إذا كانت مسألة تحديد طبيعة النزاع في النظام القضاء الموحد لا تشكل أية أهمية تذكر باعتبار أن القاضي المختص في جميع أوجه النزاع هو قاضي واحد.
فإن تحديد طبيعة النزاع في نظام الازدواج القضائي يكتسي أهمية بالغة باعتبار أن القاضي المختص وكذا القانون الواجب التطبيق سوف يكون مختلفا حسب نوع النزاع إداري أم عادي.
لكن التساؤل الذي يثور بمناسبة دراسة هذه المسألة العويصة هو:
- ما هو المعيار الذي ينبغي اعتماده للقول أن هذا النزاع أهو نزاع إداري أو نزاع عادي ؟
و للإجابة عن عن هذا التساؤل إرتئينا تقسيم خطة بحثنا إلى ثلاثة مباحث,و كل مبحث الى مجموعة من المطالب,حيث خصصنا المبحث الأول بمفهوم النزاع الإداري,بينما خصصنا المبحث الثاني بمعايير التمييز بين النزاع الإداري و النزاع العادي,في حين خصصنا المبحث الثالث بالمواقف المختلفة حول هذه المعايير.
مفهوم النزاع الاداري
المطلب الأول: تعريف النزاع الإداري
قبل البدء في تعريف النزاع الإداري يجب البدء أولا في تعريف القرار الإداري كونه المنشأ للنزاع الإداري.
فالقرار الإداري هو عمل قانوني يصدر من سلطة مختصة إداريا يهدف الى إحداث أثر قانوني.فإذا ما كان عيب يشوب هذا القرار فنكون أمام قرار غير مشروع مما يؤدي الى نزاع الإداري.بين السلطة التي أصدرت القرار و بين الفرد الذي تضرر من جراء هذا القرار.
فالنزاع الإداري هو كل من يكون طرفاه جهتين إداريتين أو يكون أحد طرفيه جهة إدارية و طرف آخر فرد من الأفراد.
فإذا توافرت هذه الصفة في أطراف النزاع كانت هذه الأخيرة نزاع إداري و من ثمة تخضع لاختصاص الجهات القضائية الإدارية.
فالنزاع الإداري هو النزاع القائم بفعل النشاط الإداري أو أثر من الآثار المترتبة عن علاقة إدارية. أو هو تصادم السلطة عند تمتعها.بامتيازات السلطة العامة مع مبدأ المشروعية
هذا فيما يخص النزاع الإداري أما المنازعة الإدارية هي مجموع من النزاعات التي يختص فيها القاضي الإداري مع إتباع إجراءات إدارية قضائية خاصة و عليه فالمنازعة الإدارية هي أشمل من النزاع الإداري
المطلب الثاني: خصائص النزاع الإداري.
يتميز النزاع الإداري بمجموعة من الخصائص. حيث أنه هنالك لا مساواة بين الأطراف الخصوم من حيث الصفة القانونية والمركز القانوني والهدف ، حيث تتمتع السلطات العامة الإدارية أمام القضاء الإداري بامتيازات قانونية كثيرة بصورة تجعلها في مركز وموقف أفضل وأسمى من مركز وموقف خصومها من الأشخاص العاديين .
فنجد أنه عبئ الإثبات يقع بمشقته على الأشخاص العاديين الخصوم في النزاع الإداري ، فعلى من يدعي ويدفع بعدم شرعية وصحة الأعمال الإدارية أن يثبت ذلك بكافة وسائل الإثبات فنجد أن إثبات مسؤولية الإدارة العامة صعب على الأفراد العاديين نظرا لخفايا وأسرار حقائق الأعمال الإدارية.
و تظهر امتيازات السلطة العامة حتى في الصيغة التنفيذية للحكم الصادر الموجه للسلطات الإدارية الطرف في النزاع عن الصيغة الموجهة للأشخاص العاديين .
و تتميز الإجراءات الإدارية بمجموعة من الخصائص تجعلها ذات طبيعة خاصة تختلف عن الإجراءات العامة المميزة للمرافعات بصفة عامة ولعل أهم هذه الخصائص هي أنها :
1- .هي إجراءات مكتوبة أو كتابية بالدرجة الأولى .
2- .هي إجراءات فاحصة تحقيقيه .
3- .هي إجراءات شبه شرعية .
4- .هي إجراءات يبرز فيها دور كبير للمستشار المقرر في تسيير الدعوى .
الفرع الأول : الإجراءات الإدارية هي إجراءات مكتوبة :
إن هذه الخاصية هي في الحقيقة امتداد لطبيعة الإجراءات أمام الإدارة نفسها قبل أن يصل النزاع إلى القاضي. ولاسيما القرارات الإدارية فقرارات الإدارة تكون مكتوبة وكذلك الإجراءات المتخذة من أجل تنفيذ هذه القرارات .
وتبدأ مظاهر الكتابة على المستوى القضائي ابتداء من عريضة رفع الدعوى التي تكون مكتوبة بصيغة وبشكليات معينة وينبغي أن تكون مصحوبة بقرار،كشرط من شروط قبول عريضة الدعوى ,وإذا كانت المرافعات المتعلقة بالقضاء العادي تعتمد في جانب أساسي منها على المرافعات الشفهية فإن هذه الخاصية لا تتواجد في الإجراءات الإدارية وبالتالي فان كل إجراءات سير الدعوى تكون كتابية سواء تعلق الأمر بتبادل المذكرات والمقالات أو تحديد مواعيد الرد ومواعيد تقديم الوثائق والإثباتات أو غيرها.
وعلى العموم فان الإجراءات الإدارية من بدايتها إلى نهايتها حتى ولو اتبعت نظام الصلح تعتمد على الكتابة إذ أن الصلح ينبغي أن يثبت في المحضر مكتوب ,وإن لم ينتهج الطرفان مبدأ الصلح فتنتهي القضية بقرار قضائي
.الفرع الثاني: الإجراءات الإدارية هي إجراءات فاحصة تحقيقيه :
هي إجراءات فاحصة وذلك بالمقارنة بالإجراءات المدنية التي توصف على أنها اتهامية وهذا المصطلح غير دقيق باعتبار أن هذا المصطلح يخص أكثر الإجراءات الجزائية.
غير أنه لشرح وتحديد معالم هذه الخاصية ينبغي أن نأخذ كمعيار للتمييز دور القاضي الفاصل في النزاع في مجرى وصيرورة القضية , فإذا كان دور القاضي في المرافعات (العادية ) لا سيما المدنية منها هو دور سلبي أي أنه يعتمد على ما يقدمه له أطراف الخصومة من أدلة ووثائق وإثباتات ,أي أن الدور الأساسي والإيجابي يلعبه الأطراف .
في حين أن الوضع ليس كذلك بالنسبة للإجراءات الإدارية ففيها يلعب القاضي دورا ايجابيا وأساسيا , فهو الذي يوجه الدعوى بل أكثر من ذلك يستطيع أن يطلب من طرفي الخصومة ولاسيما من الإدارة تقديم الأدلة والوثائق والبراهين التي يراها مناسبة للفصل في الدعوى ولا يكتفي بما يقدم له من الخصوم , كما أنه يستطيع أن يحقق ويدقق في هذه الوثائق وأن يطلب كل المعلومات والإثباتات الإضافية ,وهو دور يقوم به القاضي في المرافعات العامة لا سيما المدنية منها .
ويستطيع القاضي في الإجراءات الإدارية استدعاء أعوان الإدارة للجلسة لسماع شهادتهم ,ولعل السبب في تقرير هذه الإجراءات هو لإعادة التوازن بين طرفي العلاقة التي هي غير متوازنة أصلا في هذا النزاع وعلى الخصوص عندما تمتنع الإدارة عن تقديم بعض الوثائق للمتنازع معها متذرعة في ذلك بمستلزمات السر المهني , فيصعب عليه إثبات وتبرير موقفه , ولعل هذه الخاصية تشكل أهم السمات التي تميزها عن المرافعات العامة
الفرع الثالث: الإجراءات الإدارية هي إجراءات شبه سرية :
إذا كانت المرافعات العامة تتميز بالعلنية والمرافعة من البداية إلى النهاية فإن الإجراءات الإدارية لها من الخصوصية ما يجعلنا نصنفها أنها إجراءات شبه سرية , إن هذا التكييف له ما يبرره , فهو في الحقيقة نقطة التقاء أو مقابلة بين مبدأين أساسيين , -مبدأ علانية الجلسات وهو مبدأ دستوري وقانوني.
والمبدأ ثاني يحكم تنظيم الإدارة والمرافق العمومية التابعة للدولة ألا و هو مبدأ السر المهني باعتبار أن الإدارة تعمل في إطار المصلحة العامة وهنالك بعض الأسرار المتعلقة بأساليب عمل الإدارة وقد تمس الطابع الحيوي و الإستراتيجي لبعض منها والتي لا ينبغي الإفصاح والبوح عنها لأي كان.
وللمزج بين هذين المبدأين كانت الإجراءات الإدارية شبه سرية بمعنى أن الإجراءات منذ انطلاق الدعوى (تقديم العريضة) إلى غاية انتهاء المداولة في القضية تكون سرية ، أي بين أطراف الخصومة أو محاميهم و تحت نظر القاضي الفاصل والمستشار المقرر دون غيرهم .
أما في القضاء العادي هناك مبررات لجعل الجلسة سرية وهي: قضايا الأحداث، القضايا التي تمس الشرف، قضايا حساسة جدا فيها السرية. عدا ذلك فإن الجلسات العلنية ويستطيع أن يحضرها من شاء من المواطنين مثلما هو الشأن في باقي المنازعات .
غير أن النطق بالأحكام ينبغي أن يكون في جلسة علنية في المنازعات الإدارية
الفرع الرابع: الإجراءات الإدارية, إجراءات يبرز فيها المستشار المقرر:
رغم أن وظيفة المستشار المقرر موجودة على مستوى جميع المجالس القضائية وكذا المحكمة العليا ومجلس الدولة ،إلا أن دوره يزداد أهمية في الدعاوى الإدارية ، بحسب مظاهر التدخل الموكلة للقاضي الإداري وغير المتوفرة لدى القاضي العادي وبسبب أن الإجراءات الإدارية هي إجراءات فاحصة واستقصائية .
ولعل أن هذه الخاصية تكتسب بالنظر إلى دور المستشار المقرر لأنه من الناحية الإجرائية بمجرد قيد القضية على مستوى كتابة الضبط يقوم رئيس الجهة القضائية المختصة (غرفة إدارية )بتعيين مستشار مقرر في القضية ويحيل
إليه ملف الدعوى وهو الذي يتولى تسييرها وتوجيهها إلى النهاية وهذا الدور لا يلعبه زميله في القضاء العادي.
المستشار المقرر في الإجراءات الإدارية هو الذي يتولى تسييرها و توجيهها أي استدعاء الأطراف ومنح الآجال لتقديم الملفات ...الخ .
أما القضاء العادي فإن رئيس المحكمة أو الغرفة هو الذي يتولى تسييرها وتوجيهها
وهو الذي يتتبعها إلى غاية أن تصبح جاهزة للفصل فيها ، فهو الذي يطلب من أطراف الخصومة تقديم البيانات والأدلة التي تدعم مطالبها وهو الذي يحدد لهم المواعيد و الآجال لتقديم المقالات وردودهم بشأن القضية وهو الذي يقرر إن أصبحت القضية جاهزة للفصل فيها أم لا وهو الذي يعد تقرير بشأن القضية و يتولى في التقرير سرد ما وقع من إشكالات وإجراءات ويحلل الواقع و أوجه دفاع الطرف كما يلخص طلباتهم الختامية كما يبين جوانب النزاع المختلفة ولكن بدون أن يبدي رأيه فيها.
غير أن إحاطته بالقضية من بدايتها إلى نهايتها ولاسيما التحقيق الذي يكون قد أجراه فيما يتعلق بها سيكون هو محدد لطبيعة الحكم الذي سوف تؤول إليه القضية بدرجة كبيرة
المطلب الثالث: هدف النزاع الإداري.
نجد أن الدعوى الإدارية تهدف الى حماية المصلحة الخاصة للأشخاص العاديين عن طريق حماية النظام القانوني للحقوق والحريات الفردية من كافة أنواع الاعتداءات من طرف السلطات الإدارية ، كما تهدف الى حماية المصلحة العامة للمجتمع والدولة والإدارة العامة و حماية سلامة وشرعية النظام القانوني للدولة بصفة عامة ، وشرعية وعدالة النمط الإداري بصفة خاصة بما يضمن فاعلية وشرعية الأعمال الإدارية باستمرار
المبحث الثاني
معايير التمييز بين النزاع العادي و الاداري
قبل البدء في ذكر المعايير التي تميز بين النزاع الإداري و النزاع العادي.يجب ذكر الجهات القضائية المختصة في النظر في النزاع الإداري.
بحيث توجد غرفة إدارية على مستوى المجلس القضائي.و يوجد كذلك مجلس الدولة الذي ينظر في القضايا التي تكون السلطة المركزية طرف في النزاع.و هذا حسب المادة 7 و المادة 274 من قانون الإجراءات المدنية .
..المطلب الأول: المعيار العضوي.
إن فحوى هذا المعيار أنه ينظر إلى النزاع من حيث الجهة أو الهيئة التي قامت بالتصرف, فإذا كانت هذه الجهة المصدرة للقرار إدارة فإن الاختصاص ينعقد بالقضاء الإداري الذي سوف يطبق قواعد القانون الإداري العام.أما إذا قام بالتصرف جهة أخرى غير الإدارة فإن الاختصاص يؤول للقاضي أو القضاء العادي الذي سوف يطبق قواعد القانون الخاص
فهذا المعيار يركز على صفة الجهة القائمة بالنشاط الإداري.بحيث يكون النزاع إداري كل من كان احد طرفيه سلطة إدارية أو جهة إدارية مختصة سواء كانت مؤسسة عامة ذات صبغة إدارية أو شخص معنوي عام.
إن هذا المعيار يمتاز بالبساطة و الوضوح, إلا انه سطحي لم يحدد مجالات النزاع الإداري بدقة باعتماده فقط على الجهة المصدرة للقرار حيث انه هناك أعمال إدارية رغم أنها تصدر عن جهة إدارية إلا أنها يختص بها القضاء العادي
المطلب الثاني: المعيار المادي.
إن هذا المعيار لا يأخذ بعين الاعتبار الجهة التي قامت بالتصرف المتنازع فيه ولكنها تنظر من زاوية طبيعة التصرف في حد ذاته أي طبيعة النشاط.معتمدة على تقنيات معينة للفصل بين النزاعات وهذه التقنيات يمكن إجمالها عموما في ثلاثة معايير أو حالات :
الفرع الأول: التمييز بين أعمال السلطة العامة وأعمال التسيير العادي:
ويعني هذا المعيار أن الإدارة عندما تتدخل أو تتصرف(إصدار قرارات إدارية أو قيام بالتصرفات قانونية أخرى أو مادية )فهي تتدخل في صورتين:
فإما أن تتدخل بصفتها سلطة عامة تستعمل امتيازات هذه السلطة في إصدار الأوامر و النواهي وإما أن تتدخل بصفتها شخص عادي يقوم بتسيير أمواله وذمته الخاصة .
فإذا ما ثار نزاع بمناسبة الأعمال التي تقوم بها الصفة الأولى (بصفتها سلطة عامة ذات امتيازات تصدر الأوامر والنواهي )فإن الاختصاص فيه يؤول إلى القاضي الإداري الذي يطبق قواعد القانون العام .
أما إذا كان النزاع يتعلق بالأعمال التي تدخل في الفئة الثانية (شخص عادي )فإن الاختصاص حينئذ يكون للقاضي العادي ويطبق القانون الخاص
الفرع الثاني: التمييز بين النشاطات التي تسير بواسطة مرفق عام و النشاطات الأخرى للإدارة:
فوفقا لهذا المعيار نميز في النشاطات الإدارة عموما بين ما يعتبر مرفقا عام وبين مايعتبر نشاطا خاصا للإدارة.و تعود نشأة هذا المعيار المحدد لطبيعة النزاع إلى قرار بلانكو
فإذا كان النشاط يشكل مرفقا عاما كان النزاع إداريا وانعقد الاختصاص للقاضي الإداري وطبق القانون العام و إذ لم يكن النشاط مرفق عام أي كان نشاطا خاصا للإدارة لم يكن النزاع إداريا وكان من اختصاص القاضي العادي ويطبق في شأنه القانون الخاص
الفرع الثالث: التمييز بين –التسيير العام والتسيير الخاص:
في هذا المعيار ينظر إلى قواعد والأدوات والوسائل المستعملة في التسيير في حد ذاته فإذا كانت هذه القواعد تدخل في إطار القانون العام وفي أساليب التسيير العمومي, كان النزاع المتعلق بها نزاعا إداريا يخضع لاختصاص القاضي الإداري وقواعد القانون العام.
وإذا كان النشاط الإداري مسيرا وفقا لقواعد القانون الخاص فإن النزاع المثار بشأنه يكون نزاعا خاصا ويخضع لاختصاص القاضي العادي
المطلب الثالث: المعيار الحديث.
و هنا يراعى القانون الواجب التطبيق.
فإذا كان النزاع يثير قضية من قضايا القانون العام انعقد الاختصاص للقاضي الإداري.
أما إذا كان النزاع يثير قضية من قضايا القانون الخاص أي الاختصاص للقضاء العادي.
. و إذا كان النزاع بين شخصين قانونين عاديين (من أشخاص القانون الخاص )كان الاختصاص للقضاء العادي.
أما إذا كان النزاع بين شخص عام وأخر خاص فإن القضايا التي يثيرها هذا النزاع يمكن أن تؤول إلى القاضي الإداري أو إلى القاضي العادي حسب نوع القضية.
فإن القاضي المثار أمامه النزاع يبحث عن مجموعة القواعد التي تنظم هذا النشاط, فإذا كان التصرف يخضع لنظام من أنظمة القانون العام (كالأعمال التي تكون فيها بعض امتيازات الإدارة بوظيفتها باعتبار نظامه القانوني هو لائحي ففي هذه الحالة التي يكون النزاع إداريا وبالتالي يطبق القانون العام .
أما إذا كان التصرف يخضع لنظام من أنظمة القانون الخاص (مثل عقد تجاري تبرمه الإدارة ضمن قواعد القانون الخاص )وفي هذه الحالة يؤول الاختصاص للقاضي العادي.
من مبادئ المرافق هو إستمراريتها ,وبالتالي يؤول الاختصاص في المنازعات المتعلقة بها القاضي الإداري لأن القانون الواجب التطبيق يتعلق بقضية من قضايا القانون العام وهي سير المرافق العمومية بانتظام واستمرارية .
غير أن هنالك استثناءات بسيطة على هذه القاعدة وهي :وجود مرافق عامة ذات طبيعة صناعية وتجارية التي تخضع للقانون الخاص وبالتالي يؤول الاختصاص في منازعاتها للقاضي العادي وذلك بالنظر إلى المرونة التي ينبغي أن تميز تسييرها ،فيما عدا بعض النشاطات البسيطة التي تقوم بها والتي تلحق بالنزاع الإداري
المبحث الثالث
المواقف المختلفة حول هذه المعايير
المطلب الأول: موقف الفقه.
نجد أن أغلب الفقهاء لم يتطرقوا لتعريف النزاع الإداري ، بل قاموا فقط بمعالجته من خلال دراستهم لمعيار تحديد الاختصاص الجهات القضائية الفاصلة في المواد الإدارية غير أننا نجد الأستاذ محيو عرفه في معرض حديثه ( النزاع الإداري يتجسد في كل قضية يكون شخص عام طرف فيها.....)
أي أنه هنا عبر عن المبدأ المنصوص عليه في المادة 07 من قانون الإجراءات المدنية .
أي أنه يرى أن المعيار العضوي هو الأساس في تحديد النزاع الإداري إلا أنه أضاف أنه لا يمكن الاستغناء بالمقابل عن المعيار المادي لما له من مميزات كونه الوسيلة الأرجح للحصول على التعويض الكافي والعادل جراء الضرر الناتج عن النشاط الإداري الضار والذي يكون من اختصاص القضاء العادي.(1)
المطلب الثاني: موقف المشرع الجزائري.
فنجد أن المشرع الجزائري لم يُعرف النزاع الإداري ونجده يعتمد في تحديده على المعيار العضوي وهو ما بدا جليا وواضحا قي نص المادة 7/1 حيث تنص : »تختص المجالس القضائية بالفصل ابتدائيا بحكم قابل للاستئناف أمام المحكمة العليا ، في جميع القضايا أيا كانت طبيعتها التي تكون الدولة أو الولايات أو إحدى المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية طرفا فيها" «
1- عمور سلامي-الوجيز في قانون المنازعات الإدارية-السنة الجامعية2004-2005-ص38-40
كما نجد المادة 09 من القانون العضوي 98-03 المتعلق بمجلس الدولة حددت اختصاصات التي يفصل فيها ابتدائيا ونهائيا والمتمثلة في دعاوى الإلغاء ضد القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية المركزية والهيئات العمومية الوطنية والمنظمات المهنية الوطنية ، أي أننا نخلص أن المشرع الجزائري وجعل كل نزاع يكون أحد أطرافه الأشخاص العامة المذكورين في المادتين السابقتين الذكر يعد نزاعا إداريا ينعقد الاختصاص بالفصل فيه للقضاء الإداري يرى أن المشرع استعان كذلك بالمعيار المادي كمثال ذلك نجد ما ورد في المادتين 55و56 من القانون 88/01 المؤرخ في 12/01/1988المتضمن القانون التوجيهي للمؤسسات العمومية الاقتصادية حيث:
مادة56: » عندما تكون المؤسسات العمومية الاقتصادية مؤهلة قانونا لممارسة صلاحيات السلطة العامة تسلم بذلك وباسم الدولة ولحسابها ترخيصات وعقود إدارية أخرى ، فإن كيفية وشروط ممارسة هذه الصلاحيات وكذا تلك المتعلقة بالمراقبة الخاصة بها تكون مسبقا موضوع نظام مصلحة يعد طبقا للتشريع والتنظيم المعمول به ، تخضع المنازعات المتعلقة بهذا المجال للقواعد المطبقة على الإدارة «
مادة 55 » عندما تكون المؤسسات العمومية الاقتصادية مؤهلة قانونا لتسيير مباني عامة أو جزء من الأملاك العامة ، وفي هذا الإطار يتم التسيير طبقا لعقد إداري للامتياز ودفتر الشروط العامة وتكون المنازعة المتعلقة بملحقات أملاك الدولة من طبيعة إدارية« (1)
________________________________________
1- سلامي-مرجع سابق الذكر) ص36-37
المطلب الثالث: موقف القضاء الجزائري
حيث نجد أن المحكمة العليا كرست المعيار العضوي لتحديد النزاع الإداري بصفة واضحة في قرارها الصادر في 23/01/1970 في قضية السيد (ب) ضد التعاونية الجزائرية لتأمين عمال التربية والثقافة الذي جاء فيه: ( حيث أن المادة 07 من قانون الإجراءات المدنية قد استبدلت المعيار المادي القديم المرتكز على طبيعة النشاط الإداري المعتبر ، بمعيار عضوي ، لم يعد يأخذ بعين الاعتبار سوى صفات الأشخاص المعنيين وأنه يجب ويكفي أن يكون الشخص معنوي إداري طرفا في الدعوى لكي يعتبر القاضي الفاصل في المواد الإدارية مختصا ، وهذا مهما كانت طبيعة القضية.
و في قرار لها صادر في 30/04/95 .قضية الوكالة العقارية لبئر الجير ضد ج م ومن معه ، جاء فيه وبدون فحص أوجه العريضة ، حيث أنه وطبقا لأحكام المرسوم التنفيذي تحت رقم 405/90 المؤرخ في 22/12/1990 تعتبر الوكالة المحلية للتسيير والتنظيم العقاري مؤسسات عامة ذات طابع صناعي وتجاري فلهذا وعملا بأحكام المادة 07 من قانون الإجراءات المدنية ، فالقاضي الإداري غير مختص للبحث في نزاع تكون فيه مؤسسة من هذا النوع وعليه أصاب المستأنف في تمسك بعدم اختصاص القاضي الإداري )
نجد كاستثناء وحيد القرار الصادر في 08/03/1980 في قضية شركة (سيمباك) ضد الديوان الوطني للحبوب ، فنجد أن المحكمة العليا اعتمدت على المعيار المادي لتضفي إلى هذا النزاع الطابع الإداري رغم أن أطرافه ليست من الأشخاص المعنوية المحددة في المادة 07 من قانون الإجراءات المدنية معتمدة على نص المادة 271من قانون الإجراءات المدنية التي تنص على أن الغرفة الإدارية للمجلس الأعلى تفصل كأول وأخر درجة في دعاوى الإلغاء المرفوعة ضد القرارات التنظيمية أو الفردية الصادرة عن السلطات الإدارية .(1)
________________________________________
1- المرجع ذاته.ص37-38
خاتمة
من الصعب جدا الاقتصار على معيار واحد في تحديد مفهوم النزاع الإداري وتميزه عن النزاع العادي ، ولذلك لابد من التنسيق بين كل المعايير لتحديد نطاق اختصاص شامل في تحديد نطاق اختصاص القضاء الإداري و القضاء العادي.
غير أن المشرع الجزائري اعتمد على المعيار العضوي والذي جسده في نص المادة 07 من قانون الإجراءات المدنية إلى جانب معيار الهدف والمصلحة والتي جاءت في شكل نصوص قانونية مستقلة تظهر فيها أنه خرج عن المبدأ العام للمعيار الموضوعي
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma