آثار تعديل عقد العمل على علاقة العمل وحقوق الطرفين
يترتب على قيام المستخدم بتعديل عقد العمل عدة آثار, تختلف باختلاف موقف العامل من التعديل, فقد يوافق العامل على التعديل, عندئذ لا تثير موافقته مشاكل كثيرة،إلا فيما يتعلق بالقواعد التي تحكم هذه الموافقة، وقد يرفض العامل هذا التعديل فيترتب على هذا الرفض آثاراً مختلفة تختلف بحسب وصف التعديل وما إذا كان مشروعاً أو تعسفياً، مما يستوجب تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين, المطلب الأول نتناول فيه آثار التعديل في حالة قبول العامل وفي مطلب ثانٍ نتناول فيه آثار التعديل في حالة الرفض.
المطلب الأول: آثار تعديل عقد العمل في حالة قبول العامل:
اذا وافق العامل على التعديل الذي أجراه المستخدم على عقد عمله فلا يطرح أي إشكال, إذ يلتزم العامل بتنفيذ العقد على ضوء ما طرأ عليه من تعديلات, غير أن الإشكال يثور حول القواعد التي تحكم هذا القبول, إذ كيف يعبر العامل عن قبوله ؟ و ما أثر قبول التعديل على عقد العمل الأصلي ؟
الفرع الأول: كيفية التعبير عن القبول:
يعبر العامل على موافقته على التعديل الذي مس عقد العمل إما بطريقة صريحة وواضحة دالة دلالة كاملة على قبول التعديل, وإما بطريقة ضمنية تستخلص من سلوك العامل أو من الظروف المحيطة به.
أولاً: القبول الصريح: هو التعبير البات عن إرادة الطرف الذي وجه له الإيجاب (1) ويكون القبول الصريح إما سابقاً على إجراء التعديل, وإما لاحقاً على إجرائه.
1- القبول الصريح السابق على إجراء التعديل: يقصد بالقبول الصريح السابق على إجراء التعديل موافقة العامل عند إبرام عقد العمل على حق المستخدم في الإنفراد بتعديل عنصر أو أكثر من عناصر عقد العمل دون الرجوع إليه, أو أن تكون موافقة العامل على حق المستخدم في إجراء تعديل على عنصر من عناصر عقد العمل أثناء تنفيذه, وقد ينص على حق المستخدم في التعديل في النظام الداخلي أو في الاتفاقيات الجماعية أو في عقد العمل الفردي (2).
1) د/ العربي بلحاج – النظرية العامة للالتزام في القانون المدني الجزائري –الجزء الأول –العقد والأداة المنفردة د. م .ج – 1995-ص 74
2) د/ محمد عبد الغفار البسيوني : المرجع السابق ص 336 .
غير أن قبول العامل مسبقاً للتعديلات التي يقوم بها المستخدم لا يجب أن تتم دون قيد أو شرط بل لابد لهذا التعديل من مبرر يتعلق بمصلحة المشروع ( كما سبق ذكره ) وإلا أصبح المستخدم متجاوزاً لسلطته متعسفاً في قراراته.
2-القبول الصريح اللاحق على إجراء التعديل: يقصد بالقبول اللاحق هو تلك الموافقة التي تصدر من العامل بعد قيام المستخدم بتعديل عنصر أو أكثر من عناصر عقد العمل أثناء تنفيذه, ويكون التعبير على قبول التعديل صريحاً حين يكون كتابة أو كلاماً أو إشارةً, بحيث يكشف على الإرادة حسب العرف الجاري بين الناس, أو كانت ظروف الحال لاتدع شكاً في دلالته على حقيقة المقصود (1), ولكون أن عقد العمل رضائي ينعقد بتوافق الإرادتين, وبالتالي يثبت بجميع طرق الإثبات, وإذا كانت الموافقة شفوية وثار نزاع حولها جاز للعامل وللمستخدم إثباتها بكل طرق الإثبات وهذا وفقاً للقانون الجزائري, أما القانون المصري فيشترط الكتابة لإثبات عقد العمل، ومنه يستلزم أن يكون التعبير عن قبول التعديل كتابة, وهذا ما أشارت إليه المادة 30 من قانون العمل المصري بقولها " لا يجوز لصاحب العمل أن ينقل عاملاً بالأجر الشهري إلى فئة عمال المداومة أو العمال المعنيين بالأجر الأسبوعي أو بالساعة أو بالقطعة إلا بموافقة العامل كتابة>, ونظراً لما ينطوي عليه هذا النقل من الانتقاص من حقوق العامل المادية فإن القانون اشترط أن تكون موافقة العامل كتابة (2)
أما المشرع الفرنسي فقد اشترط على المستخدم إعلام العامل بالتعديل مسبقاً وترك له فترة معقولة للتفكير لإبداء موافقته أو رفضه (3), كما يشترط أن تكون موافقة العامل خالية من أي عيب من عيوب الإرادة, وإلا اعتبرت موافقته باطلة (4).
ويؤدي تعديل العقد تعديلاً جوهرياً إلى تجديده مع بقاء العقد القديم ساري المفعول مع تجديد في الالتزامات العقدية الناتجة عن التعديل, ويبقى العامل محتفظاً بالمزايا والأقدمية الناتجة عن العقد الأصلي (5)
في حـين يـرى الأستـاذ الطيـب بلولة بأنه في حالة تعديل عقد العمل فإن العقد الأصلي يبطل.
1- د/ عبد الرزاق أحمد السنهوري : الوسيط في شرح القانون المدني –المرجع السابق –ص 217 .
2- د/ عبد العزيز المرسي حمود : المرجع السابق –ص 34 ومايليها .
3- Jean Pellisier et Alan .Supiot op. cit : p 408
4- Andre Brun et Henri GALLAND. op. cit. : p 22
5- CAMERLYNCK et Jean Laroque .OP .cit. : p .13 N° 128
ويعوضه العقد الجديد، إلا إذا اتفق المتعاقدان على تعديل بعض الشروط فقط، ففي هذه الحالة يبقي العقد القديم ساري المفعول (1) ويبدو أن الآخذ بهذا الرأي سيؤدي إلى حرمان العامل من حقوقه المهنية المكتسبة، وهذا مالا يتفق وروح قانون العمل.
أما قبول العامل للتعديل غير الجوهري لعقد العمل فلا يؤدي إلى تجديد العقد، وإنما يودي الوضع الجديد إلى استمرار العقد بجميع شروطه، ولا يشترط القانون الفرنسي أن يكون قبول العامل للتعديل كتابيا، إذا يعتد القانون بالقبول الضمني إذا كان لا يدع مجالا للشك و الغموض، غير أنه لا يمكن اعتبار قبول العامل ضمنيا إذا رفض التعديل صراحة وبقي يزاول عمله ولم يحتج على التعديل واستمرفي أداء عمله، في حين تشير المادة 2-1-321 L-من قانون العمل الفرنسي إلى ضرورة إعلام أي عامل معنى بتعديل منصب عمله اقتصاديا بموجب رسالة مضمونة الوصول و إمهاله مدة شهركي يعلن عن قبول التعديل أو رفضه له تبدا من تاريخ تلقيه للاقتراح الكتابي، ويعتبر سكوت العامل بعد فوات هذه المهلة قبولا ضمنيا (2)
أما إذا تعلق الأمر بتعديل العقد لأسباب خاصة بالعامل فإن سكوته لا يستفاد منه القبول وبالتالي الإبقاء على العقد الأصلي.
كما يشترط في موافقة العامل على التعديل أن تكون شخصية صادرة من العامل نفسه، لأن موافقة أغلبية العمال على التعديل لا تلزم أي عامل آخر لم يبدي موافقته، وأن تكون هذه الموافقة غير مشوبة بعيب من عيوب الإدارة وإلا اعتبرت باطلة (3)
ثانيا:القبول الضمني: يقصد بالقبول الضمني تلك الموافقة التي لا تدل مباشرة على حقيقة المعنى المقصود أي الموافقة على التعديل، لكن ظروف الحال تسمح بتفسيرها في هذا المعنى وترجيح المعني المقصود على غيره من المعاني المحتملة .
ويجوز أن يكون التعبير عن الإرادة ضمنيا إذا لم ينص القانون أو يتفق الأطراف على أن يكون صريحا، وهذا ما تضمنته المادة 60 من القانون المدني الجزائري، و القبول الضمني شأنه شأن القبول الصريح إذ يمكن أن يكون سابقا على إجراء التعديل أو لاحقا على إجراءه.
1- القبول الضمني السابق على إجراء التعديل : نكـون أمام قبـول سـابق عـلى التعديل إذا
1- TAYEB BELLOULA ; droit du travail ; imprimerie dahleb /Alger 1994/p231
2- CORINNE PIZZIO – de la porte /op ; cit. ;p 112
3- andre brun et henri Galland ; op. Cit. ; p 2
وافق العامل ضمنيا منذ لحظة إبرام العقد على التعديلات غير الجوهرية التي تقتضيها مصلحة العمل، فعندما يوافق العامل على أن يضع نفسه في علاقة تبعية مع المستخدم فإنه يخضع لسلطته وما يستتبع ذلك من قيام المستخدم بإجراء تعديل غير جوهري في عقد العمل، أما التعديل الجوهري فلا يكون محلا للموافقة الضمنية إذ يستوجب أن تكون صريحة بموجب نص قانوني أو في شكل بند اتفاقي (1)
2- القبول الضمني اللاحق على إجراء التعديل: يتحقق القبول الضمني اللاحق على التعديل عندما يقوم المستخدم بإجراء تعديل ما على عقد العمل أثناء تنفيذه ،فيسلك العامل مسلكا يدل على قبوله لهذا التعديل، كانتقاله إلى مكان آخر أو منصب جديد على مستوى المؤسسة أو انتقاله من العمل نهارا إلى عمل ليلي، أو استلامه لأجره بعد تعديله دون معارضة أو تحفظ ،بحيث تكون إرادة العامل واضحة بقبوله للتعديل لكونه استمر في تنفيذ عمله المعدل دون احتجاج (2)
غير أن التشريع الفرنسي لا يعتبر سكوت العامل واستمراره في عمله بعد التعديل موافقة ضمنية على التعديل ماعدا في حالة التعديل الاقتصادي، إذ بسكوت العامل بعد مدة شهر عد سكوته قبولا ضمنيا (3)
وفي حالة التعديل المتعلق بأسباب خاصة بالعامل يقع إثبات الموافقة الضمنية على من يدعيها
ويمكن الاستناد إلى الموافقة الضمنية إذا كانت سلوكات العامل لا تدع مجالا للغموض في قبوله للتعديل لأن استمرار العامل في عمله بعد التعديل لا يعني وجود قبول ضمني بالوضع الجديد
الفرع الثاني: آثار قبول العامل للتعديل على علاقة العمل
في حالة قبول العامل بالتعديل الذي أجراه المستخدم على عقد عمله يصبح العامل ملزما بتنفيذ العقد بالشروط الجديدة التي قبلها، ويمكنه المطالبة بالعودة إلى الشروط الموجودة في العقد الأصلي ،لكن الأشكال الذي يثور في هذه الحالة هو هل يؤدي قبول العامل للتعديل إلى خلق عقد عمل جديد أم إلى استمرار العقد الأصلي مع تجديده في بعض الشروط العقدية ؟
إن موافقة العامل على التعديل لا يعتبر قبولا لإيجاب موجه من المستخدم إلى العامل يفيد إبرام عقد جديد، وإنما هو مجرد قبـول للتعديـل الذي أجـراه المستـخدم على بعض عناصر العقد، مع بقاء
1- د/ محمد عبد الغفار البسيوني – المرجع السابق – ص 349
2- د/ عبد ا العزيز المرسى حمود – الرجع السابق – ص 120
3- Corinne pizzio de la porte ; op. ; cit. p 112
العقد الأصلي ساري المفعول, وبعبارة أخرى أن قبول العامل للتعديل يتم في إطار العلاقة العقدية الأصلية, لأن الطرفين لم يقصدا إنهاء العقد القديم, وإبرام عقد جديد يحل محله بل قصدا الإبقاء على العقد الأصلي مع تعديل بعض عناصره استجابة لمقتضيات العمل, وعليه فإن العقد يتجدد في حدود العناصر التي مسها التعديل (1)
وما تجدر الإشارة إليه أن قبول العامل بالتعديل المخالف للقانون لا يرتب أي أثر قانوني، و للعامل أن يتمسك ببطلان هذا التعديل خلال فترة سريان العقد, ومن المعلوم أن تقرير البطلان يتم باتفاق العامل مع المستخدم أو بلجوء العامل إلى القضاء, ومتى تقرر البطلان اتفاقاً أو قضاءاً عاد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعديل, فإذا كان ذلك مستحيلاً جاز الحكم بتعويض عادل تطبيقاً للقواعد العامة المنصوص عليها في القانون المدني (2)
المطلب الثاني: آثار تعديل عقد العمل في حالة رفض العامل:
إذا رفض العامل التعديل الذي أجراه المستخدم على عقد عمله, فهنا إما يتراجع المستخدم عن التعديل, و في هذه الحالة يستمر العقد الأصلي بجميع عناصره المتفق عليها دون أي تعديل, وإما أن يصر المستخدم على تنفيذ مشروع التعديل في الوقت الذي يصرفيه العامل على الرفض فلا يكون أمام المستخدم سوى إنهاء عقد العمل وما يترتب عنه من آثار, تختلف بحسب ما إذا كان التعديل المرفوض مشروعاً أو تعسفياً
الفرع الأول: آثار رفض العامل للتعديل المشروع لعقد العمل:
إذا كان التعديل الذي رفضه العامل مشروعاً وأصر المستخدم على تنفيذ هذا التعديل فإن أثر هذا الرفض يختلف بحسب طبيعة التعديل وما إذا كان جوهري أو غير جوهري.
أولا : رفض العامل للتعديل غير الجوهري المشروع : يعد التعديل غير الجوهري من قبيل ممارسة المستخدم السلطة الإدارية والتنظيمية , وبالتالي لا يملك العامل سوى الامتثال لذلك التعديل ويتعين عليـه أداء عمله وفقاً للشـروط المحـددة بالعقـد استنـاداً إلى رابطــة التبعية التي تعـد ركنـاً أساسيـاً في عقـد العمـل ,و إلى سلطـة المستخـــدم الإداريــة والتنظيميـة لكـون أن ممارستــه .
1- Corinne pizzio –de la porte op. cit. : p 111.
2- د/ محمد عبد الغفار البسيوني : المرجع السابق , ص 167
لهذه السلطة وقيامه بتعديل شروط وظروف أداء العمل لا يشكل تعديلاً في حقيقة الأمر وإنما يشكل تنفيذاً لعقد العمل (1) فإذا رفض العامل هذا التعديل وامتنع عن أداء العمل المعهود له به بعد هذا التعديل, عد مخلاً بالتزاماته العقدية ومرتكباً لخطأ جسيم ينجم عنه التسريح دون تعويض, وهذا ما قضت به محكمة النقض الفرنسية وأقرته أيضاً المادة 61 من قانون العمل المصري, إذ تسمح للمستخدم بفسخ العقد وإنهائه إنهاءاً مشروعاً (2)
أما إذا قام العامل بتقديم استقالته تعبيراً عن رفضه لهذا التعديل، فيعتبر مسؤولا عن إنهاء عقد عمله, وعلى المحكمة أن تتأكد بأن الاستقالة ناتجة عن إرادة قاطعة لا يشوبها أي غموض عندئذ لا يمكنه الحصول على تعويض من المستخدم.
أما إذ ترك العامل عمله دون تقديم استقالته فإنه يعتبر في حكم الاستقالة الضمنية بشرط أن يتم إنذار العامل بعد انقطاعه بخمسة أيام وهذا في حالة الانقطاع المتواصل من جانب العامل, وعلى أن يحترم القيد الإجرائي الوارد في المادة 62 من قانون العمل المصري والذي يقضي بضرورة عرض العامل على اللجنة الثلاثية (3).
أما انقطاع العامل عن عمله في التشريع الجزائري فلا يمكن أن يدخل تحت إطار الاستقالة الضمنية لأن المشرع الجزائري اشترط أن تكون الاستقالة مكتوبة بنص المادة 68/2 قانون 90/11 التي تقضي " على العامل الذي يبدي رغبته في إنهاء علاقة العمل مع الهيئة المستخدمة أن يقدم استقالته كتابة " بل يدخل في إطار ترك منصب عمله, ولا تثبت واقعة ترك المنصب إلا بقيام المستخدم بتوجيه إنذار للعامل الذي ترك منصب عمله .
ثانيا: رفض العامل للتعديل الجوهري المشروع: يحق للمستخدم إجراء تعديل جوهري على عقد العمل إذا كان هذا التعديل يستند إلى مبرر حقيقي, سواء تعلق ذلك المبرر بظروف المشروع كالتعديل لأسباب اقتصادية, أو أسباب تتعلق بظروف العامل كمرضه أو عدم كفاءته, أو لأسباب تتعلق بحالة الضرورة والقوة القاهرة, و يحق للعامل في نفس الوقت رفض هذا التعديل لما ينطوي عليه من مسـاس بحقوقــه
1- Cass. soc : 24 Juin « il n’existe donc pas formellement de modification. mais seulement des condition de travail qui doivent être exécutée «
2- د/ همام محمد محمود زهران – المرجع السابق ص 346.
3- نفس المرجع ص 350.
ومكاسبه، فإذا تمسك العامل بالرفض, فإما أن يتراجع المستخدم على فكرة التعديل, وبالتالي يستمر العقد بشروطه الأصلية, وإما أن يصر المستخدم على تنفيذ التعديل, وإزاء هذا الموقف لا مفر من إنهاء العقد سواء بمبادرة من المستخدم أو من العامل (1).
و استناداً إلى النصوص القانونية المتعلقة بتعديل عقد العمل بسبب الحالة الصحية للعامل أو الحالة الاقتصادية للهيئة المستخدمة، فإن العمال الذين يتم تحويلهم إلى مؤسسات أخرى بسبب تقليص عدد المستخدمين يمكنهم رفض هذا التحويل، ومع ذلك يستفيدون من التعويض من أجل نفس السبب وهذا طبقاً لنص المادة 70/05 من قانون علاقات العمل 90/11 .
في حين أن العامل الذي يرفض النقل إلى منصب آخر يتلاءم مع حالته الصحية يعتبر مرتكباً لخطأ جسيم يستوجب عنه التسريح (2) , في حين لا يعتبر المشرع الفرنسي هذا الرفض خطأ جسيماً , كما أن العامل الذي يرفض الالتحاق بالمنصب المحول إليه في إطار استخلاف مناصب جديدة يحرم من الاستفادة من خدمات التأمين على البطالة لمصلحة العمال الذين يفقدون عملهم بصفة غير إرادية ولأسباب اقتصادية ، كما يحرم من الاستفادة من خدمات التامين على البطالة العامل الذي يرفض العمل في إطار إعادة التوزيع , ولا يستفيد من التعويضات عن التسريح المنصوص عليها في المرسوم 94/09 المتعلق بالحفاظ على الشغل وحماية الأجراء الذين يفقدون عملهم بصفة غير إرادية .
وتطبيقاً للمادة 1134 من القانون المدني الفرنسي, فإن محكمة النقض الفرنسية تؤكد بأن المستخدم لا يمكنه تعديل عقد العمل الفردي بصفة جوهرية دون موافقة العامل, مما يستوجب على المستخدم الإبقاء على الشروط العقدية المتفق عليها و إلا تحمل نتائج رفض العامل للتعديل (3).
و في حالة تعديل العقد, فإن العامل الذي يرفض هذا التعديل وليست لديه رغبة في إنهاء العقد عليه أن يستمر في العمل بالشروط الجديدة, وأن يطالب المستخدم بتنفيذ العقد بالشروط الأصلية ما لم يأخذ المستخدم المبادرة بإنهاء العقد.
ولكن إن أصر المستخدم على قرار التعديل رغم رفضه من طرف العامل, فإن هذا الوضع سيؤدي إلى قطع علاقة العمل , وعليه فإما أن يقوم المستخدم بإنهاء العقد , أو أن يأخذ العامل المبادرة
1- د/ عبد العزيز المرسي حمود – المرجع السابق ص 127
2- NASRI HAFNAOUI : op . cit : p 26
3- Jean Pelissier et Alain supiot : cit 30
بالإنهاء، فإذا بادر المستخدم بقطع علاقة العمل فإنه يلتزم باخطار العامل بذلك قبل اتخاذ هذا الإجراء و ينتظرحتى نهاية مهلة الأخطار ثم يقوم بإنهاء العقد ،فإذا لم يحترم المستخدم مهلة الأخطار فعليه أن يدفع للعامل تعويضا عن هذه المهلة ،وهذا ما نصت عليه المادة 73 مكرر 05 والمادة 73 مكرر06 من قانون علاقات العمل.
أما إذا أخذ العامل المبادرة بإنهاء علاقة العمل وتقديم استقالته فإنه غير ملزم بأخطار المستخدم لأن هذا الأخير هو السبب في إنهاء علاقة العمل إثر قيامه بتعديل العقد تعديلا جوهريا، وبالمقابل لا يلتزم المستخدم بدفع تعويض للعامل على هذا الإنهاء لأنه كان نتيجة لرفض العامل لتعديل مشروع، وأن هذا التعديل كان له ما يبرره مما يجعله تعديلا مشروعا،و لا يحق للعامل المطالبة بالتعويض عن هذا الإنهاء (1)
الفرع الثاني: رفض العامل للتعديل التعسفي لعقد العمل
إذا كان للمستخدم الحق في تعديل عقد العمل طبقا للضوابط و الأحكام المنظمة لهذا التعديل فإنه يلتزم بمراعاة تلك الضوابط، ومن بينها عدم التعسف في استعمال الحق أثناء التعديل .
وقد سبق وأن تطرقنا عند دراستنا للقيود الوارد على سلطة المستخدم في التعديل إلى قيد عدم التعسف في استعمال الحق وخلصنا إلى وجود صور عامة للتعسف، وصور خاصة بعقد العمل، وبالتالي يوصف التعديل بأنه تعسفيا إذا كان بقصد الإضرار بالعامل، أو أن المستخدم أراد تحقيق مصلحة غير مشروعة من وراء ذلك ،أو أن المصلحة التي يريد تحقيقها المستخدم من خلال التعديل لا تتناسب مع الضرر الذي يصيب العامل ،بالإضافة إلى انتفاء المبرر من التعديل أو قلة أهميته أو عدم ملائمة الظروف للتعديل (2)
وإذا كان التعديل تعسفيا فمن حق العامل رفضه ،لكن الأشكال الذي يطرح هنا هو كيفية إثبات التعسف في التعديل، والآثار المترتبة على رفض العامل للتعديل التعسفي، وهذا مايستوجب توضيحه فيما مايلي:
أولا : إثبات التعديل التعسفي : تنص المادة 73 مكرر 03 من قانون علاقـات العمل 90/11 على أن
( كل تسريح فردي يتم خرقا لأحكام هذا القانون يعتبر تعسفيا وعلى المستخدم أن يثبت العكس ) فمن
الفرع الثاني: آثار قبول العامل للتعديل على علاقة العمل
في حالة قبول العامل بالتعديل الذي أجراه المستخدم على عقد عمله يصبح العامل ملزما بتنفيذ العقد بالشروط الجديدة التي قبلها، ويمكنه المطالبة بالعودة إلى الشروط الموجودة في العقد الأصلي ،لكن الأشكال الذي يثور في هذه الحالة هو هل يؤدي قبول العامل للتعديل إلى خلق عقد عمل جديد أم إلى استمرار العقد الأصلي مع تجديده في بعض الشروط العقدية ؟
إن موافقة العامل على التعديل لا يعتبر قبولا لإيجاب موجه من المستخدم إلى العامل يفيد إبرام عقد جديد، وإنما هو مجرد قبـول للتعديـل الذي أجـراه المستـخدم على بعض عناصر العقد، مع بقاء
1- د/ محمد عبد الغفار البسيوني – المرجع السابق – ص 349
2- د/ عبد ا العزيز المرسى حمود – الرجع السابق – ص 120
3- Corinne pizzio de la porte ; op. ; cit. p 112
العقد الأصلي ساري المفعول, وبعبارة أخرى أن قبول العامل للتعديل يتم في إطار العلاقة العقدية الأصلية, لأن الطرفين لم يقصدا إنهاء العقد القديم, وإبرام عقد جديد يحل محله بل قصدا الإبقاء على العقد الأصلي مع تعديل بعض عناصره استجابة لمقتضيات العمل, وعليه فإن العقد يتجدد في حدود العناصر التي مسها التعديل (1)
وما تجدر الإشارة إليه أن قبول العامل بالتعديل المخالف للقانون لا يرتب أي أثر قانوني، و للعامل أن يتمسك ببطلان هذا التعديل خلال فترة سريان العقد, ومن المعلوم أن تقرير البطلان يتم باتفاق العامل مع المستخدم أو بلجوء العامل إلى القضاء, ومتى تقرر البطلان اتفاقاً أو قضاءاً عاد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعديل, فإذا كان ذلك مستحيلاً جاز الحكم بتعويض عادل تطبيقاً للقواعد العامة المنصوص عليها في القانون المدني (2)
المطلب الثاني: آثار تعديل عقد العمل في حالة رفض العامل:
إذا رفض العامل التعديل الذي أجراه المستخدم على عقد عمله, فهنا إما يتراجع المستخدم عن التعديل, و في هذه الحالة يستمر العقد الأصلي بجميع عناصره المتفق عليها دون أي تعديل, وإما أن يصر المستخدم على تنفيذ مشروع التعديل في الوقت الذي يصرفيه العامل على الرفض فلا يكون أمام المستخدم سوى إنهاء عقد العمل وما يترتب عنه من آثار, تختلف بحسب ما إذا كان التعديل المرفوض مشروعاً أو تعسفياً
الفرع الأول: آثار رفض العامل للتعديل المشروع لعقد العمل:
إذا كان التعديل الذي رفضه العامل مشروعاً وأصر المستخدم على تنفيذ هذا التعديل فإن أثر هذا الرفض يختلف بحسب طبيعة التعديل وما إذا كان جوهري أو غير جوهري.
أولا : رفض العامل للتعديل غير الجوهري المشروع : يعد التعديل غير الجوهري من قبيل ممارسة المستخدم السلطة الإدارية والتنظيمية , وبالتالي لا يملك العامل سوى الامتثال لذلك التعديل ويتعين عليـه أداء عمله وفقاً للشـروط المحـددة بالعقـد استنـاداً إلى رابطــة التبعية التي تعـد ركنـاً أساسيـاً في عقـد العمـل ,و إلى سلطـة المستخـــدم الإداريــة والتنظيميـة لكـون أن ممارستــه .
1- Corinne pizzio –de la porte op. cit. : p 111.
2- د/ محمد عبد الغفار البسيوني : المرجع السابق , ص 167
لهذه السلطة وقيامه بتعديل شروط وظروف أداء العمل لا يشكل تعديلاً في حقيقة الأمر وإنما يشكل تنفيذاً لعقد العمل (1) فإذا رفض العامل هذا التعديل وامتنع عن أداء العمل المعهود له به بعد هذا التعديل, عد مخلاً بالتزاماته العقدية ومرتكباً لخطأ جسيم ينجم عنه التسريح دون تعويض, وهذا ما قضت به محكمة النقض الفرنسية وأقرته أيضاً المادة 61 من قانون العمل المصري, إذ تسمح للمستخدم بفسخ العقد وإنهائه إنهاءاً مشروعاً (2)
أما إذا قام العامل بتقديم استقالته تعبيراً عن رفضه لهذا التعديل، فيعتبر مسؤولا عن إنهاء عقد عمله, وعلى المحكمة أن تتأكد بأن الاستقالة ناتجة عن إرادة قاطعة لا يشوبها أي غموض عندئذ لا يمكنه الحصول على تعويض من المستخدم.
أما إذ ترك العامل عمله دون تقديم استقالته فإنه يعتبر في حكم الاستقالة الضمنية بشرط أن يتم إنذار العامل بعد انقطاعه بخمسة أيام وهذا في حالة الانقطاع المتواصل من جانب العامل, وعلى أن يحترم القيد الإجرائي الوارد في المادة 62 من قانون العمل المصري والذي يقضي بضرورة عرض العامل على اللجنة الثلاثية (3).
أما انقطاع العامل عن عمله في التشريع الجزائري فلا يمكن أن يدخل تحت إطار الاستقالة الضمنية لأن المشرع الجزائري اشترط أن تكون الاستقالة مكتوبة بنص المادة 68/2 قانون 90/11 التي تقضي " على العامل الذي يبدي رغبته في إنهاء علاقة العمل مع الهيئة المستخدمة أن يقدم استقالته كتابة " بل يدخل في إطار ترك منصب عمله, ولا تثبت واقعة ترك المنصب إلا بقيام المستخدم بتوجيه إنذار للعامل الذي ترك منصب عمله .
ثانيا: رفض العامل للتعديل الجوهري المشروع: يحق للمستخدم إجراء تعديل جوهري على عقد العمل إذا كان هذا التعديل يستند إلى مبرر حقيقي, سواء تعلق ذلك المبرر بظروف المشروع كالتعديل لأسباب اقتصادية, أو أسباب تتعلق بظروف العامل كمرضه أو عدم كفاءته, أو لأسباب تتعلق بحالة الضرورة والقوة القاهرة, و يحق للعامل في نفس الوقت رفض هذا التعديل لما ينطوي عليه من مسـاس بحقوقــه
1- Cass. soc : 24 Juin « il n’existe donc pas formellement de modification. mais seulement des condition de travail qui doivent être exécutée «
2- د/ همام محمد محمود زهران – المرجع السابق ص 346.
3- نفس المرجع ص 350.
ومكاسبه، فإذا تمسك العامل بالرفض, فإما أن يتراجع المستخدم على فكرة التعديل, وبالتالي يستمر العقد بشروطه الأصلية, وإما أن يصر المستخدم على تنفيذ التعديل, وإزاء هذا الموقف لا مفر من إنهاء العقد سواء بمبادرة من المستخدم أو من العامل (1).
و استناداً إلى النصوص القانونية المتعلقة بتعديل عقد العمل بسبب الحالة الصحية للعامل أو الحالة الاقتصادية للهيئة المستخدمة، فإن العمال الذين يتم تحويلهم إلى مؤسسات أخرى بسبب تقليص عدد المستخدمين يمكنهم رفض هذا التحويل، ومع ذلك يستفيدون من التعويض من أجل نفس السبب وهذا طبقاً لنص المادة 70/05 من قانون علاقات العمل 90/11 .
في حين أن العامل الذي يرفض النقل إلى منصب آخر يتلاءم مع حالته الصحية يعتبر مرتكباً لخطأ جسيم يستوجب عنه التسريح (2) , في حين لا يعتبر المشرع الفرنسي هذا الرفض خطأ جسيماً , كما أن العامل الذي يرفض الالتحاق بالمنصب المحول إليه في إطار استخلاف مناصب جديدة يحرم من الاستفادة من خدمات التأمين على البطالة لمصلحة العمال الذين يفقدون عملهم بصفة غير إرادية ولأسباب اقتصادية ، كما يحرم من الاستفادة من خدمات التامين على البطالة العامل الذي يرفض العمل في إطار إعادة التوزيع , ولا يستفيد من التعويضات عن التسريح المنصوص عليها في المرسوم 94/09 المتعلق بالحفاظ على الشغل وحماية الأجراء الذين يفقدون عملهم بصفة غير إرادية .
وتطبيقاً للمادة 1134 من القانون المدني الفرنسي, فإن محكمة النقض الفرنسية تؤكد بأن المستخدم لا يمكنه تعديل عقد العمل الفردي بصفة جوهرية دون موافقة العامل, مما يستوجب على المستخدم الإبقاء على الشروط العقدية المتفق عليها و إلا تحمل نتائج رفض العامل للتعديل (3).
و في حالة تعديل العقد, فإن العامل الذي يرفض هذا التعديل وليست لديه رغبة في إنهاء العقد عليه أن يستمر في العمل بالشروط الجديدة, وأن يطالب المستخدم بتنفيذ العقد بالشروط الأصلية ما لم يأخذ المستخدم المبادرة بإنهاء العقد.
ولكن إن أصر المستخدم على قرار التعديل رغم رفضه من طرف العامل, فإن هذا الوضع سيؤدي إلى قطع علاقة العمل , وعليه فإما أن يقوم المستخدم بإنهاء العقد , أو أن يأخذ العامل المبادرة
1- د/ عبد العزيز المرسي حمود – المرجع السابق ص 127
2- NASRI HAFNAOUI : op . cit : p 26
3- Jean Pelissier et Alain supiot : cit 30
بالإنهاء، فإذا بادر المستخدم بقطع علاقة العمل فإنه يلتزم باخطار العامل بذلك قبل اتخاذ هذا الإجراء و ينتظرحتى نهاية مهلة الأخطار ثم يقوم بإنهاء العقد ،فإذا لم يحترم المستخدم مهلة الأخطار فعليه أن يدفع للعامل تعويضا عن هذه المهلة ،وهذا ما نصت عليه المادة 73 مكرر 05 والمادة 73 مكرر06 من قانون علاقات العمل.
أما إذا أخذ العامل المبادرة بإنهاء علاقة العمل وتقديم استقالته فإنه غير ملزم بأخطار المستخدم لأن هذا الأخير هو السبب في إنهاء علاقة العمل إثر قيامه بتعديل العقد تعديلا جوهريا، وبالمقابل لا يلتزم المستخدم بدفع تعويض للعامل على هذا الإنهاء لأنه كان نتيجة لرفض العامل لتعديل مشروع، وأن هذا التعديل كان له ما يبرره مما يجعله تعديلا مشروعا،و لا يحق للعامل المطالبة بالتعويض عن هذا الإنهاء (1)
الفرع الثاني: رفض العامل للتعديل التعسفي لعقد العمل
إذا كان للمستخدم الحق في تعديل عقد العمل طبقا للضوابط و الأحكام المنظمة لهذا التعديل فإنه يلتزم بمراعاة تلك الضوابط، ومن بينها عدم التعسف في استعمال الحق أثناء التعديل .
وقد سبق وأن تطرقنا عند دراستنا للقيود الوارد على سلطة المستخدم في التعديل إلى قيد عدم التعسف في استعمال الحق وخلصنا إلى وجود صور عامة للتعسف، وصور خاصة بعقد العمل، وبالتالي يوصف التعديل بأنه تعسفيا إذا كان بقصد الإضرار بالعامل، أو أن المستخدم أراد تحقيق مصلحة غير مشروعة من وراء ذلك ،أو أن المصلحة التي يريد تحقيقها المستخدم من خلال التعديل لا تتناسب مع الضرر الذي يصيب العامل ،بالإضافة إلى انتفاء المبرر من التعديل أو قلة أهميته أو عدم ملائمة الظروف للتعديل (2)
وإذا كان التعديل تعسفيا فمن حق العامل رفضه ،لكن الأشكال الذي يطرح هنا هو كيفية إثبات التعسف في التعديل، والآثار المترتبة على رفض العامل للتعديل التعسفي، وهذا مايستوجب توضيحه فيما مايلي:
أولا : إثبات التعديل التعسفي : تنص المادة 73 مكرر 03 من قانون علاقـات العمل 90/11 على أن
( كل تسريح فردي يتم خرقا لأحكام هذا القانون يعتبر تعسفيا وعلى المستخدم أن يثبت العكس ) فمن
1- د/ محمد عبد الغفار البسيوني – المرجع السابق – ص 378
2- د/ عبد العزيز المرسى محمود – المرجع السابق – ص 129
خلال هذه المادة نستنتج أن تعديل عقد العمل الذي يتم خرقا لأحكام قانون العمل وخاصة لأحكام المادتين 63-62 ومنه يكون تعسفيا إذا أدى إلى عدم قبول العامل بالتعديل وقرر المستخدم تسريحه، فإن عبء إثبات عدم التعسف في التعديل والتسريح الناتج عنه يقع على عاتق المستخدم.
أما في القانون المصري فإن عبء إثبات التعديل التعسفي يقع على عاتق العامل مدعى التعسف، لأن المستخدم غير ملزم بذكر سبب التعديل، ومنه فلا يلتزم يتقديم المستندات الدالة على صحة هذا المبرر وكفايته،وأن عدم ذكر سبب التعديل لا يعني عدم استناده إلى مبرر طبقا لنص المادة 137 من القانون المدني المصري حيث نصت أن (كل التزام لم يذكر له سبب في العقد يفترض أن له سببا مشروعا مالم يقدم الدليل على غير ذلك )، وإذا أدعى العامل عدم صحة المبرر من التعديل فعليه أن يثبت أن التعديل كان لأسباب أخرى إذ يعتبر السبب المذكور في العقد هو السبب الحقيقي حتى يقوم الدليل العكسي على ذلك(1)
و يمكن للعامل إثبات التعديل التعسفي بكافة طرق الإثبات لكون أن محل الإثبات واقعة مادية (2)أما تعديل منصب العمل أو ظروف العمل للممثل النقابي بسبب نشاطه النقابي، خاصة عندما يؤدي التعديل إلى قطع علاقة العمل فان عبء إثبات عدم التعسف يقع على عاتق المستخدم، وهذا ما أوردته المادة 66 من قانون العمل المصري حيث نصت على أن ( عبء إثبات أن الفصل لم يكن بسبب النشاط النقابي على عاتق صاحب العمل ) مما يستفاد أن المستخدم ملزم بالإفصاح عن السبب الحقيقي للإنهاء من جهة، وأن الإنهاء لم يستند إلى النشاط النقابي من جهة أخرى (3)
أما إذا ذكر صاحب العمل سبب الفصل فليس عليه عبء إثبات صحته، وإنما ينتقل عبء الإثبات إلى العامل ليثبت عدم صحة السبب، وإذا اثبت عدم صحة المبرر الذي يستند إليه المستخدم في التعديل كان هذا دليلا كافيا على التعسف، كما ان عدم ذكر المبرر من طرف المستخدم وإصراره على عدم ذكره رغم قيام نزاع حول وجود المبرر، فإن السكوت يمثل قرينة على التعسف وبالتالي لا يلتزم العامل بإقامة الدليل هذا التعسف (4)
1- د/ همام محمد محمود زهران – المرجع السابق – ص 747
2- د/ عبد العزيز المرسى حمود – المرجع السابق – ص 130
3- د/ همام محمد محمود زهران – المرجع السابق – ص 756
4- د/عبد العزيز المرسى حمود – المرجع السابق – ص 130
أما في القانون الفرنسي، فإن المستخدم الذي يستند في تعديله لعقد العمل إلى سلطته التنظيمية والإدارية فقط ،فإنه يكون متعسفا في حق العامل الذي لم يرتكب أي خطأ، وإذا أدى هذا الوضع إلى إنهاء علاقة العمل فإن الإنهاء ينسب للمستخدم ،ولهذا وجب عليه أن يستند في تعديله إلى أحد المبررات السابق ذكرها ،كأن يكون المبرر هو مصلحة العمل أو من أجل التسيير الحسن للمؤسسة أو لأسباب خاصة بالعامل، ولا يجوز نقل عبء الإثبات للعامل، حيث اضاف قانون 02 أوت 1989 المتعلق بحماية العمال من التسريح الاقتصادي (أن الشك يفسر لمصلحة العامل ) (1)
ثانيا: آثار رفض العامل للتعديل التعسفي: إذا قام المستخدم بإجراء تعديل تعسفي على عقد العمل فمن حق العامل رفض هذا التعديل سواء كان جوهريا أو غير جوهري، وإذا أصر العامل على رفض هذا التعديل فعلى المستخدم أن يتراجع عنه فيستمر العقد بشروطه الأصلية ،وإذا أصر المستخدم على عدم تراجعه وإقدامه على تنفيذ التعديل التعسفي في الوقت الذي يستمر فيه العامل رافضا لهذا التعديل ،فإنه لا مفر من إنهاء العقد بمبادرة من العامل أو من المستخدم (2)
ويترتب على رفض التعديل التعسفي والإنهاء غير المشروع أحقية العامل في التعويض عن الإنهاء التعسفي ، فإذا أنهى المستخدم عقد العمل ردا على رفض العامل للتعديل التعسفي يصبح ملزما بتعويضه عن الأضرار المادية و الأدبية التي أصابته، وفي هذا الإطار نصت المادة 73 مكرر 4 المعدلة و المتممة بالأمر 96/21 على وجوب تعويض كل عامل تم تسريحه تعسفيا من تاريخ توقيفه إلى تاريخ إعادة إدماجه، وإن رفض المستخدم ذلك يمنح العامل تعويضا ماليا لا يقل عن الأجر الذي يتقاضاه عن مدة 06 أشهر من العمل دون الإخلال بالتعويضات المحتملة (3)
1- camerlynck et jean laroque ; modification du contrat du travail ;op. ;cit. ,p12
2- د/ عبد العزيز المرسى حمود – المرجع السابق – ص 121
3- انظر ما ورد في نص المادة 73 مكرر 4 من قانون علاقات العمل 90/11
الخــــاتمــــــــــة
لقد توصلت من خلال هذا البحث إلى التعرف على أبعاد سلطة المستخدم في تعديل عناصر عقد العمل، واكتشفت أن هذا الموضوع يعد من أحد المواضيع التي تصطدم فيها القواعد العامة لنظرية العقد مع القواعد الخاصة بعقد العمل، لكون أن القواعد العامة لا تجيز نقض العقد أو تعديله إلا باتفاق طرفيه استنادا إلى المادة 106 من القانون المدني، في حين أن القواعد الخاصة بعقد العمل تجيز للمستخدم إدخال تعديلات على عناصر العمل بإرادته المنفردة باعتباره صاحب المشروع، وهو الذي يجني مغانمه و يتحمل مغارمه.
وفي ظل هذا التعارض وجدت نفسي ملزما بتحديد إلى أي مدى يمكن للمستخدم تعديل عناصر عقد العمل بإرادته المنفردة دون أن يشكل ذلك التعديل خرقا للقواعد العامة، ولقد خلصت من خلال هذه الدراسة إلى أن من سلطة المستخدم تعديل عناصر عقد العمل دون أن يشكل ذلك التعديل مخالفة للقواعد العامة إذاماتم وفقا لأسس وضوابط معينة، وتوصلت إلى أن إجراء المستخدم لهذا التعديل ماهو إلا تطبيق للقواعد العامة نفسها وذلك على التفصيل الآتي بيانه:
أولا: من حيث المعايير التمييز بين التعديل الجوهري وغير الجوهري:
حيث أن التعديل الذي يجريه المستخدم على عقد العمل إما أن يكون جوهريا أو غير جوهري، ونظرا لعدم وضوح متى يكون التعديل جوهريا ومتى يكون غير جوهري فإنني تناولت بعض المعايير الفقهية التي قيلت في هذا التمييز، ومن أهمها المعيار الإتفاقي، المعيار الموضوعي و المعيار الشخصي، وخلصت إلى ترجيح المعيار الإتفاقي باعتبار أن الاتفاق لا يترك مجالا للشك و التأويل
ثانيا: من حيث سلطة المستخدم في إجراء التعديل:
حيث أن التعديل الذي يجريه المستخدم على عقد العمل قد يكون جوهريا وقد يكون غير جوهري، وقد سبق وأن أشرت إلى أن الأمر يختلف بحسب نوع التعديل المزمع إجراؤه وخلصت إلى:
- بالنسبة للتعديل غير الجوهري، يعتبر من صميم السلطة التنظيمية للمستخدم، ويعد تنفيذا للعقد أكثر من اعتباره تعديلا له، وليس فيه مخالفة للقواعد العامة لكونه يستمد من السلطة التنظيمية للمستخدم أو من اتفاق الطرفين أو من مبدأ حسن النية أو من نص القانون، بشرط أن يتم وفق ضوابط معينة، بحيث لا يترتب على التعديل ضررا للعامل سواء كان ماديا أو أدبيا أو جسمانيا وألا يترتب على تغيير مكان أو زمان العمل أو اختصاص العامل تعديل جوهري في عقد العمل.
2-أما بالنسبة للتعديل الجوهري، فيترتب عليه مساس بحقوق العامل وبمكاسبه، لذا لا يمكن للمستخدم القيام به إلا بموافقة العامل أو إذا فرضته إحدى الضرورات المذكورة في متن هذا البحث، والتي تعتبر مبرارت جدية و المتمثلة في:
- التعديل الجوهري لأسباب اقتصادية سواء في الظروف العادية للمؤسسة كإعادة تنظيمها أو تغيير نظم العمل بها أو في الظروف غير العادية كالأزمات الاقتصادية و المالية.
- حالة الضرورة أو القوة القاهرة و التي تمر بها المؤسسة المستخدمة.
- الأسباب الخاصة بالعامل نفسه كعدم كفاءته وتدهور حالته الصحية وارتكابه لخطأ تأديبي.
وخلصت في نهاية الأمر إلى أن هذا النوع من التعديل ليس محظورا إذا تم وفق ضوابط شكلية وموضوعية منها:
• أن يكون التعديل المستند لحالة الضرورة أو القوة القاهرة مؤقتا، فلا يدوم إلا بالقدر اللازم لمواجهتها.
• أن تكون مبررات التعديل حقيقية لا صورية.
• أن يقوم المستخدم بإخطار أي عامل بقرار التعديل، ويترك له مهلة كافية حتى يستطيع أن يتخذ قراره بالقبول أو بالرفض.
• ألا يجري المستخدم تعديلا لعقد العامل إذا كان عضوا في منظمة نقابية بما يؤثر على نشاطه النقابي المذكورة، واستنتجت أن القواعد العامة لم تعد عقبة في سبيل إجراء ذلك التعديل، لأن سلطة المستخدم في إجراء التعديل ترجع إلى اتفاق الطرفين أو إلى أسباب قررتها نصوص القانون، مما يعد تطبيقا للقواعد العامة نفسها التي لا تجيز التعديل إلا باتفاق الطرفين ولأسباب التي يقررها القانون
• ثالثا: من حيث الضوابط العامة الواجب التقيد بها عند إجراء التعديل
إن كنت قد تطرقت إلى الضوابط الخاصة بالتعديل غير الجوهري و الضوابط الخاصة بالتعديل الجوهري، فإني قد خلصت إلى استنتاج ضوابط عامة يلتزم بها المستخدم عند ممارسة سلطة التعديل، سواء
كان تعديلا جوهريا أو غير جوهري وهي:
1- احترام النظام العام، سواء تعلق الأمر بالنظام العام المتعلق بالمصلحة العامة أو النظام العام الحمائي، فلا يجوز للمستخدم إجراء تعديل فيه مخالفة لهذا النظام أو ذاك.
2- - عدم تعسف المستخدم في إجراء التعديل: حيث يلتزم المستخدم بعدم التعسف في استعمال حقه في التعديل، ويكون التعديل تعسفيا إذا انتفى المبرر من التعديل، أو كان التعديل عديم الأهمية، أو تم التعديل في ظروف غير ملائمة، أو ترتب على التعديل تعريض العامل أو غيره للخطر.
رابعا: من حيث آثار التعديل على علاقة العمل:
لقد خلصت إلى أن قبول العامل بالتعديل لا يؤدي إلى خلق عقد عمل جديد بل يظل عقد العمل الأصلي قائما مع استبدال عناصره بعناصر أخرى جديدة وفقا لما جاء به التعديل، وأن رفض العامل للتعديل غير الجوهري يرتب مسؤولية العامل تجاه المستخدم، وهذا ما أقرته المادة 61 من قانون العمل المصري، وقرار محكمة النقض الفرنسية الصادر في 25جوان 1995 المشار إليه في صلب الموضوع.
أما إذا رفض العامل تعديلا جوهريا مشروعا فلا يرتب هذا الرفض أية مسوؤلية، سواء في القانون المصري أو في الفرنسي، في حين يشكل رفض العامل نقله إلى منصب آخر بسبب حالته الصحية خطأ جسيما يستوجب التسريح وفقا للقانون الجزائري.
أما إذا كان التعديل المرفوض تعسفيا فلا يسأل العامل عن النتائج المترتبة على هذا الرفض، سواء كان التعديل المرفوض جوهريا أو غير جوهري، وإنما تقع مسؤولية الإنهاء على المستخدم.
خامسا: من حيث الإقتراحات و التوصيات:
لقد أتضح لي من خلال هذا البحث أن المشرع الجزائري قد اقتصر على تناول مسألة تعديل عقد العمل بصفة عامة، حيث أشار في المادة 62 من قانون علاقات العمل إلى إمكانية تعديل عقد العمل إذا كان التعديل يعود بالنفع على العامل، في حين لم يراع مصلحة المستخدم ولم يعط له سلطة تعديل العقد بإرادته المنفردة، رغم اعتراف القوانين المقارنة وكذا الفقه و القضاء بسلطة المستخدم في تعديل عقد العمل متى دعت مصلحة العمل إلى ذلك، ولم يتطرق تشريع العمل الجزائري لإمكانية تعديل عقد العمل استنادا إلى حالة الضرورة أو القوة القاهرة، واكتفى بالإشارة إلى إمكانية اللجوء إلى تعديل وقت العمل على أساس العمل التناوبي متى اقتضت الحاجة إلى ذلك، وقيدها بشرط استشارة ممثل العمال وإعلام مفتش العمل، وهذا من خلال ما ورد في المادة 31 من قانون علاقات العمل المعدل والمتمم بالأمر 96/21، في حين لم ينص على إمكانية تعديل مكان واختصاص العامل استنادا إلى حالة الضرورة ،وقد تسبب عدم النص صراحة على سلطة المستخدم في تعديل عناصر عقد العمل استنادا إلى القوة القاهرة إلى إعطاء قاضي الموضوع سلطة تقديرية واسعة، وترتب عليه وجود أحكام قضائية متناقضة أدت إلى ضياع حقوق العمال في كثير من الأحيان أو تسببت في تعطيل مصالح المستخدم في أحيان أخرى.
ولم يشر تشريع العمل الجزائري لشرط المرونة، الذي بمقتضاه يستطيع المستخدم إجراء تعديل على عنصر من عناصر عقد العمل دون استشارة العامل، ولم يتطرق أيضا إلى إمكانية تعديل الأجر إلا في حالة تقليص عدد العمال لأسباب اقتصادية أو في حالة نقل العامل المريض إلى منصب جديد على أساس قرار طبي، ولم يتطرق أيضا لإمكانية التعديل بسبب عدم كفاءة العامل.
ويبدو أن المشرع الجزائري قد قيد سلطة المستخدم في إجراء التعديل الجوهري وغير الجوهري إلى حد بعيد لدرجة أنه يكاد ألا يعترف له بالسلطة التنظيمية حين نص في المادة 63 من قانون علاقات العمل على عدم إمكانية تعديل عقد العمل إلا بالإرادة المشتركة للطرفين، والتي تعتبر بمثابة إحالة إلى 106 من القانون المدني، مما جعل القضاء يؤسس أحكامه في النزاعات المتعلقة بتعديل عقد العمل على نصوص القانون المدني رغم تمتع قانون العمل بطبيعة خاصة وذاتية مستقلة .
لذلك فإنني أقترح أن يتدخل المشرع لوضع نظام تشريعي مفصل لتعديل عقد العمل تداركا للفراغ القانوني الواضح، ويعالج مسألة التعديل بشكل مفصل، بطريقة تكفل حقوق العامل من تعسف المستخدم وتعترف لهذا الأخير بسلطة التعديل استنادا إلى حالة الضرورة و القوة القاهرة بشكل يجعله قادرا على تعديل مكان العمل أو وقت العمل أو نوعيته على أساس سلطته التنظيمية، وأن ينص على إمكانية تعديل أي عنصر من عناصر عقد العمل عندما تقتضي مصلحة المؤسسة ذلك ،وبضوابط تحفظ للعامل حقه في حالة تجاوز المستخدم سلطته في إجراء هذا التعديل ،وفي مقدمتها الرقابة القضائية على مشروعية التعديل .
إضافة إلى ذلك فإنني أقترح أن يتم وضع نظام للأخطار بالتعديل، يتضمن المدة اللازمة للتفكير، حتى يتمكن العامل خلالها من اتخاذ قراره بالموافقة أو الرفض كما فعل المشرع الفرنسي.
- كما أقترح أيضا أن يتم وضع نصوص تنظم بشكل واضح وصريح مسألتي الإخطار و الإنهاء
- كما أقترح أن يتم وضع نظام تشريعي للتعديل التأديبي، وأن يكون متميزا بقواعده وإجراءات عن التعديل العادي، ولا يقتصر الأمر على الإشارة إليه في القانون الداخلي للمؤسسة.
وأخيرا أقترح أن يتم جمع النصوص القانونية المتعلقة بعلاقات العمل في شكل تقنين إقتداء بالمشرع المصري و الفرنسي، عوضا أن تبقي هذه النصوص مبعثرة يصعب حصرها و الإطلاع عليها
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma