نظرة في المشروعية
ضمانات احترام القواعد الدستورية
تمهيد
من المبادئ المسلم بها في النظم الديمقراطية أن يمثل الدستور الوثيقة القانونية العليا واجبة الاحترام من السلطات الأساسية الثلاث في الدولة. بحكم إن الدستور يتضمن المبادئ القانونية التي تتعلق بشكل الدولة ونظام الحكم فيها وعلاقته بالمواطنين وينظم السلطات العامة في الدولة وحقوق وحريات الأفراد ويعد الدستور أعلى التشريعات في الدولة ويقع في قمة الهرم القانوني ويسمو على القواعد القانونية الأخرى جميعا. مما ينبغي إن تلتزم سلطات الدولة جميعها بالتقيد بأحكامه وإلا عدت تصرفاتها غير مشروعة. فالسلطة التنفيذية تلتزم بقواعد الدستور ولا يحق لها مخالفتها في أعمالها إذ إن ذلك يعرض أعمالها للإلغاء والتعويض عما تسببه من ضرر. كما إن السلطة التشريعية ممثلة بالبرلمان تتقيد هي الأخرى بأن تحترم تشريعاتها القواعد الدستورية وإلا كانت عرضه للإلغاء استنادا إلى مخالفتها لمبدأ المشروعية. ومن الجدير بالذكر في هذا المجال إن نؤكد انه ليس المهم إن يسجل الدستور المبادئ العامة التي تحكم السلطات الأساسية في الدولة. إنما يجب العمل على كفالة احترام الدستور وتقدير الضمانات التي إلى تعزيز هذا الاحترام .
مضمون القواعد الدستورية
يختلف محتوى الدستور من دولة إلى أخرى حسب التنظيمات الدستورية السائدة فيها لذلك ليس من السهولة التحديد الدقيق لما يحتويه الدستور غير إن الخطوط الرئيسية المجمع عليها من فقهاء القانون الدستوري تقوم على تقسيم القواعد الدستورية إلى جزئين: يتعلق الجزء الأول منها بدراسة القواعد المنظمة لممارسة السلطة. أما الجزء الثاني فيتعلق بدراسة الحقوق والحريات.
أولا: القواعد المنظمة لممارسة السلطة
يتضمن الدستور القواعد التي تنظم ممارسة نشاط السلطات الحاكمة في الدولة والعلاقة بينها وحدود عمل كل سلطة حتى لا تطغي سلطة على الأخرى وفق مبدأين أساسيين هما فصل السلطات والتوازن بينهما.
فقد درج الفقهاء على تقسيم وظائف الدولة القانونية إلى ثلاث ( تشريعية، تنفيذية، قضائية) ويقوم التوازن بين السلطات بأن لا تطغي السلطة التنفيذية على الشعب ممثلا بالبرلمان ولا يطغي البرلمان على السلطة التنفيذية وهذا الأمر يحتاج إلى ضابط حازم يؤدي إلى الحفاظ والثبات في النظام السياسي القائم.
وفي هذا المجال تثار مشكلة تتصل بتنظيم هذه السلطات والعلاقة بينها وهو ما يتكفل به الدستور باعتباره الوثيقة القانونية الأعلى في الدولة.
وقد كان لفكرة توزيع السلطات في الدولة قبولا لدى واضعي دستور الولايات المتحدة الأمريكية عام 1787 ورجال الثورة الفرنسية فورد النص عليه في إعلان حقوق الإنسان والمواطن عام1789 الملحق بدستور عام 1791، ويتفق معظم الدستوريون اليوم على أن هناك نموذجين أساسيين لتوزيع السلطات احدهما يتمثل بالنظام البرلماني والآخر بالنظام الرئاسي يأخذ الأول بالفصل المعتدل بين السلطات بينما يعتمد الثاني على الفصل شبه المطلق.
من جانب آخر تتضمن الوثيقة الدستورية القواعد التي يرجع إليها في أسلوب تقلد السلطة وانتقالها ( الوراثة، الانتخاب)، كما يتضمن شكل الدولة ما إذا كان بسيطا أم مركبا، وإذا كان فدراليا فان الدستور يبين تقسيم السلطة بين الحكومة الفدرالية وحكومات الولايات.
ثانيا: القواعد المنظمة للحقوق والحريات
يحدد الدستور في الجزء الثاني من أحكامه تلك القواعد المنظمة لحقوق الأفراد وحرياتهم.
فقد حرصت الوثائق الدستورية المختلفة على أن تتضمن في جانب منها الحقوق والحريات التقليدية لاسيما تلك المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية. وفي جانب آخر الحقوق والحريات ذات المضامين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ولم يقف المشرع الدستوري عند حد تسجيل هذه الحقوق والحريات بل عمل على كفالة احترامها وتقدير ضمانات ممارستها ووضع القيود التي تحد من تقييد السلطات العامة لها. بشرط إن تبقى في حدود عدم مساسها بحقوق وحريات الآخرين وعدم الأضرار بالمصالح الأخرى للمجتمع.
وهذا التقييد الضابط للحرية من الخطورة بحيث لا يمكن تركه لتقدير الدولة ولا يمكن التعويل على نبل مقاصدها. ومن اجل أن لا تتجاوز السلطة على هذه الحقوق والحريات كان لا بد من وجود ضابط لتلك السلطة يتمثل في نص الدستور على احترام تلك الحقوق والحريات وان يتم إدراج المبادئ الرئيسية التي تنظم الحريات العامة في صلب الوثيقة الدستورية وان لا يترك للسلطة التنفيذية أن تنضمها عن طريق المراسيم فتتوغل في تلك الحريات وتجعل ممارستها استثناء من المنع.
و لقد اتبع المشرع الدستوري الجزائري منذ تأسيس الدولة الجزائرية أسلوب تقرير الحقوق والحريات العامة في كل الدساتير التي عرفتها الجزائر ابتداء من دستور 1963 إلى دستور 1996 بغض النظر عن مدى ضيق و اتساع تلك الحريات و الحقوق من دستور إلى آخر بحسب التوجه الأيديولوجي للنظام السياسي في كل مرحلة تاريخية. و قد نظمها المشرع الدستوري [دستور 1996] في الباب الأول ، الفصل الرابع من المادة 29 إلى المادة 59
وفي ذلك ورد في نص المادة 31 من الدستور الحالي: تستهدف المؤسسات ضمان مساواة كلّ المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات بإزالة العقبات التي تعوق تفتح شخصية الإنسان، وتحول دون مشاركة الجميع الفعليّة في الحياة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية. و المادة 32 : الحرّيات الأساسية وحقوق الإنسان والمواطن مضمونة.
وتكوِّن تراثا مشتركا بين جميع الجزائريين والجزائريات، واجبهم أن ينقلوه من جيل إلى جيل كي يحافظوا على سلامته، وعدم انتهاك حرمته.
الضمانات القانونية لتطبيق القواعد الدستورية
ينتج عن مبدأ سمو الدستور على القواعد القانونية الأخرى بمختلف مراتبها - سواء كانت تشريعاً عادياً صادرا من السلطة التشريعية أو تشريعا فرعياً صادراً عن السلطة التنفيذية - أن تعلو أحكام الدستور على كل أعمال السلطات في الدولة، باعتباره المعبر الوحيد عن الإرادة الشعبية وتكون هذه الأعمال لاغيه وباطلة إذا ما خالفته.
ولكن السؤال الذي يطرح من هو الذي يقرر ما إذا كانت تلك الأعمال الصادرة من السلطة التشريعية أو من السلطة التنفيذية تتناقض مع الدستور وما هي الإجراءات الواجب مراعاتها لضمان تطبيق القواعد الدستورية.
أولاً: الضمانات في مواجهة السلطة التشريعية (الرقابة على دستورية القوانين)
الدستور يقيد المشرع العادي في الحدود التي رسمها له ومن ثم تمنع السلطة التشريعية عن إصدار التشريعات التي تتعارض مع نصوص الدستور وفق ما يسمى بمبدأ دستورية القوانين. ولضمان التزام السلطة التشريعية بتلك الحدود من الضروري فرض الرقابة عليها.
والملاحظ أن الدساتير مختلفة في إتباع الطريقة التي تحقق بها تلك الرقابة وسلكت في هذا المجال سبل مختلفة أهمها ما يلي:
1. الطعن في دستورية القوانين أمام لجنة أو مجلس دستوري
تباشر الرقابة على دستورية القوانين في بعض الأحيان من قبل هيئة أو لجنة ذات صيغة سياسية غير قضائية.
وقد انفردت فرنسا منذ أواخر القرن الثامن عشر في الدعوة إلى إيجاد هيئة سياسية يكون من اختصاصها إلغاء جميع القوانين التي تسن مخالفة لأحكام الدستور. ولم تعهد بهذه المهمة إلى القضاء بسبب السمعة السيئة له في ذلك الوقت (1) وقد أخذت العديد من الدول عن فرنسا هذا النوع من الرقابة مع اختلاف بين دستور وآخر. فاخذ الاتحاد السوفيتي السابق بهذا الأسلوب في دستور عام1977 وجعل الرقابة من اختصاص السلطة التشريعية كما اخذ به دستور ألمانيا الديمقراطية في دستورها لعام 1949 و بلغاريا في دستورها لعام1947 والصين في دستورها لعام1954.
وقد أناط الدستور الفرنسي الحالي الصادر عام 1958 مهمة الرقابة إلى هيئة اسماها المجلس الدستوري تتكون من نوعين من الأعضاء: تسعة أعضاء يتم تعيينهم من قبل رئيس الجمهورية ورئيس الجمعية الوطنية ورئيس مجلس الشيوخ. كما يضم المجلس رؤساء الجمهورية السابقون للاستفادة من خبراتهم السياسية التي اكتسبوها من سني خدمتهم من ناحية أخرى. أما رئيس المجلس فيعين من بين أعضاء المجلس من قبل رئيس الجمهورية. و قد أخذ بهذه الرقابة المشرع الدستوري الجزائري في دستور 1963 و 1989 و 1996 حيث يراقب المجلس الدستوري دستورية القوانين وصحة عمليات الاستفتاء والانتخابات الرئاسية والعامة المواد 163 ،164 ، 165 بعد إخطاره من قبل رئيس الجمهورية أو رئيس المجلس الشعبي الوطني أو رئيس مجلس الأمة وفقا للمادة 166. ويتألف المجلس الدستوري وفقا لدستور 1996 من 9 أعضاء يعين رئيس الجمهورية 3 منهم.و ينتخب المجلس الشعبي الوطني 2 منهم و مجلس الأمة 2 منهم و 1 تنتخبه المحكمة العليا و 1 ينتخبه مجلس الدولة ، و لرئيس الجمهورية حق المبادرة بالتعديل الدستوري. وبعد تصديق البرلمان بمجلسيه على التعديل المقترح يعرض على الاستفتاء الشعبي خلال 50 يوما من تاريخ التصديق. أما الطريق البديلة فتتمثل في موافقة المجلس الدستوري على التعديل المقترح ومن ثم تصديق ثلاثة أرباع مجلسي البرلمان عليه قبل أن يصدره رئيس الجمهورية. ولا يجوز أن يمس أي تعديل دستوري النظام الجمهوري لدولة الجزائر، أو نظام التعددية الحزبية، أو دين الدولة أو لغتها الرسمية، أو الحقوق والحريات الأساسية، أو وحدة الأراضي الجزائرية.
ويتميز هذا النوع من أنواع الرقابة على دستورية القوانين في انه يمارس رقابه وقائية على القوانين غير الدستورية وهي في مرحلة تشريعها قبل أن تصدر، لكنه بالرغم من ذلك تعرض للانتقاد من حيث أن تحريكه يعود إما للسلطة التشريعية أو التنفيذية مما يقيم الرقابة على اعتبارات سياسية أكثر من إقامتها على اعتبارات قانونية وموضوعية بحكم أن جهة الرقابة غالباً تتكون من هيئة يتم تعيينها أو اختيارها من إحدى هاتين السلطتين ولا شك إن الطابع السياسي يتدخل في هذا التعيين مما يفقدها الاستقلال والحياد الأمين في ممارسة دورها الرقابي.
2. الرقابة القضائية على دستورية القانون
بموجب هذا النوع من الرقابة يمارس القضاء مهمة الفصل فيما إذا كان القانون دستوريا من عدمه ويتم ذلك في الغالب بإتباع طريقين هما:
أ. رقابة الامتناع أو الدفع الفرعي
ويتم ذلك بان يهمل القضاء القانون غير الدستوري ويمتنع عن تطبيقه في القضية المعروضة. وقد اتبعت هذه الطريقة من طرق الرقابة في الولايات المتحدة الأمريكية. وتتم من خلال نزاع قضائي يدفع فيه احد الخصوم بان القانون المراد تطبيقه عليه غير دستوري فتنظر المحكمة في هذا الدفع فإذا ثبت لديها انه مخالف للدستور امتنعت عن تطبيقه وإذا ظهر العكس استمرت في نظر النزاع.
ومن الجدير بالذكر انه ليس في الدستور الأمريكي نص صريح يرجح أو يقر مبدأ الرقابة القضائية على دستورية القوانين. لكن نص المادة السادسة من الدستور قد أكد إن (( هذا الدستور وقوانين الولايات المتحدة التي تصدر طبقا له.. تكون هي القانون الأعلى للبلاد، ويكون القضاة في جميع الولايات ملزمين به،ولا يعتد بأي نص في الدستور أو قوانين أية ولاية يكون مخالفا ًلذلك)).
وقد ذهب الرأي الراجح في الفقه الدستوري الأمريكي إلى القول بان الرقابة على دستورية القوانين هي بطبيعتها من اختصاص السلطة القضائية بحكم إنها تمتلك ميزة البعد عن التأثير السياسي فضلا عن الخبرة مع إن البعض قد ذهب إلى إن إسناد هذه السلطة للقضاء فيه اعتداء على اختصاص السلطة التشريعية ويجعل منها سلطة سياسية أعلى من سلطة الأمة الممثلة ببرلمانها.
ووفق هذا النوع من الرقابة وعندما تحكم إحدى المحاكم في دعوى أمامها بعدم دستورية قانون ما فإنها لا تلغي القانون وإنما تمتنع عن تطبيقه ويضل القانون سليما على الرغم من ذلك ويجوز لمحكمة أخرى إن تطبقه كما يصح إن تطبقه ذات المحكمة التي امتنعت عن تطبيقه في قضية أخرى إذ إن حجية الحكم بعدم الدستورية نسبية يقتصر أثرها على طرفي النزاع. ما لم يكن الحكم الصادر بعدم الدستورية صادرا من المحكمة الاتحادية العليا.
ويعد هذا الطريق الأسلوب الأكثر نجاحا في فرض الرقابة على دستورية القوانين في الدول التي تخلو دساتيرها من النص صراحة على حق القضاء في الرقابة على دستورية القوانين، إذا ما دفع أمامه – أثناء نظر دعوى مرفوعة – بعدم دستورية قانون ما واجب التطبيق. ومن ذلك ما درج عليه القضاء المصري في ظل دستور عام 1956 ودستور عام 1958 رغم خلوهما من نصوص تنظيم الرقابة.
ب. الطعن في دستورية القوانين بطريق الدفع الأصلي أو رقابة الإلغاء
يجيز هذا النوع من الرقابة لبعض المحاكم إلغاء القانون غير الدستوري وإنهاء العمل به وقد يكون هذا الحكم قبل صدور القانون فتسمى رقابة الإلغاء السابقة أو بعده فيسمى رقابة الإلغاء اللاحقة. وبسبب خطورة الأثر المترتب على هذا الحكم والمتمثل بإلغاء تشريعات البرلمان، حرصت الدول على إن تمارسه محاكم دستورية عليا متخصصة أو أعلى درجات القضاء في الدولة، كما لم تجز كثر منها للأفراد إن يطعنوا مباشرة في دستورية القوانين بينما أجاز بعضها ذلك بطريق غير مباشر بان يتقدموا بالطعن بعدم دستورية قانون ما أمام بعض المحاكم، فان اقتنعت هذه المحكمة بجدية الطعن تقدمت به إلى المحكمة الدستورية.
ومن الدول التي أخذت بهذا الأسلوب من طرق الرقابة، العراق في ظل القانون الأساسي عام 1925 حيث أناط فحص دستورية القوانين بمحكمة عليا وجعل حق الطعن في دستورية القانون من اختصاص السلطة التنفيذية دون الأفراد.
وهذا الامر منتقد لأنه حرم المواطنين من ضمانة أساسية لكفالة احترام الدستور وما يتضمنه من حقوق وحريات.
كما اخذ الدستور الايطالي لعام 1947 بتشكيل محكمة دستورية من خمسة عشر قاضياً تمتلك سلطة إلغاء القانون غير الدستوري اعتباراً من تاريخ صدور الحكم.
واخذ به الدستور المصري الحالي الصادر في 11 سبتمبر 1971 بان جعل الرقابة على دستورية القوانين من اختصاص المحكمة الدستورية العليا بعد إن نبذ المشرع الدستوري نظام الرقابة السياسية على دستورية القوانين.
على انه بالرغم من مزايا الرقابة القضائية بطريق الدعوى المباشرة إلا إنها لم تسلم من النقد من جانب من الفقه باعتبار إنها تمثل خروجا على حدود مهمة القضاء وتؤدي إلى إقحامه في المجال التشريعي وإهداره لعمل السلطة التشريعية، مما يعتبر مساسا بمبدأ الفصل بين السلطات. كما إن إعطاء المحكمة سلطة إلغاء القانون، يعطيها مركزا قويا ونفوذا كبيراً باتجاه سلطات الدولة الأخرى لاسيما السلطة التشريعية.
ثانياً: الضمانات في مواجهة السلطة التنفيذية
مما لا شك فيه ان السلطة التنفيذية عندما تمارس وظيفتها قد تنتقص من حقوق وحريات الافراد خلافاً لما هو مقرر في الدستور. لذلك يجب ان لا تترك لها هذه السلطة دون ضابط يرسم الحدود التي لا تتجاوزها ويعرض تصرفاتها للبطلان.
ويفرض ذلك وجود ضمانات ووسائل تراقب عمل السلطة التنفيذية. وتختلف هذه الضمانات باختلاف الدولة والنظم القانونية المتبعة فيها. غير ان المستقر في اغلب الدول ان الضمانات القانونية في مواجهة السلطة التنفيذية تتمثل برقابة البرلمان لاعمال السلطة التنفيذية ورقابة القضاء وأخيراً رقابة الهيئات المستقلة.
1- رقابة البرلمان لأعمال السلطة التنفيذية
يتمثل هذا الطريق من الرقابة برقابة البرلمان على اعمال السلطة التنفيذية وذلك عن طريق الشكاوى المقدمة من الافراد والمتضمنة طلباتهم التي قد يجد البرلمان انها على قدر من الوجاهة مما يدعو الى مواجهة الوزراء بحق السؤال او الاستجواب او سحب الثقة من الحكومة كلها.
ويتحدد شكل الرقابة بما هو مرسوم في الدستور. وهي تختلف من دولة الى أخرى وتكون الرقابة البرلمانية أقوى في النظم النيابية منها في النظم الاخرى، حيث تكون الوزارة مسؤولية أمام البرلمان مسؤولية تضامنية ناهيك عن المسؤولية الفردية لكل وزير عن اعمال وزارته.
وقد كفل الدستور الجزائري الحالي رقابة البرلمان على اعمال الحكومة احتراماً لمبدأ المشروعية عن طريق توجيه السؤال الى رئيس الحكومة والوزراء في أي موضوع يدخل في اختصاصهم، أو عن طريق لجان التحقيق المواد من 159 إلى162
لكن مع ما تتمتع به الرقابة البرلمانية على اعمال السلطة التنفيذية من اهمية في مجال احترام وسيادة القانون فان دورها مقيد غالباً بالارادة الحزبية السائدة في البرلمان التي تكون في احيان متوافقة مع ارادة الحكومة لو صادف انها من الحزب نفسه فتكون الحكومة الخصم والحكم.
كما ان عدم نضج الوعي السياسي لدى اعضاء البرلمان وافتقارهم الى الخبرة وضعف المعارضة قد تؤدي الى ضعف هذه الضمانة ويختفي دورها الحقيقي في حماية حقوق الأفراد وحرياتهم.
2- رقابة القضاء لأعمال السلطة التنفيذية
تعد رقابة القضاء على اعمال السلطة التنفيذية ممثلة واحد عنصر الرقابة وأكثرها ضماناً لحقوق الأفراد وحرياتهم لما تتميز به الرقابة القضائية من استقلال وحياد. وما تتمتع به احكام القضاء من قوة وحجية يلتزم الجميع بتنفيذها واحترامها والا تعرض المخالف للمسائلة وما في ذلك من تبني لشرعية دولة القانون.
ومن المستقر وجود نوعين من نظم الرقابة القضائية على اعمال الادارة هما نظام القضاء الموحد ونظام القضاء المزدوج.
أ- نظام القضاء الموحد
يسود هذا النظام في انكلترا والولايات المتحدة الامريكية وبعض الدول الاخرى ومقتضاه ان تختص جهة قضائية واحدة بالنظر في جميع المنازعات التي تنشأ بين الافراد انفسهم او بينهم وبين الادارة او بين الهيئات الادارية نفسها.
وهذا النظام يتميز بانه اكثر اتفاقاً مع مبدأ المشروعية اذ يخضع الافراد والادارة الى قضاء واحد وقانون واحد مما لا يمنح الادارة أي امتيازات في مواجهة الافراد. بالاضافة الى اليسر في اجراءات التقاضي.
ب- نظام القضاء المزدوج
يقوم هذا النظام على اساس وجود جهتين قضائيتين مستقلتين جهة القضاء العادي وتختص بالفصل في المنازعات التي تنشأ بين الافراد او بينهم وبين الادارة عندما تتصرف هذه الأخيرة كشخص من اشخاص القانون الخاص ويطبق على هذا النزاع احكام القانون الخاص. وجهة القضاء الإداري تختص بالفصل في المنازعات التي تنشأ بين الأفراد والسلطات الإدارية عندما تظهر بصفتها صاحبة السلطة وتتمتع بامتيازات لا يتمتع بها الافراد ويطبق القضاء الإداري على المنازعة قواعد القانون العام، وتعد فرنسا مهد القضاء الاداري ومنها انتشر الى كثير من الدول كبلجيكا واليونان ومصر والعراق و الجزائر. ومن المهم القول بان هذا النظام قد نشأ اساساً على مبدأ الفصل بين السلطات ومقتضاه منع القضاء العادي من النظر في المنازعات التي تكون الادارة طرفاً فيها احتراماً لاستقلال السلطة التنفيذية.
وقد اتسم القضاء الإداري بسرعة الفصل في المنازعات الإدارية والبساطة في الإجراءات ضماناً لحسن المرافق العامة.
وان وجود قضاء متخصص يمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية يمثل ضمانة حقيقية لحقوق الأفراد وحرياتهم في مواجهة تعسف الإدارة، وتتجلى أهمية وجود قضاء إداري متخصص للفصل في المنازعات الإدارية في أن رقابة القضاء على أعمال الادارة تعتبر الجزاء الاكبر لمبدأ الشرعية والضمانة الفعالة لسلامة تطبيق القانون والتزام حدوده وبه تكتمل عناصر الدولة القانونية وحماية حقوق وحريات الافراد من جور وتعسف الادارة.
ويعد مجلس الدولة الذي تم انشائه بصدور القانون العضوي رقم 98/01 ركناً مهماً من اركان احترام القانون فتختص بالنظر في صحة القرارات الادارية التي تصدر عن الهيآت المركزية والهيئات اللامركزية في دوائر الدولة والتعويض عنها.
3- رقابة الهيئات المستقلة لأعمال السلطة التنفيذية
من الوسائل الجديدة التي اعتمدتها بعض الدول للرقابة على أعمال الإدارة استحداث هيئات مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية لتمارس وظيفة الرقابة على تصرفات الادارة والبحث في مدى موافقتها للقانون.
ومن النماذج على هذه الهيئات نظام الامبودسمان Ombudsman أو المفوض البرلماني وهو شخص مكلف من البرلمان بمراقبة الإدارة والحكومة وحماية حقوق الأفراد وحرياتهم (14).
وقد استحدثت السويد هذا النظام في دستورها لعام 1809 ليكون وسيلة لتحقيق التوزان بين سلطة البرلمان والسلطة التنفيذية وللحد من تعسف الأخيرة في استخدامها لامتيازاتها في مواجهة الافراد. وقد انتشر هذا النظام من السويد الى الكثير من دول العالم فأخذت به فلندا عام 1919 والدا نمارك بمقتضى دستورها 1953 وانتخب أول امبودسمان فيها عام 1955 والنرويج عام 1962 والمملكة المتحدة وكندا عام 1967 وأخذت فرنسا بنظام مشابه أسمته الوسيط Le med-iateur عام 1973 كما أخذت به بعض الولايات في الولايات المتحدة الأمريكية.
وعموماً تملك هذه الأنظمة الحق في التدخل من تلقاء نفسها أو بناءً على شكوى تتلقاها من الأفراد أو بأي وسيلة اهرى يعلم من خلالها بوقوع مخالفة فيعمل على توجيه الإدارة إلى وجوب إتباع أسلوب معين في عملها لتتدارك أخطائها، كما تملك استجواب أي موظف في هذا الشأن ولها إقامة الدعوى على الموظفين المقصرين في أداء واجباتهم ومطالبتهم بالتعويض لمخالفة ضرر من جراء التصرف غير المشروع.
الضمانات الواقعية لتطبيق القواعد الدستورية
الى جانب الضمانات القانونية لتطبيق القواعد الدستورية هناك ضمانات واقعية غير منظمة تعزز دور الضمانات القانونية التي قد تعجز أحيانا عن توفير الحماية اللازمة للدستور واحترام حقوق الأفراد وحرياتهم وتتمثل هذه الضمانات في رقابة الرأي العام ومقاومة الطغيان.
رقابة الرأي العام
يراد بمصطلح الرأي العام مجموعة الآراء التي تسود مجتمع معين في وقت ما بخصوص موضوعات معينة تتعلق بمصالحهم العامة والخاصة.
ان رقابة الراي العام تعد في الواقع العامل الرئيس في ردع الحكام واجبارهم على احترام الدستور وما يتضمنه من حقوق وحريات للافراد فكلما كانت هذه الرقابة قوية كلما كان التقيد بالدستور قوياً. وكلما كانت رقابة الرأي العام ضعيفة او منعدمة كلما ضعف تبعاً لذلك احترام الدستور.
إذ إن احترام القواعد الدستورية انما يرجع الى مراقبة الافراد لحكامهم، إلا ان هؤلاء لا يمكنهم التأثير على تصرفات الحكام ما لم يكن رايهم مستنيراً ناضجاً ومنضماً من جهة اخرى.
ومن الواضح ان هذا النوع من الرقابة له الاثر البالغ في الرقابة على اعمال السلطة التنفيذية ومنعها من التعسف في استعمال السلطة غير ان هذا الطريق لا يتسع تأثيره إلا في الدولة التي تكفل حرية التعبير والتي يبلغ فيها الرأي العام من النضج ما يؤهله القيام بواجب الرقابة وعدم الخضوع لمصالح فئات معينة تسخر الارادة الشعبية والرأي العام لتحقيق اهدافها ومصالحها الخاصة فتفقد بذلك حقيقة تعبيرها عن المصلحة العامة.
ويشترك في تكوين الرأي العام مختلف الهيئات والتنظيمات الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني والاحزاب عن طريق طرح افكارها والدعوة اليها في مختلف الوسائل التي تؤدي الصحافة والوسائل السمعية والبصرية دوراً كبيراً في نشرها وتعبئة الجماهير وتوجيههم من خلالها.
أ- مؤسسات المجتمع المدني
برز مفهوم المجتمع المدني في اطار افكار ورؤى بعض المفكرين والفلاسفة خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر والتي تعتمد افكارهم اساساً على ان الانسان يستمد حقوقه من الطبيعة لا من قانون يضعه البشر وهذه الحقوق لصيقة به تثبت بمجرد ولادته. وان المجتمع المتكون من اتفاق المواطنين قد ارتأى طواعية الخروج من الحالة الطبيعية ليكون حكومة نتيجة عقد اجتماعي اختلفوا في تحديد اطرافه.
والمفهوم المستقر للمجتمع المدني يقوم على اساس انه مجموعة المؤسسات والفعاليات والانشطة التي تحتل مركزاً وسطياً بين العائلة باعتبارها الوحدة الأساسية التي ينهض عليها البنيان الاجتماعي والنظام القيمي في المجتمع من ناحية والدولة ومؤسساتها وأجهزتها ذات الصبغة الرسمية من جهة أخرى.
وبهذا المعنى فان منظمات المجتمع المدني تساهم بدور مهم في ضمان احترام الدستور وحماية حقوق الافراد وحرياتهم وتمثل الأسلوب الأمثل في إحداث التغيير السلمي والتفاهم الوطني مع السلطة في سبيل تعزيز الديمقراطية وتنشئة الأفراد على أصولها وآلياتها. فهي الكفيلة بالارتقاء بالفرد وبث الوعي فيه وتعبئة الجهود الفردية والجماعية للتأثير في السياسات العامة وتعميق مفهوم احترام الدستور وسيادة القانون.
2- وسائل الاعلام
تلعب وسائل الاعلام دوراً سياسياً مهماً يساهم في تعبئة الرأي العام الشعبي من خلال كتابات واقوال المفكرين والصحف والفضائيات المرئية والمسموعة والاجتماعات والندوات التي تساهم في اطلاع الجماهير على المشاكل الاكثر إلحاحاً والتي يتعرض لها المجتمع وتكون مراقب جماعي لصالح الشعب من خلال انتقاد سياسات الحكام وكشف فضائحهم وفسادهم وانتهاكهم لسيادة القانون.
3- الأحزاب السياسية
من أساسيات العمل الديمقراطي ان تسعى الأحزاب السياسية الى تحقيق الاتصال الجماهيري. فالدور الأساسي الذي تقوم به الاحزاب السياسية هو السعي للحصول على تأييد الافراد لبرامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعد بتنفيذها اذا ما وصلت الى السلطة عبر الانتخاب. وحتى تحقيق ذلك تبقى الأحزاب مراقبة لعمل الحكومات لضمان احترامها للدستور وسيادة القانون.
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma