مذهب الشرح على المنون
(مدرسة تفسير النصوص)
-L’école de l’exégèse-
تكونت هذه المدرسة في فرنسا عقب وضع تقنياتها في مطلع القرن التاسع عشر ، حيث بدأ الشراح ينظرون إلى تلك التقنيات نظرة تقديس ، ويعتبرونها كاملة مشتملة على كل القانون ، وبذلك قصروا اهتمامهم على دراسة نصوصها متنا متنا ، بل تقيدوا في شرح القانون وعرض موضوعاته المختلفة بترتيب نصوص القانون وأرقام مواده ، وبذلك عرفت هذه المدرسة باسم مدرسة الشرح على المنون أو مدرسة التزام النص .
وقد بلغت هذه المدرسة أوج عظمتها في فرنسا خلال القرن التاسع عشر . تأسست سنة 1808 على يد : "ديلفانكرو" و "برودون" ، و "توليه" ......
ويرى فقهاء هذه المدرسة ، أن التشريع هو المصدر الوحيد للقانون ، وأن دور الفقيه يقتصر على تفسير نصوص التشريع ، واستخلاص الأحكام منه ، وعند تفسير الفقيه للنص يتعين عليه أن يبحث عن إرادة المشرع وقت وضعه للنصوص لا عند تطبيقها ، حتى ولو تغيرت الظروف الاجتماعية بعد ذلك . وإرادة المشرع إما أن تكون حقيقية وإما أن تكون مفترضة.
فإذا كان النص واضحا في صيغته ولا خفاء في معناه ، فيستدل على الإرادة الحقيقية من واقع النص ذاته ومعاني ألفاظه ومفرداته مع إعمال قواعد اللغة . مما يكاد يقتصر معه دور المفسر على التطبيق الآلي للنص ، إذ كما يقولون "لا اجتهاد في مورد النص".
وإذا لم يوجد نص كحالة معينة ، وجب البحث عن الإرادة المفترضة للمشرع فيما يتعلق بهذه الحالة وقت وضع التشريع . أي إرادته التي نفترض أنه كان يقول بها وقت وضع التشريع لو أنه أراد وضع قاعدة للمسألة المعروضة والتي لم يوضع لها نص يضمنها .
فالعبرة إذن لدى هذه المدرسة بإرادة المشرع عند وضع النص سوى أكانت هذه الإرادة حقيقية أم مفترضة .
- وإذا كان لمذهب هذه المدرسة مزاياه في أنه يمنع تحكم القضاة ويكفل استقرار معنى التشريع وثباته ، إلا أنه يعاب عليه أنه يؤدي إلى جمود القانون وعرقلة تطوره وحصره في نطاق إرادة المشرع وقت وضع النصوص حتى ولو تغيرت الظروف الاجتماعية تغيرا كبيرا وقت تطبيق نص القانون وتفسيره عما كانت عليه وقت وضعه .
- مذهب الشرح على المنون يعتبر التشريع هو المصدر الوحيد للقانون وهذا غير صحيح .
- ومنهج الشرح على المنون يؤدي هو الآخر إلى فكرة الاستبداد والقهر ، والدكتاتورية ، وإهمال إرادة الأمة .
مذهب هيــــــــــــــــــغل (فريدريش)
انتشرت الهيجلية انتشارا واسعا ، حتى أوشكت أن تصبح العقيدة الرسمية للدولة ، ففي المجال القانوني ، يرى هيغل أن الدولة سيدة نفسها في الداخل ، فكل من يدخل في تكوين الدولة في الداخل يخضع لها ، وأن المجتمع لا يصل إلى مرتبة الدولة إلا إذا رأى جميع الأفراد في المجتمع أن ثمة مصلحة عامة مشتركة يجب أن تتجه إرادتهم إلى تحقيقها ، فتتحدد إرادتهم وحرياتهم بهذه المصلحة فتتجلى فيها ، وهذا ما يطلق عليه وحدة الإرادات الفردية ، فالدولة في مفهوم هيغل تجسد إرادة الإنسان وحريته ، إن حرية الإنسان الحقيقية لا تتحقق إلا باندماجه في الدولة ، وهنا يخضع كل الأفراد خضوعا تاما للدولة التي يتحقق كيانها على إرادات الأفراد العامة ، وعند هيغل السيادة واحدة لا تتجزأ تذوب فيها كل الاعتبارات و وجهات النظر . وهذه السيادة تتجسد في شخص واحد هو صاحب السلطة في الدولة ، وإرادته في القانون الواجب التطبيق وذلك لأنه يملك القوة لفرض إرادته .
ويرى هيغل من جهة أخرى أن الدولة سيدة نفسها في الخارج
وعنده أنه لا توجد سلطة أعلى من سلطة الدولة ، فالدولة سيدة نفسها ، والدول جميعها متساوية في السيادة ، وبالتالي لا توجد سلطة دولية تقوم بتنظيم العلاقات بين الدول أو تقوم بحل النزاعات بينها ، وهكذا تكون الحرب هي الوسيلة الوحيدة لتنفيذ سياسة الدولة وإرادتها ، والغلبة تكون للأقوى ، الذي يستطيع فرض إرادته بالقوة .
وتعتبر الحرب عند "هيغل" نوع من القضاء الإلهي ، فالحرب هي عادلة ومشروعة ، وتنتهي لصالح الدولة القوية ، والدولة القوية هي التي تسيطر على العلاقات الدولية وتبقى هكذا حتى قيام دولة أخرى التي تنتقل إليها السيطرة على العلاقات الدولية .
إن هذا المذهب قد وضع الأساس للعديد من النظم الشمولية مثل الفاشية والنازية .
نقد مذهب ديغول :
1- يؤدي هذا المذهب إلى تكريس الدكتاتورية ، كما أنه يعبر عن نزعة متطرفة تدعو الشعب الألماني للسيطرة عالميا ... وهي فكرة المجال الحيوي التي طورتها النازية .
2- يوحد هيغل بين إرادة الحاكم وبين القانون ، وهذا غير منطقي ، فهذا يؤدي إلى السيطرة والاستبداد.
3- ينكر هيغل حل النزاعات الدولية بالطرق السلمية ويعتبر الحرب هي الوسيلة المشروعة في علاقات الدول فيما بينها .
مذهب كلسن
يعتبر مذهب كلسن أحد المذاهب الشكلية ، وقد اهتمت بالشكل حتى سميت بمدرسة القانون البحت أو القانون الصافي باعتبار أنها تفصل بين الشكل والمضمون ، وتقصر دراسة القانون على أساس الشكل وحده ، وبذلك أصبح علم القانون كعلم الرياضيات أو الهندسة معتمدا على المنطق ، أي الامتناع التقييم والالتجاء إلى التجريد ، بحيث يجب على الباحث أن يتجنب مضمونه من حيث العدل والظلم . وكذلك التخلص من النزعة في فحص الظروف الواقعية للحياة أو إلى ربط القانون بالسياسة ، فهي العناصر لا صلة لها بعلم القانون .
يرى كلسن أنه يجب استبعاد العناصر غير القانونية أو أية عناصر تقييميه. فالعدالة مثلا : مفهوم مثالي قيمي فهي مفهوم نسجي متغير في الزمان والمكان، ويرى كلسن أنه إذا لزم الأمر إعطاء معنى محدد لها ، فهي عنده مرادفة لـ"السّلام" ، ويرى كلسن أن "أي نظام عادل ولو كان قائما على الاستغلال ، مادام يستطيع حفظ النظام والأمن"،وبذلك فإن كلسن وأصحاب النظرية القانونية الصرفة يرون أن قواعد القانون الوضعي واجبة الطاعة حيث أن النفع العائد عن الطاعة أكبر من الضرر الناتج عن العصيان .
ويرى كلسن أن القانون هو الدولة و الدولة هي القانون ، فهو يدمج الدولة والقانون دمجا تاما ، فهو لا يرى أن الدولة تصنع القانون فحسب بل هي القانون ذاته وبذلك فالدولة ليست شخصا معنويا ، وإنما هي مجموعة قواعد قانونية هرمية إلى أن نصل أعلى قاعدة قانونية وهي الدستور أو القاعدية الأساسية التي تعتمد عليها بقية القواعد القانونية الأخرى .
ففي مجل العقود مثلا ، ينشئ العقد ضوابط قانونية بين طرفيه ، ومصدر هذه الضوابط أو الالتزام هو العقد يستمد قوته من التشريع الذي يقضي بأن "العقد شريعة المتعاقدين" ، والتشريع يستمد قوته من الدستور الذي يعطي للسلطة التشريعية حق إصدار النصوص القانونية .
وفي مجال النشاط الاداري ، شرطي المرور هو يؤدي عمله ضابطا قانونيا فرديا ، وهنا يستمد الشرطي قوته من القانون ، وهذا الأخير يستمد قوته من الدستور .
وهكذا ، فإن وحدة القانون والدولة لدى "كلسن" يعتبر شكلا واحدا ، ولذلك فالدولة على أنها تجمع بشري مقيم على أرض وخاضع لنظام قانوني معين ، وما يميز الدولة كظاهرة مستقلة هو التنظيم القانوني.
نقد:
1- يقول كلسن أن هناك تدرج هرمي في القواعد القانونية فالقرار يستند إلى النظام ، والنظام يستند إلى التشريع والتشريع يستند إلى الدستور ، والسؤال المطروح: إلى ماذا يستند الدستور ؟ . يقول كلسن أنه القاعدة الأساسية أو المعيار الأساسي .
2- إن القول بأن القانون هو الدولة لا يستند إلى أساس واقعي ، فالدولة مستقلة عن القانون، وهذا معمول به في كل النظم القانونية ، فالدولة هي التي تضع القانون ، وبذلك فهي ليست القانون في حد ذاته ، لذلك وجدت الدساتير لتقيد سلطة الدولة والتزامها باحترام المؤسسات والحقوق والحريات .
3- مذهب كلسن لا يعترف لكل العناصر غير القانونية وتأثيرها في القانون كغيره من أصحاب المدارس الشكلية إنما القاعدة القانونية هي قبل كل شيء قاعدة اجتماعية .
المذاهب الموضوعية
إذا كانت المذاهب الشكلية تهتم بالجانب الشكلي الذي ظهرت فيه القاعدة القانونية ، فإن المذاهب الموضوعية تنظر إلى جوهر القانون و موضعه، وذلك عن طريق تحليله من الناحية الفلسفية والاجتماعية للتعرف على طبيعة وكيفية نشأته .
وظهرت في هذا الإطار اختلافات ، فالبعض اتجه نحو المثل العليا في تكوين القاعدة القانونية والعدالة الإنسانية كأساس للقانون وهو ما يطلق عليه بالاتجاه المثالي ، في حين اتجه البعض الآخر إلى النظر نحو الحقائق الواقعية الملموسة التي تسجلها المشاهدات والتجارب العلمية وهو ما يعلق عليه بالاتجاه الواقعي .
أولا: الاتجاه المثالي :
سنقوم في هذا الإطار بدراسة نظرية العقد الاجتماعي لأنها تعتبر أهم النظريات المثالية .
- نظرية العقد الاجتماعي :
تعود فكرة العقد الاجتماعي إلى الفكر الإغريقي حيث ذكرها (أفلاطون) في كتابه "الجمهورية" قائلا : ((عندما يتصرف الناس بمحض نزواتهم فيتعدى الواحد منهم على الآخر ، ويذوق الجميع مرارة الظلم والقهر ، يتفق الكل بأن الطريقة الوحيدة لحسم النزاعات القائمة وضمان الأمن والسلامة للجميع تكمن في عقد اتفاق اجتماعي يميز بين الأعمال الإجرامية فيمنعها والأعمال الخيرية فينشرها )) .
وقد عرفت فكرة العقد الاجتماعي رواجا كبيرا في أواخر القرن السادس عشر،وأقبل عليها المفكرون ورجال القانون فألفوا منها صيغا ونماذج اجتماعية تهدف كلها إلى تنظيم المجتمع وهيكلته من الناحية السياسية والقانونية .
وتفترض نظرية العقد الاجتماعي أن الأفراد كانوا يعيشون على الفطرة لا يخضع أي منهم لأية ضوابط معينة ، وأن ظهور الدولة بما لها من قوة وسيادة يرجع إلى عقد أو اتفاق أبرمه هؤلاء الأفراد فاستبدلوا بذلك القانون الطبيعي الذي كان ينظم حالتهم الطبيعية بقانون بشري تنتج عنه ظهور حقوق مدنية وسياسية .
ويعتبر من أهم أصار هذه النظرية الفلاسفة :
توماس هوبز ، و جون لوك ، و جان جاك روسو .
1-نظرية العقد الاجتماعي عند توماس هوبز:
يعتبر هوبز من أنصار الملكية المستبدة ، وهو ينظر إلى المجتمع على أنه مجتمع ذئاب مفترسة ينهش بعضها البعض ويفترس القوي فيها الضعيف .
وبذلك فإن هوبز يبدأ تفكيره بأن المصلحة الذاتية هي محرك السلوك الإنساني ، فالإنسان كائن أناني يسعى بكل الطرق إلى تحقيق مصالحه ونزواته قبل كل شيء ، وبالتالي فإنه "هوبز" يرى أن الحالة الطبيعية هي حالة حرب عارمة يتحارب فيها الكل ضد الكل ، ويكون "قانون الغاب" هو مسيطر على حياة الأفراد .
ومن أجل وضع حد لهذه الحالة الفوضوية بدأ الإنسان يبحث عن الوسيلة التي تمكنه من الخروج من تلك الوضعية إلى وضعية جديدة يسودها الأمن والاستقرار والسلم ،فاهتدى إلى فكرة العقد الذي بموجبه يتنازل الأفراد عن كل حقوقهم وحرياتهم لشخص غير طرف في العقد يختارونه من بينهم دون شروط ولكي يتمكن هذا الشخص من ممارسة سلطاته ويضمن الأمن والاستقرار ويجب أن يتمتع بسلطة لا تقاوم (سلطة مطلقة) ، فلا يحق بالتالي للشعب أن يثور ضد هذا الحاكم لأن إطلاق سلطته أرحم للشعب من العودة إلى حياة الفوضى .
واستنادا إلى هذا الاتفاق نشأت السلطة السياسية والدولة .
نقد :
ما يؤخذ على الفيلسوف "هوبز" هو إطلاقه لسلطة الملك من جهة ، والخلط بين الدولة و الحكومة من جهة أخرى ، لأنه يطالب بمنح السيادة للحاكم ، وهذا يعني أن السلطة في يد الحاكم وليست في يد الدولة التي تفوضها له ، وبالتالي فإن تغير الحاكم يؤدي إلى زوال الدولة .
2-نظرية العقد السياسي عند "جون لوك" :
ينطلق الفيلسوف "جون لوك" من أن حياة البشر كانت تقوم على المساواة والسلام والحرية ، وهي حياة الفطرة ، غير أنهم أرادوا إنشاء مجتمع أكثر تنظيما وتحديدا للحقوق والحريات ، وإنشاء هيئة تقوم بتنفيذ القانون الطبيعي ، فقرروا إبرام عقد فيما بينهم يؤدي إلى ظهور سلطة تكون مهمتها تحقيق العدالة ، إذن مبرر وأساس قيام الدولة عند "لوك" هو الرضا لا غير .
ويرى "جون لوك" أن أطراف العقد اثنان ، الأفراد والحاكم المختار من قبلهم ، ومن ثمة تكون سلطته مقيدة بما اتفق عليه أثناء التعاقد ، وفضلا عن ذلك فإن "لوك" يرى أن الأفراد لم يتنازلوا عن إبرام العقد عن جميع حقوقهم وإنما عن الجزء الضروري منها لاقامة السلطة والدولة بما يكفل احترام حقوق الأفراد وحمايتها .
وعلى الحاكم أن يسخر كل جهوده لتحقيق الصالح العام واحترام حقوق الأفراد الخاصة ومن بينها حق الملكية ، وفي حالة إخلاله بالتزاماته فإنه يحق للأفراد فسخ العقد وتنحيته ، بل أنه يحق للشعب أن يثور ضده إذا حاول مقاومة إرادة الشعب التي تمثل السلطة العليا في الدولة .
إن معنى الطغيان عند "جون لوك" هو ممارسة السلطة تخطيا لحدود الحق وليس لأحد أن يفعل ذلك ، كأن يمارس الحاكم السلطة لا لمصلحة الخاضعين لها ، بل لمصلحته الشخصية فالحاكم أيَا كان اسمه ، إذا لم يتبع القانون ، وإذا كانت أوامره وأفعاله غير موجهة إلى حماية أملاك الشعب ، جازت مقاومته كطاغية كما يقاوم أي شخص يعتدي على غيره ، وكما يواجه للصوص و السّارقين في الطريق ...
نقد :
أول ما نقوله إلى أنصار هذا الاتجاه هو أن العقود السياسية تقع بشكل عرضي ، وغالبا ما تكون من أجل إقامة نظم سياسية جديدة في إطار دولة سابقة في أجل خلق دولة جديدة .
3-نظرية العقد الاجتماعي عند "جان جاك روسو" :
يرى "جان جاك روسو" في كتابة "أصل عدم المساواة بين الناس" أن حياة الأفراد الطبيعية البدائية كانت تتميز بالعدالة الطبيعية والمساواة والحرية ، إلا أنه نتيجة اكتشاف الزراعة والاختراعات ظهرت الملكية الفردية التي نتجت بسببها فوارق بين الأفراد فانهارت المساواة وتحولت حياتهم إلى مأساة وشقاء وازدادت بذلك الحروب والخلافات بسبب التنافس على الثروة ، مما دفع الأغنياء إلى البحث عن وسيلة تكفل لهم القضاء على هذه الوضعيات فاستمالوا الفقراء من أجل إقامة مجتمع العقد يبرم بينهم للمحافظة على أموالهم والقضاء على الحروب بحيث يتنازل كل فرد عن جميع حقوقه الطبيعية للجماعة كلها .
ويبيّن "روسو" كيفية إبرام العقد حيث يرى أن الأفراد يبرمونه مع أنفسهم بصفتهم أفراد منفصلين عن بعضهم ، وباعتبارهم أفراد متحدين في الجماعة السياسية التي يرغبون في إقامتها . ويعني ذلك أن روسو يتصور الجماعة كأنها تكونت فعلا فيدخلها كطرف في العقد مع الأفراد يتنازل لها هؤلاء عن جميع حقوقهم وحرياتهم الطبيعية مقابل الحصول على حقوق وحريات مدنية تقررها الجماعة للأفراد .
وينتج عن هذا العقد أمران أساسيان ، أولهما أن الأفراد متساوون من جهة الحقوق والواجبات ، وأن الجماعة المستقلة عنهم تتمتع بالسيادة الكاملة والسلطة المطلقة من جهة ثانية . وبذلك فلا تعارض بين إطلاق سلطة الجماعة المجردة وبين حريات الأفراد لأن إصدارها لقانون من أجل تحقيق الصالح العام يكون تعبيرا عن الإرادات الجزئية للأفراد . مما يستبعد فكرة صدور قانون لا يتماشى وحرياتهم وحقوقهم .
نقد :
- لقد عيب على أصحاب هذه النظرية أنهم أقاموا هذه النظرية على الخيال ، فلم يثبت تاريخيا بأنه وقع اجتماع بين الناس أبرموا أثناءه عقدا فيما بينهم لإقامة مجتمع سياسي .
- إن إبرام العقد لإقامة نظام معيّن ، يتطلب وجود جماعة منظمة لأن العقد لا ينتج آثاره إلا إذا كانت هناك نصوص تحدد حقوق وواجبات الطرفين .
- إنّ العقد يفتقد للطابع القانوني إلا إذا كان هناك نظام سابق عليه.
- إن فكرةالتاريخي.ل الوظيفة التشريعية لا تخلو من عيوب . حيث نجده يطالب لإصدار قانون الحصول على جميع الأصوات وهذا يعد من الأمور المستحيلة لذلك تطرح مسألة مدى قوة وإلزامية هذه الإرادة العامة إذا وجدت أقلية معارضة (وهذه يجب أن تكون).
المدرسة الواقعية
تنظر هذه المدرسة إلى القانون من خلال النظرة الواقعية ، بحيث تعتبر القانون عبارة عن علم اجتماع واقعي يقوم على الملاحظة والتجربة ، وهذا بخلاف ما تنظر له المدرسة المثالية ، التي تعتمد في أصلا القانون إلى أساس ميتافيزيقي .
تعتمد الفلسفة الواقعية على العالم المحسوس الذي يرتبط بالمشاهدة والتجربة ، ومن ثم فهي تعارض ما تذهب إليه الفلسفة المثالية التي تنكر الملموس ، وتتجه إلى العالم الميتافيزيقي .
ومن أهم الاتجاهات الواقعية :
- المذهب التاريخي .
- مذهب التضامن الاجتماعي .
- المذهب الفردي والمذهب الاشتراكي .
المذهب التاريخي :
يسمى هذا المذهب كذلك بمذهب التطور التاريخي ، وقد ظهرت بوارده منذ القرن الثامن عشر في فرنسا ، ومن أنصاره الفقيه "مونتسكيو" وأشهر كتبه "رمح القوانين" الذي صدر سنة 1748.
وقد ظهر هذا الكتاب في وقت مازال الملوك يعتبرون أنفسهم أنهم ظل الله في الأرض ، وكانوا يمسكون بزمام الحكم بقبضة من حديد .
وقد كان الفقيه "مونتسكيو" حريصا على ضرورة القضاء على السلطة الفردية المتسلطة ومنع التعسف في استعمال السلطة ، ونتيجة لذلك فقد دعا إلى الأخذ بمبدأ دستور شهير عرف بـ"مبدأ الفصل بين السلطات".
يتمثل "مبدأ الفصل بين السلطات" في أن هناك حدود لا يجب أن يتعداها الإنسان حتى لا يصطدم بحدود سلطة أخرى ، ومن أجل وضع حد ومنع التعدي على حدود السلطات الأخرى ومنع الإساءة و التعسف ، ومن أجل المحافظة على عدم انهيار الحريات العامة ، فإن "مونتسكيو" يرى ضرورة توزيع السلطة بين ثلاث هيئات هي :
- الهيئة التشريعية
- الهيئة التنفيذية
- الهيئة القضائية
لكن كيف تتحقق الحرية إذا اجتمعت هذه السلطات في يد شخص واحد أو هيئة حكومية واحدة ، في هذه الحالة ستكون بصدد حالة استبداد وتسلط .
ومن جهة أخرى ، انعكس تفكير الفقيه "مونتسكيو" على تفسير أصل القانون حيث يعتقد أن الظروف الاجتماعية لا تأثر في نشوء القواعد القانونية ، فهو يرى بأن قوانين كل بلد تتأثر بطبيعة هذا البلد ، وبجّوه البارد أو الحار أو المعتدل ، وهي تتأثر كذلك بمركز البلد وبطبيعة أرضه ومدى ما وصل إليه من تقدم ، وتطور ونوع الحياة فيه .
وبذلك ، فإن الأخذ بمبدأ الفص بين السلطات حسب "مونتسكيو" يضمن ممارسة واحترام الحقوق والحريات الفردية على أن توزع تلك السلطات الثلاث، فتكون السلطة التشريعية بيد الشعب أو ممثليه ، وتكون السلطة التنفيذية بيد ملك قوي ، وتكون السلطة القضائية بيد هيئة مستقلة .
وقد عبر الفقيه "بورتاليس" عن مبدأ آخر وهو (أن القانون يوحد ويتطور آليا مع تقدم الأمن دون تدخل من الإدارة الإنسانية ومقولته المأثورة في هذا الشأن .. تتكون تقنيات الشعوب مع الزمن ، فهي في الحق لا تصنع ...).
ومن أنصار المذهب التاريخي كذلك الفقيه "سافيني" ، حيث نادى بضرورة إتباع هذا النهج وذلك بمناسبة اعتراضه على الدعوى إلى تقنيين القانون الألماني .
ومن الحجج التي استند إليها "سافيني" في ذلك هو اعتماده على أن القانون ينشأ في ضمير الشعب ، وينبع من روح الشعب ، ويتطور تلقائيا تبعا لهذه الروح ، فالقانون عند "سافيني" كاللغة يتكون بطريقة تدريجية غير محسوسة مستندا إلى الاقتناع في الشعب ، ثم ينتقل القانون إلى مرحلة متقدمة من التطور فيتخطّى وعي الشعب ليتركز بيد العلماء .
من خلال كل ذلك ، يمكن القول أن مراحل القانون – حسب رأي سافيني – عبارة عن قوى داخلية تعمل في هدوء بعيدة عن التدخل الحكومي ، وأن القيام بندوة في تقنين معناه عرقلة سيره وتطويره.
وللمذهب التاريخي مجموعة من الأسس نذكر منها :
1-إنكار وجود القانون الطبيعي : يعتمد منطق المذهب التاريخي على رفض وجود القانون الطبيعي ، لأن هذا الأخير جامد ، في حين أن القانون متغير ويتطور وفقا لحاجات كل أمة وظروفها .
فالقانون إذن عبارة عن عادات تنمو داخل المجتمع وتتطور حيث تترسخ في المجتمع .
2- القانون وليد حاجة الجماعة :
يرى أنصار المذهب التاريخي أن القانون وليد الزمن أي من صنع الزمن ونتاج والتاريخ, فهو وليد حاجة الجماعة وما يتفاعل مع وحداتها من عوامل, ومن ثم فانه يتغير ويتطور حسب ظروف كل مجتمع, وهو يختلف من دولة إلى أخرى, بل ويغير في الدولة نفسها من جيل إلى آخر حسب تغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية, وان الجماعة لا يحدها زمن معين أو جيل معين بل هي كالسلسلة تتدرج في حلقاتها الأجيال وتتعاقب على مرار زمن فيرتبط فيها الحاضر بالماضي, ويمهد الحاضر للمستقبل, وبذلك فان القانون هو ثمرة التطور التاريخي, وليس ثمرة جيل من أجيال الجماعة .
3- القانون يتكون ويتطور آليا :
وفقا للمذهب التاريخي فان القانون يتطور في تفاعل مستمر في الضمير الجماعي لكل أمة, وهو بذلك يتكون تكوينا ذاتيا آليا لا تخلقه اراده إنسانية أو تحوله عن طريقه المرسوم .
من خلال كل ذلك , يمكن القول أن المذهب التاريخي في أصل القانون قد ساهم بشكل كبير في الدور الاجتماعي للقانون وصفته الاجتماعية, وكشف عن الارتباط الواضح بين القانون والبيئة التي ينشأ فيها .
ورغم ذلك, فأن المذهب التاريخي قد بالغ من ربط القانون بالجماعة, وبالتالي فان ذلك يجعله ينكر الدور العقل الإنساني وقدرته في تكوين القانون , فقد يصدر المشرع قوانين يراها نافعة وفي خدمة المجتمع دون أن يتقيد بالظروف الاجتماعية.
بالإضافة إلى ذلك فان المذهب التاريخي قد بالغ في اعتبار القانون وليد البيئة, والظروف الخاصة بكل مجتمع ، في حين نجد أن الكثير من الدول قد اقتبست قوانينها كلها أو في جزء منها من قوانين دول أخرى تختلف عليها من حيث الظروف والبيئة الجغرافية ومع ذلك نلاحظ نجاعة هذه القوانين ونفعيتها كما أن النظرة إلى الفرق باعتباره الشكل الأمثل الذي يصدر به القانون ، فإن صحة هذه النظرة في عصور الإنسانية الأولى حيث يكاد يتكون القانون تكوينا أليا فهي لا تصدق اليوم بشأن المجتمعات الحديثة التي تعددت فيها حاجات المجتمع وتعارضت مصالحهم الأمر الذي يتطلب تدخل الإرادة الواعية في اختيار أحسن الوسائل لتحقيق الغاية منه ، وهذا يكون بالضرورة عن طريق التشريع .
أما مسألة اعتبار أن تقنيين القانون يؤدي إلى تجسيده والوقوف في وجه سيره وتطوره ، فإن هذا غير صحيح ، فكثيرا ما يلجأ المشروع إلى تعديلات جديدة للقانون كلما تطلب الحال ذلك .
المذهب الفردي والمذهب الاشتراكي
يطرح التساؤل في هذا الاطار حول هدف القانون.
هل يهدف القانون الى حماية الفرد أو المجتمع, الى سعادة الفرد كفرد, أو الى الخير العام باعتبار أن الفرد عضو في المجتمع ؟
أولا: المذهب الفردي
يقوم المذهب الفردي على اعتبار أن الفرد هو الأساس وأنه ولد حرا, وأن الجماعة ما هي إلا مجموعه من الأفراد وهدف الجماعة هو الحفاظ على حريات الأفراد, وبذلك فيجب أن يتمتع بالحقوق والحريات في جوانبها المختلفة ,إلا أن ممارسة الفرد لحقوقه وحرياته قد تتعارض مع حقوق الآخرين, ونتيجة لذلك وجد القانون من أجل الحفاظ على ممارسة الأفراد لحقوقهم, ولا يتدخل القانون في هذه الحال هالا بالقدر الذي يساعده في تحقيق هذا الهدف الذي يسعى إليه.
من خلال ذلك, يمكن القول أن هدف المذهب الفردي هو الحفاظ على حرية الفرد, وبذلك فالمذهب الفردي يقوم على أساس أن مصلحة الفرد هي الغاية, وهدف القانون والجماعة ماهي الا نسيج صناعي يمارس كل فرد نشاطه ممن خلاله, ويرى أنصار هذا المذهب أن تحقيق مصلحة الفرد تؤدي الى تحقيق مصالح الجماعة , لأن مصالح الجماعة ما هي إلا مصالح الأفراد مجتمعة.
وقد انعكس هذا المذهب على وظيفة الدولة التي تقوم عليها الأنظمة الحرة التي تجد أساسها في المذهب الفردي الذي تضمنه بنود إعلان حقوق الإنسان والمواطن سنة 1789 التي تستند الى فكرة القانون الطبيعي الذي أقام العلاقات الثابتة بين مختلف الظواهر, وأن الباعث على النشاطات المختلفة خاصة منها الاقتصادية هو المصلحة الشخصية التي تتوافق مع المصلحة العامة, وذلك بترك الافراد أحرارا ومتساوين يمارسون ما يحلولهم من مهن, مما يولد في نفوسهم روح التنافس والابتكار فتكثر الخيرات ويزداد التطور, كل ذلك في صالح المجتمع.
إن التنازع والتنافس بين الأفراد ومصالحهم, يتم حسمه عن طريق قانون السوق, ولا تتدخل الدولة ..
وخلاصة القول فان المذهب الفردي يهدف الى حماية الفرد ومنحه حريته كاملة, والجماعة ما هي الا مجموعة من الأفراد, وأن تحقيق المصالح الفردية معناه تحقيق مصالح الجماعة, وأن الدولة لا تادخل في حقوق وحريات الأفراد وتقتصر على مرافق الدفاع والأمن والقضاء.
نقد:
- يعتبر المذهب الفردي أن حقوق الفرد سابقة على وجود في الجماعة وهذا غير منطقي ، حيث لا يمكن وجود حقوق للفرد سابقة على وجود الجماعة .
- إن المذهب الفردي يعمل مصالح الجماعة ، حيث يعتبر المجتمع عبارة نسيج وجد من أجل تحقيق مصالح الفرد بصورة مطلقة ، وهذا يؤدي إلى بث الأنانية في النفوس ويهمل مصالح الجماعة .
ثانيا: المذهب الاشتراكي (الاجتماعي)
ينظر المذهب الاشتراكي إلى القانون عكس النظرة الفردية ، فالفرد في مفهوم المذهب الاشتراكي هو كائن اجتماعي مرتبط بغيره من الناس ، والجماعة هي الغاية من الوجود ، وليست أداة لغيرها من الغايات لذلك يجب تسخير الأفراد لخدمتها كل يشارك بنصيب من مجهوده في سبيل تحقيق الصالح العام المشترك .
وقد انتقلت هذه الأفكار الاشتراكية إلى السيدان العمليين في القرن العشرين . ويؤدي الأخذ بهذا المذهب إلى اتساع نشاط الدولة و وظائفها وتهدف الاشتراكية إلى جعل الدولة مسيطرة على وسائل الإنتاج وإلغاء الفوارق الطبقية ، بالإضافة إلى ذلك تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة .
وترى المدرسة الاشتراكية أن القانون هو تدبير برجوازي تلجأ إليه الطبقة الغنية لحكم الطبقة الفقيرة واستغلالها اقتصاديا ، وأن الدولة فهي الجهاز القانوني بأكمله الذي توظفه البرجوازية لقمع الطبقة العاملة واستغلالها .
ويعترف الماركسيون بالطابع التقدمي للدولة من حيث أنها مرحلة ضرورية لتساهم في إعداد المجتمع لخوض غمار الثورة الشيوعية .
ويرى الماركسيون أن الدولة تموت ، وتفسح المجال للمجتمع الشيوعي الذي يطبق مبدأ التنظيم الذاتي ، ويتحقق الانسجام والشيوعية .
إلا ن الشيوعية لم يتم الوصول إليها، بل انهارت الاشتراكية حيث تحولت هذه الأخيرة إلى جهاز تسلطي وبيروقراطي يقمع الحريات ويقيدها ، وأدى ذلك في النهاية إلى انهيار الاشتراكية كنظام وكأيديولوجية وانتهت الحرب الباردة بانتصار المعسكر الرأس مالي وانتشار المذهب الليبرالي والسوق الحر .
ومن خلال ذلك ، فإن الحرية وفق المذهب الاشتراكي ليست حقا طبيعيا كما يزعم أنصار المذهب الفردي ، وإنما هي ممنوحة للفرد من الجماعة ،وقد أدى ذلك إلى توسيع نطاق القاعدة القانونية وانبساطها على مختلف أفاق النشاط في الجماعة فتقلص بذلك "مبدأ سلطان الإرادة" و "حرية التعاقد" وزيادة تدخل الدولة لإقامة المساواة الحقيقية بين المتعاقدين لمنع تحكم أحد طرفي العقد ، وبما يملك في قوة اقتصادية من من ظروف العرض والطلب.
نقد:
- تعرف هذا المذهب إلى الكثير من الانتقادات منها أن القضاء على نشاط الفرد وإضعاف روح الابتكار عنده نتيجة حرمانه من حق الملكية .
- إذا كان هذا النظام يؤدي إلى القضاء على الاستغلال فإنه من جهة أخرى يسمح لطبقة أخرى باستغلال الطبقة العاملة واستبعادها ، وذلك عن طريق القضاء على حرياتهم وحقوقها.
مذهب التضامن الاجتماعي
La Doctrine De Le Solidarité Sociale
من أبرز فقهاء هذه المدرسة ، الفقيه الفرنسي "ليون ديجي"، وكذلك الفقيه "موريس هوريو" .
يرى الأستاذ "ليون ديجي" أن القانون مرتبط بالتضامن الاجتماعي، حيث يرى"ديجي" أن الإنسان قد عاش في الماضي كما يعيش الآن مع غيره في حياة اجتماعية ، والمجتمع بالنسبة إليه يعتبر حقيقة واقعية . فالإنسان هو من جهة عضو في جماعة إنسانية ، ومن جهة أخرى هو إنسان له كيان شخصي مستقل عن المجتمع ، له حاجاته الشخصية وميوله الخاص الذي لا يمكن إشباعه إلا في ظل مجتمع .
من خلال ذلك ، يرتبط الإنسان بأفراد المجتمع ارتباط تضامن ، فالتضامن عند "ديجي" حقيقة علمية واقعية ، وليست مثلا أعلى ميتافيزيقي . ويرى "ديجي" أن ظاهرة التضامن ظاهرة حقيقية ويظهر ذلك كمثال :
- عند القبائل الرُّحل ، حيث كان الناس يجتمعون للدفاع عن كيانهم وظروف حياتهم .
- في مجال الأسرة ، نلاحظ التضامن بصورة واضحة وكاملة ، حيث أن الدافع المؤدي إلى ذلك أكثر مما سبق والمتمثل في عوامل القراية والدين .
- أمّا في المدن ، فيظهر التضامن الاجتماعي بين الأسر ذات التقاليد والأصول والأعراض المتحدة .
وما يمكن قوله بشأن هذه النظرية أنها تفترض قيام تضامن اجتماعي سامي على كل الخلافات الموجودة بين الطبقات ، وهذا معناه أن الفوارق الموجودة مهما تضاعفت وتسلطت معها الطبقة الحاكمة فإن الطبقة المحكومة تبقى مقيدة بفكرة التضامن .
مفاهيم عامة حول دولة القانون
شاع مفهوم دولة القانون في نهاية القرن العشرين ، ومفهومه ببساطة هو حكم القانون الشامل و سمو قواعده فوق الجميع .
ويتركز هذا المفهوم على مجموعة من الأسر ينبغي أن تسير عليها الأنظمة الحاكمة وتتمثل هذه الأسس في :
- ضرورة وجود دستور.
- مبدأ الفصل بين السلطات .
- التعددية السياسية .
- حرية التعبير والصحافة والرأي .
ويدخل كل ذلك في إطار ما يسمى بـ: احترام حقوق الإنسان.
1)-ضرورة وجود الدستور :
كلمة دستور ليست عربية الأصل ومعناها هو القانون الأساسي ، لكن هناك من يستعمل الدستور بهذا المعنى، وهناك من يستعمل "مصطلح القانون الأساسي" للدلالة على قوانين لا تصل إلى مرتبة الدستور ، غير أنها تعتبر أساسية حيث توجد هناك قوانين أخرى تتناولها بالشرح، أو قوانين أخرى تتناول أحد جزيئات القانون الأساسي.
إذن فالدستور هو الوثيقة المنظمة للدولة وشؤون الحكم وهذا هو المعنى الحقيقي لهذه الكلمة في حيز أنها يمكن أن تستعمل بمعنى واسع فيكون مجموعة القواعد الأساسية التي تبين كيفية تكوين وتنظيم الجماعة ، وقد يكون مكتوبا أو عرفيا . ومن خلال هذا المفهوم ، فإن الدستور يوجد في كل جماعة من الأسرة حتى الدولة وهذا هو المعنى الواسع للدستور.
وقد بدأت الحركة الدستورية في الظهور في عصر النهضة الأوروبية من أجل تفسير السلطة الواسعة للملك ومن ثمّ ظهرت الدساتير المكتوبة من أجل الحد من السلطة المطلقة و الاستبدادية للملوك.
أما من الناحية القانونية ، فإن الدستور ينظم شؤون الدولة وعلاقة أجهزته ببعضها البعض ، كما أن الحكام يمارسون وظائفهم ز اختصاصاتهم طبقا لهذا الدستور .
ومن الجانب القانوني فإن الدستور له مفهوم شكلي وآخر موضوعي .
أما المفهوم الشكلي فهو مجموعة القواعد القانونية التي تتضمنها الوثيقة الدستورية ، إذن المفهوم الشكلي للدستور يتمثل في مجموعة النصوص القانونية المتضمنة في الوثيقة الدستورية الموضوعة من طرف هيئة مختصة .
غير أن هذا المفهوم الشكلي يتعارض مع وجود دساتير عرفية غير مكتوبة في وثيقة معتمدة لدستور ، ومثال لذلك دستور انكلترا .
أما المفهوم الموضوعي فيتعلق بمجموعة القواعد التي تنظم شكل الدولة ونظام الحكم وطبيعة العلاقة بين السلطات المختلفة واختصاصاتها،وكذلك مجموعة القواعد التي تبين حقوق الأفراد وحرياتهم العامة وضماناتها . وفي كل هذه الأحوال دون النظر إلى ما إذا كانت مكتوبة في وثيقة أو كانت عرفية .
ومن خلال المفهومين السابق ذكرهما اختلف الفقهاء حول المعيار المعتمد في تعريف الدستور فمنهم من اعتمد المعيار الشكلي معتبرا الدستور هو تلك الوثيقة المكتوبة والمدوّنة ، ومنهم من اعتمد المعيار الموضوعي الذي يعتمد على جوهر نظام الحكم ومضمون الدستور.
2)-مبدأ الفصل بين السلطات :
من المبادئ التي يرتكز عليها مفهوم دولة القانون بدأ الفصل بين السلطات .
لقد اقترن هذا المبدأ بالفقيه"مونتسكيو" الذي تطرق له في كتابه "روح القوانين".ويرى "مونتسكيو" أن مبدأ الفصل بين السلطات وسيلة للتخلص من السلطة المطلقة للملوك ، حيث أن جمع السلطات في يد واحدة يؤدي إلى الاستبداد ، وللحد من ذلك كان يجب وضع قيود على تلك السلطات ، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بوجود سلطة مقابلة لها – السلطة توقف السلطة .
من خلال ذلك ، يجب أن تكون السلطات موزعة بين هيئات مختلفة تعمل من أجل تحقيق المصلحة العامة وتوقف كل منها الأخرى عند اعتدائها على اختصاصاتها .
ويرى الفقيه "مونتسكيو" أن الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات يؤدي إلى ضمان احترام الحقوق والحريات الفردية بحيث يجب أن توزع هذه السلطات بين ثلاث هيئات :
- السلطة التشريعية تكون بيد الشعب أو ممثليه
- السلطة التنفيذية بيد ملك قوي
- السلطة القضائية تسند إلى هيئة مستقلة
3)-التعددية السياسية :
لقد كانت الأنظمة السياسية في النظام الدولي السياسي قبل انهيار المعسكر الاشتراكي يحضى بحماية مبدأ السيادة ، حيث أنه بموجب هذا المبدأ كانت الأنظمة السياسية تقبل في الأمم المتحدة سواء كانت ديمقراطية أو ديكتاتورية .
وقد جاء في اللائحة المتعلقة بالعلاقات الودية سنة 1975 أن لكل دولة حق الاختيار الحرية نظامها السياسي والاجتماعي والثقافي . والاختيار في هذا النص يخص "الدول" لا "الشعوب" أي أن هناك إمكانية الاختيار من طرف الحكومات ضد إرادة الشعوب .
غير أن هناك تحول على صعيد المجتمع الدولي ، وأصبحت الأمم المتحدة تعمل على تجسيد مبدأ الانتخابات الدورية والنزيهة وكذلك المساعدة على إجراء هذه الانتخابات فقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1990 اللائحة 150/45 حول تعزيز فعالية مبدأ الانتخابات الدورية والنزيهة كعنصر أساسي للتمتع الفعلي بعدد كبير من الحريات والحقوق الأساسية الأخرى .
غير أن هذه النصوص قد لاقت مقاومة شديدة من تلك الدول التي أبقت على هذه النصوص نظرية دون تطبيقها في الميدان . وقد تجسدت هذه المقاومة في صدور نصوص لاحقة وفي نفس الوقت الذي صدرت فيه النصوص التي تؤكد على ضرورة وجود انتخابات وتعزيز فعاليتها . وتمثلت هذه النصوص اللاحقة في تلك النصوص التي تلحّ على احترام مبدأ سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول فيما يتعلق بالمسارات الانتخابية .
من خلال كل ما سبق يمكن القول أن دولة القانون هي هدف ومسعى حضاري تتسابق من أجل تحقيقه شعوب العالم وحضاراته ، وقد تختلف هذه الشعوب في منهاجها وطرفها لتحقيق هذا المبتغى الاستراتيجي إلا أنها تهدف في الأخير لبلوغ خضوع الدولة للقانون وتحقيق العدالة داخل المجتمع وبين الأفراد .
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma