خطة البحث:
مقدمة
المبحث الأول: المذاهب المختلفة في الإثبات وعبأه ومحله
المطلب الأول : أنواع المذاهب
المطلب الثاني : عبأ الإثبات ومحله
المبحث الثاني : طريق الإثبـــــات
المطلب الأول : طرق الإثبات الرئيسية
المطلب الثاني: طرق الإثبات المكملة
الخاتمــــة
مقدمة
إن صاحب الحق له الحق في الحدود المقررة قانونا دون تجاوز ودون إلحاق الضرر بالغير ، ويتطلب القانون أن يقوم هذا الأخير بإثبات ذلك في غالب الأحيان كما أن القانون يقيم أحيانا قرائن تعفي الشخص من الإثبات نهائيا أو تلقي عبأ الإثبات على الدعي عليه ويمكن طرح الإشكال التالي : من الذي يجب أن يثبت حقه ؟ ولماذا تثبت ذلك الحق ؟
المبحث الأول : المذاهب المختلفة في الإثبات وعبأه ومحله
الإثبات هو إقامة الدليل أمام القضاء ، وقد يلزم القاضي بهذا الدليل كما يمكن أن يلتزم به ، وقد يفرض القانون على المتقاضي تقديم دليل معين كما تترك الحرية للقاضي في التحري وذلك وفقا لاعتماد مذهب من المذاهب المختلفة في الإثبات .
المطلب الأول : أنواع المذاهب :
1.مذهب الإثبات المطلق :
ويكون للقاضي وفقا لهذا المذهب سلطة واسعة في التحري عن الوقائع ، فيكون له دور فعال في تسيير الدعوى وجمع الأدلة ، ويعاب على هذا المذهب أنه يعطي سلطة واسعة وكبيرة للقاضي مما قد يؤدي بالإضرار بطرفي النزاع ، إذ يحتمل أن يتعرضوا لمفاجآت نتيجة اختلاف التقدير من قاض لآخر وبالتالي تقل الثقة في نظام الإثبات .
2. مذهب الإثبات المقيد :
قد يفرض المشرع للإثبات طرقا محددة ، فلا يستطيع المتقاضي ( صاحب الدعوى) إقامة الدليل على حقه بغير الوسيلة التي حددها القانون ، كما يكون القاضي ملزما بهذه الطرق ، فهذا المذهب يقيد القاضي إلى أبعد الحدود ويحقق الانسجام في تقدير القضاة مما يترتب عليه استقرار المعاملات إلا أنه يؤخذ على هذا النظام أن الحقيقة القضائية لا تتفق مع الحقيقة الفعلية أو الواقعية لأن القاضي و المتقاضين ملزمون بطرق محددة فلا يمكن إقامة الدليل على أمر واضح بغير الطرق التي حددها القانون.
3.مذهب الإثبات المختلط :
يأخذ هذا المذهب بالإثبات المقيد في مسائل معينة كالمسائل المدنية التي يتطلب المشرع إثباتها بالكتابة أما في المسائل الأخرى ، فإثباتها يكون مطلقا إذ للقاضي تقدير شهادة الشهود أو القرائن القضائية وفقا لاقتناعه الشخصي ، أما المسائل التجارية فيأخذ فيها بنظام الإثبات المطلق نظرا لما تتطلبه هذه المسائل من سرعة في التعامل ، إذ يصعب إقامة الدليل عليها كتابة فلا يمكن تقييدها بأدلة معينة وتأخذ معظم التشريعات ومن بينها المشرع الجزائري بالمذهب المختلط وفيه يكون للقاضي موقف وسط ، إذ قد يكون له مطلق الحرية في المسائل المدنية حيث يستطيع ومن تلقاء نفسه الأمر بإجراء تحقيق في الوقائع التي تكون بطبيعتها قابلة للإثبات بالنظر للبيئة مثلا ، كما أن له أن يوجه اليمين المتممة إلى أحد الخصوم من تلقاء نفسه أيضا ويكون دور القاضي مقيدا وسلبيا كلما قيده القانون بأدلة معينة كوجوب الكتابة في الاعتداء مثلا.
المطلب الثاني : عبأ الإثبات ومحله :
1. عبأ الإثبات :
يقع عبأ الإثبات على من يدعي وجود الحق ابتداء ، فمن يدعي إصابته بضرر من عمل غير مشروع يكون مكلفا بإثبات واقعة الفعل الضار بكافة الطرق ، بأن يقدم للقاضي أدلة الضرر الذي لحقه ، وأدلة الخطأ الذي وقع من جانب المدعي عليه وعلاقة السببية بين الخطأ والضرر .
وفي حالة دفع الادعاء من جانب المدعي عليه يقع الأخير عبأ الإثبات كما لو ادعى الوفاء بالدين الثابت بالكتابة مثلا يلتزم بتقديم ما يثبت الوفاء كتابة لأنه في هذه الحالة يعتبر مدعيا ببراءة ذمته من ذلك الدين ، ونفس الشيء بالنسبة للمدعي عليه الذي ينكر وقوع خطأ منه أو ينكر رابطة السببية بين سلوكه والضرر الذي أصاب المدعي في دعوى الفعل الضار.
في حالات الخطأ المفترض إذا أراد المدعي عليه بالتعويض أن ينفي مسئوليته عن الحادث الضار فعليه أن يثبت العكس ، وإذا وجدت قرينة قانونية في حالات الخطأ واجب الإثبات وكانت مقررة لصالح أحد الخصوم فانه يعفى من إثبات الواقعة المتعلقة بها وعلى الخصم الآخر يقع إثبات عكس القرينة القانونية.
مثال : إذا أثبت المستأجر بمخالصة عن الوفاء بأجرة الشهر الرابع من هذا العام تعتبر قرينة قانونية على سداد الأجرة المستحقة ، ويعفى من إثبات الوفاء بالأجرة عن الشهور السابقة ، وينتقل عبأ الإثبات إلى المؤجر لكي يثبت عدم الوفاء وهذا أمر صعب جدا.
// بعض التشريعات تنص على القواعد الموضوعية للإثبات في صلب القانون المدني وينص على الشكلية للإثبات (الإجرائية) في قانون الإجراءات المدنية والتجارية (قانون المرافعات ) في حين تذهب تشريعات أخرى إلى إصدار قانون مستقل للإثبات يجمع القواعد الموضوعية والإجرائية للإثبات معا غير أن التشريع الجزائري أخذ بالنظام الأول فنص على القواعد الشكلية في قانون الإجراءات المدنية//.
2. محل الإثبات : وينقسم إلى قسمين // الواقعة المادية القانونية و التصرف القانوني.
أ- الواقعة المادية القانونية : ويقصد به تلك الواقعة القانونية المنشئة للحق لأنها هي مصدر الحق وبإثبات المصدر نثبت نشأة الحق ووجوده ويتجلى في الواقعة المادية وفي التصرف القانوني ، فالواقعة المادية للقانون قد تكون من فعل الطبيعة وحدها ، ولا دخل للإنسان في إحداثها كالولادة وقد تكون من فعل الإنسان كالجريمة ولكي تكون محل للإثبات يشترط ما يلي :
* أن تكون متعلقة بالدعوى : أي أن تكون الواقعة لها علاقة بالحق موضوع النزاع ، والبداهة لا لزوم لإثبات واقعة لا تتعلق بموضوع الحق المتنازع عليه أمام القضاء.
* يجب أن تكون الواقعة منتجة في الإثبات: يقصد بهذا أن تكون الواقعة مقنعة للقاضي ولو في أحد عناصرها مثلما نصت عليه المادة 64 من قانون الإجراءات المدنية.
* أن تكون جائزة القيود : المقصود أن الواقعة المراد إثباتها على فرض صحتها وإمكان ثبوتها يجوز للمحكمة قبولها كدليل في الدعوى القضائية .
ب- التصرف القانوني : في القانون المدني الجزائري المادة 333 تنص على أن التصرفات القانونية التي تزيد عن 100.000 دج أو تكون قيمتها غير محددة لا تثبت بشهادة الشهود من أن تكون ثابتة بالكتابة وذلك فيما عدا المعاملات التجارية ، ومعنى ذلك أنه يستثني من قاعدة إثبات الحقوق بالكتابة في العقود حالتان :
الحالة الأولى : المعاملات التجارية لأنها تقوم على عاملي السرعة والثقة.
الحالة الثانية : هي التصرفات القانونية التي تقل عن 100.000 دج فأقل سواء في إنشاء الحق أو انقضائه.
المبحث الثاني : طريق الإثبات
تنص التشريعات عادة على طريق الإثبات ووسائله وفي بعض الحالات تحدد الأدلة التي يجب تقديمها للقضاة في دعاوى معينة ، وبالتالي تعتبر وحدها جائزة القبول دون غيرها وبوجه عام يمكن حصر أهم وسائل الإثبات أمام القضاء في صنفين موزعين على مطلبين :
المطلب الأول : طرق الإثبات الأساسية :
أولا : الكتابة : تعتبر الكتابة من أهم طرق الإثبات في عصرنا هذا ، ولقد ذكرت سابقا أن المادة 333 من القانون المدني الجزائري تضمنت حكما مؤداه أنه في غير المسائل التجارية لا يجوز الإثبات إلا بالكتابة سواء لإثبات الحق أو الوفاء به ، والكتابة نوعان كتابة رسمية وكتابة عرفية ، فالكتابة الرسمية يقصد بها ما تكون من عمل موظف رسمي مختص كما هو الحال في عقود الرهن الرسمي ، أما الكتابة العرفية فهي التي يقوم بها الأفراد فيما بينهم دون تدخل الإجراءات الرسمية ولكل من النوعين حجية خاصة كدليل للإثبات بحسب نصوص القانون.
ثانيا: شهادة الشهود : وهي الأقوال التي يدلي بها الأشخاص في ساحات القضاء بشأن إثبات أو نفي واقعة قانونية أيا كان نوعها ، وهناك نوعان من الشهود شهود إثبات وشهود نفي ، وللمحكمة إلى الشهود دائما سواء للإثبات أو النفي لكي تتجلى الحقيقة. وتقبل شهادة الشهود كدليل إثبات في المسائل التجارية عموما ، وكذلك في المسائل المدنية في الحدود المقررة ولكن الشهادة لا تكون ملزمة للقاضي بل تخضع لتقديره.
ثالثا : القرائن القانونية والقضائية : وهي التي ينص المشرع عليها كدليل لإثبات ويعفى فيها صاحب الحق من عبأ الإثبات ، ومن أمثلتها قرينة الوفاء بالأقساط عند ثبوت الوفاء بقسط الأجرة اللاحق ولقد نصت المادة 449 مدني بما يلي : ((الوفاء بقسط من الأجرة يعتبر قرينة الوفاء بالأقساط السابقة حتى يقوم الدليل على عكس ذلك )) غير أن القرينة أيا كان نوعها فهي أدنى من مستوى الدليل في مجال الإثبات فهي بحاجة إلى قرينة أخرى تسندها كدليل ، بينما الدليل يكون كافيا لإثبات الواقعة القانونية أو نفيها.
رابعا : حجية الشيء المقضي به: الحكم النهائي الفاصل في موضوع الدعوى يعتبر عنوانا للحقيقة والعدالة معا وحجيته تواجه المتخاصمين وعامة الناس ولذلك يتسم بالقوة وهو سبب من أسباب انقضاء الدعوى ويحسمها أيا كان نوعها ، كما أنه نهائي ولا يمكن إعادة رفع النزاع إلى جهة قضائية أخرى ما لم يتغير أطراف الدعوى ومحلها وسببها ، ويمكن استعماله كدليل للإثبات في دعوى قضائية أخرى لحسم نزاع يتصل بالنزاع الذي فصل فيه نهائيا.
المطلب الثاني : طرق الإثبات المكملة :
أولا: الإقرار القضائي : من المبادئ المقررة في الفقه القانوني أن الإقرار القضائي يعتبر سيد الأدلة في الإثبات أمام الجهات القضائية ، ويقصد به اعتراف المدعي عليه بصحة الواقعة القانونية المدعي بها والإقرار دليل قاطع على الإثبات ، غير أنه للقاضي حرية تقدير هذا الاعتراف أو الإقرار ، ويمكنه التحري في حالة الشك في أن المعترف تعرض لإكراه مادي أو معنوي تحقيقا للعدالة والحقيقة.
ثانيا: اليمين : يقصد باليمين أداء القسم ، أي يحلف الشخص بأن يقول الحق ولا شيء غير الحق وإلا تعتبر شهادته باطلة قانونا ، وجرى العمل أن يؤدي الشهود اليمين القانونية قبل الإدلاء بأقوالهم أمام المحكمة ، كما يقسم أيضا المترجمون والخبراء وغيرهم ممن يبدون آرائهم ، واليمين نوعان :
اليمين المتممة : وهي التي يوجهها القاضي من تلقاء نفسه إلى أي طرف من أطراف الدعوى، غير أنه لا أثر لها ، فالقاضي له أن يأخذ بها أو يلتفت عنها حتى بعد أدائها ، كما أن للخصم حق الاقتناع عن أداء هذا اليمين إذ لا يؤثر ذلك على سير المحكمة.
اليمين الحاسمة : فهي التي يوجهها الخصم المدعي للمدعي عليه عندما يعجز عن إثبات حقه الذي يدعيه ويطلب نفي أو إثبات الدعوى ، وبحسب نص القانون تحسم هذه اليمين النزاع سواء بالإثبات لصالح المدعي أو النفي لصالح المدعي عليه . أما في المسائل الجنائية فإن المدعي المدني لا يحلف ولا يعتبر شاهدا لأنه يعتبر خصما ولو كان هو المجني عليه.
ثالثا: المعاينــة : يقصد بها الانتقال إلى مكان النزاع لمشاهدته على الطبيعة بقصد التوصل الى معرفة الحقيقة والفصل في الدعوى على ضوء نتيجة المعاينة ، وقد تنتقل المحكمة بهيئتها القضائية لإجراء المعاينة إذا كانت هناك مبررات وذلك لرفع الملابسات الغامضة في موضوع النزاع.
وقد نص قانون الإجراءات المدنية الجزائري علة أنه يجوز للقاضي أن يرافق من يختاره من أهل الخبرة للاستعانة به عند إجراء المعاينة والاسترشاد بخبرته الفنية في موضوع النزاع ، كما يمكن سماع الشهود بعين المكان على أن يحرر على شكل محضر ويوقع عليه القاضي والكاتب ويودع بملف الدعوى.
رابعا: تقارير الخبراء : كثيرا ما يلجأ القضاء إلى الخبراء من أطباء و مهندسين و فنيين لإجراء الفحص والبحث والتحليل في الدعاوى التي تثار فيها مشاكل تقنية مثل تقليد الخطوط وتزوير المحررات وهي مهمة قانونا كقرائن أو أدلة في الإثبات القضائي ، وشرع القانون الجزائري ذلك حيث يمكن الاستعانة بخبير أو أكثر بطلب من القاضي أو أطراف الدعوى كما يجوز للقاضي مناقشتهم في المحكمة سعيا لاستجلاء ما كان غامضا في تلك التقارير.
الخاتمــــة :
من كل ما سبق ذكره نستطيع أن نوجز الكلام في أن القانون فعلا يقر بحق الشخص ويحميه لكن إذا طلب هذا الشخص حقه بدون تعسف وفي الحدود القانونية الشرعية المعروفة التي تثبت حقه بالطرق السالفة الذكر.
-----------------------------------------------------------
المراجــــــــــع:
* د/ فريدة محمدي زواوي مدخل إلى العلوم القانونية / نظرية الحق
* د/ إسحاق إبراهيم منصور نظريتا القانون والحق
مقدمة
المبحث الأول: المذاهب المختلفة في الإثبات وعبأه ومحله
المطلب الأول : أنواع المذاهب
المطلب الثاني : عبأ الإثبات ومحله
المبحث الثاني : طريق الإثبـــــات
المطلب الأول : طرق الإثبات الرئيسية
المطلب الثاني: طرق الإثبات المكملة
الخاتمــــة
مقدمة
إن صاحب الحق له الحق في الحدود المقررة قانونا دون تجاوز ودون إلحاق الضرر بالغير ، ويتطلب القانون أن يقوم هذا الأخير بإثبات ذلك في غالب الأحيان كما أن القانون يقيم أحيانا قرائن تعفي الشخص من الإثبات نهائيا أو تلقي عبأ الإثبات على الدعي عليه ويمكن طرح الإشكال التالي : من الذي يجب أن يثبت حقه ؟ ولماذا تثبت ذلك الحق ؟
المبحث الأول : المذاهب المختلفة في الإثبات وعبأه ومحله
الإثبات هو إقامة الدليل أمام القضاء ، وقد يلزم القاضي بهذا الدليل كما يمكن أن يلتزم به ، وقد يفرض القانون على المتقاضي تقديم دليل معين كما تترك الحرية للقاضي في التحري وذلك وفقا لاعتماد مذهب من المذاهب المختلفة في الإثبات .
المطلب الأول : أنواع المذاهب :
1.مذهب الإثبات المطلق :
ويكون للقاضي وفقا لهذا المذهب سلطة واسعة في التحري عن الوقائع ، فيكون له دور فعال في تسيير الدعوى وجمع الأدلة ، ويعاب على هذا المذهب أنه يعطي سلطة واسعة وكبيرة للقاضي مما قد يؤدي بالإضرار بطرفي النزاع ، إذ يحتمل أن يتعرضوا لمفاجآت نتيجة اختلاف التقدير من قاض لآخر وبالتالي تقل الثقة في نظام الإثبات .
2. مذهب الإثبات المقيد :
قد يفرض المشرع للإثبات طرقا محددة ، فلا يستطيع المتقاضي ( صاحب الدعوى) إقامة الدليل على حقه بغير الوسيلة التي حددها القانون ، كما يكون القاضي ملزما بهذه الطرق ، فهذا المذهب يقيد القاضي إلى أبعد الحدود ويحقق الانسجام في تقدير القضاة مما يترتب عليه استقرار المعاملات إلا أنه يؤخذ على هذا النظام أن الحقيقة القضائية لا تتفق مع الحقيقة الفعلية أو الواقعية لأن القاضي و المتقاضين ملزمون بطرق محددة فلا يمكن إقامة الدليل على أمر واضح بغير الطرق التي حددها القانون.
3.مذهب الإثبات المختلط :
يأخذ هذا المذهب بالإثبات المقيد في مسائل معينة كالمسائل المدنية التي يتطلب المشرع إثباتها بالكتابة أما في المسائل الأخرى ، فإثباتها يكون مطلقا إذ للقاضي تقدير شهادة الشهود أو القرائن القضائية وفقا لاقتناعه الشخصي ، أما المسائل التجارية فيأخذ فيها بنظام الإثبات المطلق نظرا لما تتطلبه هذه المسائل من سرعة في التعامل ، إذ يصعب إقامة الدليل عليها كتابة فلا يمكن تقييدها بأدلة معينة وتأخذ معظم التشريعات ومن بينها المشرع الجزائري بالمذهب المختلط وفيه يكون للقاضي موقف وسط ، إذ قد يكون له مطلق الحرية في المسائل المدنية حيث يستطيع ومن تلقاء نفسه الأمر بإجراء تحقيق في الوقائع التي تكون بطبيعتها قابلة للإثبات بالنظر للبيئة مثلا ، كما أن له أن يوجه اليمين المتممة إلى أحد الخصوم من تلقاء نفسه أيضا ويكون دور القاضي مقيدا وسلبيا كلما قيده القانون بأدلة معينة كوجوب الكتابة في الاعتداء مثلا.
المطلب الثاني : عبأ الإثبات ومحله :
1. عبأ الإثبات :
يقع عبأ الإثبات على من يدعي وجود الحق ابتداء ، فمن يدعي إصابته بضرر من عمل غير مشروع يكون مكلفا بإثبات واقعة الفعل الضار بكافة الطرق ، بأن يقدم للقاضي أدلة الضرر الذي لحقه ، وأدلة الخطأ الذي وقع من جانب المدعي عليه وعلاقة السببية بين الخطأ والضرر .
وفي حالة دفع الادعاء من جانب المدعي عليه يقع الأخير عبأ الإثبات كما لو ادعى الوفاء بالدين الثابت بالكتابة مثلا يلتزم بتقديم ما يثبت الوفاء كتابة لأنه في هذه الحالة يعتبر مدعيا ببراءة ذمته من ذلك الدين ، ونفس الشيء بالنسبة للمدعي عليه الذي ينكر وقوع خطأ منه أو ينكر رابطة السببية بين سلوكه والضرر الذي أصاب المدعي في دعوى الفعل الضار.
في حالات الخطأ المفترض إذا أراد المدعي عليه بالتعويض أن ينفي مسئوليته عن الحادث الضار فعليه أن يثبت العكس ، وإذا وجدت قرينة قانونية في حالات الخطأ واجب الإثبات وكانت مقررة لصالح أحد الخصوم فانه يعفى من إثبات الواقعة المتعلقة بها وعلى الخصم الآخر يقع إثبات عكس القرينة القانونية.
مثال : إذا أثبت المستأجر بمخالصة عن الوفاء بأجرة الشهر الرابع من هذا العام تعتبر قرينة قانونية على سداد الأجرة المستحقة ، ويعفى من إثبات الوفاء بالأجرة عن الشهور السابقة ، وينتقل عبأ الإثبات إلى المؤجر لكي يثبت عدم الوفاء وهذا أمر صعب جدا.
// بعض التشريعات تنص على القواعد الموضوعية للإثبات في صلب القانون المدني وينص على الشكلية للإثبات (الإجرائية) في قانون الإجراءات المدنية والتجارية (قانون المرافعات ) في حين تذهب تشريعات أخرى إلى إصدار قانون مستقل للإثبات يجمع القواعد الموضوعية والإجرائية للإثبات معا غير أن التشريع الجزائري أخذ بالنظام الأول فنص على القواعد الشكلية في قانون الإجراءات المدنية//.
2. محل الإثبات : وينقسم إلى قسمين // الواقعة المادية القانونية و التصرف القانوني.
أ- الواقعة المادية القانونية : ويقصد به تلك الواقعة القانونية المنشئة للحق لأنها هي مصدر الحق وبإثبات المصدر نثبت نشأة الحق ووجوده ويتجلى في الواقعة المادية وفي التصرف القانوني ، فالواقعة المادية للقانون قد تكون من فعل الطبيعة وحدها ، ولا دخل للإنسان في إحداثها كالولادة وقد تكون من فعل الإنسان كالجريمة ولكي تكون محل للإثبات يشترط ما يلي :
* أن تكون متعلقة بالدعوى : أي أن تكون الواقعة لها علاقة بالحق موضوع النزاع ، والبداهة لا لزوم لإثبات واقعة لا تتعلق بموضوع الحق المتنازع عليه أمام القضاء.
* يجب أن تكون الواقعة منتجة في الإثبات: يقصد بهذا أن تكون الواقعة مقنعة للقاضي ولو في أحد عناصرها مثلما نصت عليه المادة 64 من قانون الإجراءات المدنية.
* أن تكون جائزة القيود : المقصود أن الواقعة المراد إثباتها على فرض صحتها وإمكان ثبوتها يجوز للمحكمة قبولها كدليل في الدعوى القضائية .
ب- التصرف القانوني : في القانون المدني الجزائري المادة 333 تنص على أن التصرفات القانونية التي تزيد عن 100.000 دج أو تكون قيمتها غير محددة لا تثبت بشهادة الشهود من أن تكون ثابتة بالكتابة وذلك فيما عدا المعاملات التجارية ، ومعنى ذلك أنه يستثني من قاعدة إثبات الحقوق بالكتابة في العقود حالتان :
الحالة الأولى : المعاملات التجارية لأنها تقوم على عاملي السرعة والثقة.
الحالة الثانية : هي التصرفات القانونية التي تقل عن 100.000 دج فأقل سواء في إنشاء الحق أو انقضائه.
المبحث الثاني : طريق الإثبات
تنص التشريعات عادة على طريق الإثبات ووسائله وفي بعض الحالات تحدد الأدلة التي يجب تقديمها للقضاة في دعاوى معينة ، وبالتالي تعتبر وحدها جائزة القبول دون غيرها وبوجه عام يمكن حصر أهم وسائل الإثبات أمام القضاء في صنفين موزعين على مطلبين :
المطلب الأول : طرق الإثبات الأساسية :
أولا : الكتابة : تعتبر الكتابة من أهم طرق الإثبات في عصرنا هذا ، ولقد ذكرت سابقا أن المادة 333 من القانون المدني الجزائري تضمنت حكما مؤداه أنه في غير المسائل التجارية لا يجوز الإثبات إلا بالكتابة سواء لإثبات الحق أو الوفاء به ، والكتابة نوعان كتابة رسمية وكتابة عرفية ، فالكتابة الرسمية يقصد بها ما تكون من عمل موظف رسمي مختص كما هو الحال في عقود الرهن الرسمي ، أما الكتابة العرفية فهي التي يقوم بها الأفراد فيما بينهم دون تدخل الإجراءات الرسمية ولكل من النوعين حجية خاصة كدليل للإثبات بحسب نصوص القانون.
ثانيا: شهادة الشهود : وهي الأقوال التي يدلي بها الأشخاص في ساحات القضاء بشأن إثبات أو نفي واقعة قانونية أيا كان نوعها ، وهناك نوعان من الشهود شهود إثبات وشهود نفي ، وللمحكمة إلى الشهود دائما سواء للإثبات أو النفي لكي تتجلى الحقيقة. وتقبل شهادة الشهود كدليل إثبات في المسائل التجارية عموما ، وكذلك في المسائل المدنية في الحدود المقررة ولكن الشهادة لا تكون ملزمة للقاضي بل تخضع لتقديره.
ثالثا : القرائن القانونية والقضائية : وهي التي ينص المشرع عليها كدليل لإثبات ويعفى فيها صاحب الحق من عبأ الإثبات ، ومن أمثلتها قرينة الوفاء بالأقساط عند ثبوت الوفاء بقسط الأجرة اللاحق ولقد نصت المادة 449 مدني بما يلي : ((الوفاء بقسط من الأجرة يعتبر قرينة الوفاء بالأقساط السابقة حتى يقوم الدليل على عكس ذلك )) غير أن القرينة أيا كان نوعها فهي أدنى من مستوى الدليل في مجال الإثبات فهي بحاجة إلى قرينة أخرى تسندها كدليل ، بينما الدليل يكون كافيا لإثبات الواقعة القانونية أو نفيها.
رابعا : حجية الشيء المقضي به: الحكم النهائي الفاصل في موضوع الدعوى يعتبر عنوانا للحقيقة والعدالة معا وحجيته تواجه المتخاصمين وعامة الناس ولذلك يتسم بالقوة وهو سبب من أسباب انقضاء الدعوى ويحسمها أيا كان نوعها ، كما أنه نهائي ولا يمكن إعادة رفع النزاع إلى جهة قضائية أخرى ما لم يتغير أطراف الدعوى ومحلها وسببها ، ويمكن استعماله كدليل للإثبات في دعوى قضائية أخرى لحسم نزاع يتصل بالنزاع الذي فصل فيه نهائيا.
المطلب الثاني : طرق الإثبات المكملة :
أولا: الإقرار القضائي : من المبادئ المقررة في الفقه القانوني أن الإقرار القضائي يعتبر سيد الأدلة في الإثبات أمام الجهات القضائية ، ويقصد به اعتراف المدعي عليه بصحة الواقعة القانونية المدعي بها والإقرار دليل قاطع على الإثبات ، غير أنه للقاضي حرية تقدير هذا الاعتراف أو الإقرار ، ويمكنه التحري في حالة الشك في أن المعترف تعرض لإكراه مادي أو معنوي تحقيقا للعدالة والحقيقة.
ثانيا: اليمين : يقصد باليمين أداء القسم ، أي يحلف الشخص بأن يقول الحق ولا شيء غير الحق وإلا تعتبر شهادته باطلة قانونا ، وجرى العمل أن يؤدي الشهود اليمين القانونية قبل الإدلاء بأقوالهم أمام المحكمة ، كما يقسم أيضا المترجمون والخبراء وغيرهم ممن يبدون آرائهم ، واليمين نوعان :
اليمين المتممة : وهي التي يوجهها القاضي من تلقاء نفسه إلى أي طرف من أطراف الدعوى، غير أنه لا أثر لها ، فالقاضي له أن يأخذ بها أو يلتفت عنها حتى بعد أدائها ، كما أن للخصم حق الاقتناع عن أداء هذا اليمين إذ لا يؤثر ذلك على سير المحكمة.
اليمين الحاسمة : فهي التي يوجهها الخصم المدعي للمدعي عليه عندما يعجز عن إثبات حقه الذي يدعيه ويطلب نفي أو إثبات الدعوى ، وبحسب نص القانون تحسم هذه اليمين النزاع سواء بالإثبات لصالح المدعي أو النفي لصالح المدعي عليه . أما في المسائل الجنائية فإن المدعي المدني لا يحلف ولا يعتبر شاهدا لأنه يعتبر خصما ولو كان هو المجني عليه.
ثالثا: المعاينــة : يقصد بها الانتقال إلى مكان النزاع لمشاهدته على الطبيعة بقصد التوصل الى معرفة الحقيقة والفصل في الدعوى على ضوء نتيجة المعاينة ، وقد تنتقل المحكمة بهيئتها القضائية لإجراء المعاينة إذا كانت هناك مبررات وذلك لرفع الملابسات الغامضة في موضوع النزاع.
وقد نص قانون الإجراءات المدنية الجزائري علة أنه يجوز للقاضي أن يرافق من يختاره من أهل الخبرة للاستعانة به عند إجراء المعاينة والاسترشاد بخبرته الفنية في موضوع النزاع ، كما يمكن سماع الشهود بعين المكان على أن يحرر على شكل محضر ويوقع عليه القاضي والكاتب ويودع بملف الدعوى.
رابعا: تقارير الخبراء : كثيرا ما يلجأ القضاء إلى الخبراء من أطباء و مهندسين و فنيين لإجراء الفحص والبحث والتحليل في الدعاوى التي تثار فيها مشاكل تقنية مثل تقليد الخطوط وتزوير المحررات وهي مهمة قانونا كقرائن أو أدلة في الإثبات القضائي ، وشرع القانون الجزائري ذلك حيث يمكن الاستعانة بخبير أو أكثر بطلب من القاضي أو أطراف الدعوى كما يجوز للقاضي مناقشتهم في المحكمة سعيا لاستجلاء ما كان غامضا في تلك التقارير.
الخاتمــــة :
من كل ما سبق ذكره نستطيع أن نوجز الكلام في أن القانون فعلا يقر بحق الشخص ويحميه لكن إذا طلب هذا الشخص حقه بدون تعسف وفي الحدود القانونية الشرعية المعروفة التي تثبت حقه بالطرق السالفة الذكر.
-----------------------------------------------------------
المراجــــــــــع:
* د/ فريدة محمدي زواوي مدخل إلى العلوم القانونية / نظرية الحق
* د/ إسحاق إبراهيم منصور نظريتا القانون والحق
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma