التشريع الإسلامي وصلاحيته لكل زمان ومكان
بداية إن النظام ضرورة لا مفر منه للمجتمع ولا غني عنها للبشرية وهو في حقيقته ليس إلا أداة لخدمتها وإسعادها، فوظيفة القانون تتمثل في تنظيم تحرك الفرد في المجتمع ومنع المظالم وحفظ الحقوق وتحقيق العدالة وتوجيه الشعوب نحو النافع والمفيد، ولكل المجتمعات أنظمتها التي تحرص على سلامتها وقوانينها التي تتمسك باحترامها وبالتالي فالقوانين الجزائية أداة لفرض النظام والأمن في المجتمع ومنه يعتبر التشريع الجنائي والجزائي أداة ضرورية لزجر المجرم وردعه حتى نقي المجتمع من شر الانحراف. ولدينا تشريعنا الجنائي الخاص المستمد من شريعتنا السمحاء والذي يهدف في الإسلام لحفظ الكليات الخمس التي لا تقوم الحياة ولا تستمر بدونها وهي( حفظ النفس، وحفظ الدين، وحفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال) وأي جريمة اعتداء علي احدى هذه الكليات السابقة، فقد شرعت كافة العقوبات في الإسلام للمحافظة عليها . وتنقسم العقوبات إلى قسمين : الحدود وهي العقوبات المقدرة والمنصوصة من الشرع (كحد السكر والقذف والسرقة ) نقف مع الحد الشرعي البات ولا مجال أمامنا إلا الوقوف عند شرع الله . والقسم الثاني: التعازير هو التأديب على ذنوب لم تشرع فيها الحدود. والعقوبة فيها دائرة واسعة متروكة لاجتهاد القاضي وفق حدود وشروط وأركان ومصالح يترك فيها لاجتهاد الحاكم دون تقييده باجتهاد محدد. فكافة النظم القانونية الوضعية الموجودة في العالم قد جرمت الاعتداء علي أي من هذه الأصول الخمسة، ولكنها فشلت في المحافظة عليها حتى أن مجتمعات هذه النظم منها من انهار تحت وطأة الجريمة ، فمعدلات الجريمة بلغت أرقام قياسية مرعبة تنذر بكارثة محققة في تلك المجتمعات، فهل بإمكانك في هذه الدول الغربية الخروج ليلاً بعد التاسعة أو الاستجابة لطارق باب منزلك. لقد فشلت هذه النظم عن الوصول لبر الأمان . وذلك لخلل المنظومة الأخلاقية والانهماك في الأنانية المادية والبعد عن شريعة الله التي هي فيها كل خير للإنسانية. ونجد الشريعة الإسلامية وسياستها الجنائية من حيث التجريم والعقوبة والموائمة بينهما فقد نجحت بصورة تثير الإعجاب في حماية هذه الكليات الخمس, يدعمها منظومة حضارية أخلاقية أسرية تعليمية مرتبطة بكل اتجاه إلى الإسلام (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين وبذلك أمرت وانأ أول المسلمين). يقول دكتور "روان وليامز" كبير أساقفة كانتربيري في بريطانيا : والذي أثارت تصريحاته لزوبعة إعلامية بشأن ضرورة الاعتراف الرسمي البريطاني بقانون الشريعة الإسلامية ويرى أنه أصبح أمرًا حتميًا لا مفر منه في المستقبل.بل وطالب الكثير من الغربيين باستنساخ تجربة محاكم الشريعة الإسلامية وتحركت كثير من البرلمانات ومجالس الشورى العالمية من أجل الترخيص لتحكيم الشريعة الإسلامية. فقد أعلن لورد فيليبس رئيس القضاء البريطاني أنه بالامكان تطبيق الشريعة الإسلامية في بريطانيا لتسوية الخلافات الزوجية والنزاعات المالية. وكانت الحكومة البريطانية قد وافقت مؤخراً على تشكيل خمس محاكم إسلامية لتطبيق أحكام الشريعة في قضايا الطلاق والنزاعات المالية والعنف الأسرى في "لندن"، و"برمنجهام"، و"برادفورد"، و"مانشستر"، و"وارويكشير"، ومن المقرر تشكيل محكمتين أخريين في "جلاسجو"، و"أدنبرج". لتنظم إلى ما لا يقل عن 85 محكمة بريطانية تطبق أحكام الشريعة الإسلامية في المملكة المتحدة. وأصبحت قراراتها ملزمة رسميًا في ظل القوانين المعمول بها . بل ويلجأ العديد من البريطانيين غير المسلمين إلى محاكم الشريعة الإسلامية للفصل في النزاعات الداخلية؛ وذلك لأنها أقل تعقيدًا من النظام القانوني الرسمي للبلاد. حيث أوضح تقرير نشرته جريدة التايمز البريطانية, أنّ نسبة عدد القضايا التي تنظرها محاكم الشريعة في بريطانيا من غير المسلمين تصل إلى أكثر من 5% من نسبة القضايا الكلية التي تقوم بالاستماع إليها، الأمر الذي دفع هذه المحاكم- بحسب الصحيفة- للتخطيط من أجل زيادة أعدادها ثلاث مرات في عشر مدن جديدة. وكذلك الأمر يسير على هذا النحو بكندا. والآن نقاش حاد حول تأسيس محاكم الشريعة الإسلامية في هولندا، في صورة رائعة في امتداد سلطان الشريعة الإسلامية في الدول الغربية. أسوق هذه الأمور فقط لمن اهتزت لديهم صورة القضاء المنبني على أحكام الشريعة الإسلامية ولمن وقعوا ضحية الذوبان وضعف الاعتزاز بالهوية و نحن بحمدالله في بلادنا مقتنعون تمام القناعة بشريعتنا ونلمس أثار الحياة الهانئة مصداقاً لقوله تعالى ( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب).
الفصل الأول: ماهية الأحكام البديلة ودواعيها
ماهي الأحكام البديلة
الأحكام البديلة عرف كتواضع عرفي إعلامي فضفاض أكثر منه كمصطلح علمي جامع مانع شملت أنواعا كثيرة من التعازير البديلة للسجن وكثير من الإلزامات القضائية ذات الصفة الأدبية والمعنوية والتصالحات الرضائية بين المتخاصمين في الحقوق الخاصة في القضايا ذات الصفة الجنائية.
مصطلح "الأحكام البديلة" . حقيقة لا توجد دراسات علمية تبحث في مصدر هذه التسمية وهذا الإطلاق وإن كنت لا أحبذ التسمية به لكونها ترسم صورة نمطية وذهنية سلبية والتي تذهب بتصور المستمع لها إلى ان هناك عقوبة أصلية وعقوبة بدلية أو الى أنها من جنس الأحكام المبدلة لشرع الله , وأحبذ التسمية ( ببدائل السجون) لكونه السبب الحقيقي والمؤثر لإعتماد تنويع العقوبات لغرض التهذيب تقليصاً لسلبيات السجون . ويمكن أن نعرفها تعريفاً عاماً بما يلي : الأحكام البديلة للسجون هي مجموعة من الأحكام القضائية التي اهتم بها القضاة على تضمينها أحكامهم في غير "الحدودالشرعية" , توسعا في تقدير التعزيرات لتشمل عقوبات والزامات قضائية تربوية وشروطاً اصلاحية لإصلاح الفرد وزجره وتأديبه بدلاً عن حبسه ". كالتوسع في العقوبات المالية وتقرير العقوبات بالخدمة الاجتماعية والأعمال التطوعية أو الإلزامات الأدبية أو الأعمال الشاقة أو الإقامة الجبرية أو الحرمان من المزايا والخدمات والحقوق الشخصية وتقييد حركته وتعويق الانتفاع ومنعه من السفر حسب ماتسمح به الأنظمة التنفيذية للسياسات العقابية في الدولة. يقول الدكتور الطيب السنوسي أحمد : البدائل: جمع: بديل، على غير القياس الصرفي؛ والبديل في اللغة: ما يخلف الشيء ويقوم مقامه . وبدائل السجن مصطلح لم يتعرض له الفقهاء؛ ولذا لم يوجد له تعريف في كتبهم وقد عرفه من أعد مشروع بدائل السجن المقترح في وزارة العدل المملكة العربية السعودية بأنه: "مجموعة من التدابير التي تحل محل عقوبة السجن وتعمل على تطبيق سياسة منع الجريمة" أولى المحاولات العربية لتعريف ووصف هذه النمط من الممارسة الجزائية كان في قانون العقوبات القطري حيث جاء في مادة (63 مكرراً): "عقوبة التشغيل الاجتماعي هي إلزام المحكوم عليه بأن يؤدي لمدة محددة عملا من الأعمال المبينة في جدول الأعمال الاجتماعية المرفق بهذا القانون".
كيف تبلورت "بدائل السجون"
ظهر في الفقه الجنائي اتجاه توفيقي في شأن العقوبات السالبة للحرية ، وخاصة قصيرة المدة منها , والتي تتصل بحالات الإجرام متوسط الخطورة ، فلا يتجاوز إلى حد المناداة بإلغائها ، ولا يبقي أسيراً لها فيقبلها بحالها دون ما تعديل. فهو اتجاه يعمل على التقليل بقدر الإمكان من مساوئ هذه العقوبة والتخفيف من أثارها الضارة. لذا يدعو هذا الاتجاه إلى استعمال العديد من البدائل العقابية التي تحل محل العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة متى كانت ظروف الجريمة وشخصية المجرم توجب هذا. فإن رأت المحكمة أن هذا البديل لا يجدي في مواجهه حاله إجرامية معينه كان لها أن تقضي بالعقوبة السالبة للحرية رغم قصر مدتها. فهذه البدائل من قبيل نظم المعاملة العقابية التفريدية (في النظم التشريعية العقابية العالمية) المقررة تشريعياً لتكون بين يدي القاضي ، إن شاء أعملها إذا استدعت ظروف الجريمة ذلك ، وإن شاء قضى بالعقوبة السالبة للحرية أياً كانت مدتها.هذا الفقه الجنائي الجديد رآه القضاة والقانونيون المسلمون في العالم فرصة جديدة من جولات إعمال الفقه الإسلامي في المدونات التشريعية العقابية العالمية , حيث دعوا إلى الاستفادة من الإرث التشريعي الإسلامي وضوابط الشريعة في مفهومها التأديبي والردعي وفي الحقيقة فإن هذه البدائل متنوعة ، وسوف نعطي بعض التفصيلات عن تلك الأنظمة التي تعالج البدائل كمنظومة من الممارسة القضائية و التي تعاقبت عليها التشريعات كافة ، والغربية منها خاصة ، على الأخذ بها. في آخر البحث .
لماذا السياسات العقابية العالمية توجهت لبدائل السجون
لقد تحدثنا سابقاً لنشوء فكر توفيقي في السياسة العقابية نتيجة لما أظهرت الدراسات المسحية سلبيات كثيرة ومتعدية لأكثر العقوبات انتشاراً وذيوعاً وهي السجن مما ولد قناعة لدى الجهات القضائية والجهات التنفيذية بالتفكير الجاد والواسع لبدائل السجن , وخاصة قصيرة المدة منها , والتي تتصل بحالات الإجرام متوسط الخطورة ، فلا يتجاوز إلى حد المناداة بإلغائها ، ولا يبقي أسيراً لها فيقبلها بحالها دون ما تعديل. فهو اتجاه يعمل على التقليل بقدر الإمكان من مساوئ هذه العقوبة والتخفيف من أثارها الضارة. عقوبة متعدية فلقد ظهرت بجلاء الآثار السلبية والمشكلات التي تتعرض لها أسرة السجين نتيجة سجن عائلها ,وتتنوع الآثار السلبية من طلاق وخلع وانحراف للأبناء وفقر مما تؤدي لحدوث تفكك في تلك الأسر وتغير في وظائفها نحو الأسوأ . . نظرة المجتمع الوصمة المجتمعية تلاحق من يسجن بوصف خريج سجون فينفر منه بعض أفراد المجتمع وزملائه وزوجته وبعض أفراد عائلته وبذلك يدخل في حيز من القيود على نفسه لخوفه من وصمة السجن لاسيما في مجتمع محافظ لا يتوانى البعض في الشماتة به بطريقة غير مباشرة مما يؤثر عليه معنويا . حواجز تتلاشى حاجز الردع يبدأ بالتلاشي عند الوصول في العقوبة إلى درجة قسوة السجن مما يولد انتفاء هيبة السجن لدى الإنسان , ويتزايد الشعور بالاتكالية والرغبة بالبطالة وعدم العمل مما يولد لديه اللجوء للجريمة لتأمين بعض احتياجاته أو الرجوع لمجتمع السجن الذي ألف عليه. حيث أظهرت بعض الدراسات المسحية الغير رسمية أن نسبة العودة إلى السجون تقريبا (20% إلى 30%) من عدد السجناء المفرج عنهم مما قد يفقد القصد من عقوبة الحكم البسيط ويساعد في الإجرام المستقبلي لهذا الإنسان . خلطة وسرقة طباع يتعرض السجين أثناء فترة سجنه للاحتكاك بمجرمين عتاة لهم ضلع كبير في الإجرام وتجارب غزيرة في الأساليب الإجرامية ولا شك أن القصص التي تسرد من قبل بعض السجناء للآخرين ستؤثر في معلوماته بالأساليب السيئة في الإجرام لا قدر الله وقد تساعد بانحرافه في يوم ما . كلفة مالية باهظة التكاليف المالية التي تصرف على السجناء ذو الأحكام البسيطة مع غياب الفائدة من مدة السجن البسيطة وبالتالي يصبح حكم السجن قد أرهق الخزينة ولم تتحقق الفائدة الموجودة . قلق مستمر تشهد بعض السجون حاليا حالة من الاكتظاظ . ممايجعل الحياة في السجون مقلقة للراحة ويعيش معها السجين في عذاب مستمر. تغير معطيات وتغير سياسات وعندما أصبح إيقاع العقوبة تحيط به عدة اعتبارات ونشأ عنها عدة تعقيدات ومشاكل اجتماعية تتطلب حلها ومعالجتها , تتعلق بالمحكوم عليه ومن يعول , وبالمجتمع وتأثره بتعدي العقوبة , وبالدولة وما تنفق , جاءت الدعوة الصريحة لإيجاد مراجعات للعقوبات الشهيرة فيما يحقق الهدف من دفع جماح الخطيئة بأسهل الطرق وأسلم الأحكام وأيسرها. ومن هنا تحركت الجهات البحثية العلمية والمؤسسات القضائية , والمؤسسات العقابية والجهات التنفيذية لتفعيل أنواع من العقاب تخرج عن دائرة العقوبة بالسجن, فأُعدت الأنظمة واللوائح المبدئية والإسترشادية والدراسات لتقرير بدائل عقابية متنوعة تطرح أفقاً واسعاً لمفهوم العقاب, يمكن إنزاله في المجتمعات لدفع الجريمة وحصر آثارها السلبية . وقد ظهرت مناداة عامة بالدعوة للتوسع في إيقاع العقوبات البديلة عن السجن بشتى أنواعها وقد وجدت دراسات تقرر مدى الحاجة لهذه البدائل وتؤصل اطرها المرجعية وتدعو لها . احتاج هذا الفكر التوفيقي في السياسات العقابية في تطبيقه لتطوير هذه السياسات العقابية , إلى أبتكار مسارات عدة وفي إتجاهات مختلفة منها في تشريع الأنظمة المقننة لهذه الممارسة التوفيقية , وتدريب القضاة التدريب المتخصص وتزويدهم بالكفاءات في التخصصات الشرعية و النفسية والاجتماعية والسلوكية والطبية وكذلك في ترقية دور وآليات تنفيذ التطبيقات العقابية لتكون ملائمة لتطبيق هذا الفكر التطبيقي الجديد.
الفصل الثاني :مشروعية تطبيق البدائل في التشريع الاسلامي
مدخل
يتميز القضاء في الشريعة الإسلامية بصلاحه لكل زمان ومكان وفيه من عناصر البقاء والحيوية والديمومة وقابليتها للتجديد والإبداع . والتشريع الإسلامي وحدة حقوقية كاملة، تبدأ من تنظيم علاقة الكائن الإنساني بذاته، وأسرته، ومجتمعه أفراداً وكياناً، وعلاقة دولة الإسلام بالعالم الذي يحيط بها، ثم علاقة الإنسان والدولة باللّه تعالى، وحدة مترابطة الأجزاء، مكتملة الجوانب. هذه المنظومة لا تعطي نتاجها ولا تظهر فوائدها ولا تميزها إلا بالتطبيق الحي الصادق الشامل لمفردات تلك المنظومة كاملة، ولذلك فان الجانب النظري في منهجيه الفقه الإسلامي لا تعرف الفصل بين النظام المدني عن نظام الأسرة، عن الجنائي، عن الدستوري، عن الدولي، إنما هي وحدة واحدة في الأسس والمنطلقات والحقائق الأساسية التي يقوم عليها مجمل التشريع. إن اللّه تعالى قد أرشد الإنسان المسلم إلى طرق استمداد الحكم الشرعي،وكونه مظلة للجميع يقف الناس أجمع تحت سلطانها بسواسية تامة لا حصانة لأحد في الخروج عن إطارها ومظلة مشروعيتها , ويجب ترسيخ مبادئ النزاهة والعدالة وحماية الحقوق ونثق ثقة كبيرة بما لدينا من إرث ونفتخر به افتخاراً أمام الآخرين . هذه الثقاقة وهذه الممارسة يجب أن تبدأ في الترسخ لدى أبنائنا من مولدهم إلى مماتهم ليسلموا الراية لمن بعدهم . هذه عقيدتنا وهي مبعث افتخارنا . وقد أبدع فقهاؤنا، فأنتجوا ثروة فقهيه واسعة، نزلت إلى عالم التطبيق الفعلي قروناً عديدة، شكلت جزءاً مشرقاً من تاريخ المسلمين، وسوابق في معالجه الوقائع التي لم يرد فيها نص شرعي، وتعد تلك الثروة خزينة تشريعية هائلة في معالجه قضايا العصر ومشكلاته . هذه الشمولية تمنحنا أرضية ضخمة في إعمال كثير من الإجراءات الحديثة في البيئة العدلية.
خريطة بدائل السجون
عندما نتحدث عن علاقة الأحكام البديلة أو البدائل بالتشريع الإسلامي المتعلق بالعقوبات فهو ينقسم إلى نوعين :
1- عقوبات محددة كالحدود . وهذه لا تدخل في حديثنا للتحديد التعبدي فيها فلا يجوز الاستعاضة عن هذه الحدود المقدرة ببدائل تصادم النص لأنها تدخل في تغيير حكم الله البات والقاطع. بل لها تفاصيلها في التخفيف والتشديد للعقوبة ذات الصفة الخاصة من درء الحدود بالشبهات والتسامح فيما هو من حقوق الله الخالصة وتداخل العقوبات قبل الوصول لولي الأمر والتنفيذ وفق تفاصيل فيها من الرحمة والخير للبشرية.حيث أن من مقاصد الشريعة في جملتها أنها ليست متشوفة إلى إقامة الأحكام بالجملة . يأتي رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: قد أصبت حداً فيعرض عنه ، والمرأة تأتي وتقول: أصبت حداً فطهرني ، فيعرض عنه ، قصص ماعز والغامدية معروفة .. فالشريعة ليست متشوفة ومتشوقة إلى أن تقيم الحدود والأحكام ، لكن إذا ثبت الحكم وتقرر فنعم.
2- النوع الثاني من العقوبات عقوبات غير محددة : وتسمى التعازير : وهذه بابها واسع جداً , وهي أولى مواطن تطبيق الأحكام البديلة أو البدائل فكما قلنا فالتعزير : «وهو التأديب» بكل ما يحصل به الأدب، والأدب هو تقويم الأخلاق، أو فعل ما يحصل به التقويم . والتعزير ليس بواجب على الإطلاق، ولا يُتْرك على الإطلاق، وأن ذلك يرجع إلى اجتهاد الحاكم ولكن لا بد أن يكون منسجماً مع الإطار المرجعي الغني والثري بالفهم المقاصدي للعقوبات في الفقه الإسلامي والذي له ملامحه وإطاراته الفقهية العامة .
يقول ابن عثيمين رحمنا الله وإياه ورحم والدينا وجميع المسلمين : وعندما يقول بعض أهل العلم: إنه ليس بواجب على الإطلاق، ولا يُتْرك على الإطلاق، وأن ذلك يرجع إلى اجتهاد الحاكم، بشرط أن يكون أميناً؛ وعللوا ذلك بأمور كثيرة وقعت في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم وترك التأديب عليها، وبأن المقصود التأديب، وكثير من الناس إذا مننت عليه وأطلقته يكون هذا الإطلاق عنده أكبر من التأديب، ويرى لهذا الإطلاق محلاً، ويمتنع عن المعصية أشد مما لو تضربه، ولهذا سبق في الأسرى في الجهاد أنه يجوز للإمام أن يمن عليهم (( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً)) [محمد: 4] حسبما تقتضيه المصلحة، فهذا الرجل إذا أتينا به وقلنا: يا أخي، هذا ما ينبغي من مثلك، وأنت ممن يشق علينا أن نؤدبه أمام الناس، ولكن نظراً لمقامك فإننا نريد أن ننصحك أن لا تعود لمثل هذا، فهذا قد يكون في نفسه أنفع مما لو ضربناه أسواطاً في السوق، وهذا هو الصحيح أنه ليس بواجب على الإطلاق، وأن للإمام أو لمن له التأديب أن يسقطه إذا رأى غيره أنفع منه وأحسن.
يقول ابن فرحون المالكي في تبصرة الحكام : والتعزير لا يختص بالسوط واليد والحبس , وإنما ذلك موكول إلى اجتهاد الإمام . قال أبو بكر الطرطوشي في أخبار الخلفاء المتقدمين : أنهم كانوا يعاملون الرجل على قدره وقدر جنايته منهم من يضرب , ومنهم من يحبس , ومنهم من يقام واقفا على قدميه في المحافل , ومنهم من تنزع عمامته , قال القرافي : إن التعزير يختلف باختلاف الأعصار والأمصار , فرب تعزير في بلد يكون إكراما في بلد آخر , كقطع الطيلسان ليس تعزيرا في الشام فإنه إكرام , وكشف الرأس عند الأندلس ليس هوانا , وبمصر والعراق هوانا . قال ابن عابدين : (التعزير يختلف باختلاف الأشخاص ، فلا معنى لتقديره مع حصول المقصود بدونه، فيكون مفوضاً لرأي القاضي ) والتعزير عند الفقهاء عقوبة مفوضة إلى اجتهاد القاضي وتقدير ه ، فهو يختار في كل حاله تعرض عليه العقوبة أو العقوبات التي يراها كافيه لزجر الجاني ، وحامله له على الصلاح والتهذيب ولا يزيد عليها . وهو في كل حالة يراعى ظروف الجاني ، وحجم الجريمة وحال المجني عليه وزمان الجريمة ومكانها . وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن التفويض إلى الحاكم أو القاضي يكون من حيث النوع بمعنى أن يكون مفوضاً في اختيار نوع العقوبة التي يراها مناسبة. قال ابن القيم ـــ رحمه الله ـــ تعليقاً على إجتهاد عمر ــ رضى الله عنه ــ في تحريق قصر سعد لما احتجب عن الرعية 0: ( وهذا الجنس من العقوبات ــ أي المالية ـــ نوعان نوع منضبط ، ونوع غير منضبط ، فالمضبوط : ما قابل المتلف إما لحق الله تعالى كاتلاف الصيد في الإحرام ، أو لحق آدمي كاتلاف ماله، وقد نبه الله ـــ سبحانه وتعالى ـــ على أن تضمين الصيد متضمن للعقوبة بقوله : ( ليذوق وبال أمره ) ،ومنه مقابلة الجاني بنقيض قصده من الحرمان كعقوبة القاتل لمورثه بحرمان ميراثه وعقوبة المدبر إذا قتل سيده ، ببطلان تدبيره ، وعقوبة الموصى له ببطلان وصيته ، ومن هذا الباب عقوبة الزوجة الناشز لسقوط نفقتها وكسوتها . وأما النوع الثاني غير المقدر فهو : الذي يدخله اجتهاد الأئمة بحسب المصالح ، ولذلك لم تأت فيه الشريعة بأمر عام،وقدر يزاد فيه ولا ينقص كالحدود): إعلام الموقعين: 2/9 0 يقول إبن ابراهيم في فتاواه : أن الحدود قد عرفها العلماء ، قال الله تعالى : { تلك حدود الله فلا تعتدوها } (1) فما حدث وقدره الشرع فلا يجوز أن يتعدى . فالحدود بمعنى العقوبات المقدرة ، فالحد عقوبة مقدرة تمنع من الوقوع في مثل الذنب الذي شرع له . وتجب إقامة الحدود على كل مكلف ملتزم عالم بالتحريم . سميت عقوبات الجرائم (حدودا) لأن من شأنها أن تمنع ارتكاب الجرائم ، وتجب حقا لله تعالى ، لما في الجرائم المقررة فيها الحدود من الخطورة البالغة على المجتمع وكذلك (التعزير) يطلق على عقوبته اسم (الحد) إذا وجب لحق الله تعالى ، فيجب تنفيذ ما صدر من العقوبات في الحدود والتعزير . فالتعزير أصل كبير من الأصول الشرعية المحمدية الآتية بالمصالح والحكم والغايات المحمودة ، فيه صلاح الدين والدنيا ، لأن (التعزير) هو التأديب ، وهو واجب شرعا في كل معصية لأحد فيها ولا كفارة . فعلى الحاكم الشرعي أن يرى ما يقتضيه حال الشخص المجرم ، فإن العقوبات على قدر الإجرام ، فالقضاة يجتهدون فيما لا نص فيه، فإذا اجتهدوا وجب تنفيذ ما قرره القضاة ومناصرة الشريعة التي جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها ودفع المفاسد وتقليلها ، فإن من واجب ولاة الأمور وفقهم الله مناصرة الحق وأن لا تأخذهم في الله لومة لائم . وغير خاف أن في تأخير البت في تنفيذ الأحكام توهينا للحقث وتطويلا لسجن السجين بدون مبرر . أما تحديد لقاضي عقوبة المجرم ففيها موافقة لما يرغبه ولاة الأمور . ويجب أيضا حسن الظن بالقضاة فإنهم لا يبنون أحكامهم على مجرد دعوى ولا على وشاية واشي ، ولم يصدر مثل ذلك من أحد منهم ، ولا صحة لذلك أصلا بحمد الله . هذا ما تقرره . وبالله التوفيق . رئيس القضاة (ص-ق-1608- في 27-11-1383هـ) الفتاوى (12/2)
وهناك الكثير من الامثلة والادلة على تنوع التعازير فرسول الله صلى الله عليه وسلم عزر بالهجر , وذلك في حق الثلاثة الذين ذكرهم الله - تعالى - في القرآن العظيم , فهجروا خمسين يوما لا يكلمهم أحد , وقصتهم مشهورة في الصحاح . وعزر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنفي من المدينة . وكذلك الصحابة من بعده . ومنها : أمره عليه الصلاة والسلام بكسر دنان الخمر وشق ظروفها . ومنها { أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر بكسر القدور التي طبخ فيها لحم الحمر الأهلية ثم استأذنوه في غسلها فأذن لهم } . ومنها : أمر عمر رضي الله عنه بهجر صبيغ الذي كان يسأل عن الذاريات وغيرها ويأمر الناس بالتفقه في المشكلات من القرآن , فضربه ضربا وجيعا ونفاه إلى البصرة أو الكوفة , وأمر بهجره فكان لا يكلمه أحد حتى تاب وكتب عامل البلد إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخبره بتوبته فأذن للناس في كلامه . ومنها : تحريق عمر المكان الذي يباع فيه الخمر . ومنها تحريق عمر قصر سعد بن أبي وقاص لما احتجب فيه عن الرعية وصار يحكم في داره . ومنها : مصادرة عمر عماله بأخذ شطر أموالهم فقسمها بينهم وبين المسلمين . فكما ذكرنا فإن العقوبات التعزيرية بجميع أنواعها يرجع أمر تعيينها وتقديرها وتقريرها إلى اجتهاد القاضي المستند إلى النظر المصلحي الذي يناسب الواقعة والفاعل والمجتمع والزمان والمكان.
مواطن إعمال الأحكام البديلة وتطبيقها
1- الأحكام البديلة ودخولها في الإلزامات القضائية المعنوية والأدبية وأحكام التصالح في القصاص والجروح والجنايات والشجاج.
2- الأحكام البديلة بإعمال الضوابط في فقه الحدود في تحديد الأصلية والبدلية ودرء الحدود بالشبهات والتعازير من حيث تقدير العقوبة التعزيرية وضوابط تداخل العقوبات.
3- الأحكام البديلة ودخولها في الإنتقال التقديري للقاضي إلى معالجة أسباب الخصومات والجرائم بإلزامات شبيهة بالإلزامات الحسبية في الإسلام.
4- الأحكام البديلة ودخولها في السلطات التقديرية للقضاة في حد العقوبة الأعلى والأدنى والنزول عن الحد الأدنى لدواع معتبرة.
5- الأحكام البديلة في الإلزام القضائي في رعاية مصلحة غدلية معتبرة بمسببات الجناية .
6- الأحكام البديلة عندما يصدر فيها أنظمة تخول الجهات التنفيذية بالعفو واستبدال العقوبة الصادرة بحكم قضائي دون الرجوع للقضاء.
1- الأحكام البديلة ودخولها في الإلزامات القضائية المعنوية والأدبية وأحكام التصالح في القصاص والجروح والجنايات والشجاج.
ومن الأمثلة عليه الصلح الأدبي والمعنوي المشروط المسقط لل..... . ونسوق هذه الواقعة , في جراحات عوقب فيها بدفع الدية وعقوبة تعزيرية ولو أبدلنا الجلد ( كعقوبة معتادة) ببدائل تعزيرية يحصل بها مقصود الردع :
وإذا كان لا يطيق الجلد كله تعزيرا نقص منه
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة نائبنا في المنطقة الغربية سلمه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد فبالإشارة إلى خطابكم رقم 12317 في 22/8/1380هـ المبني على البرقية الواردة لكم من سمو وزير الداخلية المتضمن أن محكمة تبوك نظرت في قضية سليمان بن .. المتهم بالاعتداء على عبد ربه بن .... وأصدرت حكمها بسجن المعتدي سنة كاملة وجلده في كل شهر تسعة وثلاثين جلدة تعزيرا له لقاء الحق العام وإلزامه يثلث الدية للجائفة وعشر عشر الدية في الضلع لقاء الحق الخاص . وأن إمارة تلك المنطقة عرضت بصدور تقرير طبي لقاء الحق الخاص ، وأن إمارة تلك المنطقة عرضت بصدور تقرير طبي لعدم تحمل الجاني الجلد المحكوم به عليه والمحكمة المذكورة ارتأت إزاء ذلك سجن المذكور عن كل جلدة عصا يوما واحدا ، ونظرا لأن عدد الجلدات المتبقية على المذكور هي إحدى عشرة مرة في كل مرة تسعة وثلاثين جلدة فقد رغب سموه موافاته بمرئياتنا نحو ذلك . وحيث الحال ما ذكر نفيدكم أنه متى ثبت صحة التقرير الطبي في حق المذكور فالذي نراه أنه يسلك في تعزيره الطريقة التي تكون كافية في تأديبه وتحصل بها الشهرة ولا يكون فيه تكليفه بما لا يطيق ، ولعل هذا يكون بنقص عدد الجلدات المقررة في حقه وذلك بأن يجلد في بقية السنة خمسة مرات في كل شهرين عشرين سوطا . أما إن كان جسده لا يتحمل الضرب بتاتا فيعدل ويزداد في سجنه خمسة أشهر . والسلام . رئيس القضاة (ص-ق-905 في 13-9-1380هـ) فتاوى ابن ابراهيم (12/11)
2- الأحكام البديلة في دخول التعازير من حيث تقدير العقوبة التعزيرية وضوابط تداخل العقوبات ودخولها في فقه الحدود في عند درء الحدود بالشبهات .
حيث يدخل التعزير في قضايا درء الحدود بالشبهات فإنه فرصة لإعمال بدائل السجون , لأنه عندما يدرأ الحد عن شخص لدواع الشبهة المحتملة في الأدلة والقرائن فهذا لا يعني عدم تعزيره ومن هنا دخلت فرصة إعمال البدائل وإعمال مصالح المجتمع والفرد والنظام العام تلك المصالح المعتبرة .
ونسوق من السوابق القضائية في المملكة العربية السعودية مايوضح هذا الاتجاه :
شبهة نقص العقل تدرؤ عنه الحد ، لكن يعزر بـ 99 جلدة
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي أمير منطقة الرياض وفقه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد فنعيد لسموكم المكاتبة الواردة منكم برقم 37161 في 19/6/1379 المختصة بقضية حسن بن ... مع المكاتبة الأساسية في الموضوع الواردة من سموكم برقم وتاريخ ونبدي لسموكم أنه بالنظر إلى ان حسن المذكور قد أكمل المدة المقررة في السجن ، ونظرا إلى ما أفادته الهيئة المشكلة من عبد الرحمن بن مبارك وصالح بن غنام في قرارها المرفق بالمعاملة من أنه قد أثبت ولكن ينبغي أن يعزر بجلده تسعا وتسعين جلدة بعصى خيزران متوسطة . وتكون إقامة هذا التعزير عليه تحت نظر رئيس هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فضيلة الشيخ عمر بن حسن أو من ينيبه فضيلته في ذلك . ثم بعد إقامة هذا الجلد عليه يطلق سراحه من السجن تحت كفالة والده ، ويؤخذ على والده التعهد في حفظه ومزيد صيانته عن الاتصال بالسفهاء وأهل الفساد . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . (ص/ف2580 في 25/9/1379) فتاوى ابن ابراهيم (12/33)
إذا قال يا حمار يا قواد على محارمه فيه حد القذف . لكنه عزر : من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي أمير منطقة الرياض حفظه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد فنشير إلى خطاب سموكم الموجه لنا برقم 2413/1 وتاريخ 22/2/1383 على الأوراق المرفقة والواردة إلينا أخيرا من قاضي محكمة شقراء برقم 122 وتاريخ 11/4/1383 ومن مطالعة الأوراق ظهر أنها دارت بين القاضي وهيئة التمييز بدون نتيجة منهية . وحيث الحال ما ذكر فإن الذي نراه أن يؤدب المدعى عليه عبد الله بن إبراهيم ... بثلاثين جلدة ، ويحضر عند إجراء هذا التعزير مندوب من قاضي شقراء لملاحظة عدم الزيادة في كيفية الضرب . وهذا التعزير عن الكلمتين اللتين قالهما اللمدعي عليه وهما قوله له : يا حمار ، يا قواد على محارمه . ويوبخ عما زاد عن هاتين الكلمتين توبيخا بليغا ، ويؤخذ عليه التعهد اللازم بعدم العودة لمثل هذا الكلام الردئ. أما المدعي عبد الكريم بن .... فيسجن ثلاثة أيام ، ويوبخ على الكلمتين اللتين قالهما لخصمه ، ويؤخذ عليه التعهد بعدم العودة . والله يحفظكم . والسلام عليكم . رئيس القضاة (ص/ق 778/1 في 18/5/1383) فتاوى ابن ابراهيم (12/57)
وجد معهم خمر وغلمان فعزورا من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي وزير الداخلية حفظه الله تعالى آمين السلام عليكم وحمة الله وبركاته وبعد (12/65)فنشير إلى خطاب سموكم الموجه لنا برقم 6515 وتاريخ 8/6/1383 على الأوراق المرفقة الخاصة بأحد عشر الشخص الذين ألقي القبض عليهم في الأحساء ولديهم آلة طرب وزجاجتا خمر ومن بينهم ثلاثة غلمان حديثوا السن ، وذلك في ليلة3/4/1383 ونشعر سموكم أنه قد جرى الإطلاع على ما قرره قاضي المستعجلة في الأحساء من التعزير للمذكورين ، وذلك بجلد كل واحد منهم سبعة أسواط زيادة على ما مر من سجنهم ، ويزاد في ضرب كل من مبروك ابن عبدالله ..... وخالد بن عبدالله..... سبعة أسواط أخرى . وبتامل الموضوع ودراسة الأوراق ظهر أن ما قرره من التعزير فيه قصور ظاهر وعليه فإنه يلزم الزيادة في تعزيرهم وذلك بأن يجلد عبد الله بن عبد الرحمن ... الذي ذكر رئيس هيئات الأحساء أن قارورتي الخمر وجدتا في سيارته ثلاثين جلدة ، وكذلك المطرب مبروك .... يجلد ثلاثين جلدة ، والبقية يزاد في تعزيرهم بحيث يضرب كل واحد منهم عشرة أسواط ، ويكون ذلك علنا بالسوق ردعا لهم ولأمثالهم، لأن قضيتهم قد اشتهرت ، وأنواع هذه الاجتماعات على المسكر والملاهي قد كثرت ، ويكون تعزيرهم جميعا بالبلاد التي وقع فيها الحادث وهي الأحساء . والله يتولاكم . والسلام .
حد سكر وتعزير 3711- سكروا ، وحاولوا فعل الفاحشة ، ثم قتلوه من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الجلالة رئيس مجلس الوزراء حفظه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد فقد جرى الإطلاع على أوراق المعاملة المشفوعة الواردة إلينا من مقام رئاسة مجلس الوزراء برقم 21136 وتاريخ 20/10/1380 المتعلقة بالحادث العظيم الذي أجراه الفسقة عبد الله بن صالح ... وأحمد عيسى... وصالح بن علي.... وخليل بن أحمد.... وعبد الله ويوسف .... وباتل بن ... من اجتماعهم على شرب المسكر ، ومحاولتهم فعل الفاحشة في باتل المذكور ، وتماسكهم معه مما أدى إلى وفاته ، ثم تحريقهم إياه بالنار ، نسأل الله العافية . كما جرى الإطلاع على ما أجراه رئيس محكمة الأحساء من تقرير الدية عليهم أسداسا ، وكفارة القتل على كل منهم عتق رقبة مؤمنة ،فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، كما أشار إلى تعزيرهم التعزير البليغ المعلن به الزاجر لهم ولأمثالهم عن ارتكاب مثل هذه الجريمة مولاكو إلى نظر ولي الأمر . وبتأمل ما قرره نلفت النظر إلى أن هذا الصنيع الفظيع قد تكرر وقوعه من مثل هؤلاء الفساق ، وإن لم يؤخذ على أيديهم وينكل بهم ، ويعمل معهم ما تقتضيه السياسة الشرعية مما تنحسم به مواد الفساد فيخشى من انتشاره أكثر ، لأن الخمر أم الخبائث، فإذا سكروا واستولت عليهم الشياطين انتهكوا المحرمات من زنا ولواط أو قتل أو حرق بالنار . ومثل هؤلاء يسوغ لولي الأمر أن يعزرهم التعزير البليغ حسبما تقتضيه المصلحة العامة ، وإن رأى هذا الشر لا ينكف إلا بقتلهم فله ذلك لئلا يتفاقم الأمر وأما يوسف بن ..... الذي ذكر في التقريرات أن عمره ستة عشر سنة فلا يبلغ بتعزيره القتل إذا رأى الإمام قتل رفقائه . والله يحفظكم . رئيس القضاة (ص/ق591 في 24/6/1381) فتاوى ابن ابراهيم (12/60)
ومن الأمثلة على دخول العقوبة التعزيرية في وقائع الحدود تدخل البدائل ؟ أنظر لهذه الواقعة؟ قتل وحصل فيه التعزيرالمالي بشمول القبيلة بأكملها بدفع الدية , ألا يسوغ مثلاً هنا حكم بإلزام قضائي مثلاً بإبعاد القبيلتين عن بعض حتى لا تحصل أعمال ثأرية من باب التعزير لهما ؟
قتل من أفراد القبيلتين، وحصل تكتم منهما على القتلة، فحكم القاضي على كل قبيلة بدية من قتل من الأخرى
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة جلالة الملك ورئيس مجلس الوزراء. حفظه الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد: فنبعث لكم برفقه الأوراق الواردة إلينا من فضيلة رئيس المحكمة الكبرى بأبها برقم 1484/1 في 2/3/1385 ولاحقتها رقم 2263 وتاريخ 5/4/1385 بصدد سجناء بني زيد وآل ويمن ....... ونشعركم حفظكم الله بأنه بدراسة الأوراق ظهر أنه قد حصل حادث هوشة بين أفراد قبيلتي بني زيد وآل يمن التابعين لإمارة أبها، وحصل التكتم من كلا القبليتين لإخفاء الأفراد الذين حصل منهم الحادث، وقد قتل من آل يمن واحد يدعى يحيى بن سعيد ولم يدع أحد من ورثته على أحد من بين زيد حتى الآن، وقتل من بني زيد اثنان، وادعى ورثتهما على ستة من آل يمن، ولم تثبت دعواهما، وقد رأى فضيلة رئيس محكمة أبها إلزام كل قبيلة بدية من قتل من القبيلة الأخرى من باب التعزير، فأكدنا عليه بالحكم فاعتذر لعدم توفر شروط القسامة من تصميم كل من القبلتين على إخفاء الحادث؟ وحيث الحال ما ذكر وأن القاضي رأى ذلك من باب التعزير بما يدرأ المفاسد، فإنه ينبغي تنفيذه بواسطة رؤساء القبيلتين، وهذا هو الذي تيسر، وينبغي أن يعمل به، والله يحفظكم، والسلام. (ص/ق 2134/1 في 12/5/1385) رئيس القضاة. فتاوى ابن ابراهيم (11/358)
3- الأحكام البديلة ودخولها في الإنتقال التقديري للقاضي إلى معالجة أسباب الخصومات والجرائم بإلزامات شبيهة بالإلزامات الحسبية في الإسلام.
4- الأحكام البديلة ودخولها في السلطات التقديرية للقضاة في حد العقوبة الأعلى والأدنى والنزول عن الحد الأدنى لدواع معتبرة.
وهذه داخلة في بعض الأنظمة السعودية التي تجعل للقاضي سلطة تقديرية بين حدي العقوبة الأدنى والأعلى , فهل يدخل في تفسير هذه الدواع المعتبرة للنزول عن الحد الأدنى من العقوبة الواردة في المادة 60 من نظام مكافحة المخدرات , فوهنا نتسائل فهل يدخل في ضمن الدواعي المعتبرة التأكد من أخلاق الجاني واستقامته بوسائل من قبيل الإلزامات القضائية , كإلزامه بالدخول بمصحة للعلاج والكشف عليه دوريا للتاكد من عدم رجوعه للإدمان . المادة المشار إليها دعمت هذا الإلزام القضائي للتأكد من استقامة الجاني لتخفيف الحكم وجعله بديلاً عن الحكم بالعقوبة المنصوصة.
5- الأحكام البديلة في الإلزام القضائي لرعاية مصلحة عدلية معتبرة لها علاقة كسبب أو كمانع
مثالهاالحالات المتفردة التي تقتضي معالجة خاصة نظراً لحالة شاذة لايقاس عليها و تتعلق بأمور بيولوجية وعضوية ونفسية في كيان المحكوم عليه , والتي تعد إنحرافاً في السلوكيات العامة ويجرم مجترحها. يؤيد هذا الإتجاه التقارير العلمية لدراسة الحالة من خبراء العلوم الإجتماعية والسلوكية وأطباء النفسية والتي تفيد تقاريرهم بتفرد الحالة وتوصية علاجية يتدخل فيها القضاء , بوسائل لاينفع معها وسائل العقوبة المعتادة في الردع والتأديب , فتقتضي الحكم بإلزامات قضائية متفردة لمصلحة خاصة. مثالها "حالات إضطرابات الهوية الجنسية" " سلوكيات الشذوذ " .
6- الأحكام البديلة عندما يصدر فيها أنظمة تخول الجهات التنفيذية بالعفو واستبدال العقوبة الصادرة بحكم قضائي دون الرجوع للقضاء.
وهذا ملاحظ في دخول البدائل في أعمال لجان العفو في المناطق عندما تشترط إشتراطات أدبية أو مظاهر إستقامة أو حفظ أجزاء من القرآن أو حسن السيرة والسلوك لتخفيف العقوبة ,فهي من مواطن إعمال الأحكام البديلة ,وهي من صيغ وقف التنفيذ على شرط , وإسقاط العقوبة على شرط.
الأحكام القضائية بالإلزام في الخدمة العامة والأعمال التطوعية والأعمال التعبدية
الله تعالى قد أمر بالتطوع، وحثّ عليه في عدة مواضع حيث يقول: { وّتّعّاوّنٍوا عّلّى الًبٌرٌَ والتَّقًوّى ولا تّعّاوّنٍوا عّلّى الإثًمٌ والًعٍدًوّانٌ واتَّقٍوا اللَّهّ إنَّ اللَّهّ شّدٌيد الًعٌقّابٌ(2) } (المائدة) ليأمر بالتعاون على أعمال الخير وتجنب أعمال السوء، وهو ما يشير إلى مفهوم العمل التطوعي، وكذلك يقول سبحانه وتعالى: { فّمّن تّطّوَّعّ خّيًرْا فّهٍوّ خّيًرِ لَّهٍ } (البقرة: 184) وفي هذا المعنى دلالة على عظم أمر العمل التطوعي في الإسلام، كما حث الله على الإنفاق المادي - أحد صور التطوع - في غير ما موضع من القرآن الكريم حيث يقول جل وعلا: { إنَّمّا نٍطًعٌمٍكٍمً لٌوّجًهٌ پلَّهٌ لا نٍرٌيدٍ مٌنكٍمً جّزّاءْ ولا شٍكٍورْا (9) } (الإنسان) وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على أعمال التطوع والأعمال الخيرية في الكثير من المواضع، منها قوله صلى الله عليه وسلم في امتداح المتطوعين: «إن لله عباداً اختصهم لقضاء حوائج الناس، حببهم للخير، وحبَّب الخير إليهم، أولئك الناجون من عذاب يوم القيامة»، وفي ذلك دلالة على عِظم أجر التطوع الذي ينجي من عذاب النار في يوم المشهد الأعظم، وهنا نلاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحدد فئة معينة للاستفادة من الأعمال الخيرية؛ ولكنه ذكر كلمة «الناس» وفي ذلك دلالة على أن الإسلام يأمر بتقديم المساعدة والعون للجميع وليس لفئة المؤمنين أو من ينتمي للدين الإسلامي فحسب؛ لأن الدين الإسلامي دين شامل عالمي. ويقول صلى الله عليه وسلم : (( لأن تغدو مع أخيك فتقضي له حاجته خير من أن تصلي في مسجدي هذا مائة ركعة)) .
رؤية مستنبطة لهذا الفقه التوفيقي
إن كل نص تجريمي يضعه مشرعي الأنظمة له خلفية فكرية مقاصدية وهذا ما أردت توضيحه بشأن تعميم فكرة البدائل , وهو علم دقيق إختصاصي له باحثوه والمهتمون به ومشرعيه ومختضيه والذين يكونون من تخصصات عدة دينية وإجتماعية ونفسية وامنية وقانونية من قضاة وجهات تنفيذية . أعمالهم جميعا تحتاج إلى خلفية مرجعية وإطار مرجعي يحصر إجتهادهم ويوجهها. وعند النظر في ممارسات السلوك الإجرامي نلاحظ أن الجاني عندما يقع في جنايته وجرائمه فإنه يحاول الضرر بالسلم الإجتماعي والأمن العام والتي تحاول الدولة ومؤسساتها والمجتمع مؤسساته الأهلية ترسيخه , فاقتضت تجربة البدائل في أن تتم معالجة سالب هذه الأمان الإجتماعي (الجاني) بجعله شريك آخر يساهم مع الدولة والمجتمع في المواجهة والتصدي لتلك المشكلات ، فجاءت فكرة أن يفتح باب التطوع بصفة إلزامية (على الجاني) ليساهم في توفير فرص خدمة اجتماعية تقدم بشكل طوعي ملزم ومن خلال جمعيات ومنظمات متخصصة تستقطب تلك الفئات وتقوم بتدريبها وتأهيلها وتهيئتها للإنخراط في الخدمات العامة .
ترجع أهمية هذه الصيغة الإلزامية بالتطوع ليس لكونه عملاً يسد ثغرة في نشاط الدولة والهيئات الاجتماعية فقط بل أهميته الكبرى تكون في تنمية الإحساس لدى (الجاني) المتطوع ومن تقدم إليه الخدمة ( المواطن ) بالانتماء والولاء للمجتمع ، وتقوية الترابط الاجتماعي بين فئات المجتمع المختلفة والذي اهتز (بجناية الجاني) , فكانت نظرية رائعة في تغذية راجعة إيجابية تعوض النقص السلبي الذي يقوم به الجاني تجاه مجتمع , إضافة إلى إن التطوع يكون لوناً من ألوان المشاركة الإيجابية ليس في تقديم الخدمة فقط ولكن في توجيه ورسم السياسة التي تقوم عليها تلك المؤسسات الاجتماعية ومتابعة تنفيذ برامجها وتقويمها بما يعود على المجتمع ككل بالنفع العام ممايشعر الجاني بأهمية كيانه وفيه يجد ذاته في قمة الشعور والاعتداد بالذات الإيجابة .
وإشعار الراغب في الجناية في ذاته هو سر في تعديل سلوك الجاني وهو مايظهر في تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الشاب الذي إستئذن بالزنى: فعن أبي أمامة قال: (إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه و قالوا: مه مه ! فقال: أدنه، فدنا منه، قريبًا قال: فجلس، قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: و لا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال: و لا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: و لا الناس يحبونه لأخواتهم ،قال:أفتحبه لعمتك، قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: و لا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك ؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال: فوضع يده عليه و قال: اللهم اغفر ذنبه و طهر قلبه و حصن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء) [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة، (370)].
فانظر كيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع هذا الشاب، لم يغضب النبي صلى الله عليه وسلم، فعلى الرغم من قباحة فكرة الشاب، والتي أثارت الجالسين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاولوا زجر الشاب وإسكاته، إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم طلب من الشاب أن يقترب منه (إشعار بالذات) في المجلس ، وهنا نفهم دلالة المسافة بين الأشخاص، فقرب المسافة يُمكِّن من توفير جو مناسب للحوار، أما المسافة البعيدة فهي لا تصلح إلا لإملاء الأوامر وإصدار التعليمات، وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم الحوار الهادئ وهي ممارسة رائعة لإشعار الشاب بكيانه فهذا قائد الأمة يحاوره ، والملفت للنظر أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يُذكِّر الشاب بآيات وأحاديث في تحريم الزنا، فالشاب لا يجهل حرمته، ويريد من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبيح له حرية الزنا، وإنما استخدم الرسول صلى الله عليه وسلم مع الشاب ما يمكن أن نطلق عليه "المنطق الاجتماعي" " ودوره في الأمن الإجتماعي" القائم على أساس عدم تقبل أي إنسان أن يفرط في عرض أمه أو أخته أو عمته) .
مبحث خاص: أدلة مشروعيةالإلزام بالتطوعات والقُرَب والخدمة كبديل عن عقوبة الحبس
1- من الأدلــة التي يُستند إليها في القول بمشروعية التعزير بالإلزام بالأعمال التطوعية ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع بعض أسارى غزوة بدر الكبرى من المشركين حيث طلب منهم تعليم أبناء المسلمين الكتابة بدلاً من دفع الفداء المالي، فقد جاء في مسند الإمام أحمد عن ابن عباس وحسنه شعيب الأرناؤوط ولفظه: كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة.فهذا الحديث وإن كان ليس بصريح في الدلالة على المسألة التي نحن بصددها إلا أنه يفيد بأن استبدال العقوبة المالية (وهي مبلغ الفداء هنا) بعمل يخدم فئة من المجتمع (وهو تعليم الكتابة للصغار هنا) له أصل في الشريعة الإسلامية من فعل النبي فلا مانع بناءً عليه في التعزير بذلك وأمثاله إذا كان فيه مصلحة.
2- الأحكام البديلة تدخل في تلك الإلزامات القضائية الشبيهة بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه "إما أن تزيد في السعر وإما أن ترفع من سوقنا"، لمن قد أرخص في السعر،ليشق على التجار ويوقع بهم الضرر، ويلحق بهم المشقة والعنت؟!
3- القياس على الكفارات فقد جعل الشارع منها زواجر بأعمال تعبدية محضة كـ الصوم .فالمقصود بالكفارة في الشرع فهي ما يقوم به المذنب من عتق أو صيام أو إطعام، (واستعملت الكفارة كعقوبة أصلية في القتل الخطأ وتأخذ صورة عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين وبالتالي يكون الصوم عقوبة بدلية إذا امتنع تنفيذ العقوبة الأصلية والكفارة في جميع صورها عقوبة ذات طابع مالي وقد تكون مصاحبة لعقوبة مقدرة كالدية في القتل الخطأ وقد تكون مصاحبة لعقوبة غير مقدرة وهي التعزير.
4- القياس على الجزاء لمن ترك أفعال الإسلام الظاهرة كان يترك قوم الصلاة في الجماعة أو إقامة الأذان أو الامتناع عن الزكاة , فمن يمتنع عن أداء الزكاة بخلاً سلزم بأدائها وغرامة شطر مالة )) إنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا)) .. هي عبادة ويشترط لها النية .. ومع ذلك لقد ألزمناه قضاءاً ونيته بينه وبين ربه. يقول إبن عثيمين رحمه الله تعالى قوله: «يُقَاتَلُ أَهْلُ بَلَدٍ تَرَكُوْهُمَا» ، والذي يِقاتِلهم الإمام إلى أنْ يُؤذِّنُوا، وهذا من باب التعزير لإقامة هذا الفرض، وليس من باب استباحة دمائهم، ولهذا لا يُتْبَع مُدْبِرُهم، ولا يُجْهَزُ على جَريحِهم، ولا يُغْنَمُ لهم مالٌ، ولا تُسْبَى لهم ذُرِّيَّة؛ لأنَّهم مسلمون، وإنما قُوتلوا تعزيراً، ودليل ذلك: أنَّ الأذان والإقامة هما علامة بلاد الإسلام، فقد كان النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم إذا غزا قوماً أمسك حتى يأتيَ الوقتُ، فإن سمعَ أذاناً كَفَّ، وإلا قاتلهم[(78)]. فهما من شعائر الإسلام الظَّاهرة. وقوله: «تركُوهُمَا»، يحتمل تركوهما جميعاً، أو تركوا واحداً منهما. فإن تركوهما أو تركوا الأذان فقتالهم ظاهر؛ لأن الأذان من العلامات الظَّاهرة، وإن تركوا الإقامة يحتمل أن يقاتلوا؛ لأنَّها علامة ظاهرة
بداية إن النظام ضرورة لا مفر منه للمجتمع ولا غني عنها للبشرية وهو في حقيقته ليس إلا أداة لخدمتها وإسعادها، فوظيفة القانون تتمثل في تنظيم تحرك الفرد في المجتمع ومنع المظالم وحفظ الحقوق وتحقيق العدالة وتوجيه الشعوب نحو النافع والمفيد، ولكل المجتمعات أنظمتها التي تحرص على سلامتها وقوانينها التي تتمسك باحترامها وبالتالي فالقوانين الجزائية أداة لفرض النظام والأمن في المجتمع ومنه يعتبر التشريع الجنائي والجزائي أداة ضرورية لزجر المجرم وردعه حتى نقي المجتمع من شر الانحراف. ولدينا تشريعنا الجنائي الخاص المستمد من شريعتنا السمحاء والذي يهدف في الإسلام لحفظ الكليات الخمس التي لا تقوم الحياة ولا تستمر بدونها وهي( حفظ النفس، وحفظ الدين، وحفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال) وأي جريمة اعتداء علي احدى هذه الكليات السابقة، فقد شرعت كافة العقوبات في الإسلام للمحافظة عليها . وتنقسم العقوبات إلى قسمين : الحدود وهي العقوبات المقدرة والمنصوصة من الشرع (كحد السكر والقذف والسرقة ) نقف مع الحد الشرعي البات ولا مجال أمامنا إلا الوقوف عند شرع الله . والقسم الثاني: التعازير هو التأديب على ذنوب لم تشرع فيها الحدود. والعقوبة فيها دائرة واسعة متروكة لاجتهاد القاضي وفق حدود وشروط وأركان ومصالح يترك فيها لاجتهاد الحاكم دون تقييده باجتهاد محدد. فكافة النظم القانونية الوضعية الموجودة في العالم قد جرمت الاعتداء علي أي من هذه الأصول الخمسة، ولكنها فشلت في المحافظة عليها حتى أن مجتمعات هذه النظم منها من انهار تحت وطأة الجريمة ، فمعدلات الجريمة بلغت أرقام قياسية مرعبة تنذر بكارثة محققة في تلك المجتمعات، فهل بإمكانك في هذه الدول الغربية الخروج ليلاً بعد التاسعة أو الاستجابة لطارق باب منزلك. لقد فشلت هذه النظم عن الوصول لبر الأمان . وذلك لخلل المنظومة الأخلاقية والانهماك في الأنانية المادية والبعد عن شريعة الله التي هي فيها كل خير للإنسانية. ونجد الشريعة الإسلامية وسياستها الجنائية من حيث التجريم والعقوبة والموائمة بينهما فقد نجحت بصورة تثير الإعجاب في حماية هذه الكليات الخمس, يدعمها منظومة حضارية أخلاقية أسرية تعليمية مرتبطة بكل اتجاه إلى الإسلام (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين وبذلك أمرت وانأ أول المسلمين). يقول دكتور "روان وليامز" كبير أساقفة كانتربيري في بريطانيا : والذي أثارت تصريحاته لزوبعة إعلامية بشأن ضرورة الاعتراف الرسمي البريطاني بقانون الشريعة الإسلامية ويرى أنه أصبح أمرًا حتميًا لا مفر منه في المستقبل.بل وطالب الكثير من الغربيين باستنساخ تجربة محاكم الشريعة الإسلامية وتحركت كثير من البرلمانات ومجالس الشورى العالمية من أجل الترخيص لتحكيم الشريعة الإسلامية. فقد أعلن لورد فيليبس رئيس القضاء البريطاني أنه بالامكان تطبيق الشريعة الإسلامية في بريطانيا لتسوية الخلافات الزوجية والنزاعات المالية. وكانت الحكومة البريطانية قد وافقت مؤخراً على تشكيل خمس محاكم إسلامية لتطبيق أحكام الشريعة في قضايا الطلاق والنزاعات المالية والعنف الأسرى في "لندن"، و"برمنجهام"، و"برادفورد"، و"مانشستر"، و"وارويكشير"، ومن المقرر تشكيل محكمتين أخريين في "جلاسجو"، و"أدنبرج". لتنظم إلى ما لا يقل عن 85 محكمة بريطانية تطبق أحكام الشريعة الإسلامية في المملكة المتحدة. وأصبحت قراراتها ملزمة رسميًا في ظل القوانين المعمول بها . بل ويلجأ العديد من البريطانيين غير المسلمين إلى محاكم الشريعة الإسلامية للفصل في النزاعات الداخلية؛ وذلك لأنها أقل تعقيدًا من النظام القانوني الرسمي للبلاد. حيث أوضح تقرير نشرته جريدة التايمز البريطانية, أنّ نسبة عدد القضايا التي تنظرها محاكم الشريعة في بريطانيا من غير المسلمين تصل إلى أكثر من 5% من نسبة القضايا الكلية التي تقوم بالاستماع إليها، الأمر الذي دفع هذه المحاكم- بحسب الصحيفة- للتخطيط من أجل زيادة أعدادها ثلاث مرات في عشر مدن جديدة. وكذلك الأمر يسير على هذا النحو بكندا. والآن نقاش حاد حول تأسيس محاكم الشريعة الإسلامية في هولندا، في صورة رائعة في امتداد سلطان الشريعة الإسلامية في الدول الغربية. أسوق هذه الأمور فقط لمن اهتزت لديهم صورة القضاء المنبني على أحكام الشريعة الإسلامية ولمن وقعوا ضحية الذوبان وضعف الاعتزاز بالهوية و نحن بحمدالله في بلادنا مقتنعون تمام القناعة بشريعتنا ونلمس أثار الحياة الهانئة مصداقاً لقوله تعالى ( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب).
الفصل الأول: ماهية الأحكام البديلة ودواعيها
ماهي الأحكام البديلة
الأحكام البديلة عرف كتواضع عرفي إعلامي فضفاض أكثر منه كمصطلح علمي جامع مانع شملت أنواعا كثيرة من التعازير البديلة للسجن وكثير من الإلزامات القضائية ذات الصفة الأدبية والمعنوية والتصالحات الرضائية بين المتخاصمين في الحقوق الخاصة في القضايا ذات الصفة الجنائية.
مصطلح "الأحكام البديلة" . حقيقة لا توجد دراسات علمية تبحث في مصدر هذه التسمية وهذا الإطلاق وإن كنت لا أحبذ التسمية به لكونها ترسم صورة نمطية وذهنية سلبية والتي تذهب بتصور المستمع لها إلى ان هناك عقوبة أصلية وعقوبة بدلية أو الى أنها من جنس الأحكام المبدلة لشرع الله , وأحبذ التسمية ( ببدائل السجون) لكونه السبب الحقيقي والمؤثر لإعتماد تنويع العقوبات لغرض التهذيب تقليصاً لسلبيات السجون . ويمكن أن نعرفها تعريفاً عاماً بما يلي : الأحكام البديلة للسجون هي مجموعة من الأحكام القضائية التي اهتم بها القضاة على تضمينها أحكامهم في غير "الحدودالشرعية" , توسعا في تقدير التعزيرات لتشمل عقوبات والزامات قضائية تربوية وشروطاً اصلاحية لإصلاح الفرد وزجره وتأديبه بدلاً عن حبسه ". كالتوسع في العقوبات المالية وتقرير العقوبات بالخدمة الاجتماعية والأعمال التطوعية أو الإلزامات الأدبية أو الأعمال الشاقة أو الإقامة الجبرية أو الحرمان من المزايا والخدمات والحقوق الشخصية وتقييد حركته وتعويق الانتفاع ومنعه من السفر حسب ماتسمح به الأنظمة التنفيذية للسياسات العقابية في الدولة. يقول الدكتور الطيب السنوسي أحمد : البدائل: جمع: بديل، على غير القياس الصرفي؛ والبديل في اللغة: ما يخلف الشيء ويقوم مقامه . وبدائل السجن مصطلح لم يتعرض له الفقهاء؛ ولذا لم يوجد له تعريف في كتبهم وقد عرفه من أعد مشروع بدائل السجن المقترح في وزارة العدل المملكة العربية السعودية بأنه: "مجموعة من التدابير التي تحل محل عقوبة السجن وتعمل على تطبيق سياسة منع الجريمة" أولى المحاولات العربية لتعريف ووصف هذه النمط من الممارسة الجزائية كان في قانون العقوبات القطري حيث جاء في مادة (63 مكرراً): "عقوبة التشغيل الاجتماعي هي إلزام المحكوم عليه بأن يؤدي لمدة محددة عملا من الأعمال المبينة في جدول الأعمال الاجتماعية المرفق بهذا القانون".
كيف تبلورت "بدائل السجون"
ظهر في الفقه الجنائي اتجاه توفيقي في شأن العقوبات السالبة للحرية ، وخاصة قصيرة المدة منها , والتي تتصل بحالات الإجرام متوسط الخطورة ، فلا يتجاوز إلى حد المناداة بإلغائها ، ولا يبقي أسيراً لها فيقبلها بحالها دون ما تعديل. فهو اتجاه يعمل على التقليل بقدر الإمكان من مساوئ هذه العقوبة والتخفيف من أثارها الضارة. لذا يدعو هذا الاتجاه إلى استعمال العديد من البدائل العقابية التي تحل محل العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة متى كانت ظروف الجريمة وشخصية المجرم توجب هذا. فإن رأت المحكمة أن هذا البديل لا يجدي في مواجهه حاله إجرامية معينه كان لها أن تقضي بالعقوبة السالبة للحرية رغم قصر مدتها. فهذه البدائل من قبيل نظم المعاملة العقابية التفريدية (في النظم التشريعية العقابية العالمية) المقررة تشريعياً لتكون بين يدي القاضي ، إن شاء أعملها إذا استدعت ظروف الجريمة ذلك ، وإن شاء قضى بالعقوبة السالبة للحرية أياً كانت مدتها.هذا الفقه الجنائي الجديد رآه القضاة والقانونيون المسلمون في العالم فرصة جديدة من جولات إعمال الفقه الإسلامي في المدونات التشريعية العقابية العالمية , حيث دعوا إلى الاستفادة من الإرث التشريعي الإسلامي وضوابط الشريعة في مفهومها التأديبي والردعي وفي الحقيقة فإن هذه البدائل متنوعة ، وسوف نعطي بعض التفصيلات عن تلك الأنظمة التي تعالج البدائل كمنظومة من الممارسة القضائية و التي تعاقبت عليها التشريعات كافة ، والغربية منها خاصة ، على الأخذ بها. في آخر البحث .
لماذا السياسات العقابية العالمية توجهت لبدائل السجون
لقد تحدثنا سابقاً لنشوء فكر توفيقي في السياسة العقابية نتيجة لما أظهرت الدراسات المسحية سلبيات كثيرة ومتعدية لأكثر العقوبات انتشاراً وذيوعاً وهي السجن مما ولد قناعة لدى الجهات القضائية والجهات التنفيذية بالتفكير الجاد والواسع لبدائل السجن , وخاصة قصيرة المدة منها , والتي تتصل بحالات الإجرام متوسط الخطورة ، فلا يتجاوز إلى حد المناداة بإلغائها ، ولا يبقي أسيراً لها فيقبلها بحالها دون ما تعديل. فهو اتجاه يعمل على التقليل بقدر الإمكان من مساوئ هذه العقوبة والتخفيف من أثارها الضارة. عقوبة متعدية فلقد ظهرت بجلاء الآثار السلبية والمشكلات التي تتعرض لها أسرة السجين نتيجة سجن عائلها ,وتتنوع الآثار السلبية من طلاق وخلع وانحراف للأبناء وفقر مما تؤدي لحدوث تفكك في تلك الأسر وتغير في وظائفها نحو الأسوأ . . نظرة المجتمع الوصمة المجتمعية تلاحق من يسجن بوصف خريج سجون فينفر منه بعض أفراد المجتمع وزملائه وزوجته وبعض أفراد عائلته وبذلك يدخل في حيز من القيود على نفسه لخوفه من وصمة السجن لاسيما في مجتمع محافظ لا يتوانى البعض في الشماتة به بطريقة غير مباشرة مما يؤثر عليه معنويا . حواجز تتلاشى حاجز الردع يبدأ بالتلاشي عند الوصول في العقوبة إلى درجة قسوة السجن مما يولد انتفاء هيبة السجن لدى الإنسان , ويتزايد الشعور بالاتكالية والرغبة بالبطالة وعدم العمل مما يولد لديه اللجوء للجريمة لتأمين بعض احتياجاته أو الرجوع لمجتمع السجن الذي ألف عليه. حيث أظهرت بعض الدراسات المسحية الغير رسمية أن نسبة العودة إلى السجون تقريبا (20% إلى 30%) من عدد السجناء المفرج عنهم مما قد يفقد القصد من عقوبة الحكم البسيط ويساعد في الإجرام المستقبلي لهذا الإنسان . خلطة وسرقة طباع يتعرض السجين أثناء فترة سجنه للاحتكاك بمجرمين عتاة لهم ضلع كبير في الإجرام وتجارب غزيرة في الأساليب الإجرامية ولا شك أن القصص التي تسرد من قبل بعض السجناء للآخرين ستؤثر في معلوماته بالأساليب السيئة في الإجرام لا قدر الله وقد تساعد بانحرافه في يوم ما . كلفة مالية باهظة التكاليف المالية التي تصرف على السجناء ذو الأحكام البسيطة مع غياب الفائدة من مدة السجن البسيطة وبالتالي يصبح حكم السجن قد أرهق الخزينة ولم تتحقق الفائدة الموجودة . قلق مستمر تشهد بعض السجون حاليا حالة من الاكتظاظ . ممايجعل الحياة في السجون مقلقة للراحة ويعيش معها السجين في عذاب مستمر. تغير معطيات وتغير سياسات وعندما أصبح إيقاع العقوبة تحيط به عدة اعتبارات ونشأ عنها عدة تعقيدات ومشاكل اجتماعية تتطلب حلها ومعالجتها , تتعلق بالمحكوم عليه ومن يعول , وبالمجتمع وتأثره بتعدي العقوبة , وبالدولة وما تنفق , جاءت الدعوة الصريحة لإيجاد مراجعات للعقوبات الشهيرة فيما يحقق الهدف من دفع جماح الخطيئة بأسهل الطرق وأسلم الأحكام وأيسرها. ومن هنا تحركت الجهات البحثية العلمية والمؤسسات القضائية , والمؤسسات العقابية والجهات التنفيذية لتفعيل أنواع من العقاب تخرج عن دائرة العقوبة بالسجن, فأُعدت الأنظمة واللوائح المبدئية والإسترشادية والدراسات لتقرير بدائل عقابية متنوعة تطرح أفقاً واسعاً لمفهوم العقاب, يمكن إنزاله في المجتمعات لدفع الجريمة وحصر آثارها السلبية . وقد ظهرت مناداة عامة بالدعوة للتوسع في إيقاع العقوبات البديلة عن السجن بشتى أنواعها وقد وجدت دراسات تقرر مدى الحاجة لهذه البدائل وتؤصل اطرها المرجعية وتدعو لها . احتاج هذا الفكر التوفيقي في السياسات العقابية في تطبيقه لتطوير هذه السياسات العقابية , إلى أبتكار مسارات عدة وفي إتجاهات مختلفة منها في تشريع الأنظمة المقننة لهذه الممارسة التوفيقية , وتدريب القضاة التدريب المتخصص وتزويدهم بالكفاءات في التخصصات الشرعية و النفسية والاجتماعية والسلوكية والطبية وكذلك في ترقية دور وآليات تنفيذ التطبيقات العقابية لتكون ملائمة لتطبيق هذا الفكر التطبيقي الجديد.
الفصل الثاني :مشروعية تطبيق البدائل في التشريع الاسلامي
مدخل
يتميز القضاء في الشريعة الإسلامية بصلاحه لكل زمان ومكان وفيه من عناصر البقاء والحيوية والديمومة وقابليتها للتجديد والإبداع . والتشريع الإسلامي وحدة حقوقية كاملة، تبدأ من تنظيم علاقة الكائن الإنساني بذاته، وأسرته، ومجتمعه أفراداً وكياناً، وعلاقة دولة الإسلام بالعالم الذي يحيط بها، ثم علاقة الإنسان والدولة باللّه تعالى، وحدة مترابطة الأجزاء، مكتملة الجوانب. هذه المنظومة لا تعطي نتاجها ولا تظهر فوائدها ولا تميزها إلا بالتطبيق الحي الصادق الشامل لمفردات تلك المنظومة كاملة، ولذلك فان الجانب النظري في منهجيه الفقه الإسلامي لا تعرف الفصل بين النظام المدني عن نظام الأسرة، عن الجنائي، عن الدستوري، عن الدولي، إنما هي وحدة واحدة في الأسس والمنطلقات والحقائق الأساسية التي يقوم عليها مجمل التشريع. إن اللّه تعالى قد أرشد الإنسان المسلم إلى طرق استمداد الحكم الشرعي،وكونه مظلة للجميع يقف الناس أجمع تحت سلطانها بسواسية تامة لا حصانة لأحد في الخروج عن إطارها ومظلة مشروعيتها , ويجب ترسيخ مبادئ النزاهة والعدالة وحماية الحقوق ونثق ثقة كبيرة بما لدينا من إرث ونفتخر به افتخاراً أمام الآخرين . هذه الثقاقة وهذه الممارسة يجب أن تبدأ في الترسخ لدى أبنائنا من مولدهم إلى مماتهم ليسلموا الراية لمن بعدهم . هذه عقيدتنا وهي مبعث افتخارنا . وقد أبدع فقهاؤنا، فأنتجوا ثروة فقهيه واسعة، نزلت إلى عالم التطبيق الفعلي قروناً عديدة، شكلت جزءاً مشرقاً من تاريخ المسلمين، وسوابق في معالجه الوقائع التي لم يرد فيها نص شرعي، وتعد تلك الثروة خزينة تشريعية هائلة في معالجه قضايا العصر ومشكلاته . هذه الشمولية تمنحنا أرضية ضخمة في إعمال كثير من الإجراءات الحديثة في البيئة العدلية.
خريطة بدائل السجون
عندما نتحدث عن علاقة الأحكام البديلة أو البدائل بالتشريع الإسلامي المتعلق بالعقوبات فهو ينقسم إلى نوعين :
1- عقوبات محددة كالحدود . وهذه لا تدخل في حديثنا للتحديد التعبدي فيها فلا يجوز الاستعاضة عن هذه الحدود المقدرة ببدائل تصادم النص لأنها تدخل في تغيير حكم الله البات والقاطع. بل لها تفاصيلها في التخفيف والتشديد للعقوبة ذات الصفة الخاصة من درء الحدود بالشبهات والتسامح فيما هو من حقوق الله الخالصة وتداخل العقوبات قبل الوصول لولي الأمر والتنفيذ وفق تفاصيل فيها من الرحمة والخير للبشرية.حيث أن من مقاصد الشريعة في جملتها أنها ليست متشوفة إلى إقامة الأحكام بالجملة . يأتي رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: قد أصبت حداً فيعرض عنه ، والمرأة تأتي وتقول: أصبت حداً فطهرني ، فيعرض عنه ، قصص ماعز والغامدية معروفة .. فالشريعة ليست متشوفة ومتشوقة إلى أن تقيم الحدود والأحكام ، لكن إذا ثبت الحكم وتقرر فنعم.
2- النوع الثاني من العقوبات عقوبات غير محددة : وتسمى التعازير : وهذه بابها واسع جداً , وهي أولى مواطن تطبيق الأحكام البديلة أو البدائل فكما قلنا فالتعزير : «وهو التأديب» بكل ما يحصل به الأدب، والأدب هو تقويم الأخلاق، أو فعل ما يحصل به التقويم . والتعزير ليس بواجب على الإطلاق، ولا يُتْرك على الإطلاق، وأن ذلك يرجع إلى اجتهاد الحاكم ولكن لا بد أن يكون منسجماً مع الإطار المرجعي الغني والثري بالفهم المقاصدي للعقوبات في الفقه الإسلامي والذي له ملامحه وإطاراته الفقهية العامة .
يقول ابن عثيمين رحمنا الله وإياه ورحم والدينا وجميع المسلمين : وعندما يقول بعض أهل العلم: إنه ليس بواجب على الإطلاق، ولا يُتْرك على الإطلاق، وأن ذلك يرجع إلى اجتهاد الحاكم، بشرط أن يكون أميناً؛ وعللوا ذلك بأمور كثيرة وقعت في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم وترك التأديب عليها، وبأن المقصود التأديب، وكثير من الناس إذا مننت عليه وأطلقته يكون هذا الإطلاق عنده أكبر من التأديب، ويرى لهذا الإطلاق محلاً، ويمتنع عن المعصية أشد مما لو تضربه، ولهذا سبق في الأسرى في الجهاد أنه يجوز للإمام أن يمن عليهم (( فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً)) [محمد: 4] حسبما تقتضيه المصلحة، فهذا الرجل إذا أتينا به وقلنا: يا أخي، هذا ما ينبغي من مثلك، وأنت ممن يشق علينا أن نؤدبه أمام الناس، ولكن نظراً لمقامك فإننا نريد أن ننصحك أن لا تعود لمثل هذا، فهذا قد يكون في نفسه أنفع مما لو ضربناه أسواطاً في السوق، وهذا هو الصحيح أنه ليس بواجب على الإطلاق، وأن للإمام أو لمن له التأديب أن يسقطه إذا رأى غيره أنفع منه وأحسن.
يقول ابن فرحون المالكي في تبصرة الحكام : والتعزير لا يختص بالسوط واليد والحبس , وإنما ذلك موكول إلى اجتهاد الإمام . قال أبو بكر الطرطوشي في أخبار الخلفاء المتقدمين : أنهم كانوا يعاملون الرجل على قدره وقدر جنايته منهم من يضرب , ومنهم من يحبس , ومنهم من يقام واقفا على قدميه في المحافل , ومنهم من تنزع عمامته , قال القرافي : إن التعزير يختلف باختلاف الأعصار والأمصار , فرب تعزير في بلد يكون إكراما في بلد آخر , كقطع الطيلسان ليس تعزيرا في الشام فإنه إكرام , وكشف الرأس عند الأندلس ليس هوانا , وبمصر والعراق هوانا . قال ابن عابدين : (التعزير يختلف باختلاف الأشخاص ، فلا معنى لتقديره مع حصول المقصود بدونه، فيكون مفوضاً لرأي القاضي ) والتعزير عند الفقهاء عقوبة مفوضة إلى اجتهاد القاضي وتقدير ه ، فهو يختار في كل حاله تعرض عليه العقوبة أو العقوبات التي يراها كافيه لزجر الجاني ، وحامله له على الصلاح والتهذيب ولا يزيد عليها . وهو في كل حالة يراعى ظروف الجاني ، وحجم الجريمة وحال المجني عليه وزمان الجريمة ومكانها . وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن التفويض إلى الحاكم أو القاضي يكون من حيث النوع بمعنى أن يكون مفوضاً في اختيار نوع العقوبة التي يراها مناسبة. قال ابن القيم ـــ رحمه الله ـــ تعليقاً على إجتهاد عمر ــ رضى الله عنه ــ في تحريق قصر سعد لما احتجب عن الرعية 0: ( وهذا الجنس من العقوبات ــ أي المالية ـــ نوعان نوع منضبط ، ونوع غير منضبط ، فالمضبوط : ما قابل المتلف إما لحق الله تعالى كاتلاف الصيد في الإحرام ، أو لحق آدمي كاتلاف ماله، وقد نبه الله ـــ سبحانه وتعالى ـــ على أن تضمين الصيد متضمن للعقوبة بقوله : ( ليذوق وبال أمره ) ،ومنه مقابلة الجاني بنقيض قصده من الحرمان كعقوبة القاتل لمورثه بحرمان ميراثه وعقوبة المدبر إذا قتل سيده ، ببطلان تدبيره ، وعقوبة الموصى له ببطلان وصيته ، ومن هذا الباب عقوبة الزوجة الناشز لسقوط نفقتها وكسوتها . وأما النوع الثاني غير المقدر فهو : الذي يدخله اجتهاد الأئمة بحسب المصالح ، ولذلك لم تأت فيه الشريعة بأمر عام،وقدر يزاد فيه ولا ينقص كالحدود): إعلام الموقعين: 2/9 0 يقول إبن ابراهيم في فتاواه : أن الحدود قد عرفها العلماء ، قال الله تعالى : { تلك حدود الله فلا تعتدوها } (1) فما حدث وقدره الشرع فلا يجوز أن يتعدى . فالحدود بمعنى العقوبات المقدرة ، فالحد عقوبة مقدرة تمنع من الوقوع في مثل الذنب الذي شرع له . وتجب إقامة الحدود على كل مكلف ملتزم عالم بالتحريم . سميت عقوبات الجرائم (حدودا) لأن من شأنها أن تمنع ارتكاب الجرائم ، وتجب حقا لله تعالى ، لما في الجرائم المقررة فيها الحدود من الخطورة البالغة على المجتمع وكذلك (التعزير) يطلق على عقوبته اسم (الحد) إذا وجب لحق الله تعالى ، فيجب تنفيذ ما صدر من العقوبات في الحدود والتعزير . فالتعزير أصل كبير من الأصول الشرعية المحمدية الآتية بالمصالح والحكم والغايات المحمودة ، فيه صلاح الدين والدنيا ، لأن (التعزير) هو التأديب ، وهو واجب شرعا في كل معصية لأحد فيها ولا كفارة . فعلى الحاكم الشرعي أن يرى ما يقتضيه حال الشخص المجرم ، فإن العقوبات على قدر الإجرام ، فالقضاة يجتهدون فيما لا نص فيه، فإذا اجتهدوا وجب تنفيذ ما قرره القضاة ومناصرة الشريعة التي جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها ودفع المفاسد وتقليلها ، فإن من واجب ولاة الأمور وفقهم الله مناصرة الحق وأن لا تأخذهم في الله لومة لائم . وغير خاف أن في تأخير البت في تنفيذ الأحكام توهينا للحقث وتطويلا لسجن السجين بدون مبرر . أما تحديد لقاضي عقوبة المجرم ففيها موافقة لما يرغبه ولاة الأمور . ويجب أيضا حسن الظن بالقضاة فإنهم لا يبنون أحكامهم على مجرد دعوى ولا على وشاية واشي ، ولم يصدر مثل ذلك من أحد منهم ، ولا صحة لذلك أصلا بحمد الله . هذا ما تقرره . وبالله التوفيق . رئيس القضاة (ص-ق-1608- في 27-11-1383هـ) الفتاوى (12/2)
وهناك الكثير من الامثلة والادلة على تنوع التعازير فرسول الله صلى الله عليه وسلم عزر بالهجر , وذلك في حق الثلاثة الذين ذكرهم الله - تعالى - في القرآن العظيم , فهجروا خمسين يوما لا يكلمهم أحد , وقصتهم مشهورة في الصحاح . وعزر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنفي من المدينة . وكذلك الصحابة من بعده . ومنها : أمره عليه الصلاة والسلام بكسر دنان الخمر وشق ظروفها . ومنها { أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر بكسر القدور التي طبخ فيها لحم الحمر الأهلية ثم استأذنوه في غسلها فأذن لهم } . ومنها : أمر عمر رضي الله عنه بهجر صبيغ الذي كان يسأل عن الذاريات وغيرها ويأمر الناس بالتفقه في المشكلات من القرآن , فضربه ضربا وجيعا ونفاه إلى البصرة أو الكوفة , وأمر بهجره فكان لا يكلمه أحد حتى تاب وكتب عامل البلد إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخبره بتوبته فأذن للناس في كلامه . ومنها : تحريق عمر المكان الذي يباع فيه الخمر . ومنها تحريق عمر قصر سعد بن أبي وقاص لما احتجب فيه عن الرعية وصار يحكم في داره . ومنها : مصادرة عمر عماله بأخذ شطر أموالهم فقسمها بينهم وبين المسلمين . فكما ذكرنا فإن العقوبات التعزيرية بجميع أنواعها يرجع أمر تعيينها وتقديرها وتقريرها إلى اجتهاد القاضي المستند إلى النظر المصلحي الذي يناسب الواقعة والفاعل والمجتمع والزمان والمكان.
مواطن إعمال الأحكام البديلة وتطبيقها
1- الأحكام البديلة ودخولها في الإلزامات القضائية المعنوية والأدبية وأحكام التصالح في القصاص والجروح والجنايات والشجاج.
2- الأحكام البديلة بإعمال الضوابط في فقه الحدود في تحديد الأصلية والبدلية ودرء الحدود بالشبهات والتعازير من حيث تقدير العقوبة التعزيرية وضوابط تداخل العقوبات.
3- الأحكام البديلة ودخولها في الإنتقال التقديري للقاضي إلى معالجة أسباب الخصومات والجرائم بإلزامات شبيهة بالإلزامات الحسبية في الإسلام.
4- الأحكام البديلة ودخولها في السلطات التقديرية للقضاة في حد العقوبة الأعلى والأدنى والنزول عن الحد الأدنى لدواع معتبرة.
5- الأحكام البديلة في الإلزام القضائي في رعاية مصلحة غدلية معتبرة بمسببات الجناية .
6- الأحكام البديلة عندما يصدر فيها أنظمة تخول الجهات التنفيذية بالعفو واستبدال العقوبة الصادرة بحكم قضائي دون الرجوع للقضاء.
1- الأحكام البديلة ودخولها في الإلزامات القضائية المعنوية والأدبية وأحكام التصالح في القصاص والجروح والجنايات والشجاج.
ومن الأمثلة عليه الصلح الأدبي والمعنوي المشروط المسقط لل..... . ونسوق هذه الواقعة , في جراحات عوقب فيها بدفع الدية وعقوبة تعزيرية ولو أبدلنا الجلد ( كعقوبة معتادة) ببدائل تعزيرية يحصل بها مقصود الردع :
وإذا كان لا يطيق الجلد كله تعزيرا نقص منه
من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة نائبنا في المنطقة الغربية سلمه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد فبالإشارة إلى خطابكم رقم 12317 في 22/8/1380هـ المبني على البرقية الواردة لكم من سمو وزير الداخلية المتضمن أن محكمة تبوك نظرت في قضية سليمان بن .. المتهم بالاعتداء على عبد ربه بن .... وأصدرت حكمها بسجن المعتدي سنة كاملة وجلده في كل شهر تسعة وثلاثين جلدة تعزيرا له لقاء الحق العام وإلزامه يثلث الدية للجائفة وعشر عشر الدية في الضلع لقاء الحق الخاص . وأن إمارة تلك المنطقة عرضت بصدور تقرير طبي لقاء الحق الخاص ، وأن إمارة تلك المنطقة عرضت بصدور تقرير طبي لعدم تحمل الجاني الجلد المحكوم به عليه والمحكمة المذكورة ارتأت إزاء ذلك سجن المذكور عن كل جلدة عصا يوما واحدا ، ونظرا لأن عدد الجلدات المتبقية على المذكور هي إحدى عشرة مرة في كل مرة تسعة وثلاثين جلدة فقد رغب سموه موافاته بمرئياتنا نحو ذلك . وحيث الحال ما ذكر نفيدكم أنه متى ثبت صحة التقرير الطبي في حق المذكور فالذي نراه أنه يسلك في تعزيره الطريقة التي تكون كافية في تأديبه وتحصل بها الشهرة ولا يكون فيه تكليفه بما لا يطيق ، ولعل هذا يكون بنقص عدد الجلدات المقررة في حقه وذلك بأن يجلد في بقية السنة خمسة مرات في كل شهرين عشرين سوطا . أما إن كان جسده لا يتحمل الضرب بتاتا فيعدل ويزداد في سجنه خمسة أشهر . والسلام . رئيس القضاة (ص-ق-905 في 13-9-1380هـ) فتاوى ابن ابراهيم (12/11)
2- الأحكام البديلة في دخول التعازير من حيث تقدير العقوبة التعزيرية وضوابط تداخل العقوبات ودخولها في فقه الحدود في عند درء الحدود بالشبهات .
حيث يدخل التعزير في قضايا درء الحدود بالشبهات فإنه فرصة لإعمال بدائل السجون , لأنه عندما يدرأ الحد عن شخص لدواع الشبهة المحتملة في الأدلة والقرائن فهذا لا يعني عدم تعزيره ومن هنا دخلت فرصة إعمال البدائل وإعمال مصالح المجتمع والفرد والنظام العام تلك المصالح المعتبرة .
ونسوق من السوابق القضائية في المملكة العربية السعودية مايوضح هذا الاتجاه :
شبهة نقص العقل تدرؤ عنه الحد ، لكن يعزر بـ 99 جلدة
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي أمير منطقة الرياض وفقه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد فنعيد لسموكم المكاتبة الواردة منكم برقم 37161 في 19/6/1379 المختصة بقضية حسن بن ... مع المكاتبة الأساسية في الموضوع الواردة من سموكم برقم وتاريخ ونبدي لسموكم أنه بالنظر إلى ان حسن المذكور قد أكمل المدة المقررة في السجن ، ونظرا إلى ما أفادته الهيئة المشكلة من عبد الرحمن بن مبارك وصالح بن غنام في قرارها المرفق بالمعاملة من أنه قد أثبت ولكن ينبغي أن يعزر بجلده تسعا وتسعين جلدة بعصى خيزران متوسطة . وتكون إقامة هذا التعزير عليه تحت نظر رئيس هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فضيلة الشيخ عمر بن حسن أو من ينيبه فضيلته في ذلك . ثم بعد إقامة هذا الجلد عليه يطلق سراحه من السجن تحت كفالة والده ، ويؤخذ على والده التعهد في حفظه ومزيد صيانته عن الاتصال بالسفهاء وأهل الفساد . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . (ص/ف2580 في 25/9/1379) فتاوى ابن ابراهيم (12/33)
إذا قال يا حمار يا قواد على محارمه فيه حد القذف . لكنه عزر : من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي أمير منطقة الرياض حفظه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد فنشير إلى خطاب سموكم الموجه لنا برقم 2413/1 وتاريخ 22/2/1383 على الأوراق المرفقة والواردة إلينا أخيرا من قاضي محكمة شقراء برقم 122 وتاريخ 11/4/1383 ومن مطالعة الأوراق ظهر أنها دارت بين القاضي وهيئة التمييز بدون نتيجة منهية . وحيث الحال ما ذكر فإن الذي نراه أن يؤدب المدعى عليه عبد الله بن إبراهيم ... بثلاثين جلدة ، ويحضر عند إجراء هذا التعزير مندوب من قاضي شقراء لملاحظة عدم الزيادة في كيفية الضرب . وهذا التعزير عن الكلمتين اللتين قالهما اللمدعي عليه وهما قوله له : يا حمار ، يا قواد على محارمه . ويوبخ عما زاد عن هاتين الكلمتين توبيخا بليغا ، ويؤخذ عليه التعهد اللازم بعدم العودة لمثل هذا الكلام الردئ. أما المدعي عبد الكريم بن .... فيسجن ثلاثة أيام ، ويوبخ على الكلمتين اللتين قالهما لخصمه ، ويؤخذ عليه التعهد بعدم العودة . والله يحفظكم . والسلام عليكم . رئيس القضاة (ص/ق 778/1 في 18/5/1383) فتاوى ابن ابراهيم (12/57)
وجد معهم خمر وغلمان فعزورا من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي وزير الداخلية حفظه الله تعالى آمين السلام عليكم وحمة الله وبركاته وبعد (12/65)فنشير إلى خطاب سموكم الموجه لنا برقم 6515 وتاريخ 8/6/1383 على الأوراق المرفقة الخاصة بأحد عشر الشخص الذين ألقي القبض عليهم في الأحساء ولديهم آلة طرب وزجاجتا خمر ومن بينهم ثلاثة غلمان حديثوا السن ، وذلك في ليلة3/4/1383 ونشعر سموكم أنه قد جرى الإطلاع على ما قرره قاضي المستعجلة في الأحساء من التعزير للمذكورين ، وذلك بجلد كل واحد منهم سبعة أسواط زيادة على ما مر من سجنهم ، ويزاد في ضرب كل من مبروك ابن عبدالله ..... وخالد بن عبدالله..... سبعة أسواط أخرى . وبتامل الموضوع ودراسة الأوراق ظهر أن ما قرره من التعزير فيه قصور ظاهر وعليه فإنه يلزم الزيادة في تعزيرهم وذلك بأن يجلد عبد الله بن عبد الرحمن ... الذي ذكر رئيس هيئات الأحساء أن قارورتي الخمر وجدتا في سيارته ثلاثين جلدة ، وكذلك المطرب مبروك .... يجلد ثلاثين جلدة ، والبقية يزاد في تعزيرهم بحيث يضرب كل واحد منهم عشرة أسواط ، ويكون ذلك علنا بالسوق ردعا لهم ولأمثالهم، لأن قضيتهم قد اشتهرت ، وأنواع هذه الاجتماعات على المسكر والملاهي قد كثرت ، ويكون تعزيرهم جميعا بالبلاد التي وقع فيها الحادث وهي الأحساء . والله يتولاكم . والسلام .
حد سكر وتعزير 3711- سكروا ، وحاولوا فعل الفاحشة ، ثم قتلوه من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الجلالة رئيس مجلس الوزراء حفظه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد فقد جرى الإطلاع على أوراق المعاملة المشفوعة الواردة إلينا من مقام رئاسة مجلس الوزراء برقم 21136 وتاريخ 20/10/1380 المتعلقة بالحادث العظيم الذي أجراه الفسقة عبد الله بن صالح ... وأحمد عيسى... وصالح بن علي.... وخليل بن أحمد.... وعبد الله ويوسف .... وباتل بن ... من اجتماعهم على شرب المسكر ، ومحاولتهم فعل الفاحشة في باتل المذكور ، وتماسكهم معه مما أدى إلى وفاته ، ثم تحريقهم إياه بالنار ، نسأل الله العافية . كما جرى الإطلاع على ما أجراه رئيس محكمة الأحساء من تقرير الدية عليهم أسداسا ، وكفارة القتل على كل منهم عتق رقبة مؤمنة ،فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، كما أشار إلى تعزيرهم التعزير البليغ المعلن به الزاجر لهم ولأمثالهم عن ارتكاب مثل هذه الجريمة مولاكو إلى نظر ولي الأمر . وبتأمل ما قرره نلفت النظر إلى أن هذا الصنيع الفظيع قد تكرر وقوعه من مثل هؤلاء الفساق ، وإن لم يؤخذ على أيديهم وينكل بهم ، ويعمل معهم ما تقتضيه السياسة الشرعية مما تنحسم به مواد الفساد فيخشى من انتشاره أكثر ، لأن الخمر أم الخبائث، فإذا سكروا واستولت عليهم الشياطين انتهكوا المحرمات من زنا ولواط أو قتل أو حرق بالنار . ومثل هؤلاء يسوغ لولي الأمر أن يعزرهم التعزير البليغ حسبما تقتضيه المصلحة العامة ، وإن رأى هذا الشر لا ينكف إلا بقتلهم فله ذلك لئلا يتفاقم الأمر وأما يوسف بن ..... الذي ذكر في التقريرات أن عمره ستة عشر سنة فلا يبلغ بتعزيره القتل إذا رأى الإمام قتل رفقائه . والله يحفظكم . رئيس القضاة (ص/ق591 في 24/6/1381) فتاوى ابن ابراهيم (12/60)
ومن الأمثلة على دخول العقوبة التعزيرية في وقائع الحدود تدخل البدائل ؟ أنظر لهذه الواقعة؟ قتل وحصل فيه التعزيرالمالي بشمول القبيلة بأكملها بدفع الدية , ألا يسوغ مثلاً هنا حكم بإلزام قضائي مثلاً بإبعاد القبيلتين عن بعض حتى لا تحصل أعمال ثأرية من باب التعزير لهما ؟
قتل من أفراد القبيلتين، وحصل تكتم منهما على القتلة، فحكم القاضي على كل قبيلة بدية من قتل من الأخرى
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة جلالة الملك ورئيس مجلس الوزراء. حفظه الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد: فنبعث لكم برفقه الأوراق الواردة إلينا من فضيلة رئيس المحكمة الكبرى بأبها برقم 1484/1 في 2/3/1385 ولاحقتها رقم 2263 وتاريخ 5/4/1385 بصدد سجناء بني زيد وآل ويمن ....... ونشعركم حفظكم الله بأنه بدراسة الأوراق ظهر أنه قد حصل حادث هوشة بين أفراد قبيلتي بني زيد وآل يمن التابعين لإمارة أبها، وحصل التكتم من كلا القبليتين لإخفاء الأفراد الذين حصل منهم الحادث، وقد قتل من آل يمن واحد يدعى يحيى بن سعيد ولم يدع أحد من ورثته على أحد من بين زيد حتى الآن، وقتل من بني زيد اثنان، وادعى ورثتهما على ستة من آل يمن، ولم تثبت دعواهما، وقد رأى فضيلة رئيس محكمة أبها إلزام كل قبيلة بدية من قتل من القبيلة الأخرى من باب التعزير، فأكدنا عليه بالحكم فاعتذر لعدم توفر شروط القسامة من تصميم كل من القبلتين على إخفاء الحادث؟ وحيث الحال ما ذكر وأن القاضي رأى ذلك من باب التعزير بما يدرأ المفاسد، فإنه ينبغي تنفيذه بواسطة رؤساء القبيلتين، وهذا هو الذي تيسر، وينبغي أن يعمل به، والله يحفظكم، والسلام. (ص/ق 2134/1 في 12/5/1385) رئيس القضاة. فتاوى ابن ابراهيم (11/358)
3- الأحكام البديلة ودخولها في الإنتقال التقديري للقاضي إلى معالجة أسباب الخصومات والجرائم بإلزامات شبيهة بالإلزامات الحسبية في الإسلام.
4- الأحكام البديلة ودخولها في السلطات التقديرية للقضاة في حد العقوبة الأعلى والأدنى والنزول عن الحد الأدنى لدواع معتبرة.
وهذه داخلة في بعض الأنظمة السعودية التي تجعل للقاضي سلطة تقديرية بين حدي العقوبة الأدنى والأعلى , فهل يدخل في تفسير هذه الدواع المعتبرة للنزول عن الحد الأدنى من العقوبة الواردة في المادة 60 من نظام مكافحة المخدرات , فوهنا نتسائل فهل يدخل في ضمن الدواعي المعتبرة التأكد من أخلاق الجاني واستقامته بوسائل من قبيل الإلزامات القضائية , كإلزامه بالدخول بمصحة للعلاج والكشف عليه دوريا للتاكد من عدم رجوعه للإدمان . المادة المشار إليها دعمت هذا الإلزام القضائي للتأكد من استقامة الجاني لتخفيف الحكم وجعله بديلاً عن الحكم بالعقوبة المنصوصة.
5- الأحكام البديلة في الإلزام القضائي لرعاية مصلحة عدلية معتبرة لها علاقة كسبب أو كمانع
مثالهاالحالات المتفردة التي تقتضي معالجة خاصة نظراً لحالة شاذة لايقاس عليها و تتعلق بأمور بيولوجية وعضوية ونفسية في كيان المحكوم عليه , والتي تعد إنحرافاً في السلوكيات العامة ويجرم مجترحها. يؤيد هذا الإتجاه التقارير العلمية لدراسة الحالة من خبراء العلوم الإجتماعية والسلوكية وأطباء النفسية والتي تفيد تقاريرهم بتفرد الحالة وتوصية علاجية يتدخل فيها القضاء , بوسائل لاينفع معها وسائل العقوبة المعتادة في الردع والتأديب , فتقتضي الحكم بإلزامات قضائية متفردة لمصلحة خاصة. مثالها "حالات إضطرابات الهوية الجنسية" " سلوكيات الشذوذ " .
6- الأحكام البديلة عندما يصدر فيها أنظمة تخول الجهات التنفيذية بالعفو واستبدال العقوبة الصادرة بحكم قضائي دون الرجوع للقضاء.
وهذا ملاحظ في دخول البدائل في أعمال لجان العفو في المناطق عندما تشترط إشتراطات أدبية أو مظاهر إستقامة أو حفظ أجزاء من القرآن أو حسن السيرة والسلوك لتخفيف العقوبة ,فهي من مواطن إعمال الأحكام البديلة ,وهي من صيغ وقف التنفيذ على شرط , وإسقاط العقوبة على شرط.
الأحكام القضائية بالإلزام في الخدمة العامة والأعمال التطوعية والأعمال التعبدية
الله تعالى قد أمر بالتطوع، وحثّ عليه في عدة مواضع حيث يقول: { وّتّعّاوّنٍوا عّلّى الًبٌرٌَ والتَّقًوّى ولا تّعّاوّنٍوا عّلّى الإثًمٌ والًعٍدًوّانٌ واتَّقٍوا اللَّهّ إنَّ اللَّهّ شّدٌيد الًعٌقّابٌ(2) } (المائدة) ليأمر بالتعاون على أعمال الخير وتجنب أعمال السوء، وهو ما يشير إلى مفهوم العمل التطوعي، وكذلك يقول سبحانه وتعالى: { فّمّن تّطّوَّعّ خّيًرْا فّهٍوّ خّيًرِ لَّهٍ } (البقرة: 184) وفي هذا المعنى دلالة على عظم أمر العمل التطوعي في الإسلام، كما حث الله على الإنفاق المادي - أحد صور التطوع - في غير ما موضع من القرآن الكريم حيث يقول جل وعلا: { إنَّمّا نٍطًعٌمٍكٍمً لٌوّجًهٌ پلَّهٌ لا نٍرٌيدٍ مٌنكٍمً جّزّاءْ ولا شٍكٍورْا (9) } (الإنسان) وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على أعمال التطوع والأعمال الخيرية في الكثير من المواضع، منها قوله صلى الله عليه وسلم في امتداح المتطوعين: «إن لله عباداً اختصهم لقضاء حوائج الناس، حببهم للخير، وحبَّب الخير إليهم، أولئك الناجون من عذاب يوم القيامة»، وفي ذلك دلالة على عِظم أجر التطوع الذي ينجي من عذاب النار في يوم المشهد الأعظم، وهنا نلاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحدد فئة معينة للاستفادة من الأعمال الخيرية؛ ولكنه ذكر كلمة «الناس» وفي ذلك دلالة على أن الإسلام يأمر بتقديم المساعدة والعون للجميع وليس لفئة المؤمنين أو من ينتمي للدين الإسلامي فحسب؛ لأن الدين الإسلامي دين شامل عالمي. ويقول صلى الله عليه وسلم : (( لأن تغدو مع أخيك فتقضي له حاجته خير من أن تصلي في مسجدي هذا مائة ركعة)) .
رؤية مستنبطة لهذا الفقه التوفيقي
إن كل نص تجريمي يضعه مشرعي الأنظمة له خلفية فكرية مقاصدية وهذا ما أردت توضيحه بشأن تعميم فكرة البدائل , وهو علم دقيق إختصاصي له باحثوه والمهتمون به ومشرعيه ومختضيه والذين يكونون من تخصصات عدة دينية وإجتماعية ونفسية وامنية وقانونية من قضاة وجهات تنفيذية . أعمالهم جميعا تحتاج إلى خلفية مرجعية وإطار مرجعي يحصر إجتهادهم ويوجهها. وعند النظر في ممارسات السلوك الإجرامي نلاحظ أن الجاني عندما يقع في جنايته وجرائمه فإنه يحاول الضرر بالسلم الإجتماعي والأمن العام والتي تحاول الدولة ومؤسساتها والمجتمع مؤسساته الأهلية ترسيخه , فاقتضت تجربة البدائل في أن تتم معالجة سالب هذه الأمان الإجتماعي (الجاني) بجعله شريك آخر يساهم مع الدولة والمجتمع في المواجهة والتصدي لتلك المشكلات ، فجاءت فكرة أن يفتح باب التطوع بصفة إلزامية (على الجاني) ليساهم في توفير فرص خدمة اجتماعية تقدم بشكل طوعي ملزم ومن خلال جمعيات ومنظمات متخصصة تستقطب تلك الفئات وتقوم بتدريبها وتأهيلها وتهيئتها للإنخراط في الخدمات العامة .
ترجع أهمية هذه الصيغة الإلزامية بالتطوع ليس لكونه عملاً يسد ثغرة في نشاط الدولة والهيئات الاجتماعية فقط بل أهميته الكبرى تكون في تنمية الإحساس لدى (الجاني) المتطوع ومن تقدم إليه الخدمة ( المواطن ) بالانتماء والولاء للمجتمع ، وتقوية الترابط الاجتماعي بين فئات المجتمع المختلفة والذي اهتز (بجناية الجاني) , فكانت نظرية رائعة في تغذية راجعة إيجابية تعوض النقص السلبي الذي يقوم به الجاني تجاه مجتمع , إضافة إلى إن التطوع يكون لوناً من ألوان المشاركة الإيجابية ليس في تقديم الخدمة فقط ولكن في توجيه ورسم السياسة التي تقوم عليها تلك المؤسسات الاجتماعية ومتابعة تنفيذ برامجها وتقويمها بما يعود على المجتمع ككل بالنفع العام ممايشعر الجاني بأهمية كيانه وفيه يجد ذاته في قمة الشعور والاعتداد بالذات الإيجابة .
وإشعار الراغب في الجناية في ذاته هو سر في تعديل سلوك الجاني وهو مايظهر في تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الشاب الذي إستئذن بالزنى: فعن أبي أمامة قال: (إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه و قالوا: مه مه ! فقال: أدنه، فدنا منه، قريبًا قال: فجلس، قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: و لا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال: و لا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: و لا الناس يحبونه لأخواتهم ،قال:أفتحبه لعمتك، قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: و لا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك ؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال: فوضع يده عليه و قال: اللهم اغفر ذنبه و طهر قلبه و حصن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء) [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة، (370)].
فانظر كيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع هذا الشاب، لم يغضب النبي صلى الله عليه وسلم، فعلى الرغم من قباحة فكرة الشاب، والتي أثارت الجالسين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاولوا زجر الشاب وإسكاته، إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم طلب من الشاب أن يقترب منه (إشعار بالذات) في المجلس ، وهنا نفهم دلالة المسافة بين الأشخاص، فقرب المسافة يُمكِّن من توفير جو مناسب للحوار، أما المسافة البعيدة فهي لا تصلح إلا لإملاء الأوامر وإصدار التعليمات، وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم الحوار الهادئ وهي ممارسة رائعة لإشعار الشاب بكيانه فهذا قائد الأمة يحاوره ، والملفت للنظر أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يُذكِّر الشاب بآيات وأحاديث في تحريم الزنا، فالشاب لا يجهل حرمته، ويريد من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبيح له حرية الزنا، وإنما استخدم الرسول صلى الله عليه وسلم مع الشاب ما يمكن أن نطلق عليه "المنطق الاجتماعي" " ودوره في الأمن الإجتماعي" القائم على أساس عدم تقبل أي إنسان أن يفرط في عرض أمه أو أخته أو عمته) .
مبحث خاص: أدلة مشروعيةالإلزام بالتطوعات والقُرَب والخدمة كبديل عن عقوبة الحبس
1- من الأدلــة التي يُستند إليها في القول بمشروعية التعزير بالإلزام بالأعمال التطوعية ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع بعض أسارى غزوة بدر الكبرى من المشركين حيث طلب منهم تعليم أبناء المسلمين الكتابة بدلاً من دفع الفداء المالي، فقد جاء في مسند الإمام أحمد عن ابن عباس وحسنه شعيب الأرناؤوط ولفظه: كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة.فهذا الحديث وإن كان ليس بصريح في الدلالة على المسألة التي نحن بصددها إلا أنه يفيد بأن استبدال العقوبة المالية (وهي مبلغ الفداء هنا) بعمل يخدم فئة من المجتمع (وهو تعليم الكتابة للصغار هنا) له أصل في الشريعة الإسلامية من فعل النبي فلا مانع بناءً عليه في التعزير بذلك وأمثاله إذا كان فيه مصلحة.
2- الأحكام البديلة تدخل في تلك الإلزامات القضائية الشبيهة بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه "إما أن تزيد في السعر وإما أن ترفع من سوقنا"، لمن قد أرخص في السعر،ليشق على التجار ويوقع بهم الضرر، ويلحق بهم المشقة والعنت؟!
3- القياس على الكفارات فقد جعل الشارع منها زواجر بأعمال تعبدية محضة كـ الصوم .فالمقصود بالكفارة في الشرع فهي ما يقوم به المذنب من عتق أو صيام أو إطعام، (واستعملت الكفارة كعقوبة أصلية في القتل الخطأ وتأخذ صورة عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين وبالتالي يكون الصوم عقوبة بدلية إذا امتنع تنفيذ العقوبة الأصلية والكفارة في جميع صورها عقوبة ذات طابع مالي وقد تكون مصاحبة لعقوبة مقدرة كالدية في القتل الخطأ وقد تكون مصاحبة لعقوبة غير مقدرة وهي التعزير.
4- القياس على الجزاء لمن ترك أفعال الإسلام الظاهرة كان يترك قوم الصلاة في الجماعة أو إقامة الأذان أو الامتناع عن الزكاة , فمن يمتنع عن أداء الزكاة بخلاً سلزم بأدائها وغرامة شطر مالة )) إنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا)) .. هي عبادة ويشترط لها النية .. ومع ذلك لقد ألزمناه قضاءاً ونيته بينه وبين ربه. يقول إبن عثيمين رحمه الله تعالى قوله: «يُقَاتَلُ أَهْلُ بَلَدٍ تَرَكُوْهُمَا» ، والذي يِقاتِلهم الإمام إلى أنْ يُؤذِّنُوا، وهذا من باب التعزير لإقامة هذا الفرض، وليس من باب استباحة دمائهم، ولهذا لا يُتْبَع مُدْبِرُهم، ولا يُجْهَزُ على جَريحِهم، ولا يُغْنَمُ لهم مالٌ، ولا تُسْبَى لهم ذُرِّيَّة؛ لأنَّهم مسلمون، وإنما قُوتلوا تعزيراً، ودليل ذلك: أنَّ الأذان والإقامة هما علامة بلاد الإسلام، فقد كان النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم إذا غزا قوماً أمسك حتى يأتيَ الوقتُ، فإن سمعَ أذاناً كَفَّ، وإلا قاتلهم[(78)]. فهما من شعائر الإسلام الظَّاهرة. وقوله: «تركُوهُمَا»، يحتمل تركوهما جميعاً، أو تركوا واحداً منهما. فإن تركوهما أو تركوا الأذان فقتالهم ظاهر؛ لأن الأذان من العلامات الظَّاهرة، وإن تركوا الإقامة يحتمل أن يقاتلوا؛ لأنَّها علامة ظاهرة
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma