الركــن المعنـوي للجـريمـة
خطة البحث :
مقدمة:
المبحث الأول : الركن المعنوي في الجريمة العمدية
المطلب الأول : تعريف القصد الجنائي
المطلب الثاني : عناصر القصد الجنائي
المطلب الثالث : صور القصد الجنائي
المبحث الثاني : الركن المعنوي في الجريمة غير العمدية
المطلب الأول : تعريف الخطأ غير العمدي
المطلب الثاني : صور و عناصر الخطأ غير العمدي
المطلب الثالث : أنواع الخطأ غير العمدي
الخـــــاتمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقـــدمـة
لابد لقيام المسؤولية الجنائية لمن يصدر عنه فعل من الأفعال التي يعاقب عليها قانون العقوبات من توافر ركن معنوي يقوم على الإرادة الآثمة التي وجهت سلوك الجـاني المخالف للقانون , فهذه الإرادة الآثمة هي حلقة الوصل بين الجريمة كواقعة مادية لها كيان خارجي , و بين الإنسان الذي صدرت عنه , و الذي يعتبره القانون بالتالي مسؤولاً عن هذه الجريمة و يصفه بأنه جانٍٍ أو مجرم .
و دراسة الركن المعنوي للجريمة هي دراسة للإرادة الآثمة للنفسية الإجرامية التي دفعت الجاني إلى إقتراف الجريمة , و البحث عن الجانب النفسي للجاني , فهل الفعل الضار الذي إرتكبه صدر عن قصد عمدي معبرًا عن سوء نية أو روح عدوان , أم كان مجرد فعل صادر عن خطأ أو عن إهمال بدون تعمّّّّّّّد ؟ وهذا يقودنا إلى طرح التساؤل التالي : ما هي صور الركن المعنوي للجريمة ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المبحث الأول:الركن المعنوي في الجريمة العمدية(القصد الجنائي)
المطلب الأول : تعريف القصد الجنائي:
أشار قانون العقوبات الجزائري في كثير من مواده إلى القصد الجنائي بإشتراطه ضرورة توافر العمد في إرتكاب الجريمة دون أن يشير إلى تعريفه كغيره من قانون العقوبات على وجه العموم و قد حاول الفقه القيام بهذه المهمة فقيل بتعريفات عديدة لا تختلف في مضمونها إذ تدور حول نقطتين, الأولى: وجوب أن تتوجه الإرادة إلى إرتكاب الجريمة , و الثانية : ضرورة أن يكون الفاعل على علم بأركانها فإذا تحقق هذان العنصران معا ( العلم و الإرادة ) قام القصد الجنائي و بانتفائهما أو إنتفاء أحدهما ينتفي القصد الجنائي, و بناءا عليه نستطيع تعريف القصد الجنائي بأنه العلم بعناصر الجريمة و إرادة إرتكابها. (1)
وكما عرفه أيضا الدكتور فتوح عبد الله الشاذلي ب( القصد علم بعناصر الجريمة كما هي محددة في نموذجها القانوني و إرادة متجهة إلى تحقيق هذه العناصر أو قبولها).(2)
المطلب الثاني : عناصر القصد الجنائي:
أولا : العـــــلـم
*ماهية العلم : العلم هو حالة ذهنية أو قدر من الوعي يسبق تحقق الإرادة و يعمل على إدراك الأمور على نحو صحيح مطابق للواقع . و العلم بهذا المعنى يرسم للإرادة إتجاهها و يعين حدودها في تحقيق الواقعة الإجرامية و لذلك يجب توافر العلم بعناصر الواقعة الإجرامية.
و عناصر الواقعة الإجرامية التي يلزم العلم بها لقيام القصد الجنائي هي كل ما يتطلبه المشرع لإعطاء الواقعة وصفها القانوني و تمييزها عن غيرها من الوقائع المشروعة و إلى جانب الإرادة يتعين أن يحيط الجاني علما بجميع العناصر القانونية للجريمة أي بأركان الجريمة كما حددها نص التجريم فإذا إنتفى العلم بأحد هذه العناصر بسبب الجهل أو الغلط إنتفى القصد بدوره.
* العلم بالوقائع : الأصل أن يحيط علم الجاني بكل الوقائع التي يتطلبها القانون لقيام الجريمة فلا يقتصر الأمر على العناصر السابقة على السلوك و إنما يعتمد
ــــــــــــــــــــ
(1)- أ/ عبد الله سليمان: شرح قانون العقوبات الجزائري(القسم العام/ الجريمة)- ديوان المطبوعات الجامعية- الجزائر-1998- ص: 231
(2)- د/فتوح عبد الله الشاذلي: شرح قانون العقوبات(القسم العام)- أبو العزم للطباعة-
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 2 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليشمل العناصر اللاحقة و المعاصرة للفعل طالما كانت ضرورية للتكوين القانوني للواقعة.
*** الوقائع التي يجب العلم بها :
الوقائع التي تدخل في تكوين الجريمة و التي يتطلب المشرع أن يحيط علم الجاني بها هي :
- 1/ موضوع الحق المعتدى عليه :
لقيام القصد الجنائي وجب أن يكون الجاني على علم بموضوع الحق الذي يعتدي عليه ففي جريمة القتل مثلا يتطلب القصد أن يكون على علم بأنه يعتدي على إنسان حي , و في جريمة السرقة يجب أن يعلم أن المال مملوك للغير, فإذا كان الجاني يجهل هذه الحقائق إنتفى القصد.
- 2/ العلم بخطورة الفعل على المصلحة المحمية قانونا :
إذا اعتقد الجاني أن فعله لا يكون خطرا على المصلحة المحمية قانونا ثم قام بفعله على هذا الأساس فإن فعله الضار لا يعد جريمة عمدية إذا ينتفي القصد لديه
-3/ العلم بمكان و زمان إرتكاب الفعل :
الأصل أن القانون يجرم الفعل في أي مكان وقع أو في أي زمان حدث و لكن القانون إشترط في بعض الجرائم أن ترتكب في مكان محدد فجريمة التجمهر لا تتم إلا في مكان عام (م/97 ق ع) و كذلك جريمة السكر العلني (م 1 الأمر رقم 75-26 الصادر في 29 أفريل 1975) و جريمة ترك الأطفال لا تتم إلا في مكان خالٍ (م/ 413ق ع).
كما إشترط القانون على بعض الجرائم أن ترتكب في زمان محدد كالجرائم التي ترتكب في زمن الحرب (م/62 , م/73 ق ع) و الجرائم التي ترتكب بعد الكوارث الطبيعية (م/354 ق ع).
و قد يجتمع الشرطان معا و في نفس الواقعة كاشتراط العلم بزمان و مكان الجريمة , كما في جريمة الإعتداء على مسكن ليلا (م/40 ق ع)
-4/ العلم ببعض الصفات في الجاني أو المجني عليه :
قد يتطلب المشرع صفة معينة في الجاني أو المجني عليه , كما يقتضي أن يعلم الجاني بهذه الصفات كي يقوم القصد في الجريمة المرتكبة. و من الصفات الخاصة في الجاني أن تعلم المرأة التي نحاول إجهاض نفسها بأنها حامل , فإذا
قامت المرأة بأعمال أجهضتها و هي لا تعلم أنها حامل لا ترتكب جريمة عمدية أي ينتفي قصدها الجنائي. (1)
ــــــــــــــــــــ
(1)- أنظر المرجع السابق للأستاذ عبد الله سليمان:– ص: 251,252
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 3 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و من الصفات الخاصة بالمجني عليه التي يتطلبها القانون و التي يجب أن يعلمها لتوافر القصد كون المجني عليه موظفا في جريمة إهانة الموظفين ( م/144 ق ع ) , و كون المرأة متزوجة في جريمة الزنا ( م/339 ق ع)
-5/ توقع النتيجة :
يهدف من أتى فعلا إلى تحقيق نتيجة محددة فيها , و توقع هذه النتيجة أمر مطلوب يتوافر القصد لديه فمن يطلق النار على خصمه يتوقع أن يقتله و تكون جريمة عمدية إذ يتوافر القصد لديه.
يعد الظرف المشدد الذي يغير من وصف الجريمة بمثابة ركن لها و لذا وجب إحاطة علم الجاني به , م/97 عقوبات التجمهر المسلح يختلف عن جريمة التجمهر البسيط و لذا وجب علم الجاني بأنه في تجمهر مسلح لتطبيق العقوبات المشددة عليه و ما يقال على جريمة التجمهر يقال على جريمة السرقة الموصوفة. 6/ العلم بالظروف المشددة التي تغير من وصف الجريمة 1)
*** الوقائع التي لا يؤثر الجهل بها في القصد الجنائي :
هذه الوقائع ترتبط بالجريمة و لكنها لا تعتبر ركنا فيها و لهذا فإن القانون لم يوجب العلم بها و لم يعتبر الجهل مؤثرا , و لذلك فإنها لا تؤثر على القصد الجنائي سواء علم به الجاني أو لم يعلم و هذه الوقائع هي :
1/ جهل الجاني بحالته الشخصية التي تتطلب تشديد العقوبة : فكما هو معروف فإن العود يؤدي إلى تشديد العقوبة و الجاني يرتكب جريمة و كان قد حكم عليه من قبل , لا يقبل دفعه بأنه نسي إرتكابه للجريمة السابقة بل يعاقب على أساس توفر القصد الجنائي و مع الإشارة إلى أن الظرف لا يغير من وصف الجريمة , فالعود في المخالفات لا يرفعها إلى جنح ( م/ 465) 2/ جهل الجاني بأنه أهل لتحمل المسؤولية : أن يعتقد أنه دون السن القانوني لذلك أو كان يظن بحكم وظيفته أنه يتمتع بالحصانة و الواقع غير ذلك ففي هذه الأحوال لا ينتفي عنه توفر القصد الجنائي و يحاسب على جرائمه على أساس العمد أو كان يعتقد أنه مصاب بمرض عقلي مانع من المسؤولية إعتمادا على ملف طبي ظهر أنه خـاطئ. 3/ الجهل بالقانون أو الغلط فيه : فالأصل أن من كان يجهل أن القانون قد منع هذا الفعل أو عاقب عليه فإن جهله لا يؤثر في توفر القصد الجنائــي. (2)
* لكن ما القول لو إنصب الغلط على القانون نفسه , فادعى الجاني بأنه يجهل القانون أو أنه وقع في غلط عند تفسيره ؟
ــــــــــــــــــــ
(1)- أ/ عبد الله سليمان: المرجع السابق – ص: 253 , 254
(2)- د/ منصور رحماني: الوجيز في القانون الجنائي العام – دار العلوم للنشر- عنابة-2006 - ص: 110
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 4 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن إحتجاج الجاني بجهله القانون أنه وقع في غلط عند تفسيره لنفيه القصد هو إحتجاج غير مقبول فالقاعدة أنه لا يعذر الإنسان بجهله للقانون فالعلم بالقانون مفترض و نظرا لأهمية هذه القاعدة فقد تأكدت في نص دستوري لا يعذر بجهل القانون .
ولهذا فإن الفقه يميل إلى التخفيف من هذه القاعدة و ذلك بالقول بأن القصد ينتفي عند الإستحالة المطلقة للعلم بالقانون و أنه يمكن الإحتجاج بالجهل بالقانون إذا كان محل الجهل أو الغلط بقانون آخر غير قانون العقوبات و إنه يجوز نفي القصد في حالة الغلط دون خطأ Erreur invincible كما يسميه القضاء الفرنسي.
ثانيا : الإرادة
** المقصود بالإرادة : الإرادة قوة نفسية تتحكم في سلوك الإنسان فهي نشاط نفسي يصدر من وعي و إدراك بهدف بلوغ غرض معين , فإذا توجهت هذه الإرادة إلى المدركة و المميزة عن علم لتحقيق الواقعة الإجرامية بسيطرتها على السلوك المادي للجريمة و توجيهه نحو تحقيق النتيجة قام القصد الجنائي في الجرائم المادية ذات النتيجة , في حين يكون توافر الإرادة كافيا لقيام القصد إذا ما اتجهت لتحقيق السلوك في جرائم السلوك المحض.
و للإرادة أهمية قصوى في نطاق القانون الجنائي , فالقانون يغني الأعمال الإرادية فإذا تجرد فعل الإنسان من الإرادة فلا يعتدّ به ولو أصاب المجتمع بأفدح الخسائر.
** نطاق الإرادة في مجال القصد الجنائي : تؤلف الإرادة العنصر الأساسي في القصد الجنائي و في الركن المعنوي على وجه العموم , فما مدى سيطرتها على ماديات الجريمة ؟
إن توجه الإرادة لتحقيق الجريمة يبدو واضحا بالنسبة للجرائم الشكلية التي تقوم بمجرد السلوك المحض , ففي توجه الإرادة لتحقيق السلوك ما يكفي للقول بأنها تسيطر على كل ماديات الجريمة الشكلية , أما بالنسبة للجرائم المادية فإن الأمر موضع خلاف , فالإرادة تسيطر على السلوك و لكن ما علاقتها بالنتيجة ؟
إنقسم الفقه بهذا الشأن إلى رأيين , الأول يرى ضرورة أن تكون الرابطة بين الإرادة و النتيجة رابطة قوية بحيث تتجه إرادة الفاعل إليها و ترغب في تحقيقها و بالتالي تسيطر عليها كما تسيطر على ماديات السلوك و قد سمي هذا الإتجاه في الفقه بـ ( نظرية الإرادة ) . (1)
و الرأي الثاني يرى أن الرابطة بين الإرادة و النتيجة رابطة ضعيفة إذ يكتفي بنوع العلاقة تقوم بمجرد العلم أو التصور أو التوقع فيما يطلق عليه الفقه ( نظرية العلم ) , و سنحاول فيما يلي بيان كل رأي منهما على النحو التالي :
ــــــــــــــــــــ
(1)- أ/ عبد الله سليمان: المرجع السابق – ص: 257 , 285
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 5 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*** 1/ نظرية العـلم : ترى هذه النظرية أن إرادة الجاني تتجه لتحقيق الفعل مع علمه أو توقعه بالنتيجة فالإرادة لا يمكنها أن تسيطر على الأفعال اللاحقة على السلوك حيث تقتصر على الفعل ( السلوك ) و تأتي النتيجة بعد ذلك طبيعية لا سيطرة لإرادة الإنـسان عليها و على هذا الأساس فإن إرادة النتيجة ليست من عناصر القصد الجـنائي إذ يكفي أن يريد الفاعل الفعل و يتوقع النتيجة فحسب .
و خلاصة هذا الرأي أن القصد الجنائي يقوم على إرادة السلوك و العلم بالنتيجة أو توقعها.
*** 2/ نظرية الإرادة : ترى هذه النظرية أن الإرادة تتوجه لتحقيق الفعل المكون للجريمة فهي تريد السلوك و تريد النتيجة التي يتمثل فيها الإعتداء على المصلحة المحمية قانونا , بل أن إرادة الفاعل تريد كل واقعة تحدد دلالة الفعل الإجرامية إذا كانت جزءا يعتدّ به في تكوين الجريمة.
وحجة هذا الرأي أن العلم وحده كحالة نفسية مجردة من كل صفة إجـرامية لا يمكن أن يوصف بالإجرام فالتجريم يتناول أفعالا و ليس حالات نفسية ثابتة في حين أن الإرادة هي إتجـاه و نشاط تكون مسؤولة إذا ما انحرفت عن الطريق الذي يرسمه القانون.
و ينتقد أنصار هذه النظرية نظرية العلم بالقول بأن مجرد العلم تجعل القصد الجنائي يختلط بالخطأ غير العمدي , و ذلك لأن الجاني في الخطأ غير العمدي قد يتوقع النتيجة أيضا وهي – نظرية العلم – تثير صعوبة في تحديد القصد المباشر و فصله عن القصد الإحتمالي.
و خلاصة هذا الرأي أن القصد الجنائي يتطلب إرادة السلوك و إرادة النتيجة أيضا , فإرادة السلوك وحدها لا تكفي لقيام القصد الجنائي , و هذه النظرية هي السائدة حتى الآن في الفقه على وجه العمــوم. (1)
المطلب الثالث : صور القصد الجنائي:
أولا : القصد العام و القصد الخاص :
- القصد الجنائي العـام :
يهدف الجاني عند إرتكابه الواقعة الإجرامية مع العلم بعناصرها إلى تحقيق غرض معين , بتحقيقه قد تتم الجريمة و يتوافر لها القصد الجنائي العام , ففي جريمة القتل يكون غرض الجاني إزهاق روح المجني عليه , و في جريمة (2)
ــــــــــــــــــــ
(1)- أ/ عبد الله سليمان: المرجع السابق – ص: 259 , 260
(2)- د/فتوح عبد الله الشاذلي: المرجع السابق – ص: 450
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 6 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السرقة يكون غرض الجاني حيازة المال المسروق , و عليه فالقصد العام أمر ضروري و مطلوب في كل الجرائم العمدية .
و ينحصر القصد العام في حدود تحقيق الغرض من الجريمة فلا يمتد لما بعده , و آية ذلك هو أن يكتفي القانون بربط القصد الجنائي بالغرض الذي يسعى له الجاني بغضّ النظر عن الغاية أو الباعث الذي يحركه أو يبتغيه , و على ذلك يعد تحقيق الغرض أو محاولة تحقيقه هو الأمر الضروري لقيام القصد الجنائي العام بوصفه الهدف الفوري و المباشر للسلوك الإجرامي.
- القصد الجنائي الخاص :
قد يتطلب القانون في بعض الجرائم أن يتوافر لدى الجاني إرادة تحقيق غاية معينة من الجريمة , فلا يكتفي بمجرد تحقق غرض الجاني كما في القصد الجنائي العام , بل يذهب إلى أكثر من ذلك فيتغلغل إلى نوايا الجاني و يعتدّ بالغاية التي دفعته إلى إرتكاب الجريمة .
و الغاية هي الهدف الذي يبتغيه الجاني من تحقيق غرضه المباشر في إرتكاب الجريمة , و إذا كان الغرض لا يختلف في الجريمة الواحدة بين جان و وجان آخـر , فإن الغاية تختلف , فقد يكون القتل لغاية التخلص من منافس , أو للحصول على أمواله أو لأمور أخرى , و تختلف الغاية عن الباعث أو الدافع لإرتكاب الجريمة أيضا , فالباعث هو الدافع النفسي لتحقيق سلوك معين بالنظر إلى غاية محددة , فمثلا في جريمة القتل يكون الغرض إزهاق روح المجني عليه , وقد تكون الغاية تخليص المريض من آلامه و الباعث هو الشفقة , فيقال عندئذ : القتل بدافع الشفقة , و قد يكون الباعث ( الدافع ) هو الإنتقام.
و لا يعتد القانون بالباعث إلاّ إذا نص عليه المشرّع صراحة و هو أمر نادر , لأنه يخرج عن دائرة الركن المعنوي للجريمة.
و لا يختلف القصد الخاص عن القصد العام من حيث العناصر التي تكوّن كلا منها , فطبيعتهما واحدة تقوم على توافر ذات العناصر أي عنصري : العلم و الإرادة , لكن موضوع العلم و الإرادة في القصد الخاص أكثر تحديدا و كثافة منه في القصد العام. (1)
ثانيا: القصد المحدد و القصد غير المحدد :
- القصد المحدد :
القصد المحدد هو القصد الذي تتجه فيه الإرادة إلى تحقيق النتيجة الإجرامية في
ــــــــــــــــــــ
(1)- أ/ عبد الله سليمان: المرجع السابق – ص: 262 ,263 , 264
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 7 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
موضوع محدد كما إذا أطلق الجاني النار على شخص أو أشخاص معنيين بقصد قتلهم فالقصد لديه محدد .
- القصد غير المحدد :
هو القصد الذي تنصرف فيه إرادة الجاني إلى إرتكاب الجريمة دون تحديد لموضوعها , وقد أراد كل ما سينجم عنها بغض النظر عمّا ستسفر عنه , عُدَّّ قصده غير محـدود , فمن تتجه إرادته إلى تفجير قنبلة في مكان عام دون أن يكون لديه تصور محدد لأي عدد من الناس سيقتل , فإن قصده يكون غير محدد.
ثالثا: القصد المباشر و القصد غير المباشر :
- القصد المباشـر :
يكون القصد مباشرا عندما تتوجه إرادة الفاعل لإرتكاب الواقعة الإجــرامية التي أرادها بكل عناصرها , بحيث لا يراوده شك بضرورة حدوث النتيجة التي أراد تحقيقها فمن يطلق النار على خصمه بهدف قتله يتوقع نتيجة محددة بعينها و هي إزهاق روح المجني عليه و لذا فإن قصده هنا يعد قصدًا مباشرًا.
- القصد غير المباشر :
إذا باشر الجاني سلوكه المؤدي للنتيجة متوقعًا أن النتيجة ممكنة الوقوع لا أكـيدة الوقوع , فخاطر و مضى في سلوكه فإن قصده هنا يعدّ قصدا غير مباشـر أو إحتمالي.
و القصد المباشر هو الأصل في القصد الجـنائي على مختلف صوره العام و الخاص , المحدود و غير المحـدود , أما القصد الإحتمالي فهو نوع آخـر تختلف فيه الآراء. (1)
ــــــــــــــــــــ
(1)- أ/ عبد الله سليمان: المرجع السابق – ص: 267
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 8 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المبحث الثاني:الركن المعنوي في الجريمة غير العمدية(الخطأ غير العمدي):
المطلب الأول : تعريف الخطأ غير العمدي
الركن المعنوي في الجريمة غير العمدية يتمثل في الخطأ, والخطأ هو إتجاه إرادة الشخص إلى إتيان سلوك خطر دون القيام بما هو واجب عليه من التدبر و الحيطة , و عليه فمن يفضي سلوكه إلى نتيجة إجرامية يكون مسؤولا عنها إذا ثبت أن سلوكه يحمل معنى تجاوز واجبات الحيطة و الحذر حتى و لو أنه لم يتوقع النتيجة الإجرامية متى كان بوسعه أن يتوقعها.
وينحصر الإختلاف بين الخطأ و العمد في أمرين الأول عدم إتجاه إرادة المخطئ إلى النتيجة الإجرامية إن كانت هذه النتيجة عنصرا في الجريمة و الثاني قصور علم المخطئ عن الإحاطة ببعض عناصر الجريمة أو قعوده عن إتخاذ ما كان يجب عليه إتخاذه لتجريد سلوكه من أثره الضار أو الخطأ , و يتفق الخطأ مع العمد في ضرورة الإرادة إلى السلوك ذاته لأن هذا العنصر عام في الركن المعنوي أيا كانت صورته.
المطلب الثاني : صور و عناصر الخطأ غير العمدي:
أولاً : صـور الخطـأ :
نصت المادة 288 من قانون العقوبات الجزائري على صور الخطأ حيث ورد فيها : كل من قتل خطأ أو تسبب في ذلك برعونته أو عدم إحتياطه أو عدم إنتباهه أو إهماله أو عدم مراعاته الأنظمة يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات , و بغرامة مالية من 1000 إلى 20000 دج . و ليست هذه الصور خاصة بالقتل فقط بل تشمل الجرح كما في المادة 289 , كما تضمنت الفقرة الثانية من المادة 442 جميع صور الخطأ. (1)
1 – الرعونة : نوع من التصرف يترك في طياته معنى سوء التقدير أو الطيش و الخفة في عمل يتعين بفاعله أن يكون على علم به كمن يقود سيارة وهو غير مُلَمّ بالقيادة إلمـامَا كافيَا. فالرعونة تفيد سوء تقدير الشخص لقدراته و كفاءاته في
ــــــــــــــــــــ
(1)- أنظر المرجع السابق للدكتور منصور رحماني:– ص: 119
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 9 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القيام بالعمل الذي قام به.
2 – عدم الإحتـياط : و ذلك عندما يدرك الفاعل طبيعة عمله و يعلم أنه يمكن أن تترتب عليه نتائج ضارّة, و لكنه مع ذلك يستخف بالأمر و يمضي في عمله ظاناً بأنه يستطيع أن يتجنب النتيجة. كمن يقود سيارته في وسط مزدحم بالناس معتمدا على مهاراته في تجنب النتيجة الضارة و لكنه لا يفلح إذ بصدم أحـد المـارة في الطـريق. (1)
3 – الإهمـال و عدم الإنتبــاه : و يقصد به عدم القيام بالواجب كما ينبغي , و هو بذلك إمتناع و عمل سلبي , بحيث يترتب على ذلك وقوع الجريمة , و مثاله من يحفر حفرة في النهار لأشغال ما , و يتركها إلى الليل دون تغطيتها ولا إنارتها , فيسقط فيها طفل و يموت .
4 – عدم مراعـاة الأنظـمة و القوانـين : قد يرى المشرع أن سلوكا معينا يهدد إرتكاب الجريـمة فيحظـره توقيًا من إرتكاب الجرائـم. و من هذا القبيل اللوائح و الأنظمة و القوانين العـامة كلوائح تنظيم المدن , و يعد سلوك الجـاني المخالف لهذه الأنظمة سلوكًا خاطئًا , فإذا كان القانون يرتب جزاءًا على هذا الخطـأ فيعد الجاني عند ارتكابه قد إرتكب جريمـة مخالفـة هذه القوانين. كتجـاوز السرعة المسموح بها لقيادة السيارة.
ملاحظة : يذهب الرأي الغالب في الفقه إلى القول بأن صور الخطأ السابقة الذكر قد وردت على سبيل الحصر و ليس على سبيل المثال , و لذا وجب على القاضي عندما يحكم في جريمة غير عمدية أن يثبت إنطواء الخطأ غير العمدي المنسوب إلى الجـاني في إحدى صور الخـطأ المذكــورة.
وذهب رأي مخالف في الفقه إلى القول بأن صور الخطأ قد وردت على سبيل المثال و ليس على سبيل الحصر , مستندًا في ذلك إلى نصوص القانون, ذلك أن النصوص القانونية العديدة التي ذكرت الخطـأ قد أوردت صوره على نحو مختلف فيما بينها, ففي بعض المـواد نجد صورة واحـدة للخطأ , و في مواد أخـرى نجد صورتين أو ثلاثة, في حين أن قليلاً منها ما يجمع بين صور الخطـأ كلها, و لهذا من الخطأ القول بأن نطاق الخطأ يتسع و يضيق تبعًا للصور الواردة في النصوص, فالخطـأ هو الخطـأ و ذكر صوره قد جاء على سبيل المثال لا على سبيل الحــصر.
ــــــــــــــــــــ
(1)- أ/ عبد الله سليمان: المرجع السابق – ص: 272
(2)- د/ منصور رحماني: المرجع السابق – ص: 119
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 10 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثانـيًا : عنـاصر الخطـأ :
يشتـرط لقيـام الخطأ توافـر عنصرين :
** 1 - الإخلال بواجبات الحيطة و الحذر :
يفترض القانون أن الحياة الإجتماعية تتطلب أن يكون الفرد على قدر من الحذر في تصرفاته , فلا يقدم على عمل أو سلوك يحقق نتيجة إجرامية , وقد لا يحيط القانون بكل ما يتوجب على الفرد أن يراعيه في حياته اليومية , فيصبح عندئذ لا مفر من اللجوء إلى الخبرة الإنسانـية العامة لتحديد القواعد الواجب مراعاتها.
*** المعيار الواجب الأخذ به لتحديد هذا العنصر في الخطأ:
إنقسم الفقه حول مسألة التمييز بين التصرفات التي يمكن أن تعد إهمالا أو عدم إحتياط و بين التصرفات التي لا تعد كذلك إلى فريقين :
أ - المعيار الشخصي : يقتضي هذا المعيار ضرورة النظر إلى الشخص المسند له الخطأ و إلى ظروفه الخاصة , فإذا كان من الممكن تفادي سلوكه الإجرامي بالنظر لظروفه و صفاته الخاصة عدّ الفاعل مخطئاً , أما إذا كان هذا الشخص بظروفه و صفاته لا يمكنه تفادي العمل المنسوب إليه عدّ الفاعل غير مقصِّر و لا مخطئ .
ب- المعيار الموضوعي : يقتضي هذا المعيار وجوب المقارنة بين ما صدر عن الشخص المخطئ و ما كان يمكن أن يصدر عن شخص آخر متوسط الحذر و الإحتياط , وضع في مثل ظروفه , فإذا وجدنا أن هذا الشخص العادي المتوسط الحذر كان سيقع فيما وقع فيه المتهم , فلا مجال لمساءلته لأنه ليس مهملاً , أما إذا لم يقع ذلك الشخص العادي المتوسط الحذر في ما وقع فيه المتهم فعندئذ يعدّ مهملا و يسأل عن الجريمة
إن الفقه على العموم يميل إلى الأخذ بالمعيار الموضوعي ( المادي ) لتقدير قيام الخطأ مع مراعاة الظروف الشخصية للمتهم من أجل تقدير الجــزاء العادل.
** 2- العلاقة النفسية بين الإرادة و النتيجة :
تقتضي مسؤولية المتهم عن عمله الخاطئ أن تتوافر علاقة بين إرادته و النتيجة التي حصلت , هذه العلاقة قد تكون ضعيفة في حالات معينة , و قد تكون أشد أو أقل ضعفا في حالات أخرى , تبعا لإمكانية توقع النتيجة أو عدم إمكانية توقعها.(1)
ــــــــــــــــــــ
(1)- أ/ عبد الله سليمان: المرجع السابق – ص: 274 , 275 , 276
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 11 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أ – في حالة عدم توقع النتيجة :
قد يقوم الشخص بسلوكه دون أن يتوقع النتيجة التي يمكن أن يؤدي إليها سلوكه الإجرامي , و مع ذلك فإنه يُسأل عن النتيجة التي حصلت إذا كان بإمكانه مع التبصر و الحيطة أن يتوقع النتيجة , إذ بإمكانه عندئذٍ أن يتجنب النتيجة الضارة , فالإرادة هنا مخطئة لأنها لم تتجنّب الشر و كان بوسعها ذلك , وإذا ثبت أن إرادة الفاعل لم تتوقع النتيجة و لم يكن بمقدورها ذلك , أو أنها لم تتجنب النتيجة لأنها لم تكن قادرة على تجنبها , فإن الرابطة بين الإرادة و النتيجة في مثل هذه الحالة تنقطع و لا تقوم الجريمة غير العمدية.
ب – في حالة توقع النتيجة :
تكون العلاقة بين الإرادة و النتيجة الإجرامية في هذه الحالة أقوى من حالة عدم توقع النتيجة , فالفاعل هنا يتوقع النتيجة الإجرامية , و لكنه يحسب أن بوسعه تجنبها فيقوده هذا التقدير الخاطئ إلى إرتكاب الجريمة غير العمدية , و يوصف الخطأ هنا على أنه خطأ واعي أو خطأ مع التبصر , ذلك أن الجاني لم يفاجأ تمامًا بالنتيجة لأنه كان قد توقعها و كان يحسب أن بمقدوره تجنبها فاعتمد على إحتياط غير كاف للحيلولة دون حدوثها.
المطلب الثالث : أنواع الخطأ غير العمدي:
يميّز الفقه بين عدة أنواع من الخطأ تتمثل في :
أولاً : الخطأ المادي و الخطأ الفني :
الخطأ المادي هو الإخلال بالإلتزام المفروض على الناس كافة باتخاذ العناية اللازمـة عند القيام بسلوك معين أو إتيان فعل ما لتجنب ما قد يؤدي هذا السلوك من نتيجة غير مشروعة , و الخطأ الفني يتمثل في إقتراف رجل الفن أو صاحب المهنة خطأً مهنياً .
إن المعيار الذي يهتدى به في مجال الخطأ المادي و الخطأ الفني هو معيار رجل المهنة العادي الذي يوضع في نفس ظروف المتهم , فإذا كان سلوكه يتفق مع سلوك المتهم فعندها لا يوصف عمل المتهم بالخطأ , أما إذا كان اختلف معه فيوصف عمل المتهم عندئذٍ بأنه عمل خاطئ و يتحمل مسؤوليته عن جريمة غير عمدية. (1)
ــــــــــــــــــــ
(1)- أ/ عبد الله سليمان: المرجع السابق – ص: 280
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 12 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثانـيًا : الخطأ الجسيم و الخطأ اليسير :
الخطأ الجسيم هو الخطأ الواضح الذي يستطيع أن شخص أن يتوقعه , أما الخطأ اليسير فهو أقل وضوحًا وإن كان باستطاعة الشخص العادي توقعه , في حين يكون الخطأ يسيرًا جدًا حيث تتطلب إستطاعة توقعه تبصرًا غير عادي. و يعتبر القانون من أخطأ مسؤولاً و لو كان خطؤه يسيرًا , و إن كان من العدل أن يلجأ القاضي ضمن حدود سلطته التقديرية إلى تشديد عقوبة من يرتكب الخطأ الجسيم.
ثالثـًًا : الخطأ الجنائي و الخطأ المدني :
إن الخطأ مهما تضاءل ( الخطأ التافه أو اليسير جدًا ) يصلح لأن يرتب المسؤولية المدنية , و لكنه لا يصلح لترتيب المسؤولية الجنائية التي تتطلب خطأً أكـثر جسامة. (1)
ــــــــــــــــــــ
(1)- أ/ عبد الله سليمان: المرجع السابق – ص: 283
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 13 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخـــاتمة
تحصيلا لما سبق يمكننا القول أن كل الجـرائم تشترط لقيامها توافر ركن معنوي , فأما الجرائم العمدية فيتمثل ركنها المعنوي في القصد الجنائي و يقصد به العلم بعناصر الجريمة و إرادة إرتكابها و أما الجرائم غير العمدية فيتمثل ركنها في الخطأ غير العمدي و هو إتجاه إرادة الشخص إلى إتيان سلوك خطر دون القيام بما هو واجب عليه من التدبر و الحيطة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 14 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المـراجــع المعتمدة
أ / عبد الله سليمان . شرح قانون العقوبات الجزائري القسم العام , ج:1 (الجريمة) ديوان المطبوعات الجامعية, الجزائر , 1998.
د / فتوح عبد الله الشاذلي . شرح قانون العقوبات القسم العام , أبو العزم للطباعة , 2001.
د / منصور رحماني . الوجيز في القانون الجنائي لعام , دار العلوم للنشر و التوزيع , عنابة , 2006.
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma