I-تعريف الشريعة:
ينصرف لفظ الشريعة عند العرب أحد معنيين فتطلق على مشرعة الماء ومورده لذا قيل في المثل أهون ( أسهل ) السقي التشريع ، كما تطلق على الطريقة المستقيمة الواضحة التي لا اعوجاج فيها وقال الله تعالى "ُثمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا " وقال عز وجل : " ِلكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً". أما اصطلاحا فقد عرفها الفقهاء بأنها ما شرعه الله عز وجل لعباده من الأحكام التي جاء بها نبي من الأنبياء سواء ما تعلق منها بالاعتقاد أو العمل الذي يجب تطبيقه للوصول إلى الغاية المبتغاة من هذه الشريعة قال الإمام القرطبي : " إن الشريعة تعني ما شرعه الله لعباده من الدين أي من الأحكام المختلفة إعتقادية وعمليا وسميت هذه الأحكام الشريعة استقامتها ولشيمها بمورد الماء لأن بها حياة النفوس والعقول كما أن في مورد الماء حياة الأبدان " والشريعة الإسلامية نسبة إلى الإسلام وهي الأحكام التي شرعها الله تعالى على لسان محمد " صلى الله عليه وسلم".
وتنقسم أحكام الشريعة الإسلامية إلى ثلاثة أقسام :
1-أحكام عقائدية: وهي تشمل كل الأحكام المتعلقة بذات الله تعالى وصفاته ووجوب الإيمان به وبرسله وكتبه وملائكته واليوم الآخر والحساب والثواب والعقاب والجنة والنار،... الخ قال الله تعالى: " فإذا جاءت الطامة الكبرى يوم يتفكر الإنسان ما سعى وبرزت الجحيم لمن يرى " وفي الحديث عن الإمام المصطفى قال : " عند الرسول (ص) ....فأخبرني عن الإيمان ، قال الرسول.............. أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الأخر وتؤمن بالقدر خيره وشره".
2-الأحكام الأخلاقية: ويقصد بها الأحكام المتعلقة بالفضائل والسمات الحميدة التي ينبغي على الإنسان المسلم التحلي بها كالصدق، الأمانة، الإيثار، الإحسان"، قال عليه الصلاة والسلام "إنما بعثت متمم مكارم الأخلاق".
3-الأحكام العملية: وهي الأحكام الشرعية المتعلقة بعمل الإنسان وتصرفاته و هاته يدرسها علم يسمى بعلم الفقه الإسلامي وهو على قسمين.
أ-العبادات: وهي الأحكام الشرعية العملية المتعلقة بأمر الآخرة والتي يقصد بها التقرب إلى الله عز وجل كالصلاة والزكاة، الصوم، الحج، النذور....الخ.
قال تعالى: " إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً" وقال صلى الله عليه وسلم: " خذوا عني مناسككم".
ب-المعاملات: ويقصد بها المعاملات والتصرفات التي يقوم بها الإنسان لإدراك مصالحه الدنياوية أو تنظيم علاقاته بالمجتمع أو بأحد أفراده كالبيع والإيجار. والهبة والرهن والكفالة والوصية والوقف، ...الخ.
Ii-الــديــن:
يطلق لفظ الدين في اللغة ويراد به عدة معاني منها: الخضوع والطاعة والجزاء والمكافأة والعادة والسيرة والقضاء والحكم ، وجاء مصطلح الدين في كتاب الله عز وجل مفيدا لعدة معاني في أكثر من (90) آية قال الله تعالى :" وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ " وقال الله عز وجل : "وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ" ويأتي الدين بمعنى الإسلام كمرادف له كما في قوله تعالى : "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ كما أنه يأتي أحيانا أخص من الإسلام كما قال عز وجل "شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ " ففي هذه الآية الدين هو ما اتفقت عليه الرسالات من توحيد الله وإخلاص له دونما اختلفت فيه لأن لكل نبي شريعة أرسل بها ويقول تعالى: "ُلّكلٍ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً"
أما اصطلاحا:
فالدين هو خضوع وطاعة العبد لربه الذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره وهذا هو معنى الإسلام أيضا ويقول تعالى: "َأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ "
iii- تعريف الفقه:
أ-لغة: وردت كلمة فقه في اللغة مفيدة لعدة معاني أهمها:
1-مطلق الفهم:لقوله عز وجل : " َقالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ " وقوله : لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا ".
2-الفهم الدقيق العميق: لقول الله تعالى : "فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ" " فالفقه بمعناه الخاص هو الإدراك والفهم الدقيق الذي يتطلب بذل الوسع والجهد العقلي وهذا هو المعنى المراد في قوله (ص) : " من ينهي الله به خيرا يفقهه في الدين".
تطور معنى الفقه الاصطلاحي عبر ثلاث مراحل زمنية.
1-معناه في صدر الإسلام:
كان معناه مطابقا لمعنى الشرع والدين فكان يطلق ويراد به فهم الأحكام التي تضمنها القرآن والسنة سواء ما تعلق منها بالجانب الإعتقادي أو الأخلاقي أو العبادات والمعاهدات فلم يكن هناك فرق بين مصطلح الفقه الشرع والدين وبقي الأمر على حاله إلى حدود منتصف القرن الثاني (2) للهجرة فقد عرف الإمام أبو حنيفة النعمان رضي الله عنه الفقه :" معرفة النفس مالها وما عليها".
2- أصل معناه على ماعدا الأحكام العقائدية:
أي أصبح معناه يشمل جميع الأحكام باستثناء الأحكام المتعلقة بالعقيدة.
3-أصبح مدلول كلمة فقه ينصرف إلى الأحكام الشرعية العملية: من عبادات ومعاملات دون غيرها من الأحكام وبهذا المعنى عرف الأصوليون الفقه بقولهم : " العلم للأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التقصيرية" وعلى هذا أصبح مصطلح الفقه أخص من مصطلح الشريعة فأحكام الفقه جزء من أحكام الشريعة التي تشمل بالإضافة إلى أحكام الفقه الأحكام المتعلقة بالعقائد والأخلاق.
-خصائص الشريعة الإسلامية:
تستجمع الشريعة الإسلامية جملة من الخصائص التي تتفرد بها عن أي نظام قانوني قبلها أو بعدها جعلتها صحيحة في التطبيق في كل زمان ومكان تذكر منها:
أ-الربانية:
وهذه الخاصية تميزها عن قوانين البشر جميعا ويقصد الربانية أمرين:
ربانية المصدر، ربانية الوجهة أو الغاية.
1-ربانية المصدر: فيقصد بها أن أحكامها لم تضعها عقول البشر القاصرة والتي تتأثر غالبا بعوامل الزمان والمكان والوراثة والهوى والعواطف وإنما وضعها الله عز وجل كل شيء والعالم سبحانه بما ينفع البشر وما يضرهم قال عز وجل : "أ َلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ".
2-ربانية الوجهة (الغاية): بمعناها أن هدف الشريعة الأول هو ربط العلاقة بين الإنسان وربه عز وجل الذي قال في محكم التنزيل: " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ" .
ولا يقتصر هذا على العبادات وإنما يمتد ليشمل كافة أحكام الشريعة في مجالاتها الأسرية والجنائية والدولية...الخ وليس للإنسان أن يكون له الخيار في قبول أحكام الشريعة الإسلامية قال تعالى : " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ " ويقول عز وجل : " وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ " ولذا حظيت الشريعة الإسلامية الربانية باحترام المسلم وانقيادهم وطاعتهم لها لأنها حكم الله، قال تعالى: " وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ" .
ب-الشمولية:
تتميز الشريعة الإسلامية بالشمول وهذا من حيث الزمان والمكان والإنسان المخاطب بها والأحكام التي تتضمنها.
فمن حيث الزمان فإن هذه الشريعة أزلية أبدية لا يمكن لشريعة أخرى أن تفسخها وتنسخها أو تعطل العمل فيها فهي غير متقيدة بفترة زمنية معينة فمن حيث المكان فهذه الشريعة غير محدودة بحدود جغرافية لأنها وضعت لتنظيم حياة الناس في كل الأقطار والبلدان ومن حيث الإنسان فإن هذه الشريعة وضعت للناس كافة بلا تمييز بينهم فهي شريعة رب الناس لكل الناس قال تعالى :" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ" " ، قال عليه الصلاة والسلام :" كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة"
أما من حيث الأحكام فإن أحكام الشريعة الإسلامية تشمل كافة جوانب الحياة فهي تشمل الجانب العقائدي والأخلاقي و التعبدي بين الإنسان وخالقه عز وجل وهذا ما نجده في فقه العبادات كالصيام، الحج والصلاة ، كما تهتم بتنظيم العلاقات الأسرية من زواج، طلاق ميراث،نفقة، ...الخ كما تنظم العلاقات ذات الصبغة المالية من بيع ، إيجار رهن وهبة وكفالة ...الخ كما تشمل الجانب الاقتصادي والمالي فيما يتعلق بإنتاج الثروة أو توزيعها أو استهلاكها وتنظيم بين المال وموارده ومصارفه وبيان ما حرمه الله في مجال الاقتصاد من ربا واحتكار وأكل أموال الناس بالباطل كما تشتمل على الجانب الجزائي من عقوبات دنياوية قدرها الشارع الحكيم كالقصاص والحدود مثل قطع يد السارق وجلد الزاني أو رجزه أو العقوبات المتروكة لتقدير أولي الأمر كالقضاة وهي ما تسمى بالفقه التعازير.
ج-الجزاء الأخروي والجزاء الدنياوي:
وهنا تختلف الشريعة الإسلامية عن القوانين الوضعية في كون هذه الأخيرة تتميز بجزاءات دنيوية فلا تمتد لتوقيع جزاءات أخروية أما الشريعة الإسلامية فتجمعهما معا قال تعالى: "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "
وقال جلا شأنه: " يأيها الذين آمنوا وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ".
د-الموازنة بين مصالح الفرد ومصالح الجماعة: دون تغليب مصلحة أحدهما على عكس القوانين الوضعية التي نجد البعض منها (الدول الرأسمالية) حيث تحامي الفرد وتعطي له حريات لا حدود لها ولا تقيده إلا بحدود ضيقة جدا أما في قوانين الدول الاشتراكية التي أصبحت اليوم قليلة فهي تضغط على الفرد لصالح الجماعة فتقضي على روح المبادرة وعلى النواهي والقدرات الفردية وأبرز مثال على وجود التوازن في الشريعة الإسلامية وموقفها من الملكية حيث لم تحرم الفرد من التملك لكنها تقيد هذا الحق حين يتعلق بطرق التملك ، وتنمية الملكية والعمليات الاقتصادية لإذاعة العدل بين الناس.
ه-خاصية الواقعية: فهي تراعي الواقع القائم وتشرع له ما يعالج مشاكله فهي بعيدة عن أجواء المثالية رغم مراعاتها للقيم الأخلاقية الفاضلة فشريعة الله شرعت للإنسان كما هو في جسمه وروحه وبما يختلج في صدره من دواعي للتقوى وعوامل الفجور بعواطفه وغرائزه...الخ فلم يأمر القرآن بما أمر به الإنجيل حين قال: " من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر" وقالت : " من سرق قميصه فأعطه إزارك " فهي أحكام مثالية قد تصلح لتربية مجموعة الأولى في مرحلة معينة لكنها لا تصلح قانونا عاما لدولة عالمية في شريعة خالدة لكن الشريعة الإسلامية قررت عقابا للمعتدي بمثل جريمته أو اعتدائه دون زيادة ومن واقعية الشريعة تشريع الطلاق وتعدد الزوجات ومن واقعتها كذلك إباحة المحظورات عند الضرورة رفعا للحرج ، قال تعالى : " فمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ".
و-الجمع بين الثبات والمرونة: فالثبات في الأصول والأهداف والمرونة في الفروع والوسائل فثباتها يمنعها من الانحلال والانصهار مع غيرها والمرونة تجعلها تتكيف مع الأوضاع المستجدة والتطورات الحاصلة فالأصول الثانية المتمثلة في الأحكام التي جاءت بها النصوص المحكمة وأجمعت عليها الأمة و ترقتها بالقبول لا مجال للاجتهاد فيها كفريضة الصلاة والزكاة وتحريم الزنا والربا وشرب الخمر وتحديد أنصبة الورثة والمحرمات من النساء ...الخ فهذه من القطعيات التي لا يجوز أن تكون محلا للنقاش أو الاجتهاد كأن يدعو أحدهم إلى جواز تعطيل فريضة للزكاة إكتفاءا بفرائض أو تعطيل فريضة الحج توفير للعملة الصعبة أما ما لم يرد عليه نصوص قطعية فالباب مفتوح أمام العلماء للاجتهاد بضوابطه (بشروط) الشيء الذي يجعل الشريعة تتكيف مع كافة الأوضاع والحالات المستخدمة.
أسس التشريع الإسلامي: يقوم التشريع الإسلامي على أسس ومبادئ جعلته يتميز عن غيره كما جعلت من الشريعة الإسلامية صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان وأهم تلك الأسس:
2-التسيير ورفع الحرج:
تتميز الشريعة الإسلامية عن غيرها بإنبائها على التسيير ورفع الحرج لأن التشديد قد يصلح علاجا في ظروف خاصة لجماعة معينة ولمرحلة مؤقتة أما الشريعة الإسلامية فهي شريعة إنسانية عالمية قائمة على التخفيف والتيسير ورفع الحرج عن المكلفين ومن مظاهر ذلك قلة التكاليف الشرعية التي فرضت على الإنسان فلم تفرض عليه من العبادات إلا خمس صلوات متفرقة في اليوم والليل ويصليها المرء قائما فإن لم يستطيع فجالسا فإن لم يقدر فعلي جنبه أو إشارة ....الخ ولم يفرض علينا من الصوم إلا شهرا واحد في السنة أما الحج فلم يفرض إلا مرة في العمر لمن استطاع إليه سبيلا ، ومن مظاهر ذلك إباحة المحظورات (الممنوعات) في حالة الضرورة كما اشتملت الشريعة على الكثير من الرخص الشرعية كالترخيص للمريض والمسافر بترك الصيام وقصر الصلاة ولقد جاءت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة مؤكدة على ذلك قال تعالى " يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ" وقال عز وجل :"وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ " وقال أيضا : " لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا " وقال في أية أخرى " ُيرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً " وقال صلى الله عليه وسلم " يسرا ولا تعسيرا أو بشرا ولا تنفرا" وقد سئل بعض الصحابة النبي صلي الله عليه السلام عن الحج : ...أفي كل عام ؟ فقال : لو قلت نعم لو جيت بروني ما تركتم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم كما ثبت عنه "ص" أنه ما خير من أمرين إلا إختارا أيسرهما ما لم يكن إثما " وعلى هذا الأساس قامت قاعدة هامة من قواعد الفقه الإسلامي وهي (المشقة تجلب التيسير) .
2-رعاية مصالح الناس:
يمكن الغرض من تشريع أحكام الشريعة الإسلامية في تحقيق مصالح العباد في دنياهم وآخرتهم ودرك المفاسد عنهم فالله جل شأنه جعل رسالة محمد "ص" رحمة للعالمين
قال تعالى : " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ " كما أن في القرآن الكريم شفاء وهدى ورحمة للمؤمنين به قال عز وجل : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ " وتتميز المصلحة في السعة والشمول في نظر الشرع فهي مصلحة تسع الدنيا والآخرة وتشمل الروح والمادة وتوازن بين الفرد والجماعة وبين المصلحة القومية الخاصة و المصلحة الإنسانية العامة فالشريعة الإسلامية تراعي كل هذه المصالح ومثال ذلك أن الشريعة الإسلامية أعطت الحق للفرد في التملك لكنها قيدت الملكية بقيود لمصلحة الجماعة.
3-تحقيق العدالة بين الناس:
من أسس التشريع الإسلامي تحقيق العدل بين الناس والابتعاد عن الظلم والجور قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ " وقد ورد في القرآن الكريم السنة النبوية الشريفة الحث على الابتعاد عن الظلم في الكثير من الآيات والأحاديث : قال الله تعالى : " َلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ لأبصر ُمهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء " وجاء في الحديث عن رسول الله "ص" أنه قال " إنما أهلك الذين من قبلكم أنهمك كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" فقانون الشرع ملزم لكل من جرت عليه أحكام الشريعة فلا يظلم أحدا بسبب دينه أو طبقته الاجتماعية أو نسبه أو لونه أو لغته ...الخ.
4-التدرج في التشريع:
لم يأتي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة دفعة واحدة فاستغرقت مدة الرسالة من بعثته عليه الصلاة والسلام إلى وفاته وكان تشريع الأحكام يراعي سنة التدرج وهذا لحكم عظيمة كالتخفيف على الناس و تماشيا مع فطراتهم التي فطروا عليها فلا يمكن تغيير الأوضاع السائدة والتي ترسخت خلال قرون عدة دفعة واحدة لذا راعت الشريعة سنة التدرج مع البشر فيما شرع لهم إيجابا أو تحريما فنجده حينما فرض الفرائض كالصلاة والزكاة والصوم فرضها على مراحل ودرجات حتى انتهت إلى الصورة الأخيرة فالصلاة فرضت أول ما فرضت ركعتين ركعتين ثم أقرت في السفر على هذا العدد وزيدت في الخطر إلى أربع –بالنسبة للصلاة الرباعية- والمحرمات لم تحرم دفعة واحدة لتغلغلها في الأنفس فليس من الحكمة تحريمها بشكل مفاجئ إنما الحكمة تتمثل في إعدادهم ذهنيا ونفسيا لتقبلها كتحريم الخمر وفقد ذمها الله عز وجل في القرآن مرتين وحرمها في الثالثة وهذه السنة الإلهية في مراعاة التدرج يلزم أن تتبع في سياسة الناس عندما يراد تطبيق أحكام الشريعة عليهم في الحياة اليوم لأن المجتمعات الإسلامية تتفاوت وتختلف في التزامها بالشرع.
الموازنة بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي:
نظرا لما تمتاز به الشريعة الإسلامية من الخصائص التي تميزها عن التشريعات الوضعية فإن الفرق بينهما عظيم وسنكتفي ببيان بعض الاختلافات الأساسية.
• الشريعة الإسلامية: هي جملة الأحكام التي شرعها الله عز وجل على لسان محمد "ص" أما التشريع الوضعي فهو جملة القواعد القانونية التي تضعها السلطة المختصة في دولة من الدول.
• الشريعة الإسلامية ربانية المصدر فهي من وضع الله عز وجل الذي أحاط بكل شيء علما باختلاف التشريع الوضعي فيظهر فيه جليا نقصهم وعجزهم وضعفهم ومحدودية علمهم.
• الجزاء في الشريعة الإسلامي مزدوج أخروي وهو الأصل ومع ذلك هناك جزاءات دنياوية ردعا للفاعل المخالف وزجرا لغيره إما الجزاء في التشريع الوضعي فهو دنياوي فقط توقعه السلطة المختصة في الدولة.
• الشريعة الإسلامية تتميز بالشمولية فهي تنظم علاقة الإنسان بربه وعلاقته بغيره من الناس وعلاقته بالدولة وعلاقة الدول ببعضها بخلاف التشريع الوضعي الذي لا يشمل تنظيم علاقة الإنسان بربه عز وجل كما أنه لا يحكم إلا على ما يظهر من أعمال وتصرفات فلا سلطان له على النوايا.
• الشريعة الإسلامية لها قدسية كثيرة لدى المخاطبين بأحكامها رادعة يخشاها الإنسان في السر و العلن و لا يمكنه التهرب منها أو الاحتيال عليها لأن طابعها لا يغفل و لا تأخذه سنة و لا نوم ولو افلت من الجزاء الدنياوي فلا شك ولا مفر من الجزاء الأخروي أما التشريع الوضعي فلا تثبت له مثل هاته القداسة.
• تتميز الشريعة الإسلامية بمراعاة الأخلاق في كافة المجالات قال عليه الصلاة و السلام :"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" أما غاية التشريع الوضعي فهي نفعية محدودة تتمثل في ضمان استقرار المجتمع و انتظام معاملاته وأموره وعلاقته المادية بالخصوص حتى ولو اقتضى ذلك الخروج على مكارم الدين و الأخلاق فهو يقضي مثلا سقوط الحق بالتقادم حفاظا على النظام في المجتمع متجاوزا على ما تقضي به قواعد الأخلاق.
التعريف في أصول الفقه و تطوره:
أصول الفقه مركب من لفظين أصول وفقه وقد عرفنا معنى الفقه و نبغي معرفة "أصول " حتى نحدد موضوع دراستنا.
الأصول لغة: جمع أصل وهو ما بني عليه غيره أو يحتاج إليه أو يكون أساسا في معرفة حكمه.
اصطلاحا: علم أصول الفقه هو علم بالقواعد التي نتواصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التقصيرية وعرفها الإمام عبد الحميد بن باديس :" معرفة القواعد التي يعرف بها كيف نستفاد الأفعال من أدلة الأحكام " و المشتغل في علم الأصول يسمى أصولي ،أما الفرق بينه وبين الفقيه هو أن الفقيه لا ينظر إلا في أفعال المكلفين خاصة أما الأصولي فإنه لا ينظر إلا في أدلة الأحكام ونصوص تشريعية لم ترد على حال واحدة بل منها ما ورد بصيغة الأمر ومنها ما ورد بصيغة النص لقوله تعالى :" َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى".
ومنها ما ورد بصيغة العموم و منها ما ورد على صيغة الإطلاق....إلخ.
فهذه الصيغ أنواع كلية من أنواع الدليل الشرعي العام وهو القرآن فالأصولي يبحث في كل هذه الأنواع.
فإذا وصل إلى أن صيغة الأمر تدل على الوجوب وصيغة النهي تدل على التحريم...إلخ وضع قواعد مثل : الأمر بالوجوب ،النهي بالتحريم ،فيأتي الفقيه و يتعين بهذه القواعد ويطبقها على جزئيات الدليل الكلي ليتوصل بها إلى معرفة الحكم الشرعي التفصيلي فيطبق قاعدة الأمر للوجوب لقوله تعالى :" يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعهود ويحكم بأن الوفاء بالعهود واجب".
ويطبق بالقاعدة النهي لتحريم لقوله تعالى:" وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ "
ويحكم بأن القتل بغير وجه حق محرما.
وعليه يجمل الفرق بين الأصول والفقيه فيما يلي:
1-الأصولي: نسبة إلى علم الأصول ونطاق بحثه هو الأدلة الإجمالية بغية وضع لنا قواعد الأصولية.
2-الفقيه: نسبة إلى علم الفقه ومجال بحثه هو الأدلة الجزئية إذ يعمل على استنباط الأحكام الشرعية التفصيلية اعتمادا على القواعد التي قررها الأصولي.
الغاية من علم الأصول:
علم أصول الفقه علم عظيم الفائدة ،بالغ الأهمية نذكر منها:
1-إدراك مناهج المجتهدين( الفقهاء) لاستنباطهم للأحكام حتى تطمئن النفوس إلى الأحكام الشرعية التي وصلوا إليها.
2-هو العلم الذي يقود خطي المجتهد ويمده بالأدوات والوسائل اللازمة لاستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية ،الشيء يمكن العلماء من معرفة حكم الشرع في كل زمان ومكان.
3-يمثل جدارا منيعا عن تعريف الدين وذلك من خلال مباحث التي يدرسها نذكر منها:
أ-بيان مصادر التشريع الأصلية "المتفق عليها بين الجمهور و المختلف عنها".
ب-ضبط مقاصد التشريع وتحديد أنواع الأحكام الشرعية ودراسة القواعد اللغوية والأصولية.
تطوير علم أصول الفقه:
لم ينشأ علم أصول الفقه إلا في القرن الثاني ميلادي لأنه في القرن الأول تدعوا الحاجة إليه فرسول صلى الله عليه وسلم كما يفتي ويقضي بما يولي إليه ربه عز وجل من القرآن وبما يلهم به من السنن وبما يؤدي إليه اجتهاده الفطري دون الحاجة إلى قواعد وأصول يتوصل إليها إلى الاستنباط و الاجتهاد.
أما أصحابه رضي الله عنهم فكانوا يفتون ويقضون بالنصوص التي يفهمونها بملكتهم العربية السليمة دون الحاجة إلى قواعد لغوية يسترشدون لفهم النصوص ويستنبطون فيما لا نص فيه بملكتهم التشريعية التي تثبت في نفوسهم ملازمين ومصاحبتهم لنبي "ص" وعرفة أسباب النزول الآيات وورود الأحاديث وفهمهم لمقاصد التشريع ولما اتسعت رقعة الدولة الإسلامية عن طريق الفتوحات وأختلط العرب بغيرهم ودخل العربية الكثير من المفردات الغير عربية ،و لم تبقى الملكة اللغوية على سلامتها وكثرة الاحتمالات لفهم النصوص ،دعت الحاجة إلى وضع قواعد وضوابط لغوية يتوصل إلى استخدامها إلى فهم النصوص كما بعد عهد التشريع واحتد من الجدل بين أهل الرأي وأهل الحديث ،فكان لابد من وضع ضوابط وبحوث في أدلة الشريعة وشروط الاستدلال بها وكيفيته ومن مجموع هذه الضوابط اللغوية تكون علم أصول الفقه وقد بدا متأثرا مفرقا في كتب الفقه وأول من دون قواعد ه\ا العلم وبحوثه في مجموعة متنقلة ومرتبة مؤيدا كل ضابط بالبرهان هو الإمام محمد بن إدريس المعروف بالشافعي والمنوفي سنة204 ه وهذا في رسالاته الدولية وتتابع بعده علماء في تكيف في هذا العلم فظهرت المؤلفات الكثيرة نذكر منها :
المصطفى للإمام أبي حامد الغزالي المتوفي سنة 505 ه وكتاب الإحكام في أصول الإدعاء للإمام الأمدي وكتاب المنهاج للإمام البيضوي وكذلك كتاب أصول زيد الدبوسي وكتاب المناء للغمام محافظ النسفي وأصول فجر الإسلام لبزدوي وكتاب التوضيح لصدر الشريعة وكتاب التحرير للكمال ابن الهومام وكتاب جمع الجوامع لابن السبك ومن المؤلفات الحديثة في العلم كتاب إرشاد إلى تحقيق الحق من علم الأصول للإمام الشوكاني وكتاب أصول الفقه الشيخ عبد الوهاب خلاف وغيرها كثيرة.
مصادر التشريع الإسلامي:
يمكن تقسيم مصادر التشريع الإسلامي إلى قسمين :
أ-مصادر متفق عليها بين جمهور العلماء:
وتشمل القرآن الكريم،السنة النبوية الشريعة ،الإجماع والقياس.
ب-مصادر مختلف فيها بين الجمهور: وتشمل الاستحسان، العرف مذهب قول الصحابي المصالح المرسلة شرع من قبلنا، سد الذرائع...إلخ.
I-المصادر المتفق عليه :
1-القرآن الكريم : كتاب العزيز :
الكتاب في اللغة يطلق على كل كتاب ومكتوب في عرف الشرع على كتاب الله المكتوب في المصاحف وهو القرآن والقرآن في اللغة قال تعالى :إن علينا جمعه ...........
أما تعريف القرآن إصلاحا هو كلام الله عز وجل المنزل على رسول صلى الله عليه وسلم بلسان عربي الإعجاز بأقصر صورة منه المكتوب بالمصاحف المنقول بالتواتر، المتعبد بتلاوته المبدوء بالسورة الفاتحة و المختوم بسورة الناس.
حجيته:
اتفق المسلمون على أن القرآن الكريم حجة يجب العمل به ، وبما ورد فيه ولا يجوز الانصراف عنه إلى غيره من الأدلة إلا إذا لم يوجد فيه حكم المسألة التي يراد الوصول إلى معرفة حكمها والدليل على كونه حجة على الناس جميعا ووجوب إتباع أحكامه هو أنه ينزل من الله رب العالمين ودليل ذلك إعجازه.
2-إعجاز القرآن الكريم:
اقتضت الحكمة الإلهية أن يؤيد الله سبحانه وتعالى أنبياؤه ورسله بالمعجزات بالدلالة على أنه هو الذي بعثهم وكلفهم أقوامهم بتبليغهم بدين ربهم وقد كانت معجزة الأنبياء وقبل بعثة محمد "ص " مادية في أغلبها كعصى موسى عليه السلام وشق البحر له، وناقة صالح عليه السلام وإحياء عيسى عليه السلام للموتى بإذن الله وقد خص الله سبحانه وتعالى محمد "ص" بأعظم معجزة وهي القرآن الكريم والبحث في إعجازه الفسيح جدا لذا سنرى بعض هذه الأوجه:
1-فصاحة ألفاظه وبلاغة عباراته:
بلغت فصاحة ألفاظ القرآن وبلاغة عباراته مبلغا لا يضاهيه أو يدانيه قوم بشر على الإطلاق فلا نجد في عباراته اختلاف في مستوى البلاغة ولا تفاوتا في فصاحة التعبير كما أن أسلوبه يتفق مع مقتضي الحال فإذا كان الموضوع تشريعيا كان اللفظ دقيقا محمودا والبيان هادئا وإذا كان الموضوع مقرر العقيدة أو مذكرا بقدرة الله عز وجل أو مهدد لليوم الآخر مخوف من العذاب كان أسلوبا خطابيا مؤثرا يهز النفوس ويحرك الوجدان ويثير المشاعر وقد تحدث الله عز وجل بهذا القرآن العربي الذي نزل بلغتهم وهم أرباب البلاغة والبيان وملوك الفصاحة وفرسان الخطاب بالإتيان بمثله فعجزوا.
قال تعالى:" قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً" ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور من مثله فلم يستطيعوا قال تعالى: " أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ " ثم تحداهم ثالثة بأن يأتوا بسورة بمثله فلن يقدرو" وقال تعالى :" أمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ "
ثم يؤكد الله سبحانه وتعالى عجز الإنسان والجن عن الإتيان بصورة واحدة حاضرا ومستقبلا بقوله :" وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ َفإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ".
2-الإعجاز النفسي:
بحيث يتولى القرآن على نفس القارئ والسامع و لو كثر الجمل لأن في القرآن ما يوصد الأبواب إجابة أو تفنيدا أو تصويبا لكل ما تقوم به النفس الشيء الذي جعل الكثير من المشركين عند نزول القرآن يتواصون فيما بينهم في عدم الاستماع للقرآن الكريم .
قال تعالى : " وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ " ،وكم من صحابي جليل هدته آيات القرآن وأخرجته من ظلام الجاهلية إلى نور الإسلام فهذا عمر بن الخطاب يسلم عند سماعه آيات من سورة طه وكان الرسول "ص " يطلب من عبد الله بن مسعود أن يقرأ عليه القرآن فقال عبد الله أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ فقال "ص" :إني أحب أن اسمعه من غيري يقول ابن مسعود فقرأت عليه صورة النساء حتى بلغت فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا قال امسك فإذا عيناه تذرفان.
3- الإعجاز العلمي:
على الرغم من كون القرآن الكريم كتاب هداية وتشريع إلا أنه اشتمل على إشارات عديدة لحقائق علمية أكدها العلم الحديث نذكر منها: قال تعالى:" وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سللة مِّنْ طين، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ،ثمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ".
فهذه الأدوار المختلفة التي يمر به الجنين لم يتوصل إليها العلم إلا حديثا وقال تعالى في آية أخرى:" فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء " .
فقد اثبت العلم أن الإنسان يشعر بالضيق كلما صعد في الطبقات السماء لأن الأكسجين يتناقص كلما ارتقينا إلى السماء وقال تعالى:" وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ "" وقال أيضا :" لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ "
وقال أيضا :" مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ "آية الرحمان" أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا" الدالة على بيضاوية شكل الأرض وقال أيضا :" أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ "
4-إخباره عن الأمم السابقة: منذ آدم عليه السلام وذلك ما نجده في قصص القرآن كقصة موسى وعيسى ويوسف وإبراهيم وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام.
قال تعالى :" ِتلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ " و قال أيضا :" وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً " وقال في آية أخرى :" أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ، إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ ، الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ "
5- إخباره عن وقائع مستقبلية ( غبية):
كتبشير المسلمين بفتح مكة قال الله تعالى :" لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لا تدخلن المسجد الحرام إن شاء الله أمنين محلفين رؤوسكم ومصري لا تخافون فعلم ما لم تعلموا وجعل من دون ذلك فتحا قريبا " سورة الفتح وكإخباره بانتصار الروم عن الفرس قبل وقوع الحرب بينهما بعدة سنين كما جاء في سورة الروم.
قال تعالى :"ألم ، غُلِبَتِ الرُّومُ، ِفي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ "
6-احتواء على الأحكام الشرعية المختلفة من عقيدة وعبادات ومعاملات وأخلاق.
7-بقاءه دون تحريف أو تزييف أو تغير كما أنزل على رسول الله "ص" إلى أن يرث الله ومن عليها.
قال تعالى :" إن نحن نزلنا الذكر وإن له لحافظون".
1-كيفية نزول القرآن الكريم:
نزلت الكتب السماوية السابقة دفعة واحدة أما القرآن الكريم فنزل عن الرسول "ص" عند بداية الرسالة بمكة واستمر نزوله إلى قبيل وفاته "ص" في المدينة فيما يقارب 23 سنة ومن ثمة كان من القرآن ما هو مكي نزل لتزكية النفوس وتطهيرها من الشرك والكفر وسيئ العادات وغرس العقيدة الصحيحة القائمة على توحيد الله والدعوة إلى مكارم الأخلاق ،والتذكير ليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب ومنه ما مدني نزل بعد الهجرة تبدوا فيه سمة التشريع واضحة جلية بما فيها من تكاليف ففصلت الفرائض والعبادات والشعائر والحدود والمعاملات .....إلخ.
وقد نزل القرآن الكريم متجمعا ومفرقا طيلة مدة الرسالة قال تعالى :" وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً "
تثبت قلب النبي "ص" والترويج عليه وتهوين الشدائد والمحن.
فكلما ذاقت عليه الأرض واحتكم بالأمر بيه وبين المشركين المناهضين لدعوته أنسته ربه وخفق عنه بطريقة بطرق متعددة وأساليب مختلفة كإخباره بقصص الأنبياء والمرسلين وما لقوه من عناد أقوالهم ووعده بالنصر والتمكين لهذا الدين أو التخويف بعواقب الحزن من كفر الأعداء قال الله تعالى : " َكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ " .وقال جلا شأنه : " وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ "وقوله عز وجل : " سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ".
2-مسايرة الحوادث والمستجدات:
فكان ينزل من القرآن ما يساير حادث وما يطرأ من مستجدات فتارة يكون إجابة عن أسئلة السائلين لذلك قوله تعالى : " َيسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا "وقوله عز وجل : " َيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ "
وأحيانا بلغت نظرا المسلمين إلى ارتكبوه من أخطاء ومخالفات وبين لهم الطريق الصحيح قال تعالى: " وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ " وقال أيضا : " لقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ".
وأحيانا تأتي الآيات مجارية للوقائع منها قوله تعالى :" إنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ" النور" فأعلنت الآية براءة عائشة رضي الله عنها من فوق سبع سموات.
3-التدرج في تشريع الأحكام:
ومثال ذلك تحريم الخمر الذي تم وفق تدرج حكيم حسب المراحل الآتية:
م1:نزول، قوله تعالى :"وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً "
م2: نزول، قوله تعالى:" َيسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا "
م3: نزول قوله تعالى :"يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ"
م4: وهي مرحلة حرمت فيها الخمر تحريما قطعيا بنزول، قوله تعالى :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"
4-التدرج في تربية الأمة الإسلامية الناشئة علما وعملا:
وذلك للقضاء على الرذائل والمفاسد التي كانت منتشرة وإبدالها بالفصائل ومكارم الأخلاق.
5-تسهيل حفظه وفهمه بالنسبة للمسلمين:
لكونه نزل على أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب قال تعالى :"هو الذي بعث في الأمين رسول منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيه ويعلمهم الكتابة والحكمة فإن كانوا من قبل لقي ضلال مبين".
6-التلطف بالنبي "ص" عند نزول القرآن الكريم:
فإن للقرآن الكريم جلالا عظيما وهيبة وقد نزله الله عز وجل على نبيه "ص"منجما ) أي مفرق( رأفة به، قال الله تعالى :" إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ".وقد وصفت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حال النبي "ص" حينما كان ينزل عليه القرآن فقالت :" ولقد رايته حين ينزل عليه القرآن في اليوم الشديد البرد وأن جبينه ليتصدق عرق".
المكي والمدني من القرآن:
اختلف العلماء في تحديد المقصود بالمكي والمني من القرآن فذهب رأي إلى ما نزل في مكة فهو مكي وما نزل في المدينة فهو مدني وذهب رأي ثاني إلى أن ما كان خطابا فيه موجها لأهل مكة وما كان الخطاب فيه موجها لأهل المدينة فهو مدني وذهب رأي ثالث إلى أن ما نزل بعد الوصول إلى المدينة بعد الهجرة قبل الوصول إلى المدينة فهو مكي وما نزل بعد الهجرة إلى المدينة فهو مدني حتى ولو نزل بمكة بعد ذلك وهذا هو الرأي الراجح لأنه يفض الإشكال الذي يمكن طرحه فيما نزل قبل الوصول إلى المدينة أي في طريق الهجرة أو ما نزل بعد الهجرة خارج المدينة أو في مكة ولكن كل منهما يكونان شيئا واحد وهو القرآن الكريم.
1-مميزات المكي والمدني:
للقرآن المكي والمدني مميزات نذكر منها:
أغلب الصور المكية تناولت الجانب العقائدي حيث دعت في معظمها إلى توحيد الله عز وجل وترك عبادة الأوثان والأصنام وتعطي وصف ليوم الدين والحشر والجنة ونعيمها والنار وعذابها كما تحث على مكارم الأخلاق كما ذكرت بقصص الأنبياء وما لاقوه من عناء وعناء من أقوامهم أما التشريع التفصيلي فيما يتعلق بالعبادات والمعاملات والأحوال الشخصية فمعظمهم جاءت في الصور المدنية أما في القرآن الكريم المكي فجاء قليلا.
كما اشتملت الصور المدنية على ما حصل في الغزوات والحث على الآداب الاجتماعية والفضائل الإنسانية.
الآيات والسور المكية في جملتها قصيرة أما المدنية فتقسم بالطول ونضرب مثالا: بسيطا على ذلك.
جزء المجادلة مدني وعدد آياته 137 آية أما جزء تبارك فهو مكي وعدد آياته 631 آية
وسورة الأنفال مدنية، عدد آياتها 75 بينما سورة الشعراء فمكية عدد آياتها 227 ( كلاهما حزب واحد).
خطاب الله سبحانه وتعالى للناس في السورة المكية كان غالبا بقوله : " يأيها الناس " بينما خطابه في القرآن المدني فالغالب فيه استعمال صيغة " يا أيها الذين آمنوا" وإن جاء استعمال عبارة " يا أيها الناس في بعض العبارات .
2-الفرق بين القرآن والحديث القدسي:
الحديث القدسي هو الكلام الذي أضافه الرسول (ص) إلى الله عز وجل فيما أوحي له من معنى.
لقد كان (ص) يلقي مواعظ على أصحابه يحكيها عن ربه عز وجل وهي ليست قرآنا ولا حديثا عاديا وإنما الرسول (ص) هو المحدث لها.
غير أنه يحرص على تصديرها بما يدل على نسبتها إلى الله عز وجل مثال على ذلك ماروي عن رضي الله عنه عن النبي (ص) فيما يرويه عن الله تبارك وتعالى أنه قال :" يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته فيما بينكم محرما فلا تظالموا ، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديتهم فإستهدوني أهديكم ..." وما رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه عن النبي "ص" فيما يرويه عن ربه عز وجل قال :" إذا تقرب العبد مني شبرا تقربت منه ذراعا وإذا تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ،و إذا أتاني يمشي أتيته هروله" .ومما سبق الذكر الفروق الموجودة بين القرآن والحديث القدسي فيما يلي :
1-من حيث المصدر اللفظي لكل منهما : فالقرآن الكريم نزل من عند الله سبحانه وتعالى لفظ ومعنى بينما الأحاديث القدسية معناها من عند الله واللفظ من عند رسول الله "ص" .
2-عند التلفظ بهما : القرآن ينسب لفظه إلى الله عز وجل مباشرة فتقول " قال الله تعالى " أو قال "الله عز وجل " أما الأحاديث القدسية فتصدر بقوله ،قال رسول الله "ص" فيما يرويه عن ربه عز وجل أو قال الله عز وجل فيما يرويه عنه رسول "ص".
3-القرآن الكريم معجز من حيث اللفظ ومتحدي به :
أما الأحاديث القدسية غير معجزة ولا متحدي منها
4-القرآن الكريم قطعي الثبوت باتفاق المسلمين جميعا : منقول إلينا بالتواتر على مر العصور أما الأحاديث القدسية فحكمها حكم السنة فيها المتواطر وغير المتواطر والصحيح والضعيف.
5-القرآن الكريم بتعبد به وبتلاوته:
فلا تجوز الصلاة إلا به أما الأحاديث القدسية فلا يتعبد بها ولا تتلى في الصلاة.
3-أحكام القرآن الكريم:
أنواع الأحكام التي جاء بها القرآن الكريم ثلاثة:
1-الأحكام الإعتقادية :
وهي تلك الأحكام المتعلقة بالجانب الإعتقادي أي ما يجب على المكلف اعتقاد من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر...وقد جاءت آيات كثيرة تتضمن هذا الجانب نذكر منها قال تعالى :" آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ"
وقال جل شانه :" لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ" وقال عز وجل :" إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ، َليْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ، َخافِضَةٌ رَّافِعَةٌ، إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً، وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً َفكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثّاً " .
2-الأحكام الأخلاقية:
وهي تلك المتعلقة بالفضائل والصفات الحسنة التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم كالصبر والحياء والأمانة والوفاء بالعهد وكظم الغيظ وقد جاءت آيات كثيرة تتناول هذا الجانب نذكر منها قوله تعالى :" وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ" وقوله عز وجل "" وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ" وقال أيضا :" وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ "
3-الأحكام العملية: و تنقسم إلى قسمين:
أحكام العبادات من صلاة و زكاة وصوم وحج ونذر التي يقصدها تنظيم علاقة الإنسان بربه عز وجل وأحكام المعاملات من عقود وتصرفات وعقوبات وجنايات وغيرها ويقصد بها تنظيم علاقة المكلفين بعضهم البعض وتسمى في الاصطلاح الشرعي أحكام المعاملات أما في الاصطلاح في القانون المعاصر فقد تنوعت أحكام المعاملات بحسب ما تتعلق به أحكام الأسرة والأحكام المدنية والأحكام الجنائية والدولية والدستورية ....وإذا إستقرأنا آيات الأحكام في القرآن نجد أن أحكامه تفصيلية في العبادات وما يلحق بها من أحوال شخصية ومواريث لأن أكثر الأحكام من هذا النوع لا يتطور بتطور البيئات و المجتمعات أما ما عدا ذلك فقد جاءت أحكامه تتضمن قواعد عامة ومبادئ أساسية لا تفصيل فيها لأن هذه الأحكام تتطور بتطور البيئات وتغير المصالح والآيات التي تضمنت الأحكام العملية كثيرة منها قال الله تعالى :" وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ " وقال أيضا جلا شأنه : " وَلِلّهِ عَلَى
ينصرف لفظ الشريعة عند العرب أحد معنيين فتطلق على مشرعة الماء ومورده لذا قيل في المثل أهون ( أسهل ) السقي التشريع ، كما تطلق على الطريقة المستقيمة الواضحة التي لا اعوجاج فيها وقال الله تعالى "ُثمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا " وقال عز وجل : " ِلكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً". أما اصطلاحا فقد عرفها الفقهاء بأنها ما شرعه الله عز وجل لعباده من الأحكام التي جاء بها نبي من الأنبياء سواء ما تعلق منها بالاعتقاد أو العمل الذي يجب تطبيقه للوصول إلى الغاية المبتغاة من هذه الشريعة قال الإمام القرطبي : " إن الشريعة تعني ما شرعه الله لعباده من الدين أي من الأحكام المختلفة إعتقادية وعمليا وسميت هذه الأحكام الشريعة استقامتها ولشيمها بمورد الماء لأن بها حياة النفوس والعقول كما أن في مورد الماء حياة الأبدان " والشريعة الإسلامية نسبة إلى الإسلام وهي الأحكام التي شرعها الله تعالى على لسان محمد " صلى الله عليه وسلم".
وتنقسم أحكام الشريعة الإسلامية إلى ثلاثة أقسام :
1-أحكام عقائدية: وهي تشمل كل الأحكام المتعلقة بذات الله تعالى وصفاته ووجوب الإيمان به وبرسله وكتبه وملائكته واليوم الآخر والحساب والثواب والعقاب والجنة والنار،... الخ قال الله تعالى: " فإذا جاءت الطامة الكبرى يوم يتفكر الإنسان ما سعى وبرزت الجحيم لمن يرى " وفي الحديث عن الإمام المصطفى قال : " عند الرسول (ص) ....فأخبرني عن الإيمان ، قال الرسول.............. أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الأخر وتؤمن بالقدر خيره وشره".
2-الأحكام الأخلاقية: ويقصد بها الأحكام المتعلقة بالفضائل والسمات الحميدة التي ينبغي على الإنسان المسلم التحلي بها كالصدق، الأمانة، الإيثار، الإحسان"، قال عليه الصلاة والسلام "إنما بعثت متمم مكارم الأخلاق".
3-الأحكام العملية: وهي الأحكام الشرعية المتعلقة بعمل الإنسان وتصرفاته و هاته يدرسها علم يسمى بعلم الفقه الإسلامي وهو على قسمين.
أ-العبادات: وهي الأحكام الشرعية العملية المتعلقة بأمر الآخرة والتي يقصد بها التقرب إلى الله عز وجل كالصلاة والزكاة، الصوم، الحج، النذور....الخ.
قال تعالى: " إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً" وقال صلى الله عليه وسلم: " خذوا عني مناسككم".
ب-المعاملات: ويقصد بها المعاملات والتصرفات التي يقوم بها الإنسان لإدراك مصالحه الدنياوية أو تنظيم علاقاته بالمجتمع أو بأحد أفراده كالبيع والإيجار. والهبة والرهن والكفالة والوصية والوقف، ...الخ.
Ii-الــديــن:
يطلق لفظ الدين في اللغة ويراد به عدة معاني منها: الخضوع والطاعة والجزاء والمكافأة والعادة والسيرة والقضاء والحكم ، وجاء مصطلح الدين في كتاب الله عز وجل مفيدا لعدة معاني في أكثر من (90) آية قال الله تعالى :" وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ " وقال الله عز وجل : "وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ" ويأتي الدين بمعنى الإسلام كمرادف له كما في قوله تعالى : "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ كما أنه يأتي أحيانا أخص من الإسلام كما قال عز وجل "شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ " ففي هذه الآية الدين هو ما اتفقت عليه الرسالات من توحيد الله وإخلاص له دونما اختلفت فيه لأن لكل نبي شريعة أرسل بها ويقول تعالى: "ُلّكلٍ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً"
أما اصطلاحا:
فالدين هو خضوع وطاعة العبد لربه الذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره وهذا هو معنى الإسلام أيضا ويقول تعالى: "َأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ "
iii- تعريف الفقه:
أ-لغة: وردت كلمة فقه في اللغة مفيدة لعدة معاني أهمها:
1-مطلق الفهم:لقوله عز وجل : " َقالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ " وقوله : لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا ".
2-الفهم الدقيق العميق: لقول الله تعالى : "فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ" " فالفقه بمعناه الخاص هو الإدراك والفهم الدقيق الذي يتطلب بذل الوسع والجهد العقلي وهذا هو المعنى المراد في قوله (ص) : " من ينهي الله به خيرا يفقهه في الدين".
تطور معنى الفقه الاصطلاحي عبر ثلاث مراحل زمنية.
1-معناه في صدر الإسلام:
كان معناه مطابقا لمعنى الشرع والدين فكان يطلق ويراد به فهم الأحكام التي تضمنها القرآن والسنة سواء ما تعلق منها بالجانب الإعتقادي أو الأخلاقي أو العبادات والمعاهدات فلم يكن هناك فرق بين مصطلح الفقه الشرع والدين وبقي الأمر على حاله إلى حدود منتصف القرن الثاني (2) للهجرة فقد عرف الإمام أبو حنيفة النعمان رضي الله عنه الفقه :" معرفة النفس مالها وما عليها".
2- أصل معناه على ماعدا الأحكام العقائدية:
أي أصبح معناه يشمل جميع الأحكام باستثناء الأحكام المتعلقة بالعقيدة.
3-أصبح مدلول كلمة فقه ينصرف إلى الأحكام الشرعية العملية: من عبادات ومعاملات دون غيرها من الأحكام وبهذا المعنى عرف الأصوليون الفقه بقولهم : " العلم للأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التقصيرية" وعلى هذا أصبح مصطلح الفقه أخص من مصطلح الشريعة فأحكام الفقه جزء من أحكام الشريعة التي تشمل بالإضافة إلى أحكام الفقه الأحكام المتعلقة بالعقائد والأخلاق.
-خصائص الشريعة الإسلامية:
تستجمع الشريعة الإسلامية جملة من الخصائص التي تتفرد بها عن أي نظام قانوني قبلها أو بعدها جعلتها صحيحة في التطبيق في كل زمان ومكان تذكر منها:
أ-الربانية:
وهذه الخاصية تميزها عن قوانين البشر جميعا ويقصد الربانية أمرين:
ربانية المصدر، ربانية الوجهة أو الغاية.
1-ربانية المصدر: فيقصد بها أن أحكامها لم تضعها عقول البشر القاصرة والتي تتأثر غالبا بعوامل الزمان والمكان والوراثة والهوى والعواطف وإنما وضعها الله عز وجل كل شيء والعالم سبحانه بما ينفع البشر وما يضرهم قال عز وجل : "أ َلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ".
2-ربانية الوجهة (الغاية): بمعناها أن هدف الشريعة الأول هو ربط العلاقة بين الإنسان وربه عز وجل الذي قال في محكم التنزيل: " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ" .
ولا يقتصر هذا على العبادات وإنما يمتد ليشمل كافة أحكام الشريعة في مجالاتها الأسرية والجنائية والدولية...الخ وليس للإنسان أن يكون له الخيار في قبول أحكام الشريعة الإسلامية قال تعالى : " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ " ويقول عز وجل : " وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ " ولذا حظيت الشريعة الإسلامية الربانية باحترام المسلم وانقيادهم وطاعتهم لها لأنها حكم الله، قال تعالى: " وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ" .
ب-الشمولية:
تتميز الشريعة الإسلامية بالشمول وهذا من حيث الزمان والمكان والإنسان المخاطب بها والأحكام التي تتضمنها.
فمن حيث الزمان فإن هذه الشريعة أزلية أبدية لا يمكن لشريعة أخرى أن تفسخها وتنسخها أو تعطل العمل فيها فهي غير متقيدة بفترة زمنية معينة فمن حيث المكان فهذه الشريعة غير محدودة بحدود جغرافية لأنها وضعت لتنظيم حياة الناس في كل الأقطار والبلدان ومن حيث الإنسان فإن هذه الشريعة وضعت للناس كافة بلا تمييز بينهم فهي شريعة رب الناس لكل الناس قال تعالى :" وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ" " ، قال عليه الصلاة والسلام :" كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة"
أما من حيث الأحكام فإن أحكام الشريعة الإسلامية تشمل كافة جوانب الحياة فهي تشمل الجانب العقائدي والأخلاقي و التعبدي بين الإنسان وخالقه عز وجل وهذا ما نجده في فقه العبادات كالصيام، الحج والصلاة ، كما تهتم بتنظيم العلاقات الأسرية من زواج، طلاق ميراث،نفقة، ...الخ كما تنظم العلاقات ذات الصبغة المالية من بيع ، إيجار رهن وهبة وكفالة ...الخ كما تشمل الجانب الاقتصادي والمالي فيما يتعلق بإنتاج الثروة أو توزيعها أو استهلاكها وتنظيم بين المال وموارده ومصارفه وبيان ما حرمه الله في مجال الاقتصاد من ربا واحتكار وأكل أموال الناس بالباطل كما تشتمل على الجانب الجزائي من عقوبات دنياوية قدرها الشارع الحكيم كالقصاص والحدود مثل قطع يد السارق وجلد الزاني أو رجزه أو العقوبات المتروكة لتقدير أولي الأمر كالقضاة وهي ما تسمى بالفقه التعازير.
ج-الجزاء الأخروي والجزاء الدنياوي:
وهنا تختلف الشريعة الإسلامية عن القوانين الوضعية في كون هذه الأخيرة تتميز بجزاءات دنيوية فلا تمتد لتوقيع جزاءات أخروية أما الشريعة الإسلامية فتجمعهما معا قال تعالى: "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "
وقال جلا شأنه: " يأيها الذين آمنوا وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ".
د-الموازنة بين مصالح الفرد ومصالح الجماعة: دون تغليب مصلحة أحدهما على عكس القوانين الوضعية التي نجد البعض منها (الدول الرأسمالية) حيث تحامي الفرد وتعطي له حريات لا حدود لها ولا تقيده إلا بحدود ضيقة جدا أما في قوانين الدول الاشتراكية التي أصبحت اليوم قليلة فهي تضغط على الفرد لصالح الجماعة فتقضي على روح المبادرة وعلى النواهي والقدرات الفردية وأبرز مثال على وجود التوازن في الشريعة الإسلامية وموقفها من الملكية حيث لم تحرم الفرد من التملك لكنها تقيد هذا الحق حين يتعلق بطرق التملك ، وتنمية الملكية والعمليات الاقتصادية لإذاعة العدل بين الناس.
