المبحث الأول : الـــمساهمة الجنائية المباشرة (المساهمة الأصلية)
لقد تناول المشرع الجزائري المساهمة الجنائية المباشرة في المادتين 41 و45 من قانون العقوبات فتنص المادة 41 على ما يلي : ( يعتبر فاعلا كل من ساهم مساهمة مباشرة في تنفيذ الجريمة أو حرض على ارتكاب الفعل بالهبة أو الوعد أو التهديد أو إساءة استعمال السلطة أو الولاية أو التحايل أو التدليس الإجرامي ).
كمــــــــا تنص المادة 45 كذلك : ( من يحمل شخصا لا يخضع للعقوبة بسبب وضعه أو صفته الشخصية على ارتكاب جريمة يعاقب بالعقوبات المقررة لها )
* نستخلص من نص هاتين المادتين بأن للفاعل الأصلي ثلاث صور إما أن يكون فاعلا مباشرا أو محرضا أو فاعلا معنويا .
المطلب الأول : الفاعل المــباشر l`auteur direct
المقصود بالفاعل المباشر كل من يرتكب الجريمة فتحقق لديه عناصرها المادية والمعنوية على السواء أي كل شخص يقوم بارتكاب الأفعال التي تدخل في تكوين الجريمة.
الركن الـــــمادي :
حددت المادة 41 من ق.ع.ج الركن المادي للجريمة بقولها يعتبر فاعلا كل من ساهم مساهمة مباشرة في تنفيذ الجريمة....) ويعني هذا أن الركن المادي للفاعل المباشر يتمثل في قيامه بدور رئيسي ومباشر وفعال في تنفيذ الجريمة أي إتيان الفعل (السلوك الإجرامي) وتحقيق النتيجة(1) .
ومــثال ذلك : أن يلجأ شخصان لقتل أحد الناس فيطعناه بطعنات تؤدي بحياته ، هنا يعد كل منهما مشاركا في تنفيذ الركن المادي للجريمة وبالتالي كل واحد منهما يعد فاعلا مباشرا لجريمة القتل ،ونفس الأمر كذلك فيما قام لصان سرقة منزل ما إذ قام الأول بكسر الباب ليدخل الثاني ويسرق المنزل هنا يعد كل واحد منهما فاعلا مباشرا لجريمة السرقة ،فكسر باب المنزل بقصد السرقة لا يعد عملا تحضيريا وإنما هو عمل يدخل في الأعمال التنفيذية للجريمة وهذا بحسب الأخذ بمعيار البدء في تنفيذ الجريمة أو عل الأقل الشروع فيها .
ولــكن قد يكون معيار الشروع أو البدء في التنفيذ غير كاف في بعض الحالات للتمييز بين نوعي المساهمة المباشرة وغير المباشرة (أي التمييز بين الفاعل الأصلي والشريك) ولذلك أضاف الفقه معيارا آخر ويتمثل في ضرورة ظهور أو تواجد الجاني على مسرح الجريمة وقت ارتكابها ولتوضيح الفكرة أكثر نعود إلى مثالنا السابق حيث يعد عمل اللص الذي كسر الباب لتمكين زميله من السرقة مساهمة مباشرة إذا تم دخول السارق الآخر بعد الكسر مباشرة ، ويعني هذا أن فعله لصيق الصلة بالتنفيذ ومعاصرا له ،أما إذا تم دخول المنزل في اليوم التالي فإن الفترة الزمنية الفاصلة بين الفعلين تجعل فعل الكسر عملا من الأعمال التحضيرية وبالتالي يصبح هنا مجرد شريك في ارتكاب الجريمة لغياب الجاني على مسرح الجريمة.
(1)راجع عمر خوري –محاضرات في شرح قانون العقوبات –القسم العام –الجزائر2007-2008 ص199.
ومن الأمثلة كذلك : أن يمسك أحدهم بالمجني عليه لتمكين خصمه من قتله أو كمن يراقب الطريق لتمكين زملائه من السرقة ،أو كخادم يترك باب منزل سيده مفتوحا لتمكين اللصوص من سرقته....إلخ فكل هذه الأمثلة السابقة الذكر بالرغم من أفعالها لاتكون الركن المادي للجريمة إلا أنها ذات أههمية في التنفيذ وتلتصق بالجريمة وتحقق مساهمة مباشرة وتجعل من مرتكبيها فاعلا لا مجرد شريك(1).
الركن المعنوي :
إذا تعدد الجناة وساهموا مساهمة مباشرة في تنفيذ الجريمة يجب توافر الركن المعنوي بإعتبار أن المساهمة المباشرة سلوك عمدي والمقصود بالركن المعنوي للجريمة القصد الجنائي أو وحدة الرابطة الذهنية التي يجب توافرها لدى كل جان أي العلم بماهية الفعل الذي يرتكبه وتوقع النتيجة المباشرة واتجاه الإرادة إلى ارتكاب الجريمة(2).
وتكون الصورة واضحة في حالة أن ينفرد شخص في ارتكاب الجريمة فهو على علم بعناصر الجريمة ويتوقع النتيجة ولذلك فإنه يسيطر على سلوكه .
ولكن في حالة تعدد الجناة إذ يجب على الفاعل أن يكون ضمن الرابطة الذهنية الواحدة أي على علم بكافة الأفعال التي تتضافر لتحقيق الركن المادي للجريمة ،سواء ما كان نتيجة لفعله أو لفعل غيره .
ومــثال ذلك : إذا اتفق شخصان على قتل غريمهما وأطلقا عليه الرصاص فإن كل واحد منهما يعد فاعلا للجريمة ولو ثبت أن رصاصة أحدهما كانت الرصاصة القاتلة، فصاحب الرصاصة القاتلة يعد فاعلا وهو أمر واضح ، وكذلك يعد فاعلا الذي أطلق الرصاصة الخائبة أيضا، فقد كان على إتفاق مع زميله على القتل (الركن المعنوي).
(1)راجع عبد الله سليمان –شرح قانون العقوبات الجزائري-قسم عام- ج1 – ط5- ديوان المطبوعات الجامعية- الجزائر 2005-ص201.
(2)راجع عمر خوري –مرجع سابق-ص57 .
المطلب الثاني: الـــــــــــمحرّض
أصبح المحرض بموجب القانون 82-04 المؤرخ في 13فيفري1982م بعد أن كان يعد فيما سبق شريكا وليس فاعلا، وبهذا الخصوص فقد نصت المادة 41 ما يلي : (يعتبر فاعلا كل..... أو حرض على ارتكاب الفعل بالهبة أو الوعد أو التهديد أوإساءة إستعمال السلطة أو الولاية أو التحايل أو التدليس الإجرامي)، وإتجاه المشرع الجزائري هذا هو إتجاه جديد يخرج عن الإتجاه التقليدي الذي تأخذ به معظم التشريعات والذي يعتبر المحرض مجرد شريك لا فاعل لأنه لا يجوز القول بأن نشاط المحرض هو نشاط تبعي لأنه في حقيقته هو الذي يخلق التصميم الإجرامي في ذهن الفاعل(1).
والـــتحريض هو أن يقوم شخص بخلق فكرة الجريمة لدى شخص آخر بالوسائل أو الأعمال التي أقرها القانون (راجع المادة 41).
الركن المادي:
بالرجوع إلى نص المادة41 يتبين لنا أن المشرع قد حدد على سبيل الحصر الأعمال التي يقوم عليها التحريض وهي: الهبة أو الوعد أو التهديد أو إساءة استعمال السلطة أو الولاية أو التحايل أو التدليس الإجرامي .
ويــمكن أن يكون التحريض بأي وسيلة كانت غير التي ذكرها المشرع ولكن لا يعتد بها ومثال ذلك: لا يعتد المشرع بتحريض الشخص على ارتكاب الجريمة بمجرد إثارة شعور البغض والكراهية بالقول أو النصيحة أو إبداء الرأي.
وسنعمد فيما يلي إلى توضيح الوسائل التي إعتد بها القانون وهـــــي:
الهبـــــة: وهي إعطاء المحرض مقابلا بغرض قيام الجاني بالجريمة والهبة قد تكون مبلغا من المال أو سلعة أو عقارا أو ما يمكن تقييمه بمال .
وحــتى تكون الهبة وسيلة للتحريض يجب أن تقدم قبل تنفيذ الجريمة.
الوعــــــــد: فقد لا يقدم المحرض للفاعل هبة أو مالا ولكن قد يعده بهبة أو بتقديم خدمة إن هو إرتكب الجريمة التي يريدها المحرض، ويشترط أن يكون الوعد قبل تنفيذ الجريمة حتى يمكن الإعتداد به كوسيلة من وسائل إغراء الجاني .
التهديـــــد: معناه التأثير والضغط على إرادة الجاني لحمله على إرتكاب الجريمة كإفشاء سّر أو وقوع مكروه لأحد أفراد عائلته في حالة الرفض .
إساءة إستعمال السلطة أو الولاية: وهي إستغلال السلطة التي يمارسها المحرض على الغير والسلطة قد تكون قانونية كسلطة الرئيس على المرؤوس أو سلطة فعلية كسلطة المخدوم على الخادم ،أما إساءة إستعمال الولاية كأن يحرض الأب إبنه على إرتكاب الجريمة.
التحايل والتدليــــس الإجرامي : وهي إستعمال الطرق الإستحيالية والكذب لإقناع الجاني على إرتكاب الجريمة وزرع فكرة الجريمة في ذهنه.
(1)راجع عبد الله سليمان –مرجع سابق – ص203.
ويشترط في التحريض إلى جانب الوسائل التي حددها القانون أن يكون صريحا ومباشرا وفوريا أي موجها إلى شخص محدد بالذات أو إلى عدة جناة محددين بأفرادهم سواء كان سريا أو علنيا وسواء كان مكتوبا أو شفهيا ويجدر في هذا المقام أن نميمز بين التحريض الفردي المباشر الذي نحن بصدده وبين جرائم التحريض العام التي نجدها في بعض نصوص القانون الجزائي حيث يتوجه المحرض إلى جمهور من الناس دون تحديد وبأية وسيلة كانت كالخطابة أو الكتابة وغير ذلك لتحريضهم على إرتكاب الجرائم.
وصورة ذلك مانصت عليه المادة 100 من قانون العقوبات كل تحريض مباشر على التجمهر غير المسلح سواء بخطب تلقى علنا أو بكتابات أو مطبوعات تعلق أو توزع يعاقب عليه بالحبس....) ومثل هذا التحريض العام لا يخضع لأحكام التحريض الفردي المباشر الذي جاءت به المادة 42 من ق.م .
الركـــن المعنوي :
لا يكفي أن يتوافر للتحريض جانبه المادي بل يتطلب الأمر زيادة على ذلك أن يتوافر له الجانب المعنوي أيضا .
وحيث أن جريمة التحريض هي جريمة عمدية فإن صور الركن المعنوي تظهر في توافر القصد الجنائي لدى المحرض، والقصد الجنائي بدوره يتوافر بتوافر عنصري الإرادة والعلم فإذا كانت إرادة المحرض سليمة أي مدركة ومميزة ثم أحاط علما بكل عناصر الجريمة التي سيقدم عليها المنفذ بتحريضه بالوسائل المنصوص عليها في القانون فإنه يعد مرتكبا لجريمة التحريض إذا ما أراد النتيجة التي يتوقع أن تحدث ،أما إذا ما حدثت نتيجة لم يكن الفاعل يتوقعها أو يريدها فإنه لا يعد مسؤولا عنها، كما لو إنصب التحريض على السرقة فقام المنفذ بالسرقة والقتل فهنا تبقى مسؤولية المحرض محصورة في جريمة السرقة فحسب.
أنــــــــواع التحريض :
*الإشتراك في التحريض: إن طبيعة جريمة التحريض تسمح بقيام الإشتراك بإعتبارها جريمة مستقلة بذاتها، وصورة ذلك: أن يقدم أحدهم الهبة إلى المحرض الذي يقوم بإكمال حلقات الجريمة، هنا لا يعد مقدم الهبة فاعلا أصليا إذ اقتصر دوره على مساهمة تبعية تبرر اعتباره شريكا إذا تحققت لديه نية الإشتراك .
*التحريض التام: وصورة ذلك أن يتوجه المحرض إلى أحدهم لتحريضه على القيام بالجريمة، فإذا نجح في ذلك تكون جريمة التحريض تامة ويعني ذلك ان جريمة التحريض تبدأ بأعمال التحريض التي حددها القانون وتنتهي بنجاح المحرض في خلق فكرة الجريمة لدى المنفذ وتصميمه على ارتكابها، أما تنفيذ الجريمة أو عدم تنفيذها فهو أمر خارج عن نطاق المحرض، فجريمة المحرض تتم ولو لم يقم المنفذ بتنفيذها وتأكيدا لذلك ورد نص المادة 46 من ق.ع .
*الشروع في التحريض : وصورة ذلك أن يتقدم المحرض إلى أحدهم لتحريضه على القيام بالجريمة فلم يستجب له، كأن يرفض المنفذ الفكرة مباشرة فهنا نكون بصدد الشروع في جريمة التحريض، فقيام المحرض بسلوكه تاما وتخلف النتيجة- وهي خلق فكرة الجريمة لدى المنفذ – يبرر القول بأن الشروع قد تم فعلا اعتمادا على ضابط الشروع الذي يفيد بأن الشروع في الجريمة يبدأ لحظة البدء بإتيان أعمال لا لبس فيها تؤدي مباشرة إلى ارتكابها، ويخضع الشروع في التحريض إلى الأحكام العامة التي تحكم الشروع بوجه عام.
المطلب الثــــالث : الــــفاعل المعنوي
نصت المادة 45 من ق.ع على (من يحمّل شخصا لا يخضع للعقوبة بسبب وضعه أو صفته الشخصية على إرتكاب جريمة يعاقب بالعقوبات المقررة لها )، ويصف هذا النص ما تعارف الفقه على تسميته بالفاعل المعنوي .
التعريف بالفاعل المعنوي : يلتقي الفاعل المعنوي مع المحرض من حيث أن كليهما ينفذ الجريمة بواسطة غيره وأن كلا منهما يعد السيد الحقيقي للجريمة، ولكنهما مع ذلك مختلفان فالمحرض يلجأ إلى شخص عادي يعتد بإرادته لإقناعه بارتكاب الجريمة أما الفاعل المعنوي فإنه يلجأ إلى شخص غير مسؤول جزائيا(1) –وصفه القانون بأنه لا يخضع للعقوبة بسبب وضعه أو صفته الشخصية- وهذا يعني أن من يقوم بالتنفيذ في جريمة يديرها الفاعل المعنوي هو شخص غير مسؤول جزائيا كأن يكون صغيرا غير مميز أو مجنونا أو مكرها وقع تحت تأثير من حمله على ارتكاب الجريمة.
ومن أمثلـــة ذلك : أن يلجأ الجاني إلى مجنون يستغله في نقل مواد متفجرة ووضعها في مكان عمومي، أو كمن يلجأ إلى طفل غير مميز لحمله على وضع النار في منزل مجاور لإحراقه.
وهكذا فإن الفاعل المعنوي هو من يسيطر على المنفذ سيطرة تامة تجعله كأداة في يده يسخره في تنفيذ مآربه في إرتكاب الجريمة .
الركـــن المادي :
بالرجوع إلى المادة 45من ق.ع نلاحظ أن المشرع لم يحدد الوسائل التي يستعملها الفاعل المعنوي لدفع الشخص الغير مسؤول جزائيا لإرتكاب الجريمة كما فعله بالنسبة للمحرض حيث حصر هذه الوسائل في المادة 41من ق.ع فهذا يعني أن المشرع يعتد بكل الوسائل بدون تمييز كونها تؤدي إلى حمل الشخص الغير مسؤول جزائيا على إرتكاب الجريمة .
وعليه يقوم الركن المادي للفاعل المعنوي متى سيطر على المنفذ وحمله على تنفيذ الجريمة بغض النظر عن الوسيلة التي استعملها حتى ولو استعمل وسائل التحريض المنصوص عليها في المادة 41من ق.ع أو غيرها كالإغراء أو الترهيب أو التهديد والرغيب.
الركــن المعنوي :
في حقيقة الأمر إذا تكلمنا عن الفاعل المعنوي فلا نكون بصدد مساهمة جنائية لأن الشخص المنفذ للجريمة لا يمكن اعتباره شريكا ولا فاعلا فهو غير مسؤول جزائيا أصلا وإنما مجرد أداة في يد الفاعل المعنوي يستعملها لتحقيق أغراضه الإجرامية (2).
(1)راجع عبد الله سليمان- مرجع سابق-ص209.
(2)راجع عمر خوري – مرجع سابق-ص60.
ولتوافر الركن المعنوي يجب أن يحيط علم الفاعل بكل وقائع وعناصر الجريمة المزمع القيام بها مع رغبته في تحقيقها ولا تقتصر مسؤولية الفاعل المعنوي على النتائج المتوقعة بل تتعداها إلى النتائج المحتملة طالما أن المنفذ ليس سوى أداة في يده، فيسأل من حمل صبيا غير مميز على وضع النار في بيت جاره عن النتائج التي أدى إليها الحريق كموت طفل في الحريق ولو أنه لم يتوقع حدوث ذلك أصلا.
لقد تناول المشرع الجزائري المساهمة الجنائية المباشرة في المادتين 41 و45 من قانون العقوبات فتنص المادة 41 على ما يلي : ( يعتبر فاعلا كل من ساهم مساهمة مباشرة في تنفيذ الجريمة أو حرض على ارتكاب الفعل بالهبة أو الوعد أو التهديد أو إساءة استعمال السلطة أو الولاية أو التحايل أو التدليس الإجرامي ).
كمــــــــا تنص المادة 45 كذلك : ( من يحمل شخصا لا يخضع للعقوبة بسبب وضعه أو صفته الشخصية على ارتكاب جريمة يعاقب بالعقوبات المقررة لها )
* نستخلص من نص هاتين المادتين بأن للفاعل الأصلي ثلاث صور إما أن يكون فاعلا مباشرا أو محرضا أو فاعلا معنويا .
المطلب الأول : الفاعل المــباشر l`auteur direct
المقصود بالفاعل المباشر كل من يرتكب الجريمة فتحقق لديه عناصرها المادية والمعنوية على السواء أي كل شخص يقوم بارتكاب الأفعال التي تدخل في تكوين الجريمة.
الركن الـــــمادي :
حددت المادة 41 من ق.ع.ج الركن المادي للجريمة بقولها يعتبر فاعلا كل من ساهم مساهمة مباشرة في تنفيذ الجريمة....) ويعني هذا أن الركن المادي للفاعل المباشر يتمثل في قيامه بدور رئيسي ومباشر وفعال في تنفيذ الجريمة أي إتيان الفعل (السلوك الإجرامي) وتحقيق النتيجة(1) .
ومــثال ذلك : أن يلجأ شخصان لقتل أحد الناس فيطعناه بطعنات تؤدي بحياته ، هنا يعد كل منهما مشاركا في تنفيذ الركن المادي للجريمة وبالتالي كل واحد منهما يعد فاعلا مباشرا لجريمة القتل ،ونفس الأمر كذلك فيما قام لصان سرقة منزل ما إذ قام الأول بكسر الباب ليدخل الثاني ويسرق المنزل هنا يعد كل واحد منهما فاعلا مباشرا لجريمة السرقة ،فكسر باب المنزل بقصد السرقة لا يعد عملا تحضيريا وإنما هو عمل يدخل في الأعمال التنفيذية للجريمة وهذا بحسب الأخذ بمعيار البدء في تنفيذ الجريمة أو عل الأقل الشروع فيها .
ولــكن قد يكون معيار الشروع أو البدء في التنفيذ غير كاف في بعض الحالات للتمييز بين نوعي المساهمة المباشرة وغير المباشرة (أي التمييز بين الفاعل الأصلي والشريك) ولذلك أضاف الفقه معيارا آخر ويتمثل في ضرورة ظهور أو تواجد الجاني على مسرح الجريمة وقت ارتكابها ولتوضيح الفكرة أكثر نعود إلى مثالنا السابق حيث يعد عمل اللص الذي كسر الباب لتمكين زميله من السرقة مساهمة مباشرة إذا تم دخول السارق الآخر بعد الكسر مباشرة ، ويعني هذا أن فعله لصيق الصلة بالتنفيذ ومعاصرا له ،أما إذا تم دخول المنزل في اليوم التالي فإن الفترة الزمنية الفاصلة بين الفعلين تجعل فعل الكسر عملا من الأعمال التحضيرية وبالتالي يصبح هنا مجرد شريك في ارتكاب الجريمة لغياب الجاني على مسرح الجريمة.
(1)راجع عمر خوري –محاضرات في شرح قانون العقوبات –القسم العام –الجزائر2007-2008 ص199.
ومن الأمثلة كذلك : أن يمسك أحدهم بالمجني عليه لتمكين خصمه من قتله أو كمن يراقب الطريق لتمكين زملائه من السرقة ،أو كخادم يترك باب منزل سيده مفتوحا لتمكين اللصوص من سرقته....إلخ فكل هذه الأمثلة السابقة الذكر بالرغم من أفعالها لاتكون الركن المادي للجريمة إلا أنها ذات أههمية في التنفيذ وتلتصق بالجريمة وتحقق مساهمة مباشرة وتجعل من مرتكبيها فاعلا لا مجرد شريك(1).
الركن المعنوي :
إذا تعدد الجناة وساهموا مساهمة مباشرة في تنفيذ الجريمة يجب توافر الركن المعنوي بإعتبار أن المساهمة المباشرة سلوك عمدي والمقصود بالركن المعنوي للجريمة القصد الجنائي أو وحدة الرابطة الذهنية التي يجب توافرها لدى كل جان أي العلم بماهية الفعل الذي يرتكبه وتوقع النتيجة المباشرة واتجاه الإرادة إلى ارتكاب الجريمة(2).
وتكون الصورة واضحة في حالة أن ينفرد شخص في ارتكاب الجريمة فهو على علم بعناصر الجريمة ويتوقع النتيجة ولذلك فإنه يسيطر على سلوكه .
ولكن في حالة تعدد الجناة إذ يجب على الفاعل أن يكون ضمن الرابطة الذهنية الواحدة أي على علم بكافة الأفعال التي تتضافر لتحقيق الركن المادي للجريمة ،سواء ما كان نتيجة لفعله أو لفعل غيره .
ومــثال ذلك : إذا اتفق شخصان على قتل غريمهما وأطلقا عليه الرصاص فإن كل واحد منهما يعد فاعلا للجريمة ولو ثبت أن رصاصة أحدهما كانت الرصاصة القاتلة، فصاحب الرصاصة القاتلة يعد فاعلا وهو أمر واضح ، وكذلك يعد فاعلا الذي أطلق الرصاصة الخائبة أيضا، فقد كان على إتفاق مع زميله على القتل (الركن المعنوي).
(1)راجع عبد الله سليمان –شرح قانون العقوبات الجزائري-قسم عام- ج1 – ط5- ديوان المطبوعات الجامعية- الجزائر 2005-ص201.
(2)راجع عمر خوري –مرجع سابق-ص57 .
المطلب الثاني: الـــــــــــمحرّض
أصبح المحرض بموجب القانون 82-04 المؤرخ في 13فيفري1982م بعد أن كان يعد فيما سبق شريكا وليس فاعلا، وبهذا الخصوص فقد نصت المادة 41 ما يلي : (يعتبر فاعلا كل..... أو حرض على ارتكاب الفعل بالهبة أو الوعد أو التهديد أوإساءة إستعمال السلطة أو الولاية أو التحايل أو التدليس الإجرامي)، وإتجاه المشرع الجزائري هذا هو إتجاه جديد يخرج عن الإتجاه التقليدي الذي تأخذ به معظم التشريعات والذي يعتبر المحرض مجرد شريك لا فاعل لأنه لا يجوز القول بأن نشاط المحرض هو نشاط تبعي لأنه في حقيقته هو الذي يخلق التصميم الإجرامي في ذهن الفاعل(1).
والـــتحريض هو أن يقوم شخص بخلق فكرة الجريمة لدى شخص آخر بالوسائل أو الأعمال التي أقرها القانون (راجع المادة 41).
الركن المادي:
بالرجوع إلى نص المادة41 يتبين لنا أن المشرع قد حدد على سبيل الحصر الأعمال التي يقوم عليها التحريض وهي: الهبة أو الوعد أو التهديد أو إساءة استعمال السلطة أو الولاية أو التحايل أو التدليس الإجرامي .
ويــمكن أن يكون التحريض بأي وسيلة كانت غير التي ذكرها المشرع ولكن لا يعتد بها ومثال ذلك: لا يعتد المشرع بتحريض الشخص على ارتكاب الجريمة بمجرد إثارة شعور البغض والكراهية بالقول أو النصيحة أو إبداء الرأي.
وسنعمد فيما يلي إلى توضيح الوسائل التي إعتد بها القانون وهـــــي:
الهبـــــة: وهي إعطاء المحرض مقابلا بغرض قيام الجاني بالجريمة والهبة قد تكون مبلغا من المال أو سلعة أو عقارا أو ما يمكن تقييمه بمال .
وحــتى تكون الهبة وسيلة للتحريض يجب أن تقدم قبل تنفيذ الجريمة.
الوعــــــــد: فقد لا يقدم المحرض للفاعل هبة أو مالا ولكن قد يعده بهبة أو بتقديم خدمة إن هو إرتكب الجريمة التي يريدها المحرض، ويشترط أن يكون الوعد قبل تنفيذ الجريمة حتى يمكن الإعتداد به كوسيلة من وسائل إغراء الجاني .
التهديـــــد: معناه التأثير والضغط على إرادة الجاني لحمله على إرتكاب الجريمة كإفشاء سّر أو وقوع مكروه لأحد أفراد عائلته في حالة الرفض .
إساءة إستعمال السلطة أو الولاية: وهي إستغلال السلطة التي يمارسها المحرض على الغير والسلطة قد تكون قانونية كسلطة الرئيس على المرؤوس أو سلطة فعلية كسلطة المخدوم على الخادم ،أما إساءة إستعمال الولاية كأن يحرض الأب إبنه على إرتكاب الجريمة.
التحايل والتدليــــس الإجرامي : وهي إستعمال الطرق الإستحيالية والكذب لإقناع الجاني على إرتكاب الجريمة وزرع فكرة الجريمة في ذهنه.
(1)راجع عبد الله سليمان –مرجع سابق – ص203.
ويشترط في التحريض إلى جانب الوسائل التي حددها القانون أن يكون صريحا ومباشرا وفوريا أي موجها إلى شخص محدد بالذات أو إلى عدة جناة محددين بأفرادهم سواء كان سريا أو علنيا وسواء كان مكتوبا أو شفهيا ويجدر في هذا المقام أن نميمز بين التحريض الفردي المباشر الذي نحن بصدده وبين جرائم التحريض العام التي نجدها في بعض نصوص القانون الجزائي حيث يتوجه المحرض إلى جمهور من الناس دون تحديد وبأية وسيلة كانت كالخطابة أو الكتابة وغير ذلك لتحريضهم على إرتكاب الجرائم.
وصورة ذلك مانصت عليه المادة 100 من قانون العقوبات كل تحريض مباشر على التجمهر غير المسلح سواء بخطب تلقى علنا أو بكتابات أو مطبوعات تعلق أو توزع يعاقب عليه بالحبس....) ومثل هذا التحريض العام لا يخضع لأحكام التحريض الفردي المباشر الذي جاءت به المادة 42 من ق.م .
الركـــن المعنوي :
لا يكفي أن يتوافر للتحريض جانبه المادي بل يتطلب الأمر زيادة على ذلك أن يتوافر له الجانب المعنوي أيضا .
وحيث أن جريمة التحريض هي جريمة عمدية فإن صور الركن المعنوي تظهر في توافر القصد الجنائي لدى المحرض، والقصد الجنائي بدوره يتوافر بتوافر عنصري الإرادة والعلم فإذا كانت إرادة المحرض سليمة أي مدركة ومميزة ثم أحاط علما بكل عناصر الجريمة التي سيقدم عليها المنفذ بتحريضه بالوسائل المنصوص عليها في القانون فإنه يعد مرتكبا لجريمة التحريض إذا ما أراد النتيجة التي يتوقع أن تحدث ،أما إذا ما حدثت نتيجة لم يكن الفاعل يتوقعها أو يريدها فإنه لا يعد مسؤولا عنها، كما لو إنصب التحريض على السرقة فقام المنفذ بالسرقة والقتل فهنا تبقى مسؤولية المحرض محصورة في جريمة السرقة فحسب.
أنــــــــواع التحريض :
*الإشتراك في التحريض: إن طبيعة جريمة التحريض تسمح بقيام الإشتراك بإعتبارها جريمة مستقلة بذاتها، وصورة ذلك: أن يقدم أحدهم الهبة إلى المحرض الذي يقوم بإكمال حلقات الجريمة، هنا لا يعد مقدم الهبة فاعلا أصليا إذ اقتصر دوره على مساهمة تبعية تبرر اعتباره شريكا إذا تحققت لديه نية الإشتراك .
*التحريض التام: وصورة ذلك أن يتوجه المحرض إلى أحدهم لتحريضه على القيام بالجريمة، فإذا نجح في ذلك تكون جريمة التحريض تامة ويعني ذلك ان جريمة التحريض تبدأ بأعمال التحريض التي حددها القانون وتنتهي بنجاح المحرض في خلق فكرة الجريمة لدى المنفذ وتصميمه على ارتكابها، أما تنفيذ الجريمة أو عدم تنفيذها فهو أمر خارج عن نطاق المحرض، فجريمة المحرض تتم ولو لم يقم المنفذ بتنفيذها وتأكيدا لذلك ورد نص المادة 46 من ق.ع .
*الشروع في التحريض : وصورة ذلك أن يتقدم المحرض إلى أحدهم لتحريضه على القيام بالجريمة فلم يستجب له، كأن يرفض المنفذ الفكرة مباشرة فهنا نكون بصدد الشروع في جريمة التحريض، فقيام المحرض بسلوكه تاما وتخلف النتيجة- وهي خلق فكرة الجريمة لدى المنفذ – يبرر القول بأن الشروع قد تم فعلا اعتمادا على ضابط الشروع الذي يفيد بأن الشروع في الجريمة يبدأ لحظة البدء بإتيان أعمال لا لبس فيها تؤدي مباشرة إلى ارتكابها، ويخضع الشروع في التحريض إلى الأحكام العامة التي تحكم الشروع بوجه عام.
المطلب الثــــالث : الــــفاعل المعنوي
نصت المادة 45 من ق.ع على (من يحمّل شخصا لا يخضع للعقوبة بسبب وضعه أو صفته الشخصية على إرتكاب جريمة يعاقب بالعقوبات المقررة لها )، ويصف هذا النص ما تعارف الفقه على تسميته بالفاعل المعنوي .
التعريف بالفاعل المعنوي : يلتقي الفاعل المعنوي مع المحرض من حيث أن كليهما ينفذ الجريمة بواسطة غيره وأن كلا منهما يعد السيد الحقيقي للجريمة، ولكنهما مع ذلك مختلفان فالمحرض يلجأ إلى شخص عادي يعتد بإرادته لإقناعه بارتكاب الجريمة أما الفاعل المعنوي فإنه يلجأ إلى شخص غير مسؤول جزائيا(1) –وصفه القانون بأنه لا يخضع للعقوبة بسبب وضعه أو صفته الشخصية- وهذا يعني أن من يقوم بالتنفيذ في جريمة يديرها الفاعل المعنوي هو شخص غير مسؤول جزائيا كأن يكون صغيرا غير مميز أو مجنونا أو مكرها وقع تحت تأثير من حمله على ارتكاب الجريمة.
ومن أمثلـــة ذلك : أن يلجأ الجاني إلى مجنون يستغله في نقل مواد متفجرة ووضعها في مكان عمومي، أو كمن يلجأ إلى طفل غير مميز لحمله على وضع النار في منزل مجاور لإحراقه.
وهكذا فإن الفاعل المعنوي هو من يسيطر على المنفذ سيطرة تامة تجعله كأداة في يده يسخره في تنفيذ مآربه في إرتكاب الجريمة .
الركـــن المادي :
بالرجوع إلى المادة 45من ق.ع نلاحظ أن المشرع لم يحدد الوسائل التي يستعملها الفاعل المعنوي لدفع الشخص الغير مسؤول جزائيا لإرتكاب الجريمة كما فعله بالنسبة للمحرض حيث حصر هذه الوسائل في المادة 41من ق.ع فهذا يعني أن المشرع يعتد بكل الوسائل بدون تمييز كونها تؤدي إلى حمل الشخص الغير مسؤول جزائيا على إرتكاب الجريمة .
وعليه يقوم الركن المادي للفاعل المعنوي متى سيطر على المنفذ وحمله على تنفيذ الجريمة بغض النظر عن الوسيلة التي استعملها حتى ولو استعمل وسائل التحريض المنصوص عليها في المادة 41من ق.ع أو غيرها كالإغراء أو الترهيب أو التهديد والرغيب.
الركــن المعنوي :
في حقيقة الأمر إذا تكلمنا عن الفاعل المعنوي فلا نكون بصدد مساهمة جنائية لأن الشخص المنفذ للجريمة لا يمكن اعتباره شريكا ولا فاعلا فهو غير مسؤول جزائيا أصلا وإنما مجرد أداة في يد الفاعل المعنوي يستعملها لتحقيق أغراضه الإجرامية (2).
(1)راجع عبد الله سليمان- مرجع سابق-ص209.
(2)راجع عمر خوري – مرجع سابق-ص60.
ولتوافر الركن المعنوي يجب أن يحيط علم الفاعل بكل وقائع وعناصر الجريمة المزمع القيام بها مع رغبته في تحقيقها ولا تقتصر مسؤولية الفاعل المعنوي على النتائج المتوقعة بل تتعداها إلى النتائج المحتملة طالما أن المنفذ ليس سوى أداة في يده، فيسأل من حمل صبيا غير مميز على وضع النار في بيت جاره عن النتائج التي أدى إليها الحريق كموت طفل في الحريق ولو أنه لم يتوقع حدوث ذلك أصلا.
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma