مقدمة:
إن مبدأ مسؤولية الدولة في الجزائر ليس حديث النشأة , إذا عرف هذا المبدأ في التشريعات القديمة أين كان النظام القانوني السائد هو نظام إسلامي تحكمه قواعد الشريعة الإسلامية تحت ظل الأعراف و التقاليد الوطنية .
و في الشريعة الإسلامية توجد قواعد عامة تقرر دفع الأضرار عن الرعية مهما كان مصدر هذا الضرر و ذلك طبقا للحديث الشريف " لا ضرر و لا ضرار في الإسلام " .
و زاد من مبدأ مسؤولية الدولة في تلك الفترة طبيعة الرابطة العقائدية بين الحكام و المحكومين .
لكن ومع التطور التاريخي بدأت هذه الرابطة يغلب عليها الطابع الدنيوي مما استوجب إيجاد نظام قانوني و قضائي يتولى تطبيق مبدأ المسؤولية , فظهر نظام المظالم الذي بواسطته يمكن بسط سلطات القانون على كبار الولاة و الموظفين في الدولة التي يعجز القضاء العادي على محاكمتهم .
و ما يميز هذه الفترة أن مبدأ مسؤولية الدولة عرف بواسطة تقرير قاعدة مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع في إطار المسؤولية المدنية و هي قاعدة طبقتها الشريعة الإسلامية قبل أن تعرفها النظم الوضعية
و بدخول الاستعمار الفرنسي سنة 1830م الذي عمل على تغيير النظام القانوني الجزائري و بالتالي تغيير مفهوم مسؤولية الدولة بالنسبة للجزائريين لتعارضه مع النظرية الفرنسية لمسؤولية الدولة فامتد تطبيق النظرية الفرنسية لمبدأ مسؤولية الدولة عن أعمال موظيفها إلى الجزائر ,إذا كانت نفس القواعد الموضوعية و الشكلية المتعلقة بالاختصاص القضائي الفرنسي لا سيما تلك المتعلقة بأسس مسؤولية الإدارة العامة و مرت بذات التطورات التي مرت بها في القضاء الإداري الفرنسي .
و من حيث الاختصاص أقام النظام القضائي الفرنسي في الجزائر جهات قضائية خاصة للنظر في الدعاوى الإدارية من بينها الخاصة بمسؤولية الإدارة.
فبعد إلغاء المجالس التي كانت قائمة إلى جانب مجلس الدولة الفرنسي . أنشئت بمقتضى مرسوم 30-09-1953 محاكم إدارية بكل من الجزائر . وهران و قسنطينة تنظر في المنازعات الإدارية و لا سيما الخاصة بمسؤولية الدولة , و ذلك تحت رقابة مجلس الدولة الفرنسي كجهة استئناف و ونقض , و بهذا تم التمييز بين المسؤولية المدنية و المسؤولية الإدارية للدولة .
حتى و إن كان النظام القانوني السائد في المرحلة الاستعمارية و خاصة المتعلق بمسؤولية الدولة لم يعنى به الشعب الجزائري بل كان مقتصرا على الفرنسيين المقيمين في الجزائر و بعض الأجانب فقط .
و مع إعلان استقلال الجزائر بتاريخ 05 جويلية 1962 ظهرت نتائج هامة مارست تأثيرها على تنظيم و تسيير العدالة . فقد أصبحت العدالة اعتبارا من هذا التاريخ تصدر باسم الشعب الجزائري و ليس باسم الشعب الفرنسي . بموجب الأمر المؤرخ في 10 جويلية 1962 المتعلق بالصفة التنفيذية .
و قد نجم عن ذلك تخلي الهيئات القضائية الفرنسية ( مجلس الدولة ومحكمة النقض ) عن المنازعات العائدة للنظام القانوني الداخلي الجزائري و الأمر كذلك على وجه التقابل بالنسبة للهيئات القضائية الجزائرية .
إلا أنه و نظرا للإضطرابات التي شلت نشاط المحاكم الإدارية نتيجة مغادرة القضاة الفرنسيين و حتى لا تبقى الدولة الجزائرية دون قضاء إداري تحتم على المجلس الوطني التأسيسي المصادقة على الأمر رقم 62-157 المؤرخ في 31-12-1962 الذي سمح بتمديد حتى إشعار لاحق لمفعول التشريع النافذ , و بالتالي البقاء على الهيئات القضائية الإدارية القائمة في الجزائر قبل هذا التاريخ و هي المحاكم الإدارية بالجزائر , وهران و قسنطينة , لكن دون أن تخضع إلى رقابة مجلس الدولة الفرنسي لأن الدعاوى القائمة أمامه يجب أن يحال حكمها إلى السلطات الجزائرية كي تعرضه على الهيئة القضائية العليا المنتظر إحداثها
و قد تحقق ذلك بموجب الأمر المؤرخ في 18 جوان 1963 الذي شكل مجلسا أعلى يكلف بممارسة الاختصاصات التي كانت تعود سابقا إلى الهيئات القضائية العليا الفرنسية و إنشاء المجلس الأعلى في الجزائر أحدث ثغرة في التنظيم القضائي , لأن مبدأ ازدواجية الأنظمة القضائية المطبق في القاعدة من خلال استقبال المحاكم الإدارية حتى و إن تم تخفيض اختصاصها , تعايش مع وحدة الهيئات القضائية المطبقة في القمة .
و قد تكفل إصلاح نوفمبر 1965 بإعادة تنظيم الهيئات القضائية الدنيا و إلغاء المحاكم الإدارية و تحويل اختصاصها إلى المجالس القضائية التي تم إنشاؤها بموجب الأمر المؤرخ في 17-نوفمبر 1965 ومن هنا أصبح النظام القضائي الجزائري نظاما موحدا
حتى وإن كانت أحادية من نوع خاص أو أحادية مرنة كما سماها البعض إذ كانت أحادية القضاء مع ازدواجية في المنازعات التي كانت تظهر في اختصاص الغرف الإدارية بالمجالس القضائية بالفصل في المنازعات الإدارية و لا سيما المتعلقة بالمسؤولية الإدارية .
تعاقبت عدة دساتير بعد هذه الإصلاحات القضائية منها دستور 76 و دستور 89 لكنها لم تغير شيئا في النظام القضائي القائم ولا في مفهوم المسؤولية الإدارية إلى أن صدر التعديل الدستوري لسنة 1996 الذي أحدث نظام الازدواجية القضائية و ذلك بإنشاء مجلس الدولة و المحاكم الإدارية , لكن هل غير في نظام مسؤولية الدولة ؟
- ماهي وضعية المسؤولية الإدارية في الجزائر ؟
- هل تحديد المشرع الجزائري للمسؤولية المدنية كقاعدة عامة جعل القاضي يستبعد المسؤولية الإدارية ؟
- ماهي حدود اجتهاد القاضي الإداري الجزائري في مجال المسؤولية الإدارية ؟
المبحث الثاني : المعالجة القانونية الموضوعية للمسؤولية الإدارية
المطلب الأول :مسؤولية المستشفيات العامة
يشير تطبق مسؤولية مرفق المستشفى صعوبة حقيقية . فالأطباء العاملين بالمستشفى العام معرضين للأخطاء . و من ثم لزم علينا دراسة طبيعة المسؤولية عن أعمال الأطباء و كذا الخطأ المستوجب لمسؤولية الطبيب و لمسؤولية الجهة الإدارية التي يتبعها .
الفرع الأول : علاقة كل من الطبيب و المريض بالمستشفى العام :
قبل التعرض لطبيعة العلاقة بين كل من الطبيب و المريض بالمستشفى العام يجدر بنا أولا معرفة ماهية المؤسسة الصحية العمومية .
تعتبر مؤسسة صحية عمومية ذات طابع إداري مجموعة هياكل الوقاية , التشخيص العلاج و الاستشفاء و إعادة التأهيل الصحي الموجودة داخل إقليم نفس الدائرة و المتكونة من المستشفيات و العيادات المتعددة الخدمات , المراكز الصحية , قاعات الفحص و العلاج مراكز الأمومة و مراكز المراقبة و كل منشئة صحية عمومية تحت وصاية وزارة الصحة و السكان .....................(1).يمكن من خلال هذا التعريف استنتاج أن القطاع الصحي أو المراكز الاستشفائية الجامعية أو المؤسسة الاستشفائية المتخصصة بتمنع من الاستقلالية القانونية و هي خاضعة للقانون الإداري فيما يتعلق بقواعد تنظيمها و تسييرها بالإضافة إلى المنازعات الناشئة بفعل النشاط الذي تمارسه و المسؤولية التي تقام عليها .
أنواع المؤسسات الصحية :
1-المراكز الاستشفائية الجامعية : التي من مهامها العلاج على التخصص و البحث في المجال الطبي و التكوين و قد جاء تعريفها ومهامها في المادتين 3 و4 من المرسوم التنفيذي 97- 467 المتعلق بإنشاء المراكز الاستشفائية الجامعية و تنظيمها و سيرها .
2- القطاعات الصحية : من مهامها التكفل بالصحة المدنية و الوقاية و تقديم العلاج الأولي و ينظم سيرها المرسوم التنفيذي 97-466 .
.................................................. ..............................
.
(1) طاهري حسين : الخطأ الطبي و الخطأ العلاجي في المستشفيات العامة دار هومة ,الجزائر طبعة 2002 ,ص 11.
3- المؤسسات الاستشفائية المتخصصة : تتكفل بنوع معين من العلاج التخصصي دون غيره و نظمها المرسوم التنفيذي 97-465 .
الطبيعة القانونية للمؤسسة العمومية الصحية :
قضت المادة 2 من المرسوم التنفيذي 97- 466 " القطاع الصحي مؤسسة عمومية ذات طابع إداري تتمتع بالشخصية المعنوية و الاستقلال المالي و يوضع تحت وصاية الوالي " .
أوضحت هذه المادة الطابع القانوني للقطاع الصحي و اعتبرته صراحة ذو طابع إداري و منه فهو يدخل ضمن المؤسسات ذات الطابع الإداري المنصوص عليها في المادة 7 (ق.إ.م) ونفس الشيء بالنسبة للمؤسسات الاستشفائية المتخصصة و المراكز الاستشفائية الجامعية فالطبيعة القانونية للمؤسسة الاستشفائية العمومية هي التي تحدد لنا نوع الدعوى التي يقيمها المريض المضرور و المبدأ العام بالمستشفى العام يدخل في اختصاص القاضي الإداري
و لتحديد مسؤولية المستشفى كمرفق عام يتحتم علينا معرفة طبيعة العلاقة بين المريض المضرور و المستشفى العام و كذا طبيعة علاقة الطبيب المخطأ بالمستشفى العام .
1- علاقة المريض بالمستشفى العام :
عندما يتعامل المريض مع المستشفى العام فإنه يتعامل مع شخص معنوي , فإن المريض لا يمكنه اختيار طبيعة المعالج بحرية بل إن هذا الأمر وأمور أخرى تنظمها لوائح هذا المرفق , و إذا كان المريض يتعامل مع أحد الأطباء الموظفين لدى المستشفى و الذي حددته إدارة المستشفى لتشخيص مرضه و علاجه فإنه لا يتعامل معه بصفته الشخصية و لكن بصفته مستخدما أو موظفا لدى هذا المستشفى وعلى هذا الأساس فإن علاقة المريض و الطبيب الممارس في مستشفى عام هي علاقة غير مباشرة لا تقوم إلا من خلال المرفق الصحي العام و تفترض وجود علاقة مباشرة بين المريض و المستشفى العام .
وبذلك فإن حقوق و التزامات كل من الطبيب و المريض تحدد بمقتضى اللوائح المنظمة لنشاط المرفق العام الذي يديره المستشفى
فعلاقة الطبيب بالمريض في المستشفى العام هي علاقة شخص مكلف بأداء خدمة عامة طبقا للوائح بشخص ينتفع بخدمات المرفق العام طبقا للقوانين و بذلك فإنه لا يوجد عقد بين الطبيب الممارس في المستشفى العام و المريض الذي ينتفع بخدمته .
علاقة الطبيب بالمستشفى العام :
الراجح أن الطبيب يعتبر تابعا للمستشفى الذي يعمل فيه , و إذا كانت علاقة الطبيب بالمستشفى هي علاقة تابع بالمتبوع أي علاقة تبعية يكون فيها للمتبوع سلطة فعلية في إصدار الأوامر إلى التابع في طريقة أداء عمله و في الرقابة عليه و محاسبته .
و هنا حتى تسأل المستشفى العام عن أخطاء الطبيب باعتباره تابعا لها لابد من توافر شروط مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه , و الأمر الذي قد يصعب تحقيقه بالنظر إلى ما يتمتع به الأطباء و الجراحون من استقلال في ممارستهم لعملهم الفني , و هنا يثور التساؤل عن مدى توافر عناصر رابطة التبعية بين إدارة المستشفى العام و الطبيب و التي يسأل بمقتضاها المستشفى عن خطأ الطبيب .
ذهب رأي في الفقه إلى أن الاستقلال الذي يتمتع به الطبيب في ممارسة عمله الذي يمنع تبعيته لشخص أخر المادة 10- المواد (92-276) و مؤدى ذلك إذا كان الطبيب يمارس عمله لحساب شخص أخر غير قادر على مباشرة سلطة التوجيه و الإشراف عليه في عمله الفني فإنه لا يكون تابعا له .............................(1).
و ذهب رأي أخر إلى أن الاستقلال الذي يتمتع به الطبيب في ممارسته عمله الفني لا يمنع من خضوعه لرقابتها في أدائه لوا جباته العامة التي تفرضها عليه الوظيفة , و لذلك اعتبرته بعض الأحكام القضائية تابعا لها و تسأل المستشفى عن أخطائه كمتبوع بالنسبة للأضرار التي تقع عند تأديته لهذه الواجبات أو بسببها , فالطبيب ليس موظفا بالمعنى الفني و هذا لا يحول دون مسؤولية الإدارة باعتبارها متبوع له و ذلك لان مسؤولية الإدارة عن أعمال مستخدميها لا تقتصر على الموظفين بمعناهم الفني بل أنها تشمل كل من يؤدي عملا لحسابها و تحت رقابتها و توجيهها ................................(2) .
.................................................. ..............................
...
(1) ا.طاهري حسين: الخطأ الطبي و الخطأ العلاجي في المستشفيات العامة , دار هومة , الجزائر ,طبعة 2002 ,ص 36.
(2) د. محمد حسنين منصور: المسؤولية الطبية ,دار الجامعة الجديدة الإسكندرية ,مصر , طبعة 2001 , ص115.
.
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma