أسعدنا تسجيلك وانضمامك لنا

ونأمل من الله أن تنشر لنا كل مالديك

من إبداعات ومشاركات جديده

لتضعها لنا في هذا القالب المميز

نكرر الترحيب بك

وننتظر جديدك المبدع

مع خالص شكري وتقديري

ENAMILS

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

أسعدنا تسجيلك وانضمامك لنا

ونأمل من الله أن تنشر لنا كل مالديك

من إبداعات ومشاركات جديده

لتضعها لنا في هذا القالب المميز

نكرر الترحيب بك

وننتظر جديدك المبدع

مع خالص شكري وتقديري

ENAMILS

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
 محاضرات في مقياس القانون الإداري  580_im11 ENAMILS  محاضرات في مقياس القانون الإداري  580_im11

المواضيع الأخيرة

» مدونة القوانين الجزائرية - محدثة يوميا -
 محاضرات في مقياس القانون الإداري  I_icon_minitimeالسبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed

»  شركة التوصية بالاسهم -_-
 محاضرات في مقياس القانون الإداري  I_icon_minitimeالجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin

» مكتبة دروس
 محاضرات في مقياس القانون الإداري  I_icon_minitimeالإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin

» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
 محاضرات في مقياس القانون الإداري  I_icon_minitimeالخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin

» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
 محاضرات في مقياس القانون الإداري  I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin

» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
 محاضرات في مقياس القانون الإداري  I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin

» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
 محاضرات في مقياس القانون الإداري  I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin

» بحث حول المقاولة التجارية
 محاضرات في مقياس القانون الإداري  I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl

» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
 محاضرات في مقياس القانون الإداري  I_icon_minitimeالأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique

» الدفاتر التجارية:
 محاضرات في مقياس القانون الإداري  I_icon_minitimeالجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma

ENAMILS


كتاب السنهوري


    محاضرات في مقياس القانون الإداري

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 6322
    نقاط : 17825
    تاريخ التسجيل : 28/06/2013
    العمر : 33

     محاضرات في مقياس القانون الإداري  Empty محاضرات في مقياس القانون الإداري

    مُساهمة من طرف Admin الإثنين أغسطس 12, 2013 10:17 pm



    مقدمة عامة
    تنقسم القواعد القانونية التي تنظم كل مجتمع إنساني إلى قواعد قانونية تنظم العلاقات التي تنشأ بين الأفراد ، وقد أصطلح على تسميتها بالقانون الخاص ومن فروعه القانون المدني والقانون التجاري وقانون المرافعات . أما النوع الأخر من القواعد فينظم العلاقات التي تنشأ بين الدول أو بين الدولة وهيأتها العامة من ناحية والأفراد من ناحية أخرى عندما تظهر الدولة بمظهر السلطة العامة .
    وقد أصطلح على هذا النوع من القواعد القانونية بالقانون العام ، ومن فروعه القانون الدولي العام والقانون الدستوري والقانون الإداري والقانون المالي .
    ومن المعروف أن القانون الإداري فرع من فروع القانون العام الداخلي – تمييزاً له عن القانون العام الخارجي الذي ينظم العلاقات بين الدول – والذي يهتم بسلطات الإدارة العامة من ناحية تكوينها ونشاطها وضمان تحقيقها للمصلحة العامة من خلال الإمتيازات الاستثنائية التي تقررها قواعد القانون الإداري .
    وعلى ذلك فإن القانون الإداري يختلف اختلافا جوهريا عن القانون الخاص لاختلاف العلاقات القانونية التي يحكمها ، واختلاف الوسائل التي تستخدمها السلطات الإدارية في أدائها لوظيفتها من الوسائل قانونية ومادية وبشرية .
    وقد ساهم التطور الكبير في الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، وازدياد نشاط الدولة وتدخلها في هذه المجالات وعدم كفاءتها بدورها السابق في الحفاظ على الأمن الداخلي والخارجي ، في تضاعف دور القانون الإداري ومساهمة في وضع الوسائل المناسبة لإدارة دفة نشاط السلطة العامة .
    وفي هذه الدراسة نتشرف بتقديم المبادئ العامة التي يقوم عليها القانون الإداري ، والذي يمثل المنهج الدراسي للمرحلة الثانية في كليات القانون.
    وقد اتبعنا في هذه الدراسة خطة البحث التالية:-
    الباب التمهيدي :طبيعة القانون الإداري .
    الباب الأول : التنظيم الإداري .
    الباب الثاني : نشاط الإدارة العامة .
    الباب الثالث: الوظيفة العامة .
    لباب الرابع: القرارات الإدارية .
    الباب الخامس:العقود الإدارية .
    الباب التمهيدي
    طبيعة القانون الإداري

    لابد قبل البحث في موضوع القانون الإداري أن نتبين بعض المسائل التي تلقي الضوء على هذا القانون من حيث طبيعته , فنبين التعريف بالقانون الإداري ونشأته في دولته الأم فرنسا ثم في مصر التي كان لها دور الريادة في العالم العربي وبعد ذلك في العراق , ثم نذكر خصائص ومصادر هذا القانون.
    ولعل من أهم ما سنبحثه في هذا الباب أساس القانون الإداري ونطاق تطبيقه ومعيار اختصاص القضاء الإداري , ومن خلال هذا الموضوع نبين المعيار الذي نستطيع أن نقرر فيه أن نشاط الإدارة يدخل ضمن نطاق هذا القانون ويختص به القضاء الإداري أم لا .
    وعلى ذلك سنقسم هذا الباب إلى فصول خمس :
    الفصل الأول : التعريف بالقانون الإداري .
    الفصل الثاني : نشأة القانون الإداري .
    الفصل الثالث : خصائص ومصادر القانون الإداري .
    الفصل الرابع : أساس القانون الإداري .

    الفصل الأول
    التعريف بالقانون الإداري

    درج أغلب الفقهاء على تعريف القانون الإداري بأنه ذلك الفرع من فروع القانون العام الداخلي الذي يتضمن القواعد القانونية التي تحكم السلطات الإدارية في الدولة من حيث تكوينها ونشاطها بوصفها سلطات عامة تملك حقوقاً وامتيازات استثنائية في علاقاتها بالأفراد.( )
    بينما عرفه آخرون بأنه فرع من فروع القانون العام الذي يحكم الإدارة , أو قانون الإدارة العامة Administration Publique أو قانون السلطة الإدارية Pouvoir Administratif . ( )
    في حين عرفه البعض بأنه القانون الذي يتضمن القواعد التي تحكم إدارة الدولة من حيث تكوينها ونشاطها باعتبارها سلطة عامة . ( )
    ونجد هنا أنه من المناسب أن نبين أن القانون يقسم إلى قسمين رئيسيين , قانون عام وقانون خاص , القانون العام هو القانون الذي ينظم نشاط الدولة وسلطاتها العامة , ويحكم العلاقات القانونية التي تكون الدولة أو إحدى هيئاتها العامة طرفاً فيها , وتظهر فيها الدولة بوصفها سلطة عامة تتمتع بحقوق وامتيازات استثنائية لا مقابل لها في علاقات الأفراد .
    أما القانون الخاص فينظم نشاط الأفراد ويحكم العلاقات بينهم أو بينهم وبين الدولة أو إحدى هيئاتها عندما تظهر بمظهر الأفراد العاديين أي ليس بوصفها سلطة عامة تتمتع بحقوق وامتيازات استثنائية .
    ويشتمل كل قسم من هذين القسمين على عدة فروع فيشتمل القانون العام على القانون العام الخارجي ويتضمن القانون الدولي العام , والقانون العام الداخلي ويتضمن القانون الدستوري والقانون الإداري والقانون المالي .
    في حين ينقسم القانون الخاص إلى القانون المدني والقانون التجاري وقانون المرافعات المدينة وغيرها من القوانين الأخرى .
    وكما بينا فأن القانون الإداري هو فرع من فروع القانون العام الداخلي يحكم نشاط الإدارة العامة وهو موجود في كل دولة أياً كان مستواها وتطورها الحضاري .
    وفي هذا المجال يسود مفهومان للإدارة العامة المفهوم العضوي أو الشكلي, والمفهوم الموضوعي أو الوظيفي .
    المفهوم العضوي : يهتم بالتكوين الداخلي للإدارة العامة , فيعرف الإدارة العامة بأنها السلطة الإدارية سواء المركزية منها أو اللامركزية , وجميع الهيئات التابعة لها .
    بينما يهتم المفهوم الموضوعي بالجانب الوظيفي , فيعرف الإدارة العامة بأنها النشاط أو الوظيفة التي تتولاها الأجهزة الإدارية لإشباع الحاجات العامة.
    وتبعاً لذلك فإن القانون الإداري بمعناه العضوي هو القانون الذي يحكم السلطة الإدارية أو الأجهزة الإدارية في الدولة , بينما يمكننا أن نعرف القانون الإداري بمعناه الموضوعي بأنه القانون الذي يحكم النشاط أو الوظيفة التي تتولاها الأجهزة الإدارية لتحقيق المصلحة العامة .
    وقد اختلف الفقه في ترجيح أحد المفهومين إلا أن الاتجاه الحديث يقوم على الجمع بينهما ويعرف القانون الإداري بأنه : " القانون الذي ينظم الأجهزة والهيئات الإدارية في الدولة , ويحكم النشاط أو الوظيفة التي تتولاها الأجهزة الإدارية لتحقيق المصلحة العامة " .

    علاقة القانون الإداري بفروع القانون الأخرى :
    من المهم أن نبين استقلال القانون الإداري عن فروع القانون الأخرى من خلال بيان علاقته بهذه القوانين وتحديد أوجه الاتفاق والاختلاف بينها ثم بيان علاقته بعلم الإدارة العامة.
    1. العلاقة بين القانون الإداري والقانون الدستوري
    أوضحنا أن القانون الإداري هو القانون الذي ينظم الأجهزة والهيئات الإدارية في الدولة , ويحكم النشاط أو الوظيفة التي تتولاها الأجهزة الإدارية لتحقيق المصلحة العامة .
    أما القانون الدستوري : فهو القانون الأعلى والأساس في الدولة , والذي ينظم القواعد القانونية التي تتعلق بنظام الحكم في الدولة والسلطات العامة فيها والعلاقة بينهما وحقوق وحريات الأفراد , والضمانات التي تكفلها .
    وعلى هذا فإن القانون الإداري وثيق الصلة بالقانون الدستوري , فإذا كان القانون الإداري يحكم السلطة الإدارية المركزية وغير المركزية , فإن القانون الدستوري هو القانون الأساسي والذي يسمو على كافة القوانين الأخرى التي يجب أن تتقيد به وتحترم نصوصه .
    وبمعنى آخر يضع القانون الدستوري الأحكام الكلية أو العامة للسلطة التنفيذية , بينما يضع القانون الإداري القواعد التفصيلية التي تكفل تشغيل الأجهزة الإدارية وأدائها لوظيفتها , فالقانون الإداري يكون بذلك امتداداً للقانون الدستوري . ( )
    وهو ما أبرزه الفقيه (بارتلمي) في معرض تمييزه بين القانون الإداري والقانون الدستوري فقال : " أن القانون الدستوري يبين لنا كيف شيدت الآلة الحكومية , أما القانون الإداري فيبين كيف تسير هذه الآلة وكيف تقوم كل قطعة منها بوظيفتها " . ( )
    وبسبب تداخل كل من القانونين لتعلقهما بالشؤون الداخلية للمجتمع كونهما يمثلان فرعين من فروع القانون العام الداخلي , نجد أن الفقه الإنجليزي لا يفرق بين القانون الدستوري والقانون الإداري ويدرس موضوعات القانونين معاً .
    ومع أن الفقه الفرنسي في معضمه يميز بينهما , فإن جانباً في الفقه ذهب إلى انتقاد محاولات التمييز بين القانون الإداري والقانون الإداري , ودعى إلى دراستهما معاً , وتزعم هذا الاتجاه الفقيه دوجي Dugui وجيزJeze , وبوتارBonnaed . ( )
    ويمكن إجمال أوجه التمييز بين القانونين بالآتي :-
    أ - من حيث الموضوع :- يبحث القانون الدستوري في التنظيم السياسي للدولة من حيث تكوين سلطات الدولة الثلاث والعلاقة بينهما , في حين يبحث القانون الإداري في أعمال السلطة التنفيذية الإدارية منها دون الحكومية .
    ب- من حيث تدرج القوانين :- يحتل القانون الدستوري قمة الهرم القانوني في الدولة لأنه يقرر المبادئ الأساسية التي لا يمكن أن تتعداها القوانين الأخرى بما فيها القانون الإداري الذي يحكم بعض المسائل المتفرعة في المبادئ التي أقرها الدستور .

    2- علاقة القانون الإداري بالقانون المالي
    القانون المالي هو مجموعة القواعد القانونية الخاصة بإدارة الأموال العامة في الدولة, وهو مكمل للقانون الإداري الذي يتعلق بتنظيم الأجهزة والهيئات الإدارية , ويوضح النظام القانوني الذي يحكم الأموال العامة والحماية القانونية المقررة لهذه الأموال , وكيفية الانتفاع بها , ومن موضوعات هذا القانون كل ما يدخل ضمن إعداد الميزانية العامة في الدولة وسياسة وأنواع الضرائب المفروضة والأشراف والرقابة عليها .
    3- علاقة القانون الإداري بعلم الإدارة العامة
    يتميز القانون الإداري عن علم الإدارة العامة من حيث زاوية اهتمام كل منهما فالقانون الإداري يبحث في التنظيم القانوني للجهاز الإداري ووظيفة كل عنصر في عناصره وعلاقته بالأفراد , بينما تبحث الإدارة العامة في النواحي الفنية والتنظيمية للجهاز الإداري ويمكن تعريفها بأنها ذلك العلم الذي يهتم بدراسة تنظيم وتوجيه وتنسيق نشاط المنظمة الإدارية لتحقيق أهدافها العامة على أكمل وجه .
    وكما بينا تشتمل الإدارة العامة على مفهومين , مفهوم عضوي , يهتم بدراسة هيكل المنظمات الإدارية وفروعها , دون البحث في طبيعة النشاط الصادر منها , ومفهوم موضوعي يهتم بدراسة النشاط الإداري لهذه المنظمات بصرف النظر عن شكل المنظمة التي صدر النشاط عنها .
    ويظهر الاختلاف بين الإدارة العامة والقانون الإداري من خلال طريقة دراسة الموضوع الإداري محل البحث , فالقانون الإداري عندما يبحث في تعريف القرار الإداري فإنه يركز عليه كعمل قانوني صادر بالإرادة المنفردة للسلطة الإدارية ويتضمن أثراً قانونياً , كذلك يبحث في مشروعية القرار الإداري وشروط صحته ونفاذه , وكيفية الطعن بالإلغاء والتعويض ضد القرارات غير المشروعة .
    في حين يعرف علم الإدارة العامة القرار الإداري في خلال البحث في الكيفية العلمية والواقعية التي صدر على أساسها القرار وعملية صنعه والمراحل المختلفة التي مرت بها تلك العملية واكتشاف العيوب والمشاكل التي قد تعيق هذه العملية واقتراح سبل إصلاحها . ( )
    وفي مجال الوظيفة العامة يبحث القانون الإداري في المركز القانوني للموظف العام وطبيعة علاقته بالدولة وشروط تعيينه وحقوقه وواجباته والعقوبات التأديبية التي يمكن إيقاعها عليه وضماناته تجاهها , ويبحث في طرق انتهاء علاقته الوظيفية , وما إلى ذلك من أمور تنظمها في الغالب نصوص قانونية .
    أما الإدارة العامة فتبحث الوظيفة العامة من ناحيتين , الناحية التنظيمية فيدرس علم الإدارة العامة طبيعة الوظيفة العامة وأسس ترتيب الوظائف العامة , وتحديد اختصاص ومواصفات كل وظيفة .
    والناحية البشرية حيث تبحث الإدارة العامة عن أفضل نظام إداري لتطبيقه على العاملين في المنظمة الإدارية , وتعرض لطرق اختيارهم ,ووسائل رفع كفاءتهم وتدريبهم , والارتفاع بمستوى أدائهم , كما تهتم الإدارة العامة بالحوافز المادية والمعنوية لموظفي الدولة ودراسة مشاكلهم الوظيفية والنفسية , والبحث في سبل إصلاحها . ( )
    ومن الجدير بالذكر أن الإدارة العامة تخضع من حيث الأصل إلى قواعد متميزة عن قواعد القانون الخاص , إلا أنها قد تنزل في أحيان أخرى عن استخدام هذه القواعد فتنزل منزلة الأفراد , وتطبق قواعد لقانون الخاص , والقانون الإداري بمعناه الواسع يعني "قانون الإدارة" أياً كانت القواعد القانونية التي تحكمها قواعد القانون الخاص أم قواعد قانونية متميزة عنها "قواعد القانون العام" , والقانون الإداري بهذا المعنى موجود في كل مجتمع سواء اخذ بمبدأ الازدواج القانون أم لم يأخذ .
    أما القانون الإداري بمعناه الفني أو الضيق فينحصر دوره بما يطبق على الإدارة من قواعد قانونية متميزة ومغايرة لقواعد القانون الخاص ولا يوجد بهذا المعنى إلا في الدول إلى تأخذ بنظام الازدواج القانوني .
    ومع أوجه الاختلاف بين القانون الإداري والإدارة العامة فإن بينهما الكثير من أوجه التقارب , من حيث أنها يتعلقان بالبحث في موضوع واحد هو الجهاز الإداري في الدولة وأن انحصرت دراسة كل منها بجانب من جوانبه , حتى أننا نجد أنه في الدول التي لا تأخذ بالازدواج القانوني "النظم الانجلوسكسونية " تشتمل دراسة الإدارة العامة على النواحي القانونية التي يحكمها من حيث الأصل القانون الإداري بالإضافة إلى دراسة الناحية الفنية والتنظيمية .
    الفصل الثاني
    نشأة القانون الإداري وتطوره
    تعد فرنسا مهد القانون الإداري ومنها انتشر إلى الدول الأخرى , ويرجع الفضل في ظهور هذا القانون إلى عوامل تاريخية تأتي في مقدمتها الأفكار التي جاءت بها الثورة الفرنسية عام 1789 م , التي قامت على أساس الفصل بين السلطات، ومن مقتضياته منع المحاكم القضائية القائمة في ذلك الوقت من الفصل في المنازعات الإدارية للحفاظ على استقلال الإدارة تجاه السلطة القضائية .
    وأدى هذا الاتجاه إلى وجود نظام القضاء المزدوج الذي كان مهداً لنشؤ الازدواج القانوني وظهور القانون الإداري .

    المبحث الأول
    نشؤ القانون الإداري في فرنسا

    كانت سلطات الحكم قبل الثورة الفرنسية مركزة في يد الملك حيث ساد نظام الملكية المطلقة , ولم تكن الدولة تخضع للمساءلة أو الرقابة أمام القضاء بواسطة دعاوى الأفراد , وهي إن تعاملت مع الأفراد خضعت معاملاتها للقانون المدني . ( )
    وفي هذه الفترة كانت توجد محاكم قضائية تدعى البرلمانات Parlements أنشئت لتكون ممثلة للملك في وظائفه القضائية , وكانت الدعاوى تستأنف أمامها ما لم سند الملك ذلك الاختصاص إلى جهة أخرى , كما وجدت محاكم مختصة ببعض المنازعات الإدارية . ( )
    وقد كانت البرلمانات تمارس سيطرة رجعية على الإدارة وتتدخل في شؤونها وتعارض وتعرقل كل حركة إصلاحية ( ) مما حدى برجال الثورة الفرنسية إلى منع المحاكم القضائية القائمة في ذلك الوقت من الفصل في المنازعات الإدارية للحفاظ على استقلال الإدارة تجاه السلطة القضائية , من خلال تبنيهم لمبدأ الفصل بين السلطات .

    1. مرحلة الإدارة القاضية : Administration Juge
    تأكيداً لاتجاه الثورة الفرنسية في الفصل بين السلطات صدر قانون 16-24 أغسطس 1790 , الذي نص على إلغاء المحاكم القضائية ( البرلمانات ) وإنشاء ما يسمى بالإدارة القاضية أو الوزير القاضي كمرحلة أولى قبل إنشاء مجلس الدولة الفرنسي , ومنع القضاء العادي من النظر في المنازعات التي تكون الإدارة طرفاً فيها و أصبحت الهيئات الإدارية هي صاحبة الاختصاص في الفصل بهذه المنازعات .
    وفي مرحلة الإدارة القاضية كان على الأفراد اللجوء إلى الإدارة نفسها للتظلم إليها وتقديم الشكوى , فكانت الإدارة هي الخصم والحكم في الوقت ذاته وكان هذا الأمر مقبولاً إلى حد ما في ذلك الوقت بسبب السمعة السيئة لقضاء البرلمانات التعسفية .

    2. إنشاء مجلس الدولة الفرنسي :
    بنشوء مجلس الدولة في 12 ديسمبر 1797 في عهد نابليون بونابرت وضعت اللبنة الأولى للقضاء الإداري الفرنسي مع أن اختصاص المجلس كان أو الأمر استشارياً يتطلب تصديق القنصل .
    وفي الوقت ذاته تم إنشاء محاكم أو مجالس الأقاليم Les Conseils de Préfecture التي كانت تصدر أحكاماً لا تحتاج إلى تصديق سلطة إدارية عليا ، إلا أن أحكامها تستأنف أمام مجلس الدولة الذي كانت أحكامه تعرض على القنصل.
    فقد كان عمل المجلس يقتصر على فحص المنازعات الإدارية وإعداد مشروعات الأحكام , فلم يكن يملك سلطة القضاء وإصدار الأحكام , ولذا سمى قضاؤه في هذه المرحلة " القضاء المقيد" أو المحجوز Justice Retenue وقد استمرت هذه المرحلة إلى عام 1872 حيث أصبح قضاؤه مفوضاً .

    3. مرحلة القضاء المفوض Justice délégúee
    في 24 مايو 1872 صدر قانون منح مجلس الدولة الفرنسي اختصاص البت نهائياً في المنازعات الإدارية دون تعقب جهة أخرى .
    ومع أن هذا القانون خول المجلس سلطة البت النهائي في المنازعات الإدارية فإنه أبقي على اختصاص الإدارة القاضية فلا يملك الأفراد اللجوء إلى مجلس الدولة إلا في الأحوال التي ينص عليها القانون , وفيما عدا ذلك تختص به الإدارة القاضية , مما أوجد ازدواجاً قضائياً , واستمر هذا الوضع حتى تاريخ 13ديسمبر 1889 عندما قبل مجلس الدولة دعوى قدمها أحد الأفراد مباشرة من دون المرور على الإدارة في قضية Cadot وترتب على حكمه فيها أن أصبح مجلس الدولة صاحب الاختصاص العام في المنازعات الإدارية .
    وبسبب تراكم العديد من القضايا أمام مجلس الدولة حدد المشرع اختصاص مجلس الدولة على سبيل الحصر بموجب المرسوم الصادر في 30 سبتمبر 1953 , وأصبحت المحاكم الإدارية التي كانت تسمى مجالس الأقاليم صاحبة الاختصاص العام في المنازعات الإدارية .
    ثم أعقب ذلك بعض المراسيم التي تضمنت الإصلاحات منها المراسيم الأربعة الصادرة في 30 يوليو 1963 المتعلقة بتحديد النظام الأساسي للعاملين في المجلس وتنظيمه الداخلي ونشاطه الداخلي , وتم تعديل هذا التنظيم بثلاثة مراسيم أخرى في 26 أغسطس 1975 م , وبمرسوم في 15 يناير 1980 , وآخر في 16 ديسمبر 1987 لإصلاح القضاء الإداري أنشأ بموجبه المحاكم الإدارية الاستئنافية ووسع نطاق الطعن بالنقض أمام مجلس الدولة .
    وقد أصبح مجلس الدولة خلال تاريخه الطويل قاضي المنازعات الإدارية دون منازع, وساهم في إرساء مبادئ القانون الإداري وقواعده المتميزة عن قواعد القانون الخاص وابتدع الحلول المناسبة لمقتضيات حسن سير الإدارة العامة, وأكد على وجود واستقلال القانون الإداري .

    المبحث الثاني
    نشوء القانون الإداري في مصر

    قبل نشوء مجلس الدولة في مصر عام 1946 لم تعرف مصر القضاء الإداري , وقد كانت المحاكم المختلطة والأهلية السائدة قبل هذا التاريخ في النظام القضائي المصري تطبق بعض القوانين على المنازعات بين الأفراد أو بينهم وبين الإدارة , ولم يكن من بينها القانون الإداري .
    وقد ذهب جانب من الفقه الإداري المصري إلى أن أساس القانون الإداري ومبادئه قد بدأت تظهر من خلال أحكام المحاكم المختلطة والمحاكم الأهلية , بينما خالف جانب آخر منهم, وذهب إلى أن مبادئ القانون الإداري لم تنشأ حقيقة إلا من خلال أحكام مجلس الدولة بعد أن إنشاؤه عام 1946 . ( )
    وكان مجلس الدولة وقت إنشاؤه يتمتع بصلاحيات محددة وبمحكمة قضاء إداري واحدة , ثم ما لبث أن توسعت اختصاصاته إذ صدر القانون رقم 9 لسنة 1949 الذي وسع اختصاصاته ثم أنشأت المحاكم الإدارية بالقانون رقم 147 لسنة 1954 , وبعد ذلك في عام 1955 تم إنشاء المحكمة الإدارية العليا لتكون في قمة القسم القضائي بمجلس الدولة .
    ثم صدر القانون رقم 55 لسنة 1959 بشأن تنظيم مجلس الدولة , وقد مر مجلس الدولة بتطورات عدة حتى صدر القانون الحالي رقم 47 لسنة 1972 وتعديلاته .
    ووفقاً لهذا القانون يعد مجلس الدولة هيئة قضائية ملحقة بوزير العدل , ويتكون من رئيس وعدد من نواب الرئيس والمستشارين المساعدين والنواب والمندوبين ومن مندوبين مساعدين .
    هذا ولم تؤثر تبعية المجلس لوزير العدل في استقلاله في ممارسة وظيفته إذ لا تتعدى هذه التبعية منح الوزير الأشراف الإداري وضمان حسن سير العمل الوظيفي , وهو ما أكدته المادة الأولى من القانون رقم 47 لسنة 1972 " مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة " .
    ولم يولد المجلس قوياً منذ نشأته فقد كان القضاء الإداري صاحب الولاية العامة في نظر المنازعات الإدارية وكانت اختصاصات مجلس الدولة محددة على سبيل الحصر في القوانين التي سبقت القانون الحالي .
    ففي ظل القانون رقم 112 لسنة 1946 والمعدل بالقانون رقم 9 لسنة 1949 كان القضاء العادي ينفرد بنظر دعاوى مسؤولية الإدارة عن أعمالها المادية ويختص بالاشتراك مع المجلس في نظر طلبات التعويض عن القرارات الإدارية ، ويترتب على رفع دعوى التعويض أمام المحاكم العادية وإذا ما رفعت دعوى الإلغاء أو التعويض إلى مجلس الدولة عدم جواز رفع دعوى التعويض أمام المحاكم العادية فإنه يمتنع رفعها أمام مجلس الدولة .
    كما كانت المحاكم العادية تنفرد بنظر المنازعات الخاصة بالعقود الإدارية حتى صدور القانون رقم 9 لسنة 1949 الذي منح المجلس النظر في منازعات عقود الالتزام والأشغال العامة وعقود التوريد بالاشتراك مع المحاكم العادية .
    وفي ظل القانونين 165 لسنة 1955 و 55 لسنة 1959 استمرت المحاكم العادية تنفرد بالنظر في دعوى مسؤولية الإدارة عن أعمالها المادية في الوقت الذي استقل به مجلس الدولة بنظر المنازعات المتعلقة بالتعويض عن القرارات الإدارية والعقود الإدارية .
    وبصدور القانون 47 لسنة 1972 أصبح مجلس الدولة صاحب الولاية العامة بالنظر في المنازعات الإدارية ما لم ينص القانون على خلاف ذلك ، فقد ورد في المادة 172 من القانون رقم 47 لسنة 1972 " مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة ، ويختص بالفصل في المنازعات الإدارية ، وفي الدعاوى لتأديبية ويحدد اختصاصاته الأخرى " .
    وبذلك أصبح مجلس الدولة قاضي القانون العام المختص بالفصل في المنازعات الإدارية والتأديبية وساهم بإرساء مبادئ القانون الإداري , وكان له دور رائد في حماية حقوق الأفراد وحرياتهم من عسف الإدارة وإلغاء قراراتها المعيبة والتعويض عنها .

    الفصل الثالث
    خصائص ومصادر القانون الإداري

    نبين في هذا الجزء من الدراسة الخصائص التي يتميز بها القانون الإداري والمصادر التي يستمد منها أحكامه وذلك في مبحثين .

    المبحث الأول
    خصائص القانون الإداري
    يتميز القانون الإداري ببعض الخصائص منها أنه قانون سريع التطور ، وقانون غير مقنن , وأنه من صنع القضاء .
    أولاً : قانون سريع التطور .
    يستم القانون الإداري بأنه قانون يتطور بسرعة تفوق التطور الاعتيادي في القوانين الأخرى ولعل ذلك يرجع إلى طبيعة المواضيع التي يعالجها ، فقواعد القانون الخاص تتميز بالثبات والاستقرار ، وقد ثمر فترة طويلة قبل أن ينالها التعديل أو التغيير ، ويعود ذلك إلى أن العلاقات التي ينظمها القانون الخاص بفروعه المختلفة " قانون مدني ، قانون تجاري ، قانون مرافعات " تتعلق بقواعد عامة تتطلب قدراً من الاستقرار مع ترك الحرية للأفراد من تسيير الأمور الأخرى ذات الطابع المتغير في حدود القواعد العامة المنصوص عليها على عكس القانون الإداري الذي يعالج مواضيع ذات طبيعة خاصة لتعلقها بالمصلحة العامة وحسن تسيير وإدارة المرافق العامة وجانب من أحكامه غير مستمدة من نصوص تشريعية وإنما من أحكام القضاء وخاصة القضاء الإداري الذي يتميز بأنه قضاء يبتدع الحلول للمنازعات الإدارية ولا يتقيد بأحكام القانون الخاص إنما يسعى إلى خلق ما يتلائم مع ظروف كل منازعة على حده تماشياً مع سرعة تطور العمل الإداري ومقتضيات سير المرافق العامة .
    ولعل من أسباب سرعة تطور القانون الإداري أنه يتأثر بالعوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في الدولة وهي عوامل متغيرة باستمرار وغير مستقرة نسبياً ، فاتساع نشاط الدولة ونزعتها التدخلية وانتشار الحروب والازمات الاقتصادية وظهور المرافق العامة الاقتصادية , وما إلى ذلك من ظواهر اقتصادية وسياسية وإدارية ، وضرورة استيعاب القانون الإداري لهذه المتغيرات ومواجهتها أدى بالضرورة إلى التطور المستمر في أحكامه .

    ثانياً : قانون من صنع القضاء .
    يتميز القانون الإداري أيضاً بأنه قانون قضائي نشأ عن طريق المبادئ والقواعد الإدارية التي خلقها القضاء ، وقد ساعد على ذلك عدم تقنين أغلب قواعد القانون الإداري فكان لابد للقضاء أن ينهض بهذه المهمة من خلال وضع أسسه ونظرياته .
    وإذا كان التشريع ينهض في الحقيقة ببعض مواضيع القانون الإداري خاصة ما يتعلق ببعض النصوص الدستورية والتشريعية واللائحية التي تحكم جوانب مهمة من علاقات الإدارية العامة مثل قانون الخدمة المدنية ولائحة العقود الإدارية ، فأن التشريع لا زال قاصراً عن مجالات أخرى كثيرة من قبل قواعد القرار الإداري وقواعد المسؤولية الإدارية وشروط الطعن بالإلغاء , وما إلى ذلك من مجالات لازال القضاء يمثل المصدر الرسمي الرئيس لأحكامه .
    وقد كشف مجلس الدولة الفرنسي عن النظريات والمبادئ الأساسية التي يقوم عليها القانون الإداري وأستلم عنه القضاء الإداري في مصر العديد من أحكامه ، حتى أصبح دور المشرع في كثير من الأحيان مقتصراً على تسجيل ما توصل إليه القضاء الإداري من أحكام . ( )
    ودور القضاء الإداري في هذا المجال كان متميزاً عن دور القضاء العادي ، الذي ينحصر بتطبيق القانون على المنازعة دون أن يتعداه لخلق الحلول المناسبة التي تتفق مع طبيعة منازعات القانون الإداري ، الأمر الذي أضفى على قواعد القانون الإداري الطابع العملي الذي يتماشى مع ظروف واحتياجات المرافق العامة ومقتضيات سيرها الحسن وتطورها المستمر .
    ومع ذلك يتقيد القضاء في أداء مهامه وابتداعه لمبادئ وقواعد القانون الإداري يعدم مخالفة النصوص التشريعية القائمة على أساس أن القضاء أنما يعبر عن إرادة مفترضة للمشرع , أما إذا أفصح عن إرادته تلك بنصوص تشريعية فأنه يلتزم بتطبيق تلك النصوص في أحكامه . ( )

    ثالثاً : قانون غير مقنن .
    يقصد بالتقنين أن يصدر المشرع مجموعة تشريعية تضم المبادئ والقواعد العامة والتفصيلية المتعلقة بفرع من فروع القانون كما هو الحال في مدونة القانون المدني أو مدونة قانون العقوبات .
    ولا يخفى ما لتدوين القواعد العامة والتفصيلة لقانون ما من أهمية من حيث إضفائه الثبات والاستقرار على نصوص التشريع وسهولة الرجوع إلى أحكامه .
    وقد نشأ القانون الإداري في فتره انتشرت فيها حركة التقنين في أعقاب الثورة الفرنسية وتم تدوين قواعد القانون المدني في مدونة نابليون . ( )
    إلا أن القانون الإداري لم تشمله هذه الحركة رغم رسوخ مبادئه واكتمال نظرياته ويرجع عدم تقنينه إلى سرعة تطوره وتفرع وسعة مجالاته مما يجعل من الصعوبة جمع أحكامه في مدونه واحدة خاصة وان أحكامه في الغالب ذات طبيعة قضائية ، ولا يخفى ما في أحكام القضاء الإداري من مرونة تتأثر بالواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي السائد في المجتمع .
    وإذا كان عدم التقنين يعني عدم جمع إحكام القانون الإداري في مجموعة أو مدونة واحدة فإن ذلك لا ينفي وجود تقنينات جزئية لبعض موضوعات القانون الإداري ، من ذلك وجود تشريعات خاصة بالموظفين وتشريعات خاصة بنزع الملكية للمنفعة العامة وقوانين خاصة بالتنظيم الإداري أو القضاء الإداري إلى غير ذلك من مواضيع يتعذر جمعها في تقنين شامل .

    المبحث الثاني
    مصادر القانون الإداري
    تشتمل مصادر القانون الإداري على مصادر القانون بصورة عامة ، وهي عادة أربعة مصادر " التشريع – العرف – القضاء – الفقه " .
    وإذا كان التشريع والعرف يعدان المصدران الرسميان للقوانين الأخرى ، بينما يمثل القضاء والفقه المصدران التفسيريان للقواعد القانونية ، فإن القانون الإداري يمنح القضاء دوراً هاماً , بل يعده أهم مصادر القانون الإداري على الإطلاق ، ويكون مع التشريع والعرف مصدراً رسمياً للقانون الإداري , بينما يبقى الفقه مصدراً تفسيراً له .
    وفيما يلي نعرض لهذه المصادر وبشيء من التفصيل .
    أولاً : التشريع .
    يقصد بالتشريع كمصدر للقانون الإداري مجموعة القواعد القانونية المكتوبة الصادرة من السلطة المختصة في الدولة ، وقد تكون هذه السلطة سلطة تأسيسة فيكون التشريع دستورياً، أما إذا كانت السلطة تشريعية فيكون التشريع عادياً ويطلق عليه اصطلاح القانون ، وأخيراً إذا كانت هذه السلطة تنفيذية فإننا نكون أمام ما يمكن تسميته بالتشريعات الفرعية أو اللوائح ، ويتميز التشريع عن غير من المصادر الأخرى بوضوحه وتحديده وسهولة تعديله .
    1. التشريع الدستوري :-
    تعد التشريعات الدستورية المصدر الأساسي والرسمي للقانون الإداري ، وتقع التشريعات الدستورية الدستورية في قمة الهرم القانوني ، وتسمو على القواعد القانوينة الأخرى جميعاً ، فهي تحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها وعلاقتها بالمواطنين ، وتتضمن التشريعات الدستورية بعض الموضوعات المتعلقة بالقانون الإداري ، كتنظيم الجهاز الإداري في الدولة ونشاطه وحقوق الأفراد وحرياتهم .
    ويتوجب على الإدارة بوصفها جهاز السلطة التنفيذية أن تلتزم بالمبادئ التي جاء بها الدستور ولا يحق لها مخالفتها وإلا عدت أعمالها مخالفة لمبدأ المشروعية مما يعرضها للإلغاء والتعويض عما تسببه من أضرار .
    والقواعد الدستورية يقصد بها مجموعة القواعد المكتوبة في وثيقة أو عدة وثائق دستورية فحسب فمن الممكن أن تكون تلك القواعد غير مكتوبة في ظل دستور عرفي يتمتع بسمو القواعد الدستورية المكتوبة ذاتها .
    كذلك تتمتع إعلانات الحقوق ما تضمنته هذه الإعلانات في حقوق وحريات الأفراد بقوة النصوص الدستورية فلا يجوز مخالفتها .

    2. التشريع العادي .
    يأتي التشريع العادي أو القانون بالمرتبة الثانية بعد الدستور ، من حيث التدرج التشريعي باعتباره صادراً من الهيئة التشريعية المعبرة عن الإرادة العامة وهي صاحبة الاختصاص في ذلك .
    والإدارة بوصفها السلطة التنفيذية تخضع لأحكام القوانين فإذا خالفت حكم القانون أو صدر عمل إداري استناداً إلى قانون غير دستوري وجب إلغاء ذلك العمل . ( )
    3. التشريع الفرعي أو اللوائح .
    يطلق على القواعد القانوينة التي تصدرها السلطة التنفيذية التشريع الفرعي ، وتسمى في مصر اللوائح الإدارية ، وهي قواعد عامة مجردة واجبة الاحترام تلي التشريع العادي في مرتبتها في سلم التدرج القانوني , وتخضع لرقابة القضاء الإداري على أعمال الإدارة باعتبارها قرارات إدارية يجب أن تكون متفقة مع القانون .

    أ / اللوائح التنفيذية :
    تصدر الوزارات بصفتها الهيئة لتنفيذية في الدوله اللوائح التنفيذية المتعلقة بتنفيذ القوانين الصادرة عن السلطه التشريعيه لتوضيح ما يكتنفها من غموض وتسهيل تطبيقها .
    ب/ اللوائح التنظيمية .
    تمارس الاداره أيضاً اختصاص إصدار اللوائح التنظيمية التي تتعدى تنفيذ القوانين إلى تنظيم بعض الأمور التي يتطرق إليها القانون فتقترب وظيفتها من التشريع , ومن ذلك قيامها بما يتعلق بتنظيم الجهات الإدارية ونظام العمل بها وشؤونها الإدارية والمالية , وهو من صميم عملا الوزاره بصفتها المختصة بتنظيم الجهاز الإداري في الدولة .
    ج/ اللوائح الضبطية أو البوليسية .
    تختص الهيئة التنفيذية بإصدار لوائح الضبط الإداري المتعلقة بالمحافظة على الأمن العام والصحة العامة والسكنية العامة من ذلك اللوائح الخاصة بمكافحة الضوضاء أو غلق المحال المضرة بالصحة العامة .
    د/ اللوائح التفويضية .
    تصدر الهيئة التنفيذية هذا النوع من اللوائح بتفويض من الهيئة التشريعية التي يمثلها البرلمان في العراق في موضوعات تدخل أصلاً ضمن اختصاصه ، ومن ذلك اختصاصها بإصدار اللوائح الخاصة بإنشاء وتنظيم المؤسسات والهيئات والمصالح والشركات العامة لممارسة الاختصاصات ذات الطبيعة الاستراتيجية وتحديد أهدافها واختصاصاتها .
    ﻫ/ لوائح الضرورة .
    تصادف الهيئة التنفيذية في بعض الأوقات ظروفاً استثنائية تجبرها على إصدار لوائح إدارية تضمن حماية النظام العام وحسن سير المرافق العامة لتعذر صدروها من الهيئة التشريعية المختصة فعلاً بإصدارها ، لغيبتها أو لحصولها في غير فترة انعقادها على أن تعرض على الهيئة التشريعية خلال مدة معينة لكي تقرها .
    ثانياً : العرف :-
    العرف الإداري هو مجموعة القواعد التي درجت الإدارة على إتباعها في أداء وظيفتها في مجال معين من نشاطها وتستمر فتصبح ملزمة لها ، وتعد مخالفتها مخالفة للمشروعية وتؤدي إلى أبطال تصرفاتها بالطرق المقررة قانوناً .
    ويأتي العرف الإداري في مرتبة أدني من مرتبة القواعد القانونية المكتوبة مما يستلزم إلا يخالف نصاً من نصوص القانون فهو مصدر تكميلي للقانون يفسر ويكمل ما نقص منه ولكي يصبح سلوك الإدارة عرفاً إدارياً و مصدراً من مصادر القانون الإداري ، يجب أن يتوافر فيه ركنان : ركن مادي و ركن معنوي .

    1. الركن المادي :
    ويتمثل الركن المادي باعتياد جهة الإدارة على إتباع سلوك معين في نشاط معين وقد يكون هذا الاعتياد ايجابياً يظهر في صورة القيام بعمل ، كما يمكن أن يكون سلبياً في صورة الامتناع عن القيام بعمل ما ،على أن يكون هذا العمل أو الامتناع بشكل ثابت ومستقر ويتكرر في الحالات المماثلة بشرط أن يمضى الزمن الكافي لاستقراره ، وتقدير ما إذا كانت هذه المدة كافيه لوجود العرف من عدمه أمر مرجعه إلى القضاء .

    2. الركن المعنوي :
    أما الركن المعنوي فهو اعتقاد الإدارة والأفراد بإلزامية القاعدة المتبعة وضرورة احترامها وعدم مخالفتها واعتبار ذلك مخالفة قانونية تتطلب الجزاء ، وبهذا المعنى تكون القرارات الإدارية التي تصدر مخالفة للعرف الإداري غير مشروعة وعرضه للإلغاء إذا طعن في مشروعيتها أمام القضاء .
    إلى جانب ذلك يجب أن يكون العرف الإداري عاماً تطبقه الإدارة بشكل منتظم ومستمر بلا انقطاع في جميع الحالات المماثلة وان يكون مشروعاً وغير مخالف لنص قانوني أو لائحي .
    ومن الجدير بالذكر أن التزام الإدارة باحترام العرف لا يحرمها من أمكان تعديله أو تغييره نهائياً إذا اقتضت ذلك المصلحة العامة فالإدارة تملك تنظيم القاعدة التي يحكمها العرف بيد أن قيام العرف الجديد يتطلب توفر الركنين السابقين فلا يتكون بمجرد مخالفة الإدارة للعرف المطبق . ( )
    أما إذا خالفت الإدارة العرف في حالة فردية خاصة دون أن تستهدف تعديله أو تغييره بدافع المصلحة العامة فإن قرارها أو إجراءها المخالف للعرف يكون باطلاً لمخالفته مبدأ المشروعية . ( )
    ومع ذلك فأن دور العرف كمصدر رسمي للقانون الإداري أقل أهمية من المصادر الرسمية أخرى لصعوبة الاستدلال على القاعدة العرفية من جهة , ولأن الإدارة في الغالب تلجأ إلى اللوائح كوسيلة لتنظيم نشاطها الإداري من جهة أخرى .
    ثالثاً : القضاء .
    الأصل في وظيفة القاضي تطبيق القوانين والفصل في المنازعات المعروضة أمامه ، وهو ملزم قانوناً بالفصل في المنازعة الداخلة في اختصاصه وإلا اعتبر منكراً للعدالة ، لذلك رسم المشرع للقاضي الأسلوب الذي يسلكه لفض المنازعة إذا لم يجد في القواعد القانونية حلاً للمنازعة .
    وعلى ذلك لا يعد القضاء مصدراً رسمياً للقانون لدوره المتعلق بتطبيق النصوص التشريعية وتفسيرها وإزالة غموضها وإزالة التعارض المحتمل بينها ، ولا يتعدى القاضي هذا الأمر ليصل إلى حد خلق قواعد قانونية خارج نصوص التشريع . ( )
    إلا أن الطبيعة الخاصة لقواعد القانون الإداري من حيث عدم تقنينه وظروف نشأته وتعدد مجالات نشاطه ، أدى إلى أن يتجاوز القضاء الإداري دور القضاء العادي ليتماشى مع متطلبات الحياة الإدارية فيعمد إلى خلق مبادئ وأحكام القانون الإداري ،
    فيصبح القضاء مصدر رسمي للقانون الإداري بل من أهم مصادرها الرسمية ، ويتعدى دوره التشريع في كثير من الأحيان .
    وتتميز أحكام القضاء الإداري بعدم خضوعها للقانون المدني ، فالقاضي الإداري إذا لم يجد في المبادئ القانونية القائمة نصاً ينطبق على النزاع المعروض عليه يتولى بنفسه إنشاء القواعد اللازمة لذلك دون أن يكون مقيداً بقواعد القانون المدني .
    ومن جانب آخر أن أحكام القضاء العادي ذات حجية نسبية تقتصر على أطراف النزاع وموضوعه ولهذا تحدد قيمتها بوصفها مصدراً تفسيراً على النقيض من أحكام القضاء الإداري التي تتميز بكونها حجة على الكافة .
    وفي ذلك يتبين أن للقضاء دوراً إنشائياً كبيراً في مجال القانون الإداري ومن ثم فهو يشكل مصدراً رئيسياً من مصادر المشروعية .
    رابعاً : المبادئ العامة للقانون .
    تعد المبادئ العامة للقانون مصدراً مهماً من مصادر القانون الإداري ويقصد بالمبادئ العامة للقانون تلك المبادئ التي لا تستند إلى نص مكتوب ، وإنما يكون مصدرها القضاء وهي تختلف عن المبادئ القانونية التي يكون مصدرها التشريع . ( )
    وقد لجأ القضاء الإداري إلى المبادئ العامة للقانون للفصل في العديد من المنازعات الإدارية لعدم تقنين قواعد القانون الإداري .
    وتستمد أغلب هذه المبادئ من الطبيعة المتميزة للحياة الإدارية , كمبدأ دوام استمرار سير المرافق العامة بانتظام واطراد ، والمساواة بين المنتفعين بخدمات المرافق العامة ، ونظرية الظروف الاستثنائية , أو تستمد في فكرة العدل والمنطق والتي بمقتضاها مارس القضاء الإداري رقابته على الوجود المادي للوقائع وصحة التكييف القانوني لها وضرورة التناسب بين جسامة الذنب الإداري والعقوبة المقررة لها . ( )
    والقضاء الإداري بهذا المعنى لا يخلق المبادئ العامة للقانون إنما يقتصر دوره على كشفها والتحقيق من وجودها في الضمير القانوني للأمة ، ولذلك فمن الواجب على الإدارة والقضاء احترامها والتقيد بها باعتبارها قواعد ملزمة شأنها في ذلك شأن القواعد المكتوبة .

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 6322
    نقاط : 17825
    تاريخ التسجيل : 28/06/2013
    العمر : 33

     محاضرات في مقياس القانون الإداري  Empty رد: محاضرات في مقياس القانون الإداري

    مُساهمة من طرف Admin الإثنين أغسطس 12, 2013 10:18 pm



    الفصل الرابع
    أساس القانون الإداري

    سعى الفقه والقضاء نحو إيجاد أساس أو فكرة عامة تصلح أن تكون دعامة تقوم عليها مبادئ ونظريات القانون الإداري وتحديد المعيار المميز لموضوعاته عن موضوعات القوانين الأخرى .
    وإذا كان القانون الإداري في معناه التقليدي قد نشأ في ظل النظام القضائي المزدوج فإن البحث عن أساس القانون الإداري يساهم بالإضافة إلى بيان الأساس النظري والفني لأحكام ومبادئ القانون الإداري , إلى وضع الأسس الكفيلة بتعيين الاختصاص بين القضاء الإداري والقضاء المدني خاصة وقد فشل المشرع في تحديد معاني أو موضوع المنازعة الإدارية وإعداد قائمة باختصاص القضاء الإداري , لعدم تمكنه من التنبؤ مسبقاً بمختلف المنازعات ذات الطبيعة الإدارية ، كما أن القضاء الإداري لم يعد جهة قضاء استثنائي كما نشاء ابتداءً إنما أصبح نظام قضائي موزاي لنظام القضاء المدني وله أهميته وأصالته .
    وعلى ذلك كان لابد من وضع معيار ثابت ومستقر لتحديد أساس القانون الإداري ، وظهر في هذا المجال عدة نظريات أو معايير رغم تعددها لم تعش طويلاً إنما راح بعضها يغلب على بعض تباعاً واندماج بعضها بالبعض الآخر لسد ما انكشف فيها من نقص أو قصور .
    وسنعرض فيما يلي لأهم هذه المعايير …
    المبحث الأول
    معيار أعمال السلطة وأعمال الإدارة

    يقوم هذا المعيار على أساس تقسيم أعمال الإدارة إلى صنفين أعمال سلطة Acte d’autorite وهي الأعمال التي تظهر فيها الإدارة بمظهر السلطة العامة وتتمتع بحق الأمر والنهي وهذا النوع من الأعمال تحكمه قواعد القانون الإداري ويخضع لاختصاص القضاء الإداري .
    وأعمال الإدارة العادية Actte de gestion وهي الأعمال التي تباشرها الإدارة بذات الأساليب التي يلجأ إليها الأفراد وفي نفس ظروفهم , وتحكمها قواعد القانون الخاص ويختص بها القضاء العادي لأنها لا تتصف بطابع السلطة .
    وقد سادت هذه النظرية حتى نهاية القرن التاسع عشر وكان من أنصارها الفقيه لافيرير Laferrlere وبارتلمي Berthelemy ( ) ، واعتمد القضاء الفرنسي عليها فترة من الزمن أساساً وحيداً للقانون الإداري .
    إلا أن القضاء الإداري لم يلبث أن هجر هذا المعيار بفعل الانتقادات الموجه إليه ، وكان النقد الأساسي يتمثل في أنه ضيق إلى حد كبير من نطاق القانون الإداري ومن اختصاصات القضاء الإداري ، فطبقاً لهذه النظرية تقتصر أعمال السلطة على القرارات الإدارية والأوامر التي تصدرها سلطات الضبط الإداري لحفظ النظام العام ، وتستبعد من نطاق تطبيقها جميع الأعمال الأخرى من قبيل العقود الإدارية وأعمال الإدارة المادية .
    كما أن هذا المعيار وبالرغم من بساطته ووضوحه صعب التطبيق في الواقع أو ليس من السهل التمييز بين أعمال السلطة وتصرفات الإدارة العادية نظراً لطبيعته وتداخل النشاط الإداري .
    المبحث الثاني
    معيار المرفق العام
    ظهر هذا المعيار وتبلور ابتداءً من الربع الأخير من القرن التاسع عشر ، وأصبح الفكرة الأساسية التي اعتمدت عليها أحكام مجلس الدولة الفرنسي ومحكمة التنازع كأساس للقانون الإداري ومعيار لاختصاص القضاء الإداري ، وكان حكم روتشليد Rotchild الصادر عام 1855 وديكستر Dekester الصادر عام 1861 من الأحكام الأولى في تقرير هذه الفكرة.
    إلا أن حكم بلانكو Blanco الصادر عام 1873 يمثل في نظر الفقه والقضاء حجر الزاوية في نظرية المرفق العام Theorie de Service Public وتتخلص وقائع هذا الحكم في انه صدمت عربة صغيرة تتبع مصنع تبغ بوردو طفلة فأوقعتها وجرحتها , فرفع والد الطفلة النزاع إلى القضاء العادي طالباً التعويض من الدولة باعتبارها مسؤولة مدنياً عن الخطاء الذي ارتكبه عمال المصنع التابع لها , إلا أن محكمة التنازع قررت أن الجهة المختصة بالنظر في النزاع هي القضاء الإداري وليس القضاء العادي , وقضى بأنه " لا تختص المحاكم العادية أطلاقاً بنظر الدعاوى المقامة ضد الإدارة بسبب المرافق العامة أياً كان موضوعها , حتى لو كانت تستهدف قيام القضاء العادي بمجرد الحكم عليها بمبالغ مالية تعويضاً عن الأضرار الناشئة عن عملياتها دون إلغاء أو تعديل أو تفسير قرارات الإدارة " .
    ومن جانب آخر قرر هذا الحكم قواعد جديدة تحكم المسؤولية عن الأضرار التي تسببها المرافق العامة فورد " ومن حيث أن مسؤولية الدولة عن الأضرار التي تسببها للأفراد بفعل الأشخاص الذين تستخدمهم في المرفق العام لا يمكن أن تحكمها المبادئ التي يقررها التقنين المدني لتنظيم الروابط بين الفراد بعضهم وبعض ، وأن هذه المسؤولية ليست عامة ولا مطلقة ، بل لها قواعدها الخاصة التي تتغير تبعاً لحاجات المرفق , ولضرورة التوفيق بين حقوق الدولة والحقوق الخاصة " . ( )
    وتطبيقاً لهذه النظرية فإن أساس القانون الإداري واختصاص القضاء الإداري ، إنما يتعلق بكل نشاط تديره الدولة أو تهيمن على إدارته ويستهدف تحقيق المصلحة العامة .
    والمرفق العام بهذا المعنى هو النشاط الذي تتولاه الدولة أو الأشخاص العامة الأخرى مباشرة أو تعهد به إلى جهة أخرى تحت إشرافها ومراقبتها وتوجيهها وذلك لإشباع حاجات ذات نفع عام تحقيقاً للصالح العام . ( )
    وقد عزز هذا الاتجاه أن وضع العميد (ديجي) Duguit لأسس نظريته عن المرافق العامة التي كان لها شأن كبير بين نظريات القانون الإداري حتى باتت تقوم على اعتبار المرفق العام ومقتضيات سيره المبرر الوحيد لوجود نظام قانوني خارج عن المألوف في قواعد القانون الخاص .
    وقد تجاوزت هذه النظرية الانتقادات التي وجهت لمعيار التفرقة بين أعمال السلطة وأعمال الإدارة العادية ، فشملت جميع نشاطات الإدارة المتصلة مباشرة بالمرافق العامة التي يحكمها القانون الإداري .
    ويختص القضاء الإداري في نظر المنازعات الناشئة عنها من قبيل القارات والعقود الإدارية والأعمال المادية سواء أصدرت عن الدولة أو الأشخاص العامة الأخرى التابعة لها , ما دامت تستهدف من هذه الأعمال إشباع حاجات ذات نفع عام تحقيقاً للصالح العام .
    مع ضرورة الإشارة إلى استثنائين محدودين في هذا المجال يتعلق الأول بإدارة الدولة أو الأشخاص التابعة لها لأموالها الخاصة فلا تكون في نكون في هذه الحالة أمام مرفق عام , أما الاستثناء الأخر فيتعلق بعدول الإدارة عن استعمال وسائل القانون العام واستعمالها قواعد القانون الخاص في إدارة نشاط من نشاطاتها وفي هاتين الحالتين تطبق قواعد القانون الخاص, ويختص القضاء العادي بنظر المنازعات الناشئة عنها .
    وقد أيد جانب كبير من فقهاء القانون الإداري هذه النظرية كأساس للقانون الإداري الذي أصبح يسمى " قانون المرافق العامة " وأطلق على أنصارها " مدرسة المرافق العامة " .
    ومن أبرز فقهاء هذه المدرسة تيسيه Teissier , ديجي Duguit , وبونار Bonnard وجيز Jeze .

    أزمة نظرية المرفق العام
    رغم النجاح الكبير الذي حققته هذه النظرية كأساس للقانون الإداري ومبادئه وأحكامه ومعياراً لتحديد اختصاصات القضاء الإداري , واحتلالها مركز الصدارة بين النظريات الأخرى خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر وبدايات العشرين , لم تلبث أن تراجعت بفعل تطور الحياة الإدارية , والتغييرات التي طرأت في القواعد التي قامت عليها فكرة المرافق العامة , بتأثير من سياسة الاقتصاد الموجه والمبادئ الاشتراكية وزيادة تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي والاجتماعي وما رافق ذلك من ظهور المرافق الاقتصادية والاجتماعية والصناعية والمرافق المهنية المختلفة . ( )
    ومن الأسباب الأخرى لتراجع نظرية المرفق العام كما اصطلح على تسميتها ظهور مرافق عامة ذات نفع عام يديرها الأفراد أو الأشخاص المعنوية الخاصة .
    وأدت هذه التطورات مجتمعة إلى صعوبة تحديد مضمون المرفق العام , مما دعى الفقه والقضاء إلى البحث عن معيار آخر للقانون الإداري , إلا أنه مع ما أصاب هذه النظرية من نقد بقيت أحكام مجلس الدولة الفرنسي تؤكد دور المرفق العام كأساس للقانون الإداري إلا أن هذا الدور لم يعد كافياً أو حجر زاوية كما كان في تحديد نطاق تطبيق القانون الإداري واختصاص القضاء الإداري .
    المبحث الثالث
    معيار السلطة العامة وأمتياراتها

    إزاء الانتقادات الموجة إلى معيار المرفق العام , طرح جانب من الفقه معياراً آخر بديل عنه هو معيار السلطة العامة , ومقتضاه أن فكرة السلطة , هي الأقدر في تحديد نطاق تطبيق القانون الإداري ونطاق اختصاص القضاء الإداري ، ذلك أن العنصر المهم في نظام القانون الإداري المميز له عن القانون الخاص لا يتعلق بالأهداف أو الغايات التي تسعى الإدارة إلى تحقيقها المتمثلة بالمنفعة العامة كما ذهبت نظرية أو معيار المرفق العام، وإنما يقوم على أساس الوسائل التي تستعملها الإدارة في سبيل تحقيق تلك الأهداف، فإذا كانت هذه الوسائل تتميز بسلطات وامتيازات استثنائية لا نظير لها في علاقات الأفراد، كنا أمام نشاط يحكمه القانون الإداري ويختص بالمنازعات الناشئة عنه القضاء الإداري .( )
    وقد أسس هذا المعيار العميد موريس هوريو Hauriou الذي أنشاء مدرسة مناهضة لمدرسة المرفق العام أطلق عليها " مدرسة السلطة العامة " ، ومبادئ هذه النظرية متميزة عن نظرية السلطة العامة التقليدية والتي تفرق بين أعمال السلطة وأعمال الإدارة العادية .
    فنظرية السلطة العامة كما ذهب هوريو لا تتعلق بالأوامر والنواهي إنما تشمل كل نشاط إداري تمارسه الإدارة مع استعمالها لوسائل القانون العام غير المألوفة في القانون الخاص .
    ومن الجدير بالذكر أن " هوريو " لم ينكر فكرة المرفق العام ، إنما جعلها ثانوية بالمقارنة مع دور السلطة العامة كأساس للقانون الإداري ومعيار لتحديد اختصاص القضاء الإداري , فهو غلب عنصر الوسائل التي تستخدمها الإدارة على عنصر الغاية أو الهدف.( )
    المبحث الرابع
    معيار المنفعة العامة
    نادى بهذه الفكرة الأستاذ مارسيل فالين Waline الذي كان من أشد المدافعين عن معيار المرفق العام ثم تخلى عنه تحت تأثير الأزمة التي مر بها هذا المعيار ، واقترح محله فكرة المنفعة العامة .
    وتقوم هذه الفكرة على أن أساس القانون الإداري ومعيار اختصاص القضاء الإداري إنما يقوم على تحقيق المنفعة العامة والمصلحة العامة ، فالنشاط الإداري يستهدف تحقيق النفع العام وهو ما يميزه عن النشاط الخاص . ( )
    وقد اعتمد فالين في تأسيس نظريته على حكم مجلس الدولة في قضية بلدية مونسيجور Commune de Monsegur الصادر في 10/6/1921 وتتلخص وقائع القضية أنه وقع حادث لصغير حرج في كنيسة مونسيجور بسقوط حوض " ماء مقدس " تسبب فيه بتعلقه واثنين من زملائه به ، مما أصابه بعاهة مستديمة تمثلت بقطع ساقه ، وقد حصل والد الطفل على حكم من مجلس الإقليم بإلزام البلدية المسئولة عن صيانة الكنيسة بالتعويض ، وقد استئنفت البلدية هذا الحكم من ناحية أنه منذ عام 1905 لم تعد البلدية مسؤولة عن دور العبادة لانفصال الدين عن الدولة بقانون 9/9/1905 ولم تعد الكنائس منذ هذا التاريخ مرافق عامة ، وبالتالي لا تدخل دعوى التعويض في اختصاص القضاء الإداري .
    غير أن مجلس الدولة لم يأخذ بهذا الدفع وأسس قضائه على أنه وأن لم تعد مرافق العبادة مرفقاً عاماً منذ انفصال الدين عن الدولة ، فإن ترك الكنائس تحت تصرف المؤمنين والمكلفين بإقامة شعائر العبادة لممارسة ديانتهم إنما يكون تنفيذاً لغرض ذي نفع عام . ( )
    وفكرة المنفعة العامة هذه أكثر اتساعاً من فكرة المرفق العام إلا أنها لم تسلم من النقد الشديد من حيث أن جل عمل الدولة إنما يتعلق بتحقيق المنفعة العامة أو المصلحة العامة .
    كما أن تحقيق النفع العام ليس حكراً على الدولة وأجهزتها الإدارية ، وإنما قد يساهم الأفراد في تحقيقها وذلك من خلال المؤسسات والمشروعات الخاصة ذات النفع العام وهي مشاريع تخضع لأحكام القانون الخاص ويختص القضاء العادي بالمنازعات الناشئة عنها .
    لذلك لم تعش هذه الفكرة طويلاً ولم تصلح أساساً للقانون الإداري ومعياراً لتحديد اختصاص القضاء الإداري لسعتها وعدم تحديدها وسرعان ما تخلى عنها فالين نفسه واتجه نحو معيار آخر .
    المبحث الخامس
    معيار السلطة العامة الحديث
    حاول جانب من الفقه إحياء فكرة السلطة العامة وتجديدها لتصلح أساساً وحيداً للقانون الإداري ومعياراً لتحديد اختصاص القضاء الإداري ، ومن هؤلاء الأستاذ جورج فيدل George Vedel الذي ذهب إلى أن فكرة السلطة العامة لا تعني فقط استخدام الإدارة لامتيازات وسلطات القانون العام باعتبارها سلطة آمره ، وإنما تشمل أيضاً القيود التي تحد من حرية الإدارة وتفرض عليها التزامات أشد من الالتزامات المفروضة على الأفراد في ظل القانون الخاص .( )
    ومن هذه القيود عدم أمكان تعاقد الإدارة إلا بإتباع إجراءات وشروط معينة لا نظير لها في القانون الخاص ، كأتباعها أسلوب المناقصات أو المزايدات عند اختيار المتعاقد معها .
    ومن ثم لا يكفي اتصال نشاط الإدارة بمرفق عام حتى تكون بصدد تطبيق القانون الإداري إنما يجب أن تكون لإدارة قد استخدمت في نشاطها امتيازات وسلطات استثنائية لا مثيل لها في القانون الخاص أو التزمت بقيود وحدود غير مألوفة في هذا القانون ، وفي الحالتين يختص القضاء الإداري بالمنازعات الناشئة عن مباشرة هذا النشاط .
    وعلى عكس ذلك يختص القضاء العادي ويطبق القانون الخاص على كل نشاط تؤديه الإدارة مستخدمة أساليب مشابهة لتلك التي يستخدمها الأفراد أو لا تتضمن امتيازات أو شروط استثنائية .
    وقد صادف هذا المعيار نجاحاً وقبولاً في الفقه والقضاء الإداريين وانحاز إليه فالين بعد أن تخلى عن معيار المرفق العام وبعده معيار النفع العام .

    المبحث السادس
    معيار الجمع بين المرفق العام والسلطة العامة

    إزاء الانتقادات الموجهة لكل معيار من المعايير السابقة وعجزها في أن تكون أساساً وحيداً للقانون الإداري ومعياراً لتحديد اختصاص القضاء الإداري ، لم يعد الفقه والقضاء يتمسكان بفكره واحدة , واتجها نحو الجمع بين فكرتي السلطة العامة والمرفق العام .
    وفي هذا المجال حاول الأستاذ De Laubadere تجديد معيار المرفق العام بعد ما أصابه من تفكك نتيجة الأزمات التي تعرض لها وذلك عن طريق الجمع بين فكرتي المرفق العام والسلطة العامة ، لكنه جعل الأولوية للمرفق العام ، ثم يأتي استخدام أساليب القانون العام في المرتبة الثانية لسد الفراغ في المجالات التي عجز معيار المرفق العام عن القيام بدوره فيها . ( )
    بينما ذهب الأستاذ شابي Chapus إلى تغليب فكرة السلطة العامة على فكرة المرفق العام فقال أنه يجب أن لا نعتقد أن معيار الشروط المخالفة " السلطة العامة " دائماً معياراً مساعداً ، فالمعيار المأخوذ من الموضوع هو دائماً معيار مبدأ ، ففي كثير من الأحيان يفضل القاضي استخدام معيار الشرط غير المألوف وهذا يكون أسهل أو مناسباً أكثر . ( )
    وعلى هذا الأساس فإن المرفق العام وأن كان عنصراً مهماً في تحديد أساس القانون الإداري إلا أنه لا يكفي لأداء هذا الدور بعد أن أتضح سعة مفهومة وعدم اقتصاره على المرافق الإدارية فظهرت فكرة المعيار المزدوج التي أيدها جانب كبير من الفقه وأخذ بها القضاء الإداري في فرنسا في أغلب أحكامه . ( )
    وعلى ذلك فإن أساس القانون الإداري لا يرجع لمعيار واحد من المعايير السابقة , إنما يجب الجمع بين المعياريين المهمين المرفق العام والسلطة العامة ، ومن ثم ليكون العمل إدارياً وخاضعاً للقانون الإداري واختصاص القضاء الإداري ، يجب أولاً أن يكون عملاً إدارياً أو نشاطاً متعلقاً بمرفق عام " نظرية المرفق العام " .
    وثانياً : أن تكون الإدارة في هذا النشاط قد استخدمت امتيازات أو وسائل وسلطات استثنائية وغير مألوفة في القانون الخاص " نظرية السلطة العامة " ـ مع ضرورة التنبيه أن السلطة العامة لا تبرز من خلال الامتيازات الممنوحة للإدارة حسب وإنما تشمل القيود الاستثنائية المفروضة عليها في أحيان أخرى .



    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 6322
    نقاط : 17825
    تاريخ التسجيل : 28/06/2013
    العمر : 33

     محاضرات في مقياس القانون الإداري  Empty رد: محاضرات في مقياس القانون الإداري

    مُساهمة من طرف Admin الإثنين أغسطس 12, 2013 10:19 pm



    الباب الأول
    التنظيم الإداري

    نبحث في هذا المجال من الدراسة موضوع التنظيم الإداري الذي نبين فيه الوسائل التي تؤدي من خلالها الإدارة وظيفتها التنفيذية وتستدعي الدراسة البحث في الأشخاص المعنوية العامة باعتبارها الأداة التي تجمع السلطات الإدارية في إطارها ، ومن ثم البحث في الأساليب الرئيسية المتبعة في هذا التنظيم وفقاً لما يسمى بأسلوب المركزية الإدارية وأسلوب اللامركزية الإدارية .

    الفصل الأول
    الأشخاص المعنوية العامة

    يتمتع الإنسان منذ ولادته بالشخصية القانونية التي تمكنه من اكتساب الحقوق وتحمله بالالتزامات لأداء دوره في المجتمع وأداء رسالته ، والأصل أن الشخصية القانونية نسبت للإنسان فقط إلا أن عجز الإنسان عن النهوض بكافة متطلبات المجتمع لانتهاء شخصيته بالوفاة وحاجة المجتمع إلى دوام استمرار مرافقه ، كان لابد من منح الأهلية القانونية لأشخاص أخرى ، فظهرت نظرية الشخصية المعنوية ومقتضاها منح القانون الشخصية القانونية إلى جانب الإنسان الذي بات يطلق عليه الشخص الطبيعي إلى نوعين من التجمعات : مجموعة من الأفراد أو مجموعة من الأموال تهدف لتحقيق هدف معين ويكون كيان ذاتي مستقل عن الأفراد المكونين لها يسمح بتحقيق هدفها ، وأطلق عليها اصطلاح الشخصية المعنوية الاعتبارية .
    وعلى ذلك يمكن تعريف الشخص المعنوي بأنه مجموعة من الأموال أو الأشخاص تستهدف تحقيق هدف معين اعترف لها القانون بالشخصية القانونية .

    المبحث الأول
    أنواع الأشخاص المعنوية

    يوجود نوعين رئيسيين من الأشخاص المعنوية هي : الأشخاص المعنية العامة ، والأشخاص المعنوية الخاصة ، مع ما تتمتع به الأشخاص المعنوية الخاصة من أهمية في نطاق القانون الخاص فتظهر بشكل الشركات والمؤسسات والجمعيات التي تنشأ بمبادرات الأفراد لتحقيق الربح أحياناً وتحقيق النفع العام أو المصلحة العامة في أحيان أخرى.
    و الشخصية المعنوية العامة تحتل أهمية أكبر بكثير في نطاق القانون العام الذي لا يعرف غير هذا النوع من الأشخاص المعنوية رغم أن نظرية الشخصية المعنوية نشأت في ظل القانون الخاص . وقد درج الفقه والقضاء على تقسيم الأشخاص المعنوية العامة إلى ثلاث أنواع :
    أولاً : الأشخاص المعنوية الإقليمية
    وهي الأشخاص المعنوية أو الاعتبارية التي يتعلق اختصاصها في نطاق جغرافي منعين من الدولة وهي تشمل الدولة والوحدات المحلية الأخرى.
    1- الدولة
    وهي أهم الأشخاص المعنوية على الإطلاق ولهذا فقد ورد النص عليها في القانون المدني على أن الدولة هي أول الأشخاص الاعتبارية .
    والدولة هي الشخص المعنوي العام الذي تتفرع عنه الأشخاص المعنوية الأخرى وهي التي تمنح الشخصية المعنوية الخاصة للأفراد والهيئات الخاصة وتمارس الرقابة عليها .
    والدولة باعتبارها شخص معنوي عام تشمل سلطات الدولة الثلاث : السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية ، باعتبارها شخص معنوي واحد . إلا أن هذه الوحدة في شخصية الدولة لم تكن أمراً مسلماً به فقد اختلف الفقه في شأنها .
    فقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن الاعتراف بالشخصية المعنوية العامة للدولة يقتصر على مجال معين من نشاط الدولة وهو الحقوق المادية والتصرفات التي تندرج في القانون الخاص ، أما بالنسبة لتصرفات الدولة التي تحمل طابع السلطة وامتيازاتها فما هي إلا اختصاصات يمارسها ممثلوا الدولة في الحدود التي رسمها القانون تحقيقاً للمصلحة العامة.
    ولعل الدافع وراء تبني هذا الرأي الخشية من تعسف الدولة وجورها على الحريات العامة إذا ما اعتبرت تصرفات الدولة حقاً من حقوقها , بينما ذهب رأي آخر إلى ثنائية شخصية الدولة ، فتكون شخصاً معنوياً خاصاً إذا ما تصرفت في مجال الحقوق المالية أو الحقوق الخاصة المشابهة لتصرفات الأفراد وينطبق عليها القانون الخاص وتعتبر شخصاً معنوياً عاماً إذا قامت بعمل بدخل في ضمن نطاق السلطة العامة وهنا تخضع تصرفاتها لأحكام القانون العام .( )
    إلا أن هذه الآراء لم تلبث أن انتهت ، وأصبح الرأي السائد فقهاً وقضاءً أن شخصية الدولة وحدة لا تتجزأ وهي تشمل جميع تصرفات الدولة وأعمال الخاصة منها والتي تتسم بطابع السلطة العامة . وهو رأي يتماشى مع المنطق القانوني السليم .
    2- الوحدات المحلية المحافظات .
    وترتبط فكرة الأشخاص المعنوية العامة المحلية بالديمقراطية التي تسمح لكل إقليم من أقاليم الدولة أن يدير شؤونه المحلية من خلال ممثليه من سكان الإقليم في المحافظات.
    ثانياً : الأشخاص الاعتبارية العامة المرفقية
    ويطلق عليها أيضاً ألا مركزية المصلحة أو المرفقية ، وتنشأ لتحقيق مصالح عامة للأفراد تحت رقابة الدولة أو أحد الأشخاص المعنوية التابعة لها . وتسمى هذه الأشخاص بالهيئات العامة أو المؤسسات أو الشركات العامة .
    وقد لجأ المشرع إلى إنشاء هذه الأشخاص لتباشر أدارة المرافق العامة التي تتطلب نوعاً من الاستقلال الفني عن الحكومة المركزية ضمان فاعلية وكفاءة الإدارة . وتختلف هذه الأشخاص عن الأشخاص الاعتبارية الإقليمية في أنها مقيدة بالهدف الذي أنشأت من أجله، في حين تكون الأخيرة مقيدة بالحدود الجغرافية للإقليم الذي تمثله .
    وحيث أن الأشخاص الاعتبارية المرفقية تهدف إلى تحقيق أغراض متنوعة منها ما هو إداري أو اجتماعي أو اقتصادي ، فإن هذا الاختلاف يقود إلى اختلاف أنظمتها القانونية حسب النشاط الذي تتولاه ، أما الأشخاص الإقليمية فالقاعدة العامة أنها تتمتع بذات التنظيم القانوني .
    كذلك تفترق الأشخاص الاعتبارية المرفقية عن الأشخاص الاعتبارية الإقليمية في أن الأخيرة تقوم على فكرة الديمقراطية التي تؤكد حق سكان الوحدات المحلية بإدارة شؤونهم المحلية بأنفسهم ، بينما تقوم فكرة الشخصية الاعتبارية المرفقية على ضرورة ضمان الكفاءة الإدارية وحسن إدارة المرافق العامة ذات الطابع الفني ولا علاقة للديمقراطية في ذلك . كما هو الحال في الجامعات والهيئة العامة للمياه والهيئة العامة للإذاعة .
    ثالثاً : الأشخاص المعنوية المهنية
    بسبب التطور المستمر في مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية في مختلف الدول وتأثير هذا التطور على القانون الإداري وأحكامه ظهرت فكرة جديدة لأشخاص معنوية أخرى تتمثل في المنظمات والاتحادات ذات الطابع المهني ، تتولى إدارة مرافق عامة ينشأها المشرع لتحقيق مصالح عامة ، ومن ذلك الاتحاد العام لطلبة الجماهيرية واتحاد الأدباء والكتاب والمؤتمر المهني للمعلمين . وتتمتع هذه الأشخاص بالاستقلال ولها إصدار اللوائح الخاصة بتأديب أعضائها وممارسة المهنة التي تشرف عليها .
    المبحث الثاني
    النتائج المترتبة على منح الشخصية المعنوية

    اذا اعترف بالشخص الاعتباري يتمتع بجميع الحقوق إلا ما كان منها ملازماً لصفة الإنسان الطبيعي ، وذلك في الحدود التي قررها القانون .
    فيكون لها :
    1- الذمة المالية المستقلة :
    يتمتع الشخص المعنوي العام ، بذمة مالية مستقلة عن ميزانية الدولة ولها الحق في الاحتفاظ بالفائض من إيراداتها ، كما أنها تتحمل نفقاتها ، والذمة المالية للشخص المعنوي مستقلة عن الذمة المالية للأشخاص المكونين له .
    2- الأهلية القانونية :
    يتمتع الشخص المعنوي العام بأهلية قانونية في الحدود التي رسمها القانون تمكنه من اكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات ، غير أن هذه الأهلية أضيق نطاقاً من أهلية الشخص الطبيعي فهي مقيدة بممارسة التصرفات القانونية التي تدخل في ميدان نشاطه وتخصصه ، ومفيدة كذلك بحدود الهدف الذي يسعى الشخص الاعتباري العام لتحقيقه . وهذه الشخصية القانونية مستقلة عن شخصية الأعضاء المكونين بالشخص الاعتباري العام ويباشرها عنه من يمثلونه من أشخاص طبيعيتين .
    3- حق التقاضي :
    للشخص المعنوي العام أهلية التقاضي ، فله مقاضاة الغير ، كما يكون من حق الغير أن يقاضيه ، كما يجوز أن تقاضي الأشخاص المعنوية بعضها ببعض ، ويباشر هذا الحق عن الشخص المعنوي العام أشخاص طبيعيتين يمثلونه أو ينوبون عنه ويعبرون عن إرادته في التقاضي
    4- موطن مستقل :
    للشخص الاعتباري موطن خاص به يختلف عن موطن الأشخاص المكونين له ، وهو عادة المقر أو المكان الذي يوجد فيه مركز إدارته ، فقد بينت المادة 53/2 من القانون المدني أن " يعتبر موطنه المكان الذي يوجد فيه مركز إدارته .. " . وللموطن أهمية خاصة بالنسبة للشخص الاعتباري فيجب إعلان الأوراق الرسمية والقضائية إليه فيه و يتم تحديد المحكمة المختصة بالنظر بالدعاوي التي ترفع ضده.
    5- تمارس الأشخاص المعنوية العامة جانباً من سلطة الدولة باعتبارها من أشخاص القانون العام فتتمتع بامتيازات السلطة التي يقررها القانون للجهات الإدارية فتعتبر قراراتها إدارية ، ويجوز تنفيذها جبراً دون الالتجاء إلى القضاء ، كذلك تملك حق نزع الملكية للمنفعة العامة أو الاستيلاء المباشر كما يجوز لها إبرام العقود الإدارية ، وحيث توجد هذه السلطة توجد مسؤولية الشخص المعنوي عن أفعاله الضارة التي قد يتسبب بها موظفيه .
    6- المال الذي تملكه الأشخاص المعنوية العامة يعتبر مالاً عاماً إذا كان مخصصاً للمنفعة العامة ، وبذلك فهو يحظى بالحماية المقررة للمال العام ، ومع ذلك يمكن أن تملك الأشخاص المعنوية العامة أموالاً أخرى خاصة تعد جزءاً من الدومين الخاص ولا تعتبر أموالاً عامة وتخضع لأحكام القانون الخاص .
    7- موظفو الأشخاص المعنوية العامة يعدون موظفين عامين ويرتبطون بعلاقة تنظيمية مع الشخص المعنوي إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك، ولا يمنع ذلك من أن يكون لبعض الأشخاص المعنوية نظام خاص لموظفيها ولوائح خاصة بتأديبهم .
    8- لا يترتب على منح الشخصية المعنوية العامة الاستقلال التام عن الدولة إذ تخضع هذه الأشخاص لنظام "الوصاية الإدارية" التي تمارسها السلطة المركزية في الدولة لضمان احترام هذه الأشخاص للقانون والسياسة العامة للدولة وعدم تجاوز الغرض الذي من أجله أ نشأت هذه المرافق .
    9- نتيجة لتمتع الشخص المعنوي العام بامتيازات السلطة العامة وبالتالي اعتباره شخصاً من أشخاص القانون العام ، فإن القضاء الإداري يكون هو المختص في نظر المنازعات الناشئة عن ممارسة نشاطه ، ويخضع كذلك للقيود التي يفرضها القانون الإدراي من ضرورة إتباع إجراءات خاصة في التعاقد أو الطعون في القرارات الصادرة منه وغير ذلك من أمور تفرضها الطبيعة الخاصة بنظام القانون العام .

    نهاية الشخص المعنوي العام
    الدولة باعتبارها أهم الأشخاص المعنوية العامة تنقضي شخصيتها بزوال أو فقد ركن من أركانها التي تقوم عليها كما لو تفتت إلى عدة دول أو اندمجت بدولة أخرى أو فقدانها لإقليمها أو انعدام السلطة السياسية بسبب الفوضى .
    أما الأشخاص المعنوية الإقليمية فتنتهي بذات الأداة التي نشأت بها ، كما لو صدر قانون يعيد تقسيم الوحدات المحلية فيلغي بعض الأشخاص المعنوية الإقليمية ويستحدث غيرها أو يدمجها في بعضها .
    أما إذا صدر قانون بحل مجلس إدارة الشخص المعنوي فيظل الشخص المعنوي قائماً حتى يتم اختيار الشخص الجديد .
    وتنقضي الشخصية المعنوية المرفقية والمهنية بإلغائها أو حلها بذات طريقة إنشائها أو باندماجها بشخص معنوي مرفقي آخر .
    وعند نهاية الشخص المعنوي العام أيا كانت صورته تنتقل أمواله إلى الجهة التي حددها القانون أو القرار الصادر بإلغائه أو حله ، وإلا فإن هذه الأموال تنتقل إلى الجهة التي يتبعها هذا الشخص .

    لفصل الثاني
    أساليب التنظيم الإداري

    تنتهج الدول المختلفة أسلوبين في تنظيمها الإداري هما : المركزية الإدارية واللامركزية الإدارية . يتجه الأسلوب الأول والأقدم في الظهور نحو حصر الوظيفة الإدارية في أيدي السلطة التنفيذية وحدها في العاصمة دون وجود سلطات إدارية أخرى مستقلة عنها . بينما يتجه أسلوب اللامركزية الإدارية نحو توزيع الوظيفة الإدارية ومشاركة هيئات وسلطات لامركزية .
    وفيما يلي سنتناول بالدراسة المركزية الإدارية ثم اللامركزية الإدارية وذلك في مبحثين .

    المبحث الأول
    المركزية الإدارية
    المركزية الإدارية هي أول النظم التي اتبعتها الدول في الحكم والإدارة ، وتقوم المركزية على أساس التوحيد وعدم التجزئة ، وفي المجال الإداري يقصد بها توحيد النشاط الإداري وتجميعه في يد السلطة التنفيذية في العاصمة. ( )
    وتقوم السلطة التنفيذية في هذا النظام بالسيطرة على جميع الوظائف الإدارية من توجيه وتخطيط ورقابة وتنسيق ، وفي النظام المركزي تلتزم السلطة الدنيا بالقرارات التي تصدر عن السلطة العليا ويساعد على هذه الخاصة الترتيب الذي يسود السلطة التنفيذية وتقسيم الموظفين رؤساء ومرؤوسين إلى درجات يعلو بعضها بعضاً في سلم إداري منتظم ، يخضع كل مرؤوس فيه لرئيسه خضوعاً تاماً وينفذ أوامره ويعمل تحت إشرافه وتوجيهاته .
    ولا تعني المركزية أن تقوم السلطة التنفيذية في العاصمة بجميع الأعمال في أنحاء الدولة ، بل تقتضي وجود فروع لهذه السلطة غير أن هذه الفروع لا تتمتع بأي قدر من الاستقلال في مباشرة وظيفتها وتكون تابعة للسلطة المركزية في العاصمة ومرتبطة بها .
    المطلب الأول :أركان المركزية الإدارية
    تقوم المركزية الإدارية على ثلاثة عناصر هي : تركيز الوظيفة الإدارية في يد الحكومة والتدرج الهرمي والسلطة الرئاسية .
    أولاً : تركيز الوظيفة الإدارية في يد الحكومة المركزية
    تتركز في هذا النظام سلطة مباشرة الوظيفة الإدارية في يد السلطة التنفيذية بالعاصمة، وتعاونها في ذلك الهيئات التابعة لها في الأقاليم الأخرى تحت إشراف ورقابة السلطة المركزية، ولا توجد في هذا النظام أشخاص معنوية عامة محلية أو مرفقية مستقلة عن السلطة المركزية .
    ومن ثم لا توجد مجالس محلية منتخبة أو هيئات عامة يمكن أن تدير المرافق العامة ، وتتركز سلطة اتخاذ القرارات وأداء المرافق العامة في يد الوزراء وممثليهم التابعين لهم والمعنيين منهم تحت رقابتهم وإشرافهم .
    ثانياً : التدرج الهرمي
    يقوم النظام المركزي على أساس التدرج الهرمي في الجهاز الإداري ومقتضاه أن يخضع موظفي الحكومة المركزية بشكل متدرج ومتصاعد ، تكون الدرجات الدنيا تابعة للأعلى منها تحت قمة الجهاز الإداري وهو الوزير .
    وللسلطات العليا حق إصدار الأوامر والتعليمات للجهات الدنيا ويخضع كل مرؤوس خضوعاً تاماً ، ويتجه مجال الطاعة في داخل النظام المركزي إلى درجة كبيرة فالرئيس يباشر رقابة سابقة ولاحقة على أعمال المرؤوس كما أن للرئيس صلاحية تعديل القرارات الصادرة من مرؤوسيه وإلغائها بالشكل الذي يراه مناسباً .
    وهذه الدرجات تكون ما يسمى بنظام التسلسل الإداري الذي يبين التمايز بين طبقتي الرؤساء والمرؤوسين ويبرز علاقة التبعية والسلطة الرئاسية .
    ثالثاً : السلطة الرئاسية
    السلطة الرئيسية le pouvior herachique ضمانه معترف بها للرؤساء الإداريين ينضمها القانون فيوفر وحدة العمل وفعاليته واستمراريته. ( ) وتعتبر السلطة الرئاسية الوجه المقابل للتبعية الإدارية وهي تتقرر بدون نص وبشكل طبيعي غير أنها من جانب آخر ترتب مسؤولية الرئيس عن أعماله مرؤوسية وبالتالي عدم إمكانية تهربه من هذه المسؤولية .( )
    والسلطة الرئاسية من أهم ركائز النظام المركزي ، إلا أنها سلطة ليست مطلقة وليست على درجة واحدة من القوة فهي تتأثر بصاحب السلطة ومركزه في السلم الإداري وبنوع الوظيفة التي يمارسها .
    والسلطة الرئاسية تتحلل إلى مجموعة من الاختصاصات بعضها يتعلق بشخص المرؤوس والآخر منها يتعلق بأعماله :
    أ- سلطة الرئيس على شخص مرؤوسيه
    تتضمن سلطة الرئيس على أشخاص مرؤوسه الكثير من الاختصاصات منها ما يتعلق بالحق في التعيين والاختيار ، وحق الرئيس في تخصيص مرؤوسيه لأعمال معينة . كما تتضمن سلطة نقل الموظف وترقيته وإيقاع العقوبات التأديبية عليه والتي قد تصل إلى حد عزله أو حرمانه من حقوقه الوظيفية ، في حدود ما يسمح به القانون .
    ب- سلطة الرئيس على أعمال مرؤوسيه
    تشمل هذه السلطة في حق الرئيس في توجيه مرؤوسيه عن طريق أصدار الأوامر والتوجيهات إليهم قبل ممارسة أعمالهم وسلطة مراقبة تنفيذهم لهذه الأعمال والتعقيب عليها وتشمل هذه السلطات .
    1- سلطة الأمر :
    يملك الرئيس إصدار الأوامر والتعليمات ، ويعتبر اختصاصه هذا من أهم مميزات السلطة الرئاسية ، ذلك أن إصدار الأوامر عمل قيادي له أهمية كبرى في سير الأعمال الإدارية ، وعلى وجه العموم نجد أن السلطة الرئاسية تتصف أساساً بأنها سلطة آمره لكونها تقوم على إصدار أوامر ملزمة للمرؤوسين .( )
    2- سلطة الرقابة والتعقيب
    سلطة الرئيس في الرقابة على أعمال مرؤوسية تتمثل بحقه في إجازة أعمالهم أو تعديلهم قراراتهم أو إلغائها وسحبها كما يملك أيضاً الحلول محلهم إذا اقتضى العمل ذلك . وتمتدد رقابة الرئيس على أعمال مرؤوسية لتشمل ملائمة هذا العمل أو التصرف ومقتضيات حين سير المرفق العام . ( )
    ووسيلة الرئيسي في رقابته على مرؤوسيه تتمثل بالتقارير التي يقدمها الموظفين عن أعمالهم بصورة دورية أو بوساطة التقارير التي يضعها المفتشون ويطلعون السلطة الرئاسية عليها ، قد يمارسها الرئيس عن طريق الشكاوي التي يقدمها إليه الأفراد الذين أصابهم الضرر نتيجة تصرفات مرؤوسيه .

    المطلب الثاني: صور المركزية الإدارية
    تتخذ المركزية الإدارية صورتان : التركيز الإداري وعدم التركيز الإداري
    أولاً : التركيز الإداري la concentration
    وهي الصورة البدائية للمركزية الإدارية ، ويطلق عليها أيضاً المركزية المتطرفة أو الوزارية، لإبراز دور الوزارة في هذا النظام .( )
    ومعنى التركيز الإداري أن تتركز سلطة اتخاذ القرارات في كل الشؤون الإدارية بيد الوزراء في العاصمة ، بحيث لا يكون لأية سلطة أخرى تقرير أي أمر من الأمور ، إنما يتعين على كافة الموظفين في الأقاليم الرجوع إلى الوزير المختص لإصدار القرار .
    وينحصر دور الموظفين في الجهاز الإداري في تقديم المقترحات والآراء في المساءل المطروحة عليهم وانتظار ما يقرره الوزير المختص بشأنها ، وتنفيذ هذه القرارات .
    ولا شك أن هذه الصورة من التركيز الشديد تضر بمصالح الأفراد وتعرقل عمل الإدارة فمن غير المتصور أن تتخذ جهة إدارية واحدة كافة القرارات في كل أنحاء الدولة وتكون هذه القرارات ملائمة ومناسبة لظروف العمل الإداري وتوفر حلاً لمشاكل الأفراد .
    لذلك هجرت أغلب الدول هذه الصورةمن المركزية الإدارية إلى الصور المعتدلة للمركزية الإدارية وهي عدم التركيز الإداري .
    ثانياً : عدم التركيز الإداري la deconcentration
    يطلق على هذه الصورة من المركزية الإدارية ألا وزارية أو المركزية المعتدلة. ( ) ومقتضاها تخفيف العبء عن الحكومة المركزية بتخويل بعض الموظفين في الأقاليم المختلفة سلطة البت في بعض الأمور ذات الطابع المحلي دون الحاجة للرجوع للوزير المختص في العاصمة .
    إلا أن هذه الصورة من المركزية لا تعني استقلال هؤلاء الموظفين عن الوزير ، فهم يبقون خاضعين لسلطته الرئاسية وله أن يصدر إليهم القرارات الملزمة وله أن يعدل قراراتهم أو يلغيها ، وكل ما في الأمر أن عدم التركيز الإداري يخفف من العبء على الوزارات والإدارات المركزية وأن بعض القرارات الإدارية أصبحت تتخذ من ممثلي الوزراء في الأقاليم بدلا من أن تتخذ من الوزراء أنفسهم .
    ومن ثم يختلف عدم التركيز الإداري عن اللامركزية الإدارية إذ تتعدد السلطات الإدارية في اللامركزية الإدارية نظراً لتعدد الأشخاص المعنوية ، وتختص كل سلطة بجانب من الوظيفة الإِدارية في الدولة ، حيث يتم توزيع الاختصاصات على هذا الأساس.( )
    وعلى أي حال فإن هذه الصورة من المركزية أفضل من التركيز الإداري وهي مرحلة انتقال صوب نظام اللامركزية الإدارية ، وهي الصورة الباقية في إطار نظام المركزية الإدارية .
    ولعل من أبرز وسائل تحقيق عدم التركيز الإداري نظام تفويض الاختصاص ، الذي سنتناوله في هذا الجزء من الدراسة .
    المطلب الثالث: تفويض الاختصاص
    تستلزم ضرورات العمل الإداري وحسن سير المرافق العامة أن يفوض بعض الموظفين المختصين بعض أعمالهم إلى موظفين آخرين غالباً ما يكونون مرؤوسين بالنسبة لهم . ويقصد بالتفويض أن يعهد صاحب الاختصاص بممارسة جزء من اختصاصاته إلى أحد مرؤوسيه . بشرط أن يسمح القانون بإجراء هذا التفويض وأن تكون ممارسة الاختصاص المفوض تحت رقابة الرئيس الإداري صاحب الاختصاص الأصيل .
    وللتفويض مزايا عدة فهو من جانب يخف
    وللتفويض مزايا عدة فهو من جانب يخفف العبء عن الرئيس صاحب الاختصاص الأصيل ، فهو يقوم بنقل جزء من اختصاصه في مسألة معينة إلى أحد مرؤوسيه أو جهة أو هيئة ما .
    ويؤدي من جانب آخر إلى تحقيق السرعة والمرونة في أداء الأعمال مما يسهل على الأفراد قضاء مصالحهم ويدرب المرؤوسين على القيام بأعمال الرؤساء، فينمي فيهم الثقة والقدرة على القيادة. ( )
    أولا: شروط التفويض
    للتفويض شروط عامة استقر على إبرادها الفقه وأحكام القضاء، يجب مراعاتها حتى يكون التفويض صحيحاً هي :
    1- التفويض لا يكون إلا بنص : يلزم حتى يكون التفويض صحيحاً أن يسمح القانون بالتفويض ، فإذا منح القانون الاختصاص إلى جهة معينة ليس لهذه الجهة التنازل عن هذا الاختصاص أو تفويضه إلى سلطة أخرى إلا إذا أجاز القانون ذلك ومن الضروري أن يصدر قرار صريح من الجهة صاحبة الاختصاص الأصيل عن رغبتها في استخدام التفويض الذي منحه لها القانون .
    2- التفويض يجب أن يكون جزئياً : فلا يجوز أن يفوض الرئيس الإداري جميع اختصاصاته لأن هذا يعد تنازلاً من الرئيس عن مزاولة جميع أعماله التي أسندها إليه القانون .
    3- يبقى الرئيس المفوض مسؤولاً عن الأعمال التي فوضها بالإضافة إلى مسؤولية المفوض إليه ، تطبيقاً لمبدأ أن التفويض في السلطة ولا تفويض في المسؤولية .
    والمرؤوس المفوض إليه لا يسأل عن تصرفاته بشأن السلطات المفوضة إليه إلا أمام رئيسه المباشر الذي قام بالتفويض( ) ولا تنصرف المسؤولية إلى أعلى منه وفقاً لمبدأ وحدة الرئاسة والأمر .
    4- لا يجوز للمفوض إليه أن يفوض غيره ، فالتفويص لا يتم إلا لمرة واحدة، ومخالفة هذه القاعدة تجعل القرار الإداري الصادر من المفوض إليه الثاني معيباً بعدم الاختصاص .
    5- التفويض مؤقت وقابل للرجوع فيه من جانب الرئيس لأن الأصل هو عدم التفويض والاستثناء هو التفويض الذي لا يستطيع الرئيس دائماً إلغاءه بقرار ويسترد اختصاصه.
    وتثار بشأن التفويض مشكلة سلطة الجهة المفوضة " بكسرلواو " على اختصاصات المفوض إليه " المرؤوس " فهل للسلطة صاحبة الاختصاص الأصلي أن تلغي قرارات السلطة المفوض إليها .
    ذهب جانب من الفقهاء إلى عدم السماح بتوجيه تعليمات إلى المرؤوسين تتعلق بالاختصاص المفوض إليهم على أساس أن الموظف الذي قام بالتفويض لا يعتبر رئيسياً إدارياً بالنسبة للقرارات الصادرة طبقاً للتفويض على أساس أن المرؤوس يعتبر كأنه الرئيس نفسه وعندئذ فإن قراراته واجبة الاحترام. ( )
    بينما ذهب جانب آخر من الفقهاء إلى أن الأصيل يبقى له الحق في التعقيب على القرارات الصادرة عن المفوض إليه إذا كان الأخير مرؤوساً له ، لأن التفويض لا يقطع العلاقة الرئاسية بين الرئيس والمرؤوس ولا يحول دون ممارسة الرئيس لاختصاصه في التوجيه والرقابة السابقة واللاحقة على أعمال مرؤؤس.
    وقد يحصل بعض الخلط بين التفويض والحلول لأن الاثنين يساهمان في تسهيل سير العمل الإداري وضمان سير المرافق العامة بانتظام واطراد كما أن كل منهما يعني ممارسة أحد الموظفين لاختصاصات موظف آخر .
    إلا أن هناك الكثير من أوجه الاختلاف بين الحلول والتفويض فالحلول يكون في حالة غياب صاحب الاختصاص الأصيل أياً كان سبب الغياب اختيارياً كما في حالة الإجازة أو إجبارياً كما في حال المرض فيحل محل الموظف في ممارسة هذه الاختصاصات من حدده المشرع. أما في حالة التفويض فإن الرئيس المفوض يكون حاظراً وليس غائباً .
    كما أن التفويض يتحقق بقرار يصدر من الرئيس المفوض إلى المفوض إليه في حين لابد للحلول أن يقترن بنص وأن تكون أسبابه صحيحة ويصبح الحلول مستحيلاً إذا لم ينظمه المشرع .( )
    وفي تفويض الاختصاص يأخذ القرار الصادر درجة المفوض إليه ، أما في الحلول فتكون القرارات الصادرة في مرتبة قرارات الأصيل الغائب .
    وفي التفويض يكون الرئيس المفوض مسؤولاً عن أخطاء المفوض إليه لأن الرئيس يمارس الرقابة الرئاسية على المفوض إليه بينما لا يكون الأصيل الغائب مسؤولاً عن أخطاء من حل محله لأنه لا يملك أي سلطة رئاسية بالنسبة لتصرفات الأخير ولأن مصدر سلطته القانون وليس الأصيل وحيث توجد السلطة توجد المسؤولية .
    ومن الملاحظ أن تفويض الاختصاص لا يعدو أن يكون تخفيفاً عن كاهل الرؤساء ومساعدتهم في تسيير أعمالهم وهذا الغرض لا يجعل المرؤوس ممارساً لاختصاص مانع للتعقيب والرقابة ، ونرى أنه لا مانع من قيام الرئيس المفوض بمراجعة قرارات مرؤوسيه وتوجيههم من خلال إصدار الأوامر والتعليمات التي تتعلق بالاختصاص المفوض ليطمئن إلى سلامة العمل من الناحية القانونية ، خاصة وإن مسؤولية الرئيس المفوض تبقى قائمة عما قام بتفويضه من اختصاص ، لأن لا تفويض في المسؤولية كما بينا سابقاً .
    ثانياً:أنواع التفويض
    التفويض على نوعين " تفويض اختصاص و تفويض توقيع "
    1- تفويض الاختصاص : هذا النوع من التفويض ينقل السلطة بأكملها إلى المفوض إليه ، وهذا يمنع الأصيل المفوض من ممارسة الاختصاص الذي تم تفويضه أثناء سريان التفويض .
    وفي هذه الصورة من التفويض تكون قرارات المفوض إليه في نطاق التفويض منسوبه إلى المفوض إليه وتأخذ مرتبة درجته الوظيفية ، ويوجه تفويض الاختصاص إلى المفوض إليه بصفتة لا بشخصية فلا ينتهي التفويض بشغل موظف آخر لوظيفة المفوض إليه
    2-تفويض التوقيع : وهو تفويض شخصي يأخذ بعين الاعتبار شخصية المفوض إليه ، فهو ينطوي على ثقة الرئيس به ومن ثم فهو ينتهي بتغير المفوض أو المفوض إليه ، كما أن هذا التفويض يسمح للمفوض إليه بممارسة الاختصاصات المفوضة باسم السلطة " بكسرالولو " ولا يمنع ذلك من ممارسة الرئيس المفوض ذات الاختصاص رغم التفويض كما أن القرارات الصادرة في نطاق التفويض تأخذ مرتبة قرارات السلطة المفوضة .
    التفويض والحلول :
    يقتصر بالحلول أن يصبح صاحب الاختصاص الأصيل عاجزاً لسبب من الأسباب عن ممارسة اختصاصه كأن يصاب بعجز دائم أو بمرض أو غيره ، فيحل محله في مباشرة كافة اختصاصاته موظف آخر حدده القانون سلفاً .
    وقد يحصل الحلول بان تحل إحدى الجهات الإدارية محل جهة إدارية أخرى

    المطلب الرابع: تقييم المركزية الإدارية
    درج بعض الفقهاء على إبراز مزايا النظام المركزي بينما ذهب البعض نحو إبراز عيوبه ، ونعرض فيما يلي أهم تلك المزايا والعيوب .
    أولاً : مزايا المركزية الإدارية :-
    1- النظام المركزي يقوي سلطة الدولة ويساعدها في تثبيت نفوذها في كافة أنحاء الدولة ، ولا شك أن هذا النظام له ما يبرره في الدول الناشئة حديثاً ، والتي تحتاج لتقوية وتدعيم وحدتها. ( )
    2- المركزية أسلوب ضروري لإدارة المرافق العامة القومية التي لا يتعلق نشاطها بفئة معينة أو إقليم معين كمرفق الأمن أو الدفاع أو المواصلات .
    3- المركزية تؤدي إلى توحيد النظم والإجراءات المتبعة في كافة أنحاء الدولة كونها تتأتى من مصدر واحد ، مما يمكن الموظفين من الإلمام بكافة الأوامر والتعليمات اللازمة لتنفيذ الوظيفة الإدارية .
    4- يؤدي هذا الأسلوب إلى التقليل من النفقات والحد في الإسراف لعدم الحاجة إلى المجالس والهيئات اللامركزية وخبرة موظفي السلطة المركزية وقلة عددهم .
    5- تحقيق العدل والمساواة في المجتمع لإشراف الحكومة المركزية على المرافق العامة ونظرتها الشمولية البعيدة عن المصالح المحلية .
    ثانيا : عيوب المركزية الإدارية :-
    1- يؤدي هذا النظام إلى إشغال الإدارة المركزية أو الوزراء بمسائل قليلة الأهمية على حساب المهام الأكثر أهمية في رسم السياسة العامة لوزاراتهم .
    2- المركزية الإدارية لا تتماشى مع المبادئ الديمقراطية القائلة بضرورة أن تدار الوحدات المحلية من خلال سكان هذه الوحدات عن طريق مجالس منتخبة من بينهم .
    3- المركزية الإدارية وبسبب تركز السلطة بيد الوزراء وفئة قليلة من الرؤساء والإداريين في العاصمة تؤدي إلى قتل روح المثابرة والإبداع لدى الموظفين الآخرين لأن دورهم ينحصر بتنفيذ الأوامر والتعليمات الصادرة من السلطة المركزية ، وعدم مشاركتهم فيها .
    4- المركزية تؤدي إلى زيادة الروتين والبطء في اتخاذ القرارات الإدارية المناسبة وفي الوقت المناسب ، لاستئثار السلطة المركزية بسلطة اتخاذ كافة القرارات في الدولة وبعد مصدر القرار في أكثر الأوقات عن الأماكن المراد تطبيق القرار فيها ، وغالباً ما تأتي هذه القرارات غير متلائمة مع طبيعة المشكلات المراد حلها .

    المبحث الثاني
    اللامركزية الإدارية
    يقوم هذا النظام على أساس توزيع الوظيفة الإدارية بين الحكومية المركزية في العاصمة وبين أشخاص الإدارة المحلية في الأقاليم ، وتتمتع هذه الأشخاص بالشخصية المعنوية المستقلة ، مع خضوعها لرقابة الحكومة المركزية .
    ففي هذا النظام تتمتع السلطة المحلية بقدر من الاستقلال في ممارسة اختصاصاتها فتحتفظ الإدارة المركزية بإدارة بعض المرافق العامة القومية وتمنح الأشخاص المعنوية المحلية سلطة إنشاء وإدارة بعض المرافق العامة ذات الطابع المحلي .
    وعلى ذلك تظهر في هذا النظام إلى جانب الدولة أو الإدارة المركزية أشخاص معنوية محلية أو مرفقية يطلق عليها بالإدارة اللامركزية أو السلطات الإدارية اللامركزية.
    المطلب الأول: صور اللامركزية الإدارية
    هناك صورتان أساسيتان للامركزية الإدارية " اللامركزية المحلية أو الإقليمية ، واللامركزية المصلحية أو المرفقية " .
    أولاً : اللامركزية الإقليمية أو المحلية:
    ومعناها أن تمنح السلطات المركزية إلى جزء من إقليم الدولة جانب من اختصاصاتها في إدارة المرافق والمصالح المحلية مع تمتعها بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري .
    وتستند هذه الصورة إلى فكرة الديمقراطية التي تقتضي إعطاء سكان الوحدات المحلية الحق في مباشرة شؤونهم ومرافقهم بأنفسهم عن طريق مجالس منتخبة منهم .
    وتقوم اللامركزية الإقليمية أو المحلية على ثلاث عناصر :
    1- مصالح محلية أو إقليمية متميزة :
    يتم منح الشخصية المعنوية للوحدات المحلية لاعتبارات إقليمية أو محلية ، يجد المشرع أن من الأفضل أن تباشرها هيئات محلية معينة وإسناد إدارتها إلى سكان هذه الوحدات أنفسهم . ولاشك أن سكان هذه الوحدات أدرى من غيرهم بواجباتهم وأقدر على إدارة هذه المرافق وحل مشكلاتها ، كما أن هذا الأسلوب يمنح الإدارة المركزية فرصة التفرغ لإدارة المرافق القومية . ويتم تحديد اختصاصات الهيئات المحلية بقانون ولا يتم الانتقاص منها إلا بقانون آخر ، وهي تشمل مرافق متنوعة وتتضمن كافة الخدمات التي تقدم لمكان الوحدات المحلية كمرفق الصحة والتعليم والكهرباء والماء وغيرها .
    2- أن يتولى سكان الوحدات المحلية إدارة هذه المرافق :
    يجب أن يتولى سكان الوحدات المحلية إدارة هذا النوع من المرافق بأنفسهم وان يتم ذلك باختيار السلطات المحلية من هؤلاء السكان وليس عن طريق الحكومة أو الإدارة المركزية ... ويذهب أغلب الفقهاء إلى ضرورة أن يتم اختيار أعضاء المجالس المحلية عن طريق الانتخابات تأكيداً لمبدأ لديمقراطية وإن كان هذا هو الأصل فإنه ليس هناك مانع من مشاركة أعضاء معينين ضمن هذه المجالس لتوفير عناصر ذات خبرة وكفاءة شرط أن تبقى الأغلبية للعناصر المنتخبة ،خاصة وإن الانتخاب يتطلب قدر كبير من الوعي والثقافة مما لا يتوفر غالباً في سكان الوحدات المحلية .
    3- استقلال الوحدات المحلية :
    إذا كان من الضروري في هذه الأيام أن يكون اختيار أعضاء المجال المحلية عن طريق سكان هذه الوحدات فإن الأكثر أهمية أن تستقل الهيئات اللامركزية في مباشرة عملها عن السلطة المركزية ، فالمرافق اللامركزية لا تخضع لسلطة رئاسة أعلى .إلا أن ذلك لا يعني الاستقلال التام للهيئات المحلية عن السلطات المركزية ، فالأمر لا يعدو أن يكون الاختلاف حول مدى الرقابة التي تمارسها السلطات المركزية على الهيئات المحلية في النظم اللامركزية إذ لابد من تمتع هذه الهيئات باستقلال كافٍ في أدائها لنشاطها .
    وقد أطلق الفقهاء على الرقابة التي تمارسها السلطة المركزية على الهيئات اللامركزية الوصاية الإدارية la tutelle administrative .
    ثانياً : اللامركزية المرفقية:
    يجد المشرع في أحيان كثيرة أنه من الضروري أن يمنح بعض المشاريع والمرافق والمصالح العامة الشخصية المعنوية وقدر من الاستقلال عن الإدارية المركزية مع خضوعها لإشرافها ، كمرفق البريد والتلفون والكهرباء والإذاعة والجماعات ، لتسهيل ممارستها لنشاطاتها بعيداً عن التعقيدات الإدارية .
    وتمارس اللامركزية المرفقية نشاطاً واحداً أو أنشطة متجانسة كما هو الحال في الهيئات والمؤسسات العامة على عكس اللامركزية المحلية التي تدير العديد من المرافق أو الأنشطة غير المتجانسة. ( )
    ولا يستند هذا الأسلوب على فكرة الديمقراطية إنما هي فكرة فنية تتصل بكفاءة إدارة المرفق وعلى ذلك ليس من حاجة للأخذ بأسلوب الانتخابات في اختيار رؤساء أو أعضاء مجالس إدارة هذه الهيئات العامة .
    هذا ويحرص المشروع دائماً تكون ممارسة هذه المؤسسات لنشاطها ضمن الحدود والاختصاصات التي أجازها ولا يمكن مباشرة نشاط آخر أو التوسيع من اختصاصاتها .
    المطلب الثاني :التمييز بين الوصاية الإدارية والسلطة الرئاسية
    أطلق جانب من الفقه على الرقابة التي تمارسها السلطات المركزية على الهيئات اللامركزية مصطلح الوصايا الإدارية ( ) إلا إن هذا المصطلح منتقد عند جانب آخر من الفقهاء ويرون أن يستبدل بمصطلح الرقابة الإدارية le control administrative وذلك لوجود اختلاف بين المراد بالوصاية في القانون الخاص ، وبين الوصاية الإدارية في القانون العام ، فالأولى تتعلق بحماية الأفراد ناقصي الأهلية أما الوصايا الإدارية فتترتب على الهيئات المحلية، وهذه الهيئات تتمتع بأهلية كاملة بصفتها شخصية معنوية معتبرة .
    ونرى إزاء هذا الاختلاف البين أن مصطلح الرقابة الإدارية هو الأجدر على وصف العلاقة بين السلطة المركزية والهيئات المحلية .
    والرقابة الإدارية في النظام اللامركزي تختلف عن السلطة الرئاسية التي تعتبر أحد عناصر المركزية الإدارية , فالسلطة الرئاسية كما سبقت الإشارة علاقة التبعية والتدرج الرئاسي بين الموظف ورئيسه . أما في النظام اللامركزي فإن الموظفين في الدوائر والهيئات المحلية لا يدينون بالطاعة لأوامر السلطة المركزية على خلاف الأمر في السلطة الرئاسية ، لأن هذه الهيئات تتمتع بشخصية معنوية تجعلها بمنأى عن الخضوع التام لتوجيهات السلطة المركزية ، ولكنها لا تتخلى عن الرقابة اللاحقة التي تمارسها على أعمال الهيئات المحلية .
    ولا يمكن اعتبار هذا الاستقلال منحه من الهيئات المركزية بل هو استقلال مصدره القانون أو الدستور ( ) ويقود هذا الاستقلال إلى أعضاء الرئيس الذي يملك الوصايا من المسؤولية المترتبة من جراء تنفيذ المرؤوس لتوجيهاته إلا المرؤوس لتوجيهاته غلا في الأحوال التي يحددها القانون. ( )
    كما تختلف ( الوصاية الإدارية ) عن السلطة الرئاسية في أنه لا يجوز للسلطة المركزية تعديل القرارات التي تصدرها الهيئات المحلية وكل ما تملكه توافق عليها بحالتها أو ترفضها. ( )
    فإن حاولت السلطة المركزية فرض رئاستها على المرافق اللامركزية بالتعرض لقراراتها بالتعديل أو إلغائها في غير الحدود القانونية كان لهذه الأخيرة الاعتراض على ذلك .
    وفي ذلك ورد في حكم لمحكمة القضاء الإداري المصري " إن من المسلم به فقهاً وقضاء إن علاقة الحكومة المركزية بالمجالس البلدية والقروية إن هي إلا وصاية إدارية وليست سلطة رئاسية ، وبناء على ذلك فإن الأصل إن وزير الشؤون البلدية والقروية لا يملك بالنسبة لقرارات هذا المجلس سوى التصديق عليها كما هي ، أو عدم التصديق عليها كما هي ، دون أن يكون له حق تعديل هذه القرارات".( )
    وأخيراً فإن سلطة الوصايا تملك الحلول محل الوحدات المحلية عندما تهمل الأخيرة في ممارسة اختصاصاتها أو تخل بالتزاماتها فترفض اتخاذ إجراء معين كان الواجب عليها طبقاً للقوانين واللوائح ، حتى لا يتعطل سير المرافق العمامة تحرير السلطة المركزية محل الوحدات اللامركزية لتتخذ الإجراء المطلوب وذلك باسم الوحدات اللامركزية ولحسابها .
    ولخطورة هذه السلطة وحتى لا تتعسف السلطة المركزية في ممارسة حق الحلول ، درج القضاء على القول بضرورة وجود نص قانوني صريح يلزم الوحدة اللامركزية بالقيام بالعمل أو بإجراء التصرف وامتناعها عن ذلك ، وقيام السلطة الوصايا بتوجيه إنذار مكتوب إلى الوحدة اللامركزية الممتنعة تدعوها إلى وجوب القيام بالعمل أو الإجراء الذي يفرضه القانون ( )
    المطلب الرابع:تقييم اللامركزية الإدارية
    نظام اللامركزية الإدارية له الكثير من المزايا إلا أن من الفقهاء من أبرز له بعض العيوب وهو ما نبينه في هذه الدراسة :
    أولا: مزايا اللامركزية الإدارية :
    1- يؤكد المبادئ الديمقراطية في الإدارة : لأنه يهدف إلى اشتراك الشعب في اتخاذ القرارات وإدارة المرافق العامة المحلية .
    2- يخفف العبء عن الإدارة المركزية . إذ أن توزيع الوظيفة الإدارية بين الإدارة المركزية والهيئات المحلية أو المرفقية يتيح للإدارة المركزية التفرغ لأداء المهام الأكثر أهمية في رسم السياسة العامة وإدارة المرافق القومية .
    3- النظام اللامركزي أقدر على مواجهة الأزمات والخروج منها . سيما وأن الموظفين في الأقاليم أكثر خبرة من غيرهم في مواجهة الظروف والأزمات المحلية كالثورات واختلال الأمن ، لما تعودوا عليه وتدربوا على مواجهته وعدم انتظارهم تعليمات السلطة المركزية التي غالباً ما تأتي متأخرة .
    4- تحقيق العدالة في توزيع حصيلة الضرائب وتوفير الخدمات في كافة أرجاء الدولة ، على عكس المركزية الإدارية حيث تحظى العاصمة والمدن الكبرى بعناية أكبر على حساب المدن والأقاليم الأخرى .
    5- تقدم اللامركزية الإدارية حلاً لكثير من المشاكل الإدارية والبطء والروتين والتأخر في اتخاذ القرارات الإدارية وتوفر أيسر السبل في تفهم احتياجات المصالح المحلية وأقدر على رعايتها .
    ثانياً : عيوب اللامركزية الإدارية :-
    1- يؤدي هذا النظام إلى المساس بوحدة الدولة من خلال توزيع الوظيفة الإدارية بين الوزارات والهيئات المحلية .
    2- قد ينشأ صراع بين الهيئات اللامركزية والسلطة المركزية لتمتع الاثنين بالشخصية المعنوية ولأن الهيئات المحلية غالباً ما تقدم المصالح المحلية على المصلحة العامة .
    3- غالباً ما تكون الهيئات اللامركزية أقل خبرة ودراية من السلطة المركزية ومن ثم فهي أكثر إسرافاً في الإنفاق بالمقارنة مع الإدارة المركزية .
    ولا شك أن هذه الانتقادات مبالغ فيها إلى حد كبير ويمكن علاجها عن طريق الرقابة أو الوصايا الإدارية التي تمارسها السلطة المركزية على الهيئات اللامركزية والتي تضمن وحدة الدولة وترسم الحدود التي لا تتجاوزها تلك الهيئات .
    وفي جانب آخر يمكن سد النقص في خبرة الهيئات اللامركزية من خلال التدريب ومعاونة الحكومة المركزية مما يقلل من فرص الإسراف في النفقات والأضرار بخزينة الدولة.
    ويؤكد ذلك أن اغلب الدول تتجه اليوم نحو الأخذ بأسلوب اللامركزية الإدارية على اعتبار أنه الأسلوب الأمثل للتنظيم الإداري .
    الباب الثاني
    نشاط الإدارة العامة

    حضيت مشكلة تحديد نشاط الإدارة العامة ونشاط الأفراد بالاهتمام رجال الدولة والمفكرين منذ نشأت الدولة وحتى الوقت الحاضر ، وقد اختلفت غلبة أحد النشاطين على الأخر تبعا للأفكار السياسية السائدة في المجتمع.
    ولعل التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وازدياد تدخل الدولة في هذه المجالات المختلفة قاد بالضرورة إلى وضع الوسائل المناسبة لإدارة الدولة في هذه المجالات المختلفة قاد بالضرورة إلى وضع الوسائل المناسبة لإدارة الدولة ونشاطها ، وفقاً للفلسفة السياسية التي تؤمن بها الأنظمة السياسية .
    وقد برز دور الدولة من خلال وظيفتين أساسيتين تقوم بهما الإدارة الأولى منها سلبية تتمثل بالضبط الإداري والذي يقوم على مراقبة وتنظيم نشاط الأفراد حفاظاً على النظام العام . أما الوظيفة الثانية فهي وظيفة إيجابية تتمثل بإدارة المرافق العامة والوفاء بحاجات الأفراد وإشباع رغباتهم.
    وسنبين في هذا الباب هاتين الوظيفتين في فصلين متتاليين.
    الفصل الأول: الضبط الإداري .
    الفصل الثاني : المرفق العام .

    الفصل الأول
    الضبط الإداري

    نتناول في هذا القسم في الدراسة الجوانب المختلفة للضبط الإداري ، فنعرض لماهيته وأغراضه ووسائل وحدود سلطات الضبط الإداري ،( ) وذلك في ثلاثة مباحث كما يلي :-

    المبحث الأول : ماهيته الضبط الإداري
    المبحث الثاني: أغراض ووسائل الضبط الإداري
    المبحث الثالث: حدود سلطات الضبط الإداري

    المبحث الأول
    ماهية الضبط الإداري

    لبيان ماهية الضبط الإداري نعرض أولا لتعريفه وتمييزه عما يشتبه به وأخيراً نبين أنواعه.
    المطلب الأول: التعريف بالضبط الإداري .
    يقصد بالضبط الإداري بمعناه العام مجموعة الإجراءات والأوامر والقرارات التي تتخذها السلطة المختصة للمحافظة على النظام العام بمدلولاته الثلاثة " الأمن – الصحة – السكينة " .
    ويلاحظ أن المشرع سواء في فرنسا أو مصر أو في العراق ، لم يضع تعريفاً محدداً للضبط الإداري ، وإنما اكتفى بتحديد أغراضه ، وترك تعريفه للفقه والقضاء.
    وفى هذا المجال يعرف De laubadere الضبط الإداري بأنه : " مظهر من مظاهر عمل الإدارة يتمثل في تنظيم حريات الأفراد حماية للنظام العام . (1)
    بينما يتجه الفقهاء العرب ومنهم الدكتور طعيمة الجرف إلى تعريفه بأنه " وظيفة من أهم وظائف الإدارة تتمثل أصلا في المحافظة على النظام العام بعناصره الثلاثة الأمن العام والصحة العامة والسكنية العامة عن طريق إصدار القرارات اللائحية والفردية واستخدام القوة المادية مع ما يتبع ذلك من فرض قيود على الحريات الفردية تستلزمها الحياة الاجتماعية " ( ) بينما يعرفه الدكتور صبيح بشير مسكوني بأنه " مظهر من مظاهر نشاط الإدارة العامة يراد به ممارسة هيئات إدارية معينة اختصاصات فرض قيود على حريات الأفراد وحماية للنظام العام ".( )
    وأيا كان الأمر فان الضبط الإداري نظام وقائي تتولى فيه الإدارة حماية المجتمع من كل ما يمكن أن يخل بأمنه وسلامته وصحة أفراده وسكينتهم ، ويتعلق بتقييد حريات وحقوق الأفراد بهدف حماية النظام العام في الدولة . وبهذا المعنى يتميز الضبط الإداري عن الضبط التشريعي والضبط القضائي.
    أولاً : الضبط الإداري والضبط التشريعي
    يلجأ المشرع في كثير من الأحيان إلى إصدار القوانين التي تقيد حريات الأفراد وحقوقهم حفاظاً على النظام العام ، وفى ممارسته لهذا الاختصاص إنما يستند لاختصاصه التشريعي ، الذي يجد مصدره في الدستور والمبادئ العامة للقانون، وتسمى التشريعات الصادرة في هذا الشأن " بالضبط التشريعي" تميزاً له عن الضبط الإداري الذي يصدر من جانب الإدارة في شكل قرارات تنظيميه أو فردية يترتب عليها تقييد حريات الأفراد.
    مع ضرورة الإيضاح بان سلطة الضبط الإداري يجب أن تتم في إطار القوانين والتشريعات وتنفيذاً لها ، غير أن ذلك لا يمنعها من اتخاذ إجراءات مستقلة تتضمن قيوداً على الحريات الفردية بواسطة ما تصدره من لوائح الضبط.( )
    ثانياً: الضبط الإداري والضبط القضائي.
    يقصد بالضبط القضائي ، الإجراءات التي تتخذها السلطة القضائية للتحري عن الجرائم بعد وقوعها ، والبحث عن مرتكبها تمهيداً للقبض عليه، وجمع الأدلة اللازمة للتحقيق معه ومحاكمته وانزال العقوبة به.
    ومن ثم فان الضبط القضائي يتفق مع الضبط الإداري في انهما يستهدفان المحافظة على النظام العام ، إلا انهما يختلفان من حيث السلطة المختصة بإجرائه والغرض منه وطبيعته.
    فمن جهة تتولى السلطة التنفيذية وظيفة الضبط الإداري . بينما تتولى السلطة القضائية ممثلة بالقضاة أو أعضاء النيابة العامة وممثليها وظيفة الضبط القضائي.
    ومن حيث الغرض فان مهمة الضبط الإداري وقائية تسبق الإخلال بالنظام العام وتمنع وقوع الاضطراب فيه، في حين مهمة الضبط القضائي علاجية ولاحقة لوقوع الإخلال بالنظام العام وتهدف إلى ضبط الجرائم بعد وقوعها والبحث عن مرتكبيها وجمع الأدلة اللازمة لإجراء التحقيق والمحاكمة وإنزال العقوبة.
    وأخيرا يتميز الضبط الإداري في طبيعة إجراءاته التي تصدر في شكل قرارات تنظيميه أو فردية تخضع لرقابة القضاء الإداري إلغاء وتعويضاً ، أما الضبط القضائي فانه يصدر في شكل قرارات قضائية لا تخضع لرقابة القضاء الإدار
    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 6322
    نقاط : 17825
    تاريخ التسجيل : 28/06/2013
    العمر : 33

     محاضرات في مقياس القانون الإداري  Empty رد: محاضرات في مقياس القانون الإداري

    مُساهمة من طرف Admin الإثنين أغسطس 12, 2013 10:24 pm



    الفصل الثاني
    المرفق العام

    يعد المرفق العام المظهر الإيجابي لنشاط الإدارة وتتولاه الإدارة بنفسها أو بالاشتراك مع الأفراد , وتسعى من خلاله إلى إشباع الحاجات العامة . وتعد فكرة المرافق العامة من أهم موضوعات القانون الإداري وترد إليها معظم النظريات والمبادئ التي ابتدعها القضاء الإداري كالعقود الإدارية والأموال العامة والوظيفة العامة.
    ونبين في هذا الجزء من الدراسة مفهوم المرفق العام والمبادئ التي تحكم المرافق العامة وأخيراً طرق إدارة المرافق العامة وذلك في ثلاثة مباحث على النحو التالي :
    المبحث الأول : مـاهيــة المــرفــق العام .
    المبحث الثاني : المبادئ التي تحكم المرافق العامة .
    المبحث الثالث : طـرق إدارة المـرافـق العامة .

    الفصل الأول
    ماهية المرفق العام

    البحث في ماهية المرفق العام يستدعي منا أن نبين تعريفه وعناصره ، ثم نستعرض أنواع المرافق العامة ونوضح أخيراً إنشاء وإلغاء هذه المرافق.

    المطلب الأول : تعريف وعناصر المرفق العام
    ليس من السهل تعريف المرفق العام، ولعل صعوبة تعريفه تعود إلى أن عبارة المرفق العام مبهمة ولها معنى عضوي و أخر موضوعي . ( )
    المعنى العضوي ويفيد المنظمة التي تعمل على أداء الخدمات وإشباع الحاجات العامة، ويتعلق هذا التعريف بالإدارة أو الجهاز الإداري. أما المعنى الموضوعي فيتعلق بالنشاط الصادر عن الإدارة بهدف إشباع حاجات عامة والذي يخضع لتنظيم وإشراف ورقابة الدولة.
    وعلى ذلك يمكن القول بأن المرفق العام هو في حالة السكون المنظمة التي تقوم بنشاط معين ، أما في حالة الحركة فهو النشاط الذي يهدف إلى إشباع حاجات عامة بغض النظر عن الجهة التي تؤديه.
    وقد تراوح التعريف بين هذين المعنيين فقد أكد بعض الفقهاء على العنصر العضوي للمرفق العام، بينما تناوله البعض الأخر من الناحية الوظيفية أو الموضوعية , وبعد أن كان القضاء الإداري في فرنسا ومصر يتبنى المعنى العضوي، تطورت أحكامه للجميع بين المعنيين، ثم استقر فيما بعد على المعنى الموضوعي فعرف المرفق العام بأنه النشاط الذي تتولاه الدولة أو الأشخاص العامة الأخرى، مباشرة أو تعهد به لأخرين كالأفراد أو الأشخاص المعنوية الخاصة، ولكن تحت إشرافها ومراقبتها وتوجيهها وذلك لإشباع حاجات ذات نفع عام تحقيقاً للصالح العام .( )
    وفي ذلك يعرف الأستاذ "رفيرو" المرفق العام بمعناه الوظيفي بأنه نشاط يهدف إلى تحقيق الصالح العام .( )
    ويعرفه الدكتور طعيمة الجرف بأنه " نشاط تتولاه الإدارة بنفسها أو يتولاه فرد عادي تحت توجيهها ورقابتها وإشرافها بقصد إشباع حاجة عامة للجمهور" . ( )
    وفي الحقيقة يمكن الجمع بين المعنى العضوي والوظيفي للوصول إلى تعريف سليم للمرفق العام لوجود التقاء بين المعنيين ، عندما تسعى الهيئات العامة التابعة لشخص من أشخاص القانون العام إلى تحقيق النفع العام وإشباع حاجات الأفراد، وهذا يحصل دائماً في المرافق العامة الإدارية.
    غير أن تطور الحياة الإدارية، والتغيرات الكبيرة التي طرأت في القواعد التي تقوم عليها فكرة المرافق العامة أدى إلى ظهور المرافق العامة الاقتصادية أو التجارية التي يمكن أن تدار بواسطة الأفراد أو المشروعات الخاصة مما قاد إلى انفصال العنصر العضوي عن الموضوعي وأصبح من حق الإدارة أن تنظم نشاط معين في صورة مرفق عام وتعهد به إلى الأفراد فيتوافر فيه العنصر الموضوعي دون العضوي.
    وقد اعترف مجلس الدولة في فرنسا للمرافق الاقتصادية والتجارية بصفة المرفق العام، بل أطلق هذه الصفة على بعض المشروعات الخاصة ذات النفع العام التي تخضع لترخيص أداري مقيد ببعض الشروط، وفق ما يعرف بفكرة المرافق العامة الفعلية .( )
    وفي الاتجاه ذاته اعترف القضاء الإداري في مصر للمرافق الاقتصادية بصفة المرافق العامة وأخضعها لنظام القانون العام . ( )
    عناصر المرفق العام
    من التعريف السابق يتضح أن هناك ثلاثة عناصر يجب توافرها حتى يكتسب المشروع صفة المرفق العام ويعود العنصر الأول إلى الهدف الموكل إلى المرفق الذي يقوم بالنشاط والثاني ارتباط المشروع بالإدارة ورقابتها لسير العمل فيه وأخيراً استخدام امتيازات السلطة العامة .
    أولاً : عنصر الهدف .
    لابد أن يكون الغرض من المرفق العام تحقيق المنفعة العامة وإشباع حاجات الأفراد أو تقديم خدمة عامة، وهذه الحاجات أو الخدمات قد تكون مادية كمد الأفراد بالمياه والكهرباء أو معنوية كتوفير الأمن والعدل للمواطنين.
    وعلى ذلك يعد تحقيق النفع العام من أهم العناصر المميزة للمرفق العام عن غيره في المشروعات التي تستهدف تحقيق النفع الخاص أو تجمع بين هذا الهدف وهدف إشباع حاجة عامة أو نفع عام.
    ومع ذلك فإن تحقيق بعض المرافق العامة للربح لا يعني حتماً فقدها صفة المرفق العام، طالما أن هدفها الرئيس ليس تحقيق الربح، وإنما تحقيق النفع العام كما أن تحصيل بعض المرافق لعوائد مالية لقاء تقديمها الخدمات إلى المواطنين كما هو الحال بالنسبة لمرفق الكهرباء والقضاء لا يسعى لكسب عوائد مالية بقدر ما بعد وسيلة لتوزيع الأعباء العامة على كل المواطنين .( )
    ومع ذلك فان هدف المنفعة العامة الذي اعترف القضاء الإداري به عنصراً من عناصر المرفق العام لا يمكن تحديده بدقة ، فهو الهدف قابل للتطور ويتوقف على تقدير القاضي إلى حد كبير .
    وفي هذا السبيل ذهب جانب من الفقه إلى أن الذي يميز المرفق العام، أن المشروعات التي تنشئوها الدولة تعتبر مرافق عامة لأنها تستهدف تحقيق وجهاً من وجوه النفع العام الذي عجز الأفراد وأشخاص النشاط الخاص عن القيام بها، أولا يستطيعون القيام بها على أكمل وجه .( )
    إلا أن المتتبع لأحكام القضاء الإداري الفرنسي يجد أنه اعتبر الكثير من النشاطات تهدف إلى تحقيق المنفعة العامة، رغم إن نشاطها من السهل أن يتولاه الأفراد، ومن ذلك حكم Terrier 1903 المتعلق بقتل الثعابين ، وحكم Therond 1910 الخاص برفع جثث الحيوانات .( )
    ثانياً : عنصر الإدارة
    تقوم الدولة بإنشاء المرافق العامة ويجب أن يكون نشاط المرفق العام منظماً من جانب الإدارة وموضوعاً تحت إشرافها ورقابتها، وخاضعاً لتوجيهها لضمان عدم انحرافه عن المصلحة العامة لحساب المصالح الخاصة( ).
    وإذا عهدت الإدارة إلى أحد الأشخاص المعنوية العامة بإدارة المرافق فإن هذا لا يعني تخليها عن ممارسة رقابتها وإشرافها عليه من حيث تحقيقه للمصلحة العامة وإشباع الحاجات العامة للأفراد، ونفس الأمر إذا أصبحت الإدارة بيد هيئة خاصة بمقتضيات المصلحة العامة تقتضي النص على إخضاع هذه الهيئة الخاصة كاملة فلا نكون أمام مرفق عام.
    مع إن هناك جانب من الفقه تؤيده بعض أحكام مجلس الدولة الفرنسي يذهب إلى أن هناك ما يمكن تسميته بالمرافق العامة الفعلية , وتخضع لبعض أحكام المرافق العامة، لأن هذا الاتجاه يتعارض والمستقر في مبادئ وأحكام القانون الإداري التي تقضي بضرورة وجود نص يخول الإدارة إنشاء المرافق العامة.
    ثالثاً : وجود امتيازات السلطة العامة :-
    يلزم لقيام المرافق العامة أن تتمتع الجهة المكلفة بإدارة المرفق العام بامتيازات غير مألوفة في القانون الخاص تلائم الطبيعة الخاصة للنظام القانوني الذي يحكم المرافق العامة.
    غير أن هذا الشرط مختلف فيه بين الفقهاء على اعتبار أن التطورات الاقتصادية وتشعب أنشطة الإدارة أفرزت إلى جانب المرافق العامة الإدارية مرافق عامة صناعية وتجارية تخضع في الجانب الأكبر من نشاطها إلى أحكام القانون الخاص كما أن خضوع المرفق للقانون العام هو مجرد نتيجة لثبوت الصفة العامة للمرفق ، ومن غير المنطقي أن تعرف الفكرة بنتائجها .( )
    غير أننا لا نتفق مع هذا الرأي من حيث أن المرافق العامة الصناعية والتجارية وأن كنت تخضع في بعض جوانبها لأحكام القانون الخاص فأنها لا تدار بنفس الكيفية التي تدار بها المشروعات الخاصة كما أن إرادة المشرع في إنشائها تضعها في إطار نظام قانوني غير مألوف وأن لم تتضمن امتيازات غير مألوفة في القانون الخاص.
    ومن هنا نرى ضرورة خضوع المرافق العامة لنظام قانوني متميز عن نظام القانون الخاص بسبب طبيعتها المتميزة واستهدافها المصلحة العامة ومن قبيل ذلك حقها في التنفيذ المباشر وحقها في استيفاء الرسوم، وهذا ما استقر عليه قضاء مجلس الدولة الفرنسي .( )

    المطلب الثاني :أ نـواع المرافق العامة
    لا تأخذ المرافق العامة صورة واحدة بل تتعدد أنواعها تباعاً للزاوية التي ينظر منها إليها ، فمن حيث طبيعة النشاط الذي تمارسه تنقسم إلى مرافق إدارية ومرافق اقتصادية، ومرافق مهنية، ومن حيث استقلالها تنقسم إلى مرافق ذات شخصية معنوية مستقلة ومرافق لا تتمتع بالشخصية المعنوية، ومن حيث نطاق نشاطها إلى مرافق قومية وأخرى محلية .
    ومن حيث مدى الالتزام بإنشائها إلى مرافق اختيارية ومرافق إجبارية.
    أولاً : المرافق العامة من حيث طبيعة نشاطها .
    تنقسم المرافق العامة من حيث موضوع نشاطها أو طبيعة هذا النشاط ‘لى ثلاثة أنـواع :
    1. المرافق العامة الإدارية :-
    يقصد بالمرافق العامة الإدارية تلك المرافق التي تتناول نشاطاً لا يزاوله الأفراد عادة أما بسبب عجزهم عن ذلك أو لقلة أو انعدام مصلحتهم فيه، ومثالها مرافق الدفاع والأمن والقضاء .( )
    وتخضع المرافق الإدارية من حيث الأصل لأحكام القانون الإداري، فعمالها يعتبرون موظفين عموميين وأموالها أموالاً عامة، وتصرفاتها أعمالاً إدارية، وقراراتها تعد قرارات إدارية وعقودها عقوداً إدارية، وبمعنى أخر تتمتع المرافق العامة الإدارية باستخدام امتيازات السلطة العامة لتحقيق أهدافها . إلا أنها قد تخضع في بعض الأحيان استثناء لأحكام القانون الخاص، وذلك عندما يجد القائمون على إدارتها أن هذا الأسلوب يكفي لتحقيق أهداف المرفق وتحقيق المصلحة العامة
    2. المرافق الاقتصادية :-
    بفعل الأزمات الاقتصادية وتطور وظيفة الدولة ظهر نوع أخر من المرافق العامة يزاول نشاطاً تجارياً أو صناعياً مماثلاً لنشاط الأفراد و تعمل في ظروف مماثلة لظروف عمل المشروعات الخاصة، وبسبب طبيعة النشاط الذي تؤديه هذه المرافق دعا الفقه والقضاء إلى ضرورة تحرير هذه المرافق من الخضوع لقواعد القانون العام.
    والأمثلة على هذه المرافق كثيرة ومنها مرفق النقل والمواصلات ومرفق توليد المياه والغاز ومرفق البريد.
    وقد اختلف الفقه حول معيار تمييز المرافق العامة الاقتصادية عن المرافق العامة الإدارية وعلى النحو التالي:-
    أ- المعيار الشكلي
    يعتمد هذا المعيار على أساس شكل المشروع أو مظهره الخارجي فإذا اتخذ المشروع شكل المشروعات الخاصة كما لو تمت إدارته بواسطة شركة فأنه مرفق اقتصادي , وبعكس ذلك لو تمت إدارته بواسطة الإدارة أو تحت رقابتها وإشرافها وباستخدام أساليب السلطة العامة فهو مرفق عام إداري.

    ب- معيار الهدف .
    اتجه هذا المعيار إلى التمييز بين المرافق الإدارية والمرافق الاقتصادية على أساس الغرض الذي يستهدفه المرفق، فالمرافق الاقتصادية تقوم بنشاط صناعي أو تجاري يهدف إلى تحقيق الربح مثلما هو الحال في المشروعات الخاصة.
    في حين لا تسعى المرافق الإدارية إلى تحقيق الربح بل تحقيق المنفعة العامة وإشباع حاجات الأفراد .
    غير أن هذا المعيار يتسم بالقصور من حيث أن الربح الذي تحققه المرافق الاقتصادية ليس الغرض الأساسي من إنشائها بل هو أثر من آثار الطبيعة الصناعية أو التجارية التي تمارسها فهي تستهدف أساساً تحقيق المنفعة العامة .( )
    كما أن المرافق الإدارية يمكن أن تحقق ربحاً من جراء ما تتقاضاه من رسوم تقوم بتحصيلها مقابل الخدمات التي تقدمها.
    ج- معيار القانون المطبق
    ذهب جانب من الفقه إلى التمييز بين المرافق العامة الاقتصادية والمرافق العامة الإدارية على أساس النظام القانوني الذي يخضع له المرفق .
    فإذا كان يخضع لأحكام القانون الخاص اعتبر المرفق اقتصادياً وعلى العكس من ذلك إذا كان يخضع لأحكام القانون العام فهو مرفق عام إداري .
    غير أن هذا المعيار غير سليم ولا يتفق مع المنطق لأن المطلوب هو تحديد نوع المرفق العام قبل إخضاعه لنظام قانوني معين، وليس العكس أي أن خضوع المرفق الاقتصادي لقواعد القانون الخاص هو نتيجة لثبوت الصفة الاقتصادية للمرفق.
    كما أن خضوع المرفق العام للقانون الخاص مجرد قرينة على أن هذا المرفق ذو صفة اقتصادية ولكن لا يمكن الاعتماد عليها بثبوت هذه الصفة قطعاً .( )
    د – معيار طبيعة النشاط :-
    ذهب رأي أخر من الفقه وهو الرأي الراجح إلى أن المرفق يكون اقتصادياً إذا كان النشاط الذي يقوم به يعد نشاطاً تجارياً بطبيعته طبقاً لموضوعات القانون التجاري، ويعتبر المرفق مرفقاً عاماً إدارياً إذا كان النشاط الذي يمارسه نشاطاً إدارياً ومما يدخل في نطاق القانون الإداري.
    وقد أخذ بهذا الرأي جانب كبير من الفقهاء، ومع أن القضاء الإداري في فرنسا لم يعتمد معياراً واحداً منها وإنما أخذ بمعيار يقوم على فكرتين أو عنصرين :-
    العنصر الأول : ويعتمد على موضوع وطبيعة النشاط الذي يمارسه المرفق الاقتصادي الذي يتماثل مع النشاط الخاص.
    العنصر الثاني : يتعلق بالأساليب وطرق تنظيم وتسيير المرفق في ظل ظروف مماثلة لظروف عمل المشروعات الصناعية .( )
    أما بخصوص القانون الذي تخضع له المرافق الاقتصادية فقد استقر القضاء الإداري على أن تخضع لقواعد القانون الخاص في نشاطها ووسائل إدارتها، مع خضوعها لبعض قواعد القانون العام من قبيل انتظام سير المرافق العامة والمساواة بين المنتفعين بخدماتها وقابليتها للتغيير بما يتلائم مع المستجدات وتمتعها ببعض امتيازات السلطة العامة اللازمة لحسن أدائها لنشاطها مثل نزع الملكية للمنفعة العامة، والاستيلاء المؤقت، وينعقد الاختصاص في هذا الجانب من نشاطها لاختصاص القضاء الإداري .
    وبهذا المعنى فهي تخضع لنظام قانوني مختلط يجمع بين أحكام القانون الخاص والقانون العام معاً، إلا أن العمل قد جرى في القضاء الليبي على استثناء المرافق العامة الاقتصادية التي تدار من قبل الشركات والمنشآت العامة من تطبيق أحكام القانون الإداري فلم يعتبر العاملين فيها موظفين عامين كما أن الأعمال الصادرة منها لا ترقى إلى مرتبة القرارات الإدارية ويخضع نظامها المالي لحكام القانون الخاصة، وتعتبر العقود التي تبرمها عقوداً خاصة . ( )
    3- المرافق المهنية :-
    وهي المرافق التي تنشأ بقصد توجيه النشاط المهني ورعاية المصالح الخاصة بمهنة معينة، وتتم إدارة هذه المرافق بواسطة هيئات أعضائها ممن يمارسون هذه المهنة ويخولهم القانون بعض امتيازات السلطة العامة .مثل نقابات المهندسين والمحامين والأطباء وغيرها من النقابات المهنية الأخرى.
    وقد ظهر هذا النوع من المرافق عقب الحرب العالمية الثانية لمواجهة المشاكل التي كان يتعرض لها أصحاب هذه المهن والدفاع عنهم وحماية مصالحهم، لا سيما في فرنسا التي ظهرت فيها لجان تنظيم الإنتاج الصناعي عام1940 .
    وتخضع هذه المرافق لنظام قانوني مختلط فهي تخضع لنظام القانون العام واختصاص القضاء الإداري في بعض المنازعات المتعلقة بنشاطها غير أن الجانب الرئيس من نشاطها يخضع لأحكام القانون الخاص.
    فالمنازعات المتعلقة بنظامها الداخلي وعلاقة أعضائها بعضهم ببعض وشؤونها المالية تخضع للقانون الخاص ولاختصاص المحاكم العادية، أما المنازعات المتصلة بمظاهر نشاطها كمرفق عام وممارستها لامتيازات السلطة العامة فتخضع لأحكام القانون العام واختصاص القضاء الإداري .( )
    ومن ثم فإن المرافق المهنية تتفق مع المرافق العامة الاقتصادية من حيث خضوعها لنظام قانوني مختلط، غير أن نظام القانون العام يطبق بشكل أوسع في نطاق المرافق المهنية ويظهر ذلك في امتيازات القانون العام التي يمارسها المرفق، في حين ينحصر تطبيقه في مجال تنظيم المرفق في المرافق الاقتصادية .
    ثانياً : المرافق من حيث استقلالها
    تنقسم المرافق العامة من حيث استقلالها إلى مرافق تتمتع بالشخصية المعنوية أو الاعتبارية ومرافق لا تتمتع بالشخصية المعنوية.
    1- المرافق العامة التي تتمتع بالشخصية المعنوية : وهي المرافق التي يعترف لها قرار إنشائها بالشخصية المعنوية ويكون لها كيان مستقل كمؤسسة عامة مع خضوعها لقدر من الرقابة أو الوصاية الإدارية.
    2- المرافق العامة التي لا تتمتع بالشخصية المعنوية : وهي المرافق التي لا يعترف لها قرار إنشائها بالشخصية المعنوية ويتم إلحاقها بأحد أشخاص القانون العام وتكون تابعة لها، كالدولة أو الوزارات أو المحافظات، وهي الغالبية العظمى من المرافق العامة .
    وتبدو أهمية هذا التقسيم في مجال الاستقلال المالي والإداري وفي مجال المسؤولية ، إذ تملك المرافق العامة المتمتعة بالشخصية المعنوية قدراً كبيراً من الاستقلال الإداري والمالي والفني في علاقتها بالسلطة المركزية مع وجود قدر من الرقابة كما أوضحنا ، غير أن هذه الرقابة لا يمكن مقارنتها بما تخضع له المرافق غير المتمتعة بالشخصية المعنوية من توجيه وإشراف مباشرين من السلطات المركزية ،أما من حيث المسؤولية فيكون المرفق المتمتع بالشخصية المعنوية مستقلاً ومسؤولاً عن الأخطاء التي يتسبب في إحداثها للغير في حين تقع هذه المسؤولية على الشخص الإداري الذي يتبعه المرفق العام في حالة عدم تمتعه بالشخصية المعنوية.
    ثالثاً: المرافق العامة من حيث نطاق نشاطها
    تنقسم المرافق العامة من حيث نطاق أو مجال عملها إلى مرافق قومية ومرافق محلية.

    1- المرافق القومية
    يقصد بالمرافق القومية تلك المرافق التي يتسع نشاطها ليشمل كل أقليم الدولة. كمرفق الدفاع ومرفق القضاء ومرفق الصحة، ونظراً لعمومية وأهمية النشاط الذي تقدمه هذه المرافق فأنها تخضع لإشراف الإدارة المركزية في الدولة من خلال الوزارات أو ممثليها أو فروعها في المدن، ضماناً لحسن أداء هذه المرافق لنشاطها وتحقيقاً للمساواة في توزيع خدماتها.
    وتتحمل الدولة المسؤولية الناتجة عن الأضرار التي تتسبب فيها المرافق القومية بحكم إدارتها لها والإشراف على شؤونها.
    2- المرافق المحلية :-
    ويقصد بها المرافق التي يتعلق نشاطها بتقديم خدمات لمنطقة محددة أو إقليم معين من أقاليم الدولة ،ويعهد بإدارتها إلى الوحدات المحلية، كمرفق النقل،أو مرفق توزيع المياه أو الكهرباء وغيرها من المرافق التي تشبع حاجات محلية.
    وتتميز المرافق المحلية بالاختلاف والتنوع في أساليب إدارتها بحكم اختلاف وتنوع حاجات كل وحدة محلية أو إقليم تمارس نشاطها فيه كما أن المسؤولية الناتجة عن الأضرار التي تتسبب بإحداثها المرافق المحلية أو موظفيها ويتحملها الشخص المعنوي المحلي أو الإقليمي .( )
    رابعاً : المرافق العامة من حيث مدى الالتزام بإنشائها
    تنقسم المرافق العامة من حيث حرية الإدارة في إنشائها إلى مرافق اختيارية وأخرى إجبارية :-
    1- المرافق الاختيارية .
    الأصل في المرافق العامة أن يتم إنشائها بشكل اختياري من جانب الدولة . وتملك الإدارة سلطة تقديرية واسعة في اختيار وقت ومكان إنشاء المرفق ونوع الخدمة أو النشاط الذي يمارسه وطريقة إدارته.
    ومن ثم لا يملك الأفراد إجبار الإدارة على إنشاء مرفق عام معين ولا يملكون الوسائل القانونية التي يمكنهم حملها على إنشاء هذا المرفق أو مقاضاتها لعدم إنشائها له. ويطلق الفقه على المرافق العامة التي تنشئها الإدارة بسلطتها التقديرية اسم المرافق العامة لاختيارية( ).
    2- المرافق العامة الإجبارية :
    إذا كان الأصل أن يتم إنشاء المرافق العامة اختيارياً فأن الإدارة استثناء تكون ملزمة بإنشاء بعض المرافق العامة عندما يلزمها القانون أو جهة إدارية أعلى بإنشائها ومثال ذلك إنشاء الإدارة لمرفق الأمن والصحة فهي مرافق إجبارية بطبيعتها وتهدف لحماية الأمن والصحة العامة وغالباً ما تصدر القوانين بإنشائها.

    المطلب الثالث : إنشاء وإلغاء المرافق العامة
    نعرض في هذا المطلب المبادئ المتعلقة بإنشاء وإلغاء المرافق العامة .
    أولاً : إنشاء المرافق العامة :
    عندما تجد السلطة المختصة أن حاجة الجمهور تقتضي إنشاء مرفقاً عاماً لإشباعها ويعجز الأفراد عن ذلك، فإنها تتدخل مستخدمة وسائل السلطة العامة وتنشئ المرفق العام.
    وحيث إن إنشاء المرافق العامة يتضمن غالباً المساس بحقوق الأفراد وحرياتهم لاعتمادها أحياناً على نظام الاحتكار الذي يمنع الأفراد من مزاولة النشاط الذي يؤديه المرفق وفي أحيان أخرى يقيدهم بممارسة نشاطات معينة بحكم تمتع المرافق العامة بوسائل السلطة العامة وامتيازاتها التي تجعل الأفراد في وضع لا يسمح لهم بمنافسة نشاطات هذه المرافق ولأن إنشاء المرافق العامة يتطلب اعتمادات مالية كبيرة في الميزانية لمواجهة نفقات إنشاء هذه المرافق وإدارتها.
    فقد درج الفقه والقضاء على ضرورة أن يكون إنشاء المرافق العامة بقانون أو بناء على قانون صادر من السلطة التشريعية أي أن تتدخل السلطة التشريعية مباشرة فتصدر قانوناً بإنشاء المرفق أو أن تعهد بسلطة إنشاء المرفق إلى سلطة أو هيئة تنفيذية.
    وكان هذا الأسلوب سائداً في فرنسا حتى عام 1958 عندما صدر الدستور الفرنسي دون أن يذكر أن إنشاء المرافق العامة ضمن الموضوعات المحجوزة للقانون، وأصبح إنشاء هذه المرافق في اختصاص السلطة التنفيذية دون تدخل من جانب البرلمان إلا في حدود الموافقة على الاعتمادات المالية اللازمة لإنشاء المرفق( ) .

    مع ضرورة التنبيه إلى أن إنشاء المرافق العامة يتم بأسلوبين :
    الأول : أن تقوم السلطة المختصة بإنشاء المرفق ابتداءً .
    والثاني : أن تعمد السلطة إلى نقل ملكية بعض المشروعات الخاصة إلى الملكية العامة، كتأميمها لاعتبارات المصلحة العامة مقابل تعويض عادل .
    ثانياً : إلغاء المرافق العامة
    بينا أن الأفراد لا يملكون إجبار الإدارة على إنشاء المرافق العامة ولا يستطيعون إجبارها على الاستمرار في تأدية خدماتها إذا ما قدرت السلطة العامة إن إشباع الحاجات التي يقدمها المرفق يمكن أن يتم بغير وسيلة المرفق العام أو لاعتبارات أخرى تقدرها هي وفقاً لمتطلبات المصلحة العامة.
    والقاعدة أن يتم الإلغاء بنفس الأداة التي تقرر بها الإنشاء ، فالمرفق الذي تم إنشاؤه بقانون لا يتم إلغاؤه إلا بنفس الطريقة وإذا كان إنشاء المرفق بقرار من السلطة التنفيذية فيجوز أن يلغى بقرار إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك.
    وعندما يتم إلغاء المرفق العام فإن أمواله تضاف إلى الجهة التي نص عليها القانون الصادر بإلغائه، فإن لم ينص على ذلك , فإن أموال المرفق تضاف إلى أموال الشخص الإداري الذي كان يتبعه هذا المرفق .
    أما بالنسبة للمرافق العامة التي يديرها أشخاص معنوية عامة مستقلة فإن مصير أموالها يتم تحديده من خلال معرفة مصدر هذه الأموال كأن تكون الدولة أو أحد أشخاص القانون العام الإقليمية الأخرى فيتم منحها لها.
    أما إذا كان مصدرها تبرعات الأفراد والهيئات الخاصة فإن هذه الأموال تأول إلى أحد المرافق العامة التي تستهدف نفس غرض المرفق الذي تم إلغاؤه أو غرضاً مقارباً له، احتراماً لإرادة المتبرعين . ( )
    المبحث الثاني
    المبادئ التي تحكم المرافق العامة

    تخضع المرافق العامة لمجموعة من المبادئ العامة التي استقر عليها القضاء والفقه والتي تضمن استمرار عمل هذه المرافق وأدائها لوظيفتها في إشباع حاجات الأفراد ، وأهم هذه المبادئ مبدأ استمرار سير المرفق العام ومبدأ قابلية المرفق للتغيير ومبدأ المساواة بين المنتفعين.

    المطلب الأول : مبدأ استمرار سير المرفق العام
    تتولى المرافق العامة تقديم الخدمات للأفراد وإشباع حاجات عامة وجوهرية في حياتهم ويترتب على انقطاع هذه الخدمات حصول خلل واضطراب في حياتهم اليومية.
    لذلك كان من الضروري أن لا تكتفي الدولة بإنشاء المرافق العامة بل تسعى إلى ضمان استمرارها وتقديمها للخدمات، لذلك حرص القضاء على تأكيد هذا المبدأ واعتباره من المبادئ الأساسية التي يقوم عليها القانون الإداري ومع أن المشرع يتدخل في كثير من الأحيان لإرساء هذا المبدأ في العديد من مجالات النشاط الإداري، فإن تقريره لا يتطلب نص تشريعي لأن طبيعة نشاط المرافق العامة تستدعي الاستمرار والانتظام.
    ويترتب على تطبيق هذا المبدأ عدة نتائج منها: تحريم الإضراب، وتنظيم استقالة الموظفين العموميين ونظرية الموظف الفعلي ونظرية الظروف الطارئة , وعدم جواز الحجز على أموال المرفق .
    أولاً : تحريم الإضراب
    يقصد بالإضراب توقف بعض أو كل الموظفين في مرفق معين عن أداء أعمالهم لمدة معينة كوسيلة لحمل الإدارة على تلبية طلباتهم دون أن تنصرف نيتهم إلى ترك العمل نهائياً .
    وللإضراب نتائج بالغة الخطورة على سير العمل في المرفق وقد تتعدى نتائجه إلى الأضرار بالحياة الاقتصادية والأمن في الدولة وليس هناك موقف موحد بشأن الإضراب، ومدى تحريمه فهناك من الدول التي تسمح به في نطاق ضيق. ( )
    غير أن أغلب الدول تحرمه وتعاقب عليه ضماناً لدوام استمرار المرافق العامة.
    ثانياً : تنظيم الاستقالة
    في تطبيقات هذا المبدأ تنظيم استقالة الموظفين بعدم جواز إنهائهم خدمتهم بإرادتهم عن طريق تقديم طلب يتضمن ذلك قبل قبوله لما يؤدي إليه هذا التصرف من تعطيل العمل في المرفق.

    ثالثاً : الموظف الفعلي
    يقصد بالموظف الفعلي ذلك الشخص الذي تدخل خلافاً للقانون في ممارسة اختصاصات وظيفية عامة متخذاً مظهر الموظف القانوني المختص .( )
    ولا شك أنه لا يجوز للأفراد العاديين أن يتولون وظيفة عامة بصورة غير قانونية لأنهم يكونون مغتصبين لها وجميع تصرفاتهم تعتبر باطلة .( )
    غير أنه استثناء على هذه القاعدة وحرصاً على دوام استمرار سير المرافق العامة في ظروف الحروب والثورات عندما يضطر الأفراد إلى إدارة المرفق دون أذن من السلطة اعترف القضاء والفقه ببعض الآثار القانونية للأعمال الصادرة منهم كموظفين فعليين، فتعتبر الأعمال الصادرة عنهم سليمة ويمنحون مرتباً لقاء أدائهم لعملهم إذا كانوا حسنى النية .
    رابعاً : نظرية الظروف الطارئة
    تفترض نظرية الظروف الطارئة أنه إذا وقعت حوادث استثنائية عامة غير متوقعة بعد إبرام العقد وأثناء تنفيذه وخارجه عن إرادة المتعاقد وكان من شأنها أن تؤدي إلى إلحاق خسائر غير مألوفة وإرهاق للمتعاقد مع الإدارة فان للإدارة أن تتفق مع المتعاقد على تعديل العقد وتنفيذه بطريقة تخفف من إرهاق المتعاقد وتتحمل بعض عبئ هذا الإرهاق بالقدر الذي يمكن المتعاقد من الاستمرار بتنفيذ العقد فإن لم يحصل هذا الاتفاق فإن للقضاء أن يحكم بتعويض المتعاقد تعويضاً مناسباً .
    وهذه النظرية من خلق مجلس الدولة الفرنسي ،أقرها خروجاً على الأصل في عقود القانون الخاص التي تقوم على قاعدة " العقد شريعة المتعاقدين " ضماناً لاستمرار سير المرافق العامة وللحيلولة دون توقف المتعاقد مع الإدارة عن تنفيذ التزاماته وتعطيل المرافق العامة .

    خامساً: عدم جواز الحجز على أموال المرفق العام .
    خلافاً للقاعدة العامة التي تجيز الحجز على أموال المدين الذي يمتنع عن الوفاء بديونه، لا يجوز الحجز على أموال المرافق العامة وفاءً لما يتقرر للغير من ديون في مواجهتها لما يترتب على ذلك من تعطيل للخدمات التي تؤديها.
    ويستوي في ذلك أن تتم إدارة المرافق العامة بالطريق المباشر أو أن تتم إدارتها بطريق الالتزام مع أن أموال المرفق في الحالة الأخيرة تكون مملوكة للملتزم، فقد استقرت أحكام القضاء على أنه لا يجوز الحجز على هذه الأموال تأسيساً على مبدأ دوام استمرار المرافق العامة ولأن المرافق العامة أياً كان أسلوب أو طريقة إدارتها تخضع للقواعد الضابطة لسير المرافق العامة . ( )

    المطلب الثاني : مبدأ قبلية المرفق للتغيير
    إذا كانت المرافق العامة تهدف إلى إشباع الحاجات العامة للأفراد وكانت هذه الحاجات متطورة ومتغيرة باستمرار فإن الإدارة المنوط بها إدارة وتنظيم المرافق العامة تملك دائماً تطوير وتغيير المرفق من حيث أسلوب إدارته وتنظيمه وطبيعة النشاط الذي يؤديه بما يتلاءم مع الظروف والمتغيرات التي تطرأ على المجتمع ومسايرة لحاجات الأفراد المتغيرة باستمرار ومن تطبيقات هذا المبدأ أن من حق الجهات الإدارية القائمة على إدارة المرفق كلما دعت الحاجة أن تتدخل لتعديل بإدارتها المنفردة لتعديل النظم واللوائح الخاصة بالمرفق أو تغييرها بما يتلاءم والمستجدات دون أن يكون لأحد المنتفعين الحق في الاعتراض على ذلك والمطالبة باستمرار عمل المرافق بأسلوب وطريقة معينة ولو أثر التغيير في مركزهم الشخصي .
    وقد استقر القضاء والفقه على أن هذا المبدأ يسري بالنسبة لكافة المرافق العامة أياً كان أسلوب إدارتها بطريق الإدارة المباشرة أم بطريق الالتزام .
    كما أن علاقة الإدارة بالموظفين التابعين لها في المرافق علاقة ذات طبيعة لائحية. فلها دون الحاجة إلى موافقتهم نقلهم من وظيفة إلى أخرى أو من مكان إلى أخر تحقيقاً لمقتضيات المصلحة العامة.
    ومن تطبيقات هذا المبدأ أيضاً حق الإدارة في تعديل عقودها الإدارية بإرادتها المنفردة دون أن يحتج المتعاقد " بقاعدة العقد شريعة المتعاقدين " إذ أن الطبيعة الخاصة للعقود الإدارية وتعلقها بتحقيق المصلحة العامة، تقتضي ترجيح كفة الإدارة في مواجهة المتعاقد معها، ومن مستلزمات ذلك أن لا تتقيد الإدارة بقاعدة العقد شريعة المتعاقدين وأن تتمكن من تعديل عقودها لتتمكن من تلبية التغير المستمر في المرافق التي تديرها .( )
    وسلطة الإدارة في تعديل عقودها الإدارية أثناء تنفيذها تشمل العقود الإدارية جميعها دونما حاجة إلى نص في القانون أو شرط في العقد وقد اعترف القضاء والفقه بهذه الفكرة ولاقت القبول تأسيساً على أن طبيعة احتياجات المرافق العامة المتغيرة باستمرار هي التي تقضي بتعديل بعض نصوص العقد، على أن لا يمس هذا التعديل النصوص المتعلقة بالامتيازات المالية .
    وفي هذا الاتجاه يذكر الدكتور"سليمان الطماوي" إن الأساس الذي تقوم عليه سلطة التعديل مرتبطة بالقواعد الضابطة لسير المرافق العامة ومن أولها قاعدة قابلية المرفق العام للتغيير والمرفق العام يقبل التغير في كل وقت متى ثبت أن التغير من شأنه أن يؤدي إلى تحسين الخدمة التي يقدمها إلى المنتفعين وفكرة التعديل هي فكرة ملازمة للقاعدة السابقة. ( )

    المطلب الثالث: مبدأ المساواة بين المنتفعين
    يقوم هذا المبدأ على أساس التزام الجهات القائمة على إدارة المرافق بأن تؤدي خدماتها لكل من يطلبها من الجمهور ممن تتوافر فيهم شروط الاستفادة منها دون تمييز بينهم بسبب الجنس أو اللون أو اللغة أو الدين أو المركز الاجتماعي أو الاقتصادي .
    ويستمد هذا المبدأ أساسه من الدساتير والمواثيق وإعلانات الحقوق التي تقتضي بمساواة الجميع أمام القانون ولا تمييز بين أحد منهم.
    غير أن المساواة أمام المرافق العامة مساواة نسبية وليست مطلقة، ومن مقتضياتها أن تتوافر شروط الانتفاع بخدمات المرفق فيمن يطلبها، وأن يتواجد الأفراد في المركز الذي يتطلبه القانون والقواعد الخاصة يتنظيم الانتفاع بخدمات المرفق ثم يكون لهم الحق بالمعاملة المتساوية سواء في الانتفاع بالخدمات أو في تحمل أعباء هذا الانتفاع.
    وبمعنى أخر على الإدارة أن تحترم مبدأ المساواة بين المنتفعين متى تماثلت ظروفهم وتوافرت فيهم شروط الانتفاع التي حددها القانون , أما إذا توافرت شروط الانتفاع في طائفة من الأفراد دون غيرهم فإن للمرفق أن يقدم الخدمات للطائفة الأولى دون الأخرى أو أن يميز في المعاملة بالنسبة للطائفتين تبعاً لاختلاف ظروفهم كاختلاف رسوم مرفق الكهرباء والمياه بالنسبة لسكان المدينة وسكان القرى .
    ومع ذلك فإن هذا المبدأ لا يتعارض مع منح الإدارة بعض المزايا لطوائف معينة من الأفراد لاعتبارات خاصة كالسماح للعجزة أو المعاقين بالانتفاع من خدمات مرفق النقل مجاناً أو بدفع رسوم مخفضة أو إعفاء أبناء الشهداء من بعض شروط الالتحاق بالجامعات .
    أما إذا أخلت الجهة القائمة على إدارة المرفق بهذا المبدأ وميزت بين المنتفعين بخدماته فإن للمنتفعين أن يطلبوا من الإدارة التدخل لإجبار الجهة المشرفة على إدارة المرفق على احترام القانون ، إذا كان المرفق يدار بواسطة ملتزم ،فإن امتنعت الإدارة عن ذلك أو كان المرفق يدار بطريقة مباشرة فإن من حق الأفراد اللجوء إلى القضاء طالبين إلغاء القرار الذي أخل بمبدأ المساواة بين المنتفعين وإذا أصابهم ضرر من هذا القرار فإن لهم الحق في طلب التعويض المناسب.
    المبحث الثالث
    طرق إدارة المرافق العامة

    تختلف طرق إدارة المرافق العامة تبعاً لاختلاف وتنوع المرافق وطبيعة النشاط الذي تؤديه، وأهم هذه الطرق هي الاستغلال المباشر أو الإدارة المباشرة وأسلوب المؤسسة أو الهيئة العامة وأسلوب الالتزام وأخيراً الإدارة أو الاستغلال المختلط ( ).
    المطلب الأول : الإدارة المباشرة
    يقصد بهذا الأسلوب أن تقوم الإدارة مباشرة بإدارة المرفق بنفسها سواء أكانت سلطة مركزية أم محلية مستخدمة في ذلك أموالها وموظفيها ووسائل القانون العام ولا يتمتع المرفق الذي يدار بهذه الطريقة بشخصية معنوية مستقلة .





      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 8:31 pm