القواعد القانونية ما دامت قائمة، بحجة أنها غير مناسبة. وإذا كان يفترض فيمن يمارس السلطة، ولديه صلاحية تعديل أو تغيير القوانين القائمة، أنه يمارس ذلك تحقيقاً للمصلحة العامة، فلا يجوز أن يستغل سلطانه من أجل وضع قواعد مصلحية، غاياتها الحقيقية جلب مصالح له ولأتباعه ولأنصاره. ذلك أنه في الوقت الذي لا يحترم فيه صاحب السلطة مبدأ سيادة القانون، أو مبدأ المشروعية على النحو السابق، فإنه بذلك يزرع بذور الإنهيار في مجتمع الدولة، لتبدأ في العودة إلى منطق القرون الوسطى والإستبداد ووحدانية الحاكم.

    8. ويلاحظ أن السلطات التنفيذية، خلال النصف الأخير من القرن العشرين وحتى الآن، حاولت الزحف على اختصاصات السلطة التشريعية، والتدخل في عمل السلطة القضائية. ولكن في الوقت الذي تُمكِّن فيه آلية بعض النظم السياسية، من كبح جماح السلطة التنفيذية، فإن هناك نظماً استطاعت فيها السلطة التنفيذية، الافتئات على السلطتين التشريعية والقضائية، ضاربة بعرض الحائط مبدأ سيادة القانون ومبدأ المشروعية معا. ويزداد الأمر خطورة إذا كانت إحدى السلطتين، التشريعية أو القضائية، أو كلاهما، شريكاً في هذا التمادي. وإذا كان هذا الافتئات لا يجد من يردعه حين وقوعه، فإن تجارب الأمم تدل بوضوح على أن الشعوب التي لم تستطع ردع السلطة التنفيذية عند الافتئات أو الانحراف، فإنها تختزن آلام ذلك والنقمة عليه إلى حين، وبعد ذلك ينفجر مخزون الألم والنقمة في صورة ثورات وحركات دامية، بهدفٍ واحد ووحيد وهو تصويب الأمر، وإعادة التوازن إلى ما كان عليه. ويزداد الوضع خطورة إذا كانت السلطة التشريعية أو القضائية أو السلطتين معا شريكاً في الإنحراف أو قابلاً له.

    9. إن الهدف الأساسي لتنظيم السلطات، ولهيكل الدولة الغربي وشكلها، هو تحقيق الديمقراطية بما تشتمل عليه من متطلبات. وبمعناها المبسط، تعني الديمقراطية حكم الشعب بالشعب ولصالح الشعب. ولقد استقر في النظرية والتطبيق، مفاهيم معينة لكيفية الحكم، ووسائل اختيار الحاكم وسلطانه، والحدود التي لا يجوز لهذا السلطان أن يتخطاها، حتى لا يدخل إلى المناطق المقدسة والمحظور المساس بها، وهي الحقوق والحريات، ثم الضمانات لكل ذلك. وإذا كانت السلطات كافة تعود في المفهوم الديمقراطي للشعب، فإن استحالة ممارسة الشعب كله لها، قد طوّر في النظرية والتطبيق، تنظيما للدولة، وظيفته الأساسية تحقيق حكم الشعب بالشعب ولصالح الشعب. وهكذا أكّدت الدساتير المعاصرة، على أن سلطان الدولة، الذي يوزع جميعه على السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، يقتضي من هذه السلطات أن تمارس وظيفتها بطريقة متكاملة وذلك تحقيقاً لإرادة الشعب. ومن الناحية التنظيمية، فإن عملية حكم الشعب تبدأ في انتخاب السلطة التشريعية، وفقاً لإجراءات وأصول، تقوم على تمكين أبناء الشعب من ممارسة حقهم في الترشيح والانتخاب، من أجل اختيار من يتولون تمثيلهم، بحيث يصبح هؤلاء الممثلون، وكأنهم الشعب نفسه في تولي الحكم. ولقد استقر في الفكر الديمقراطي والدساتير الغربية المعاصرة، أن تقوم عملية الانتخاب على أسس حزبية، حيث تطرح الأحزاب، وهي مباحة وفق أحكام الدساتير، فكرها وبرامجها على الشعب، ويترك للشعب حرية اختيار ممثلي الحزب الذي يناسبه من حيث فكره وبرامجه. وعلى الرغم من الفارق في الأسلوب بين النظامين الرئاسي والبرلماني، فإن الحزب الذي يحصل على الأغلبية هو الذي يتولى الحكم، في حين يقف حزب أو أحزاب الأقلية في صف المعارضة، والقيام بدور الرقيب على سلوك الأغلبية، لتنشأ بين الفريقين منافسة تنطلق من مصلحة الوطن والمواطن: فريق يسعى للبقاء في الحكم، وفريق معارض ورقيب، هدفه الوصول إليه. وفي بعض الدول مثل ألمانيا وفنلندا والسويد تقدم الدولة معونة مالية للأحزاب لتمويل تنافسها، وفي دول أخرى مثل بريطانيا تقوم الحكومة، ممثلة الأغلبية، بتمويل حزب الأقلية، وذلك من أجل إعانته على تغطية النفقات التي يقتضيها قيامه بدور المعارضة والرقابة. وقد يتمكن حزب الأقلية هذا، من إقناع الشعب بقدراته وببرامجه، وبأنه أكثر استشعارا لمصالح الناس وأكثر قدرة على تحقيقها، فيفوز في الانتخابات اللاحقة ويتحقق تداول السلطة بين الحزبين. وحتى لو لم يتحقق لحزب الأقلية هذا الفوز، فإنه في معارضته ورقابته للحزب الحاكم، يدفع هذا الحزب الى أداء أفضل وحرص أكثر، في ممارسته للسلطة كوسيلة وحيدة لبقائه في الحكم. وعلى هذا، فإنه إذا كان حزب الأغلبية يتولى السلطة، ويملك الأغلبية في الهيئة التشريعية، فإن وجود الأقلية المعارضة والرقيبة أو فتح المجال دائما لوجودها، من المستلزمات التي لا وجود للديمقراطية بغيرها. أما عن السلطة القضائية، فإذا كانت وظيفتها الأساسية فض المنازعات بين الناس وتطبيق القوانين، فإن لها وظيفة أخرى أساسية، هي الرقابة على سلوك السلطتين التشريعية والتنفيذية معا. وفوق الرقابتين، رقابة الأقلية والسلطة القضائية، على سلوك الأغلبية في الهيئة التشريعية والسلطة التنفيذية، فهناك رقابة الصحافة الحرة والرأي العام الحر، باعتباره يمثل من الناحية الفعلية السلطة الرابعة.

    10. ويسيطر على ممارسة السلطة في النظام الديمقراطي مبدأ جوهري لا وجود للديمقراطية بغيره، وهذا المبدأ هو مبدأ التلازم بين السلطة والمسؤولية. فكل من يمارس سلطة داخل الدولة، ينبغي أن يتحمل المسؤولية ويكون محلا للحساب، أيا كان شكل ممارسته لهذه السلطة. وتمتد تلك المسؤولية وهذه المحاسبة على جبهة واسعة تشارك فيها السلطة الرابعة، أي الصحافة والرأي العام فضلا عن البرلمان والقضاء، بحيث لا يفلت من ذلك سوى شاغل المنصب الذي لا يمارس سلطة.

    11. هذا الإطار المؤسسي بكل عناصره، هو الذي يفرز للشكل الديمقراطي مضموناً ديمقراطياً، بحيث إذا اختل واحد من هذه العناصر يصبح موضوع الحديث شيئا آخر لا يمت للديمقراطية بصلة. وعلى ذلك:

    أ. إذا لم تتوافر حرية الترشيح أو الانتخاب أو تدخلت الحكومات وأجهزتها محاباةً لمرشح أو لإفشال مرشح، فلا مجال للحديث عن ديمقراطية.
    ب. وإذا كان تشكيل الأحزاب السياسية محظوراً أو خاضعاً لأهواء السلطة التنفيذية، فلا مجال لقيام الديمقراطية أو الحديث عنها.
    جـ. وإذا لم يرسم دستور الدولة على نحوٍ واضح كيفية ممارسة الأمة/الدولة لسلطاتها، وحدود كل سلطة من السلطات، ووسائل ردها إلى الحدود التي يبنيها الدستور، فإن النظام السياسي الذي ينظمه هذا الدستور لا يعرف الديمقراطية.
    د. وإذا انحدرت ممارسة السلطة في الدولة إلى استحواذ فرد عليها بحيث يصبح دور المؤسسات الدستورية مجرد استيفاءً للشكل وقاصراً على السمع والطاعة والتنفيذ، فلا مجال للحديث عن ديمقراطية.
    هـ. وإذا وجدت القيود على حرية المعارضة، فلا يجوز الحديث عن الديمقراطية.
    و. وإذا لم تكن هناك حرية صحافة أو نشر أو رأي، فلا يجوز أن نتحدث عن الديمقراطية.
    ز. وإذا حجبت المعلومات عن الرأي العام أو قُيّد حقه في الإطلاع عليها أو التعبير عن رأيه بها، فلا توجد ديمقراطية.
    حـ. وإذا قيدت الحريات أو أُستثني أحد من الحساب أو اختل مبدأ المساواة بين الأفراد في الحقوق والواجبات، فلا حديث عن الديمقراطية.
    ط. وإذا لم يتوافر مبدأ التلازم بين السلطة والمسؤولية أصبحت الديمقراطية غير موجودة.

    12. وإذا كانت الديمقراطية في التطبيق تقتضي تعدد الأحزاب السياسية، فإن التعددية الحزبية ليست مقصودة لذاتها، وإنما الغاية الأساسية منها هي تداول السلطة على ما أسلفنا. ويعني تداول السلطة، أن من حق الحزب أو ائتلاف الأحزاب التي يكون له أو لها أغلبية المقاعد في مجلس النواب تشكيل الحكومة، ووضع البرامج التي تم اختيار نواب حزب الأغلبية أو ائتلاف أحزاب الأغلبية على أساسها، موضع التطبيق. والواقع أن هذه النتيجة تتحقق عملياً ومن خلال الممارسة، ذلك أن حصول أي حكومة على ثقة مجلس النواب شرط أساسي لبقائها، ومن ثم فإن تكليف حزب الأغلبية، أو ائتلاف الأحزاب التي توفر الأغلبية، بتشكيل الحكومة، أمر تفرضه متطلبات منح الثقة وبقاء الحكومة في السلطة. وفي مقابل ذلك، يقف حزب أو أحزاب الأقلية في المعارضة، وظيفتهم مراقبة تصرفات الحكومة في المجالات كافة، كما أسلفنا، من أجل كشف أي مخالفة للدستور أو القانون أو إنحراف في استعمال السلطة أو إتباع سياسات لا تخدم المصلحة العامة، على أن يظل من حق حكومة الأغلبية والحزب أو الأحزاب التي تمثلها الرد والتوضيح والدفاع. وفي جميع الحالات لا يجوز أن تكون وسائل إعلام الدولة أدوات تحتكرها الحكومة، إذ ينبغي أن يكون هناك تكافؤ ومساواة في استخدام الحكومة والمعارضة لها، سواء في عرض المواقف أو السياسات من قبل الحكومة أو نقدها وعرض ما يمكن أن يكون بدائل أفضل لها من قبل المعارضة.
    وهكذا، فعلى النحو السابق، يختبر الشعب مواقف الأحزاب وبرامجها وسلوكها من خلال التطبيق، ويستطيع الشعب في الانتخابات التالية، أن يختار نوابه والحزب الذي يثق فيه، تبعاً لما تسفر عنه التجربة السابقة.

    13. والحقيقة أن التعددية السياسية من غير تداول السلطة على النحو السابق، تجعل من الديمقراطية أمراً نظرياً، أثره محدود على تشكيل الحكومات وسلوكها، بل وعلى حقيقة الأحزاب السياسية، وجدية برامجها وطروحاتها. ففي غيبة تداول السلطة، لا يستطيع أحد أن يعلم، ما هي القواسم المشتركة من الناحية الموضوعية، بين وزراء الحكومة عند تشكيلها، ولا لماذا جاءت حكومة وذهبت أخرى، ولا متى تستبدل حكومة بغيرها، كما تصبح الحكومات أيّاً كانت كفاءات رؤسائها ووزرائها، سهلة المنال في النقد والتجريح، وقد لا يوجد من بين أعضاء المجالس النيابية، أو الكتل أو الأحزاب في هذه المجالس، من لديه الإستعداد أو المصلحة، للدخول في معارك مع قوى المعارضة للدفاع عن تلك الحكومة، حتى ولو كانت هناك قناعة بسلامة موقفها. ولذلك، فقد تلجأ تلك الحكومات الى تقديم الرشوة للنواب من أجل الوقوف معها، وذلك في صورة تسهيل مصالحهم الخاصة، والاستجابة الى وساطاتهم، والخروج على مبادىء المساواة والعدالة، والقواعد القانونية التي تنظم العمل داخل مؤسسات الدولة، كما قد تلجأ الى أسلوب الترهيب والوعيد والتخويف، ما استطاعت الى ذلك سبيلا، في مواجهة النواب المعارضين لها، خاصة وأنها تعتبر أن كل نائب بمفرده أقلية يسهل التعامل معه والتأثير عليه. ومن أجل هذا، فإن الحكومات في الديمقراطيات الغربية، تستمد قوتها من الأغلبية الحزبية التي تتوافر لها في المجالس النيابية.

    ثانيا: في الواقع:

    إن مجلس النواب، بما له من سلطات تشريعية ورقابية بل وسلطة محاسبة الحكومات على أخطائها وخطاياها يستطيع أن يتعامل مع الواقع ويغيره نحو الأفضل.

    وما سبق، هو وصف تأصيلي موجز ومبسط، للديمقراطية ومتطلباتها وعناصرها. ونعتقد، أنه ليس بمقدور نوابنا، إحضار الديمقراطية الإنجليزية أو الفرنسية أو الأمريكية للأردن، إذ أن الديمقراطية التي تعيشها تلك الدول في الوقت الحاضر، هي محصلة صراع وتطور تاريخي طويل، أخذ في عمر الزمن قرنين ونصف تقريبا. وإذا كان من الممكن، نقل أو اقتباس النصوص الدستورية، التي تنظم الديمقراطية فكرة ومضمونا، فمن المستحيل اقتباس أو نقل التاريخ وما احتواه من صراع وتطور، لأنه غير قابل للنقل.

    لكن نوابنا الأعزاء، يستطيعون تغيير الواقع عن طريق غرس الأسس التي تقوم عليها الديمقراطية، ورعايتها لتنمو بالشكل الذي يصبح معه الرجوع عنها في عداد المستحيلات، وخاصة إذا استقطب النواب ناخبيهم لحماية الغراس والتمكين من الرعاية والنمو المطلوبين. فما هو هذا الواقع الذي يتوجب تغييره للتقدم نحو الديمقراطية؟

    1. إن من أهم الواجبات الدستورية التي تقع على مجلس النواب ما يلي:

    أ‌. منح الثقة للحكومة أو سحبها منها أو من أي وزير من وزرائها.
    ب‌. مراقبة السياسات الحكومية وإنفاق المال العام.
    جـ. سن التشريعات الناضجة مضمونا وصياغة لتحقيق المصلحة العامة.

    لكن هذه الواجبات غُيبت في الأردن لفترة طويلة من الزمن. ذلك أنه حتى أواخر عام 1989، عاشت الحكومات الأردنية المتعاقبة أكثر من أربعين سنة في ظل أحكام عرفية غابت فيها الرقابة على تصرفاتها. وحتى مجلس النواب التاسع الذي أصبح نفسه هو المجلس العاشر، كان غائبا عن الرقابة رغم وجوده الشكلي. وكانت أدوات الحكومات في ممارسة سلطاتها في المسائل الهامة، هي القرارات العرفية المحصنة من الطعن أو النقد أو حتى التقييم. وقد ترتب على هذا التراكم في الممارسة الحكومية للسلطة، أن تعطل النمو الطبيعي لدور مجلس النواب، والمشاركة الشعبية في الحكم، بل والتطور الطبيعي للتشريعات وأحكام القضاء وأساليب الرقابة على الأداء الحكومي، التي تعتز الدول بها. كما تعطل التطور الطبيعي لوعي الحكومات، بأن الأصل في عملها هو خضوعها للمراقبة والحساب. ولذلك، فإنه عندما جاء مجلس النواب الحادي عشر، في ظل ظروف كانت توحي بأننا دخلنا به عصر الديمقراطية، ومارس العديد من أعضائه دورهم النيابي الحق، ارتبكت الحكومات والأجهزة المختلفة، وبدت وكأنها عاجزة عن استيعاب المرحلة الجديدة، والعمل وفقا للمنطق والأسلوب والدور الذي تعمل في ظله الحكومات في الدول الديمقراطية. وأمام هذا، عوقبت ممارسات المجلس الحادي عشر، بقانون الصوت الواحد، الذي كان من نتيجته تراجعا كبيرا في الممارسة الديمقراطية وفي دور المجالس النيابية، هذا فضلا عن استعادة الحكومات للمنطق العرفي في ممارساتها حتى في ظل مجالس نواب منتخبة، ولكن ضعيفة، شكرا لقانون الصوت الواحد.

    2. قد تستسهل بعض الحكومات استشعارها لذاتها، وتمارس، بحجة المصلحة العامة، سلطات خارج مبدأ سيادة القانون والدستور، وخارج مبدأ المشروعية، دون أن تخشى أحداً ودون أن تجد ردعا لسلوكها وتصرفاتها من أية جهة. إن القواعد الدستورية التي تنظم سلطة الحكومات تظل عديمة القيمة أو الجدوى إذا لم تكن تلك القواعد ملزمة في الممارسة والتطبيق. وإذا كانت سلطة الحكم هي أداة الإلزام بالنسبة للقواعد التي تحكم العلاقات بين الأفراد داخل المجتمع، فإن هذا المجتمع نفسه هو أداة الإلزام بالنسبة للقواعد التي تحكم سلطة الحكومات. إن مبدأ التوازن التبادلي هذا، في أداة الإلزام عند تطبيق هذين النوعين من القواعد، هو الأساس والمحصلة في آن معا للديمقراطية داخل الدولة في الديمقراطيات المعاصرة. لكن هذا التوازن التبادلي في أداة الإلزام قد تزايد اختلاله حتى أصبح مفقودا في العديد من دول الوطن العربي، عندما غدا المجتمع غير قادر على إلزام سلطات الحكم بالقواعد التي تحكمها، في الوقت الذي تستطيع هذه السلطات إلزام أفراد المجتمع بالقواعد التي تحكمهم. وقد ترتب على اختلال التوازن المذكور بل وفقدانه، سيادة منطق الدولة البوليسية، التي لا تعرف معنى الديمقراطية، رغم كل الشعارات البراقة التي ترفعها وسائل إعلامها لتلميع المظهر الخارجي لتلك الدولة. وكنا نتمنى في الأردن، كدولة نعتز بأنها تحاول أن تكون النموذج الديمقراطي في محيطها العربي، أن لا يتزايد الاختلال في التوازن التبادلي في أداة الإلزام بين طرفيه، الحكومات والمجتمع، لكن الممارسة الواقعية للحكومات أوصلت الاختلال الى حد عصف بالمبدأ ذاته، عندما وصلنا الى مرحلة اعتقدت معها الحكومات، أن الدستور الذي ينظم السلطات هو مجرد ديكور خارجي، أو لوحة جميلة تتكون من نصوص، علقت على الحائط لتسرّ الناظرين ليس إلا، وبالتالي من حق هذه الحكومات أن لا تتقيد بأحكامه، فتعطل الحياة النيابية في الوقت الذي تريد، وتصدر في غيبة مجلس النواب ما شاءت من القوانين المؤقتة، حتى بلغ عددها خلال سنتين حوالي (200) قانون مؤقت كما اعترفت، وكأن نصوص الدستور الضابطة لتصرفاتها لا تعنيها، بل وكأن واضعي هذه النصوص من بناة الدولة كانوا جاهلين. ومع أن مجلس النواب الثالث عشر، الذي انتخب وفقا لقانون الصوت الواحد، كان أداة لينة في مواجهة الحكومة، وما كان ليحرمها من قانون تقتضي المصلحة العامة إصداره، إلا أن الحكومة لم تحتمل أية رقابة مهما كانت لينة، فاغتصبت دور السلطة التشريعية وألبست القرارات والتصرفات التي كانت تسمى في الماضي "عرفية"، ثوب القوانين المؤقتة. إن دولة رئيس الوزراء لا يحمل مؤهلا قانونيا، وليس المطلوب أن يكون رئيس الوزراء قانونيا لإشغال موقعه. ولذلك، فإنه حتى يوافق دولة الرئيس على إصدار القوانين المذكورة، فإنه يكون بالتأكيد قد تلقى استشارات قانونية تؤكد له السلامة الدستورية لما قامت به الحكومة. ومن خلال معرفتي بدولة الرئيس، فإنه ما كان ليوافق على ما قامت به الحكومة لو كان يعلم بأن في ذلك مخالفة وانتهاكا لأحكام الدستور. ومع أن البديهيات التي يعرفها طلاب الصف الأول في الحقوق، تقول أن الحكومة قد خالفت الدستور، وانتهكت أحكامه عندما عطلت الحياة النيابية، وعندما أصدرت القوانين المذكورة، إلا أنها بفضل ما قدم لها من استشارات قانونية خاطئة، ظلت تتعامل بالمنطق العرفي، لتقمع أي رأي بإدانتها، وأي وصف قانوني مؤصل ومسبب يبين حقيقة ما صدر عنها من ناحية، ومن ناحية أخرى، لتضلل المواطنين من خلال الخروج على الحقائق الدستورية والقانونية. وهذا ما يفسر الحشد السلطوي، الإعلامي والإعلاني، غير المسبوق، الذي شاركت فيه بأسلوب "الفزعة" عشائر التلفزيون، وعشائر المداحين من المتصلين بالتلفزيون بترتيب مسبق، وعشائر اللابسين للعباءات القانونية من أصحاب الفتاوى الجاهزة والمفصلة حسب الطلب، وغيرهم من عشائر المطربين القانونيين والسياسيين وحملة المباخر، لتؤكد للشعب الأردني أن الحكومة لم تخالف الدستور، مُلغية بذلك مبدأ التوازن في الإلزام سابق الذكر، ومبدأ الفصل بين السلطات، ولتذهب الى الجحيم بعد هذا، حتى البديهيات القانونية والدستورية التي كان ينبغي اتباعها، ما دامت تلك هي رغبة الحكومة وما دامت العشائر التي إحتشدت "للفزعة" تبارك ذلك. وبناء على التفسيرات التي سمعها المواطنون لتبرير الأمر الواقع والتي تقول إن من لا يعجبه أي قانون مؤقت يستطيع أن يذهب الى القضاء، فإن المواطن مثلي لا يملك إلا القول أن منطق الإستقواء والتجبر، وفقا لما تريده الحكومة وعشائرها على النحو المذكور، يعطي لفُتوّة الحي كل الحق في تكسير أيدي الناس أو أرجلهم متى أراد، ما دام من حق الضحية أن يلجأ للقضاء! وعلى أية حال، فإن إصدار القوانين المؤقتة والمخالفات الجسيمة التي ارتكبتها الحكومة لنصوص الدستور، وما ترتب على ذلك من إساءة وعبث لا حدود لهما بالنظام القانوني في الأردن، سيكون أول اختبار لمجلس النواب الجديد، أعضاءً وكتلا وتجمعات، في مجال رد كل قانون مؤقت لا تبعث مذكرة أسبابه الموجبة قناعة تامة لدى المجلس، بأن إصداره كان لمواجهة أمور "تستوجب اتخاذ تدابير ضرورية لا تحتمل التأخير"، وذلك التزاما بمبدأ المشروعية ومبدأ الفصل بين السلطات، هذا فضلا عن المحاسبة وتحميل المسؤولية، لتكون عقابا على ما وقع من مخالفات وإساءات وعبث، وردعا لمن تسول له نفسه انتهاك أحكام الدستور مستقبلا.

    3. إن تغول الحكومات الذي نشاهده، وعزوف الكثير من النخب الواعية عن المشاركة في الحياة السياسية، يرتدان الى الوهن والضعف الذي أصاب مجالس النواب الأخيرة. ومثل هذا الوهن والضعف، مصدره غياب الوجود الحزبي داخل مجلس النواب. وباستثناء حزب جبهة العمل الإسلامي، الذي يتكون من المنتمين الى الإخوان المسلمين، الذين مضى على وجودهم الفعلي والقانوني أكثر من خمسين سنة في الساحة الأردنية، كجمعية خيرية تجذرت امتداداتها في واقعنا السياسي والاجتماعي والعقائدي، فإن الأحزاب الأخرى هي أحزاب صغيرة وضعيفة، تفتقر الى القواعد الشعبية، ولا زالت تعتمد على إلباس مرشحيها للمجلس النيابي، أثواب عشائرهم أملا بفوزهم، وما من مستجيب.

    4. وفي ضوء تجربة السنوات العشر الماضية، فإن النمو الشعبي للأحزاب الصغيرة وإمكانية إيصال مرشحيها لمجلس النواب بأعداد فاعلة، أمر ضعيف الاحتمال في المدى المنظور. ذلك أن الخوف القادم من عقود من الممارسات العرفية، وكيل الاتهامات التي لا تستند الى أساس، للأفراد والتجمعات والأحزاب السياسية، قد شكل ذكريات موجعة وتاريخا مؤلما لا يسهل محوه من أعماق الناس، وظلت بصماته الاجتماعية والإنسانية بقعا مرضيّة في الوجدان، الأمر الذي جعل تكرار التجارب غير ميسور، قبل إعادة التأهيل، لمجتمعٍ لا يزال يجترّ آلام الماضي ومآسيه. ومما زاد الطين بله، أن الأحزاب التي أخذت تظهر، وزاد عددها حتى الآن على الثلاثين حزبا، بدت في معظمها وكأنها شركات وجوه أو أشخاص، تقوم عليها قيادات أفرزتها الوظيفة العامة وليس الحالة الشعبية، واستقطب العديد منها الباحثين عن فرصة عمل أو حماية في الوظيفة، ممن يعتقدون أنه يمكن أن توفرها لهم تلك القيادات، أو حتى الباحثين عن وجاهات، معتقدين أنه يمكن اكتسابها من خلال الاقتراب من تلك القيادات. ومثل هذه الأحزاب، لا تستطيع بالمعطيات السابقة، أن تعيش أو تستمر، والتجارب الماثلة خير دليل وبرهان.

    5. إن أحزاب الوجوه من النوع السابق، ليست أحزاب عقائد، وإذا كانت تسعى لأن تكون أحزاب برامج، فإن طريقها ينبغي أن يستند الى مواقف وطروحات وتضحيات، وهذه قد لا تستطيعها أو تقدر عليها، كما قد لا يحتملها تكوينها الذي قامت عليه منذ البدايات. وإذا كانت مثل هذه الأحزاب، تحاكي أحزاب برامج ناجحة في العالم الغربي، فإنه لا بد من التأكيد أن أحزاب البرامج السائدة الآن في الديمقراطيات المعاصرة، قامت إبتداء على مواقف شجاعة، صاحبتها تضحيات كبيرة، وطروحات واعية وجريئة، مثلتها قيادات شعبية أو قيادات برلمانية، وبعد ذلك جذبت هذه المواقف جماهير تؤيدها، فأوصلت هذه الجماهير تلك القيادات الى المجالس النيابية، أو أعادت الأعضاء السابقين الى المجالس المذكورة مرة أخرى، وهكذا. وقد أدى التقارب والتنسيق بين المواقف، الى تكتلات بين النواب، وتحولت المواقف الى برامج تشد إليها الجماهير الشعبية، لتكون قواعد لأحزاب برامج، يقودها أولئك النواب كمراحل أولى، ثم بعد ذلك ليتزايد مع الأيام والممارسة، إفراز تلك القواعد لنواب جدد، انطلاقا من البرامج المذكورة. حدث هذا بالنسبة للأحزاب التي تتناوب على الحكم في الديمقراطيات المعاصرة. ففي بريطانيا على سبيل المثال، ترجع بدايات التكامل التنظيمي لحزبي المحافظين (التوري) والأحرار (الويغز) الى أوائل القرن الثامن عشر. وقد قامت بدايات الحزبين على أساس مواقف شجاعة وتضحيات كبيرة لعدد من النواب في مجلس العموم، نقلت الصحافة طروحاتهم داخل قبة البرلمان الى الشعب الإنجليزي، فاحتشدت الجماهير خلفهم تؤيد طروحاتهم، وأدى التكامل بين المواقف والطروحات، الى أن تصبح برامج، وليتشكل الحزبان على هذا الأساس. وخلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وبعد أن تزايدت أعداد النواب من الحزبين، رفض الحزبان أن يشتركا في حكومة تجمعهما معا، واحتكما في ذلك الى عدد النواب الذي يمثل كل منهما في مجلس العموم، بحيث يتم تشكيل الحكومة من قبل الحزب الذي يمثله عدد أكثر من النواب، ليكون دور حزب الأقلية، المعارضة والرقابة. واستمر الحزبان يتناوبان على الحكم، حتى نشأ حزب العمال في بداية القرن العشرين، ليجتذب تدريجيا جماهير حزب الأحرار، حتى وصل الأمر الى أن حلّ حزب العمال مكان حزب الأحرار في منافسة حزب المحافظين، والتناوب معه على تشكيل الحكومة، وليصبح حزب الأحرار حزبا صغيرا. وهذا هو الأسلوب الذي نشأت وفقا له العديد من الأحزاب في فرنسا وألمانيا وأمريكا وغيرها من الدول الغربية.

    6. تعودت الحكومات الأردنية أن تستفرد بأعضاء مجلس النواب أفرادا وكتلا وتجمعا إسلاميا، وتتعامل معها كأقليات لا وزن لها عندها. وبالنسبة للتجمع الإسلامي، فقد تعودت الحكومات أن تتعامل معه كجزيرة منعزلة، وتحول بوسائلها الخاصة أن يحشد خلفه أغلبية برلمانية. ذلك أن الحكومات تعلم جيدا، أن الكتل الأخرى التي يشكلها النواب على أعقاب فوزهم في الانتخابات، هي كتل آنية وقتية ومصلحية، لا برامج لديها ولا طروحات تعبر عن رؤى مستقبلية في حياة الدولة ومواطنيها. وأقصى غايات هذه الكتل أن تتولى قيادة اللجان، أو قيادة المجلس، أو المشاركة في التشكيل الوزاري. ولا مانع لدى الحكومة عند الإقتضاء أن تترك الصراع بين الكتل ليأخذ مداه في اختيار قيادة المجلس أو لجانه، ما دام المتصارعون موالين لسياساتها. وفي جميع الحالات، فإن الحكومة تستطيع، بأجهزتها ووسائلها المختلفة تلبية رغبات النواب كثمن لولائها. وتكشف التجارب في الأردن، عن كيفية استمالة الحكومات للنواب، وضمان وقوفهم الى جانبها، عن طريق تلبية الطلبات وتحقيق المصالح الخاصة لهؤلاء النواب. وإذا كانت الحكومات بهذا الأسلوب تعطل قدرة التجمع الإسلامي على استقطاب النواب أو الكتل، فإنها من ناحية أخرى، تضعف أداء النواب والممارسة الجادة لدورهم الرقابي، وتضمن أغلبية الأصوات عند تقدم الحكومات بطلب الثقة، أو تمرير ما تريده من تشريعات وسياسات، فتحرم الوطن بذلك من طاقات وقدرات لو استثمرت لأبدعت، ولحققت الكثير من التطور والتقدم في الميادين كافة. وهكذا، فإن الحكومات تمكنت من جعل العديد من مجالس النواب، ديكورا لاستكمال الشكل الديمقراطي ليس إلا. ومضت السنون على هذا الحال، حتى كاد الناس يفقدون الأمل في مجالس النواب وأدائها، وفي أي تقدم على طريق الديمقراطية السليمة، والتطور في العمل السياسي.

    ثالثا: في الينبغيات:

    إن كل مواطن غيور على مصلحة الوطن ورفعته، وتقدم المجتمع وتطوره، يهيب بمجلس نوابنا الرابع عشر، أن ينقل الأردن نقلة نوعية الى الأمام، في ميادين الممارسة الديمقراطية، والقيام بدور طليعي في أداء مهامه، سواء التشريعية أو الرقابية أو منح الثقة للحكومات أو محاسبتها. وسواء استطاع هذا المجلس أن يلغي قانون الصوت الواحد (وهذا ما نأمله) أم لم يستطع، فإن النقلة النوعية المطلوبة ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار ما يلي:

    1. إن النائب عندما يعطي الثقة للحكومة، يشهد أمام الله وأمام ضميره وأمام مجتمعه، أن رئيس الحكومة وكل وزير من الوزراء قادرون، علما وكفاءة واستقامة، على القيام بالمسؤوليات الملقاة على عاتق الحكومة، وفقا للدستور، وأن كل واحد منهم أمينا على حمل المسؤولية، وجريئا في قول الحق واتباعه، لا يخشى في ذلك أحدا إلا الله وضميره الحي. وعلى النائب بناء على ذلك، أن يبحث ويستوثق ويستعلم عن الرئيس والوزير لتكون شهادته في حدود ما يعلم وما يعرف. وأن النائب عندما يوافق على تشريع أو يقر سياسة حكومية يشهد أيضا أنه بعد أن بحث أو تحرى أو استعان بمن يعلم، فإن ذلك التشريع أو تلك السياسة هما أفضل ما يمكن الوصول إليه. وإذا كان النائب تبعا لما هو مطلوب منه، ووفقا لما سلف، يأخذ حكم الشاهد، فإنه إن لم يشهد بالحق على النحو السابق، يكون شاهد زور. وفوق ذلك، فإن النائب إذ يراقب الحكومة وفقا للدستور، وعليه أن يحاسبها إن خرجت على جادة الصواب، فإن سكوته على مخالفاتها أو مخالفة أي وزير فيها، وعدم طرح ما عرفه أو ما وصل الى علمه، تحت قبة البرلمان، من أجل محاسبة الحكومة أو أي من وزرائها، يجعله كاتما للشهادة. وحكم شاهد الزور وكاتم الشهادة، واحد بغير خلاف.
    وفي ضوء ما سبق، فما دام الحق أولى بأن يتبع، فإن الذي سوف يميز أداء نيابيا عن آخر، هو مدى المعرفة وصدق المواقف، وجرأة الطروحات، وشمولية المعالجات، دون خشية أو خوف. ويسري هذا على النواب أفرادا وتكتلات. ذلك أن الكتل تتكون من نواب، وعلى كل نائب أن يكون شريكا ومسؤولا في ما يصدر عن كتلته من مواقف وطروحات.

    2. تغيير الأسس التي تقوم عليها الكتل النيابية، لتصبح كتلا تطرح برامج ورؤى في الميادين كافة من حياة الدولة، تماما وكأنها أحزاب سيوكل إليها تشكيل الحكومة، من أجل تطبيق برامجها ورؤاها. وتستطيع هذه الكتل، أن تحشد حولها الكفاءات المتخصصة من خارج المجلس في كافة حقول المعرفة، تستعين بها على تحديد مضامين برامجها ورؤاها، وصياغتها على أفضل وجه مستطاع، وإعلانها للناس كافة، لتستقطب منهم القانعين والمؤيدين لطروحاتها، فضلا عن استقطاب نواب آخرين تتسع بهم الدائرة التي تتحرك ضمنها كل كتلة. وفي هذا المجال نؤكد أن النائب بمفرده إذا كان يملك التأهيل الكافي وسعة الأفق ولديه الجرأة في أخذ المواقف وتقديم الطروحات الناضجة والمنتمية في المسائل المفصلية، يستطيع أن يقوم بدور كتلة إذا جند حوله مختصين في المجالات الاقتصادية والقانونية والسياسية وغيرها من المجالات التي يحتاجها عمله في المجلس النيابي، وذلك للقيام بالدراسات اللازمة في كل مجال وتزويده بها لكي ينطلق في آرائه وطروحاته ومعالجاته من تلك الدراسات.
    3. ومن خلال طروحاتها، تستطيع الكتلة أن تقارن تطلعاتها وتوجهاتها مع الأداء الفعلي للحكومة، فتقيم وتوافق أو تعترض تبعا لمحصلة المقارنة. وسوف تجد الكتلة أن هذا الأسلوب، سيمكنها من القيام برقابة فاعلة للأداء الحكومي، وخاصة عندما تتناقل وسائل الإعلام طروحاتها ومواقفها وتستقطب الرأي العام حولها. وهذا يقتضي أن يحرص أعضاء الكتلة على أن لا يكون لأي منهم مطامع أو مصالح خاصة وشخصية عند الحكومة، تجنبا لأية مساومات أو إضعاف لأعضاء الكتل. كما يقتضي ذلك أيضا عزوف أعضاء الكتل النيابية عن المشاركة في الوزارة، حتى لا يكون المنصب الوزاري وسيلة الحكومة في تمزيق الكتل، فتصبح برامج الكتلة في واد والأداء الحكومي الذي تشارك فيه في واد آخر، فتفقد مصداقيتها عند الجماهير التي تطمح في حشدها حولها. على أنه إذا كان رفض المشاركة في الوزارة يحرج الكتل، أفرادا وتجمعات، فإن تلك الكتل تستطيع تسمية كفاءات تثق بها من خارج مجلس النواب، من أجل المشاركة المذكورة. ويمكن لهذه الكتل، عند الاقتضاء، التخلي عن هؤلاء الذين قامت بتسميتهم، إن هم خرجوا على توجهاتها، أو حادوا عن جادة الصواب. وبذلك تبقى الكتل متماسكة، أعضاء ومواقف وطروحات، فلا يؤثر انحراف من قامت بتسميتهم على مصداقية تلك الكتل وسلامة توجهاتها.

    4. وإذا كانت السياسات والتشريعات، التي ترغب الحكومة في تمريرها داخل المجلس، تحتاج الى دراسة وتمحيص لإبداء الرأي حولها، فإن الكتلة تستطيع الاستعانة بمتخصصين في هذا المجال، ليصدقوها النصيحة، عندما لا يتوافر من بينهم المتخصصون على النحو المطلوب.

    5. وأعتقد أنه لن يغيب عن بال أعضاء الكتل، أن المجاملات والمهادنات للحكومة، على حساب الموضوعية والمصلحة العامة، سوف تفقد أعضاء الكتل مصداقيتهم عند ناخبيهم، وعند من يتطلع إليهم من أبناء الوطن كقدوة، لا تأخذهم في الحق لومة مسؤول. ولذلك، فإن المواقف المنتمية والقائمة على الصدق في الطرح، والموضوعية في عرض الأسباب وصولا الى النتائج، سوف تسجل لأعضاء الكتل داخل المجلس وخارجه، وسوف تعكس عند الرأي العام مصداقية تجتذب إليهم أبناء الوطن وتعزز مواقفهم في الانتخابات القادمة.

    6. إن الممارسات البرلمانية على النحو السابق، مع ما تستتبعه من حشد لأبناء الوطن حول برامج هذه الممارسات من ناحية، وطروحات ومواقف أعضاء الكتل من ناحية أخرى، سوف يغرس البدايات لتشكيل حزبين أو ثلاثة أو على الأكثر أربعة، تقوم عليها قيادات أكدت فاعليتها وقدرتها على أداء الرسالة التي إئتمنت عليها، وفقا لبرامج مدروسة، وجماهير وقواعد آمنت بتلك القيادات والبرامج من خلال الواقع المعاش. وإذا كان بعض حملة الشهادات أو من أشغلوا مواقع يعتبرونها هامة، لا يزالون يقفون على رصيف الشارع السياسي، أو يعيشون في صوامع منعزلة، سواء بسبب استشعار الذات، أو بسبب الخوف أو فقدان الثقة استصحابا لذكريات الماضي، ينتظرون مسؤولا يطرق بابهم للقيام بدور فاعل في الحياة السياسية، فإنه إن تحققت الممارسات المأمولة، ودخلنا الى واقع يختلف نوعيا عن الماضي، فإن ذلك يمكن أن يدفع هؤلاء الى أن يقوموا بطرق أبواب القيادات النيابية ذات المواصفات السابقة، والانتماء الى التجمعات السياسية التي أوجدتها تلك القيادات، لتتحول هذه التجمعات الى أحزاب تضرب جذورها في المدن والأرياف والبوادي، لأنهم سوف يدركون أن الحياة السياسية الجادة تحتاج الى العمل الجماعي المتواصل والمستمر، وأن الحرية والديمقراطية تؤخذ ولا تعطى، وأن تحريك الحياة السياسية الراكدة ثم تنقيتها، تستحق التضحية وإنكار الذات، إنطلاقا من نبل غاياتها وهي مصلحة الوطن والمجتمع. وإذا كانت القيادات النيابية قد وفرت البيئة والمجال والأدوات والقدوة من خلال الممارسة الجادة، فتلك هي بدايات تتوافر لها عناصر النجاح. وسوف يدرك الواقفون على رصيف الشارع السياسي، والجالسون في صوامعهم أيضا، أن الممارسة وما تتضمنه من معاناة هي وسيلة الوصول الى التعددية السياسية بل ووسيلة تقدمهم الى الصفوف الأولى، لإكمال مشوار من سبقهم.

    7. أما بالنسبة لعنصر الزمن الذي يمكن أن يحتاجه تحقيق النتائج السابقة، فلن يكون طويلا. وفي ملتي واعتقادي أن مدة حياة المجلس النيابي، وهي أربع سنوات، كافية لزرع الغراس ورعايتها لإنتاج بدايات الثمار في أواخرها، أو على الأبعد خلال مدة المجلس القادم. وعلى المؤمنين بهذه الطروحات الصبر والعمل الدؤوب. إن مصلحة المجتمع والوطن وتطوره ورفعته هي الغايات أولا وأخيرا لأي تكتل أو تجمع سياسي.

    8. وأخيرا، فإنني مثل أي مواطن غيور أدعو مجلس النواب الى مناقشة ما حدث من استهتار الحكومة بالسلطة التشريعية، وتغييب الحياة النيابية خلافا لأحكام الدستور الأردني، بل ولجميع دساتير عائلة النظام البرلماني. ذلك أن دساتير هذه العائلة التي ينتمي دستورنا إليها، لا تقبل بأي حال تعطيل الحياة النيابية أو تأجيل الانتخابات النيابية. وإذا كان احتلال الضفة الغربية كجزء من الأردن، قد اقتضى إضافة الفقرة (4) الى المادة (73) من دستورنا، التي تبيح تأجيل الانتخابات، فإن الفقرة المذكورة ربطت قرار التأجيل بتوافر الظروف القاهرة. وقيام الحكومة بتأجيل الانتخابات مدة سنتين، في ظل ما أصبح يسمى بالديمقراطية دون توافر الظروف القاهرة المماثلة في شدتها وقسوتها وطبيعتها الإستثنائية للإحتلال، الذي كان السبب الموجب لإضافة الفقرة (4) المذكورة، لا يجعل للدستور قيمة ولا لمبدأ الفصل بين السلطات وجودا. إن تغييب الحياة النيابية بالمخالفة لأحكام الدستور، يجعل الحكومة التي تأتي في فترة تغييب مجلس النواب حكومة فاقدة للشرعية بأي معيار. بل أكثر من ذلك، فإذا كانت المادة (24) من الدستور تنص على أن "الأمة مصدر السلطات" وتمارسها عل

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد نوفمبر 24, 2024 3:15 am