ه-خاصية الواقعية: فهي تراعي الواقع القائم وتشرع له ما يعالج مشاكله فهي بعيدة عن أجواء المثالية رغم مراعاتها للقيم الأخلاقية الفاضلة فشريعة الله شرعت للإنسان كما هو في جسمه وروحه وبما يختلج في صدره من دواعي للتقوى وعوامل الفجور بعواطفه وغرائزه...الخ فلم يأمر القرآن بما أمر به الإنجيل حين قال: " من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر" وقالت : " من سرق قميصه فأعطه إزارك " فهي أحكام مثالية قد تصلح لتربية مجموعة الأولى في مرحلة معينة لكنها لا تصلح قانونا عاما لدولة عالمية في شريعة خالدة لكن الشريعة الإسلامية قررت عقابا للمعتدي بمثل جريمته أو اعتدائه دون زيادة ومن واقعية الشريعة تشريع الطلاق وتعدد الزوجات ومن واقعتها كذلك إباحة المحظورات عند الضرورة رفعا للحرج ، قال تعالى : " فمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ".
و-الجمع بين الثبات والمرونة: فالثبات في الأصول والأهداف والمرونة في الفروع والوسائل فثباتها يمنعها من الانحلال والانصهار مع غيرها والمرونة تجعلها تتكيف مع الأوضاع المستجدة والتطورات الحاصلة فالأصول الثانية المتمثلة في الأحكام التي جاءت بها النصوص المحكمة وأجمعت عليها الأمة و ترقتها بالقبول لا مجال للاجتهاد فيها كفريضة الصلاة والزكاة وتحريم الزنا والربا وشرب الخمر وتحديد أنصبة الورثة والمحرمات من النساء ...الخ فهذه من القطعيات التي لا يجوز أن تكون محلا للنقاش أو الاجتهاد كأن يدعو أحدهم إلى جواز تعطيل فريضة للزكاة إكتفاءا بفرائض أو تعطيل فريضة الحج توفير للعملة الصعبة أما ما لم يرد عليه نصوص قطعية فالباب مفتوح أمام العلماء للاجتهاد بضوابطه (بشروط) الشيء الذي يجعل الشريعة تتكيف مع كافة الأوضاع والحالات المستخدمة.
أسس التشريع الإسلامي: يقوم التشريع الإسلامي على أسس ومبادئ جعلته يتميز عن غيره كما جعلت من الشريعة الإسلامية صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان وأهم تلك الأسس:
2-التسيير ورفع الحرج:
تتميز الشريعة الإسلامية عن غيرها بإنبائها على التسيير ورفع الحرج لأن التشديد قد يصلح علاجا في ظروف خاصة لجماعة معينة ولمرحلة مؤقتة أما الشريعة الإسلامية فهي شريعة إنسانية عالمية قائمة على التخفيف والتيسير ورفع الحرج عن المكلفين ومن مظاهر ذلك قلة التكاليف الشرعية التي فرضت على الإنسان فلم تفرض عليه من العبادات إلا خمس صلوات متفرقة في اليوم والليل ويصليها المرء قائما فإن لم يستطيع فجالسا فإن لم يقدر فعلي جنبه أو إشارة ....الخ ولم يفرض علينا من الصوم إلا شهرا واحد في السنة أما الحج فلم يفرض إلا مرة في العمر لمن استطاع إليه سبيلا ، ومن مظاهر ذلك إباحة المحظورات (الممنوعات) في حالة الضرورة كما اشتملت الشريعة على الكثير من الرخص الشرعية كالترخيص للمريض والمسافر بترك الصيام وقصر الصلاة ولقد جاءت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة مؤكدة على ذلك قال تعالى " يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ" وقال عز وجل :"وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ " وقال أيضا : " لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا " وقال في أية أخرى " ُيرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً " وقال صلى الله عليه وسلم " يسرا ولا تعسيرا أو بشرا ولا تنفرا" وقد سئل بعض الصحابة النبي صلي الله عليه السلام عن الحج : ...أفي كل عام ؟ فقال : لو قلت نعم لو جيت بروني ما تركتم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم كما ثبت عنه "ص" أنه ما خير من أمرين إلا إختارا أيسرهما ما لم يكن إثما " وعلى هذا الأساس قامت قاعدة هامة من قواعد الفقه الإسلامي وهي (المشقة تجلب التيسير) .
2-رعاية مصالح الناس:
يمكن الغرض من تشريع أحكام الشريعة الإسلامية في تحقيق مصالح العباد في دنياهم وآخرتهم ودرك المفاسد عنهم فالله جل شأنه جعل رسالة محمد "ص" رحمة للعالمين
قال تعالى : " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ " كما أن في القرآن الكريم شفاء وهدى ورحمة للمؤمنين به قال عز وجل : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ " وتتميز المصلحة في السعة والشمول في نظر الشرع فهي مصلحة تسع الدنيا والآخرة وتشمل الروح والمادة وتوازن بين الفرد والجماعة وبين المصلحة القومية الخاصة و المصلحة الإنسانية العامة فالشريعة الإسلامية تراعي كل هذه المصالح ومثال ذلك أن الشريعة الإسلامية أعطت الحق للفرد في التملك لكنها قيدت الملكية بقيود لمصلحة الجماعة.
3-تحقيق العدالة بين الناس:
من أسس التشريع الإسلامي تحقيق العدل بين الناس والابتعاد عن الظلم والجور قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ " وقد ورد في القرآن الكريم السنة النبوية الشريفة الحث على الابتعاد عن الظلم في الكثير من الآيات والأحاديث : قال الله تعالى : " َلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ لأبصر ُمهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء " وجاء في الحديث عن رسول الله "ص" أنه قال " إنما أهلك الذين من قبلكم أنهمك كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" فقانون الشرع ملزم لكل من جرت عليه أحكام الشريعة فلا يظلم أحدا بسبب دينه أو طبقته الاجتماعية أو نسبه أو لونه أو لغته ...الخ.
4-التدرج في التشريع:
لم يأتي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة دفعة واحدة فاستغرقت مدة الرسالة من بعثته عليه الصلاة والسلام إلى وفاته وكان تشريع الأحكام يراعي سنة التدرج وهذا لحكم عظيمة كالتخفيف على الناس و تماشيا مع فطراتهم التي فطروا عليها فلا يمكن تغيير الأوضاع السائدة والتي ترسخت خلال قرون عدة دفعة واحدة لذا راعت الشريعة سنة التدرج مع البشر فيما شرع لهم إيجابا أو تحريما فنجده حينما فرض الفرائض كالصلاة والزكاة والصوم فرضها على مراحل ودرجات حتى انتهت إلى الصورة الأخيرة فالصلاة فرضت أول ما فرضت ركعتين ركعتين ثم أقرت في السفر على هذا العدد وزيدت في الخطر إلى أربع –بالنسبة للصلاة الرباعية- والمحرمات لم تحرم دفعة واحدة لتغلغلها في الأنفس فليس من الحكمة تحريمها بشكل مفاجئ إنما الحكمة تتمثل في إعدادهم ذهنيا ونفسيا لتقبلها كتحريم الخمر وفقد ذمها الله عز وجل في القرآن مرتين وحرمها في الثالثة وهذه السنة الإلهية في مراعاة التدرج يلزم أن تتبع في سياسة الناس عندما يراد تطبيق أحكام الشريعة عليهم في الحياة اليوم لأن المجتمعات الإسلامية تتفاوت وتختلف في التزامها بالشرع.
الموازنة بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي:
نظرا لما تمتاز به الشريعة الإسلامية من الخصائص التي تميزها عن التشريعات الوضعية فإن الفرق بينهما عظيم وسنكتفي ببيان بعض الاختلافات الأساسية.
• الشريعة الإسلامية: هي جملة الأحكام التي شرعها الله عز وجل على لسان محمد "ص" أما التشريع الوضعي فهو جملة القواعد القانونية التي تضعها السلطة المختصة في دولة من الدول.
• الشريعة الإسلامية ربانية المصدر فهي من وضع الله عز وجل الذي أحاط بكل شيء علما باختلاف التشريع الوضعي فيظهر فيه جليا نقصهم وعجزهم وضعفهم ومحدودية علمهم.
• الجزاء في الشريعة الإسلامي مزدوج أخروي وهو الأصل ومع ذلك هناك جزاءات دنياوية ردعا للفاعل المخالف وزجرا لغيره إما الجزاء في التشريع الوضعي فهو دنياوي فقط توقعه السلطة المختصة في الدولة.
• الشريعة الإسلامية تتميز بالشمولية فهي تنظم علاقة الإنسان بربه وعلاقته بغيره من الناس وعلاقته بالدولة وعلاقة الدول ببعضها بخلاف التشريع الوضعي الذي لا يشمل تنظيم علاقة الإنسان بربه عز وجل كما أنه لا يحكم إلا على ما يظهر من أعمال وتصرفات فلا سلطان له على النوايا.
• الشريعة الإسلامية لها قدسية كثيرة لدى المخاطبين بأحكامها رادعة يخشاها الإنسان في السر و العلن و لا يمكنه التهرب منها أو الاحتيال عليها لأن طابعها لا يغفل و لا تأخذه سنة و لا نوم ولو افلت من الجزاء الدنياوي فلا شك ولا مفر من الجزاء الأخروي أما التشريع الوضعي فلا تثبت له مثل هاته القداسة.
• تتميز الشريعة الإسلامية بمراعاة الأخلاق في كافة المجالات قال عليه الصلاة و السلام :"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" أما غاية التشريع الوضعي فهي نفعية محدودة تتمثل في ضمان استقرار المجتمع و انتظام معاملاته وأموره وعلاقته المادية بالخصوص حتى ولو اقتضى ذلك الخروج على مكارم الدين و الأخلاق فهو يقضي مثلا سقوط الحق بالتقادم حفاظا على النظام في المجتمع متجاوزا على ما تقضي به قواعد الأخلاق.
التعريف في أصول الفقه و تطوره:
أصول الفقه مركب من لفظين أصول وفقه وقد عرفنا معنى الفقه و نبغي معرفة "أصول " حتى نحدد موضوع دراستنا.
الأصول لغة: جمع أصل وهو ما بني عليه غيره أو يحتاج إليه أو يكون أساسا في معرفة حكمه.
اصطلاحا: علم أصول الفقه هو علم بالقواعد التي نتواصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التقصيرية وعرفها الإمام عبد الحميد بن باديس :" معرفة القواعد التي يعرف بها كيف نستفاد الأفعال من أدلة الأحكام " و المشتغل في علم الأصول يسمى أصولي ،أما الفرق بينه وبين الفقيه هو أن الفقيه لا ينظر إلا في أفعال المكلفين خاصة أما الأصولي فإنه لا ينظر إلا في أدلة الأحكام ونصوص تشريعية لم ترد على حال واحدة بل منها ما ورد بصيغة الأمر ومنها ما ورد بصيغة النص لقوله تعالى :" َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى".
ومنها ما ورد بصيغة العموم و منها ما ورد على صيغة الإطلاق....إلخ.
فهذه الصيغ أنواع كلية من أنواع الدليل الشرعي العام وهو القرآن فالأصولي يبحث في كل هذه الأنواع.
فإذا وصل إلى أن صيغة الأمر تدل على الوجوب وصيغة النهي تدل على التحريم...إلخ وضع قواعد مثل : الأمر بالوجوب ،النهي بالتحريم ،فيأتي الفقيه و يتعين بهذه القواعد ويطبقها على جزئيات الدليل الكلي ليتوصل بها إلى معرفة الحكم الشرعي التفصيلي فيطبق قاعدة الأمر للوجوب لقوله تعالى :" يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعهود ويحكم بأن الوفاء بالعهود واجب".
ويطبق بالقاعدة النهي لتحريم لقوله تعالى:" وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ "
ويحكم بأن القتل بغير وجه حق محرما.
وعليه يجمل الفرق بين الأصول والفقيه فيما يلي:
1-الأصولي: نسبة إلى علم الأصول ونطاق بحثه هو الأدلة الإجمالية بغية وضع لنا قواعد الأصولية.
2-الفقيه: نسبة إلى علم الفقه ومجال بحثه هو الأدلة الجزئية إذ يعمل على استنباط الأحكام الشرعية التفصيلية اعتمادا على القواعد التي قررها الأصولي.
الغاية من علم الأصول:
علم أصول الفقه علم عظيم الفائدة ،بالغ الأهمية نذكر منها:
1-إدراك مناهج المجتهدين( الفقهاء) لاستنباطهم للأحكام حتى تطمئن النفوس إلى الأحكام الشرعية التي وصلوا إليها.
2-هو العلم الذي يقود خطي المجتهد ويمده بالأدوات والوسائل اللازمة لاستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية ،الشيء يمكن العلماء من معرفة حكم الشرع في كل زمان ومكان.
3-يمثل جدارا منيعا عن تعريف الدين وذلك من خلال مباحث التي يدرسها نذكر منها:
أ-بيان مصادر التشريع الأصلية "المتفق عليها بين الجمهور و المختلف عنها".
ب-ضبط مقاصد التشريع وتحديد أنواع الأحكام الشرعية ودراسة القواعد اللغوية والأصولية.
تطوير علم أصول الفقه:
لم ينشأ علم أصول الفقه إلا في القرن الثاني ميلادي لأنه في القرن الأول تدعوا الحاجة إليه فرسول صلى الله عليه وسلم كما يفتي ويقضي بما يولي إليه ربه عز وجل من القرآن وبما يلهم به من السنن وبما يؤدي إليه اجتهاده الفطري دون الحاجة إلى قواعد وأصول يتوصل إليها إلى الاستنباط و الاجتهاد.
أما أصحابه رضي الله عنهم فكانوا يفتون ويقضون بالنصوص التي يفهمونها بملكتهم العربية السليمة دون الحاجة إلى قواعد لغوية يسترشدون لفهم النصوص ويستنبطون فيما لا نص فيه بملكتهم التشريعية التي تثبت في نفوسهم ملازمين ومصاحبتهم لنبي "ص" وعرفة أسباب النزول الآيات وورود الأحاديث وفهمهم لمقاصد التشريع ولما اتسعت رقعة الدولة الإسلامية عن طريق الفتوحات وأختلط العرب بغيرهم ودخل العربية الكثير من المفردات الغير عربية ،و لم تبقى الملكة اللغوية على سلامتها وكثرة الاحتمالات لفهم النصوص ،دعت الحاجة إلى وضع قواعد وضوابط لغوية يتوصل إلى استخدامها إلى فهم النصوص كما بعد عهد التشريع واحتد من الجدل بين أهل الرأي وأهل الحديث ،فكان لابد من وضع ضوابط وبحوث في أدلة الشريعة وشروط الاستدلال بها وكيفيته ومن مجموع هذه الضوابط اللغوية تكون علم أصول الفقه وقد بدا متأثرا مفرقا في كتب الفقه وأول من دون قواعد ه\ا العلم وبحوثه في مجموعة متنقلة ومرتبة مؤيدا كل ضابط بالبرهان هو الإمام محمد بن إدريس المعروف بالشافعي والمنوفي سنة204 ه وهذا في رسالاته الدولية وتتابع بعده علماء في تكيف في هذا العلم فظهرت المؤلفات الكثيرة نذكر منها :
المصطفى للإمام أبي حامد الغزالي المتوفي سنة 505 ه وكتاب الإحكام في أصول الإدعاء للإمام الأمدي وكتاب المنهاج للإمام البيضوي وكذلك كتاب أصول زيد الدبوسي وكتاب المناء للغمام محافظ النسفي وأصول فجر الإسلام لبزدوي وكتاب التوضيح لصدر الشريعة وكتاب التحرير للكمال ابن الهومام وكتاب جمع الجوامع لابن السبك ومن المؤلفات الحديثة في العلم كتاب إرشاد إلى تحقيق الحق من علم الأصول للإمام الشوكاني وكتاب أصول الفقه الشيخ عبد الوهاب خلاف وغيرها كثيرة.
مصادر التشريع الإسلامي:
يمكن تقسيم مصادر التشريع الإسلامي إلى قسمين :
أ-مصادر متفق عليها بين جمهور العلماء:
وتشمل القرآن الكريم،السنة النبوية الشريعة ،الإجماع والقياس.
ب-مصادر مختلف فيها بين الجمهور: وتشمل الاستحسان، العرف مذهب قول الصحابي المصالح المرسلة شرع من قبلنا، سد الذرائع...إلخ.
I-المصادر المتفق عليه :
1-القرآن الكريم : كتاب العزيز :
الكتاب في اللغة يطلق على كل كتاب ومكتوب في عرف الشرع على كتاب الله المكتوب في المصاحف وهو القرآن والقرآن في اللغة قال تعالى :إن علينا جمعه ...........
أما تعريف القرآن إصلاحا هو كلام الله عز وجل المنزل على رسول صلى الله عليه وسلم بلسان عربي الإعجاز بأقصر صورة منه المكتوب بالمصاحف المنقول بالتواتر، المتعبد بتلاوته المبدوء بالسورة الفاتحة و المختوم بسورة الناس.
حجيته:
اتفق المسلمون على أن القرآن الكريم حجة يجب العمل به ، وبما ورد فيه ولا يجوز الانصراف عنه إلى غيره من الأدلة إلا إذا لم يوجد فيه حكم المسألة التي يراد الوصول إلى معرفة حكمها والدليل على كونه حجة على الناس جميعا ووجوب إتباع أحكامه هو أنه ينزل من الله رب العالمين ودليل ذلك إعجازه.
2-إعجاز القرآن الكريم:
اقتضت الحكمة الإلهية أن يؤيد الله سبحانه وتعالى أنبياؤه ورسله بالمعجزات بالدلالة على أنه هو الذي بعثهم وكلفهم أقوامهم بتبليغهم بدين ربهم وقد كانت معجزة الأنبياء وقبل بعثة محمد "ص " مادية في أغلبها كعصى موسى عليه السلام وشق البحر له، وناقة صالح عليه السلام وإحياء عيسى عليه السلام للموتى بإذن الله وقد خص الله سبحانه وتعالى محمد "ص" بأعظم معجزة وهي القرآن الكريم والبحث في إعجازه الفسيح جدا لذا سنرى بعض هذه الأوجه:
1-فصاحة ألفاظه وبلاغة عباراته:
بلغت فصاحة ألفاظ القرآن وبلاغة عباراته مبلغا لا يضاهيه أو يدانيه قوم بشر على الإطلاق فلا نجد في عباراته اختلاف في مستوى البلاغة ولا تفاوتا في فصاحة التعبير كما أن أسلوبه يتفق مع مقتضي الحال فإذا كان الموضوع تشريعيا كان اللفظ دقيقا محمودا والبيان هادئا وإذا كان الموضوع مقرر العقيدة أو مذكرا بقدرة الله عز وجل أو مهدد لليوم الآخر مخوف من العذاب كان أسلوبا خطابيا مؤثرا يهز النفوس ويحرك الوجدان ويثير المشاعر وقد تحدث الله عز وجل بهذا القرآن العربي الذي نزل بلغتهم وهم أرباب البلاغة والبيان وملوك الفصاحة وفرسان الخطاب بالإتيان بمثله فعجزوا.
قال تعالى:" قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً" ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور من مثله فلم يستطيعوا قال تعالى: " أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ " ثم تحداهم ثالثة بأن يأتوا بسورة بمثله فلن يقدرو" وقال تعالى :" أمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ "
ثم يؤكد الله سبحانه وتعالى عجز الإنسان والجن عن الإتيان بصورة واحدة حاضرا ومستقبلا بقوله :" وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ َفإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ".
2-الإعجاز النفسي:
بحيث يتولى القرآن على نفس القارئ والسامع و لو كثر الجمل لأن في القرآن ما يوصد الأبواب إجابة أو تفنيدا أو تصويبا لكل ما تقوم به النفس الشيء الذي جعل الكثير من المشركين عند نزول القرآن يتواصون فيما بينهم في عدم الاستماع للقرآن الكريم .
قال تعالى : " وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ " ،وكم من صحابي جليل هدته آيات القرآن وأخرجته من ظلام الجاهلية إلى نور الإسلام فهذا عمر بن الخطاب يسلم عند سماعه آيات من سورة طه وكان الرسول "ص " يطلب من عبد الله بن مسعود أن يقرأ عليه القرآن فقال عبد الله أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ فقال "ص" :إني أحب أن اسمعه من غيري يقول ابن مسعود فقرأت عليه صورة النساء حتى بلغت فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا قال امسك فإذا عيناه تذرفان.
3- الإعجاز العلمي:
على الرغم من كون القرآن الكريم كتاب هداية وتشريع إلا أنه اشتمل على إشارات عديدة لحقائق علمية أكدها العلم الحديث نذكر منها: قال تعالى:" وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سللة مِّنْ طين، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ،ثمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ".
فهذه الأدوار المختلفة التي يمر به الجنين لم يتوصل إليها العلم إلا حديثا وقال تعالى في آية أخرى:" فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء " .
فقد اثبت العلم أن الإنسان يشعر بالضيق كلما صعد في الطبقات السماء لأن الأكسجين يتناقص كلما ارتقينا إلى السماء وقال تعالى:" وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ "" وقال أيضا :" لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ "
وقال أيضا :" مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ "آية الرحمان" أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا" الدالة على بيضاوية شكل الأرض وقال أيضا :" أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ "
4-إخباره عن الأمم السابقة: منذ آدم عليه السلام وذلك ما نجده في قصص القرآن كقصة موسى وعيسى ويوسف وإبراهيم وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام.
قال تعالى :" ِتلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ " و قال أيضا :" وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً " وقال في آية أخرى :" أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ، إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ ، الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ "
5- إخباره عن وقائع مستقبلية ( غبية):
كتبشير المسلمين بفتح مكة قال الله تعالى :" لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لا تدخلن المسجد الحرام إن شاء الله أمنين محلفين رؤوسكم ومصري لا تخافون فعلم ما لم تعلموا وجعل من دون ذلك فتحا قريبا " سورة الفتح وكإخباره بانتصار الروم عن الفرس قبل وقوع الحرب بينهما بعدة سنين كما جاء في سورة الروم.
قال تعالى :"ألم ، غُلِبَتِ الرُّومُ، ِفي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ "
6-احتواء على الأحكام الشرعية المختلفة من عقيدة وعبادات ومعاملات وأخلاق.
7-بقاءه دون تحريف أو تزييف أو تغير كما أنزل على رسول الله "ص" إلى أن يرث الله ومن عليها.
قال تعالى :" إن نحن نزلنا الذكر وإن له لحافظون".
1-كيفية نزول القرآن الكريم:
نزلت الكتب السماوية السابقة دفعة واحدة أما القرآن الكريم فنزل عن الرسول "ص" عند بداية الرسالة بمكة واستمر نزوله إلى قبيل وفاته "ص" في المدينة فيما يقارب 23 سنة ومن ثمة كان من القرآن ما هو مكي نزل لتزكية النفوس وتطهيرها من الشرك والكفر وسيئ العادات وغرس العقيدة الصحيحة القائمة على توحيد الله والدعوة إلى مكارم الأخلاق ،والتذكير ليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب ومنه ما مدني نزل بعد الهجرة تبدوا فيه سمة التشريع واضحة جلية بما فيها من تكاليف ففصلت الفرائض والعبادات والشعائر والحدود والمعاملات .....إلخ.
وقد نزل القرآن الكريم متجمعا ومفرقا طيلة مدة الرسالة قال تعالى :" وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً "
تثبت قلب النبي "ص" والترويج عليه وتهوين الشدائد والمحن.
فكلما ذاقت عليه الأرض واحتكم بالأمر بيه وبين المشركين المناهضين لدعوته أنسته ربه وخفق عنه بطريقة بطرق متعددة وأساليب مختلفة كإخباره بقصص الأنبياء والمرسلين وما لقوه من عناد أقوالهم ووعده بالنصر والتمكين لهذا الدين أو التخويف بعواقب الحزن من كفر الأعداء قال الله تعالى : " َكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ " .وقال جلا شأنه : " وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ "وقوله عز وجل : " سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ".
2-مسايرة الحوادث والمستجدات:
فكان ينزل من القرآن ما يساير حادث وما يطرأ من مستجدات فتارة يكون إجابة عن أسئلة السائلين لذلك قوله تعالى : " َيسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا "وقوله عز وجل : " َيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ "
وأحيانا بلغت نظرا المسلمين إلى ارتكبوه من أخطاء ومخالفات وبين لهم الطريق الصحيح قال تعالى: " وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ " وقال أيضا : " لقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ".
وأحيانا تأتي الآيات مجارية للوقائع منها قوله تعالى :" إنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ" النور" فأعلنت الآية براءة عائشة رضي الله عنها من فوق سبع سموات.
3-التدرج في تشريع الأحكام:
ومثال ذلك تحريم الخمر الذي تم وفق تدرج حكيم حسب المراحل الآتية:
م1:نزول، قوله تعالى :"وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً "
م2: نزول، قوله تعالى:" َيسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا "
م3: نزول قوله تعالى :"يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ"
م4: وهي مرحلة حرمت فيها الخمر تحريما قطعيا بنزول، قوله تعالى :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"
4-التدرج في تربية الأمة الإسلامية الناشئة علما وعملا:
وذلك للقضاء على الرذائل والمفاسد التي كانت منتشرة وإبدالها بالفصائل ومكارم الأخلاق.
5-تسهيل حفظه وفهمه بالنسبة للمسلمين:
لكونه نزل على أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب قال تعالى :"هو الذي بعث في الأمين رسول منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيه ويعلمهم الكتابة والحكمة فإن كانوا من قبل لقي ضلال مبين".
6-التلطف بالنبي "ص" عند نزول القرآن الكريم:
فإن للقرآن الكريم جلالا عظيما وهيبة وقد نزله الله عز وجل على نبيه "ص"منجما ) أي مفرق( رأفة به، قال الله تعالى :" إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ".وقد وصفت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حال النبي "ص" حينما كان ينزل عليه القرآن فقالت :" ولقد رايته حين ينزل عليه القرآن في اليوم الشديد البرد وأن جبينه ليتصدق عرق".
المكي والمدني من القرآن:
اختلف العلماء في تحديد المقصود بالمكي والمني من القرآن فذهب رأي إلى ما نزل في مكة فهو مكي وما نزل في المدينة فهو مدني وذهب رأي ثاني إلى أن ما كان خطابا فيه موجها لأهل مكة وما كان الخطاب فيه موجها لأهل المدينة فهو مدني وذهب رأي ثالث إلى أن ما نزل بعد الوصول إلى المدينة بعد الهجرة قبل الوصول إلى المدينة فهو مكي وما نزل بعد الهجرة إلى المدينة فهو مدني حتى ولو نزل بمكة بعد ذلك وهذا هو الرأي الراجح لأنه يفض الإشكال الذي يمكن طرحه فيما نزل قبل الوصول إلى المدينة أي في طريق الهجرة أو ما نزل بعد الهجرة خارج المدينة أو في مكة ولكن كل منهما يكونان شيئا واحد وهو القرآن الكريم.
1-مميزات المكي والمدني:
للقرآن المكي والمدني مميزات نذكر منها:
أغلب الصور المكية تناولت الجانب العقائدي حيث دعت في معظمها إلى توحيد الله عز وجل وترك عبادة الأوثان والأصنام وتعطي وصف ليوم الدين والحشر والجنة ونعيمها والنار وعذابها كما تحث على مكارم الأخلاق كما ذكرت بقصص الأنبياء وما لاقوه من عناء وعناء من أقوامهم أما التشريع التفصيلي فيما يتعلق بالعبادات والمعاملات والأحوال الشخصية فمعظمهم جاءت في الصور المدنية أما في القرآن الكريم المكي فجاء قليلا.
كما اشتملت الصور المدنية على ما حصل في الغزوات والحث على الآداب الاجتماعية والفضائل الإنسانية.
الآيات والسور المكية في جملتها قصيرة أما المدنية فتقسم بالطول ونضرب مثالا: بسيطا على ذلك.
جزء المجادلة مدني وعدد آياته 137 آية أما جزء تبارك فهو مكي وعدد آياته 631 آية
وسورة الأنفال مدنية، عدد آياتها 75 بينما سورة الشعراء فمكية عدد آياتها 227 ( كلاهما حزب واحد).
خطاب الله سبحانه وتعالى للناس في السورة المكية كان غالبا بقوله : " يأيها الناس " بينما خطابه في القرآن المدني فالغالب فيه استعمال صيغة " يا أيها الذين آمنوا" وإن جاء استعمال عبارة " يا أيها الناس في بعض العبارات .
2-الفرق بين القرآن والحديث القدسي:
الحديث القدسي هو الكلام الذي أضافه الرسول (ص) إلى الله عز وجل فيما أوحي له من معنى.
لقد كان (ص) يلقي مواعظ على أصحابه يحكيها عن ربه عز وجل وهي ليست قرآنا ولا حديثا عاديا وإنما الرسول (ص) هو المحدث لها.
غير أنه يحرص على تصديرها بما يدل على نسبتها إلى الله عز وجل مثال على ذلك ماروي عن رضي الله عنه عن النبي (ص) فيما يرويه عن الله تبارك وتعالى أنه قال :" يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته فيما بينكم محرما فلا تظالموا ، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديتهم فإستهدوني أهديكم ..." وما رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه عن النبي "ص" فيما يرويه عن ربه عز وجل قال :" إذا تقرب العبد مني شبرا تقربت منه ذراعا وإذا تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ،و إذا أتاني يمشي أتيته هروله" .ومما سبق الذكر الفروق الموجودة بين القرآن والحديث القدسي فيما يلي :
1-من حيث المصدر اللفظي لكل منهما : فالقرآن الكريم نزل من عند الله سبحانه وتعالى لفظ ومعنى بينما الأحاديث القدسية معناها من عند الله واللفظ من عند رسول الله "ص" .
2-عند التلفظ بهما : القرآن ينسب لفظه إلى الله عز وجل مباشرة فتقول " قال الله تعالى " أو قال "الله عز وجل " أما الأحاديث القدسية فتصدر بقوله ،قال رسول الله "ص" فيما يرويه عن ربه عز وجل أو قال الله عز وجل فيما يرويه عنه رسول "ص".
3-القرآن الكريم معجز من حيث اللفظ ومتحدي به :
أما الأحاديث القدسية غير معجزة ولا متحدي منها
4-القرآن الكريم قطعي الثبوت باتفاق المسلمين جميعا : منقول إلينا بالتواتر على مر العصور أما الأحاديث القدسية فحكمها حكم السنة فيها المتواطر وغير المتواطر والصحيح والضعيف.
5-القرآن الكريم بتعبد به وبتلاوته:
فلا تجوز الصلاة إلا به أما الأحاديث القدسية فلا يتعبد بها ولا تتلى في الصلاة.
3-أحكام القرآن الكريم:
أنواع الأحكام التي جاء بها القرآن الكريم ثلاثة:
1-الأحكام الإعتقادية :
وهي تلك الأحكام المتعلقة بالجانب الإعتقادي أي ما يجب على المكلف اعتقاد من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر...وقد جاءت آيات كثيرة تتضمن هذا الجانب نذكر منها قال تعالى :" آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ"
وقال جل شانه :" لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ" وقال عز وجل :" إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ، َليْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ، َخافِضَةٌ رَّافِعَةٌ، إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً، وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً َفكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثّاً " .
2-الأحكام الأخلاقية:
وهي تلك المتعلقة بالفضائل والصفات الحسنة التي ينبغي أن يتحلى بها المسلم كالصبر والحياء والأمانة والوفاء بالعهد وكظم الغيظ وقد جاءت آيات كثيرة تتناول هذا الجانب نذكر منها قوله تعالى :" وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ" وقوله عز وجل "" وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ" وقال أيضا :" وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ "
3-الأحكام العملية: و تنقسم إلى قسمين:
أحكام العبادات من صلاة و زكاة وصوم وحج ونذر التي يقصدها تنظيم علاقة الإنسان بربه عز وجل وأحكام المعاملات من عقود وتصرفات وعقوبات وجنايات وغيرها ويقصد بها تنظيم علاقة المكلفين بعضهم البعض وتسمى في الاصطلاح الشرعي أحكام المعاملات أما في الاصطلاح في القانون المعاصر فقد تنوعت أحكام المعاملات بحسب ما تتعلق به أحكام الأسرة والأحكام المدنية والأحكام الجنائية والدولية والدستورية ....وإذا إستقرأنا آيات الأحكام في القرآن نجد أن أحكامه تفصيلية في العبادات وما يلحق بها من أحوال شخصية ومواريث لأن أكثر الأحكام من هذا النوع لا يتطور بتطور البيئات و المجتمعات أما ما عدا ذلك فقد جاءت أحكامه تتضمن قواعد عامة ومبادئ أساسية لا تفصيل فيها لأن هذه الأحكام تتطور بتطور البيئات وتغير المصالح والآيات التي تضمنت الأحكام العملية كثيرة منها قال الله تعالى :" وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ " وقال أيضا جلا شأنه : " وَلِلّهِ عَلَى
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma