المقصود بتكوين علم المناهج هنا هو بيان كيفية تكوين المناهج العلمية، وما نصيب كل من العالم المتخصص في ميدان علمه والفيلسوف المنطقي في تكوين قواعد ومبادئ وقوانين المناهج العلمية، وبمعنى آخر هل يتم تكوين المناهج بواسطة رجال المنطق والفلاسفة مسبقا ويضعونه في صورة مبادئ وقواعد علمية يجب على الباحث والعالم المتخصص أن يلتزم بها مقدما ويسير على هديها خلال القيام ببحوثه العلمية أم هي من اختراع واكتشاف الباحث والعالم المتخصص في ميدان علمه.
أثار هذه المشكلة بصورة واضحة وحاسمة كلود برنار Claude Bernard في كتابه (المدخل لدراسة الطب التجريبي) حيث يقرر أنه يجب على العالم والباحث المتخصص ألا يتقيد بمنهج ومذهب فلسفي معين أثناء القيام بأبحاثه العلمية لأن المناهج لا يمكن أن تدرس نظريا كقواعد وقوانين نظرية ولكن هي تتكون داخل الميدان والمعمل. أما الدكتور عبد الرحمان بدوي فإن له رأي آخر مضمونه هو حتمية تكامل وتعاون وتساند كل من العالم المتخصص والفيلسوف المنطقي في تكوين المناهج وعلم المناهج، ويرى أن ما طرحه كلود برنار صحيحا حيث أن مناهج البحث العلمي في تطبيقاتها على مختلف فروع العلوم والمعرفة ولكن هذا الرأي ليس صحيحا بالقول بإنفراد العالم المتخصص بخلق وتكوين مناهج البحث العلمي دون مشاركة العالم المنطقي والفيلسوف المفكر.
وعليه فعملية تكوين مناهج البحث العلمي وعلم المناهج عملية يشترك فيها العالم المتخصص والفيلسوف المنطقي بصورة تكامل وتعاون وتساند بحيث يقوم العالم المتخصص في مرحلة أولى ببيان المنهج الذي اكتشفه واتبعه في بحوثه ودراسته العلمية المتخصصة في نطاق علم من العلوم ثم يقدم تقريرا أو أطروحة أو مقالا عن ذلك، ثم يأتي دور علم آخر أوسع علما وأفقا ذو عقلية تأملية شمولية وعامة ليقوم بعملية ملاحظة مراقبة وتنسيق بين التقارير والنتائج التي يتوصل إليها العلماء المتخصصون في مختلف فروع العلوم.
ومنه نصل إلى أن كافة المناهج العلمية صالحة لبحث في كافة العلوم، فليس هناك تخصص أو تخصيص للمناهج.
كما أنه يمكن استخدام كافة المناهج العلمية في بحث علمي واحد وفي نطاق علم معين واحد بشكل استخدام تكافل وتعاون وتساند كافة هذه المناهج في انجاز بحث علمي كامل وشامل ذو براهين يقينية ثابتة ومطلقة.
المطلب الثالث: تصنيفات المناهج العلمية.
هناك جملة من التصنيفات التقليدية والحديثة نتناولها في الفرعين التاليين:
الفرع الأول: التصنيفات التقليدية لمناهج البحث العلمي.
تم تصنيف مناهج البحث العلمي تقليديا إلى عدة تصنيفات نذكر من بينها ما يلي:
ـ المنهج التحليلي والمنهج التركيبي: المنهج التحليلي الإكتشافي أو منهج الاختراع وهو يستهدف الكشف عن الحقيقة، أما المنهج التركيبي أو ألتأليفي الذي يقوم بتركيب وتأليف الحقائق التي تم اكتشافها أو اختراعها بواسطة المنهج التحليلي وذلك بهدف تعليمها ونشرها للآخرين. ما يعاب على هذا التصنيف أنه ناقص لأنه يتحدث عن الأفكار فقط ولا يشمل القوانين والظواهر كما أنه لا يصلح لكافة فروع العلم والمعرفة.
ـ المنهج التلقائي والمنهج العقلي التأملي: المنهج التلقائي هو ذلك المنهج الذي يسير فيه العقل سيرا طبيعيا نحو المعرفة أو الحقيقة دون تحديد سابق لأساليب وأصول وقواعد منظمة، أما المنهج العقلي التأملي فهو ذلك المنهج الذي يسير فيه العقل والفكر في نطاق أصول وقواعد منظمة ومرتبة من أجل اكتشاف الحقيقة أو الحصول على المعرفة.
هذا التصنيف كذلك منتقد لأنه تحدث عن طرق ووسائل الحصول على المعرفة والشروط العقلية العلمية وليس على مناهج البحث العلمي كمناهج لها أصول وقواعد وقوانين.
الفرع الثاني: التصنيفات الحديثة لمناهج البحث العلمي.
يمكن إجمال التصنيفات الحديثة من خلال الرجوع إلى الفقهاء الذين نادوا بها ونتناولها على النحو التالي:
ـ تصنيف هويتني(Whitney):رتب الفقيه هويتني المناهج العلمية على النحو التالي:
1) المنهج الوصفي.
2) المنهج التاريخي.
3) المنهج التجريبي.
4) البحث الفلسفي.
5) البحث التنبؤي.
6) البحث الاجتماعي.
7) البحث الإبداعي.
ـ تصنيف ماركيزMarquis)): رتب ماركيز مناهج البحث العلمي على النحو التالي :
1) المنهج الأنثروبولوجي (الملاحظة الميدانية).
2) المنهج الفلسفي.
3) منهج دراسة الحالة.
4) المنهج التاريخي.
5) منهج المسح.
6) المنهج التجريبي.
ـ تصنيف جود و سكايتس Good et Scates : رتب هذان الفقيهان مناهج البحث العلمي إلى:
1) المنهج التاريخي.
2) المنهج الوصفي.
3) منهج المسح الوصفي.
4) المنهج التجريبي.
5) منهج دراسة الحالة والدراسات الإكلينية.
6) منهج دراسات النمو والتطور والوراثة.
كل هذه التصنيفات بالغ أصحابها في تحديد مناهج البحث العلمي حيث أقحموا بعض أنواع البحوث وطرق الحصول على المعرفة والثقافة وكذا بعض أجزاء المناهج الأصلية.
لكن هناك مناهج أصلية وأخرى فرعية متفق عليها من طرف العلماء وكتاب علم المناهج وهي على النحو التالي:
المناهج الأصلية : المنهج الاستدلالي ـ المنهج التاريخي ـ المنهج التجريبي ـ المنهج الجدلي أو الدياليكتيكي.
المناهج الفرعية: وتظم كل المناهج الأخرى التي لم يتم الاتفاق حول اعتبارها مناهج أصلية ومن بينها المنهج الوصفي والمنهج الإحصائي والمنهج التحليلي والمنهج المقارن وغيرها من مناهج البحث الأخرى.
المطلب الرابع: مدى إمكانية إخضاع العلوم الإنسانية للمنهج العلمي.
لم يقبل العلماء بسهولة في السابق فكرة تطبيق مناهج البحث العلمي على العلوم الإنسانية، حيث كانوا ينظرون إليها على أنها ليست علوما وذلك لما تحدثه العلوم الإنسانية من لبس في المفاهيم نظرا لخصائصها المتنوعة والمتمثلة في:
ـ الظواهر السلوكية معقدة ومتشابكة.
ـ الظواهر السلوكية ديناميكية وسريعة التغيير والتفاعل.
ـ فقدان التجانس بين الظواهر السلوكية.
ـ صعوبة استخدام الطرق المختبرية.
ـ التحيز والميول الشخصي للباحث.
أهم قاعدتين طرحهما علماء العلوم الإنسانية من أجل تذليل الصعوبات التي تعوق البحث العلمي في هذا المجال هما:
1) اعتبار الظواهر الاجتماعية أشياء عند دراستها فالشيء هو كل ما يصلح أن يكون مادة للمعرفة ومنه تصبح مثل الظواهر الطبيعية قابلة للإدراك من خارج ذاتية الباحث.
2) استبعاد كل العوامل النفسية التي تبعث في نفس الباحث الشعور بالقهر الاجتماعي هذا ما دعا إليه (إيميل دور كايم) من أجل عزل الظواهر الاجتماعية عن فكر ووعي الباحث وجعلها كأنها كيان قائم بذاته خارج مجال التأثير على الفرد.
المبحث الثاني:المناهج العلمية الأساسية والفرعية.
سنخصص المطلب الأول للمناهج الأساسية والمطلب الثاني للمناهج الفرعية.
المطلب الأول: المناهج العلمية الأساسية.
المتفق عليه بين علماء القانون وكتاب علم المناهج هو أن المناهج العلمية الأساسية هي: المنهج الاستدلالي ـ المنهج التاريخي ـ المنهج التجريبي ـ المنهج الجدلي أو الدياليكتيكي. هذا ما سنتناوله خلال الفروع التالية:
الفرع الأول: المنهج الاستدلالي وتطبيقاته في مجال العلوم القانونية والإدارية.
إذا كانت مناهج البحث العلمي هي الطرق والوسائل المؤدية إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم المختلفة بواسطة مجموعة من القواعد والقوانين العامة التي تحكم وتنظم سير العقل وتحدد عملياته حتى يصل إلى نتائج معلومة ومن بين المناهج الأساسية والأصلية المعروفة في ميادين البحوث العلمية بوجه عام وفي ميدان العلوم القانونية على وجه الخصوص المنهج الاستدلالي. فما هو المنهج الاستدلالي؟ وما مدى صلاحية وإمكانية تطبيقه كعملية منطقية عقلية وممارسة سلوكية في نطاق العلوم القانونية؟
هذا ما سنحاول الإجابة عنه من خلال العنصرين التاليين:
أولا: مفهوم المنهج الاستدلالي.
ثانيا: نطاق تطبيق المنهج الاستدلالي في مجال العلوم القانونية.
أولا: مفهوم المنهج الاستدلالي.
يعد المنهج الاستدلالي من بين مناهج البحث العلمي الأساسية والأصلية التي أسهمت من خلال قواعدها في إرساء أسس ومبادئ تسهل على الباحث سلوك أيسر السبل للوصول إلى الحقائق والأهداف المبتغاة، وعليه فمن خلال هذا العنصر سنحاول تعريف المنهج الاستدلالي وتحديد مبادئ الاستدلال وأدواته في الأجزاء التالية:
(1 تعريف المنهج الاستدلالي.
لمعرفة المنهج الاستدلالي يجب في البداية تحديد معنى الاستدلال ثم توضيح معنى النظام الاستدلالي.
أ) معنى الاستدلال.
يعرف الاستدلال بأنه (البرهان الذي يبدأ من قضايا مسلم بها ويسير إلى قضايا تنتج عنها بالضرورة، دون الالتجاء إلى التجربة، وهذا السير قد يكون بواسطة القول أو بواسطة الحساب). كما يعرف بأنه (عملية عقلية يبدأ بها العقل من قضايا يسلم بها، ويسير إلى قضايا أخرى تنتج عنها بالضرورة).
والاستدلال وإن كان ميدانه الأصلي علم الرياضيات، فإن تطبيقاته لا تقتصر على هذا العلم فحسب، بل تشمل سائر العلوم الأخرى، فالقاضي مثلا يعتمد على الاستدلال في البحث عن الحل القانوني للقضية، فهو يستدل اعتمادا على ما لديه من نصوص. وفي الميدان التجاري والاقتصادي يستدل المضارب وفقا للمعروض والمطلوب من الأوراق المالية.
لتحديد مفهوم الاستدلال يجب التفرقة بينه وبين البرهنة فالاستدلال هو الانتقال من قضايا إلى قضايا أخرى ناتجة عنها بالضرورة وفقا لقواعد منطقية، أما البرهنة فهي أخص من الاستدلال، إذ تدلنا على صدق النتائج لأنها تقوم على التسليم بصدق المقدمات،أما الاستدلال فهو يدلنا على صدق المقدمات انطلاقا من صحة النتائج المتوصل إليها، فالبرهنة إذا هي جزء من الاستدلال نستعملها في حالة الحاجة إلى إثبات صدق النتائج.
ب) معنى النظام الاستدلالي.
يقوم النظام الاستدلالي على المبادئ والنظريات، فالعملية الاستدلالية تبدأ من نظريات ومبادئ مستنتجة منها منطقيا وهذه الأخيرة تكون مقدمات لنظريات ومبادئ أخرى، وهكذا يتشكل نظام الاستدلال.
2( مبادئ الاستدلال.
مبادئ الاستدلال هي القضايا الأولية غير المستنتجة من غيرها، لذا تعتبر نقطة البداية في كل استدلال، ويقسم رجال المنطق مبادئ الاستدلال إلى ثلاثة مبادئ هي: البديهيات ـ المسلمات ـ التعريفات.
أ) البديهيات.
تعرف البديهية بأنها (قضية بينة بذاتها، وليس من الممكن أن يبرهن عليها وتعد صادقة بلا برهان عند كل من يفهم معناها) من خلال هذا التعريف يتبين أن البديهية تمتاز بالخصائص التالية:
1) أنها بينة نفسية أي تتبين للعقل تلقائيا دون الحاجة إلى برهان.
2) هي أولية منطقية أي أنها غير مستنبطة من غيرها.
3) هي قاعدة صورية عامة، لأنها تقبل من كافة العقول ولا تخص فرعا واحدا من العلوم.
ب) المسلمات ( المصادرات).
المسلمة هي (فكرة يصادر على صحتها ويسلم بها تسليما، مع عدم بيانها بوضوح للعقل، ولكننا نتقبلها نظريا لفائدتها ولأنها لا تؤدي إلى تناقض ومنه يتبين لنا أن المسلمات أقل يقينا من البديهيات.
ج) التعريفات.
التعريف تعبير عن ماهية الشيء المعرف بمصطلحات مضبوطة بحيث يصبح التعريف جامعا مانعا، يجمع كل صفات الشيء ويمنع دخول صفات أوخصائص خارجة عنه وهو قضية أولية تبنى من خلاله كل الاستدلالات التي توصل إلى نتائج غير متناقضة مع العلم والواقع، وهو على خلاف البديهيات والمسلمات لا يعتبر قضية عامة ومشتركة، فهو يخص الشيء وحده دون غيره.
3( أدوات الاستدلال.
تقتضي العملية الاستدلالية أدوات معينة يستخدمها الباحث لاستخراج النظريات والمبادئ من القضايا الأولية أو المقدمات، وهذه الأدوات هي:
أ) البرهان الرياضي.
هو عملية منطقية تنطلق من قضايا أولية صحيحة إلى قضايا أخرى ناتجة عنها بالضرورة وفقا لقواعد منطقية خالصة، ويصفه العلماء بأنه مبدع وخلاق لأن النتائج المتوصل إليها لم تشتمل عليها المقدمات لا ضمنيا ولا صراحة، فهو يأتي دوما بحقيقة جديدة.
ب) القياس.
هو عملية منطقية تنطلق من مقدمات مسلم بصحتها، ويصل إلى نتائج غير مضمون صحتها، فهو عبارة عن تحصيل حاصل، وتكون النتائج موجودة في المقدمات بطريقة ضمنية.
ج) التجريب العقلي.
أثار هذه المشكلة بصورة واضحة وحاسمة كلود برنار Claude Bernard في كتابه (المدخل لدراسة الطب التجريبي) حيث يقرر أنه يجب على العالم والباحث المتخصص ألا يتقيد بمنهج ومذهب فلسفي معين أثناء القيام بأبحاثه العلمية لأن المناهج لا يمكن أن تدرس نظريا كقواعد وقوانين نظرية ولكن هي تتكون داخل الميدان والمعمل. أما الدكتور عبد الرحمان بدوي فإن له رأي آخر مضمونه هو حتمية تكامل وتعاون وتساند كل من العالم المتخصص والفيلسوف المنطقي في تكوين المناهج وعلم المناهج، ويرى أن ما طرحه كلود برنار صحيحا حيث أن مناهج البحث العلمي في تطبيقاتها على مختلف فروع العلوم والمعرفة ولكن هذا الرأي ليس صحيحا بالقول بإنفراد العالم المتخصص بخلق وتكوين مناهج البحث العلمي دون مشاركة العالم المنطقي والفيلسوف المفكر.
وعليه فعملية تكوين مناهج البحث العلمي وعلم المناهج عملية يشترك فيها العالم المتخصص والفيلسوف المنطقي بصورة تكامل وتعاون وتساند بحيث يقوم العالم المتخصص في مرحلة أولى ببيان المنهج الذي اكتشفه واتبعه في بحوثه ودراسته العلمية المتخصصة في نطاق علم من العلوم ثم يقدم تقريرا أو أطروحة أو مقالا عن ذلك، ثم يأتي دور علم آخر أوسع علما وأفقا ذو عقلية تأملية شمولية وعامة ليقوم بعملية ملاحظة مراقبة وتنسيق بين التقارير والنتائج التي يتوصل إليها العلماء المتخصصون في مختلف فروع العلوم.
ومنه نصل إلى أن كافة المناهج العلمية صالحة لبحث في كافة العلوم، فليس هناك تخصص أو تخصيص للمناهج.
كما أنه يمكن استخدام كافة المناهج العلمية في بحث علمي واحد وفي نطاق علم معين واحد بشكل استخدام تكافل وتعاون وتساند كافة هذه المناهج في انجاز بحث علمي كامل وشامل ذو براهين يقينية ثابتة ومطلقة.
المطلب الثالث: تصنيفات المناهج العلمية.
هناك جملة من التصنيفات التقليدية والحديثة نتناولها في الفرعين التاليين:
الفرع الأول: التصنيفات التقليدية لمناهج البحث العلمي.
تم تصنيف مناهج البحث العلمي تقليديا إلى عدة تصنيفات نذكر من بينها ما يلي:
ـ المنهج التحليلي والمنهج التركيبي: المنهج التحليلي الإكتشافي أو منهج الاختراع وهو يستهدف الكشف عن الحقيقة، أما المنهج التركيبي أو ألتأليفي الذي يقوم بتركيب وتأليف الحقائق التي تم اكتشافها أو اختراعها بواسطة المنهج التحليلي وذلك بهدف تعليمها ونشرها للآخرين. ما يعاب على هذا التصنيف أنه ناقص لأنه يتحدث عن الأفكار فقط ولا يشمل القوانين والظواهر كما أنه لا يصلح لكافة فروع العلم والمعرفة.
ـ المنهج التلقائي والمنهج العقلي التأملي: المنهج التلقائي هو ذلك المنهج الذي يسير فيه العقل سيرا طبيعيا نحو المعرفة أو الحقيقة دون تحديد سابق لأساليب وأصول وقواعد منظمة، أما المنهج العقلي التأملي فهو ذلك المنهج الذي يسير فيه العقل والفكر في نطاق أصول وقواعد منظمة ومرتبة من أجل اكتشاف الحقيقة أو الحصول على المعرفة.
هذا التصنيف كذلك منتقد لأنه تحدث عن طرق ووسائل الحصول على المعرفة والشروط العقلية العلمية وليس على مناهج البحث العلمي كمناهج لها أصول وقواعد وقوانين.
الفرع الثاني: التصنيفات الحديثة لمناهج البحث العلمي.
يمكن إجمال التصنيفات الحديثة من خلال الرجوع إلى الفقهاء الذين نادوا بها ونتناولها على النحو التالي:
ـ تصنيف هويتني(Whitney):رتب الفقيه هويتني المناهج العلمية على النحو التالي:
1) المنهج الوصفي.
2) المنهج التاريخي.
3) المنهج التجريبي.
4) البحث الفلسفي.
5) البحث التنبؤي.
6) البحث الاجتماعي.
7) البحث الإبداعي.
ـ تصنيف ماركيزMarquis)): رتب ماركيز مناهج البحث العلمي على النحو التالي :
1) المنهج الأنثروبولوجي (الملاحظة الميدانية).
2) المنهج الفلسفي.
3) منهج دراسة الحالة.
4) المنهج التاريخي.
5) منهج المسح.
6) المنهج التجريبي.
ـ تصنيف جود و سكايتس Good et Scates : رتب هذان الفقيهان مناهج البحث العلمي إلى:
1) المنهج التاريخي.
2) المنهج الوصفي.
3) منهج المسح الوصفي.
4) المنهج التجريبي.
5) منهج دراسة الحالة والدراسات الإكلينية.
6) منهج دراسات النمو والتطور والوراثة.
كل هذه التصنيفات بالغ أصحابها في تحديد مناهج البحث العلمي حيث أقحموا بعض أنواع البحوث وطرق الحصول على المعرفة والثقافة وكذا بعض أجزاء المناهج الأصلية.
لكن هناك مناهج أصلية وأخرى فرعية متفق عليها من طرف العلماء وكتاب علم المناهج وهي على النحو التالي:
المناهج الأصلية : المنهج الاستدلالي ـ المنهج التاريخي ـ المنهج التجريبي ـ المنهج الجدلي أو الدياليكتيكي.
المناهج الفرعية: وتظم كل المناهج الأخرى التي لم يتم الاتفاق حول اعتبارها مناهج أصلية ومن بينها المنهج الوصفي والمنهج الإحصائي والمنهج التحليلي والمنهج المقارن وغيرها من مناهج البحث الأخرى.
المطلب الرابع: مدى إمكانية إخضاع العلوم الإنسانية للمنهج العلمي.
لم يقبل العلماء بسهولة في السابق فكرة تطبيق مناهج البحث العلمي على العلوم الإنسانية، حيث كانوا ينظرون إليها على أنها ليست علوما وذلك لما تحدثه العلوم الإنسانية من لبس في المفاهيم نظرا لخصائصها المتنوعة والمتمثلة في:
ـ الظواهر السلوكية معقدة ومتشابكة.
ـ الظواهر السلوكية ديناميكية وسريعة التغيير والتفاعل.
ـ فقدان التجانس بين الظواهر السلوكية.
ـ صعوبة استخدام الطرق المختبرية.
ـ التحيز والميول الشخصي للباحث.
أهم قاعدتين طرحهما علماء العلوم الإنسانية من أجل تذليل الصعوبات التي تعوق البحث العلمي في هذا المجال هما:
1) اعتبار الظواهر الاجتماعية أشياء عند دراستها فالشيء هو كل ما يصلح أن يكون مادة للمعرفة ومنه تصبح مثل الظواهر الطبيعية قابلة للإدراك من خارج ذاتية الباحث.
2) استبعاد كل العوامل النفسية التي تبعث في نفس الباحث الشعور بالقهر الاجتماعي هذا ما دعا إليه (إيميل دور كايم) من أجل عزل الظواهر الاجتماعية عن فكر ووعي الباحث وجعلها كأنها كيان قائم بذاته خارج مجال التأثير على الفرد.
المبحث الثاني:المناهج العلمية الأساسية والفرعية.
سنخصص المطلب الأول للمناهج الأساسية والمطلب الثاني للمناهج الفرعية.
المطلب الأول: المناهج العلمية الأساسية.
المتفق عليه بين علماء القانون وكتاب علم المناهج هو أن المناهج العلمية الأساسية هي: المنهج الاستدلالي ـ المنهج التاريخي ـ المنهج التجريبي ـ المنهج الجدلي أو الدياليكتيكي. هذا ما سنتناوله خلال الفروع التالية:
الفرع الأول: المنهج الاستدلالي وتطبيقاته في مجال العلوم القانونية والإدارية.
إذا كانت مناهج البحث العلمي هي الطرق والوسائل المؤدية إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم المختلفة بواسطة مجموعة من القواعد والقوانين العامة التي تحكم وتنظم سير العقل وتحدد عملياته حتى يصل إلى نتائج معلومة ومن بين المناهج الأساسية والأصلية المعروفة في ميادين البحوث العلمية بوجه عام وفي ميدان العلوم القانونية على وجه الخصوص المنهج الاستدلالي. فما هو المنهج الاستدلالي؟ وما مدى صلاحية وإمكانية تطبيقه كعملية منطقية عقلية وممارسة سلوكية في نطاق العلوم القانونية؟
هذا ما سنحاول الإجابة عنه من خلال العنصرين التاليين:
أولا: مفهوم المنهج الاستدلالي.
ثانيا: نطاق تطبيق المنهج الاستدلالي في مجال العلوم القانونية.
أولا: مفهوم المنهج الاستدلالي.
يعد المنهج الاستدلالي من بين مناهج البحث العلمي الأساسية والأصلية التي أسهمت من خلال قواعدها في إرساء أسس ومبادئ تسهل على الباحث سلوك أيسر السبل للوصول إلى الحقائق والأهداف المبتغاة، وعليه فمن خلال هذا العنصر سنحاول تعريف المنهج الاستدلالي وتحديد مبادئ الاستدلال وأدواته في الأجزاء التالية:
(1 تعريف المنهج الاستدلالي.
لمعرفة المنهج الاستدلالي يجب في البداية تحديد معنى الاستدلال ثم توضيح معنى النظام الاستدلالي.
أ) معنى الاستدلال.
يعرف الاستدلال بأنه (البرهان الذي يبدأ من قضايا مسلم بها ويسير إلى قضايا تنتج عنها بالضرورة، دون الالتجاء إلى التجربة، وهذا السير قد يكون بواسطة القول أو بواسطة الحساب). كما يعرف بأنه (عملية عقلية يبدأ بها العقل من قضايا يسلم بها، ويسير إلى قضايا أخرى تنتج عنها بالضرورة).
والاستدلال وإن كان ميدانه الأصلي علم الرياضيات، فإن تطبيقاته لا تقتصر على هذا العلم فحسب، بل تشمل سائر العلوم الأخرى، فالقاضي مثلا يعتمد على الاستدلال في البحث عن الحل القانوني للقضية، فهو يستدل اعتمادا على ما لديه من نصوص. وفي الميدان التجاري والاقتصادي يستدل المضارب وفقا للمعروض والمطلوب من الأوراق المالية.
لتحديد مفهوم الاستدلال يجب التفرقة بينه وبين البرهنة فالاستدلال هو الانتقال من قضايا إلى قضايا أخرى ناتجة عنها بالضرورة وفقا لقواعد منطقية، أما البرهنة فهي أخص من الاستدلال، إذ تدلنا على صدق النتائج لأنها تقوم على التسليم بصدق المقدمات،أما الاستدلال فهو يدلنا على صدق المقدمات انطلاقا من صحة النتائج المتوصل إليها، فالبرهنة إذا هي جزء من الاستدلال نستعملها في حالة الحاجة إلى إثبات صدق النتائج.
ب) معنى النظام الاستدلالي.
يقوم النظام الاستدلالي على المبادئ والنظريات، فالعملية الاستدلالية تبدأ من نظريات ومبادئ مستنتجة منها منطقيا وهذه الأخيرة تكون مقدمات لنظريات ومبادئ أخرى، وهكذا يتشكل نظام الاستدلال.
2( مبادئ الاستدلال.
مبادئ الاستدلال هي القضايا الأولية غير المستنتجة من غيرها، لذا تعتبر نقطة البداية في كل استدلال، ويقسم رجال المنطق مبادئ الاستدلال إلى ثلاثة مبادئ هي: البديهيات ـ المسلمات ـ التعريفات.
أ) البديهيات.
تعرف البديهية بأنها (قضية بينة بذاتها، وليس من الممكن أن يبرهن عليها وتعد صادقة بلا برهان عند كل من يفهم معناها) من خلال هذا التعريف يتبين أن البديهية تمتاز بالخصائص التالية:
1) أنها بينة نفسية أي تتبين للعقل تلقائيا دون الحاجة إلى برهان.
2) هي أولية منطقية أي أنها غير مستنبطة من غيرها.
3) هي قاعدة صورية عامة، لأنها تقبل من كافة العقول ولا تخص فرعا واحدا من العلوم.
ب) المسلمات ( المصادرات).
المسلمة هي (فكرة يصادر على صحتها ويسلم بها تسليما، مع عدم بيانها بوضوح للعقل، ولكننا نتقبلها نظريا لفائدتها ولأنها لا تؤدي إلى تناقض ومنه يتبين لنا أن المسلمات أقل يقينا من البديهيات.
ج) التعريفات.
التعريف تعبير عن ماهية الشيء المعرف بمصطلحات مضبوطة بحيث يصبح التعريف جامعا مانعا، يجمع كل صفات الشيء ويمنع دخول صفات أوخصائص خارجة عنه وهو قضية أولية تبنى من خلاله كل الاستدلالات التي توصل إلى نتائج غير متناقضة مع العلم والواقع، وهو على خلاف البديهيات والمسلمات لا يعتبر قضية عامة ومشتركة، فهو يخص الشيء وحده دون غيره.
3( أدوات الاستدلال.
تقتضي العملية الاستدلالية أدوات معينة يستخدمها الباحث لاستخراج النظريات والمبادئ من القضايا الأولية أو المقدمات، وهذه الأدوات هي:
أ) البرهان الرياضي.
هو عملية منطقية تنطلق من قضايا أولية صحيحة إلى قضايا أخرى ناتجة عنها بالضرورة وفقا لقواعد منطقية خالصة، ويصفه العلماء بأنه مبدع وخلاق لأن النتائج المتوصل إليها لم تشتمل عليها المقدمات لا ضمنيا ولا صراحة، فهو يأتي دوما بحقيقة جديدة.
ب) القياس.
هو عملية منطقية تنطلق من مقدمات مسلم بصحتها، ويصل إلى نتائج غير مضمون صحتها، فهو عبارة عن تحصيل حاصل، وتكون النتائج موجودة في المقدمات بطريقة ضمنية.
ج) التجريب العقلي.
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma