الاجتهاد في المواد الجزائية:
القاضي يجتهد في حالة غياب النص القانوني ، وإذا اختار القانون نصا معينا فلا مجال للاجتهاد.
ولكن إذا ترك القانون نصا قصدا أو نسيانا أو تناسيا أو كانت هناك حادثة جديدة لا نص فيها، هل القاضي يأخذ بالحكم المتروك والاجتهاد في الحادثة وفق ضوابط الاجتهاد المعروفة.
لم ينص قانون العقوبات على عقوبة التعامل في الربا ولم يجعله من الجرائم المنصوص عليها في القانون ، هل هذا يعني إباحة الربا وجوازه؟ أم هذا لا يعني إباحة الربا لانه محرم في جميع الأديان السماوية؟. ولقد أجمع فقهاء المسلمين على تحريمه وتعزيز من تعامل بالربا ، فهل يجوز للقاضي الجزائي أن يجتهد طبقا لهذا المفهوم؟.
حقيقة بامكان القاضي الجزائي أن يجتهد فمن المقرر قانونا أن الدعوى العمومية في مواد الجنح تتقادم بثلاث سنوات كاملة ويتبع في شأنها الأحكام الموضحة بالمادة 07 قانون الإجراءات الجزائية.
1/إذا تعلق الأمر بجريمة مستمرة كحالة الاعتداء على الملكية العقارية فلا تتقادم الا من تاريخ انتهاء الفعل الاجرامي.
2/ كما أنه لا يجوز الطعن ضد الاحكام والقرارات القضائية الا من كان طرفا فيها ولما ثبت أن الطاعنة بصفتها طرفا مدنيا لم تستأنف أمر السيد قاضي التحقيق القاضي بانتفاء وجه الدعوى ولما استأنفت النيابة العامة لوحدها الأمر لمراجعته أمام غرفة الاتهام ، فان الطرف المدني بذلك لم يصبح طرفا أمام غرف الاتهام ولا يجوز له بالتالي الطعن بالنقض في قرارها وهذا ما توصل إليه الاجتهاد القضائي للمحكمة العليا.
3/كما توصل الاجتهاد القضائي أن البحث في نية المتهم وقصده عند ارتكاب الجريمة ليس من المسائل القانونية التي تخضع لرقابة المحكمة العليا ، إنما الأمر موكول فيها إلى قضاة الموضوع ، ويكفي لإثبات القصد الجنائي أن يكونوا بنوا قضائهم على صحة الواقعة ونسبيتها إلى المتهم وبما استنتجوه من ظروف الدعوى وملابساتها شرط أن يكون إليه سائغا منطقيا وقانونا وعلى هذا الأساس فالقصد الجنائي- من مسائل الموضوع – لا رقابة لقضاة المحكمة عليه.
4/ توصل الاجتهاد القضائي أن حجة الاعتراف في حق المتهم المعترف أو في حق غيره من المتهمين الذين تناولهم هذا الاعتراف هي مسألة موضوعية نقدرها غرفة الاتهام لها أن تأخذ به إن اعتقدت صحته أو تستبعده إن شكت في صحته ، ومن المقرر أيضا أن إعادة تمثيل الجريمة من طرف قاضي التحقيق أمر جوازي متروك إليه وحسب مدى حاجة الدعوى إليه.
5/ متى كان من المقرر قانونا وقضاءا أن الحكم المدني تابع للحكم الجنائي في أحكام محكمة الجنايات ، فإن نقض وإبطال الحكم الجنائي يستتبع حتما إبطال الحكم المدني ، ويستتبع بالتالي الفصل في الدعوتين العمومية والمدنية.
ولما كان من الثابت في قضية الحال أن المجلس الأعلى قرر نقض وإبطال الحكم الجنائي فإن المحكمة المحالة عليها الدعوى الفاصلة في الدعوى العمومية فقط دون التطرق للدعوى المدنية يتوجب إحالة هذه الدعوى عليها للفصل فيها طبقا للقانون باعتبارها لا زالت قائمة أمامها ، ومتى كان كذلك استوجب إحالة الدعوى المدنية على نفس محكمة الجنايات التي لازالت قائمة أمامها.
6/ كما أنه يكفي النطق بمصادرة محل الجريمة أمام القاضي الجزائي في المواد الجمركية يغني عن النطق بها أمام القاضي المدني ، ولما كان الثابت أنه قد تم أمام القاضي الجزائي التصريح بمصادرة محل الجريمة ، فإن القاضي المدني برفضه الاستجابة لطالب المصادرة يكون قد طبق القانون التطبيق الصحيح.
7/ ولقد توصل اجتهاد قضاة المحكمة العليا على أنه إذا تبين لغرفة الاتهام أن الوقائع تحمل وصفا قانونيا غير الوصف القانوني المعطى لها ، فانه يجب عليها اعطاء تلك الوقائع التكييف القانوني الصحيح ، ومن ثم فان القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد يعد خطأ في تطبيق القانون.
ولما كان من الثابت أن قرار غرفة الاتهام القاضي بانتفاء وجه الدعوى ضد المتهم من أجل تحريض قاصرة على الفسق بالرغم من أن الوقائع تحمل وصفا قانونيا آخر معاقب عليها تكون قد أخطأت.
8/ كما أنه من مبادئ الاجتهاد القضائي أن تكييف الوقائع مسألة موضوعية تدخل ضمن السلطة التقديرية للقاضي ، طالما كان هذا التكييف مبرر بتعليل كاف وفقا للقانون.
9/ كما أنه من المقرر قانونا وقضاءا أن تراقب غرفة الاتهام أعمال ضباط الشرطة القضائية والموظفين والأعوان المنوطة بهم بعض مهام الضبط القضائي التي يمارسونها حسب الشروط المحددة في المواد 21 وما يليها من ق.إ.ج لغرفة الاتهام أن تصدر قرارات إدارية أو تأديبية دون جواز الطعن فيها قانونا.
ولما كان من الثابت أن غرفة الاتهام أصدرت قرارا تأديبيا يتضمن توقيف صفة الطاعن لمدة سنتين ابتداء من تاريخ صدور الحكم ، فان هذا القرار على خلاف الأحكام الجزائية لا يجوز استعمال طريق الطعن فيه ، مما يتعين رفض الطعن الحالي لعدم جوازه قانونا.
10/ كما توصل قضاة المحكمة العليا في اجتهادهم على أن يعاقب بالحبس و الغرامة كل من أصدر بسوء نية شيكا لا يقابله رصيد قائم وقابل للصرف ، وكل من قبل شيكا غير قابل للصرف فورا ، وجعله كضمان.
ومن المستقر عليه قضاء أن الركن المعنوي للجريمة لا يتمثل في قصد الأذى وإلحاق الضرر ولكن يستخلص من حالة غياب الرصيد أو عدم كفايته.
ومن ثم فإن اعتراف المتهمين: الأوّل بإصدار شيك على بياض والثاني: بقبوله ، تجعله كضمان ، لا يجعلهما ينجوان من المتابعة القضائية.
11/ كما أنه من المستقر عليه قضاء ، أنه يمكن للطرف المدني استئناف القرار الصادر بالبراءة للمطالبة فيما يخص المصالحة المدنية ، لأنّ الحكم بالبراءة يبقى مكتسب بالنسبة للمتهم بعدم النطق بعقوبة جزائية في حقه ، وليس في التعويضات المالية.
وعندما منح قضاة المجلس تعويضات مدنية للطرف المدني يكونوا قد أصابوا.
12/من المبادئ المستقر عليها في القضاء الجنائي أن نقض الحكم أو القرار لا يمتد أثره لغير الطاعن طالما لم يكن الطعن مقدما من النيابة العامة ، وإذا طعن عدة متهمين فالوجه أو الأوجه الذي يقدم أحدهم وتقبله المحكمة العليا يستفيد منه الآخرين متى كان الوجه مشتركا بينهم وكان هناك اتصال بين حالة المتهمين ووجه الطعن ، وأن المحكمة العليا وحدها التي تعين في قرارها من الذي يمتد إليهم أثر الطعن بالنقض ، ومن ثم فان غرفة الاتهام التي مددت اثر النقض إلى بقية المتهمين دون أن تقرر ذلك المحكمة العليا تكون قد خرقت الاختصاص وتجاوزت سلطتها.
13/ وفي مادة الاجتهاد القضائي استقر القضاء على أنه لا تجوز معارضة على معارضة أخرى. ولما كان الثابت إن الطاعن رفع معارضة جديدة ضدّ قرار غيابي مكرر، فان قضاة المجلس لما صرحوا بعدم قبول المعارضة المرفوعة يكونوا قد احسنوا تطبيق القانون.
14/من مبادئ الاجتهاد القضائي إن التناقض المفضي إلى النقض هو التناقض الموجود بين بيانات جوهرية في الإجراءات تؤثر على صحة الحكم ، أما مجرد الخطأ المادي فانه لا يعد سببا من أسباب النقض ومن ثم فان النص على الحكم المطعون فيه بوجود تناقض بين تاريخ ورقة الأسئلة وتاريخ الحكم المطعون فيه المثبت بمحضر المرافعات وورقة التكليف بالحضور يعد خطأ ماديا لا يؤثر في صحة الحكم.
15/من المقرر قانونا أن يعاقب كل شخص دخل فجأة أو خدعة أو اقتحم منزل مواطنا ومن ثم فان القانون لا يشترط في التعدي على المنازل أن تكون مسكونة ، بل يكفي أن يكون العقار معد للسكن وتحوزه الضحية بأي طرق الحيازة المشروعة.
16/ من المستقر عليه قضاءا أن البحث في نية المتهم وقصده عند ارتكاب الجريمة ليس من المسائل القانونية التي تخضع لرقابة المجلس الأعلى ، إنما الآمر موكول فيه إلى قضاة الموضوع ، ويكفي لإثبات القصد الجنائي أن يكونوا بنوا قضائهم على صحة الواقعة ونسبتها إلى المتهم ، وبما استنتجوه من الدعوى وملابساتها شرط أن يكون ما توصلوا إليه سائغا منطقيا وقانونا ، ولما كان الثابت في قضية الحال أن المتهم الطاعن وجد في حوزته الشيء المسروق وأن غرفة الاتهام اشتقت أدلة الاتهام من واقع الأوراق الموجودة في الملف ، فان قرار الإحالة المطعون فيه القاضي بإحالة الطعن وآخرين على محكمة الجنايات كان مؤسسا تأسيسا قانونيا.
من المتفق عليه قضاءا أن محبة الاعتراف في حق المتهم المعترف أو في حق غيره من المتهمين الذين تناولهم هذا الاعتراف هي مسألة موضوعية تقدرها غرفة الاتهام لها أن تأخذ به أن اعتقدت صحته أو تستبعده أن شكت في صحته ، ومن المقرر أيضا أن إعادة تمثيل الجريمة من طرف قاضي التحقيق آمر جوازي متروك إليه وحسب مدى حاجة الدعوى إليه ، ومن ثم فان النعي على القرار المطعون فيه ببطلان الاجراءات القصور في التسبيب غير مؤسس يستوجب رفضه.
ولما كانت غرفة الاتهام في قضية الحال وإن انعدام المؤيدات المادية و القانونية للاتهام واستبعادها لاعتراف المتهم في حق غيره من المتهمين بمشاركتهم في الجريمة و قضت بتأييد أمر قاضي التحقيق القاضي بانتفاء وجه الدعوى بالنسبة للمطعون ضدّهم في حدود سلطتهم التقديرية متى كان هذا التقدير سائغا ، فان قرارها هذا لا يكون مشوبا بالقصور.
17/ من المستقر عليه قضاءا أن الشكلية تعتبر جوهرية عندما تمس بحقوق من يتمسك بها ، ومن ثم فان الطاعن في قضية الحال لم يثبت أن خرق الإجراء المدعى به قد مس بحقوقه.
18/ إن المحاضر الصادرة عن مصلحة إدارة الغابات التي شرعت في متابعة الطاعن أتت بالدليل العكسي ، وشهدت كتابيا على نفسها أنها ما عثرت وما شهدت وما عاينت المتهم في عين المكان ، وبهذا الطرح تكون إدارة الغابات قد عرضت محضرها إلى التناقض وأخلته من كافة شروط الإثبات.
الاجتهاد القضائي والمحكمة العليا:
أنشأ المشرع الجزائري طرقا تسمح بتوحيد الاجتهاد في القانون المؤرخ في: 20/12/1989.
الطريقة الأولى: تتمثل في عرض القضايا التي تطرح اشكالات قانونية من شأنها أن تؤدي إلى تناقض في الاجتهاد القضائي على غرفة مختلطة مشكلة من غرفتين طبقا للمادة 20 من القانون المؤرخ في 20/12/1989.
أما الطريقة الثانية: تتمثل في طرح القضايا التي يحتمل أن يؤدي الفصل فيها إلى تغيير الاجتهاد القضائي على هيئة الغرف المجتمعة للمحكمة العليا طبقا للمادة 22 الفقرة 05 ، أو المادة 23.
أما الطريقة الثالثة: فتقضي عرض القضايا على غرف مختلطة مشكلة من ثلاث غرف عندما تكون مدعوة للفصل في الموضوع على أثر طعن ثان طبقا للمادة 21 ف02.
غير أنه يبدو أن الطرق التي وضعها المشرع لتفادي الاضطرابات في الاجتهاد القضائي تحتاج هي نفسها إلى تأويل وتعديلات ، فإذا درسنا القرارات التي أصدرتها المحكمة العليا وإحالتها لقضاة الموضوع من جديد فان هؤلاء أحرار في تقدير الوقائع وأدلة الإثبات عند عرضها وإحالتها عليهم للفصل فيها من جديد باستثناء نص المادة 254 الفقرة 02 من قانون الإجراءات الجزائية التي تلزم القضاة بالتقيد في النقطة القانونية التي قطع فيها قضاة المحكمة العليا.
إن المشرع لا زال غامضا فيما يتعلق بسلطة الاجتهاد القضائي التي منحها للقاضي فمثلا عبارة الفصل في الموضوع. هل معنى طرح كل قضية تكون محل طعن ثان على الغرفة المختلطة طبقا لنص المادة 21 من قانون المحكمة العليا ، وهذا يعني أن الغرفة المختلطة تفصل في الموضوع.
كما الحال عليه في مصر، أم نكتفي بالفصل في موضوع الطعن أما بالرفض أو بالنقض وفي هذه الحالة تحال القضية مرة ثانية للبت فيها مرة أخرى طبقا للقانون؟
فإذا قلنا بان الغرفة المختلطة تفصل في موضوع القضية على اثر طعن ثان ، كان حكمنا مخالفا لقانون الإجراءات وإذا قلنا بان الغرفة تكتفي بالفصل في الطعن الثاني تحيل القضية إلى قضاة الموضوع في حالة النقض ، فما الفائدة من التعديل؟.
الخاتمة:
من خلال استقرائنا للنصوص القانونية يظهر بان بلادنا تعرف تعديلات عديدة و متكررة مما يستوجب تغيير الاجتهاد القضائي كما انه من خلال إطلاعنا على القوانين يظهر بان المشرع الجزائري أحاط مهمة الاجتهاد القضائي بقضاة المحكمة العليا دون غيرهم إذا ما اعتبرنا أن القضاة الأقل درجة ملزمين كما توصل إليه قضاة المحكمة العليا باعتبارها المقومة والموجهة لإعمال قضاة المجالس والمحاكم.
ولهذا فان القرارات التي تصدرها المحكمة العليا على مستوى الغرف المجتمعة لا يكون لها اثر فعال ومفيد في توحيد الاجتهاد القضائي الا إذا كان إتباعها والامتثال إليها لزوميا بالنسبة لقضاة الموضوع وتجاوزت هذه الاجتهادات النطاق الداخلي للمحكمة العليا.
الهوامش:
(1) الاجتهاد هو الطريق الموصل إلى استنباط الاحكام...والاجتهاد من الجهد وهو المشقة والطاقة وهو استفراغ الوسع في تحصيل المطلوب ولا يطلق في الحقيقة الا على ما فيه مشقة.
(2) يقصد بالفقه ما يصدر عن الفقهاء من آراء باعتبارهم علماء في مادة القانون يستعرضون نصوصه بالشرح والتفسير في مؤلفاتهم وإبداء آرائهم الخاصة بتفسير المبادئ والقواعد القانونية من الناحية النظرية.
أما التفسير الذي يصدر عن القضاة عندما يتعرضون بحكم وظائفهم لتطبيق القانون في المحاكم وتوضيح معنى القاعدة القانونية وبيان حكمها وشروط انطباقها على الأشخاص والوقائع التي تعرض عليهم في المنازعات القضائية. والتفسير القضائي الذي يصدر من القاضي في احدى المحاكم لا يكون ملزما له في الدعاوى الاخرى ، كما لا يكون ملزما للقضاة في المحاكم الأخرى ، غير أن التفسير إذا صدر عن المحكمة العليا فيعتبر ملزما للمحاكم الاقل درجة حتى تعدل عنه أو تستبدله المحكمة العليا.
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma