مبدأ تدرج القواعد القانونية و آثاره على الوظيفة القضائية, تابع الفصل الثاني للمذكرة مع قائمة المراجع
المبحث الثاني
الرقابة القضائية على تدرج القواعد القانونية الأخرى
إنه لا معنى لما سبق تقريره من سمو القواعد الاتفاقية الدولية على القانون
أو سمو القانون على اللوائح طالما لم توجد آليات تكفل هذا الترتيب، وتحرس
قواعد المشروعية، واستنادا على ذلك يتفق الفقهاء على كون الرقابة القضائية
على مدى احترام هذا التدرج أمر لازم وعدوه إحدى عناصر وضمانات دولة
القانون، ولذلك فإنه لا مناص أمام القضاء الجزائري إلا أن يتمسك باختصاصه
الرقابي على مدى خضوع القواعد الأدنى للقواعد الأعلى، بأن يبسط رقابته على
اتفاقية القواعد التشريعية واللائحية (المطلب الأول) وكذلك على مشروعية
القواعد اللائحية(المطلب الثاني) .
المطلب الأول
الرقابة القضائية على اتفاقية القواعد التشريعية واللائحية
ترتيبا
على القيمة القانونية للقواعد الاتفاقية الدولية وسموها على القواعد
التشريعية طبقا لمادة 132 من دستور 1996، فإن هذه القواعد الدولية تكون
واجبة التطبيق أمام القضاء الداخلي متى تم التصديق عليها وفق للشروط
والإجراءات الدستورية، وهو ما ذهب إليه المجلس الدستوري الجزائري في قراره
الأول لسنة 1989 ([140]) إذ جاء في إحدى حيثياته :" ونظرا لكون أية اتفاقية
بعد المصادقة عليها ونشرها تندرج في القانون الوطني وتكتسب بمقتضى المادة
123 من الدستور – لسنة 1989 والمقابلة للمادة 132 من دستور 1996 – سلطة
السمو على القوانين وتخول كل مواطن جزائري أن يتذرع بها أمام الجهات
القضائية " وهو ما استجاب له القضاء المقارن – وخصوصا الفرنسي ([141])–
وبعده القضاء الجزائري إذ اعتمد على المعاهدات كمصدر للمشروعية وقام
بتطبيقها واستبعد القواعد التشريعية أو اللائحية الداخلية التي جاءت
متعارضة مع تلك المعاهدات، ولكن هذا الاجتهاد القضائي
مازال محل جدل
وتردد إن في ساحة الفقه أو القضاء حول اختصاص القضاء الداخلي برقابة مطابقة
القانون للمعاهدات (الفرع الأول) وسلطات القضاء في تكريس سمو المعاهدات
(الفرع الثاني) وطرق حل الإشكاليات التي تثار أمام القضاء في هذا الصدد
(الفرع الثالث) .
الفرع الأول
تكريس اختصاص القضاء برقابة اتفاقية القانون
إن
تحقيق سمو المعاهدات على القانون،وبالتالي عدم مخالفة القوانين واللوائح
للمعاهدات الدولية التي صادقت عليها الجزائر وفق الشروط و الإجراءات
الدستورية، يفرض وجود نظام رقابي يكفل مطابقة القوانين الداخلية لتلك
المعاهدات، فما هي الجهة المختصة بهذه الرقابة ؟
إن الإجابة عن هذا
التساؤل تفرض تحديد طبيعة العيب الذي يلحق القانون أو اللوائح إذا جاءت
مخالفة للقواعد الاتفاقية الدولية والذي يسميه الفقه بعيب عدم
الاتفاقية([142]) le vice d l’inconditionnalité هل هو عيب عدم الدستورية
أم عيب عدم المشروعية؟
بالرجوع إلى الاجتهاد القضائي الفرنسي باعتباره
السباق في هذا المجال فإن الملاحظة التي نكتشفها هي أن موقفه كان يكتنفه
الغموض إلى غاية صدور قرار: Nicolo الشهير في سنة 1989 والذي اعترف فيه
مجلس الدولة الفرنسي بدوره في رقابة احترام سمو المعاهدات على القوانين،
فبصدد الطعن الذي رفعه السيد Nicolo واستند فيه إلى مخالفة القانون الداخلي
الفرنسي للاتفاقية المؤسسة للإتحاد الأوربي ، واجه مجلس الدولة إشكالية من
حيث تسبيب الحكم فهل يستبعد الوجه المثار أي لا يفحص تماشي القانون مع
اتفاقية روما مثل ما ذهب إليه في اجتهاده السابق؟ أم يغير اجتهاده ويفصل في
هذا الدفع؟ كان الرأي الذي اقترحه مفوض الحكومةFrydman هو أن يراجع
المجلس قضاءه ومما قال :
« En considérant que cette loi n’est
applicable que parce qu‘elle est précisent
conforme a ce traité »([143])
وهو ما فعله مجلس الدولة بالفعل، إذ قضى
بأن القانون المؤرخ في 7/7/1977 المتعلق بالانتخابات يطبق لعدم تعارضه مع
اتفاقية روما، وكان هذا قرارا مبدئيا، وشكل انقلابا قضائيا لكونه أول قرار
ينظر فيه المجلس في مدى تطابق القانون الداخلي مع معاهدة سابقة، وفتح
الاحتمال أمام إمكانية استبعاده إذا كان مخالفا لاتفاقية نافذة ولو كانت
سابقة على القانون، لقد ألقى هذا القضاء بعبء كبير على القاضي الإداري ذلك
أن سمو المعاهدات يستمد أساسه من نص دستوري، وهو ما قد يؤدي إلى فحص مسائل
دستورية، حال كون المستقر عليه في قضاء مجلس الدولة انه غير مختص بذلك،
ولهذا كان مجلس الدولة يرفض رقابة مطابقة القانون اللاحق لمعاهدة سابقة،
لكن بمنسابة قضية Nicolo رأى المجلس بأن تهربه من مواجهة الموقف سيؤدي إلى
شل تطبيق نص المادة 55 من الدستور التي تكرس سمو المعاهدات على القوانين،
لذلك كان مضطرا إلى استبعاد القوانين اللاحقة التي تخالف معاهدة نافذة
متخذا موقفا مشابها لموقف استقر عليه القضاء العادي منذ 1931 في قضية
Matter([144]) ومسايرا للدعوى غير المباشرة للمجلس الدستوري الذي أعلن عدم
اختصاصه بالموضوع إذ صرح في قراره([145]) رقم 74/54 المؤرخ في 15/01/1975
بأن قانونا متعارضا مع المعاهدة لا يعني انه مخالف للدستور، وبذلك استبعد
الاتفاقيات من بين القواعد المرجعية للرقابة الدستورية، وقد أسس المجلس
الدستوري موقفه هذا على أن قراراته المتعلقة بالرقابة تحوز طابعا مطلقا
ونهائيا بينما سمو المعاهدات على القوانين المكرس بالمادة 55 من الدستور
يعد ذا طابع نسبي ومحدود، إضافة إلى أن تطبيقه معلق على شرط المعاملة
بالمثل .
إن موقف مجلس الدولة في قضية Nicolo قد أثار نقاشات حادة خاصة
في ما يتعلق بالنتائج الناجمة عن هذا الاتجاه الجديد ، فإعطاء نص المادة 55
امتدادها الطبيعي من حيث التطبيق يؤدي إلى خرق نص مادة دستورية أخرى وهي
المادة 21 وذلك من خلال التعديل غير المباشر لإلتزمات السلطة التنفيذية
تجاه القانون،فيكون مجلس الدولة أعطى الأولوية لمبدأ تدرج القوانين على
مبدأ تدرج السلطات([146])
"Le juge administratif fait prévaloir le
principe de hiérarchie des normes sur la hiérarchie des organes
normateurs , il semble même établi une hiérarchie entre différentes
normes constitutionnelles au profit de l’article 55 de la continuation"
([147])
وبعد عرض الموقف الفرنسي، يثار التساؤل عن الجهة التي تضمن احترام القوانين واللوائح للمعاهدات في الجزائر في ظل دستور 1996 ؟
لعل أول ما يبرز في هذا المجال هو موقف المجلس الدستوري الجزائري في قراره
رقم 01 لسنة 1989 والمتعلق بدستورية المادة 86 من قانون الانتخابات لسنة
1989 والتي تحدد الشروط الواجبة في المترشحين لانتخابات المجلس الشعبي
الوطني، ورغم كون إخطار المجلس كان يستهدف مدى مطابقة المادة 86 لقواعد
الدستور فإنه لم يكتفي بذلك إذ أعلن عدم مطابقة المادة المذكورة للمادتين
27 و 47 من الدستور، وأضاف تبريرا إضافيا يتعلق بعدم مطابقة هذه المادة مع
اتفاقيات دولية صادقت عليها الجزائر، ومما جاء فيه:" ونظرا لكون أية
اتفاقية بعد المصادقة عليها ونشرها تندرج في القانون الوطني وتكتسب بمقتضى
المادة 123 من الدستور - لسنة 1989 و تقابل المادة 132 من دستور 1996-
سلطة السمو على القوانين وتخول كل مواطن جزائري أن يتذرع بها أمام الجهات
القضائية" و بعد أن قرر المجلس أن عهدي الأمم المتحدة لسنة 1966 والميثاق
الإفريقي لحقوق الإنسان " تمنع منعا صريحا كل تمييز مهما كان نوعه "
وتأسيسا على ذلك نطق المجلس بعدم دستورية المادة 86 من قانون الانتخابات،
فالمجلس الدستوري قام بمراقبة دستورية قانون الانتخابات ليس فقط بالنظر على
الدستور وإنما أيضا على ضوء المعاهدات الدولية التي أبرمتها الجزائر.
وهذا الموقف ي.....نا إلى النتائج التالية :
-1إقحام المعاهدات في الكتلة الدستورية، وهو ما يجعل رقابة المطابقة بين القوانين والمعاهدات من اختصاص المجلس الدستوري .
-2دعوة
الجهات القضائية للاضطلاع بصلاحية إعمال مبدأ أولوية تطبيق المعاهدات على
القوانين في حالة التعارض، وذلك من خلال السماح للموطنين الجزائريين
بالاحتجاج بأحكامها أمام القضاء الوطني، وبالتأكيد لم يكن قصد المجلس
الدستوري تخويل هذا الحق للمواطن الجزائري وحده دون الأجانب ، وإلا عد ذلك
تمييزا قد يرتب المسؤولية الدولية للجزائر، ولكن سياق هذا القرار كان يتعلق
بممارسة إحدى الحريات العامة المكفولة للمواطنين دون الأجانب.
ولا شك أن هذا القرار يثير التساؤل عن حجيته في ظل دستور 1996 ؟
إنه
من خـلال الفصل الأول يتبين أن الكتلة الدستوريـة تتضمن الدستـور
بديبـاجته ونصـوص مواده، إضافة إلى المبادئ العامة للقانون ذات القيمة
الدستورية، أما القواعد الاتفاقية الدولية فهي تخضع للقواعد الدستورية
كونها أقل منها من حيث المرتبة الإلزامية، فلا يمكن إدماجها في نفس الكتلة،
ضف إلى ذلك أن المعاهـدات تخضع للرقابة على دستوريتها من طرف المجلس
الدستوري، وأن إدماج المعاهدات ضمن الكتلة الدستورية سوف يفرض على المجلس
الدستوري فحص مطابقة القوانين واللوائح المعروضة عليه لكل المعاهدات
النافذة في الجزائر، وهو ما سيؤدي إلى شل أعمال المجلس الدستوري .
واستنادا
إلى قرار المجلس الدستوري سالف الذكر، فإن المحكمة العليا كرست في عديد
قراراتها اختصاصا برقابة مدى مطابقة القوانين الداخلية للمعاهدات النافذة
بالجـزائر، ومن هـذه القرارات، القرار المؤرخ في 22/02/2000 ([148])، والذي
اعتمدت فيه المعاهدات كمصدر للشرعية الجنائية إذ قضت الغرفة الجزائية بصحة
الحكم بمصادرة المبالغ المحجوزة والتي حصل عليها المتهمون من خلال بيع
المخدرات، فاعتبرت المصادرة عقوبة مشروعة، نظرا للنص عليها في اتفاقية
الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية
التي صادقت عليها الجزائر بموجب المرسوم الرئاسي رقم : 95 /41 المؤرخ في 28
/01 /1995 وهذا رغم النص عليها في قانون الصحة رقم 85/05 الذي توبع
المتهمون. والقرار الثاني صدر عن الغرفة المدنية للمحكمة العليا في
05/09/2001([149]) والذي استبعدت فيه المحكمة العليا نص المادة 407 من
قانون الإجراءات المدنية المتعلقة بالإكراه البدني لمخالفته لنص المادة 11
من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وهو ما أكدته بقرار لا
حق بتاريخ :11/12/2002.([150]) فالمحكمة العليا تمسكت باختصاصها برقابة مدى
مطابقة القوانين للاتفاقيات الدولية النافذة بالجزائر تلقائيا ووصلت لحد
استبعاد القانون المعارض للاتفاقية، بل إلى حد التطبيق المباشر لنص من
المعاهدة وفي الميدان الجزائي الذي يخضع لمبدأ الشرعية حسب المادة الأولى
من قانون العقوبات.ولا شك أن مجلس الدولة سوف يمشي في نفس الطريق لو طرح
عليه الأمر.
الفرع الثاني
سلطات القضاء في رقابة اتفاقية القانون
خلافا
للقاضي العادي الذي لا يملك سوى استبعاد القانون أو اللائحة المخالفة
للاتفاقيات، يملك القضاء الإداري عدة وسائل في إطار رقابته على اتفاقية
القوانين واللوائح وذلك من خلال المنازعات المعروضة عليه، سوء في إطار
رقابته الشرعية (أولا) أو المسؤولية (ثانيا) ولذلك سوف نركز على سلطات
القاضي الإداري([151]) .
أولا : سلطات القضاء الإدراي في إطار منازعات المشروعية :
ترى
الأستاذة Etienne picard بأن أثار تصريح القاضي بمخالفة نص ما لاتفاقية
دولية تختلف اعتبارا لأربعة عوامل هي طبيعية القاعدة (دولية أم لائحية)،
شكل قـاعدة الداخليـة (قانون أم لائحة)، تاريخ سن هذه القاعدة الداخلية
مقارنة بالمعاهدة ، موضوع الطعن أمام القاضي.
والجمع بين هذه العناصر يضع القاضي الإداري أمام عدة حالات :
الحالة
الأولى: إذا تعلق الأمر بقرار إداري لا حق بمعاهدة دولية ، وتعارض معها ،
فإن القاضي ملزم بإلغائه إذا كان الطعن فيه متعلقا بفحص المشروعية .
الحالة
الثانية: إذا تعلق الأمر بقرار سابق على معاهدة دولية وكان متعارضا معها ،
فإن هذه المعاهدة قد تؤدي إلى إلغائه ضمنا وقد لا تؤدي إلى ذلك ، فإذا كان
القرار تنظيما فإنه يمكن للقاضي وقف سريانه طالما أن القاعدة الدولية كانت
نافذة :
« Si l’acte est réglementaire il pour oit en effet n’être
que supendu tant que la règle internationale resterait applicable dans
l’ordre interne »
لكن القاضي ملزم بالتصريح بالإلغاء وإبطال كل المراسيم التنفيذية التي تصدر بصفة لاحقة للمعاهدة ، وتكون مخالفة لها.
الحالة
الثالثة: إذا تعلق الأمر مخالفة قانون لمعاهدة فإن سلطة القاضي تبدو ضيقة،
فإذا كان القانون سابقا للمعاهدة فلا يملك القاضي إلا معاينة الإلغاء،
وذلك منذ إدماج القاعدة الدولية في النظام الداخلي، ومن ثم فمن واجب القاضي
الإداري التصريح ببطلان كل المراسيم التنفيذية لهذه القوانين.
الحالة
الرابعة: أما إذا صرح القاضي بطريقة غير عادية بسمو قاعدة دولية على تشريع
نافذ، فلا يمكنه في أفضل الأحوال إلا أن يصرح بعدم إمكانية تطبيق هذا
الأخير([152]). ويبقى التساؤل قائما حول الحجية التي يتمتع بها هذا التصريح
؟
وبالتأكيد فإن أوجه الإلغاء أو عدم المشروعية هي نفسها المتعلقـة
بمخالفة القـرارات للقوانين الداخلية، أي عيب عدم الاختصاص أو عيب الشكل
والإجراءات أو عيب مخالفة القانون أو عيب السبب أو الانحراف بالسلطة، ومرد
هذا التشابه هو تقارب القواعد الدولية مع القواعد الداخلية من حيث المحتوى.
ثانيا: سلطات القضاء الإداري في إطار منازعات المسؤولية:
ويختلف
الوضع حسب حالتين، تتمثل الأولى في المسؤولية عن أعمال السلطة التشريعية
(I) والثانية المسؤولية عن أعمال السلطة التنفيذية (II)
-Iالمسؤولية عن
أعمال السلطة التشريعية: لقد صرح مجلس الدولة الفرنسي منذ قراره في قضية
Driancout([153]) أن كل حالة عدم مشروعية تشكل خطأ، فهل أن كل خرق من
المشرع لأحكام اتفاقية ما يشكل خطأ يؤدي بالنتيجة إلى مسؤولية الدولة ؟
لقد
تردد مجلس الدولة في الحسم في هذا الأمر، فلم يصرح بالمسؤولية المباشرة
للدولة عن أعمال السلطة التشريعية، إلا في مجال فرق مبدأ المساواة أمام
الأعباء العامة، كما فعل في قضية لافلورات([154]) الشهيرة، وهي فرضية لا
تنطبق إلا على حالات قليلة لخرق القواعد الدولية .
ومرد ذلك إلى كون
القانون يمثل تعبيرا عن الإرادة العامة فاستفاد هذا الأخير (القانون)
بنظـام تفضيلي، سيما على صعيد المسؤولية على حد تعبير Morange :
«la loi a longtemps bénéficie d’un régie juridique de foreux y compris en matière de la responsabilité »
إن
نظام المسؤولية بدون خطأ عن أعمال السلطة التشريعية يبدو محدد الأفق ليس
فقط بسبب قلة السوابق في هذا المجال فقط- 03 حالات حسب الأستاذ Michelet -
ولكن بسبب الشروط الخاصة لإقامة هذه المسؤولية، والتي لا تتماشى مع اغلب
حالات القوانين المخالفة للاتفاقيات، وخاصة فيما يتعلق بشروط الضرر، الذي
يستوجب القضاء أن يكون جسيما جسامة غير عادية، وذا خطورة استثنائية
préjudice caractère anormal et spéciale وعلى ذلك فإن مسؤولية الدولية عن
القوانين المخالفة للاتفاقيات لا تجد لها أساسا في نظام المسؤولية
الإدارية، بل تبدو فقط نتيجة منطقية أفرزها قرار Nicolo.
ومن هنا نخلص
إلى أن الأساس الحالي للمسؤولية عن طريق مبدأ سمو القواعد الاتفاقية
الدولية إنما يتمثل في المسؤولية الخطئية عن قواعد تنظيمية غير مشروعة la
responsabilité pour faute
du fait de l’application d’un règlement ([155])
-IIالمسؤولية
عن إعمال السلطة التنفيذية: وهي المسؤولية التي كرسها مجلس الدولة الفرنسي
في قراره المبدئي الصادر سنة 1992 في قضية ( Société Arizona Tobacco
produits ) حيث
رتب المجلس مسؤولية الإدارة على أساس الضرر الناجم عن
المرسوم التطبيقي الصادر في 31/12/1976 الذي يحدد أسعار بيع التبغ بطريقة
تتعارض مع تعليمة دولية صادرة في 19/12/1972، علما أن هذا المرسوم إنما صدر
مجرد تطبيق لقانون داخلي تضمن أحكاما تتعارض مع الاتفاقية، وعليه يظهر أن
القاضي قد أجبر على تحليل هذا الضرر بأنه ناتج عن المرسوم بينما عدم
مشروعية هذا الأخير إنما هي نتيجة لتعارض القانون الذي سعى إلى تطبيقه مع
تلك التعليمة الدولية .
نخلص إلى القول أن مسؤولية الدولة عن القوانين
التي تخرق المعاهدات لا تجد أساسها في المبادئ التقليدية للمسؤولية
الإدارية ، التي بات من الواجب توسيع إطارها لتحتوي التغيرات الحديثة
للعلاقات الدولية المتجسدة باتفاقيات دولية في شتى المجالات القانونية،
ولعله يصلح في هذا الإطار ما قررته محكمة العدل للمجموعة الأوربية في قضية
فرانكوفيتش، فقد اعتبرت أن قانون الاتحاد الأوربي يفرض على الدول الأعضاء
إصلاح الأضرار اللاحقة بالأفراد نتيجة خرق القانون الاتحادي، وذلك من خلال
تبني نظام تعويض خاص بكل دولة ، شريطة أن يكون هذا النظام فعالا ، إذا جاء
في حيثياته:
« C’est dans le cadre du droit national de la
responsabilité qu’il incombe l’état de réparer les conséquences du
préjudice cause » ([156])
وبعد أن تم عرض عصارة اجتهاد القضاء الإداري
الفرنسي، فإنه يمكن القول أنها تصلح للاستعانة بها من طرف القضاء الإداري
الجزائري فيما قد يطرح عليه من نزاعات، خصوصا في ظل تزايد عدد المعاهدات
المصادق عليها من طرف الدولة الجزائرية، فتسمح له بأن يكون ضمانة حقيقية
لحماية مبدأ التدرج القانوني الذي يعد احد دعائم دولة القانون.
الفرع الثالث
الإشكاليات التي تثار أمام القاضي بصدد رقابة اتفاقية القانون
إنه من السهل أن نقول بان المعاهدة تصير قانونا بتمام الإجراءات المقررة
لحصولها على ذات قوة القانون، فتتداعى بذلك النتائج وتحل المشكلة التي
يثيرها الفقه بصدد اختلاف الطبيعة ما بين المعاهدات والقوانين الداخلية،
ولكن الحقيقة غير ذلك فإنشـاء القـانون شيء واستعـارة قوته شيء أخر، ولا
يستوي في النهاية وبإطلاق ما أنشأته إرادة دولة واحدة بنتاج توافق إرادات
الدول، والنص الدستوري نفسه لم يقل أن المعاهدة قانونا، وإنما فقط واستجابة
لطبيعتها الخاصة منحها قوته تتقدم بها في التطبيق فوق القانون الصادر عن
البرلمان في تدرج القواعد القانونية، وعندما تسمو المعاهدة على القانون لا
يكون لها ذلك إلا بنص في الدستور، وما كانت المعاهدة لتحتاجه لو كانت
بطبيعة ذاتية تغنيها عنه، وما اشترطه الدستور من إجراءات تدخل بها المعاهدة
في النظام الداخلي هو إعلان بان قدومها هو بإذن السيادة الوطنية وليس
مفروضا لمقتضى خضوع مباشر للقواعد الدولية، يؤكد أيضا أن المعاهدة تخالف في
النهاية القانون الداخلي، ولا شك أن هذه الطبيعة المتميزة للمعاهدات تثير
أمام القاضي وهو يتعامل معها إشكاليات تتميز بخصوصياتها عن الإشكاليات
التقليدية التي كان يواجهها القضاء، وهو ما يفرض على القاضي لعب ادوار
جديدة لحل تلك الإشكاليات، والتي قد تتعلق بمسائل خارجة عن مضمون المعاهدة
(أولا) أو متعلقة بمضمونها (ثانيا) .
أولا: الإشكاليات غير المتعلقة بمضمون المعاهدة:
يواجه القاضي أثناء تعامله مع المعاهدات عدة مسائل تتعلق بمدى إلزامية تطبيقها ([157])، وتتمثل في :
-
إشكالية إجراءات التصديق التي فرض الدستور توفرها كشروط لصيرورة المعاهدة
أقوى من القانون، وبالتالي فهل للقضاء الولاية لمراقبة مرسوم المصادقة؟ هل
جاء صحيحا أي تم احترام الإجراءات الدستورية السابقة المتمثلة في الموافقة
البرلمانية الصريحة أو عرضها على المجلس الدستوري وقراره أنها مطابقة
للدستور؟
- وهناك إشكالية النشر، فهل يشترط لنفاذ المعاهدة أم لا ؟ و هي الإشكالية التي سبق عرضها سابقا.
-
وإشكالية التحفظ، فمن حق الدولة أثناء إعلان التزامها بالمعاهدة أن تقرر
بإرادتها المنفردة تحديد آثار بعض البنود من المعاهدة أو استبعادها، فما هو
دور القاضي حيال هذا الوضع؟ ألا يعد ملزما به لكونه من أعمال السيادة؟
وإذا صدرت إعلانات تفسيرية في شكله لكنه في حقيقته تحفظ، فما دور القاضي
هنا ؟
ثانيا: الإشكاليات المتعلقة بمضمون المعاهدة:
فإذا خلص القاضي
من الإشكاليات والمصاعب سالفة الذكر واستطاع حلها، فإنه سيقف أمام إشكاليات
أخرى تتعلق بمضمون المعاهدة وتتمثل في إشكالية التفسير(I) وإشكالية
القابلية للتطبيق المباشر(II)
I- إشكالية التفسير([158]): فهل يختص القاضي به أم لا؟ وكيف سيقوم بتفسير النص الاتفاقي الدولي؟
باعتبار
أن الاتفاقيات تبرم من قبل السلطة التنفيذية، فقد اعتبر أنهـا الهـيئة
الوحيدة المؤهلة لتفسيرها، وخوفا من التدخل في العلاقات الدولية بين السلطة
التنفيذية والسلطات الأجنبية، حرص القاضي على إحالة مسألة التفسير إلى
وزارة الشؤون الخارجية وكان ملزما به، وهو ما درج عليه القضاء الفرنسي
التقليدي، لكن قضية Gisti ([159]) كانت المناسبة التي تمسك فيها مجلس
الدولة الفرنسي باختصاصه في تفسير النصوص الاتفاقية الدولية،حيث أعطى
المجلس التفسير الذي رآه ملائما دون أن يرى نفسه ملزما بالتفسير الوزاري،
وبقراره هذا أكد مجلس الدولة الفرنسي أن هناك مشكلة تفسير كانت قائمة في
هذا الخصوص، وان المجلس قد سمح لنفسه بتقدير مدى صحة التفسير الوزاري،
ليستخلص بالتبعية ما يراه هو نفسه من تفسير للنصوص محل النزاع ويبني قضاءه
عليه، وانه تبعا لذلك يكون قد استقر مبدأ اختصاص القاضي الإداري بتفسير
المعاهدات الدولية، ومعنى ذلك أن مسألة تفسير المعاهدات قد خرجت من طائفة
أعمال السيادة وفقدت حصانتها.
وبالنسبة للقضاء الجزائري فالمحكمة العليا
كانت لها مناسبة للتمسك باختصاصها بالتفسير، ويتعلق الأمر بالقرار المؤرخ
في 11/12/2002 ([160]) والذي يتعلق بطعن بالنقض في قرار وقع الإكراه
البدني عليه لعدم وفائه بدين تجاري وأسس قضاة المجلس قرارهم على أن المادة
11 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية تتعلق بالحقوق المدنية فحسب،
فقامت المحكمة العليا بتفسير نص المادة 11من الاتفاقية المذكورة، ومما جاء
في القرار:
"وبعد الإطلاع على أحكام المادة 11 من الاتفاقية المذكورة
أعلاه والتي جاء فيها ما يلي: (لا يجوز سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء
بالتزام تعاقدي) وتبعا لذلك أصبح من غير الجائز توقيع الإكراه البدني لعدم
تنفيذ المدين لالتزامه التعاقدي.
وحيث أن مصادر الالتزامات ، تنقسم إلى
مصادر إرادية ومصادر غير إرادية ، وأصبح -ومنذ انضمام الجزائر إلى تلك
الاتفاقية - غير جائز تنفيذ الالتزامات الإرادية - سواء كان مصدرها معاملة
مدنية أو تجارية – عن طريق الإكراه البدني.
وحيث انه كما هو ثابت في وقائع القضية أن الالتزام المراد تنفيذه مصدره معاملة تجارية أي عقد تجاري.
وحيث
أن المادة 11 المشار إليها أعلاه لا تميز بين الالتزام التعاقدي التجاري
وغير التجاري، فيكفي أن يكون هناك التزام تعاقدي سواء كان موضوع هذا
الالتزام معاملة مدنية أو تجارية، فيمتنع تنفيذ هذا الالتزام عن طريق
الإكراه البدني ..."
II-إشكالية القابلية للتطبيق المباشر: فإذا خلص من
مشكلة التفسير، واجهته مشكلة أخرى، وهي كيفية التعامل مع المعاهدة أي مدى
إمكانية تطبيق نصوصها مباشرة؟ أم ينتظر صدور القوانين والتنظيمات الكفيلة
بذلك؟
لقد كانت قضية Yeter Cinnar ([161]) المناسبة لمجلس الدولة
الفرنسي لتغيير اجتهاده بصدد مسألة التطبيق المباشر للمعاهـدات، إذ بدل
الارتكـاز على معايـير عادة ما عرقلت مسألة التطبيق المباشر، وخصوصا
المعيار الشخصي والمتمثل في البحث في نية الأطراف، بالرجوع إلى الأعمال
التحضيرية مثلا ، فقد انصب اهتمام مجلس الدولة على دراسة مضمون نص المعاهدة
المطروح عليه تطبيقها، فاعتمد على المعيار الموضوعي، والمتمثل في دقة
ووضوح هذا النص، والغرض منه هدف ملموس، وهي المعالجة القانونية التي أدت به
إلى الفصـل بيـن نوعين مـن القـواعد الاتفاقية الدولية، فبعضها تطبق
تطبيقا مباشرا، والأخرى لا يمكن تطبيقها مباشرة، فقرار سينار أعلن عن عهد
قانوني وقضائي جديد في مجال التعامل المباشر مع المعاهدات الدولية.
ولعل
الموقف القضائي الجزائري في القرارات الصادرة عن المحكمة العليا بغرفتيها
المدنية والجزائية -سالفة الذكر- دليل آخر على أن القضاء صار متمسكا
بأهليته للتطبيق المباشر لنصوص المعاهدات الدولية طالما كانت قابلة لذلك،
دونما انتظار للقوانين أو التنظيمات الداخلية التي تجعلها نافذة .
المطلب الثاني
الرقابة القضائية على مشروعية القواعد اللائحية
تطبيقا لمبدأ المشروعية ومقتضياته، ومنها مبدأ تدرج القواعد القانونية،
فإن أعمال السلطة التنفيذية -سواء منها الفردية أو اللائحية- تخضع وتتقيد
بالقانون بمعناه الواسع ، وكل مخالفة لذلك تجعل عملها باطلا وقابلا للطعن
فيه أمام القضاء، وعلى ذلك فإن اللوائح الصادرة عن السلطة التنفيذية – مهما
كان نوعها والظروف التي صدرت فيها- تخضع للرقابة القضائية باعتبارها
أعمالا إدارية، وتطبيقا للمادة 143 من الدستور "ينظر القضاء في الطعن
قرارات السلطات الإدارية "
وقد أثبتت عملية الرقابة القضائية جدواها
وفاعليتها في النظم القانونية المقارنة، حيث استطاع القضاء عن طريق صور
وأنواع الرقابة القضائية التي بسطها على اللوائح أن يوفر ضمانات جدية
وفعالة لحماية الشرعية وحريات الأفراد وحقوقهم في مواجهة السلطة التنفيذية،
التي أجبرها القضاء على الخضوع للقانون واحترام مبدأ المشروعية، وتتخذ
رقابة القضاء على اللوائح عدة صور حسب الجهة التي تتولاها، فقد تكون رقابة
إلغاء من طرف القضاء الإداري ، وقد يختص بها القاضي العادي عن طريق الدفع
بعدم الشرعية فيختص بها طبقا لمبدأ تدرج القواعد القانونية ([162]).
غير
انه يتعين ملاحظة انه بصدد فحص مشروعية اللوائح بمطابقتها للقواعد
الدستورية فإن ذلك وجها آخر للرقابة القضائية على مشروعية اللوائح، عمد
إليها القاضي لتوسيع مساحة رقابته على أعمال السلطة التنفيذية، هذا إضافة
إلى إنشائه نظرية المبادئ العامة للقانون لتوسيع سلطته الرقابية على تلك
الأعمال.
ولذلك فقد تكون الرقابة القضائية على مشروعية اللوائح بواسطة
دعوى الإلغاء (الفرع الأول) أو عن طريق الدفع بعدم الشرعية (الفرع الثاني)
إضافة إلى الوسائل التي ابتدعها القاضي لتوسيع مجال رقابته عليها (الفرع
الثالث).
الفــرع الأول
رقــابــة الإلـغـــاء
يختص بنظر هذه
الدعوى القضاء الإداري فقط دون القضاء العادي، طبقا لنص المادة 01 من
القانون 98/ 02 المؤرخ في 30 ماي 1998 المتعلق بالمحاكم الإدارية التي تنص
على انه" تنشأ محاكم إدارية كجهات قضائية للقانون العام في المادة الإدارية
" والمواد 9 و10 و 11 من القانون العضوي 98 /01 المؤرخ في 30 ماي 1998
المتعلق باختصاصات مجلس الدولة وتنظيمه وعمله والتي تجعله مختصا بالنظر في
المنازعات المتعلقة بالطعـون بالإلغـاء المرفوعة ضد القرارات التنظيمية أو
الفردية الصادرة عن السلطات المركزية والهيـئات العمومية الـوطنية
والمنظـمات المهنية الوطنية، والطعون الخاصة بالتفسير ومدى شرعية القرارات
التي تكون نزاعاتها من اختصاص مجلس الدولة، إضافة إلى كون جهة استئناف ونقض
في أحكام وقرارات الجهات القضائية الإدارية، وكذا في قرارات مجلس
المحاسبة، وعلى ذلك فيملك أي فرد أو هيئة الطعن في اللوائح إذا ما شابها
عيبا من عيوب المشروعية كعدم الاختصاص أو عيب الشكل والإجـراءات أو مخالفة
القوانين بمعناها الواسع أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها أو عيب إساءة
استعمال السلطة أو الانحراف أو عيب السبب([163]). والملاحظ من خلال الإطلاع
على قرارات مجلس الدولة المنشورة في مجلة مجلس الدولة، أن مجلس الدولة
يرتب جزاءات مختلفة على القرارات الإدارية المخالفة للمشروعية، ومرد ذلك هو
درجة جسامة المخالفة ، فإن كانت لا تمثل خروجا كبيرا على مبدأ المشروعية
كان القرار الإداري باطلا، أما إذا بلغت المخالفة حدا كبيرا من الجسامة كان
القرار الإدراي معدوما ([164])، فمثلا في القرار الإداري الفاصل في مسألة
تدخل أصلا في اختصاص القضاء عده المجلس قرارا باطلا لتجاوزه السلطة، وفي
القرار رقم 169417 الصادر بتاريخ 27/07/1998 انتهي مجلس الدولة إلى اعتبار
القرار الإداري الصادر من جهة غير مختصة منعدما ، ونلاحظ في ذلك خلطا كبيرا
إذ الصواب خلاف ذلك حسب المستقر عليه فقها وقضاء([165]).
ويترتب على
ذلك اختلاف الآثار المترتبة على الانعدام عن تلك المترتبة على البطلان، إذ
أن تنفيذ القرار الإداري المنعدم يشكل اعتداء ماديا une voie de fait ، وهو
ما يغير قواعد الاختصاص إذ يصبح القضاء الإستعجالي الإداري والعادي مختصين
بالنظر فيه إضافة لقضـاء المـوضوع الإداري، وذلك لكون القرار المعدوم
تنتفي فيه مواصفات العمل القانوني المستحق للحماية، ونظرا لكون الانعدام من
النظام العام، فإنه يمكن إثارته في أي درجة للتقاضي، وتثيره المحكمة
تلقائيا، وان هذا القرار لا يستفيد من الحصانة بعد انقضاء المدة القانونية
لرفع دعوى الإلغاء أو السحب من طرف الإدارة، ضف إلى ذلك أن مبدأ فصل
السلطات يمنع على القاضي الإداري توجيه أوامر للإدارة، بينما إذا ثبت أن
عمل الإدارة يشكل خروجا جسميا على قواعد المشروعية، وبالتالي اعتباره
منعدما وعدم استحقاقه للحماية القانونية، فان للقضاء توجيه أوامر للإدارة
للكف عن كل ما من شانه أن يضع العمل المتخذ حيز التنفيذ([166])، ففي القرار
الصادر عن مجلس الدولة بتاريخ: 11/05/2004 ([167]) بعد أن أثبت عدم
مشروعية قرار الإدارة، وان تنفيذها المباشر إياه يمثل تعديا يمنح الاختصاص
للقاضي الإستعجالي قام بإلزام الإدارة بوضع حد لفعل التحدي ومما جاء في
هذا القرار:
"مما يجعلها فعلا قد قامت بفعل التعدي الذي هو من اختصاص
القاضي الإستعجالي، وان الأمر بوضع حد لفعل التعدي لا يمس بأصل النزاع
وحقوق الأطراف، لأن كل طرف له الحق في استعمال الإجراءات القانونية الأخرى
سواء في الإلغاء أو التوقيف ولا يمكن في أي حال من الأحوال أن يكون فعل
التعدي هو إجراء قانوني يسمح للإدارة أن تستعمله للإضرار بالموطنين.
مما
يستوجب إثبات وجود فعل التعدي، وبالتالي القول باختصاص قاضي الاستعجال
وإلغاء القرار المستأنف والتصدي من جديد بوضع حد لفعل التعدي " وقد قرر
مجلس الدولة في هذا القرار" القضاء بإلغاء القرار المستأنف الصادر عن قسم
الاستعجال للغرفة الإدارية ...والتصدي من جديد بإلزام البلدية بوضع حد لفعل
التعدي ضد المستأنف ".
الفرع الثاني
الرقابة عن طريق الدفع بعدم الشرعية
يمكن الطعن ضد اللوائح غير الشرعية ولو تحصنت بفوات ميعاد الطعن ، وذلك
عند صدور قرارات تنفيذية تطبيقا لها، إذا يمكن الطعن في هذه القرارات على
أساس عدم شرعية اللائحة التي تعد مصدرا لها، فحينئذ يتصدى القضاء الإداري
باعتباره مختصا بالمنازعات الإدارية المتعلقة بالقرارات التنفيذية اللائحية
لفحص اللائحة باعتبارها مسألة فرعيةQuestion préalable ([168])، فإذا ثبت
له عدم شرعيتها ألغى القرار التنفيذي مع بقاء اللائحة .
وهناك صورة
أخرى للدفع بعدم الشرعية، وذلك إذا ما خالف احد الأفراد لائحة يراها معيبة
وقدم للمحكمة من اجل هذه المخالفة، فهنا قد يدفع هذا الفرد بعدم مشروعية
اللائحة، فهل يعد الدفع في هذه الحالة مسألة أولية يفصل فيها القاضي بنفسه
أي القاضي العادي؟ أم يعتبرها مسـالة خارجة عن اختصاصه لكونها مسألة مبدئية
أو أوليةquestion préjudicielle فيوقف الدعوى ويحيل الأطراف على القاضي
الإداري؟
وقد استقر الأمر في القضاء الفرنسي على اعتبار القضاء الجزائي
مختصا بفحص شرعية اللوائح التي يراد تطبيقها على الدعاوى المنظورة أمامه،
أما القاضي المـدني فإذا عرضت أمامه مسألـة مبدئية أو فرعية تتعلق بالدفع
بعدم شرعية لائحة، فإنه يحيل طلب فحص الشرعية إلى القضاء الإدراي المختص،
وأما في الجزائر فالمسألة تحتاج إلى مناقشة جدية، فمن جهة تمثل المحاكم
الإدارية جهات القانون العام للمنازعات الإدراية، ومجلس الدولة يختص بكل
منازعات الإلغاء والتفسير وفحص المشروعية لقرارات السلطات الإدراية
المركزية والهيئات العمومية الوطنية، فمقتضى تمتع القضاء الإدراي بالولاية
العامة في المنازعات أن يكون له دون غيره سلطة الفصل في المنازعات الإدراية
مالم يوجد نص خاص بخلاف ذلك استثناء من هذه الولاية العامة، وعلى ذلك فإذا
طرحت دعوى أمام جهة القضاء العادي، وكان الفصل في هذه الدعوى يستلزم أولا
البت في مسألة تدخل بطبيعتها في طائفة المنازعات الإدراية، فإنه يتعين على
القاضي، ما لم يكن هناك نص خاص يقتضي باختصاصه بالفصل في هذه المسألة، أن
يوقف نظر الدعوى و إحالة هذه المسألة للقضاء الإداري ليفصل فيها بوصفها من
المسائل المبدئية، على أن هذا المذهب لم يرق للغرفة المدنية للمحكمة
العليا- ربما حتى لا تطيل الإجراءات وتثقل على المتقاضين - ففي قرارها
المؤرخ في 09 /10 /2002 ([169])استندت إلى مبدأ تدرج القوانين لاستبعاد
مرسوم تنفيذي (لائحة تنفيذية) وإهماله لمخالفته القانون، ومما جاء فيه :
"حيث
أن المادة 85 من المرسوم المتضمن إنشاء السجل العقاري يلزم المدعي بإشهار
عريضة افتتاح الدعوى بالمحافظة العقارية وإلا كانت باطلة.
وحيث أن مثل هذا البطلان مطلق يتعين على المجلس إثارته تلقائيا .
وحيث ثابت من ملف الدعوى أن دعوى المستأنف عليهم الرامية إلى إلغاء عقد رسمي مشهر لم يتم إشهارها.
وحيث
أن ما اتجه إليه قضاة الموضوع هو اتجاه خاطئ من أساسه ، ذلك انه بالرجوع
إلى الأمر المتضمن إعداد مسح الأراضي العام وتأسيس السجل العقاري المؤرخ في
12 نوفمبر 1975 لا ينص على إجراء شهر العريضة الافتتاحية بالمحافظة
العقارية قبل قيدها بكتابة ضبط المحكمة ، ولا قانون الإجراءات المدنية.
حيث أن إجراء شهر العريضة الافتتاحية للدعوى قد استحدثه مرسوم 76/63
المؤرخ في 25 مارس 1976 الذي يتعلق بتأسيس السجل العقاري ولم ينص عليه كل
من قانون الإجراءات المدنية والقانون المتضمن إعداد مسح الأراضي العام
وتأسيس السجل العقاري .
وبذلك يكون المرسوم المنوه إليه قد استحدث شرطا
جديدا لصحة العريضة الافتتاحية لم يرد لا في قانون الإجراءات المدنية ولا
القانون المتضمن إعداد مسح الأراضي العام ، ومن ثمة يوجد التعارض بين
القانون والمرسوم المشار إليه.
وحيث انه طبقا لمبدأ تدرج القوانين الذي
يقضي بأنه في حالة ما إذا وقع التعارض بين التشريع والتشريع الفرعي فإنه
يطبق التشريع الأعلى ويطرح التشريع الأدنى .
وحيث أن قضاة الموضوع عندما
طبقوا التشريع الفرعي وطرحوا التشريع الأعلى يكونون قد طبقوا ذلك المبدأ
بالمفهوم العكسي " فهذا القرار استبعد المرسوم التنفيذي دون أن يتعرض
مباشرة لشرعيته، إذ استبعده باعتباره قانونا فرعيا خالف قانونا عاديا فتطلب
طبقا لمبدأ تدرج القوانين استبعاده.
وهذا الاتجاه هو تأكيد لقرار سابق لنفس الغرفة صدر بتاريخ 12/07/1995 ([170]) والذي جاء فيه:
"كما
أن عدم شهر الدعوى في المحافظة العقارية لا يترتب عليه أي بطلان إذ أن
تطبيق المادتين 13 و14 من الأمر 75/74 المؤرخ في 12/11/1975 فقد أحال
المشرع تطبيق هاتين المادتين على مرسوم.
وبناء على أحكام المادة 14 / 4
من الأمر المشار إليه أعلاه فقد صدر المرسوم المؤرخ في 25 /03/1976 رقم76
/63 الذي نص في المادة 86 منه على عدم قبول الدعوى إذا لم يتم إشهارها في
المحافظة العقارية ، إذ أن اشتراط إشهار العريضة قبل ، تسجيلها لدى كتابة
ضبط المحكمة يعد قيدا على رفع الدعوى قد استحدثه هذا المرسوم لكن المشرع قد
نص على إجراءات رفع الدعوى وشروط قبولها أمام القضاء في قانون الإجراءات
المدنية ولم ينص على هذا القيد بالنسبة للدعاوى العينية العقارية ومن ثمة
يوجد تعارض بين أحكام قانون الإجـراءات المدنية وأحكـام هذا المرسوم، وتبعا
لذلك فإنه إذا وقع التعارض بين التشريع العادي والتشريع الفرعي يطبق
التشريع العادي .."
ففي هذا القرار فحصت المحكمة العليا المرسوم رقم
76/63 باعتباره جاء تطبيقا للمادة 14 من الأمر 75/74 فهو مرسوم تنفيذي أي
لائحة تنفيذية، غرضها تقديم كيفيات تطبيق النص التشريعي بدون إضافة ولا
تعديل ، إذ تعد حينذاك مخالفة لقواعد الاختصاص الدستورية، لكونها تدخلت في
المجال المخصص للبرلمان، فتكون من هذه الزاوية غير دستورية، ومن زاوية
المنـازعات الإداريـة منعدمة، وحسب قانون العقوبات في مادته 117 فإن هذا
التجاور يعد جريمة يعاقب عليها بالحبس المؤقت من 05 إلى 10 سنوات، وعلى
ذلك، فالمحكمة العليا متمثلة في غرفتها المدنية اعتمدت على مبدأ التدرج
القانوني للتمسك بفحص شرعية اللوائح، وهو مذهب جرئ ويفيد مقدرة اجتهادية
عظيمة إذ يفتح المجال للرقابة القضائية على مشروعية اللوائح عن( طريق
المبادئ العامة للقانون ) وهو ما نراه في الفرع التالي.
الفرع الثالث
وسائل القاضي لتوسيع رقابة مشروعية اللوائح
في إطار الدور القضائي المكرس دستوريا والمتمثل في حراسة المشروعية، فإن
القضاء ينشئ ويبتدع من الوسائل ما توسع مساحة رقابته على أعمال السلطة
العامة، وترتفع عنه القيود التي قام سابقا بوضعها على نفسه مما ضيق من
المجال الدستوري الواسع للرقابة القضائية على الإدارة طبقا للمادة 139 من
الدستور التي تنص على انه: "تحمي السلطة القضائية المجتمع والحريات وتضمن
للجميع ولكل واحد المحافظة على حقوقهم الأساسية" والمادة 143 التي تنص على
انه : " ينظر القضاء في الطعن في قرارات السلطات الإدارية " فالمجال
الدستوري للرقابة القضائية واسع، لكن القضاء ضيق على نفسه من خلال قيود
ابتدعها ومنها نظرية أعمال السيـادة، التي كانت من إنشـاء القضاء الفرنسي،
واعتنقها لاحقا القضاء الجزائري. وفي فترة لاحقة انتبه القضاء إلى ضيق مجال
رقابة على الإدارة وصار يبتدع وسائل لتوسيعه، ومن هذه الوسائل الاستناد
إلى القواعد الدستورية لبسط رقابة المشروعية على اللوائح الإدراية (أولا)
وكذلك المبادئ العامة لقانون(ثانيا).
-أولا: الرقابة القضائية بالاستناد إلى القواعد الدستورية:
حسب بعض الفقه ومنهم الأستاذ favoreu أنه من الناحية المنطقية لا يوجد
مانع من الاستناد إلى نصوص الدستور لتأسيس الدعاوى الإدارية المختلفة إذ
يقول :
« Les normes constitutionnelles ne sont pas utilisée dans le
procès administratifs , non pas parce qu’ elles sont utilisables , mais
parce que doctrine , juges et avocats pensent qu’elle , son inutilisable
» ([171])
وبالرجوع لاجتهادات مجلس الدولة الفرنسي فإننا نجده لجأ في
عدة مناسبات إلى القواعد الدستورية أثناء رقابة المشروعية لكنه يتقيد
بمجموعة من الضوابط أهمها :
- بالنسبة لدعوى الإلغاء: لم يقبل مجلس
الدولة الفرنسي دعوى الإلغاء التي تتأسس على وجه عدم دستورية اللائحة محل
الطعن لوجود اختصاص مانع للمجلس الدستوري في هذا المجال .
- بالنسبة لدفع بعدم الدستورية: هل يمكن استبعاد تطبيق لائحة أثناء النظر في دعوى إدارية نتيجة الدفع بعدم الدستورية ؟
بصدد
هذا السؤال، رفض مجلس الدولة قبول هذا الدافع اعتمادا على نفس الحجة، وهي
أن رقابة الدستورية اختصاص مانع للمجلس الدستوري، لكن تيارا فقهيا ظهر
بفرنسا يتزعمه كل من ليون دوجي وموريس وهوريو وجيز ينتقد هذا المسلك
القضائي ويدعوا لقبول هذا الدفع .
ولو أعملنا مبدأ تدرج القواعد
القانونية لقلنا بضرورة استجابة القضاء الإداري لهذا الدفع، والفصل فيه بما
يؤكد خضوع القواعد التشريعية واللائحية للدستور، فيكون القضاء وهو يمتنع
عن تطبيق القواعد التشريعي المخالفة للدستور، في إطار ممارسة وظيفته في
تطبيق القانون والرد على الدفوع وليس ممارسا للرقابة على دستورية القوانين .
-بالنسبة
لدعوى فحص المشروعية: وبموجبها يقوم القاضي بمعاينة اللوائح المعروضة عليه
من حيث الأركان التي تقوم عليها، ليصرح بمشروعيتها إذا جاءت مواجهة
للقواعد القانونية الأسمى منها دستورية كانت أم غيرها، أو العكس إذا كانت
غير ذلك، وباعتبار القواعد الدستورية في قمة الهرم القانوني في الدولة فإنه
من الواجب على مجلس الدولة التصريح بعدم مشروعيته اللائحة المخالفة
للدستور.
ثانيا: توسيع الرقابة القضائية بالاستناد للمبادئ العامة لقانون:
إن
الملاحظ مما سبق، أن نظرية الاختصاص المانع للمجلس الدستوري برقابة
دستورية اللوائح من اختراع القضاء الإداري الفرنسي، ولذلك فهو الأقدر على
إيجاد الآليات والنظريات الكفيلة بالتخلص من القـيود المترتبة عنها، بمـا
يسمح للقضاء الإدراي بقـبول دعوى إلغـاء اللوائح المخالفة للدستور، وتوسيع
مجال هذه الرقابة، فما هي هذه الآليات؟
بالرجوع إلى القضاء المقارن
وخصوصا الفرنسي، نجد أن مجلس الدولة الفرنسي كرس نظرية المبادئ العامة
للقانون باعتبارها وسيلة لتوسيع مجال رقابته على اللوائح، وبالتالي التحرر
من قبضة الاختصاص المانع للمجلس الدستوري برقابة دستورية اللوائح، ولذلك
اعترف مجلس الدولة الفرنسي بالقيمة الدستورية لبعض المبادئ العامة
للقانون([172]) ، كما سبق تفصيله، وهو ما يصلح اعتماده من قبل القضاء
الجزائري لتشابه المعطيات الدستورية والقانونية في النظامين الفرنسي
والجزائري، ولذلك نتساءل عن الدور الذي تلعبه المبادئ العامة للقانون ذات
القيمة الدستورية في إطار الرقابة على مشروعية اللوائح في الجزائر ؟
لقد
كان الدافع وراء الاعتراف بالقيمة الدستورية لبعض المبادئ العامة للقانون
هو بسط القضاء في لرقابته على دستورية اللوائح المستقلة من جهة (I)
والأوامر التشريعية من جهة أخرى (II) .
-Iالمبادئ العامة للقانون كأساس
للرقابة على دستورية اللوائح: لقد أعلن الفقه الفرنسي انزعاجه من المادة 37
من دستور 1958 وهي المقابل للمادة 125 من دستور 1996 الجزائري، لكونها
تندرج ضمن الاختصاص المستقل للسلطة التنفيذية وفي نطاق واسع، فالسلطة
التنفيذية تختص بإصدار اللوائح دون الاستناد للقانون ولا خضوع لرقابة
البرلمان، ولا يجوز لهذا الأخير التشريع في هذا المجال، ومع انزعاجه بحث
الفقه عن التقنيات اللازمة لفرض رقابة موضوعية على محتوى ومضمون تلك
اللوائح المستقلة من جانب القضاء الإداري، ونظرا لعائق الاختصاص المانع
للمجلس الدستوري بالرقابة على الدستورية لم يجد الفقه بدا من إضفاء الطابع
الدستوري على بعض المبادئ العامة للقانون، وذلك للاعتماد عليها لاحقا
لتفعيل رقابة القاضي الإدراي على دستورية تلك اللوائح، ذلك أنه إذا كانت
تلك المبادئ العامة لها قوة القانون فإنه لا يوجد ما يمنع السلطة التنفيذية
من مخالفتها أثناء وضعها للوائح المستقلة، وهو ما يفرض الارتقاء بها لتصبح
لها قيمة دستورية، فإذا خالفتها تلك اللوائح صارت مشوبة بعيب عدم
المشروعية، ويتعين بالتالي على القاضي الإداري التصريح بإلغائها.
-IIالمبادئ العامة للقانون كأساس للرقابة على دستورية الأوامر التشريعية:
وهذه
الأوامر تصدر عن رئيس الجمهورية في المجال غير المخصص للقانون طبقا للمادة
124 من الدستور، ولكنها رغم ذلك لا تعدو كونها أعمالا إدارية طبقا المعيار
العضوي، فكيف فعل القضاء الإداري لبسط الرقابة على دستوريتها ؟
لقد رأى
أن الاحتفاظ للمبادئ العامة للقانون بقيمة القانون، لا تخوله مثل هذه
الرقابة، ولذلك اعترف القضاء الإدراي وأيده في ذلك الفقه بالقيمة الدستورية
لبعض المبادئ العامة للقانون، وهو ما مكنه عند مخالفة تلك الأوامر لهذه
المبادئ التصريح بعدم مشروعيتها وبالتالي إلغائها .
وهو ذات المنطق
الذي يمكن تكريسه في الجزائر على الأوامر الصادرة طبقا للمادة 124 من دستور
1996 قبل عرضها على البرلمان أو التي لا يمكن تصور عرضا عليه، إذ تبقى
مجرد أعمالا إدارية ومن ثم يمكن للقاضي بسط رقابته عليها اعتمادا على
المبادئ العامة للقانون، ومنها مبدأ تدرج القوانين وهذه المبادئ يخلقها
القضاء الإداري، مستلهما إياها من المرجعية الدينية والاجتماعية والسياسية
للمجتمع، وبالاستناد على مقدمات الدساتير والمواثيق وإعلانات الحقوق، وأنه
يصلح للقضاء الاستناد عليها لتقرير اختصاصه برقابة مشروعية الأوامر
واللوائح المستقلة، رغم تكريس محتوى هذه المبادئ في نصوص الدستور صراحة،
فالقاضي يعتمد عليها كمبادئ عامة للقانون لا باعتبارها نصوصا دستورية.
ومن الضروري التساؤل عن موقف القضاء الإداري الجزائري بخصوص هذه المسألة ؟
لا
توجد سابقة قضائية يمكن الاستناد عليها للإجابة عن التساؤل المطروح بخصوص
رقابة القضاء الإداري لدستورية اللوائح المستقلة، أو الأوامر التشريعية،
اللهم إلا قرارا صادرا عن مجلس الدولة بتاريخ 27/07/1998([173]) استند فيه
المجلس للفصل في طعن من اجل تجاوز السلطة إلى المبادئ العامة للقانون، وذلك
أن قاض صدر ضده قرارا بالعزل من المجلس الأعلى للقضاء مجتمعا في هيئة
تأديبية، فقرر مجلس الدولة أن يقبل دعوى الإلغاء ضد هذا القرار مستندا إلى
مبدأ عام للقانون سبق لمجلس الدولة الفرنسي أن استنبطه في قضية: Dame La
motte ([174]) الشهيرة وهو مبدأ عدم حصانة أي قرار إداري ضد رقابة
الإلغاء، ولم يستند إلى نص المادة 143 من الدستور التي تصلح أساسا لحكمه
نظ
المبحث الثاني
الرقابة القضائية على تدرج القواعد القانونية الأخرى
إنه لا معنى لما سبق تقريره من سمو القواعد الاتفاقية الدولية على القانون
أو سمو القانون على اللوائح طالما لم توجد آليات تكفل هذا الترتيب، وتحرس
قواعد المشروعية، واستنادا على ذلك يتفق الفقهاء على كون الرقابة القضائية
على مدى احترام هذا التدرج أمر لازم وعدوه إحدى عناصر وضمانات دولة
القانون، ولذلك فإنه لا مناص أمام القضاء الجزائري إلا أن يتمسك باختصاصه
الرقابي على مدى خضوع القواعد الأدنى للقواعد الأعلى، بأن يبسط رقابته على
اتفاقية القواعد التشريعية واللائحية (المطلب الأول) وكذلك على مشروعية
القواعد اللائحية(المطلب الثاني) .
المطلب الأول
الرقابة القضائية على اتفاقية القواعد التشريعية واللائحية
ترتيبا
على القيمة القانونية للقواعد الاتفاقية الدولية وسموها على القواعد
التشريعية طبقا لمادة 132 من دستور 1996، فإن هذه القواعد الدولية تكون
واجبة التطبيق أمام القضاء الداخلي متى تم التصديق عليها وفق للشروط
والإجراءات الدستورية، وهو ما ذهب إليه المجلس الدستوري الجزائري في قراره
الأول لسنة 1989 ([140]) إذ جاء في إحدى حيثياته :" ونظرا لكون أية اتفاقية
بعد المصادقة عليها ونشرها تندرج في القانون الوطني وتكتسب بمقتضى المادة
123 من الدستور – لسنة 1989 والمقابلة للمادة 132 من دستور 1996 – سلطة
السمو على القوانين وتخول كل مواطن جزائري أن يتذرع بها أمام الجهات
القضائية " وهو ما استجاب له القضاء المقارن – وخصوصا الفرنسي ([141])–
وبعده القضاء الجزائري إذ اعتمد على المعاهدات كمصدر للمشروعية وقام
بتطبيقها واستبعد القواعد التشريعية أو اللائحية الداخلية التي جاءت
متعارضة مع تلك المعاهدات، ولكن هذا الاجتهاد القضائي
مازال محل جدل
وتردد إن في ساحة الفقه أو القضاء حول اختصاص القضاء الداخلي برقابة مطابقة
القانون للمعاهدات (الفرع الأول) وسلطات القضاء في تكريس سمو المعاهدات
(الفرع الثاني) وطرق حل الإشكاليات التي تثار أمام القضاء في هذا الصدد
(الفرع الثالث) .
الفرع الأول
تكريس اختصاص القضاء برقابة اتفاقية القانون
إن
تحقيق سمو المعاهدات على القانون،وبالتالي عدم مخالفة القوانين واللوائح
للمعاهدات الدولية التي صادقت عليها الجزائر وفق الشروط و الإجراءات
الدستورية، يفرض وجود نظام رقابي يكفل مطابقة القوانين الداخلية لتلك
المعاهدات، فما هي الجهة المختصة بهذه الرقابة ؟
إن الإجابة عن هذا
التساؤل تفرض تحديد طبيعة العيب الذي يلحق القانون أو اللوائح إذا جاءت
مخالفة للقواعد الاتفاقية الدولية والذي يسميه الفقه بعيب عدم
الاتفاقية([142]) le vice d l’inconditionnalité هل هو عيب عدم الدستورية
أم عيب عدم المشروعية؟
بالرجوع إلى الاجتهاد القضائي الفرنسي باعتباره
السباق في هذا المجال فإن الملاحظة التي نكتشفها هي أن موقفه كان يكتنفه
الغموض إلى غاية صدور قرار: Nicolo الشهير في سنة 1989 والذي اعترف فيه
مجلس الدولة الفرنسي بدوره في رقابة احترام سمو المعاهدات على القوانين،
فبصدد الطعن الذي رفعه السيد Nicolo واستند فيه إلى مخالفة القانون الداخلي
الفرنسي للاتفاقية المؤسسة للإتحاد الأوربي ، واجه مجلس الدولة إشكالية من
حيث تسبيب الحكم فهل يستبعد الوجه المثار أي لا يفحص تماشي القانون مع
اتفاقية روما مثل ما ذهب إليه في اجتهاده السابق؟ أم يغير اجتهاده ويفصل في
هذا الدفع؟ كان الرأي الذي اقترحه مفوض الحكومةFrydman هو أن يراجع
المجلس قضاءه ومما قال :
« En considérant que cette loi n’est
applicable que parce qu‘elle est précisent
conforme a ce traité »([143])
وهو ما فعله مجلس الدولة بالفعل، إذ قضى
بأن القانون المؤرخ في 7/7/1977 المتعلق بالانتخابات يطبق لعدم تعارضه مع
اتفاقية روما، وكان هذا قرارا مبدئيا، وشكل انقلابا قضائيا لكونه أول قرار
ينظر فيه المجلس في مدى تطابق القانون الداخلي مع معاهدة سابقة، وفتح
الاحتمال أمام إمكانية استبعاده إذا كان مخالفا لاتفاقية نافذة ولو كانت
سابقة على القانون، لقد ألقى هذا القضاء بعبء كبير على القاضي الإداري ذلك
أن سمو المعاهدات يستمد أساسه من نص دستوري، وهو ما قد يؤدي إلى فحص مسائل
دستورية، حال كون المستقر عليه في قضاء مجلس الدولة انه غير مختص بذلك،
ولهذا كان مجلس الدولة يرفض رقابة مطابقة القانون اللاحق لمعاهدة سابقة،
لكن بمنسابة قضية Nicolo رأى المجلس بأن تهربه من مواجهة الموقف سيؤدي إلى
شل تطبيق نص المادة 55 من الدستور التي تكرس سمو المعاهدات على القوانين،
لذلك كان مضطرا إلى استبعاد القوانين اللاحقة التي تخالف معاهدة نافذة
متخذا موقفا مشابها لموقف استقر عليه القضاء العادي منذ 1931 في قضية
Matter([144]) ومسايرا للدعوى غير المباشرة للمجلس الدستوري الذي أعلن عدم
اختصاصه بالموضوع إذ صرح في قراره([145]) رقم 74/54 المؤرخ في 15/01/1975
بأن قانونا متعارضا مع المعاهدة لا يعني انه مخالف للدستور، وبذلك استبعد
الاتفاقيات من بين القواعد المرجعية للرقابة الدستورية، وقد أسس المجلس
الدستوري موقفه هذا على أن قراراته المتعلقة بالرقابة تحوز طابعا مطلقا
ونهائيا بينما سمو المعاهدات على القوانين المكرس بالمادة 55 من الدستور
يعد ذا طابع نسبي ومحدود، إضافة إلى أن تطبيقه معلق على شرط المعاملة
بالمثل .
إن موقف مجلس الدولة في قضية Nicolo قد أثار نقاشات حادة خاصة
في ما يتعلق بالنتائج الناجمة عن هذا الاتجاه الجديد ، فإعطاء نص المادة 55
امتدادها الطبيعي من حيث التطبيق يؤدي إلى خرق نص مادة دستورية أخرى وهي
المادة 21 وذلك من خلال التعديل غير المباشر لإلتزمات السلطة التنفيذية
تجاه القانون،فيكون مجلس الدولة أعطى الأولوية لمبدأ تدرج القوانين على
مبدأ تدرج السلطات([146])
"Le juge administratif fait prévaloir le
principe de hiérarchie des normes sur la hiérarchie des organes
normateurs , il semble même établi une hiérarchie entre différentes
normes constitutionnelles au profit de l’article 55 de la continuation"
([147])
وبعد عرض الموقف الفرنسي، يثار التساؤل عن الجهة التي تضمن احترام القوانين واللوائح للمعاهدات في الجزائر في ظل دستور 1996 ؟
لعل أول ما يبرز في هذا المجال هو موقف المجلس الدستوري الجزائري في قراره
رقم 01 لسنة 1989 والمتعلق بدستورية المادة 86 من قانون الانتخابات لسنة
1989 والتي تحدد الشروط الواجبة في المترشحين لانتخابات المجلس الشعبي
الوطني، ورغم كون إخطار المجلس كان يستهدف مدى مطابقة المادة 86 لقواعد
الدستور فإنه لم يكتفي بذلك إذ أعلن عدم مطابقة المادة المذكورة للمادتين
27 و 47 من الدستور، وأضاف تبريرا إضافيا يتعلق بعدم مطابقة هذه المادة مع
اتفاقيات دولية صادقت عليها الجزائر، ومما جاء فيه:" ونظرا لكون أية
اتفاقية بعد المصادقة عليها ونشرها تندرج في القانون الوطني وتكتسب بمقتضى
المادة 123 من الدستور - لسنة 1989 و تقابل المادة 132 من دستور 1996-
سلطة السمو على القوانين وتخول كل مواطن جزائري أن يتذرع بها أمام الجهات
القضائية" و بعد أن قرر المجلس أن عهدي الأمم المتحدة لسنة 1966 والميثاق
الإفريقي لحقوق الإنسان " تمنع منعا صريحا كل تمييز مهما كان نوعه "
وتأسيسا على ذلك نطق المجلس بعدم دستورية المادة 86 من قانون الانتخابات،
فالمجلس الدستوري قام بمراقبة دستورية قانون الانتخابات ليس فقط بالنظر على
الدستور وإنما أيضا على ضوء المعاهدات الدولية التي أبرمتها الجزائر.
وهذا الموقف ي.....نا إلى النتائج التالية :
-1إقحام المعاهدات في الكتلة الدستورية، وهو ما يجعل رقابة المطابقة بين القوانين والمعاهدات من اختصاص المجلس الدستوري .
-2دعوة
الجهات القضائية للاضطلاع بصلاحية إعمال مبدأ أولوية تطبيق المعاهدات على
القوانين في حالة التعارض، وذلك من خلال السماح للموطنين الجزائريين
بالاحتجاج بأحكامها أمام القضاء الوطني، وبالتأكيد لم يكن قصد المجلس
الدستوري تخويل هذا الحق للمواطن الجزائري وحده دون الأجانب ، وإلا عد ذلك
تمييزا قد يرتب المسؤولية الدولية للجزائر، ولكن سياق هذا القرار كان يتعلق
بممارسة إحدى الحريات العامة المكفولة للمواطنين دون الأجانب.
ولا شك أن هذا القرار يثير التساؤل عن حجيته في ظل دستور 1996 ؟
إنه
من خـلال الفصل الأول يتبين أن الكتلة الدستوريـة تتضمن الدستـور
بديبـاجته ونصـوص مواده، إضافة إلى المبادئ العامة للقانون ذات القيمة
الدستورية، أما القواعد الاتفاقية الدولية فهي تخضع للقواعد الدستورية
كونها أقل منها من حيث المرتبة الإلزامية، فلا يمكن إدماجها في نفس الكتلة،
ضف إلى ذلك أن المعاهـدات تخضع للرقابة على دستوريتها من طرف المجلس
الدستوري، وأن إدماج المعاهدات ضمن الكتلة الدستورية سوف يفرض على المجلس
الدستوري فحص مطابقة القوانين واللوائح المعروضة عليه لكل المعاهدات
النافذة في الجزائر، وهو ما سيؤدي إلى شل أعمال المجلس الدستوري .
واستنادا
إلى قرار المجلس الدستوري سالف الذكر، فإن المحكمة العليا كرست في عديد
قراراتها اختصاصا برقابة مدى مطابقة القوانين الداخلية للمعاهدات النافذة
بالجـزائر، ومن هـذه القرارات، القرار المؤرخ في 22/02/2000 ([148])، والذي
اعتمدت فيه المعاهدات كمصدر للشرعية الجنائية إذ قضت الغرفة الجزائية بصحة
الحكم بمصادرة المبالغ المحجوزة والتي حصل عليها المتهمون من خلال بيع
المخدرات، فاعتبرت المصادرة عقوبة مشروعة، نظرا للنص عليها في اتفاقية
الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية
التي صادقت عليها الجزائر بموجب المرسوم الرئاسي رقم : 95 /41 المؤرخ في 28
/01 /1995 وهذا رغم النص عليها في قانون الصحة رقم 85/05 الذي توبع
المتهمون. والقرار الثاني صدر عن الغرفة المدنية للمحكمة العليا في
05/09/2001([149]) والذي استبعدت فيه المحكمة العليا نص المادة 407 من
قانون الإجراءات المدنية المتعلقة بالإكراه البدني لمخالفته لنص المادة 11
من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وهو ما أكدته بقرار لا
حق بتاريخ :11/12/2002.([150]) فالمحكمة العليا تمسكت باختصاصها برقابة مدى
مطابقة القوانين للاتفاقيات الدولية النافذة بالجزائر تلقائيا ووصلت لحد
استبعاد القانون المعارض للاتفاقية، بل إلى حد التطبيق المباشر لنص من
المعاهدة وفي الميدان الجزائي الذي يخضع لمبدأ الشرعية حسب المادة الأولى
من قانون العقوبات.ولا شك أن مجلس الدولة سوف يمشي في نفس الطريق لو طرح
عليه الأمر.
الفرع الثاني
سلطات القضاء في رقابة اتفاقية القانون
خلافا
للقاضي العادي الذي لا يملك سوى استبعاد القانون أو اللائحة المخالفة
للاتفاقيات، يملك القضاء الإداري عدة وسائل في إطار رقابته على اتفاقية
القوانين واللوائح وذلك من خلال المنازعات المعروضة عليه، سوء في إطار
رقابته الشرعية (أولا) أو المسؤولية (ثانيا) ولذلك سوف نركز على سلطات
القاضي الإداري([151]) .
أولا : سلطات القضاء الإدراي في إطار منازعات المشروعية :
ترى
الأستاذة Etienne picard بأن أثار تصريح القاضي بمخالفة نص ما لاتفاقية
دولية تختلف اعتبارا لأربعة عوامل هي طبيعية القاعدة (دولية أم لائحية)،
شكل قـاعدة الداخليـة (قانون أم لائحة)، تاريخ سن هذه القاعدة الداخلية
مقارنة بالمعاهدة ، موضوع الطعن أمام القاضي.
والجمع بين هذه العناصر يضع القاضي الإداري أمام عدة حالات :
الحالة
الأولى: إذا تعلق الأمر بقرار إداري لا حق بمعاهدة دولية ، وتعارض معها ،
فإن القاضي ملزم بإلغائه إذا كان الطعن فيه متعلقا بفحص المشروعية .
الحالة
الثانية: إذا تعلق الأمر بقرار سابق على معاهدة دولية وكان متعارضا معها ،
فإن هذه المعاهدة قد تؤدي إلى إلغائه ضمنا وقد لا تؤدي إلى ذلك ، فإذا كان
القرار تنظيما فإنه يمكن للقاضي وقف سريانه طالما أن القاعدة الدولية كانت
نافذة :
« Si l’acte est réglementaire il pour oit en effet n’être
que supendu tant que la règle internationale resterait applicable dans
l’ordre interne »
لكن القاضي ملزم بالتصريح بالإلغاء وإبطال كل المراسيم التنفيذية التي تصدر بصفة لاحقة للمعاهدة ، وتكون مخالفة لها.
الحالة
الثالثة: إذا تعلق الأمر مخالفة قانون لمعاهدة فإن سلطة القاضي تبدو ضيقة،
فإذا كان القانون سابقا للمعاهدة فلا يملك القاضي إلا معاينة الإلغاء،
وذلك منذ إدماج القاعدة الدولية في النظام الداخلي، ومن ثم فمن واجب القاضي
الإداري التصريح ببطلان كل المراسيم التنفيذية لهذه القوانين.
الحالة
الرابعة: أما إذا صرح القاضي بطريقة غير عادية بسمو قاعدة دولية على تشريع
نافذ، فلا يمكنه في أفضل الأحوال إلا أن يصرح بعدم إمكانية تطبيق هذا
الأخير([152]). ويبقى التساؤل قائما حول الحجية التي يتمتع بها هذا التصريح
؟
وبالتأكيد فإن أوجه الإلغاء أو عدم المشروعية هي نفسها المتعلقـة
بمخالفة القـرارات للقوانين الداخلية، أي عيب عدم الاختصاص أو عيب الشكل
والإجراءات أو عيب مخالفة القانون أو عيب السبب أو الانحراف بالسلطة، ومرد
هذا التشابه هو تقارب القواعد الدولية مع القواعد الداخلية من حيث المحتوى.
ثانيا: سلطات القضاء الإداري في إطار منازعات المسؤولية:
ويختلف
الوضع حسب حالتين، تتمثل الأولى في المسؤولية عن أعمال السلطة التشريعية
(I) والثانية المسؤولية عن أعمال السلطة التنفيذية (II)
-Iالمسؤولية عن
أعمال السلطة التشريعية: لقد صرح مجلس الدولة الفرنسي منذ قراره في قضية
Driancout([153]) أن كل حالة عدم مشروعية تشكل خطأ، فهل أن كل خرق من
المشرع لأحكام اتفاقية ما يشكل خطأ يؤدي بالنتيجة إلى مسؤولية الدولة ؟
لقد
تردد مجلس الدولة في الحسم في هذا الأمر، فلم يصرح بالمسؤولية المباشرة
للدولة عن أعمال السلطة التشريعية، إلا في مجال فرق مبدأ المساواة أمام
الأعباء العامة، كما فعل في قضية لافلورات([154]) الشهيرة، وهي فرضية لا
تنطبق إلا على حالات قليلة لخرق القواعد الدولية .
ومرد ذلك إلى كون
القانون يمثل تعبيرا عن الإرادة العامة فاستفاد هذا الأخير (القانون)
بنظـام تفضيلي، سيما على صعيد المسؤولية على حد تعبير Morange :
«la loi a longtemps bénéficie d’un régie juridique de foreux y compris en matière de la responsabilité »
إن
نظام المسؤولية بدون خطأ عن أعمال السلطة التشريعية يبدو محدد الأفق ليس
فقط بسبب قلة السوابق في هذا المجال فقط- 03 حالات حسب الأستاذ Michelet -
ولكن بسبب الشروط الخاصة لإقامة هذه المسؤولية، والتي لا تتماشى مع اغلب
حالات القوانين المخالفة للاتفاقيات، وخاصة فيما يتعلق بشروط الضرر، الذي
يستوجب القضاء أن يكون جسيما جسامة غير عادية، وذا خطورة استثنائية
préjudice caractère anormal et spéciale وعلى ذلك فإن مسؤولية الدولية عن
القوانين المخالفة للاتفاقيات لا تجد لها أساسا في نظام المسؤولية
الإدارية، بل تبدو فقط نتيجة منطقية أفرزها قرار Nicolo.
ومن هنا نخلص
إلى أن الأساس الحالي للمسؤولية عن طريق مبدأ سمو القواعد الاتفاقية
الدولية إنما يتمثل في المسؤولية الخطئية عن قواعد تنظيمية غير مشروعة la
responsabilité pour faute
du fait de l’application d’un règlement ([155])
-IIالمسؤولية
عن إعمال السلطة التنفيذية: وهي المسؤولية التي كرسها مجلس الدولة الفرنسي
في قراره المبدئي الصادر سنة 1992 في قضية ( Société Arizona Tobacco
produits ) حيث
رتب المجلس مسؤولية الإدارة على أساس الضرر الناجم عن
المرسوم التطبيقي الصادر في 31/12/1976 الذي يحدد أسعار بيع التبغ بطريقة
تتعارض مع تعليمة دولية صادرة في 19/12/1972، علما أن هذا المرسوم إنما صدر
مجرد تطبيق لقانون داخلي تضمن أحكاما تتعارض مع الاتفاقية، وعليه يظهر أن
القاضي قد أجبر على تحليل هذا الضرر بأنه ناتج عن المرسوم بينما عدم
مشروعية هذا الأخير إنما هي نتيجة لتعارض القانون الذي سعى إلى تطبيقه مع
تلك التعليمة الدولية .
نخلص إلى القول أن مسؤولية الدولة عن القوانين
التي تخرق المعاهدات لا تجد أساسها في المبادئ التقليدية للمسؤولية
الإدارية ، التي بات من الواجب توسيع إطارها لتحتوي التغيرات الحديثة
للعلاقات الدولية المتجسدة باتفاقيات دولية في شتى المجالات القانونية،
ولعله يصلح في هذا الإطار ما قررته محكمة العدل للمجموعة الأوربية في قضية
فرانكوفيتش، فقد اعتبرت أن قانون الاتحاد الأوربي يفرض على الدول الأعضاء
إصلاح الأضرار اللاحقة بالأفراد نتيجة خرق القانون الاتحادي، وذلك من خلال
تبني نظام تعويض خاص بكل دولة ، شريطة أن يكون هذا النظام فعالا ، إذا جاء
في حيثياته:
« C’est dans le cadre du droit national de la
responsabilité qu’il incombe l’état de réparer les conséquences du
préjudice cause » ([156])
وبعد أن تم عرض عصارة اجتهاد القضاء الإداري
الفرنسي، فإنه يمكن القول أنها تصلح للاستعانة بها من طرف القضاء الإداري
الجزائري فيما قد يطرح عليه من نزاعات، خصوصا في ظل تزايد عدد المعاهدات
المصادق عليها من طرف الدولة الجزائرية، فتسمح له بأن يكون ضمانة حقيقية
لحماية مبدأ التدرج القانوني الذي يعد احد دعائم دولة القانون.
الفرع الثالث
الإشكاليات التي تثار أمام القاضي بصدد رقابة اتفاقية القانون
إنه من السهل أن نقول بان المعاهدة تصير قانونا بتمام الإجراءات المقررة
لحصولها على ذات قوة القانون، فتتداعى بذلك النتائج وتحل المشكلة التي
يثيرها الفقه بصدد اختلاف الطبيعة ما بين المعاهدات والقوانين الداخلية،
ولكن الحقيقة غير ذلك فإنشـاء القـانون شيء واستعـارة قوته شيء أخر، ولا
يستوي في النهاية وبإطلاق ما أنشأته إرادة دولة واحدة بنتاج توافق إرادات
الدول، والنص الدستوري نفسه لم يقل أن المعاهدة قانونا، وإنما فقط واستجابة
لطبيعتها الخاصة منحها قوته تتقدم بها في التطبيق فوق القانون الصادر عن
البرلمان في تدرج القواعد القانونية، وعندما تسمو المعاهدة على القانون لا
يكون لها ذلك إلا بنص في الدستور، وما كانت المعاهدة لتحتاجه لو كانت
بطبيعة ذاتية تغنيها عنه، وما اشترطه الدستور من إجراءات تدخل بها المعاهدة
في النظام الداخلي هو إعلان بان قدومها هو بإذن السيادة الوطنية وليس
مفروضا لمقتضى خضوع مباشر للقواعد الدولية، يؤكد أيضا أن المعاهدة تخالف في
النهاية القانون الداخلي، ولا شك أن هذه الطبيعة المتميزة للمعاهدات تثير
أمام القاضي وهو يتعامل معها إشكاليات تتميز بخصوصياتها عن الإشكاليات
التقليدية التي كان يواجهها القضاء، وهو ما يفرض على القاضي لعب ادوار
جديدة لحل تلك الإشكاليات، والتي قد تتعلق بمسائل خارجة عن مضمون المعاهدة
(أولا) أو متعلقة بمضمونها (ثانيا) .
أولا: الإشكاليات غير المتعلقة بمضمون المعاهدة:
يواجه القاضي أثناء تعامله مع المعاهدات عدة مسائل تتعلق بمدى إلزامية تطبيقها ([157])، وتتمثل في :
-
إشكالية إجراءات التصديق التي فرض الدستور توفرها كشروط لصيرورة المعاهدة
أقوى من القانون، وبالتالي فهل للقضاء الولاية لمراقبة مرسوم المصادقة؟ هل
جاء صحيحا أي تم احترام الإجراءات الدستورية السابقة المتمثلة في الموافقة
البرلمانية الصريحة أو عرضها على المجلس الدستوري وقراره أنها مطابقة
للدستور؟
- وهناك إشكالية النشر، فهل يشترط لنفاذ المعاهدة أم لا ؟ و هي الإشكالية التي سبق عرضها سابقا.
-
وإشكالية التحفظ، فمن حق الدولة أثناء إعلان التزامها بالمعاهدة أن تقرر
بإرادتها المنفردة تحديد آثار بعض البنود من المعاهدة أو استبعادها، فما هو
دور القاضي حيال هذا الوضع؟ ألا يعد ملزما به لكونه من أعمال السيادة؟
وإذا صدرت إعلانات تفسيرية في شكله لكنه في حقيقته تحفظ، فما دور القاضي
هنا ؟
ثانيا: الإشكاليات المتعلقة بمضمون المعاهدة:
فإذا خلص القاضي
من الإشكاليات والمصاعب سالفة الذكر واستطاع حلها، فإنه سيقف أمام إشكاليات
أخرى تتعلق بمضمون المعاهدة وتتمثل في إشكالية التفسير(I) وإشكالية
القابلية للتطبيق المباشر(II)
I- إشكالية التفسير([158]): فهل يختص القاضي به أم لا؟ وكيف سيقوم بتفسير النص الاتفاقي الدولي؟
باعتبار
أن الاتفاقيات تبرم من قبل السلطة التنفيذية، فقد اعتبر أنهـا الهـيئة
الوحيدة المؤهلة لتفسيرها، وخوفا من التدخل في العلاقات الدولية بين السلطة
التنفيذية والسلطات الأجنبية، حرص القاضي على إحالة مسألة التفسير إلى
وزارة الشؤون الخارجية وكان ملزما به، وهو ما درج عليه القضاء الفرنسي
التقليدي، لكن قضية Gisti ([159]) كانت المناسبة التي تمسك فيها مجلس
الدولة الفرنسي باختصاصه في تفسير النصوص الاتفاقية الدولية،حيث أعطى
المجلس التفسير الذي رآه ملائما دون أن يرى نفسه ملزما بالتفسير الوزاري،
وبقراره هذا أكد مجلس الدولة الفرنسي أن هناك مشكلة تفسير كانت قائمة في
هذا الخصوص، وان المجلس قد سمح لنفسه بتقدير مدى صحة التفسير الوزاري،
ليستخلص بالتبعية ما يراه هو نفسه من تفسير للنصوص محل النزاع ويبني قضاءه
عليه، وانه تبعا لذلك يكون قد استقر مبدأ اختصاص القاضي الإداري بتفسير
المعاهدات الدولية، ومعنى ذلك أن مسألة تفسير المعاهدات قد خرجت من طائفة
أعمال السيادة وفقدت حصانتها.
وبالنسبة للقضاء الجزائري فالمحكمة العليا
كانت لها مناسبة للتمسك باختصاصها بالتفسير، ويتعلق الأمر بالقرار المؤرخ
في 11/12/2002 ([160]) والذي يتعلق بطعن بالنقض في قرار وقع الإكراه
البدني عليه لعدم وفائه بدين تجاري وأسس قضاة المجلس قرارهم على أن المادة
11 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية تتعلق بالحقوق المدنية فحسب،
فقامت المحكمة العليا بتفسير نص المادة 11من الاتفاقية المذكورة، ومما جاء
في القرار:
"وبعد الإطلاع على أحكام المادة 11 من الاتفاقية المذكورة
أعلاه والتي جاء فيها ما يلي: (لا يجوز سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء
بالتزام تعاقدي) وتبعا لذلك أصبح من غير الجائز توقيع الإكراه البدني لعدم
تنفيذ المدين لالتزامه التعاقدي.
وحيث أن مصادر الالتزامات ، تنقسم إلى
مصادر إرادية ومصادر غير إرادية ، وأصبح -ومنذ انضمام الجزائر إلى تلك
الاتفاقية - غير جائز تنفيذ الالتزامات الإرادية - سواء كان مصدرها معاملة
مدنية أو تجارية – عن طريق الإكراه البدني.
وحيث انه كما هو ثابت في وقائع القضية أن الالتزام المراد تنفيذه مصدره معاملة تجارية أي عقد تجاري.
وحيث
أن المادة 11 المشار إليها أعلاه لا تميز بين الالتزام التعاقدي التجاري
وغير التجاري، فيكفي أن يكون هناك التزام تعاقدي سواء كان موضوع هذا
الالتزام معاملة مدنية أو تجارية، فيمتنع تنفيذ هذا الالتزام عن طريق
الإكراه البدني ..."
II-إشكالية القابلية للتطبيق المباشر: فإذا خلص من
مشكلة التفسير، واجهته مشكلة أخرى، وهي كيفية التعامل مع المعاهدة أي مدى
إمكانية تطبيق نصوصها مباشرة؟ أم ينتظر صدور القوانين والتنظيمات الكفيلة
بذلك؟
لقد كانت قضية Yeter Cinnar ([161]) المناسبة لمجلس الدولة
الفرنسي لتغيير اجتهاده بصدد مسألة التطبيق المباشر للمعاهـدات، إذ بدل
الارتكـاز على معايـير عادة ما عرقلت مسألة التطبيق المباشر، وخصوصا
المعيار الشخصي والمتمثل في البحث في نية الأطراف، بالرجوع إلى الأعمال
التحضيرية مثلا ، فقد انصب اهتمام مجلس الدولة على دراسة مضمون نص المعاهدة
المطروح عليه تطبيقها، فاعتمد على المعيار الموضوعي، والمتمثل في دقة
ووضوح هذا النص، والغرض منه هدف ملموس، وهي المعالجة القانونية التي أدت به
إلى الفصـل بيـن نوعين مـن القـواعد الاتفاقية الدولية، فبعضها تطبق
تطبيقا مباشرا، والأخرى لا يمكن تطبيقها مباشرة، فقرار سينار أعلن عن عهد
قانوني وقضائي جديد في مجال التعامل المباشر مع المعاهدات الدولية.
ولعل
الموقف القضائي الجزائري في القرارات الصادرة عن المحكمة العليا بغرفتيها
المدنية والجزائية -سالفة الذكر- دليل آخر على أن القضاء صار متمسكا
بأهليته للتطبيق المباشر لنصوص المعاهدات الدولية طالما كانت قابلة لذلك،
دونما انتظار للقوانين أو التنظيمات الداخلية التي تجعلها نافذة .
المطلب الثاني
الرقابة القضائية على مشروعية القواعد اللائحية
تطبيقا لمبدأ المشروعية ومقتضياته، ومنها مبدأ تدرج القواعد القانونية،
فإن أعمال السلطة التنفيذية -سواء منها الفردية أو اللائحية- تخضع وتتقيد
بالقانون بمعناه الواسع ، وكل مخالفة لذلك تجعل عملها باطلا وقابلا للطعن
فيه أمام القضاء، وعلى ذلك فإن اللوائح الصادرة عن السلطة التنفيذية – مهما
كان نوعها والظروف التي صدرت فيها- تخضع للرقابة القضائية باعتبارها
أعمالا إدارية، وتطبيقا للمادة 143 من الدستور "ينظر القضاء في الطعن
قرارات السلطات الإدارية "
وقد أثبتت عملية الرقابة القضائية جدواها
وفاعليتها في النظم القانونية المقارنة، حيث استطاع القضاء عن طريق صور
وأنواع الرقابة القضائية التي بسطها على اللوائح أن يوفر ضمانات جدية
وفعالة لحماية الشرعية وحريات الأفراد وحقوقهم في مواجهة السلطة التنفيذية،
التي أجبرها القضاء على الخضوع للقانون واحترام مبدأ المشروعية، وتتخذ
رقابة القضاء على اللوائح عدة صور حسب الجهة التي تتولاها، فقد تكون رقابة
إلغاء من طرف القضاء الإداري ، وقد يختص بها القاضي العادي عن طريق الدفع
بعدم الشرعية فيختص بها طبقا لمبدأ تدرج القواعد القانونية ([162]).
غير
انه يتعين ملاحظة انه بصدد فحص مشروعية اللوائح بمطابقتها للقواعد
الدستورية فإن ذلك وجها آخر للرقابة القضائية على مشروعية اللوائح، عمد
إليها القاضي لتوسيع مساحة رقابته على أعمال السلطة التنفيذية، هذا إضافة
إلى إنشائه نظرية المبادئ العامة للقانون لتوسيع سلطته الرقابية على تلك
الأعمال.
ولذلك فقد تكون الرقابة القضائية على مشروعية اللوائح بواسطة
دعوى الإلغاء (الفرع الأول) أو عن طريق الدفع بعدم الشرعية (الفرع الثاني)
إضافة إلى الوسائل التي ابتدعها القاضي لتوسيع مجال رقابته عليها (الفرع
الثالث).
الفــرع الأول
رقــابــة الإلـغـــاء
يختص بنظر هذه
الدعوى القضاء الإداري فقط دون القضاء العادي، طبقا لنص المادة 01 من
القانون 98/ 02 المؤرخ في 30 ماي 1998 المتعلق بالمحاكم الإدارية التي تنص
على انه" تنشأ محاكم إدارية كجهات قضائية للقانون العام في المادة الإدارية
" والمواد 9 و10 و 11 من القانون العضوي 98 /01 المؤرخ في 30 ماي 1998
المتعلق باختصاصات مجلس الدولة وتنظيمه وعمله والتي تجعله مختصا بالنظر في
المنازعات المتعلقة بالطعـون بالإلغـاء المرفوعة ضد القرارات التنظيمية أو
الفردية الصادرة عن السلطات المركزية والهيـئات العمومية الـوطنية
والمنظـمات المهنية الوطنية، والطعون الخاصة بالتفسير ومدى شرعية القرارات
التي تكون نزاعاتها من اختصاص مجلس الدولة، إضافة إلى كون جهة استئناف ونقض
في أحكام وقرارات الجهات القضائية الإدارية، وكذا في قرارات مجلس
المحاسبة، وعلى ذلك فيملك أي فرد أو هيئة الطعن في اللوائح إذا ما شابها
عيبا من عيوب المشروعية كعدم الاختصاص أو عيب الشكل والإجـراءات أو مخالفة
القوانين بمعناها الواسع أو الخطأ في تطبيقها أو تأويلها أو عيب إساءة
استعمال السلطة أو الانحراف أو عيب السبب([163]). والملاحظ من خلال الإطلاع
على قرارات مجلس الدولة المنشورة في مجلة مجلس الدولة، أن مجلس الدولة
يرتب جزاءات مختلفة على القرارات الإدارية المخالفة للمشروعية، ومرد ذلك هو
درجة جسامة المخالفة ، فإن كانت لا تمثل خروجا كبيرا على مبدأ المشروعية
كان القرار الإداري باطلا، أما إذا بلغت المخالفة حدا كبيرا من الجسامة كان
القرار الإدراي معدوما ([164])، فمثلا في القرار الإداري الفاصل في مسألة
تدخل أصلا في اختصاص القضاء عده المجلس قرارا باطلا لتجاوزه السلطة، وفي
القرار رقم 169417 الصادر بتاريخ 27/07/1998 انتهي مجلس الدولة إلى اعتبار
القرار الإداري الصادر من جهة غير مختصة منعدما ، ونلاحظ في ذلك خلطا كبيرا
إذ الصواب خلاف ذلك حسب المستقر عليه فقها وقضاء([165]).
ويترتب على
ذلك اختلاف الآثار المترتبة على الانعدام عن تلك المترتبة على البطلان، إذ
أن تنفيذ القرار الإداري المنعدم يشكل اعتداء ماديا une voie de fait ، وهو
ما يغير قواعد الاختصاص إذ يصبح القضاء الإستعجالي الإداري والعادي مختصين
بالنظر فيه إضافة لقضـاء المـوضوع الإداري، وذلك لكون القرار المعدوم
تنتفي فيه مواصفات العمل القانوني المستحق للحماية، ونظرا لكون الانعدام من
النظام العام، فإنه يمكن إثارته في أي درجة للتقاضي، وتثيره المحكمة
تلقائيا، وان هذا القرار لا يستفيد من الحصانة بعد انقضاء المدة القانونية
لرفع دعوى الإلغاء أو السحب من طرف الإدارة، ضف إلى ذلك أن مبدأ فصل
السلطات يمنع على القاضي الإداري توجيه أوامر للإدارة، بينما إذا ثبت أن
عمل الإدارة يشكل خروجا جسميا على قواعد المشروعية، وبالتالي اعتباره
منعدما وعدم استحقاقه للحماية القانونية، فان للقضاء توجيه أوامر للإدارة
للكف عن كل ما من شانه أن يضع العمل المتخذ حيز التنفيذ([166])، ففي القرار
الصادر عن مجلس الدولة بتاريخ: 11/05/2004 ([167]) بعد أن أثبت عدم
مشروعية قرار الإدارة، وان تنفيذها المباشر إياه يمثل تعديا يمنح الاختصاص
للقاضي الإستعجالي قام بإلزام الإدارة بوضع حد لفعل التحدي ومما جاء في
هذا القرار:
"مما يجعلها فعلا قد قامت بفعل التعدي الذي هو من اختصاص
القاضي الإستعجالي، وان الأمر بوضع حد لفعل التعدي لا يمس بأصل النزاع
وحقوق الأطراف، لأن كل طرف له الحق في استعمال الإجراءات القانونية الأخرى
سواء في الإلغاء أو التوقيف ولا يمكن في أي حال من الأحوال أن يكون فعل
التعدي هو إجراء قانوني يسمح للإدارة أن تستعمله للإضرار بالموطنين.
مما
يستوجب إثبات وجود فعل التعدي، وبالتالي القول باختصاص قاضي الاستعجال
وإلغاء القرار المستأنف والتصدي من جديد بوضع حد لفعل التعدي " وقد قرر
مجلس الدولة في هذا القرار" القضاء بإلغاء القرار المستأنف الصادر عن قسم
الاستعجال للغرفة الإدارية ...والتصدي من جديد بإلزام البلدية بوضع حد لفعل
التعدي ضد المستأنف ".
الفرع الثاني
الرقابة عن طريق الدفع بعدم الشرعية
يمكن الطعن ضد اللوائح غير الشرعية ولو تحصنت بفوات ميعاد الطعن ، وذلك
عند صدور قرارات تنفيذية تطبيقا لها، إذا يمكن الطعن في هذه القرارات على
أساس عدم شرعية اللائحة التي تعد مصدرا لها، فحينئذ يتصدى القضاء الإداري
باعتباره مختصا بالمنازعات الإدارية المتعلقة بالقرارات التنفيذية اللائحية
لفحص اللائحة باعتبارها مسألة فرعيةQuestion préalable ([168])، فإذا ثبت
له عدم شرعيتها ألغى القرار التنفيذي مع بقاء اللائحة .
وهناك صورة
أخرى للدفع بعدم الشرعية، وذلك إذا ما خالف احد الأفراد لائحة يراها معيبة
وقدم للمحكمة من اجل هذه المخالفة، فهنا قد يدفع هذا الفرد بعدم مشروعية
اللائحة، فهل يعد الدفع في هذه الحالة مسألة أولية يفصل فيها القاضي بنفسه
أي القاضي العادي؟ أم يعتبرها مسـالة خارجة عن اختصاصه لكونها مسألة مبدئية
أو أوليةquestion préjudicielle فيوقف الدعوى ويحيل الأطراف على القاضي
الإداري؟
وقد استقر الأمر في القضاء الفرنسي على اعتبار القضاء الجزائي
مختصا بفحص شرعية اللوائح التي يراد تطبيقها على الدعاوى المنظورة أمامه،
أما القاضي المـدني فإذا عرضت أمامه مسألـة مبدئية أو فرعية تتعلق بالدفع
بعدم شرعية لائحة، فإنه يحيل طلب فحص الشرعية إلى القضاء الإدراي المختص،
وأما في الجزائر فالمسألة تحتاج إلى مناقشة جدية، فمن جهة تمثل المحاكم
الإدارية جهات القانون العام للمنازعات الإدراية، ومجلس الدولة يختص بكل
منازعات الإلغاء والتفسير وفحص المشروعية لقرارات السلطات الإدراية
المركزية والهيئات العمومية الوطنية، فمقتضى تمتع القضاء الإدراي بالولاية
العامة في المنازعات أن يكون له دون غيره سلطة الفصل في المنازعات الإدراية
مالم يوجد نص خاص بخلاف ذلك استثناء من هذه الولاية العامة، وعلى ذلك فإذا
طرحت دعوى أمام جهة القضاء العادي، وكان الفصل في هذه الدعوى يستلزم أولا
البت في مسألة تدخل بطبيعتها في طائفة المنازعات الإدراية، فإنه يتعين على
القاضي، ما لم يكن هناك نص خاص يقتضي باختصاصه بالفصل في هذه المسألة، أن
يوقف نظر الدعوى و إحالة هذه المسألة للقضاء الإداري ليفصل فيها بوصفها من
المسائل المبدئية، على أن هذا المذهب لم يرق للغرفة المدنية للمحكمة
العليا- ربما حتى لا تطيل الإجراءات وتثقل على المتقاضين - ففي قرارها
المؤرخ في 09 /10 /2002 ([169])استندت إلى مبدأ تدرج القوانين لاستبعاد
مرسوم تنفيذي (لائحة تنفيذية) وإهماله لمخالفته القانون، ومما جاء فيه :
"حيث
أن المادة 85 من المرسوم المتضمن إنشاء السجل العقاري يلزم المدعي بإشهار
عريضة افتتاح الدعوى بالمحافظة العقارية وإلا كانت باطلة.
وحيث أن مثل هذا البطلان مطلق يتعين على المجلس إثارته تلقائيا .
وحيث ثابت من ملف الدعوى أن دعوى المستأنف عليهم الرامية إلى إلغاء عقد رسمي مشهر لم يتم إشهارها.
وحيث
أن ما اتجه إليه قضاة الموضوع هو اتجاه خاطئ من أساسه ، ذلك انه بالرجوع
إلى الأمر المتضمن إعداد مسح الأراضي العام وتأسيس السجل العقاري المؤرخ في
12 نوفمبر 1975 لا ينص على إجراء شهر العريضة الافتتاحية بالمحافظة
العقارية قبل قيدها بكتابة ضبط المحكمة ، ولا قانون الإجراءات المدنية.
حيث أن إجراء شهر العريضة الافتتاحية للدعوى قد استحدثه مرسوم 76/63
المؤرخ في 25 مارس 1976 الذي يتعلق بتأسيس السجل العقاري ولم ينص عليه كل
من قانون الإجراءات المدنية والقانون المتضمن إعداد مسح الأراضي العام
وتأسيس السجل العقاري .
وبذلك يكون المرسوم المنوه إليه قد استحدث شرطا
جديدا لصحة العريضة الافتتاحية لم يرد لا في قانون الإجراءات المدنية ولا
القانون المتضمن إعداد مسح الأراضي العام ، ومن ثمة يوجد التعارض بين
القانون والمرسوم المشار إليه.
وحيث انه طبقا لمبدأ تدرج القوانين الذي
يقضي بأنه في حالة ما إذا وقع التعارض بين التشريع والتشريع الفرعي فإنه
يطبق التشريع الأعلى ويطرح التشريع الأدنى .
وحيث أن قضاة الموضوع عندما
طبقوا التشريع الفرعي وطرحوا التشريع الأعلى يكونون قد طبقوا ذلك المبدأ
بالمفهوم العكسي " فهذا القرار استبعد المرسوم التنفيذي دون أن يتعرض
مباشرة لشرعيته، إذ استبعده باعتباره قانونا فرعيا خالف قانونا عاديا فتطلب
طبقا لمبدأ تدرج القوانين استبعاده.
وهذا الاتجاه هو تأكيد لقرار سابق لنفس الغرفة صدر بتاريخ 12/07/1995 ([170]) والذي جاء فيه:
"كما
أن عدم شهر الدعوى في المحافظة العقارية لا يترتب عليه أي بطلان إذ أن
تطبيق المادتين 13 و14 من الأمر 75/74 المؤرخ في 12/11/1975 فقد أحال
المشرع تطبيق هاتين المادتين على مرسوم.
وبناء على أحكام المادة 14 / 4
من الأمر المشار إليه أعلاه فقد صدر المرسوم المؤرخ في 25 /03/1976 رقم76
/63 الذي نص في المادة 86 منه على عدم قبول الدعوى إذا لم يتم إشهارها في
المحافظة العقارية ، إذ أن اشتراط إشهار العريضة قبل ، تسجيلها لدى كتابة
ضبط المحكمة يعد قيدا على رفع الدعوى قد استحدثه هذا المرسوم لكن المشرع قد
نص على إجراءات رفع الدعوى وشروط قبولها أمام القضاء في قانون الإجراءات
المدنية ولم ينص على هذا القيد بالنسبة للدعاوى العينية العقارية ومن ثمة
يوجد تعارض بين أحكام قانون الإجـراءات المدنية وأحكـام هذا المرسوم، وتبعا
لذلك فإنه إذا وقع التعارض بين التشريع العادي والتشريع الفرعي يطبق
التشريع العادي .."
ففي هذا القرار فحصت المحكمة العليا المرسوم رقم
76/63 باعتباره جاء تطبيقا للمادة 14 من الأمر 75/74 فهو مرسوم تنفيذي أي
لائحة تنفيذية، غرضها تقديم كيفيات تطبيق النص التشريعي بدون إضافة ولا
تعديل ، إذ تعد حينذاك مخالفة لقواعد الاختصاص الدستورية، لكونها تدخلت في
المجال المخصص للبرلمان، فتكون من هذه الزاوية غير دستورية، ومن زاوية
المنـازعات الإداريـة منعدمة، وحسب قانون العقوبات في مادته 117 فإن هذا
التجاور يعد جريمة يعاقب عليها بالحبس المؤقت من 05 إلى 10 سنوات، وعلى
ذلك، فالمحكمة العليا متمثلة في غرفتها المدنية اعتمدت على مبدأ التدرج
القانوني للتمسك بفحص شرعية اللوائح، وهو مذهب جرئ ويفيد مقدرة اجتهادية
عظيمة إذ يفتح المجال للرقابة القضائية على مشروعية اللوائح عن( طريق
المبادئ العامة للقانون ) وهو ما نراه في الفرع التالي.
الفرع الثالث
وسائل القاضي لتوسيع رقابة مشروعية اللوائح
في إطار الدور القضائي المكرس دستوريا والمتمثل في حراسة المشروعية، فإن
القضاء ينشئ ويبتدع من الوسائل ما توسع مساحة رقابته على أعمال السلطة
العامة، وترتفع عنه القيود التي قام سابقا بوضعها على نفسه مما ضيق من
المجال الدستوري الواسع للرقابة القضائية على الإدارة طبقا للمادة 139 من
الدستور التي تنص على انه: "تحمي السلطة القضائية المجتمع والحريات وتضمن
للجميع ولكل واحد المحافظة على حقوقهم الأساسية" والمادة 143 التي تنص على
انه : " ينظر القضاء في الطعن في قرارات السلطات الإدارية " فالمجال
الدستوري للرقابة القضائية واسع، لكن القضاء ضيق على نفسه من خلال قيود
ابتدعها ومنها نظرية أعمال السيـادة، التي كانت من إنشـاء القضاء الفرنسي،
واعتنقها لاحقا القضاء الجزائري. وفي فترة لاحقة انتبه القضاء إلى ضيق مجال
رقابة على الإدارة وصار يبتدع وسائل لتوسيعه، ومن هذه الوسائل الاستناد
إلى القواعد الدستورية لبسط رقابة المشروعية على اللوائح الإدراية (أولا)
وكذلك المبادئ العامة لقانون(ثانيا).
-أولا: الرقابة القضائية بالاستناد إلى القواعد الدستورية:
حسب بعض الفقه ومنهم الأستاذ favoreu أنه من الناحية المنطقية لا يوجد
مانع من الاستناد إلى نصوص الدستور لتأسيس الدعاوى الإدارية المختلفة إذ
يقول :
« Les normes constitutionnelles ne sont pas utilisée dans le
procès administratifs , non pas parce qu’ elles sont utilisables , mais
parce que doctrine , juges et avocats pensent qu’elle , son inutilisable
» ([171])
وبالرجوع لاجتهادات مجلس الدولة الفرنسي فإننا نجده لجأ في
عدة مناسبات إلى القواعد الدستورية أثناء رقابة المشروعية لكنه يتقيد
بمجموعة من الضوابط أهمها :
- بالنسبة لدعوى الإلغاء: لم يقبل مجلس
الدولة الفرنسي دعوى الإلغاء التي تتأسس على وجه عدم دستورية اللائحة محل
الطعن لوجود اختصاص مانع للمجلس الدستوري في هذا المجال .
- بالنسبة لدفع بعدم الدستورية: هل يمكن استبعاد تطبيق لائحة أثناء النظر في دعوى إدارية نتيجة الدفع بعدم الدستورية ؟
بصدد
هذا السؤال، رفض مجلس الدولة قبول هذا الدافع اعتمادا على نفس الحجة، وهي
أن رقابة الدستورية اختصاص مانع للمجلس الدستوري، لكن تيارا فقهيا ظهر
بفرنسا يتزعمه كل من ليون دوجي وموريس وهوريو وجيز ينتقد هذا المسلك
القضائي ويدعوا لقبول هذا الدفع .
ولو أعملنا مبدأ تدرج القواعد
القانونية لقلنا بضرورة استجابة القضاء الإداري لهذا الدفع، والفصل فيه بما
يؤكد خضوع القواعد التشريعية واللائحية للدستور، فيكون القضاء وهو يمتنع
عن تطبيق القواعد التشريعي المخالفة للدستور، في إطار ممارسة وظيفته في
تطبيق القانون والرد على الدفوع وليس ممارسا للرقابة على دستورية القوانين .
-بالنسبة
لدعوى فحص المشروعية: وبموجبها يقوم القاضي بمعاينة اللوائح المعروضة عليه
من حيث الأركان التي تقوم عليها، ليصرح بمشروعيتها إذا جاءت مواجهة
للقواعد القانونية الأسمى منها دستورية كانت أم غيرها، أو العكس إذا كانت
غير ذلك، وباعتبار القواعد الدستورية في قمة الهرم القانوني في الدولة فإنه
من الواجب على مجلس الدولة التصريح بعدم مشروعيته اللائحة المخالفة
للدستور.
ثانيا: توسيع الرقابة القضائية بالاستناد للمبادئ العامة لقانون:
إن
الملاحظ مما سبق، أن نظرية الاختصاص المانع للمجلس الدستوري برقابة
دستورية اللوائح من اختراع القضاء الإداري الفرنسي، ولذلك فهو الأقدر على
إيجاد الآليات والنظريات الكفيلة بالتخلص من القـيود المترتبة عنها، بمـا
يسمح للقضاء الإدراي بقـبول دعوى إلغـاء اللوائح المخالفة للدستور، وتوسيع
مجال هذه الرقابة، فما هي هذه الآليات؟
بالرجوع إلى القضاء المقارن
وخصوصا الفرنسي، نجد أن مجلس الدولة الفرنسي كرس نظرية المبادئ العامة
للقانون باعتبارها وسيلة لتوسيع مجال رقابته على اللوائح، وبالتالي التحرر
من قبضة الاختصاص المانع للمجلس الدستوري برقابة دستورية اللوائح، ولذلك
اعترف مجلس الدولة الفرنسي بالقيمة الدستورية لبعض المبادئ العامة
للقانون([172]) ، كما سبق تفصيله، وهو ما يصلح اعتماده من قبل القضاء
الجزائري لتشابه المعطيات الدستورية والقانونية في النظامين الفرنسي
والجزائري، ولذلك نتساءل عن الدور الذي تلعبه المبادئ العامة للقانون ذات
القيمة الدستورية في إطار الرقابة على مشروعية اللوائح في الجزائر ؟
لقد
كان الدافع وراء الاعتراف بالقيمة الدستورية لبعض المبادئ العامة للقانون
هو بسط القضاء في لرقابته على دستورية اللوائح المستقلة من جهة (I)
والأوامر التشريعية من جهة أخرى (II) .
-Iالمبادئ العامة للقانون كأساس
للرقابة على دستورية اللوائح: لقد أعلن الفقه الفرنسي انزعاجه من المادة 37
من دستور 1958 وهي المقابل للمادة 125 من دستور 1996 الجزائري، لكونها
تندرج ضمن الاختصاص المستقل للسلطة التنفيذية وفي نطاق واسع، فالسلطة
التنفيذية تختص بإصدار اللوائح دون الاستناد للقانون ولا خضوع لرقابة
البرلمان، ولا يجوز لهذا الأخير التشريع في هذا المجال، ومع انزعاجه بحث
الفقه عن التقنيات اللازمة لفرض رقابة موضوعية على محتوى ومضمون تلك
اللوائح المستقلة من جانب القضاء الإداري، ونظرا لعائق الاختصاص المانع
للمجلس الدستوري بالرقابة على الدستورية لم يجد الفقه بدا من إضفاء الطابع
الدستوري على بعض المبادئ العامة للقانون، وذلك للاعتماد عليها لاحقا
لتفعيل رقابة القاضي الإدراي على دستورية تلك اللوائح، ذلك أنه إذا كانت
تلك المبادئ العامة لها قوة القانون فإنه لا يوجد ما يمنع السلطة التنفيذية
من مخالفتها أثناء وضعها للوائح المستقلة، وهو ما يفرض الارتقاء بها لتصبح
لها قيمة دستورية، فإذا خالفتها تلك اللوائح صارت مشوبة بعيب عدم
المشروعية، ويتعين بالتالي على القاضي الإداري التصريح بإلغائها.
-IIالمبادئ العامة للقانون كأساس للرقابة على دستورية الأوامر التشريعية:
وهذه
الأوامر تصدر عن رئيس الجمهورية في المجال غير المخصص للقانون طبقا للمادة
124 من الدستور، ولكنها رغم ذلك لا تعدو كونها أعمالا إدارية طبقا المعيار
العضوي، فكيف فعل القضاء الإداري لبسط الرقابة على دستوريتها ؟
لقد رأى
أن الاحتفاظ للمبادئ العامة للقانون بقيمة القانون، لا تخوله مثل هذه
الرقابة، ولذلك اعترف القضاء الإدراي وأيده في ذلك الفقه بالقيمة الدستورية
لبعض المبادئ العامة للقانون، وهو ما مكنه عند مخالفة تلك الأوامر لهذه
المبادئ التصريح بعدم مشروعيتها وبالتالي إلغائها .
وهو ذات المنطق
الذي يمكن تكريسه في الجزائر على الأوامر الصادرة طبقا للمادة 124 من دستور
1996 قبل عرضها على البرلمان أو التي لا يمكن تصور عرضا عليه، إذ تبقى
مجرد أعمالا إدارية ومن ثم يمكن للقاضي بسط رقابته عليها اعتمادا على
المبادئ العامة للقانون، ومنها مبدأ تدرج القوانين وهذه المبادئ يخلقها
القضاء الإداري، مستلهما إياها من المرجعية الدينية والاجتماعية والسياسية
للمجتمع، وبالاستناد على مقدمات الدساتير والمواثيق وإعلانات الحقوق، وأنه
يصلح للقضاء الاستناد عليها لتقرير اختصاصه برقابة مشروعية الأوامر
واللوائح المستقلة، رغم تكريس محتوى هذه المبادئ في نصوص الدستور صراحة،
فالقاضي يعتمد عليها كمبادئ عامة للقانون لا باعتبارها نصوصا دستورية.
ومن الضروري التساؤل عن موقف القضاء الإداري الجزائري بخصوص هذه المسألة ؟
لا
توجد سابقة قضائية يمكن الاستناد عليها للإجابة عن التساؤل المطروح بخصوص
رقابة القضاء الإداري لدستورية اللوائح المستقلة، أو الأوامر التشريعية،
اللهم إلا قرارا صادرا عن مجلس الدولة بتاريخ 27/07/1998([173]) استند فيه
المجلس للفصل في طعن من اجل تجاوز السلطة إلى المبادئ العامة للقانون، وذلك
أن قاض صدر ضده قرارا بالعزل من المجلس الأعلى للقضاء مجتمعا في هيئة
تأديبية، فقرر مجلس الدولة أن يقبل دعوى الإلغاء ضد هذا القرار مستندا إلى
مبدأ عام للقانون سبق لمجلس الدولة الفرنسي أن استنبطه في قضية: Dame La
motte ([174]) الشهيرة وهو مبدأ عدم حصانة أي قرار إداري ضد رقابة
الإلغاء، ولم يستند إلى نص المادة 143 من الدستور التي تصلح أساسا لحكمه
نظ
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma