القانون التجاري
فصل تمهيدي :
المبحث الأول: تعريف القانون التجاري ونشأته.
المبحث الثاني : خصائص القانون التجاري واستقلاليته.
المبحث الثالث : مصادر القانون التجاري ونطاقه .
الفصل الأول : نظرية الأعمال التجارية
المبحث الأول : تمييز الأعمال المدنية على الأعمال التجارية.
- معايير التمييز.
- أهمية التمييز.
المبحث الثاني : أنواع الأعمال التجارية
- الأعمال التجارية الموضوعية .
- الأعمال التجارية الشكلية .
- الأعمال التجارية بالتبعية و المختلطة .
الفصل الثاني : التاجر
المبحث الأول :شروط اكتساب صفة التاجر
- الأهلية.
- إنتهاك الأعمال التجارية .
المبحث الثاني : إلتزامات التجار .
- القيد في السجل التجاري .
- مسك الدفاتر التجارية.
- مسك الدفاتر التجارية.
الفصل الثالث :المحل التجاري.
المبحث الأول : تعريف المحل التجاري
المبحث الثاني: العقود الواردة عل المحل التجاري
- بيع المحل التجاري – رهنه – تأجيره –تأجير....
الفصل الرابع: الشركات التجارية .
المبحث الأول : النظرية العامة للشركة .
- تعريف عقد الشركة وطبيعته القانونية .
- الشخصية المعنوية لعقد الشركة .
- بطلان عقد الشركة .
- انقضاء عقد الشركة.
المبحث الثاني : أنواع الشركات .
- شركات الأشخاص.( شركة التضامن،المحاصة، شركة التوصية البسيطة).
- شركات الأموال( شركة الأسهم، شركة التوصية...)
الفصل الأول : نظرية الأعمال التجارية
المبحث الأول : تمييز الأعمال المدنية على الأعمال التجارية.
ونتناول فيه معايير تمييز الأعمال المدنية على الأعمال التجارية وآثار هذا التمييز
المطلب الأول- معايير تمييز الأعمال التجارية عن الأعمال المدنية :
لم يتعرض المشرع الجزائري الى تعريف العمل التجاري، وحسنا فعل ولا الى معيار معين على ضوئه يتحدد العمل التجاري وإنما اكتفى بالنص في المواد 2 و 3 من ق ت على الأعمال التجارية شأنه في ذلك شأن المشرع الفرنسي وقد ظهرت عدة محاولات لدى الفقه للبحث عن المعيار الذي يتحدد على ضوئه العمل التجاري يمكن تصنيفها على النحو التالي :
المعايير الموضوعية :تنظر هذه المعايير إلى القانون التجاري على انه قانون النشاط الاقتصادي دون الأخذ بعين الاعتبار صفة القائم به تاجرا كان أم لا وأهم هذه النظريات مايلي :
نظرية المضاربة : يرى أنصار هذه النظريات أن المعيار المميز للعمل التجاري هو المضاربة أي قصد تحقيق الربح ورغم أن هذه النظرية تتفق مع طبيعة التجارة التي تقوم أساسا على تحقيق الربح إلا أن الفقه الحديث يرفض هذه الفكرة كمعيار عام ويوجه لها الانتقادات التالية :
1- أن هناك من الأعمال المدنية ما يقصد منها تحقيق الربح كما هو الحال لأصحاب المهن الحرة كالمهندس والطبيب .
2- فكرة تحقيق الربح ليست هي التي تحرك العمل التجاري دائما فقد يضطر التاجر خوفا على بضاعته من التلف أو الفساد أو
هبوط سعر السوق إلى بيعها بأقل من ثمنها ، كما أن الأعمال المتعلقة بالسفتجة من سحب.......وضمان تعتبر أعمالا تجارية
بالرغم من أنها لا تنطوي على تحقيق الربح .
3- معيار المضاربة لا يمكن التحقق من وجوده إلا بعد التحقق من القصد (النية)لذا يصعب على الدائن غالبا إثبات القصد واضطلاع على النية الباطنة للمدين فيما إذا كان قصده المضاربة وتحقيق الربح أم لا ثم هل تحقيق الربح كان مقصودا ابتداءا ،وبالتالي تصبح هناك سلطة تقديرية للقضاء لتقدير وسيلة الإثبات المقدمة من طرف الدائن وهنا يثور التساؤل ، حول طبيعة القاضي ؟هل هو قاضي مدني أم تجاري ؟ لا سيما عندما نكون أمام ازدواجية القضاء (مدني أو تجاري).
نظرية التداول : يرى اصحاب هذه النظرية أن التجارة هي تداول الأموال ، ومن ثم يعتبر عملا تجاريا كل عمل يدخل في هذا التداول
أما الأعمال المدنية فهي ....على المال ( الثروات )قبل تداوله أو بعد وصولها للمستهلك وقد انتقدت كما يلي :
1- هناك من الأعمال التي تدخل في حركة التداول ومع ذلك فهي أعمال مدنية كعمل المزارع فهو أول من يدفع بالسلعة الى التداول.
2- مفهوم التداول مفهوم واسع فهو يشمل كافة النشاط الإنساني بما فيه تقديم الخدمات ولا يقتصر على السلع وهذا يعني اعتبار أصحاب المهن الحرة تجارا مع أنه من المتفق عليه أن نشاطهم يعتبر مدنيا.
نظرية الوساطة في التداول :مضمونها أن الأعمال التجارية هي الأعمال التي تشكل وساطة أو تكون وساطة في تداول الثروات وقد استند أصحاب هذه النظرية إلى المشرع الفرنسي الذي اعتبر الشراء لأجل البيع عملا تجاريا وفضلا على الانتقادات السابقة فإنه يمكن توجيه الإنتقاد التالي :
- أن الوساطة لا تعني بالضرورة تداول الثروة فقد لا يتدخل الوسيط في بعض العلاقات ولا يتحمل أي التزام كما هو الحال بالنسبة للسمسار .
المعايير الشخصية : يرى أصحاب هذه المعايير أن تحديد الأعمال التجارية يعتمد على التاجر فالقانون التجاري هو الذي ينظم مهنة التجار فهو قانون مهني يحكم نشاط محترفي التجارة وأنصار هذا المعيار يقدمون نظريتين .
أ – نظرية المشروع ( المقاولة ) يرى أصحابها أن الأعمال التجارية هي تلك الأعمال التي يقوم بها الشخص على سبيل المقاولة أو المشروع والمقاولة هي :التي تتكرر فيها الأعمال بشكل منتظم مع استعمال وسائل الإنتاج ويضيف البعض الآخر من الفقه استعمال اليد العاملة والمضاربة على انتاجها ولا يهم بعد ذلك طبيعة العمل أو الغرض منه ومثال ذلك مقاولات البناء والحفر ،مقاولات بيع و تأجير العقارات ..
انتقدت كما يلي :
1- أن المشرع الجزائري على غرار التشريعات الأخرى ذكر في المادة 2 ق.ت أعمالا اعتبرها تجارية ولو وقعت على سبيل الإنفراد لانعدام عنصر التكرار مثل عقود الوساطة ،الشراء لأجل البيع،الوكالة بعمولة ...
2- هناك بعض الأنشطة تمارس في شكل مقاولات ومع ذلك في أعمال مدنية كالمؤسسات الحرفية ، مكاتب التوثيق .
نظرية المهنة (الحرفة) : وسميت كذلك بدل نظرية الحرفة تفاديا للخلط بين التاجر و الحرفي ، صاحب هذه النظرية الفقيه الفرنسي جورج ربار الذي يرى وجوب الاعتماد في تحديد نطاق القانون التجاري على تحديد المهنة التجارية ويقصد بها مجموعة الأعمال التي يمارسها شخص بشكل متواصل خلال مدة زمنية معينة ، ويفرق أصحاب هذه النظرية بين المهنة والمقاولة في كون الأولى تستدعي استعمال وسائل الإشهار والإعلان بخلاف الثانية وقد وجه لهذه النظرية الانتقادات التالية :
1- بالرغم من التمييز المقدم بين نظرية المقاولة ونظرية المهنة إلا أن الواقع أنه لا فرق بينهما .
2- نجد أنفسنا من خلال هذه النظرية مضطرين إلى الرجوع إلى القانون التجاري لتحديد الأعمال موضوع الاحتراف وبالتالي فإن هذه النظرية لا تضع معيارا محددا لتمييز هذه الأعمال بل أنها تدخلنا في جدل موضوعي مفاده : هل الأعمال التجارية المنصوص عليها في ق ت هي التي تحكم أساس هذه النظرية أم أن هذه النظرية هي التي تحدد معيارا للأعمال التجارية .
موقف المشرع الجزائري : بالرجوع إلى ق ت ج نجد أن المواد 2-3 أوردت تعداد للأعمال التجارية دون أن تلتزم بقاعدة معينة أو معيار محدد إقتداء ا بالمشرع الفرنسي .
المطلب الأول- أثار التمييز بين الأعمال التجارية والأعمال المدنية :
تختلف العلاقات المدنية عن العلاقات التجارية من حيث طبيعتها ومقتضياتها هذا الاختلاف يستلزم اختلافا بينهما في التنظيم القانوني ،فالأعمال التجارية هي وحدها التي يحكمها القانون التجاري من حيث طبيعتها ومقتضياتها هذا الاختلاف يستلزم اختلافا بينهما في التنظيم القانوني فالأعمال التجارية هي وحدها التي يحكمها القانون التجاري بخلاف الأعمال المدنية التي تظل بحكم الأصل خاضعة للقانون المدني وأهم موضوعات الاختلاف مايلي :
01) الإثبات: يقصد به إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق التي حددها القانون على وجود واقعة قانونية رتبت أثارها ، القاعدة العامة في المواد التجارية حرية الإثبات وبالتالي يجوز إثبات التصرفات القانونية التجارية بشتى وسائل الإثبات مهما كانت قيمتها وقد نصت على هذا المبدأ المادة 30 ق ت (( يثبت كل عقد تجاري بسندات رسمية – سندات عرفية – فاتورة مقبولة – بالرسائل – بدفاتر الطرفين – بالإثبات بالبينة أو بأي وسيلة أخرى إذا رأت المحكمة وجوب قبولها )).
أما الإثبات في المسائل المدنية الأصل فيه أنه مقيد إذ لا يجوز لإثبات البينة متى زادت قيمة الحق عن 100000 دينار جزائري وفقا للمادة 333 قانون مدني التي تنص (( في غير المواد التجارية إذا كان التصرف القانوني تزيد قيمته على 100000دج أو كان غير محدد القيمة فلا يجوز الإثبات بالشهود في وجوده أو انقضائه ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك )) تطبيقا لهذا المبدأ يمكن أن نلاحظ أهمية التفرقة بين العمل المدني والعمل التجاري في المسائل التالية :
01- يجوز إثبات ما يخالف أو يتجاوز المكتوب بدليل غير كتابي في المسائل التجارية خلافا للقاعدة العامة في المعاملات المدنية إذ لا يجوز إثبات ما يخالف الكتابة أو يجاوزها إلا بدليل كتابي .
02- يجوز الاحتجاج بالأوراق التجارية على الغير حتى ولو لم تكن ثابتة التاريخ بعكس الأعمال المدنية التي تخضع لقاعدة عدم جواز الاحتجاج بالمحررات العرفية على الغير .
03- يجوز في المواد التجارية إثبات تاريخ السندات العادية بالنسبة للغير بجميع طرق الإثبات وذلك خلافا لما هو مقرر في المواد المدنية إذ لا يعد السند العادي صحيح إلا من يوم تسجيله أو من يوم إثباته بسند رسمي .
02) الاختصاص: وهو نوعان :
أ) الاختصاص النوعي : على خلاف ماهو موجود في كثير من الدول التي تخصص محاكم مدنية ومحاكم تجارية منفصلة يقوم القضاء الجزائري على وحدة المحاكم المدنية والتجارية حيث يختص نوع واحد من المحاكم بالنظر في المنازعات المدنية والتجارية غير أنه يلاحظ من الناحية العملية أنه توجد داخل المحاكم والمجالس أقساما وغرفا يختص كل واحد منها بالنظر في نوع معين من المنازعات وهذا التقسيم ماهو إلا تنظيم داخلي تسهيلا للعمل لا ينتج عنه أي اختصاص نوعي ويترتب على ذلك أنه إذا رفعت دعوى مدنية أمام القسم التجاري أو العكس لا يجوز الطعن بعدم الاختصاص النوعي ولا يجوز رفض الدعوى شكلا لذات السبب بل كل ما يجب فعله هو إحالة الدعوى على القسم المختص بذات المحكمة، وإذا حكمت في الدعوى يكون حكمها صحيحا على اعتبار أنه صادر من محكمة مختصة .
ب) الاختصاص المحلي :في النزاعات المدنية تكون المحكمة المختصة هي محكمة موطن المدعَى عليه عملا بقاعدة (الدين مطلوب وليس محمول )، بينما في المعاملات التجارية يجوز للمدعي الاختيار في أن يرفع دعواه أمام إحدى المحاكم الثلاث التالية :
1- محكمة موطن المدعى عليه : ويعتبر المكان الذي يباشر فيه الشخص تجارته موطنا بالنسبة للأعمال المتعلقة بهذه التجارة إلى على جانب موطنه الأصلي إلا أن هناك استثناءات على هذه القاعدة ذكرتها المادة 08 قانون إجراءات مدنية
أ) ترفع الدعاوى في مواد الإفلاس والتسوية القضائية أمام المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها مكان افتتاح الإفلاس أو التسوية القضائية .
ب) ترفع الدعوى العقارية أو الأشغال المتعلقة بالعقار ودعاوى الإيجارات المتعلقة بالعقارات أمام المحكمة التي يقع العقار في دائرة اختصاصها.
2- محكمة إبرام العقد وتسليم البضاعة: هي المحكمة التي تم إبرام العقد في دائرة اختصاصها أو مكان التسليم الفعلي قد حصل في دائرة اختصاصها.
3- محكمة محل الدفع أو الوفاء : هي المحكمة التي تم الاتفاق بين الطرفين على أن الوفاء يتم في دائرة اختصاصها.
03) التضامن : التضامن بين المدينين في المعاملات المدنية لا يفترض وإنما يكون بناءا على اتفاق المادة 217 ق.م
أما في المعاملات التجارية فهو مفترض بين المدينين عند تعددهم دون الحاجة إلى نص أو اتفاق وهو ما جرى عليه
العرف .
04) الإعذار: هو تنبيه يوجهه الدائن للمدين بعد حلول أجل الدين بوجوب الوفاء به ويسجل عليه تأخره في الوفاء ويحمله ما يترتب على هذا التأخر من مسؤولية والأصل أن الإعذار في المسائل المدنية أن يتم بورقة رسمية عن طريق المحضر القضائي أما الإعذار في المسائل التجارية فيمكن أن يتم بخطاب عادي دون الحاجة إلى ورقة رسمية .
05) الإفلاس والتسوية القضائية: يعتبر الإفلاس نظام خاص بالتجار يهدف إلى تصفية أموال المدين وتوزيع المبالغ الناتجة عنها إلى الدائنين وهي حالة الإفلاس القضائي أو مساعدة هذا التاجر على استعادة قدرته المالية من خلال تدابير يفرضها القانون وهي حالة التسوية القضائية، وهو نظام يتصف بالشدة والقسوة قصد توفير الضمان والثقة لدى الدائنين لذا يخضع لهذا النظام التاجر وحده أما الشخص المدني فيخضع لنظام الانكسار.
06) الإفلاس والتسوية القضائية: جرى العمل على منح مهلة قضائية للوفاء في المواد المدنية إذا كان المدين حسن النية المادة 210 قانون مدني ، بنما لا يجوز منح هذه المهلة في المواد التجارية إلا عند الضرورة نظرا لسرعة الحياة التجارية .
07) النفاذ المعجل :الأحكام الصادرة في المعاملات المالية المدنية غير قابلة للتنفيذ إلا بعد أن تحوز حجية الشيء المقضي فيه و لايمكن الخروج عن هذه القاعدة إلا في حالات استثنائية نص عليها المشرع ،أما الأحكام الصادرة في المعاملات التجارية فهي معجلة النفاذ ولو لم تستوفي أوجه الطعن بشرط أن يدفع التاجر الذي صدر الحكم لمصلحته كفالة وذلك لحاجة الحياة التجارية للسرعة واستقرار المعاملات.
08) صفة التاجر: احتراف الأعمال التجارية من شأنه أن يكسب الشخص ومن ثم يخضع الى كل التزامات التجار كالقيد في السجل التجاري على خلاف الشخص المدني الذي يمارس أعمالا مدنية ويخضع لأحكام القانون المدني .
09) حوالة الحق: تقضي المادة 241 من القانون التجاري على انه لايحتج بحوالة الحق قبل المدين أو قبل الغير إلا إذا رضي بها المدين أما في القانون التجاري فإنه تجوز حوالة الحق الثابتة في الوراق التجارية بمجرد التوقيع عليها ودون الحاجة الى رضى المدين .
10) الفوائد: لا تسري الفوائد في المسائل المدنية إلا بعد الإعذار والمطالبة بها أمام القضاء أم في المسائل التجارية فيبدأ تاريخ سريان الفوائد من تاريخ حلول أجل الدين كما يلاحظ أن المشرع المدني لا يأخذ بالفوائد المركبة كما لا يسمح أن تتجاوز قيمة الفائدة رأس المال أما في القانون التجاري فيجوز تقاضي الفوائد حتى ولو تجاوز مجموعها رأس المال ولا مانع أيضا من أخذ الفائدة على متجمد الفوائد (الفائدة المركبة) كما هو الحال في الحساب الجاري وتجدر الإشارة إلى أن المشرع الجزائري يحرم الفائدة بين الأشخاص 454 ق م
كما أن نسبة الفائدة تحكمها الأعراف المصرفية على خلاف ما هو معمول به في بعض الدول كمصر وفرنسا .
11) التقادم المسقط:على الرغم من التعديلات التي أدرجها المشرع الجزائري على القانون التجاري فإنه لم يتكلم عن التقادم المسقط في الدعاوى التجارية لذلك تتقادم الدعاوى مدنية كانت أم تجارية بالتقادم الطويل أي 15 سنة غير انه بالرجوع الى نصوص القانون التجاري في أبوابه المختلفة نجده قد نص على التقادم قصير المدى في بعض الحالات مثل : الدعاوى الناشئة عن عقد نقل الأشخاص تتقادم بمرور 05 سنوات ، الدعاوى الناشئة عن نقل الأشياء أو البضائع تتقادم بمرور سنة واحدة .
ـ القانون التجاري: هو مجموعة القواعد القانونية التي تطبق على الأعمال التجارية وتنظم حرفة التجارة. ومعنى ذلك أن القانون التجاري ينظم علاقات معينة فقط تنشأ نتيجة القيام بأعمال معينة هي الأعمال التجارية كما ينظم نشاط طائفة معينة هي طائفة التجار. وتشمل كلمة تجارة من الناحية القانونية معنى أوسع منه من الناحية الاقتصادية إذ يقصد من هذه الناحية الأخيرة كل ما يتعلق بتداول وتوزيع الثروات. أما من الناحية القانونية : تشمل التجارة علاوة على ذلك العمليات الإنتاجية فالصانع في المعنى القانوني الذي سنتناوله في هذا الخصوص ليس إلا تاجرا.
علاقة القانون التجاري بالقانون المدني وفروع القانون
2 ـ القانون التجاري وفقا للتعريف السابق ليس إلا فرعا من فروع القانون الخاص شأنه في ذلك شأن القانون المدني إلى جوار الفروع الأخرى كقانون العمل وقانون الأسرة وإذا كان القانون المدني ينظم أساسا كافة العلاقات بين مختلف الأفراد دون تميز بين نوع التصرف أو صفة القائم به أي قانونا عاما فإن القانون التجاري ينظم فقط علاقات معينة هي العلاقات التجارية وقد أدى إلى ظهور هذا النوع من القواعد القانونية الظروف الاقتصادية والضرورات العملية التي استلزمت خضوع طائفة معينة من الأشخاص هم التجار ونوع معين من المعاملات هي الأعمال التجارية لتنظيم قانوني يتميز عن ذلك الذي يطبق على المعاملات المدنية حيث عجزت القواعد المدنية عن تنظيم المعاملات التجارية التي قوامها السرعة من جهة والثقة والائتمان من جهة أخرى.
فالملاحظة أن المعاملات المدنية تتسم دائما بالثبات والتروي.
3 ـ وعلى عكس ذلك البيئة التجارية التي تتطلب السرعة والثقة في وقت واحد فطبيعة العقود التي تجرى في مجال التجارة تختلف كل الاختلاف عن تلك التي تجرى في البيئة المدنية ذلك أن الصفقات التي يبرمها التاجر لا تكون بقصد الاستعمال الشخصي أو بقصد الاحتفاظ بها وإنما لإعادة بيعها لتحقيق ربح من فروق الأسعار كما وأن مثل هذه الصفقات تعقد كل يوم مرات ومرات بالنسبة لكل تاجر وهو يبرمها بأسلوب سريع.
وقد ظهرت فعلا عادات وتقاليد معينة التزمت بها طائفة من التجار في معاملاتهم التجارية تختلف عن تلك القواعد التي تنظم المعاملات المدنية واضطر المشرع إلى تقنين هذه العادات التجارية في مجموعات خاصة بالتجارة والتجار وظلت هذه القواعد الجديدة تزداد شيئا فشيئا حتى اصبح لها كيان مستقل.
4 ـ على أنه لما كان القانون المدني هو الشريعة العامة لجميع الأفراد وجميع التصرفات فإن أحكام وقواعد القانون التجاري ليست إلا استثناء من أصل عام يجب الرجوع إليه في كل حالة لا يحكمها نص خاص. تظهر هذه الصلة الوثيقة بين القانون المدني والتجاري بوضوح في معظم التشريعات ففي القانون الفرنسي وكذلك الجزائري نجد المجموعة التجارية لا تتكلم عن البيع إلا في مادة واحدة وتلجأ بالنسبة لباقي الأحكام إلى القواعد العامة بالقانون المدني.
5 ـ على أننا نجد من جانب آخر أن القانون التجاري أثره في القانون المدني ويتمثل في عدة حالات منها اعتبار الشركات التي تأخذ الشكل التجاري شركات تجارية تخضع للقانون التجاري أيا كان موضوع نشاطها كما قد يقرر المشرع اكتساب الشركة لصفة التاجر بصرف النظر عن طبيعة نشاطها سواء كان موضوع نشاطها تجاريا أو مدنيا ومن الأمثلة شركات الأسهم تجارية دائما وذلك بحسب الشكل سواء كان موضوع نشاطها تجاريا أو مدنيا والتشريع التجاري الجزائري الصادر سنة 1975 والذي نصت المادة 544 منه على أن تعد شركات بسبب شكلها مهما كان موضوعها شركات المساهمة والشركات ذات المسؤولية المحدودة وشركات التضامن.
6 ـ المناداة بوحدة القانون الخاص :
نظرا للصلة الوثيقة بين أحكام القانونين التجاري والمدني ظهر اتجاه في الفقه القانوني ينادي بإدماجهما معا في قانون واحد يطبق على جميع الأفراد وفي جميع المعاملات دون تفرقة بين عمل مدني أو تجاري أو بين تاجر وغير تاجر وذلك بفرض الوصول إلى ما يسمى بوحدة القانون الخاص.
7 ـ ويطالب أنصار هذا الرأي بسريان قواعد القانون التجاري من سرعة وبساطة، في الإجراءات على قواعد القانون المدني كلما اقتضى الأمر ذلك حتى يفيد من ذلك التاجر وغير التاجر كما أنه إذا كانت إجراءات القانون المدني بها بعض القيود والشكليات في تصرفات معينة أو عقود خاصة نظرا لأهميتها فإنه يمكن فرض هذه القيود والشكليات في تصرفات التجارية الهامة حتى تستقر بشأنها المنازعات.
ويرى أنصار هذا الرأي أن القانون التجاري بإعتباره قانون الأعمال في عصرنا هذا إنما يتضمن في الواقع النظرية العامة في الأموال والالتزامات التي تطبق على جميع التصرفات التي تجرى بين الأفراد العاديين وبين من يساهمون في الحياة الاقتصادية بصفة عامة.
8 ـ قد أخذت فعلا بعض البلاد بهذا الاتجاه كما هو الحال في الولايات المتحدة وإنجلترا وسويسرا وإيطاليا حيث استطاعت معظم هذه البلاد إدخال العناصر والصفات التجارية للقانون المدني ومثال ذلك القانون المدني الإيطالي الصادر عام 1942 الذي رد القانون التجاري إلى حظيرة القانون المدني فألغى مجموعة القانون التجاري وأدمج موضوعاتها في مجموعة القانون المدني.
9 ـ ضرورة استقلال القانون التجاري :
إن فكرة المناداة بتوحيد أحكام القانون التجاري مع القانون المدني وإن كانت تعد منطقية في ظاهرها إلا أنها تخالف في جوهرها حقيقة الأوضاع والضرورات العملية فما من شك أن المعاملات التجارية لها لما يميزها عن المعاملات المدنية مما يستتبع وضع نظام خاص بها فطبيعة المعاملات التجارية تقتضي السرعة وسهولة الإجراءات.
وليس من المفيد أن تنتقل هذه التسهيلات إلى الحياة المدنية التي تتسم بطابع الاستقرار والتروي وذلك أن من شأن تعميم هذه السرعة في الإجراءات زيادة المنازعات وعدم استقرار التعامل بين المدنيين وصعوبة الإثبات أمام القضاء وخاصة أن مسك الدفاتر أمر لا يلتزم به سوى التجار كما وأن المناداة بنقل بعض الإجراءات الرسمية والشكلية المدنية إلى العقود التجارية أمر يؤدي في الواقع إلى عرقلة التجارة مهما بلغت أهمية عقودها أو ضخامتها. كما أن تشجيع المدنيون على التعامل بالأوراق التجارية خاصة الكمبيالات منها من شأنه أن يدفع بهذه الطائفة من الأفراد في مجالات لا شأن لها بها.
10 ـ ويلاحظ أن البلاد التي أخذت بتوحيد كلا القانونين لم تستطع إدماجها إدماجا كليا حيث ظلت فيها بعض الأحكام والقواعد المستقلة التي تنفرد بها المعاملات التجارية وطائفة التجار كما هو الحال في بلاد الأنجلوسكونية ومن الأمثلة على ذلك إنجلترا حيث أصبحت النظم التجارية منفصلة عن مجموع القانون العام مثل قانون بيع البضائع وقانون الإفلاس والشركات وكذلك الحال في كل من القانون السويسري والإيطالي الذي وضع كل منها بعض النظم الخاصة بالتجارة والتجار مثل مسك الدفاتر التجارية والإفلاس.
إن للقانون التجاري أصالته في عدة موضوعات لا نجد لها سندا إلا بالمجموعة التجارية مثل الإفلاس وتصفية الأموال وعمليات البنوك خاصة ما يتعلق منها بالحساب الجاري وخطابات الضمان والتحويل المصرفي التي نشأت نتيجة المقتضيات العملية واقرها القضاء التجاري.
11 ـ والواقع أنه ما من شك في أن لكل من القانون المدني والتجاري مجاله وأن في إدماجهما في قانون واحد لا يتناسب مع طبيعة معاملات كل منهما بل أن فيه إنكار للواقع على أن استقلال القانون التجاري لا يعني إنكار الصلة الوثيقة بينه وبين القانون المدني إذ قد يعتمد القانون التجاري على بعض أحكام القانون المدني اعتمادا كليا ويكتفي بالإحالة عليها ويؤدي هذا إلى اعتبار القانون المدني الأصل العام الذي يرجع إليه كمصدر من مصادر القانون التجاري.
12 ـ علاقة القانون التجاري بعلم الاقتصاد :
يتصل القانون التجاري اتصالا وثيقا بعلم الاقتصاد فهذا الأخير يبحث إشباع الحاجات الإنسانية عن طريق موارد الثروة وعلم القانون ينظم وسائل الحصول على هذه الحاجات وتحقيقها فالأشياء أو الأموال التي يهتم رجل الاقتصاد بعوامل إنتاجها وتداولها وتوزيعها واستهلاكها هي ذاتها التي يهتم رجل القانون ببيان نظامها من الناحية القانونية والقضائية والاتفاقية وهذه الأشياء التي يتناولها رجل القانون ورجل الاقتصاد كل من ناحيته هي تلك التي يراد استخدامها وتسخيرها لخدمة الإنسان في أجسادهم وأرواحهم.
والواقع أن هذه الصلة الوثيقة بين القانون التجاري وعلم الاقتصاد أساسها ما يتركه كل منهما من أثر على الآخر فالنشاط الاقتصادي واتساعه أدى إلى خلق قواعد قانونية جديدة في المجال التجاري والجوي والصناعي والمالي مثل عقود النقل والتأمين والتشريعات الصناعية وعمليات البنوك كما وأن هذه الصلة الوثيقة بينهما جعلت البعض يرى في القانون التجاري النشاط الاقتصادي.
13 ـ علاقة القانون التجاري بالقانون الدولي :
للقانون التجاري صلات وثيقة بالقانون الدولي الخاص فهو يقوم بتنظيم العلاقات التجارية الخارجية إذ يحكم المعاملات التي تنشأ بين أفراد الدولة مع رعايا الدول الأخرى في المعاملات الناشئة عن التصدير والاستيراد والتبادل التجاري بين رعايا الدول المختلفة وللقانون التجاري أيضا صلة بالقانون الدولي تظهر في حالة إبرام اتفاقيات تجارية دولية وتعتبر هذه الصلة بين القانون التجاري وكل من القانون الدولي الخاص والعام سببا في اعتبار الحاجة ماسة إلى توحيد حكم هذا الفرع من القانون،فنظرا لازدياد العلاقات التجارية الدولية نتيجة سهولة وسائل النقل وانشارها نشأت الحاجة إلى توحيد أهم قواعد القانون التجاري نظرا لاختلاف القواعد الداخلية لكل دولة وذلك للقضاء على مشكلة تنازع القوانين وقد لجأت الدول والتجار إلى عدة وسائل لتوحيد أحكام القانون التجاري ومن الأمثلة على ذلك ما يأتي :
أ/ ـ في مجال التوحيد الإتفاقي لا التشريعي لجأ التجار أنفسهم إلى وضع قواعد اتفاقية موحدة للعلاقات الدولية يؤخذ بها إذا رغب أطراف التعاقد بمعنى أن توحيد الأحكام يتم بطريق إصدار نماذج عقود دولية يلتزم المتعاقدين بها في عقودهم الدولية ومن ذلك عقود البيع الدولية النماذج المعدة لعقد التصدير والإستراد أو العقود التي تجريها الهيئات المهنية كالنقابات والغرف التجارية.
ب/ ـ في مجال المعاهدات لجأت الدول إلى توحيد بعض أحكام القانون التجاري عن طريق المعاهدات الدولية التي تضع أحكام قانونية موحدة تقبلها الدول الموقعة عليها وتلتزم بها في العلاقات الدولية فقط بمعنى أن العلاقات الداخلية لهذه الدول الموقعة على الاتفاقيات لا تخضع لأحكام هذه الأخيرة وإنما تخضع لأحكام القانون الداخلي ومن الأمثلة على ذلك اتفاقية بون 1953 في حالات النقل بالسكك الحديدية إذ حددت هذه الاتفاقية شروط وآثار عقد النقل في حالة ما إذا كان النقل يتعدى الحدود السياسية للبلاد المتعاقدة.
ج/ ـ كما لجأت الدول إلى عقد اتفاقيات دولية تؤدي إلى إنشاء قانون موحد لجميع الدول المتعاقدة على أن تتعهد هذه الدول بتعديل قانونها الداخلي بما يطابق أحكام هذه الاتفاقيات بحيث تصبح هذه الأخيرة بمثابة قانون داخلي ومن الأمثلة على هذه الاتفاقيات اتفاقية جنيف بخصوص توحيد أحكام الكمبيالة والسند الإذني سنة 1930 وأحكام الشيك 1931.
II ـ علاقة القانون التجاري بفروع القانون الأخرى :
هذا وبالإضافة إلى ما سبق ذكره، فإن للقانون التجاري علاقة بفروع القانون الأخرى التي سوف لم نتطرق لهما هذا بسبب عدم أهميتها القصوى.
III ـ تطور القانون التجاري :
عرفت التجارة قواعد وأحكام وأعراف خاصة بها منذ العصور الأولى وكان القائمون بالتجارة يمثلون طائفة خاصة في المجتمع لها عاداتها وتقاليدها. وما من شك في أن التجارة كانت معروفة عند الكثير من الشعوب القديمة خاصة تلك التي كانت تسكن سواحل البحر الأبيض المتوسط حيث مكنها موقعها الجغرافي من ممارسة التجارة ولن نتعرض في هذا المقام إلى دراسة تفصيلية لنشأت القانون التجاري في مختلف العصور والأزمان لذلك سوف نقترح على إيضاح تطور نشأت القوانين والأحكام التجارية بصفة عامة.
ـ في العصور القديمة :
تمتد نشأت القانون التجاري إلى زمن بعيد فقد نشأت الأعراف التجارية عند شعوب البحر الأبيض المتوسط وقدماء المصريين والآشوريين والكلدانيين خاصة في مجال التعامل بالنقد والاقتراض والفائدة واستخدام بعض الصكوك التي تشبه إلى حد ما البوليصة والسند للأمر ولعل أهم الدلائل على ذلك ظهور عدة قواعد قانونية تجارية في مجموعة حامورابي في عهد البابليين 1000 سنة قبل الميلاد منها ما يتعلق بعقد الشركة وعقد القرض فلم تكن هذه القواعد سوى تقنين للأعراف التي كانت سائدة آنذاك.
وعرف الفينيقيون والإغريق التجارة خاصة البحرية منها إذ اهتموا بوضع القواعد الخاصة بالتجارة البحرية وتركوا تراثا هاما في ذلك الفرع من القانون مثل الأحكام الخاصة بمبدأ الخسارة المشتركة أو العوار المشترك.
ولا يفوتنا التنويه بدور العرب في مجال التجارة ابتداء من القرن السابع الميلادي إذ ظهرت أنظمة جديدة في مجال التجارة كشركات الأشخاص ونظام الإفلاس والكمبيالة ( السفتجة ) في عهد الرومان.
لما اتسعت رقعة الإمبراطورية الرومانية وشملت معظم أوروبا وشمال إفريقيا وبعض أجزاء آسيا ظهرت فيها حركة تقنينية واسعة لتنظيم المعاملات بين الأفراد وتحديد الحقوق والواجبات غير أن هذه التنظيمات الكبيرة لم تكن تحتوي على قواعد وأحكام تجارية رغم ظهور كثير من المعاملات التجارية مثل الشركات، كذلك ظهرت أعمال تجارية أخرى كالمصارف بسبب استخدام النقود المعدنية وإمساك الدفاتر التجارية.
ولعل السبب في عدم إشمال المجموعات المدنية الرومانية لمثل هذه القواعد التي تنظم التجارة هو أن الرومان كانوا يتركون القيام بهذه الأعمال للرقيق والأغراب اعتقادا منهم أنها أعمال دنيا.
على أنه لما اندمج القانون المدني وأصبح هذا الأخير هو الشريعة العامة التي تطبق على جميع التصرفات القانونية وعلى جميع الأفراد أصبح القانون المدني الروماني يحتوي على جميع الأحكام والقواعد الخاصة بالتجارة سواء البحرية أو البرية إلى جوار الأحكام المدنية وكانت أحكام هذا القانون تطبق على جميع الرومان دون تفرقة بين تاجر وغير تاجر ذلك أن الرومان كانوا يؤمنون بفكرة قانون موحد يحكم جميع التصرفات.
غير أنه وفي الفترة ما بين القرن 11 وحتى القرن 16 جاء القانون التجاري أكثر وضوحا واستقلالا عن القانون المدني وذلك نتيجة زيادة التجارة البرية والبحرية بسبب الحروب الصليبية في القرن الحادي عشر ويمكن القول أن قواعد القانون التجاري والبحري قد وصلت في تطورها في هذا العصر إلى مرحلة يمكن اعتبارها أساسا للقانون التجاري الحالي ففي إيطاليا وجدت أسواق عالمية لتبادل التجارة ومن ثم نشأت طائفة من الأشخاص في ممارسة هذا النوع من النشاط وخضعت في تنظيم أمورها إلى التقاليد والعادات التي استقرت بينهم وقامت هذه الطائفة بانتخاب قناصل من كبار التجار يختصون في الفصل في المنازعات التي تنشأ بين التجار وذلك وفقا للعرف والعادات والتقاليد التي استقرت بينهم. (*1)
ـ في الفترة ما بين القرن 17 حتى نهاية القرن 18:
أصبح القانون التجاري خلال هذه الفترة قانونا مهنيا خلق بواسطة التجارة وليطبق على التجار كما تميز القانون التجاري بأنه قانون عرفي وأصبح أيضا قانونا دوليا يطبق خلال هذه الفترة على دول أوروبا الغربية .
أما في العصر الحديث فقد بدأ انتشار التقاليد والعادات في بلاد أوروبا وخاصة المدن الفرنسية كان وباريس ومرسيليا ولما ظهرت الحاجة إلى تقنين هذه العادات والتقاليد في مجموعات قانونية لتنظيم أعمال هذه الطائفة أصدر الملك لويس الرابع عشر أمرا ملكيا بتقنين العادات والتقاليد الخاصة في مجموعة مستقلة فصدرت في مارس 1673ـ 1681 وهي خاصة بالشركات والأوراق التجارية والإفلاس ويطلق عليها مجموعة سافاري وتبعتها مجموعة خاصة بالتجارة البحرية وتعتبر هذه الأوامر الملكية مرجعا وافيا للقانون التجاري والبحري لكثرة ما تناولتها من موضوعات وكان القانون التجاري في أول أمره قانونا شخصيا فكان يعد تاجرا كل من هو مقيد في السجل التجاري وبعد إلغاء نظام الطوائف عقب الثورة الفرنسية 1789 وإعلان مبدأ حرية التجارة تكونت لجنة عام 1801 لوضع مشروع القانون التجاري على أساس هذه المبادىء الجديدة فأخد القانون التجاري طابعا موضوعيا حيث وضعت فكرة العمل التجاري كأساس لتطبيق أحكام القانون التجاري وأصبح التاجر هو من يتخذ الأعمال التجارية حرفة معتادة له ولم يعد التاجر من هو مقيد بالسجل التجاري.
ـ نطاق ومجال القانون التجاري :
اختلف كثير من الفقهاء في تحديد نطاق القانون التجاري وكان هذا الاختلاف عن عمد وذلك لانتماء كل فريق منهم إلى نظرية معينة دون غيرها وكان نتيجة هذا الاختلاف أن ثار التساؤل، هل القانون التجاري هو قانون التجار ؟ أم هو القانون الذي يحكم الأعمال التجارية ؟ ويمكن رد الآراء التي قال بها الفقهاء إلى نظريتين، الأولى وهي النظرية الموضوعية Théorie Objective والثانية هي النظرية الشخصية Théorie Subjective وسنتناولهما فيما يلي :
ـ أولا ـ النظرية الموضوعية : (*1)
وفحوى هذه النظرية عند القائلين بها، أن القانون التجاري تحدد دائرته بالأعمال التجارية
Actes de Commerce وتطبق أحكامه على هذه الأعمال دون ارتباط بشخص القائم بها سواء كان يحترف التجارة أو لا يحترف ولكن العبرة بموضوع النشاط الذي يمارسه الشخص وحتى ولو قام به مرة واحدة، أما إذا استمر الشخص في مزاولة النشاط على سبيل الاحتراف فإنه يكتسب صفة التاجر، وهي صفة لا يعترف بها القانون طبقا لمفهوم هذه النظرية، إلا لإخضاع التاجر لالتزامات معينة كالقيد في السجل التجاري والخضوع للضرائب التجارية وإمساك الدفاتر التجارية وشهر الإفلاس. (*2)
وكانت الدوافع التي أدت للقول بهذه النظرية لها جانبين في نظر القائلين بها، الأول جانب فني يستند إلى نص المادتين 637 - 631 من القانون التجاري الفرنسي، وتقضي المادة 631 من القانون المذكور على عقد الاختصاص بالمحاكم التجارية بالنظر في المنازعات الخاصة بالمعاملات التجارية.
دون أن تحدد هذه المعاملات وأنواعها على سبيل الحصر وكذلك ما قضت به المادة 638 من ذات القانون على أن المحاكم التجارية لا تختص بنظر المنازعات المرفوعة على التجار بسبب تعاقداتهم الخاصة أو شرائهم أشياء لاستعمالهم الخاص بعيدا عن نشاطهم التجاري.
ـ وكان تفسير هذه النصوص في نظر القائلين بالنظرية الموضوعية يوحي بأن العمل التجاري، دون سواه، هو معيار تحديد نطاق القانون التجاري.
ـ أما عن الجانب الثاني فهو ذو صيغة سياسية، لما تؤدي إليه النظرية الموضوعية من تدعيم لمبدأ الحرية الاقتصادية الذي يتميز بالقضاء على نظام الطوائف الذي كان سائدا في العصور السابقة، وطالما كان حائلا يعوق ازدهار التجارة وتقدمها، بسبب منع هذا النظام لغير طائفة التجار مباشرة الأعمال التجارية. (*1)
ـ ثانيا ـ النظرية الشخصية : (*2)
ويرى القائلون بهذه النظرية، أن نطاق القانون التجاري يتحدد تحديدا شخصيا، حيث أن أصله قانون مهني، ينظم نشاط من يحترفون مهنة التجارة دون سواهم، ولذلك فإنه وفقا لهذه النظرية يجب تحديد المهن التجارية على سبيل الحصر بحيث يعتبر القانون كل من احترف مهنة تجارية يعتبر تاجرا، يخضع في نشاطه للقانون التجاري، وعلى ذلك فإن عنصر الاحتراف في مفهوم هذه النظرية يعتبر المعيار الذي يحدد نطاق القانون التجاري.
وقد يكون عنصر الاحتراف مطاطا في مفهومه وتحديده، لذلك لجأت بعض القوانين كالقانون الألماني باشتراط القيد في السجل التجاري كشرط لازم ولاكتساب صفة التاجر أنظر أكثم أمين الخولي المرجع السابق صفحة 7 حيث يقول " ويظهر طابع الشخص للقانون الألماني هنا في أن أعمال هذا الفريق من التجار، ويسمون التجار بالقيد في السجل التجاري في مباشرة حرفتهم لا تعتبر تجارية ولا تخضع للقانون التجاري إلا لصدورها ممن قيد في سجل بحيث تكون مدينة لو صدرت من شخص غير مقيد.
ويبرر أنصار هذه النظرية رأيهم في أن القانون التجاري في أصل نشأته يرجع إلى العادات والقواعد والنظم التي ابتدعها وطبقها أصحاب الحرف التجارية الأمر الذي أصبح به القانون التجاري قانونا مهنيا وأنه على الرغم من إلغاء نظام الطوائف، وانتشار مبدأ الحرية الاقتصادية الذي يعني الحق لكل شخص في مزاولة ما يشاء من النشاط إلا أن القواعد التجارية ظلت مستقرة كما كانت عليه في مجتمع التجار الطائفي وكذلك أبقت التشريعات الحديثة على المحاكم التجارية تزاول اختصاصها في الفصل في المنازعات التجارية دون سواها.
* موقف القانون الجزائري :
إذا نظرنا إلى القانون الجزائري الصادر بالأمر رقم 59 لسنة 1975 نجد أن المادة الأولى منه تنص على أن " يعد تاجرا كل من يباشر عملا تجاريا ويتخذه حرفة معتادة له " وقضى في المادة الرابعة بأن " يعد عملا تجاريا بالتبعية، تلك الأعمال التي يقوم بها التاجر والمتعلقة بممارسة التجارة أو حاجات متجرة والالتزامات بين التجار ".
وعلى الرغم من أن المشرع الجزائري أخذ هذين النصين بالنظرية الشخصية إلا أنه لم يلبث أن أخذ بالنظرية الموضوعية حين عدد الأعمال التجارية بحسب موضوعها في المادة الثانية، والأعمال التجارية بحسب الشكل في المادة الثالثة.
وفضلا عن أن المشروع الجزائري حدد في هذه المواد الأربع مجال ونطاق تطبيق القانون التجاري، فإنه نظم بنصوص واضحة الأحكام التي تسري على التجار دون سواهم كمسك الدفاتر التجارية والقيد في سجل التجاري وملاكا ذلك.
ولهذا فإننا نرى أن المشرع الجزائري أخذ بمذهب مزدوج، حيث لا نجد قواعده جميعا من طبيعة واحدة، وإنما استلهمت بعض أحكامه النظرية الشخصية، والبعض الآخر اعتنقت النظرية الموضوعية.
فصل تمهيدي :
المبحث الأول: تعريف القانون التجاري ونشأته.
المبحث الثاني : خصائص القانون التجاري واستقلاليته.
المبحث الثالث : مصادر القانون التجاري ونطاقه .
الفصل الأول : نظرية الأعمال التجارية
المبحث الأول : تمييز الأعمال المدنية على الأعمال التجارية.
- معايير التمييز.
- أهمية التمييز.
المبحث الثاني : أنواع الأعمال التجارية
- الأعمال التجارية الموضوعية .
- الأعمال التجارية الشكلية .
- الأعمال التجارية بالتبعية و المختلطة .
الفصل الثاني : التاجر
المبحث الأول :شروط اكتساب صفة التاجر
- الأهلية.
- إنتهاك الأعمال التجارية .
المبحث الثاني : إلتزامات التجار .
- القيد في السجل التجاري .
- مسك الدفاتر التجارية.
- مسك الدفاتر التجارية.
الفصل الثالث :المحل التجاري.
المبحث الأول : تعريف المحل التجاري
المبحث الثاني: العقود الواردة عل المحل التجاري
- بيع المحل التجاري – رهنه – تأجيره –تأجير....
الفصل الرابع: الشركات التجارية .
المبحث الأول : النظرية العامة للشركة .
- تعريف عقد الشركة وطبيعته القانونية .
- الشخصية المعنوية لعقد الشركة .
- بطلان عقد الشركة .
- انقضاء عقد الشركة.
المبحث الثاني : أنواع الشركات .
- شركات الأشخاص.( شركة التضامن،المحاصة، شركة التوصية البسيطة).
- شركات الأموال( شركة الأسهم، شركة التوصية...)
الفصل الأول : نظرية الأعمال التجارية
المبحث الأول : تمييز الأعمال المدنية على الأعمال التجارية.
ونتناول فيه معايير تمييز الأعمال المدنية على الأعمال التجارية وآثار هذا التمييز
المطلب الأول- معايير تمييز الأعمال التجارية عن الأعمال المدنية :
لم يتعرض المشرع الجزائري الى تعريف العمل التجاري، وحسنا فعل ولا الى معيار معين على ضوئه يتحدد العمل التجاري وإنما اكتفى بالنص في المواد 2 و 3 من ق ت على الأعمال التجارية شأنه في ذلك شأن المشرع الفرنسي وقد ظهرت عدة محاولات لدى الفقه للبحث عن المعيار الذي يتحدد على ضوئه العمل التجاري يمكن تصنيفها على النحو التالي :
المعايير الموضوعية :تنظر هذه المعايير إلى القانون التجاري على انه قانون النشاط الاقتصادي دون الأخذ بعين الاعتبار صفة القائم به تاجرا كان أم لا وأهم هذه النظريات مايلي :
نظرية المضاربة : يرى أنصار هذه النظريات أن المعيار المميز للعمل التجاري هو المضاربة أي قصد تحقيق الربح ورغم أن هذه النظرية تتفق مع طبيعة التجارة التي تقوم أساسا على تحقيق الربح إلا أن الفقه الحديث يرفض هذه الفكرة كمعيار عام ويوجه لها الانتقادات التالية :
1- أن هناك من الأعمال المدنية ما يقصد منها تحقيق الربح كما هو الحال لأصحاب المهن الحرة كالمهندس والطبيب .
2- فكرة تحقيق الربح ليست هي التي تحرك العمل التجاري دائما فقد يضطر التاجر خوفا على بضاعته من التلف أو الفساد أو
هبوط سعر السوق إلى بيعها بأقل من ثمنها ، كما أن الأعمال المتعلقة بالسفتجة من سحب.......وضمان تعتبر أعمالا تجارية
بالرغم من أنها لا تنطوي على تحقيق الربح .
3- معيار المضاربة لا يمكن التحقق من وجوده إلا بعد التحقق من القصد (النية)لذا يصعب على الدائن غالبا إثبات القصد واضطلاع على النية الباطنة للمدين فيما إذا كان قصده المضاربة وتحقيق الربح أم لا ثم هل تحقيق الربح كان مقصودا ابتداءا ،وبالتالي تصبح هناك سلطة تقديرية للقضاء لتقدير وسيلة الإثبات المقدمة من طرف الدائن وهنا يثور التساؤل ، حول طبيعة القاضي ؟هل هو قاضي مدني أم تجاري ؟ لا سيما عندما نكون أمام ازدواجية القضاء (مدني أو تجاري).
نظرية التداول : يرى اصحاب هذه النظرية أن التجارة هي تداول الأموال ، ومن ثم يعتبر عملا تجاريا كل عمل يدخل في هذا التداول
أما الأعمال المدنية فهي ....على المال ( الثروات )قبل تداوله أو بعد وصولها للمستهلك وقد انتقدت كما يلي :
1- هناك من الأعمال التي تدخل في حركة التداول ومع ذلك فهي أعمال مدنية كعمل المزارع فهو أول من يدفع بالسلعة الى التداول.
2- مفهوم التداول مفهوم واسع فهو يشمل كافة النشاط الإنساني بما فيه تقديم الخدمات ولا يقتصر على السلع وهذا يعني اعتبار أصحاب المهن الحرة تجارا مع أنه من المتفق عليه أن نشاطهم يعتبر مدنيا.
نظرية الوساطة في التداول :مضمونها أن الأعمال التجارية هي الأعمال التي تشكل وساطة أو تكون وساطة في تداول الثروات وقد استند أصحاب هذه النظرية إلى المشرع الفرنسي الذي اعتبر الشراء لأجل البيع عملا تجاريا وفضلا على الانتقادات السابقة فإنه يمكن توجيه الإنتقاد التالي :
- أن الوساطة لا تعني بالضرورة تداول الثروة فقد لا يتدخل الوسيط في بعض العلاقات ولا يتحمل أي التزام كما هو الحال بالنسبة للسمسار .
المعايير الشخصية : يرى أصحاب هذه المعايير أن تحديد الأعمال التجارية يعتمد على التاجر فالقانون التجاري هو الذي ينظم مهنة التجار فهو قانون مهني يحكم نشاط محترفي التجارة وأنصار هذا المعيار يقدمون نظريتين .
أ – نظرية المشروع ( المقاولة ) يرى أصحابها أن الأعمال التجارية هي تلك الأعمال التي يقوم بها الشخص على سبيل المقاولة أو المشروع والمقاولة هي :التي تتكرر فيها الأعمال بشكل منتظم مع استعمال وسائل الإنتاج ويضيف البعض الآخر من الفقه استعمال اليد العاملة والمضاربة على انتاجها ولا يهم بعد ذلك طبيعة العمل أو الغرض منه ومثال ذلك مقاولات البناء والحفر ،مقاولات بيع و تأجير العقارات ..
انتقدت كما يلي :
1- أن المشرع الجزائري على غرار التشريعات الأخرى ذكر في المادة 2 ق.ت أعمالا اعتبرها تجارية ولو وقعت على سبيل الإنفراد لانعدام عنصر التكرار مثل عقود الوساطة ،الشراء لأجل البيع،الوكالة بعمولة ...
2- هناك بعض الأنشطة تمارس في شكل مقاولات ومع ذلك في أعمال مدنية كالمؤسسات الحرفية ، مكاتب التوثيق .
نظرية المهنة (الحرفة) : وسميت كذلك بدل نظرية الحرفة تفاديا للخلط بين التاجر و الحرفي ، صاحب هذه النظرية الفقيه الفرنسي جورج ربار الذي يرى وجوب الاعتماد في تحديد نطاق القانون التجاري على تحديد المهنة التجارية ويقصد بها مجموعة الأعمال التي يمارسها شخص بشكل متواصل خلال مدة زمنية معينة ، ويفرق أصحاب هذه النظرية بين المهنة والمقاولة في كون الأولى تستدعي استعمال وسائل الإشهار والإعلان بخلاف الثانية وقد وجه لهذه النظرية الانتقادات التالية :
1- بالرغم من التمييز المقدم بين نظرية المقاولة ونظرية المهنة إلا أن الواقع أنه لا فرق بينهما .
2- نجد أنفسنا من خلال هذه النظرية مضطرين إلى الرجوع إلى القانون التجاري لتحديد الأعمال موضوع الاحتراف وبالتالي فإن هذه النظرية لا تضع معيارا محددا لتمييز هذه الأعمال بل أنها تدخلنا في جدل موضوعي مفاده : هل الأعمال التجارية المنصوص عليها في ق ت هي التي تحكم أساس هذه النظرية أم أن هذه النظرية هي التي تحدد معيارا للأعمال التجارية .
موقف المشرع الجزائري : بالرجوع إلى ق ت ج نجد أن المواد 2-3 أوردت تعداد للأعمال التجارية دون أن تلتزم بقاعدة معينة أو معيار محدد إقتداء ا بالمشرع الفرنسي .
المطلب الأول- أثار التمييز بين الأعمال التجارية والأعمال المدنية :
تختلف العلاقات المدنية عن العلاقات التجارية من حيث طبيعتها ومقتضياتها هذا الاختلاف يستلزم اختلافا بينهما في التنظيم القانوني ،فالأعمال التجارية هي وحدها التي يحكمها القانون التجاري من حيث طبيعتها ومقتضياتها هذا الاختلاف يستلزم اختلافا بينهما في التنظيم القانوني فالأعمال التجارية هي وحدها التي يحكمها القانون التجاري بخلاف الأعمال المدنية التي تظل بحكم الأصل خاضعة للقانون المدني وأهم موضوعات الاختلاف مايلي :
01) الإثبات: يقصد به إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق التي حددها القانون على وجود واقعة قانونية رتبت أثارها ، القاعدة العامة في المواد التجارية حرية الإثبات وبالتالي يجوز إثبات التصرفات القانونية التجارية بشتى وسائل الإثبات مهما كانت قيمتها وقد نصت على هذا المبدأ المادة 30 ق ت (( يثبت كل عقد تجاري بسندات رسمية – سندات عرفية – فاتورة مقبولة – بالرسائل – بدفاتر الطرفين – بالإثبات بالبينة أو بأي وسيلة أخرى إذا رأت المحكمة وجوب قبولها )).
أما الإثبات في المسائل المدنية الأصل فيه أنه مقيد إذ لا يجوز لإثبات البينة متى زادت قيمة الحق عن 100000 دينار جزائري وفقا للمادة 333 قانون مدني التي تنص (( في غير المواد التجارية إذا كان التصرف القانوني تزيد قيمته على 100000دج أو كان غير محدد القيمة فلا يجوز الإثبات بالشهود في وجوده أو انقضائه ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك )) تطبيقا لهذا المبدأ يمكن أن نلاحظ أهمية التفرقة بين العمل المدني والعمل التجاري في المسائل التالية :
01- يجوز إثبات ما يخالف أو يتجاوز المكتوب بدليل غير كتابي في المسائل التجارية خلافا للقاعدة العامة في المعاملات المدنية إذ لا يجوز إثبات ما يخالف الكتابة أو يجاوزها إلا بدليل كتابي .
02- يجوز الاحتجاج بالأوراق التجارية على الغير حتى ولو لم تكن ثابتة التاريخ بعكس الأعمال المدنية التي تخضع لقاعدة عدم جواز الاحتجاج بالمحررات العرفية على الغير .
03- يجوز في المواد التجارية إثبات تاريخ السندات العادية بالنسبة للغير بجميع طرق الإثبات وذلك خلافا لما هو مقرر في المواد المدنية إذ لا يعد السند العادي صحيح إلا من يوم تسجيله أو من يوم إثباته بسند رسمي .
02) الاختصاص: وهو نوعان :
أ) الاختصاص النوعي : على خلاف ماهو موجود في كثير من الدول التي تخصص محاكم مدنية ومحاكم تجارية منفصلة يقوم القضاء الجزائري على وحدة المحاكم المدنية والتجارية حيث يختص نوع واحد من المحاكم بالنظر في المنازعات المدنية والتجارية غير أنه يلاحظ من الناحية العملية أنه توجد داخل المحاكم والمجالس أقساما وغرفا يختص كل واحد منها بالنظر في نوع معين من المنازعات وهذا التقسيم ماهو إلا تنظيم داخلي تسهيلا للعمل لا ينتج عنه أي اختصاص نوعي ويترتب على ذلك أنه إذا رفعت دعوى مدنية أمام القسم التجاري أو العكس لا يجوز الطعن بعدم الاختصاص النوعي ولا يجوز رفض الدعوى شكلا لذات السبب بل كل ما يجب فعله هو إحالة الدعوى على القسم المختص بذات المحكمة، وإذا حكمت في الدعوى يكون حكمها صحيحا على اعتبار أنه صادر من محكمة مختصة .
ب) الاختصاص المحلي :في النزاعات المدنية تكون المحكمة المختصة هي محكمة موطن المدعَى عليه عملا بقاعدة (الدين مطلوب وليس محمول )، بينما في المعاملات التجارية يجوز للمدعي الاختيار في أن يرفع دعواه أمام إحدى المحاكم الثلاث التالية :
1- محكمة موطن المدعى عليه : ويعتبر المكان الذي يباشر فيه الشخص تجارته موطنا بالنسبة للأعمال المتعلقة بهذه التجارة إلى على جانب موطنه الأصلي إلا أن هناك استثناءات على هذه القاعدة ذكرتها المادة 08 قانون إجراءات مدنية
أ) ترفع الدعاوى في مواد الإفلاس والتسوية القضائية أمام المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها مكان افتتاح الإفلاس أو التسوية القضائية .
ب) ترفع الدعوى العقارية أو الأشغال المتعلقة بالعقار ودعاوى الإيجارات المتعلقة بالعقارات أمام المحكمة التي يقع العقار في دائرة اختصاصها.
2- محكمة إبرام العقد وتسليم البضاعة: هي المحكمة التي تم إبرام العقد في دائرة اختصاصها أو مكان التسليم الفعلي قد حصل في دائرة اختصاصها.
3- محكمة محل الدفع أو الوفاء : هي المحكمة التي تم الاتفاق بين الطرفين على أن الوفاء يتم في دائرة اختصاصها.
03) التضامن : التضامن بين المدينين في المعاملات المدنية لا يفترض وإنما يكون بناءا على اتفاق المادة 217 ق.م
أما في المعاملات التجارية فهو مفترض بين المدينين عند تعددهم دون الحاجة إلى نص أو اتفاق وهو ما جرى عليه
العرف .
04) الإعذار: هو تنبيه يوجهه الدائن للمدين بعد حلول أجل الدين بوجوب الوفاء به ويسجل عليه تأخره في الوفاء ويحمله ما يترتب على هذا التأخر من مسؤولية والأصل أن الإعذار في المسائل المدنية أن يتم بورقة رسمية عن طريق المحضر القضائي أما الإعذار في المسائل التجارية فيمكن أن يتم بخطاب عادي دون الحاجة إلى ورقة رسمية .
05) الإفلاس والتسوية القضائية: يعتبر الإفلاس نظام خاص بالتجار يهدف إلى تصفية أموال المدين وتوزيع المبالغ الناتجة عنها إلى الدائنين وهي حالة الإفلاس القضائي أو مساعدة هذا التاجر على استعادة قدرته المالية من خلال تدابير يفرضها القانون وهي حالة التسوية القضائية، وهو نظام يتصف بالشدة والقسوة قصد توفير الضمان والثقة لدى الدائنين لذا يخضع لهذا النظام التاجر وحده أما الشخص المدني فيخضع لنظام الانكسار.
06) الإفلاس والتسوية القضائية: جرى العمل على منح مهلة قضائية للوفاء في المواد المدنية إذا كان المدين حسن النية المادة 210 قانون مدني ، بنما لا يجوز منح هذه المهلة في المواد التجارية إلا عند الضرورة نظرا لسرعة الحياة التجارية .
07) النفاذ المعجل :الأحكام الصادرة في المعاملات المالية المدنية غير قابلة للتنفيذ إلا بعد أن تحوز حجية الشيء المقضي فيه و لايمكن الخروج عن هذه القاعدة إلا في حالات استثنائية نص عليها المشرع ،أما الأحكام الصادرة في المعاملات التجارية فهي معجلة النفاذ ولو لم تستوفي أوجه الطعن بشرط أن يدفع التاجر الذي صدر الحكم لمصلحته كفالة وذلك لحاجة الحياة التجارية للسرعة واستقرار المعاملات.
08) صفة التاجر: احتراف الأعمال التجارية من شأنه أن يكسب الشخص ومن ثم يخضع الى كل التزامات التجار كالقيد في السجل التجاري على خلاف الشخص المدني الذي يمارس أعمالا مدنية ويخضع لأحكام القانون المدني .
09) حوالة الحق: تقضي المادة 241 من القانون التجاري على انه لايحتج بحوالة الحق قبل المدين أو قبل الغير إلا إذا رضي بها المدين أما في القانون التجاري فإنه تجوز حوالة الحق الثابتة في الوراق التجارية بمجرد التوقيع عليها ودون الحاجة الى رضى المدين .
10) الفوائد: لا تسري الفوائد في المسائل المدنية إلا بعد الإعذار والمطالبة بها أمام القضاء أم في المسائل التجارية فيبدأ تاريخ سريان الفوائد من تاريخ حلول أجل الدين كما يلاحظ أن المشرع المدني لا يأخذ بالفوائد المركبة كما لا يسمح أن تتجاوز قيمة الفائدة رأس المال أما في القانون التجاري فيجوز تقاضي الفوائد حتى ولو تجاوز مجموعها رأس المال ولا مانع أيضا من أخذ الفائدة على متجمد الفوائد (الفائدة المركبة) كما هو الحال في الحساب الجاري وتجدر الإشارة إلى أن المشرع الجزائري يحرم الفائدة بين الأشخاص 454 ق م
كما أن نسبة الفائدة تحكمها الأعراف المصرفية على خلاف ما هو معمول به في بعض الدول كمصر وفرنسا .
11) التقادم المسقط:على الرغم من التعديلات التي أدرجها المشرع الجزائري على القانون التجاري فإنه لم يتكلم عن التقادم المسقط في الدعاوى التجارية لذلك تتقادم الدعاوى مدنية كانت أم تجارية بالتقادم الطويل أي 15 سنة غير انه بالرجوع الى نصوص القانون التجاري في أبوابه المختلفة نجده قد نص على التقادم قصير المدى في بعض الحالات مثل : الدعاوى الناشئة عن عقد نقل الأشخاص تتقادم بمرور 05 سنوات ، الدعاوى الناشئة عن نقل الأشياء أو البضائع تتقادم بمرور سنة واحدة .
ـ القانون التجاري: هو مجموعة القواعد القانونية التي تطبق على الأعمال التجارية وتنظم حرفة التجارة. ومعنى ذلك أن القانون التجاري ينظم علاقات معينة فقط تنشأ نتيجة القيام بأعمال معينة هي الأعمال التجارية كما ينظم نشاط طائفة معينة هي طائفة التجار. وتشمل كلمة تجارة من الناحية القانونية معنى أوسع منه من الناحية الاقتصادية إذ يقصد من هذه الناحية الأخيرة كل ما يتعلق بتداول وتوزيع الثروات. أما من الناحية القانونية : تشمل التجارة علاوة على ذلك العمليات الإنتاجية فالصانع في المعنى القانوني الذي سنتناوله في هذا الخصوص ليس إلا تاجرا.
علاقة القانون التجاري بالقانون المدني وفروع القانون
2 ـ القانون التجاري وفقا للتعريف السابق ليس إلا فرعا من فروع القانون الخاص شأنه في ذلك شأن القانون المدني إلى جوار الفروع الأخرى كقانون العمل وقانون الأسرة وإذا كان القانون المدني ينظم أساسا كافة العلاقات بين مختلف الأفراد دون تميز بين نوع التصرف أو صفة القائم به أي قانونا عاما فإن القانون التجاري ينظم فقط علاقات معينة هي العلاقات التجارية وقد أدى إلى ظهور هذا النوع من القواعد القانونية الظروف الاقتصادية والضرورات العملية التي استلزمت خضوع طائفة معينة من الأشخاص هم التجار ونوع معين من المعاملات هي الأعمال التجارية لتنظيم قانوني يتميز عن ذلك الذي يطبق على المعاملات المدنية حيث عجزت القواعد المدنية عن تنظيم المعاملات التجارية التي قوامها السرعة من جهة والثقة والائتمان من جهة أخرى.
فالملاحظة أن المعاملات المدنية تتسم دائما بالثبات والتروي.
3 ـ وعلى عكس ذلك البيئة التجارية التي تتطلب السرعة والثقة في وقت واحد فطبيعة العقود التي تجرى في مجال التجارة تختلف كل الاختلاف عن تلك التي تجرى في البيئة المدنية ذلك أن الصفقات التي يبرمها التاجر لا تكون بقصد الاستعمال الشخصي أو بقصد الاحتفاظ بها وإنما لإعادة بيعها لتحقيق ربح من فروق الأسعار كما وأن مثل هذه الصفقات تعقد كل يوم مرات ومرات بالنسبة لكل تاجر وهو يبرمها بأسلوب سريع.
وقد ظهرت فعلا عادات وتقاليد معينة التزمت بها طائفة من التجار في معاملاتهم التجارية تختلف عن تلك القواعد التي تنظم المعاملات المدنية واضطر المشرع إلى تقنين هذه العادات التجارية في مجموعات خاصة بالتجارة والتجار وظلت هذه القواعد الجديدة تزداد شيئا فشيئا حتى اصبح لها كيان مستقل.
4 ـ على أنه لما كان القانون المدني هو الشريعة العامة لجميع الأفراد وجميع التصرفات فإن أحكام وقواعد القانون التجاري ليست إلا استثناء من أصل عام يجب الرجوع إليه في كل حالة لا يحكمها نص خاص. تظهر هذه الصلة الوثيقة بين القانون المدني والتجاري بوضوح في معظم التشريعات ففي القانون الفرنسي وكذلك الجزائري نجد المجموعة التجارية لا تتكلم عن البيع إلا في مادة واحدة وتلجأ بالنسبة لباقي الأحكام إلى القواعد العامة بالقانون المدني.
5 ـ على أننا نجد من جانب آخر أن القانون التجاري أثره في القانون المدني ويتمثل في عدة حالات منها اعتبار الشركات التي تأخذ الشكل التجاري شركات تجارية تخضع للقانون التجاري أيا كان موضوع نشاطها كما قد يقرر المشرع اكتساب الشركة لصفة التاجر بصرف النظر عن طبيعة نشاطها سواء كان موضوع نشاطها تجاريا أو مدنيا ومن الأمثلة شركات الأسهم تجارية دائما وذلك بحسب الشكل سواء كان موضوع نشاطها تجاريا أو مدنيا والتشريع التجاري الجزائري الصادر سنة 1975 والذي نصت المادة 544 منه على أن تعد شركات بسبب شكلها مهما كان موضوعها شركات المساهمة والشركات ذات المسؤولية المحدودة وشركات التضامن.
6 ـ المناداة بوحدة القانون الخاص :
نظرا للصلة الوثيقة بين أحكام القانونين التجاري والمدني ظهر اتجاه في الفقه القانوني ينادي بإدماجهما معا في قانون واحد يطبق على جميع الأفراد وفي جميع المعاملات دون تفرقة بين عمل مدني أو تجاري أو بين تاجر وغير تاجر وذلك بفرض الوصول إلى ما يسمى بوحدة القانون الخاص.
7 ـ ويطالب أنصار هذا الرأي بسريان قواعد القانون التجاري من سرعة وبساطة، في الإجراءات على قواعد القانون المدني كلما اقتضى الأمر ذلك حتى يفيد من ذلك التاجر وغير التاجر كما أنه إذا كانت إجراءات القانون المدني بها بعض القيود والشكليات في تصرفات معينة أو عقود خاصة نظرا لأهميتها فإنه يمكن فرض هذه القيود والشكليات في تصرفات التجارية الهامة حتى تستقر بشأنها المنازعات.
ويرى أنصار هذا الرأي أن القانون التجاري بإعتباره قانون الأعمال في عصرنا هذا إنما يتضمن في الواقع النظرية العامة في الأموال والالتزامات التي تطبق على جميع التصرفات التي تجرى بين الأفراد العاديين وبين من يساهمون في الحياة الاقتصادية بصفة عامة.
8 ـ قد أخذت فعلا بعض البلاد بهذا الاتجاه كما هو الحال في الولايات المتحدة وإنجلترا وسويسرا وإيطاليا حيث استطاعت معظم هذه البلاد إدخال العناصر والصفات التجارية للقانون المدني ومثال ذلك القانون المدني الإيطالي الصادر عام 1942 الذي رد القانون التجاري إلى حظيرة القانون المدني فألغى مجموعة القانون التجاري وأدمج موضوعاتها في مجموعة القانون المدني.
9 ـ ضرورة استقلال القانون التجاري :
إن فكرة المناداة بتوحيد أحكام القانون التجاري مع القانون المدني وإن كانت تعد منطقية في ظاهرها إلا أنها تخالف في جوهرها حقيقة الأوضاع والضرورات العملية فما من شك أن المعاملات التجارية لها لما يميزها عن المعاملات المدنية مما يستتبع وضع نظام خاص بها فطبيعة المعاملات التجارية تقتضي السرعة وسهولة الإجراءات.
وليس من المفيد أن تنتقل هذه التسهيلات إلى الحياة المدنية التي تتسم بطابع الاستقرار والتروي وذلك أن من شأن تعميم هذه السرعة في الإجراءات زيادة المنازعات وعدم استقرار التعامل بين المدنيين وصعوبة الإثبات أمام القضاء وخاصة أن مسك الدفاتر أمر لا يلتزم به سوى التجار كما وأن المناداة بنقل بعض الإجراءات الرسمية والشكلية المدنية إلى العقود التجارية أمر يؤدي في الواقع إلى عرقلة التجارة مهما بلغت أهمية عقودها أو ضخامتها. كما أن تشجيع المدنيون على التعامل بالأوراق التجارية خاصة الكمبيالات منها من شأنه أن يدفع بهذه الطائفة من الأفراد في مجالات لا شأن لها بها.
10 ـ ويلاحظ أن البلاد التي أخذت بتوحيد كلا القانونين لم تستطع إدماجها إدماجا كليا حيث ظلت فيها بعض الأحكام والقواعد المستقلة التي تنفرد بها المعاملات التجارية وطائفة التجار كما هو الحال في بلاد الأنجلوسكونية ومن الأمثلة على ذلك إنجلترا حيث أصبحت النظم التجارية منفصلة عن مجموع القانون العام مثل قانون بيع البضائع وقانون الإفلاس والشركات وكذلك الحال في كل من القانون السويسري والإيطالي الذي وضع كل منها بعض النظم الخاصة بالتجارة والتجار مثل مسك الدفاتر التجارية والإفلاس.
إن للقانون التجاري أصالته في عدة موضوعات لا نجد لها سندا إلا بالمجموعة التجارية مثل الإفلاس وتصفية الأموال وعمليات البنوك خاصة ما يتعلق منها بالحساب الجاري وخطابات الضمان والتحويل المصرفي التي نشأت نتيجة المقتضيات العملية واقرها القضاء التجاري.
11 ـ والواقع أنه ما من شك في أن لكل من القانون المدني والتجاري مجاله وأن في إدماجهما في قانون واحد لا يتناسب مع طبيعة معاملات كل منهما بل أن فيه إنكار للواقع على أن استقلال القانون التجاري لا يعني إنكار الصلة الوثيقة بينه وبين القانون المدني إذ قد يعتمد القانون التجاري على بعض أحكام القانون المدني اعتمادا كليا ويكتفي بالإحالة عليها ويؤدي هذا إلى اعتبار القانون المدني الأصل العام الذي يرجع إليه كمصدر من مصادر القانون التجاري.
12 ـ علاقة القانون التجاري بعلم الاقتصاد :
يتصل القانون التجاري اتصالا وثيقا بعلم الاقتصاد فهذا الأخير يبحث إشباع الحاجات الإنسانية عن طريق موارد الثروة وعلم القانون ينظم وسائل الحصول على هذه الحاجات وتحقيقها فالأشياء أو الأموال التي يهتم رجل الاقتصاد بعوامل إنتاجها وتداولها وتوزيعها واستهلاكها هي ذاتها التي يهتم رجل القانون ببيان نظامها من الناحية القانونية والقضائية والاتفاقية وهذه الأشياء التي يتناولها رجل القانون ورجل الاقتصاد كل من ناحيته هي تلك التي يراد استخدامها وتسخيرها لخدمة الإنسان في أجسادهم وأرواحهم.
والواقع أن هذه الصلة الوثيقة بين القانون التجاري وعلم الاقتصاد أساسها ما يتركه كل منهما من أثر على الآخر فالنشاط الاقتصادي واتساعه أدى إلى خلق قواعد قانونية جديدة في المجال التجاري والجوي والصناعي والمالي مثل عقود النقل والتأمين والتشريعات الصناعية وعمليات البنوك كما وأن هذه الصلة الوثيقة بينهما جعلت البعض يرى في القانون التجاري النشاط الاقتصادي.
13 ـ علاقة القانون التجاري بالقانون الدولي :
للقانون التجاري صلات وثيقة بالقانون الدولي الخاص فهو يقوم بتنظيم العلاقات التجارية الخارجية إذ يحكم المعاملات التي تنشأ بين أفراد الدولة مع رعايا الدول الأخرى في المعاملات الناشئة عن التصدير والاستيراد والتبادل التجاري بين رعايا الدول المختلفة وللقانون التجاري أيضا صلة بالقانون الدولي تظهر في حالة إبرام اتفاقيات تجارية دولية وتعتبر هذه الصلة بين القانون التجاري وكل من القانون الدولي الخاص والعام سببا في اعتبار الحاجة ماسة إلى توحيد حكم هذا الفرع من القانون،فنظرا لازدياد العلاقات التجارية الدولية نتيجة سهولة وسائل النقل وانشارها نشأت الحاجة إلى توحيد أهم قواعد القانون التجاري نظرا لاختلاف القواعد الداخلية لكل دولة وذلك للقضاء على مشكلة تنازع القوانين وقد لجأت الدول والتجار إلى عدة وسائل لتوحيد أحكام القانون التجاري ومن الأمثلة على ذلك ما يأتي :
أ/ ـ في مجال التوحيد الإتفاقي لا التشريعي لجأ التجار أنفسهم إلى وضع قواعد اتفاقية موحدة للعلاقات الدولية يؤخذ بها إذا رغب أطراف التعاقد بمعنى أن توحيد الأحكام يتم بطريق إصدار نماذج عقود دولية يلتزم المتعاقدين بها في عقودهم الدولية ومن ذلك عقود البيع الدولية النماذج المعدة لعقد التصدير والإستراد أو العقود التي تجريها الهيئات المهنية كالنقابات والغرف التجارية.
ب/ ـ في مجال المعاهدات لجأت الدول إلى توحيد بعض أحكام القانون التجاري عن طريق المعاهدات الدولية التي تضع أحكام قانونية موحدة تقبلها الدول الموقعة عليها وتلتزم بها في العلاقات الدولية فقط بمعنى أن العلاقات الداخلية لهذه الدول الموقعة على الاتفاقيات لا تخضع لأحكام هذه الأخيرة وإنما تخضع لأحكام القانون الداخلي ومن الأمثلة على ذلك اتفاقية بون 1953 في حالات النقل بالسكك الحديدية إذ حددت هذه الاتفاقية شروط وآثار عقد النقل في حالة ما إذا كان النقل يتعدى الحدود السياسية للبلاد المتعاقدة.
ج/ ـ كما لجأت الدول إلى عقد اتفاقيات دولية تؤدي إلى إنشاء قانون موحد لجميع الدول المتعاقدة على أن تتعهد هذه الدول بتعديل قانونها الداخلي بما يطابق أحكام هذه الاتفاقيات بحيث تصبح هذه الأخيرة بمثابة قانون داخلي ومن الأمثلة على هذه الاتفاقيات اتفاقية جنيف بخصوص توحيد أحكام الكمبيالة والسند الإذني سنة 1930 وأحكام الشيك 1931.
II ـ علاقة القانون التجاري بفروع القانون الأخرى :
هذا وبالإضافة إلى ما سبق ذكره، فإن للقانون التجاري علاقة بفروع القانون الأخرى التي سوف لم نتطرق لهما هذا بسبب عدم أهميتها القصوى.
III ـ تطور القانون التجاري :
عرفت التجارة قواعد وأحكام وأعراف خاصة بها منذ العصور الأولى وكان القائمون بالتجارة يمثلون طائفة خاصة في المجتمع لها عاداتها وتقاليدها. وما من شك في أن التجارة كانت معروفة عند الكثير من الشعوب القديمة خاصة تلك التي كانت تسكن سواحل البحر الأبيض المتوسط حيث مكنها موقعها الجغرافي من ممارسة التجارة ولن نتعرض في هذا المقام إلى دراسة تفصيلية لنشأت القانون التجاري في مختلف العصور والأزمان لذلك سوف نقترح على إيضاح تطور نشأت القوانين والأحكام التجارية بصفة عامة.
ـ في العصور القديمة :
تمتد نشأت القانون التجاري إلى زمن بعيد فقد نشأت الأعراف التجارية عند شعوب البحر الأبيض المتوسط وقدماء المصريين والآشوريين والكلدانيين خاصة في مجال التعامل بالنقد والاقتراض والفائدة واستخدام بعض الصكوك التي تشبه إلى حد ما البوليصة والسند للأمر ولعل أهم الدلائل على ذلك ظهور عدة قواعد قانونية تجارية في مجموعة حامورابي في عهد البابليين 1000 سنة قبل الميلاد منها ما يتعلق بعقد الشركة وعقد القرض فلم تكن هذه القواعد سوى تقنين للأعراف التي كانت سائدة آنذاك.
وعرف الفينيقيون والإغريق التجارة خاصة البحرية منها إذ اهتموا بوضع القواعد الخاصة بالتجارة البحرية وتركوا تراثا هاما في ذلك الفرع من القانون مثل الأحكام الخاصة بمبدأ الخسارة المشتركة أو العوار المشترك.
ولا يفوتنا التنويه بدور العرب في مجال التجارة ابتداء من القرن السابع الميلادي إذ ظهرت أنظمة جديدة في مجال التجارة كشركات الأشخاص ونظام الإفلاس والكمبيالة ( السفتجة ) في عهد الرومان.
لما اتسعت رقعة الإمبراطورية الرومانية وشملت معظم أوروبا وشمال إفريقيا وبعض أجزاء آسيا ظهرت فيها حركة تقنينية واسعة لتنظيم المعاملات بين الأفراد وتحديد الحقوق والواجبات غير أن هذه التنظيمات الكبيرة لم تكن تحتوي على قواعد وأحكام تجارية رغم ظهور كثير من المعاملات التجارية مثل الشركات، كذلك ظهرت أعمال تجارية أخرى كالمصارف بسبب استخدام النقود المعدنية وإمساك الدفاتر التجارية.
ولعل السبب في عدم إشمال المجموعات المدنية الرومانية لمثل هذه القواعد التي تنظم التجارة هو أن الرومان كانوا يتركون القيام بهذه الأعمال للرقيق والأغراب اعتقادا منهم أنها أعمال دنيا.
على أنه لما اندمج القانون المدني وأصبح هذا الأخير هو الشريعة العامة التي تطبق على جميع التصرفات القانونية وعلى جميع الأفراد أصبح القانون المدني الروماني يحتوي على جميع الأحكام والقواعد الخاصة بالتجارة سواء البحرية أو البرية إلى جوار الأحكام المدنية وكانت أحكام هذا القانون تطبق على جميع الرومان دون تفرقة بين تاجر وغير تاجر ذلك أن الرومان كانوا يؤمنون بفكرة قانون موحد يحكم جميع التصرفات.
غير أنه وفي الفترة ما بين القرن 11 وحتى القرن 16 جاء القانون التجاري أكثر وضوحا واستقلالا عن القانون المدني وذلك نتيجة زيادة التجارة البرية والبحرية بسبب الحروب الصليبية في القرن الحادي عشر ويمكن القول أن قواعد القانون التجاري والبحري قد وصلت في تطورها في هذا العصر إلى مرحلة يمكن اعتبارها أساسا للقانون التجاري الحالي ففي إيطاليا وجدت أسواق عالمية لتبادل التجارة ومن ثم نشأت طائفة من الأشخاص في ممارسة هذا النوع من النشاط وخضعت في تنظيم أمورها إلى التقاليد والعادات التي استقرت بينهم وقامت هذه الطائفة بانتخاب قناصل من كبار التجار يختصون في الفصل في المنازعات التي تنشأ بين التجار وذلك وفقا للعرف والعادات والتقاليد التي استقرت بينهم. (*1)
ـ في الفترة ما بين القرن 17 حتى نهاية القرن 18:
أصبح القانون التجاري خلال هذه الفترة قانونا مهنيا خلق بواسطة التجارة وليطبق على التجار كما تميز القانون التجاري بأنه قانون عرفي وأصبح أيضا قانونا دوليا يطبق خلال هذه الفترة على دول أوروبا الغربية .
أما في العصر الحديث فقد بدأ انتشار التقاليد والعادات في بلاد أوروبا وخاصة المدن الفرنسية كان وباريس ومرسيليا ولما ظهرت الحاجة إلى تقنين هذه العادات والتقاليد في مجموعات قانونية لتنظيم أعمال هذه الطائفة أصدر الملك لويس الرابع عشر أمرا ملكيا بتقنين العادات والتقاليد الخاصة في مجموعة مستقلة فصدرت في مارس 1673ـ 1681 وهي خاصة بالشركات والأوراق التجارية والإفلاس ويطلق عليها مجموعة سافاري وتبعتها مجموعة خاصة بالتجارة البحرية وتعتبر هذه الأوامر الملكية مرجعا وافيا للقانون التجاري والبحري لكثرة ما تناولتها من موضوعات وكان القانون التجاري في أول أمره قانونا شخصيا فكان يعد تاجرا كل من هو مقيد في السجل التجاري وبعد إلغاء نظام الطوائف عقب الثورة الفرنسية 1789 وإعلان مبدأ حرية التجارة تكونت لجنة عام 1801 لوضع مشروع القانون التجاري على أساس هذه المبادىء الجديدة فأخد القانون التجاري طابعا موضوعيا حيث وضعت فكرة العمل التجاري كأساس لتطبيق أحكام القانون التجاري وأصبح التاجر هو من يتخذ الأعمال التجارية حرفة معتادة له ولم يعد التاجر من هو مقيد بالسجل التجاري.
ـ نطاق ومجال القانون التجاري :
اختلف كثير من الفقهاء في تحديد نطاق القانون التجاري وكان هذا الاختلاف عن عمد وذلك لانتماء كل فريق منهم إلى نظرية معينة دون غيرها وكان نتيجة هذا الاختلاف أن ثار التساؤل، هل القانون التجاري هو قانون التجار ؟ أم هو القانون الذي يحكم الأعمال التجارية ؟ ويمكن رد الآراء التي قال بها الفقهاء إلى نظريتين، الأولى وهي النظرية الموضوعية Théorie Objective والثانية هي النظرية الشخصية Théorie Subjective وسنتناولهما فيما يلي :
ـ أولا ـ النظرية الموضوعية : (*1)
وفحوى هذه النظرية عند القائلين بها، أن القانون التجاري تحدد دائرته بالأعمال التجارية
Actes de Commerce وتطبق أحكامه على هذه الأعمال دون ارتباط بشخص القائم بها سواء كان يحترف التجارة أو لا يحترف ولكن العبرة بموضوع النشاط الذي يمارسه الشخص وحتى ولو قام به مرة واحدة، أما إذا استمر الشخص في مزاولة النشاط على سبيل الاحتراف فإنه يكتسب صفة التاجر، وهي صفة لا يعترف بها القانون طبقا لمفهوم هذه النظرية، إلا لإخضاع التاجر لالتزامات معينة كالقيد في السجل التجاري والخضوع للضرائب التجارية وإمساك الدفاتر التجارية وشهر الإفلاس. (*2)
وكانت الدوافع التي أدت للقول بهذه النظرية لها جانبين في نظر القائلين بها، الأول جانب فني يستند إلى نص المادتين 637 - 631 من القانون التجاري الفرنسي، وتقضي المادة 631 من القانون المذكور على عقد الاختصاص بالمحاكم التجارية بالنظر في المنازعات الخاصة بالمعاملات التجارية.
دون أن تحدد هذه المعاملات وأنواعها على سبيل الحصر وكذلك ما قضت به المادة 638 من ذات القانون على أن المحاكم التجارية لا تختص بنظر المنازعات المرفوعة على التجار بسبب تعاقداتهم الخاصة أو شرائهم أشياء لاستعمالهم الخاص بعيدا عن نشاطهم التجاري.
ـ وكان تفسير هذه النصوص في نظر القائلين بالنظرية الموضوعية يوحي بأن العمل التجاري، دون سواه، هو معيار تحديد نطاق القانون التجاري.
ـ أما عن الجانب الثاني فهو ذو صيغة سياسية، لما تؤدي إليه النظرية الموضوعية من تدعيم لمبدأ الحرية الاقتصادية الذي يتميز بالقضاء على نظام الطوائف الذي كان سائدا في العصور السابقة، وطالما كان حائلا يعوق ازدهار التجارة وتقدمها، بسبب منع هذا النظام لغير طائفة التجار مباشرة الأعمال التجارية. (*1)
ـ ثانيا ـ النظرية الشخصية : (*2)
ويرى القائلون بهذه النظرية، أن نطاق القانون التجاري يتحدد تحديدا شخصيا، حيث أن أصله قانون مهني، ينظم نشاط من يحترفون مهنة التجارة دون سواهم، ولذلك فإنه وفقا لهذه النظرية يجب تحديد المهن التجارية على سبيل الحصر بحيث يعتبر القانون كل من احترف مهنة تجارية يعتبر تاجرا، يخضع في نشاطه للقانون التجاري، وعلى ذلك فإن عنصر الاحتراف في مفهوم هذه النظرية يعتبر المعيار الذي يحدد نطاق القانون التجاري.
وقد يكون عنصر الاحتراف مطاطا في مفهومه وتحديده، لذلك لجأت بعض القوانين كالقانون الألماني باشتراط القيد في السجل التجاري كشرط لازم ولاكتساب صفة التاجر أنظر أكثم أمين الخولي المرجع السابق صفحة 7 حيث يقول " ويظهر طابع الشخص للقانون الألماني هنا في أن أعمال هذا الفريق من التجار، ويسمون التجار بالقيد في السجل التجاري في مباشرة حرفتهم لا تعتبر تجارية ولا تخضع للقانون التجاري إلا لصدورها ممن قيد في سجل بحيث تكون مدينة لو صدرت من شخص غير مقيد.
ويبرر أنصار هذه النظرية رأيهم في أن القانون التجاري في أصل نشأته يرجع إلى العادات والقواعد والنظم التي ابتدعها وطبقها أصحاب الحرف التجارية الأمر الذي أصبح به القانون التجاري قانونا مهنيا وأنه على الرغم من إلغاء نظام الطوائف، وانتشار مبدأ الحرية الاقتصادية الذي يعني الحق لكل شخص في مزاولة ما يشاء من النشاط إلا أن القواعد التجارية ظلت مستقرة كما كانت عليه في مجتمع التجار الطائفي وكذلك أبقت التشريعات الحديثة على المحاكم التجارية تزاول اختصاصها في الفصل في المنازعات التجارية دون سواها.
* موقف القانون الجزائري :
إذا نظرنا إلى القانون الجزائري الصادر بالأمر رقم 59 لسنة 1975 نجد أن المادة الأولى منه تنص على أن " يعد تاجرا كل من يباشر عملا تجاريا ويتخذه حرفة معتادة له " وقضى في المادة الرابعة بأن " يعد عملا تجاريا بالتبعية، تلك الأعمال التي يقوم بها التاجر والمتعلقة بممارسة التجارة أو حاجات متجرة والالتزامات بين التجار ".
وعلى الرغم من أن المشرع الجزائري أخذ هذين النصين بالنظرية الشخصية إلا أنه لم يلبث أن أخذ بالنظرية الموضوعية حين عدد الأعمال التجارية بحسب موضوعها في المادة الثانية، والأعمال التجارية بحسب الشكل في المادة الثالثة.
وفضلا عن أن المشروع الجزائري حدد في هذه المواد الأربع مجال ونطاق تطبيق القانون التجاري، فإنه نظم بنصوص واضحة الأحكام التي تسري على التجار دون سواهم كمسك الدفاتر التجارية والقيد في سجل التجاري وملاكا ذلك.
ولهذا فإننا نرى أن المشرع الجزائري أخذ بمذهب مزدوج، حيث لا نجد قواعده جميعا من طبيعة واحدة، وإنما استلهمت بعض أحكامه النظرية الشخصية، والبعض الآخر اعتنقت النظرية الموضوعية.
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma