حقوق الملكية الفكرية و طرق حمايتها بين الفقه و القانون
مع بدء استقرار الإنسان في الأرض، ورغبته في تأمين مسكن له، يؤويه ويحميه من وحوش الغابة، ومن العوامل والكوارث الطبيعية، والصنعية التي ابتكرها بنفسه. نتجت حقوق طبيعية إنسانية من أولها: حق الملكية، وبدأت هذه الحقوق تتشعب وتتنوع مع تطور حياة الإنسان، وظهور المخترعات، وتطور اللغة المحكية والمكتوبة.
من أهم هذه الحقوق، الحقوق المعنوية، وحقوق الملكية الفكرية. وقد بدأت تظهر في مختلف الدول، التشريعات التي تحمي هذه الحقوق، وكيفية التصرف بها، وطرق نقلها إلى الآخرين.
نتطرق في هذه الدراسة للحديث عن حقوق الملكية الفكرية، وطرق حمايتها بين الفقه والقانون، بعد أن نقدم تعريفاً مختصراً لأنواع الحقوق.
1- تعريف الحقوق وأنواعها:
لقد وردت كلمة الحق بمعاني متعددة بالنظر لما يراد منها من جهة، ولأن معناها اللغوي يدل أكثر من دلالة واحدة.
1-1- تعريف الحق لغةً واصطلاحا:
الحق لغةً: إن المعنى العام لكلمة الحق تعني: الثبوت والوجوب، ولم يبتعد علماء الفقه عن هذا المعنى اللغوي كثيراً، ومن هذه المعاني:
- الثبوت والوجوب: وفي هذا المعنى تفيد ثبوت الحكم ووجوبه كقوله تعالى: )لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون( (يس: 7).
- الأمر الثابت: أي الأمر الموجود كقوله تعالى: )ونادى أصحابُ الجنَّة أصحابَ النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين( (الأعراف: 44).
- الحق ضد الباطل: كقوله تعالىولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون( (البقرة:42).
- الحق بمعنى اليقين: كقوله تعالى: )فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون( (الذاريات: 23).
- ويستعمل الحق بمعنى العدل: كقوله تعالى: )والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير( (غافر: 20).
وقوله تعالى: )ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلاّ بالحق( (الأنعام: 151).
- ويرد الحق بمقابل الواجب أو الحكم: كقوله تعالى: )وفي أموالهم حق للسائل والمحروم( (الذاريات: 19).[1]
- الحق اصطلاحاً: فقد وردت تعريفات كثيرة لعلماء القانون تنحصر كلها بالمفهوم القانوني لمدلول كلمة الحق، ومن هذه التعريفات:
- الحق عبارة عن فائدة مادية أو أدبية يحافظ عليها القانون بوساطة منح صاحبها قوة يعمل بها الأعمال اللازمة للتمتع بهذه الفائدة.[2]
- وقد عرف الدكتور السنهوري الحق: بأنه مصلحة ذات قيمة عالية يحميها القانون. [3] وقد انتقد هذا التعريف لأنه حصر الحق بالقيمة المالية، مع أن هناك حقوقاً لا تقدر بالأموال ولكنها من قبيل السلطة كحق الولي على الصغير مثلاً.
- ويعرف شرّاح القانون المدني المصري الحق: بأنه سلطة أو قدرة إرادية يحولها الشخص لتمكينه من القيام بأعمال معينة، تحقيقاً لمصلحة له يعترف بها القانون.[4]
الحق في الفقه: فقد وردت تعريفات كثيرة نكتفي منها باثنين:
- عرف الأستاذ الشيخ مصطفى الزرقاء الحق : الحق هو اختصاص يقر به الشرع سلطة أو تكليفاً.[5]
- عرف الشيخ علي الخفيف الحق : هو المصلحة المستحقة شرعاً . [1]
1-2- أنواع الحقوق :
قسم علماء القانون الحقوق إلى عدة أقسام وذلك لنظرتهم إليه باعتبارات مختلفة من وجوه مختلفة وهذه النظرة عبارة عن بيان وتوضيح لمدلول ومفهوم أنواع الحقوق ، فهي وصف لواقع يظهر ما يدل عليه إطلاق كلمة الحق وليست بمنشئة لحقوق جديدة ، والمثال على ذلك تقسيم الحق إلى مطلق ونسبي.
فالحق النسبي : هو الحق الذي وجد لمصلحة شخص أو أكثر تجاه آخر، كالالتزمـات بين الأفراد ، فالدَيْنُ عبارة عن ارتباط بين دائن و مَدينِه يلتزم فيه المدين بالقيام بعمل أو الامتناع عن عمل.
أما الحق المطلق فهو امتياز يمنح لشخص معين و يكفل القانون حفظ هذا الحق دون أن يكون هناك التزام معين من فرد معين بل إن الناس جميعاً يلتزمون باحترام هذا الحق كحق الملكية مثلاً .[6]
وقسم علماء القانون الحقوق إلى حقوق سياسية وحقوق غير سياسية، و إلى حقوق عامة وحقوق خاصة، وإلى حقوق الأسرة ، وإلى حقوق مالية، و إلى حقوق شخصية وعينية وذهنية.
وقد قسم الفقه الإسلامي الحقوق إلى قسمين باعتبارات مختلفة :
1. باعتبار صاحب الحق : إلى ثلاثة أنواع : حق الله وحق الإنسان وحق مشترك وهو ما اجتمع فيه الحقان معاً .
2. باعتبار القوة المؤيدة:وقسمه فقهاء المسلمين باعتبار القوة الملزمة له إلى نوعين: حق دياني وحق قضائي.[6]
2- حق الملكية الفكرية:
إن الحقوق الاعتبارية والأدبية والذهنية كحقوق التأليف وتحقيق المخطوطات، والاختراعات وغير ذلك. هي من الحقوق الفكرية التي تعطي لصاحبها الحق بالاحتفاظ بالربح الناتج عن عمله، وهو حق مشروع موجه يقره الفقه الإسلامي على أساس الجهد المبذول من قبل صاحبه ويعطيه السلطة بمنع أي إنسان آخر من أن يقوم بنشر مؤلفه أو اختراعه، ولهذا الحق جانبان مادي ومعنوي. فالجانب المادي يتعلق بالفائدة المادية التي يحققها صاحب هذا الاختراع من عمله ، والجانب المعنوي أنه لا يجوز لأحد أن ينسب هذا العمل له لأنه يعد متجاوزاً حق صاحب الإنتاج الذي له وحده الحق بحمل اسم عمله المبتكر. [6]
وقد نصت المادة 89 من القانون المدني السوري على أن : " الحقوق التي ترد على شيء غير مادي تنظمها قوانين خاصة." [7]
2-1-حق التأليف :
المصنف : هو الوعاء المعرفي الذي يحمل إنتاجاً أدبياً أم علمياً أو فنياً مبتكراً مهما كان نوعه أو أهميته أو طريقة التعبير فيه أو الغرض من تصنيفه [8]
المؤلف : من ينشر المصنف منسوباً إليه سواء بذكر اسمه على المصنف أم بأية طريقة أخرى بما في ذلك استعماله اسماً مستعاراً إلا إذا قام الدليل على غير ذلك. [8]
حق ملكية المؤلف : هو مجموعة المصالح المعنوية و المادية التي تثبت للشخص على مصنفه.[8]
2-2- حق الطباعة :
وقد تنوعت أشكال الطباعة و لم تعد تقتصر على الشكل الورقي وتشمل المصنفات المكتوبة، و المصنفات الفنية ومصنفات الفنون التشكيلية والتطبيقية والتصوير الفوتوغرافي ومصنفات المصورات والخرائط الجغرافية والتصاميم والمخططات المتصلة بالطبوغرافيا أو بفن العمارة أو العلوم ومصنفات البرمجيات الحاسوبية، بما في ذلك وثائق تصميمها ومجموعات البيانات. [8]
ومن التشريعات المحلية التي صدرت وتتعلق بالحماية الفكرية لحق الطباعة ما يلي :
1- قانون المطبوعات العام رقم 53 تاريخ 8/10/1949، وقد عدل بعدد من المراسيم التشريعية وقد عرفت المادة 32 منه المؤلفات الأدبية و الفنية بأنها " كل ما تنتجه المواهب البشرية خطياً ، أو شفوياً ، أو صوتياً ، أوصناعياً أو بالحركة.[9]
2- قانون العقوبات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 148 تاريخ 12/6/1949 وتعديلاته ، المواد من رقم 708 حتى 715 [10]
وخلال فترة الانتداب الفرنسي أصدر المفوض السامي القرار 2385 تاريخ 17/1/1924 والذي ينظم حقوق الملكية التجارية و الصناعية و الملكية الأدبية و الفنية في الجزء السابع، وبذلك ضمت سورية و لبنان إلى اتفاقيات حماية الملكية الفكرية الدولية [9،11]
وهناك مجموعة من الاتفاقات الدولية لا مجال لذكرها، حيث لا تسمح الورقة بذلك.
2-3- حق النشر:
النشر : نقل المصنف أو إيصاله بأسلوب مباشر أو غير مباشر إلى الجمهور أو استخراج نسخ أو صور منه أو من جزء من أجزائه يمكن قراءتها أو سماعها أو رؤيتها أو أداؤها . ولمؤلف المصنف المشمول بالحماية وحده الحق في تقرير نشر مصنفه وفي اختيار طريقة هذا النشر، وله وحده ولمن يأذن له خطياً حق استثمار مصنفه مالياً بأية وسيلة أو شكل كان و لا يجوز لغيره مباشرة هذا الحق دون إذن كتابي منه أو ممن يخلفه.[8]
إن حماية حقوق المؤلف لا تتنافى و حق الدولة في حظر تداول أي مصنف يشكل مساً بالنظام العام أو الآداب.
هذا تعريف مختصر بحقوق الملكية الفكرية أو ما يسمى بالحقوق "الاعتبارية والأدبية" في القوانين الوضعية، ولكن ماذا عن هذه الحقوق في ميزان الشرع والفقه.
والسؤال الذي نطرحه في هذا المجال هو : هل الجهد الفكري في التأليف، يورث صاحبه، في ميزان الشرع، أي اختصاص حاجز يتضمن معنى الحق؟[12].
والجواب على ذلك: نعم، بل لا نعلم في هذا القدر خلافاً ، ومن أبرز ما يدل على ذلك ما هو ثابت من حرمة انتحال الرجل قولاً لغيره، أو إسناده إلى غير مصدره. بل كانت الشريعة وما تزال، قاضية بنسبة الكلمة و الفكرة إلى صاحبها، لينال هو دون غيره أجر ما قد تنطوي عليه من خير، وليتحمل وزر ما قد تجره من شر. وقد ذهب الإمام أحمد في تحديد هذا الاختصاص و تفسيره مذهباً جعله يمتنع عن الإقدام على الاستفادة بالنقل والكتابة عن مقال أو مؤلف عرف صاحبه، إلا بعد الاستئذان منه. فقد روي عن الغزالي أن الإمام أحمد سئل عمن سقطت منه ورقة كتب فيها أحاديث أو نحوها ، أيجوز لمن وجدها أن يكتب منها ثم يردها؟ فقال: لا، بل يستأذن ثم يكتب .[12]
إذن، التأليف يورث صاحبه حقاً يتعلق بمحله الذي هو ثمرة جهد فكري أو علمي.
ولكن ما هي طبيعة هذا الحق؟ أهو حق مادي مالي ، أم هو حق معنوي خال عن شوائب النفع المادي أو المالي؟ لن ندخل في التفاصيل لأن الدراسة لا تسمح بذلك، و إنما نقول بما ورد في كتب الفقه : إن مالك المصنف بهبة أو شراء ، إنما يحق له أن يتصرف بالعين المادية التي اشتراها ، إذ هي التي وقع العقد عليها، كما أنه يملك أن يعبر عن الأفكار التي في المصنف وأن يناقشها ويرفضها ويرويها، و لكن ليس له أن ينتحلها لنفسه، ثم إنه لا يملك إذن من باب أولى أن يبيع هذا الحق المنسوب إلى غيره ويستقل هو بثمنه اعتماداً على مجرد أنه قد امتلك نسخة من مصنف تحوي صورة هذا الحق ، لا شك أن هذه النسخة تغدو عندئذ في يد أشبه ما تكون بكوة فتحت في جدار، لتتسرب اليد الأجنبية منها إلى الداخل، ثم لتقتنص كل ما قد يوجد فيه دون حق. [12]
وتتمثل هذه الحقوق في أكثر الأحيان بعبارة تدون على المصنف المطلوب حمايته لصاحبه الذي أنتجه "حقوق التأليف و الطباعة و النشر محفوظة " أو " جميع الحقوق محفوظة ".
3- الحقوق الأخرى التي تطبق على حق الملكية الفكرية:
حقوق ثلاثة مترابطة مع بعضها و مع الحقوق الثلاثة السابقة التي ذكرت و نبين حكم القانون والشريعة في هذه الحقوق بشكل موجز، في حرية استعمال المصنفات المحمية.
3-1- حق نسخ المؤلف :
تعد أوجه الاستعمال التالية للمصنف المتمتع بالحماية بلغته الأصلية أو بنصه المترجم إليه مشروعة دون الحصول على موافقة المؤلف :
استنساخ أي مصنف يمكن مشاهدته أو سماعه أو عرضه ، وذلك عن طريق التصوير الفوتوغرافي أو السينمائي أو وسائل إعلام الجمهور أو جعل ذلك المصنف في متناول الجمهور في الحدود التي يسوغها الهدف الإعلامي المنشود.[8]
استنساخ أعمال فنية تشكيلية أو معمارية لعرضها سينمائياً أو تلفازياً وإبلاغها للجمهور، إذا كانت هذه الأعمال موجودة بصفة دائمة في مكان عام. [8]
استنساخ عمل أدبي أو فني أو علمي بالتصوير الفوتوغرافي أو بطريقة مشابهة إذا كان قد سبق وضعه في متناول الجمهور بصورة مشروعة، وذلك إذا جرى الاستنساخ من قبل مكتبة عامة أو مركز للتوثيق غير تجاري أو مؤسسة علمية أو معهد تعليمي بشرط أن يكون ذلك الاستنساخ وعدد النسخ مقتصراً على احتياجات أنشطة الجهات المستنسخة، وبشرط ألا يضر ذلك بالاستثمار المادي للمصنف أو يتسبب في ضرر لا مسوغ له لمصالح المؤلف المشروعة. [8]
3-2- حق بيع المؤلف :
للمؤلف أن ينقل إلى غيره الحق في مباشرة حقوق الاستثمار المنصوص عليها في قوانين الحماية. ويكون ذلك بصورة كتابية و بتحديد واضح لكل حق في التصرف على حدة .[8]
إذا نقلت ملكية النسخة الأصلية من مصنف فلا يتضمن ذلك نقل حق المؤلف ومع ذلك يحق لمن يمتلك تلك النسخة أن يعرضها على الجمهور دون أن يكون له حق نسخها ما لم يتفق على خلاف ذلك. [8]
تنتقل حقوق المؤلف كاملة إلى ورثته بعد وفاته، بما في ذلك اتخاذ قرار نشر المصنف إذا لم يكن منشوراً قبل الوفاة وفي حال عدم وجودهم تنتقل هذه الحقوق إلى الوزارة المسؤولة عن مثل هذه الحماية.[8]
3-3- حق التنازل عن المؤلف :
إن حق التنازل عن المؤلف يتمثل بشكل مشابه بحق البيع، ويكون التنازل في أكثر الأحيان دون عوض مادي، و لذلك فإن ما ورد من نصوص بحق البيع تنطبق على حق التنازل.
هذا في القوانين الوضعية التي تختلف من بلد إلى آخر ، ولكن ما الأحكام التي نصت عليها الشريعة والفقه في هذه الحقوق.
فقد ثبت كما بينا سابقاً أن حق الابتكار حق تقره الشريعة الإسلامية بفضل أسبقيته إلى ابتكار ذلك الشيء، فينطبق عليه ما ينطبق على حق الأسبقية من أحكام، وأن بعض الشافعية و الحنابلة أجازوا بيع هذا الحق، ولكن المختار عندهم عدم جواز البيع ، ولكن يجوز التنازل عنه بمال ، وقد أجاز البهوتي في شرح منتهى الإرادات التنازل عن حق التحجير وحق الجلوس في المسجد، وهذه من حقوق الأسبقية والاختصاص، ومقتضى ذلك أنه يجوز التنازل عن حق الابتكار أو حق الطباعة لرجل آخر بعوض يأخذه المتنازل، ولكن هذا يتأتى في أصل الذي يبذله المبتكر من أجل جهده وماله ووقته، والذي يعطي هذا الحق مكانة قانونية تمثلها شهادات مكتوبة بيد المبتكر وفي دفاتر الحكومة، وصارت تعد في عرف التجار مالاً متقوماً فلا يبعد أن يصير هذا الحق المسجل ملحقاً بالأعيان والأموال بحكم هذا العرف السائد، ونظراً إلى هذه النواحي أفتى أكثر العلماء المعاصرين بجواز بيع هذا الحق. ومن الجدير بالذكر أن العلامة المفتي محمد شفيع تقي العثماني- رحمه الله تعالى- كان يفتي بعدم جواز بيع حقوق النشر، وله في ذلك رسالة وجيزة مطبوعة في كتابه (جواهر الفقه)، ولكنه بعد أن انتهى من تأليف كتابه أراد أن يعيد النظر في فتواه وأن يدرس المسألة من جديد ببحث وتحقيق مستفيض بما ينقح مسألة الحقوق والاعتياض عنها، وكان منفتحاً لكل رأي جديد يسنح له، ولكن وافته المنية قبل الشروع في ذلك.[13]
4- متى تسقط هذه الحقوق:
إن النظم العربية والغربية وإن كانت متفقة في الأصل على ضرورة الحماية لحقوق المؤلفين لصالحهم ولصالح الأمة أيضاً إلاّ أنها تختلف من بلد لآخر في بعض جزئيات النظام ومواده، وهذا الاختلاف تفرضه السلطة القضائية التي تتبناها الحكومة التي تصدر هذا النظام أو ذاك، وهكذا شأن ما كان من عند غير الله يكون فيه الاختلاف.
ونبين المدة التي يحتفظ بها المؤلف لمصنف ما مهما كان نوعه، ومتى تسقط هذه الحقوق أو تنتقل، وذلك من خلال قانون حماية الملكية الفكرية الصادر في سورية برقم (12) لعام 2001 وأكثر القوانين الوضعية في مختلف دول العالم تشابه ما سنذكره مع بعض الاختلاف البسيط.
تتمتع بالحماية حقوق المؤلف طوال حياته وحتى خمسين سنة من وفاته، وإذا اشترك في تأليف المصنف أكثر من شخص فإن الحماية تشمل المؤلفين كافة حتى غاية خمسين سنة من وفاة آخر المشاركين في تأليف المصنف.[8]
كذلك يتمتع بالحماية المصنف الذي ينشر دون اسم مؤلفه أو ينشر باسم مستعار مدة خمسين سنة بدءاً من تاريخ النشر بطريقة مشروعة.[8]
وإن حماية المصنفات السمعية/ البصرية أو الإذاعية أو السينمائية تمتد طوال خمسين سنة بدءاً من تاريخ إنتاج المصنف، وإذا وضع المصنف بمتناول الجمهور بموافقة المؤلف خلال تلك الفترة فإن الحماية تمتد طوال خمسين سنة اعتباراً من تاريخ الوضع.[8]
إن حماية المصنفات الفوتوغرافية أو مصنفات الفنون التشكيلية والتطبيقية تمتد طوال عشر سنوات بدءاً من تاريخ إنتاج المصنف.[8]
تؤول إلى الملك العام جميع المصنفات غير المحمية أو التي انقضت مدة حمايتها.[8]
والمسألة في الفقه تتمثل في أن الأفكار والحقائق والنتائج هي حصيلة جهد وعمل وسهر وبحث المؤلف، لذلك فهي حقوقه الخاصة التي يحرص عليها، ويدافع عنها. ويزعجه أن تنتزع منه بأن ينتحلها إنسان لنفسه ويدّعيها له، بينما لم يجتهد في تحصيلها ولا بحثها ولا أنفق المال والوقت في سبيلها. ولقد سمى العلماء منتحل أعمال الآخرين (العلمية أو الأدبية أو الفنية ) سارقاً، فهتكوا ستره، و فضحوا جريمته، و ألفوا في شأنه الكتب التي تكشف سوء فعلته. وإذا كانت هذه المؤلفات و الإبداعات والابتكارات حقاً لمن اجتهد في تحصيلها وتأليفها و إظهارها ، و كان في الناس من يحرص على الانتفاع بها، فإنها إذن: منفعة، والمنفعة (مال)، و المنفعة لها قيمة مادية معترف بها شرعاً. إن بائع الكتاب إنما يبيع ( الورق والحبر و الجلد الذي يحتويه ). أما الحقائق العلمية التي في الكتاب ، فإن المؤلف إنما أتاح للآخرين الانتفاع بها من خلال حيازتهم لهذا الكتاب ، و هي ( أعني الحقائق العلمية) ملك لصاحبها . [11]
5 - الخاتمة و المقترحات و التوصيات :
تلك هي مختصرات و إشارات إلى حقوق حماية الملكية الفكرية و طرق حمايتها بين الفقه و القانون ، و إلى شذرات من بحر لجي واسع ، لا تكفيه الصفحات المعدودات و الدقائق التي لا تزيد في أكثر الأحيان عن الثلاثين دقيقة أن توفيه حقه من الشرح و التفصيل .
لذلك نشير بملاحظات لعدد من الأمور توضح ما يكون أسساً شرعية لحق حماية الملكية الفكرية:
1. وجوب التزام الأمانة العلمية ، و ذلك بتوثيق الأخبار بالأسانيد ، وفق الضوابط المرسومة في علم مصطلح الحديث .
2. تخريج النصوص بنسبتها إلى أصحابها ، وعزوها إلى المصادر التي استقيت منها بدقة و أمانة .
3. تحريم قرصنة الكتب و المؤلفات ، بأي شكل كانت ، و كشف من مارس سرقة عمل غيره و انتحاله لنفسه.
4. التخليد ، أو ما يسمى اليوم ( الإيداع ) والذي عرف لوناً منه اليونان، وعرفه المسلمون، فقد كان كبار العلماء في العصر العباسي يخلدون أعمالهم في دار العلم في بغداد التي أنشأها البويهي سابور بن أردشير عام 382هـ.
5. صنعة الاستنساخ التي كانت رائجة ويكتسب بعض الناس بها لمعيشتهم.
6. مسألة أخذ الأجرة عن التحديث، وقد احتج من قال بصحة ذلك بالقياس على أخذ الأجرة على كتاب الله. فقد صح عن النبي r قوله أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله) (البخاري، رقم الحديث 5296).
7. إن هذا السبق العلمي أو الأدبي أو الفني ملك لصاحبه بمعنيين: بالمعنى الأدبي: بأن لا ينتحل من قبل الآخرين، وبالمعنى المادي: بأن يملك صاحبه أن يستثمره لنفسه أو يسمح لغيره بأن يستثمره يجعله مباحاً يملك من شاء أن يستفيد منه.
وفي الختام نقول: هذا ما يمكن تصنيفه من مجامع الاستدلال للخلاف في هذه المسألة، والناظر يعرف الراجح من الموازنة بين أدلة القولين (الفقه والقانون)، وما على المرء إلا أن يسلك مسلك الورع تحقيقاً لخلوص النية وتجريدها مما يشوبها من الخلاف. [14]
________________________________________
المصادر والمراجع
1. الحق والذمة: الأستاذ الشيخ علي الخفيف، ص35.
2. أصول القوانين: د. محمد كامل مرسي، ص408.
3. مصادر الحق في الفقه الإسلامي ج1: د. السنهوري، ص4.
4. المدخل لعلم القانون: د. سليمان مرقس، ص419.
5. المدخل إلى نظرية الالتزام العامة في الفقه الإسلامي: الشيخ مصطفى الزرقاء، ص11.
6. المدخل لدراسة التشريع الإسلامي ج2: د. عبد الرحمن صابوني، ص9- 15.
7. القانون المدني السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم (84) تاريخ 18/5/1949.
8. قانون حماية حقوق المؤلف رقم (12) لعام 2001 في الجمهورية العربية السورية.
9. شرح القانون المدني السوري- الحقوق العينية الأصلية: د. محمد وحيد سوار.
10. قانون العقوبات السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم _148) لعام 1949 وتعديلاته، المواد 708 وحتى 715.
11. البيوع الشائعة: د. محمد توفيق رمضان البوطي، ط1، دار الفكر، ص208 وما بعد.
12. قضايا فقهية معاصرة ج2، ط1، 1419هـ- 1999م، مكتبة الفارابي، دمشق: د. محمد سعيد رمضان البوطي، ص43- 50.
13. بحوث في قضايا فقهية معاصرة: محمد تقي العثماني، دار القلم، دمشق، ط1، 1419هـ- 1998م، بحث بيع الحقوق المجردة، ص75 وما بعد.
14. فقه النوازل- قضايا فقهية معاصرة ج2: بكر بن عبد الله أبو زيد، حق التأليف تاريخاً وحكماً، ص101 وما بعد
منقول للفائدة ...
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma