مقـــدمــة:
الفـصـــل الأول : اعـــذار المــديـن
المبحثالأول : ما هو الاعذار
المطلب الأول : تعريف الاعذار
المطلب الثانى : الغايةمنه
المطلب الثالث : شروطه الموضوعية
المطلب الرابع : شكل الاعذار
المبحثالثانى : آثار الاعذار
المطلب الأول : مسئولية المدين عما يلحق الدائن منضرر
المطلب الثانى : انتقال تبعة الهلاك من الدائن للمدين
المطلب الثالث : إلزام المدين بالتنفيذ عينياً
المبحث الثالث : حالات لا ضرورة فيها لاعذارالمدين
الفصـل الـثـانـى : اعـذار الـدائـن
المبحث الأول : فكرة وصور اعذارالمدين للدائن
المبحث الثانى : آثار اعذار الدائن
المطلب الأول : تحمل الدائنلتبعة هلاك أو تلف الشئ
المطلب الثانى : وقف سريان الفوائد
المطلب الثالث : جواز عرض الدين عرضاً حقيقياً وإيداعه
المطلب الرابع : حق المدين فى مطالبةالدائن بالتعويض
مقـــدمة :
إن الالتزام؛ وهو واجب قانونىيقع على عاتق شخص معين يسمى المدين، يوجب عيه القيام بعمل أو بأداء مالى معين أوقابل للتعين لصالح شخص آخر هو الدائن، فالالتزام الواجب التنفيذ هو الالتزام المدنىمتى استجمع عنصريه؛ وهما: المديونية والمسئولية، فأثر الالتزام هو وجوب تنفيذه ولوجبراً على المدين، استجابة لعنصر المسئولية فيه. وذلك على العكس من الالتزامالطبيعى حيث يتجرد من عنصر المسئولية، فلا يكون قابلاً لغير التنفيذ الاختيارى، أىمتروكاً لضمير المدين.
والأصل هو التنفيذ العينى؛ بأن يَنْصَبُّ على عين ماالتزم به المدين تجاه دائنه، فعندما ينشأ الالتزام فغالباً ما يتمسك صاحب الحق بأنيتم التنفيذ فى الوقت المتفق عليه لارتباطه بتحقيق المنفعة المرجوة فى أفضل صورها،ولكى يتم تنفيذ الالتزام عيناً أو بطريق التعويض فيجب على الدائن أن يدعو مدينه لكىيقوم بتنفيذ الالتزام، فإذا ما استحال ذلك بفعل المدين أو خطأه أيًّا كانت صورةذلك، فإنه لا يكون هناك مجالاً لغير التنفيذ بطريق التعويض، حين يحق للدائن أنيطالب مدينه بتعويض نقدى يقوم مقام التنفيذ العينى، وحينئذ يكون التنفيذ بطريقالتعويض قضاءً، وتكون هذه الدعوة باتخاذ الدائن لإجراء شكلى يجب أن تستجمع فيه بعضالشروط حتى يكون صحيحاً من وجهة نظر القانون منتجاً لآثاره.
فإن كان تأخرالتنفيذ يرجع لفعل المدين، وبالرغم من ذلك سكت الدائن، فإنه لا يُعتد بتأخر المدينالفعلى، فربما كان تأخره له ما يبرره، أو لأن الدائن قد تسامح فى تنفيذ مدينهلالتزامه. وإنما يعتد بتأخر المدين قانوناً حين يفصح الدائن عن إرادته فى قياممدينه بالتنفيذ بأن يوجه إليه إنذاراً يخطره فيه بوجوب قيامه بالتنفيذ، وهذا هوالإعذار وجوهره التأخير عن تنفيذ الالتزام دون مسوغ قانونى. وقد يكون التأخر فىالتنفيذ يرجع إلى فعل الدائن.
وهذا ما عبّرت عنه مقولة: قد أعذر من أنذر.. حيثأن الإنذار هو وسيلة الإعذار، حين يريد الدائن الحكم على خصمه.
وعلى هذا – بإذنالله – نتناول إعذار المدين فى فصل أول، من تعريفه وشروطه وشكله وآثاره.
ونتناولفى فصل ثان إعذار الدائن من حيث صوره وآثاره.
الفصــل الأول
إعــــذارالديـــن
المقصود بالإعذار:
مجرد حلول الأجل دون وفاء المدين بالتزاماتهقِبَل دائنه لا يفيد تقصير من جانب المدين، لمظنة تسامح الدائن فى وقت التنفيذ، أولكون الوفاء كان فى موطن المدين ولم يسع إليه الدائن، والدائن متى أراد من مدينه أنيقوم بتنفيذ التزامه بحلول الأجل المضروب بينهما فى ذلك، فعليه أن يطالب هذا المدينبشكل رسمى تنتفى معه مظنة التسامح ويَوْضَع المدين مَوْضِع المُقَصِّر إذا لم يبادرإلى التنفيذ، فالمشرع قد اشترط الإعذار قبل الشروع فى التنفيذ الجبرى؛ سواء كانعينياً أو بِعِوَض وعليهفإن مجرد حلول أجل الالتزام لا يكفى لاعتبار المدين متأخراً فى تنفيذه، إذ يجبللتنفيذ العينى للالتزام، كما يجب للتنفيذ بطريق التعويض إعذار المدين، حتى لا يحملسكوت الدائن محل التسامح والرضا الضمنى بتأخر المدين فى هذا التنفيذ .
ولذلك نعرض لإعذار المدين فى ثلاثة مباحث :
المبحث الأول نتعرض فيه لماهيةالإعذار من حيث تعريفه وشكله وشروطه الموضوعية والغاية منه
ونعرض فى المبحثالثانى لآثار إعذار المدين وما يترتب عليه فى ذمته، ونعرض فى المبحث الثالث لبعصالحالات التى لا تتطلب ضرورة الإعذار.
المبحــث الأول
مـا هـوالإعذار :
إن الإعذار هو تصرف قانونى من خلال إجراء شكلى يقوم به الدائن لدعوةمدينه للقيام بالوفاء بما عليه من دين له، لذا فإن فكرة الإعذار تتجلى من خلالتعريف الإعذار، والغاية منه، والشروط الموضوعية له، وشكله، ونعرض لكل من ذلك فىمطلب مستقل .
المطلب الأول
تعريف الإعذار :
ذهب فريق من الفقهاء إلى أن: الإعذار هو تسجيل التأخير على المدين الغرض منه وضع المدين وضع المقصر فى تنفيذالتزامه بإثبات تأخره فى الوفاء به .
وذهب فريق آخر إلى تعريف الإعذار بأنه: الحالة التى يوجد فيها المدين الذى أنذره الدائن للوفاء بالتزاماته .
وفريقثالث ذهب فى تعريفه إلى أنه: أمر يوجهه الدائن إلى المدين لينفذ التزامه، يثبت بهرسمياً تأخر المدين فى التنفيذ، لسبب راجع إليه .
وذهب بعض الفقهاء إلى القولأن: إعذار المدين هو وضعه قانوناً فى حالة المتأخر عن تنفيذ التزامه .
من هذهالتعريفات يتضح جلياً أن المشرع لا يعتد سوى بالتأخير القانونى، وهو الحالةالقانونية التى يوجد فيها المدين غير منفذ لالتزامه من لحظة إعذاره .
المطلبالثانى
الغـايـة منـه :
الإعذار يفترض وجود مدين لم ينفذ التزامه بعدإزاء الدائن.. إلا أن المُشَرِّع لا يعتد بالتأخير الفعلى، وذلك مظنة تسامح الدائنفى تأخر مدينه عن تنفيذ التزامه، وهذه المظنة تنتفى بتوجيه الإعذار من الدائنلمدينه بما لا يتصور معه تسامح.
وعلى هذا تكون غاية الإعذار تحقيق كون المدينمتأخراً فى تنفيذ التزامه، إذا لم يقم بالوفاء به فور الإعذار.
ففى القانونالمدنى المصرى أن مجرد استحقاق الأداء – بحلول الأجل، أو تحقق الشرط- لا يكفىلاعتبار المدين معذراً، بل يجب إفصاح الدائن عن رغبته فى أن يتم التنفيذ على الفوربتوجيه الإعذار إليه حتى يترتب على تأخره فى التنفيذ الآثار القانونيةللإعذار.
فى فرنسا ذهب بعض الفقه إلى اعتبار الإعذار أساساً لجعل المدينمخطئاً إذا تأخر فى التنفيذ، استناداً إلى أن وظيفة الإعذار هى اعتبار المدينمتأخراً قانوناً وانعقاد مسئوليته عن ذلك، تأسيساً على أن الإعذار فى حد ذاته هوتصرف قانونى بمقتضاه يدعو الدائن مدينه بإجراء شكلى للقيام بالوفاء بما عليه من دينله، وبالتالى جعله عند عدم الوفاء متأخراً قانوناً عن الوفاء.
مما يعنى أن وظيفةوطبيعة الإعذار لا تختلط بالخطأ- الذى هو عنصر من عناصر المسئولية- بل هى اثباتتأخر أو تقصير المدين فى القيام بتنفيذ التزامه، فالأصح أن يُفْصَل بين الإعذاروالخطأ، فقد يُعذر الدائن مدينه، ويَثْبُت مع ذلك أن المدين لم يرتكب خطأ بتأخره فىالتنفيذ..
علماً بأن الدائن له مصلحةجدية فى التنفيذ الفورى للعقد دون أدنى تأخر من جانب المدين.
حيث أنه بحلولالأجل دون قيام المدين بتنفيذ التزامه أو الوفاء بما عليه من دين إلى دائنه، وسكوتالدائن عن مطالبته بالوفاء، فقد يُعزى هذا إلى تسامح من جانب الدائن عن تأخر مدينه،أو أنه قد ارتضى بأن يُحدد مدينه وقت التنفيذ بما يتناسب مع ظروفه وأحواله، فالأجليضرب عادة لصالح المدين لا لمصلحة الدائن، فلا يتصور أن مجرد حلول الأجل يكون مدعاةلتسوئ المركز القانونى للمدين.
ففى حالة حلول الأجل وعدم قيام الدائن بتوجيهالإعذار، قد يعتقد معه المدين أن تأخره فى الوفاء بما عليه لا يحقق ضرراً للدائن منجراء ذلك، أو موافقة الأخير على الوفاء فى تاريخ تالى لتاريخ الاستحقاق بمنحه أجلاًضمنياً للتنفيذ.
لذا فعلى الدائن كى ينفى كل هذا الاعتقاد أن يقوم بإجراء شكلى- الإعذار- يعلن فيه صراحةعن إرادته فى قيام مدينه بتنفيذ التزامه والوفاء بما عليه،حتى يقطع فى الدلالة على عدم رغبته فى منح مدينه أية مهلة تكميلية.. وأن مصلحتهتتحقق فى الوفاء الفورى لما التزم به المدين، وأن تأخر الأخير عن الوفاء بما عليهيحيق به الضرر ويحمله بنتائج وآثار هذا التأخير وما يؤدى إليه من حكمبالتعويض.
وعلى هذا لا محل للتعويض إلا بوجود الإعذار.. فقد وضع المشرع شرطالإعذار كقرينة تنفى تسامح الدائن ومؤشر قاطع على التمسك بحقه( )، حيث نص القانونالمدنى المصرى على أنه: (لا يستحق التعويض إلا بعد إعذار المدين، ما لم ينص القانونعلى غير ذلك)( ).. وكذلك قد نص: (يجبر المدين بعد إعذاره .... على تنفيذ التزامهتنفيذا عينيا)( ).. أى أن القيام بالإعذار شرط جوهرى فى وجوب التنفيذ وترتيب آثارهفى ذمة المدين.
2) منح المدين فرصة أخيرة للتنفيذ العينى :
يهدف الإعذار إلىإعطاء المدين فرصة أخيرة لتنفيذ التزامه بعين ما انصرفت إرادته إلى الوفاء به منالتزام، ففى الفرض الذى يكون فيه المدين- أو أحد خلفاءه- يجهل بحسن نية تاريخالوفاء، تكون وظيفة الإعذار فى هذا الفرض تعيين تاريخ الوفاء بعين ما التزم بهالمدين، لذا يستهدف الإعذار منح المدين فرصة أخيرة لتنفيذ التزامه عيناً.
3) إحاطة المدين بشكل رسمى بعدم تنفيذه التزامه
يهدف الإعذار كذلك إلى إحاطة المدينعلماً رسمياً بعدم وفاءه بالتزامه، واستظهار مدى إمكان تنفيذ الالتزام.
تلعب هذهالإحاطة دوراً جوهرياً فى تنفيذ الالتزام، فبدون هذه الإحاطة- المتمثلة فى الإعذار- قد يظل المدين على اعتقاده فى موافقة الدائن- بسكوته- على تأخير تنفيذ الالتزام،وينتفى هذا الاعتقاد بطريقة رسمية؛ بمطالبة الدائن مدينه بتنفيذ ما التزم بهواحترام العقد المبرم بينهما، وأن هذا التأخير يترتب عليه الضرر للدائن وأحقيته فىالتعويض نتيجة هذا التأخير.
وقد ينظر إلى الإعذار من وجهتين؛ إما أن يكون تشدداًمن الدائن، وإما أن يكون رأفة بالمدين.
فمن وجه كونه تشدداً من الدائن فيكون ذلكفى إفصاحه جلياً عن المطالبة بحقه وعدم تهاونه فى ذلك، وأنه يضع المدين موضع المخطئبتأخره عن تنفيذ عين ما التزم به.
ومن وجه آخر.. كونه رأفة بالمدين، أنه بمفهومالمخالفة لما سبق أن الدائن الذى لم يطالب بحقه بامتناعه عن إعذار مدينه إنمايُمَكِّن لاعتقاد المدين بتسامحه معه فى وقت التنفيذ وإمهاله لمدة أخرى، علاوة علىأن القانون قد اشترط الإعذار للقول بالتعويض حين نص فى المادة 218 على أن: (لايستحق التعويض إلا بعد إعذار المدين..)، فهو بهذا قد ترأف بالمدين ولم يوجب فى ذمتهالتعويض من يوم حلول أجل الوفاء، بل اشترط الإعذار لاستحقاق التعويض، كنوع منالرأفة بالمدين.
وفى بعض القوانين الأخرى اعتبرت أن مجرد حلول الأجل يوجبالتنفيذ دون إعذار، وأن التأخر فيه رغم استحقاق الحق يكون مناط الحكم بالتعويض، كمافى القانون المدنى البرتغالى (م711)، واليابانى (م412)، والسويسرى (م102)( ).
ذهب فريق من الفقهاء فى فرنسا إلى أن للإعذار دوراً هاماً فى المجال الجنائى( ) حيث يسمح بتحديد دقيق لتاريخ ارتكاب الجريمة وذلك فى العقود الواردة بالمادة 408عقوبات فرنسى التى ترد على أشياء مثلية كوديعة أو اقتراض مبلغ نقدى، حيث لن يتحددالتبديد القائم على الغش إلا من يوم قيام الدائن بإعذار المدين برد ما لديه، حيثيكون الإعذار بذلك وسيلة هامة فى تحديد تاريخ ارتكاب جريمة التبديد فى هذه الحالة،وكذلك بدء سريان مدة تقادم الجنحة من تاريخ هذا الإعذار.
المطلبالثالث: شـروطه الموضـوعية :
تأخر المدين عن الوفاء بحق مشروع محدد المقدارمستحق الأداء هو مدار وجود الإعذار. وعلى هذا فإن للإعذار شروطاً موضوعية يجب أنتتوافر فيه؛ هى:
الشرط الأول : تأخر المدين :
التأخير فى هذه الحالة يكونالتأخير الفعلى عن تنفيذ الالتزام رغم استحقاقه، ويجب أن يكون هذا التأخير بلامبرر، وإلا كان الإعذار بلا معنى، من ذلك أن المدين لا يكون متأخراً فى الوفاء بماعليه متى كان أحد الدائنين يطالبه بتسليم مبيع غير قابل للانقسام، وكان هذا المبيعيخص دائنين آخرين معه، وأن التسليم يجب أن يتم لهم جميعاً، وليس لأحدهمفقط.
كذلك يجب أن يكون هذا التأخير راجعاً إلى المدين حتى يتوافر سبباً موضوعياًللإعذار، فمتى كان هذا التأخير راجعاً إلى الدائن، أو لقوة قاهرة فإنه ينتفى موجبالإعذار؛ كأن يتعاقد شخص ما على استئجار عيناُ مملوكة لآخر وحالت قوة قاهرة دونتنفيذ المؤجر لإلتزامه- وهو المدين بتسليم العين للمستأجر- كوقوع زلزال هلكت معهالعين المؤجرة، ففى هذا الفرض فإنه لا جدوى من الإعذار.
ورغم ذلك إن قام الدائنبإعذار المدين، فإنه يحق للأخير أن يدفع ذلك بإثبات أن قوة قاهرة قد منعته منالتنفيذ.
الشرط الثانى : الحماية القانونية لحق الدائن :
يجب أن يكون حق الدائنحق مشروع يحميه القانون بواسطة الدعوى، فلا فائدة من توجيه الإعذار فى دين لا يحميهالقانون، كدين قد سقط بالتقادم، أو أنه دين متحصل من طريق غير مشروع ويبطل بطلاناًمطلقاً كدين القمار أو ما أشبهه.
وفى حالة البطلان النسبى فإن الإعذار يؤتىثماره ويكون صحيحاً، ما لم يتمسك المدين بقابلية الحق للإبطال- كوجود حالة غش أوتدليس أو نقص أهلية- حيث يحتاج البطلان النسبى إلى حكم يقرره.
الشرط الثالث : الدين محدد المقدار ، ومستحق الأداء :
يجب أن يكون الدين محدداً ومستحق الأداء،فإن لم يكن محدداً فلا يصح الإعذار، كذلك يجب أن يكون حالّ الأداء، فإن كان معلقاًعلى شرط واقف، إلا أن هذا الشرط لم يتحقق بعد، فإنه لا يحق للدائن توجيه الإعذارإلى مدينه حيث لم يَحِلّ أجل الوفاء بعد لعدم تحقق الشرط، وكذلك فى حال كون الدينمضافاً لأجل، لا يحق للدائن إعذار مدينه قبل حلول هذا الأجل، لكونه يقع على غيرمستحق.
المطلب الرابع : شكـل الإعـذار :
القانون المدنى الفرنسى هو أساسنظرية الإعذار فى القانون المدنى المصرى، حيث أخذت الشكلية فى الأساس من القانونالرومانى والذى هو أساس نظرية الإعذار فى الشرائع اللاتينية.
وقد نصت المادة 219مدنى مصرى على كيفية الإعذار حيث أوردت أن: (يكون إعذار المدين بإنذاره أو بما يقوممقام الإنذار, ويجوز أن يكون الإعذار عن طريق البريد على الوجه المبين فى قانونالمرافعات كما يجوز أن يكون مترتباً على اتفاق يقضى بأن يكون المدين معذراً بمجردحلول الأجل دون الحاجة إلى أى إجراء آخر).
1) الإنذار : فقد نص القانون المدنىعلى أن الإنذار- وهو ورقة رسمية من أوراق المحضرين( )- هو وسيلة الإعذار، فقد أعذرمن أنذر، حيث بالإنذار يطلب الدائن من مدينه سرعة تنفيذ الالتزام الملقى على عاتقالأخير دونما تأخير، فالإنذار الذى يتحقق به الإعذار هو الإنذار- الإعلان- الرسمىعلى يد محضر الذى يتم إخطار المدين به مباشرة، الأمر الذى تنتفى معه بعد ذلك مظنةالتسامح فى التأخير.
- وأما عن جواز الإعذار بطريق البريد، فقد كان ذلك متبعاًفى ظل قانون المرافعات القديم رقم 77 لسنة 1949 والذى أُلغى منه الإعذار بطريقالبريد بموجب القانون رقم 100 لسنة 1962، ثم صدر قانون المرافعات الحالى رقم 13لسنة 1968، وقد كان خلواً من النص على إمكان الإعلان عن طريق البريد، وبذلك لم يعدالإنذار بطريق البريد ممكناً أو معمولاً به( )، ولا يخفى أن هذا الشكل من طرقالإعذار كان فيه الكثير من الإجهاد على قلم المحضرين، فقد أخفق فى أن يخفف عنهمالعبء، وترتب عليه فى كثير من الأحيان تعقيد الإجراءات وبطؤها، حيث لم تصل كثير منالرسائل إلى ذويها.
*الأوراق الرسمية : من نص المادة 219 يتضح أن الإعذار يتمبما يقوم مقام الإنذار، فيقصد بذلك الأوراق الرسمية التى تنطوى على معنى الإعذار( )، أى: كافة الأوراق الرسمية التى تُعبر بوضوح عن رغبة الدائن الأكيدة والصريحة فىتنفيذ المدين لالتزامه، فإذا لم تكن هذه الإرادة واضحة فلا تعد الورقة إعذاراً ولووجهت إلى المدين، مثال ذلك ما حكمت به محكمة النقص المصرية بأنه: (لا يعد إعذاراًإعلان المشترى بصحيفة دعوى فسخ البيع لإخلاله بتنفيذ التزام من التزاماته، إلا إذااشتملت صحيفتها على تكليفه بالوفاء بهذا الالتزام)( ). كما قضت فى عبارة شاملة أن: (الإعذار هو وضع المدين موضع المتأخر فى تنفيذ التزامه، والأصل فى الإعذار أن يكونبإنذار المدين على يد محضر بالوفاء بالالتزام، ويقوم مقام الإنذار كل ورقة رسميةيدعو فيها الدائن المدين إلى الوفاء بالتزامه، ويسجل عليه التأخير فى تنفيذه .
وعليه فقبل لجوء الدائن إلى التنفيذ الجبري على عقار مدينه وجب عليه بأن يبدأالتنفيذ بإعلان التنبيه بنزع ملكية العقار إلى المدين لشخصه أو لمواطنه مشتملا علىالبيانات الآتية : 1- بيان نوع السند التنفيذى وتاريخه ومقدار الدين المطلوب الوفاءبه وتاريخ إعلان السند . 2- إعذار المدين بأنه إذا لم يدفع الدين يسجل التنبيهويباع عليه العقار جبراً).. فبنص هذه المادة فإن التنبيه الرسمى السابق على التنفيذالجبرى على العقار يقوم مقام الإنذار الرسمى.
* صحيفة الدعوى : إن إعلان صحيفةافتتاح الدعوى إذا تضمن تكليف المدين بالوفاء فإنه يقوم مقام الإنذار، فالأصل فىالإعذار أن يكون بورقة رسمية من أوراق المحضرين، يبين الدائن فيها أنه يطلب منالمدين تنفيذ الالتزام، ومن ثم فلا يعد إعذاراً إعلان المشترى بصحيفة فسخ البيعلإخلاله بتنفيذ التزام من التزاماته، إلا إذااشتملت الصحيفة على تكليفه بالوفاءبهذا الالتزام( ).
فكثيراً ما يتم إنذار المدين فى نفس صحيفة الدعوى، فتكونالصحيفة إنذاراً ومطالبة فى نفس الوقت، لكن فى هذه الحالة سوف يتحمل الدائن الدعوىومصروفاتها متى بادر المدين إلى التنفيذ العينى بناء على الإعذار الضمنى المستفادمن رفع الدعوى، حيث أنه قبل هذا التكليف لم يكن مقصراً فى تنفيذ التزامه لعدم سابقةإعذاره.
إذن فإعلان صحيفة افتتاح الدعوى يحل محل الإنذار، إذ أن مجرد رفع الدعوىيتضمن إعذار المدين( )، وإن شاب التكليف بالحضور فيه بطلان لا يفضى لافتتاح الدعوىسواء لعدم مراعاة مواعيد التكليف بالحضور أو لنقص فى البيانات اللازمة لصحةافتتاحها، وكذلك لو رفعت- كما سبق الإشارة- أمام محكمة غير مختصة.
استثناء :
كما سبق القول بأن صحيفة افتتاح الدعوى تعتبر فى حد ذاتها إعذاراً للمدين متىتضمنت تكليف الدائن له بالوفاء بما عليه من التزام، أى أن الإعذار فى الأصل لا يعدشرطاً لرفع الدعوى من الأساس، إلا أنه يرد استثناءً على حالات يستلزم فيها القانونإعذار المدين أولاً، حتى يتم قبول الدعوى، فهو بذلك يكون شرطاً أساسياً لقبول مثلهذه الدعوى، من ذلك ما أوجبه قانون إيجار الأماكن السكنية رقم 136 لسنة 1981م منضرورة قيام المؤجر بتكليف المستأجر بالوفاء أولاً حتى يمكن قبول دعواه بالإخلاء أوالطرد: (لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان ولو انتهت المدة المتفق عليها فىالعقد إلا لأحد الأسباب الآتية : ... (ب) إذا لم يقم المستأجر بالوفاء بالأجرةالمستحقة خلال خمسة عشر يوما من تاريخ تكليفه بذلك بكتاب موصى عليه مصحوب بعلمالوصول دون مظروف أو بإعلان على يد محضر...)، فإن وجوب الإعذار فى هذه الحالة يعداستثناء من الأصل فإن انتفى أو كان باطلاً أو تم النزول عنه فإنه يترتب على ذلك عدمقبول دعوى الإخلاء.
* محضر الحجز على أموال المدين : بتوقيع هذا الحجز يكونالدائن قد وضع المدين فى موضع المهمل المقصر فى تنفيذ التزاماته، وبذلك يعتبرإعذاراًً يتحقق به الإنذار.. والقاعدة أن التنفيذ جبراً بواسطة المحضر- حيث أنالحجز من أعمال التنفيذ- لا يكون صحيحاً إلا إذا تم إعلان السند التنفيذى إلىالمدين وكان هذا الإعلان مشتملاً على تكليفه بالوفاء( )، فإعلان السند التنفيذىالذى يسبق إجراءات التنفيذ( ) يقوم مقام الإنذار.
* البروتستو : إذا كانالبروتستو ورقة رسمية يقوم بإعلانها المحضر إلى المدين فى السند لإثبات امتناعه عنالوفاء، ويتضمن التنبيه الرسمى على المدين بدفع قيمة السند، فإن البروتستو يعتبرإعذاراً للمدين بالمعنى الذى يتطلبه القانون فى الإنذار( ).
- وقد قضت محكمةالنقض بأنه: (لا يكفى لترتيب الأثر القانونى للإنذار أن يكون المشترى قد قال فىدعوى أخرى أن البائع قد أنذره، ما دام ذلك القول قد صدر فى وقت لم يكن النزاع علىالعقد المتنازع فيه مطروحاً، بل يجب تقديم الإنذار حتى يمكن للمحكمة أن تتبين إنكان يترتب عليه الفسخ أم لا؟، وذلك بالرجوع إلى تاريخه وما تضمنه، لأنه قد يكونحاصلاً قبل الميعاد المعين للوفاء أو قبل قيام البائع بتعهداته التى توقفت عليهاتعهدات المشترى)( ).. أى: إن مثل هذا القول من المدين لا يعتد به فى كونه يقوم مقامالإنذار، رغم ثبوته فى مستندات رسمية وأمام القضاء ذاته، حتى يتبين لمحكمة الموضوعحقيقة هذا القول وأسانيده بتقديم أصل الإنذار للتعرف منه على توافر شروط استحقاقالحق ونفاذ آثار الإنذار- الإعذار- فى مواجهة المدين.
3) الاتفاق على اعتبارمجرد حلول الأجل إعذاراً : إن التأخير الفعلى عن تنفيذ الالتزام لا يعد إعذاراًبالمفهوم القانونى، بل يشترط الإعذار للقول بالتعويض: (لا يستحق التعويض إلا بعدإعذار المدين , ما لم ينص على غير ذلك)( )، حيث يجب على الدائن القيام بإجراء شكلىيعلن فيه للمدين بوضوح عزمه وإصراره على أن يقوم المدين بتنفيذ ما على عاتقه منالتزام دون تأخير.
وقد أوردت المادة 219 من القانون المدنى استثناءً على هذاالأصل حين نصت على أن: (يكون إعذار المدين بإنذاره او بما يقوم مقام الإنذار.... كما يجوز أن يكون مترتبا على اتفاق يقضى بأن يكون المدين معذراً بمجرد حلول الأجلدون الحاجة إلى أى إجراء آخر)..
4)خطاب مسجل أو خطاب عادى أو بإخطار شفوى :الأصل أن مطالبة المدين بورقة غير رسمية؛ كخطاب مسجل، أو برقية، لا تقوم مقامالإنذار، ولا تكفى للقول بحدوث الإعذار، إلا حال وجود اتفاق بين الدائن والمدين علىمثل هذه الصور، فإنها وقتها تكفى للقول بالإعذار، حيث يجوز مثل هذا الاتفاق لعدمتعلق وجوب الإعذار بالنظام العام( )، حيث أباحت المادة 219 مدنى الاتفاق على أنيكون المدين معذراً بمجرد حلول الأجل دون حاجة إلى أى إجراء آخر، فمن الأولى جوازالاتفاق بين الدائن والمدين على توجيه الإعذار فى صورة خطاب مسجل أو خطاب عادى أوبإخطار شفوى، إلا أنه يجب على الدائن إثبات حدوث الإعذار على هذا الوجه( ).
5) وفى الأحوال التجارية : إن اشتراط القانون الورقة الرسمية فى الإعذار إنما ينصرفإلى المسائل المدنية، أما المسائل التجارية فتكفى فيها الورقة غير الرسمية( )، حيثيجوز الاتفاق على اعتبار المدين معذراً بمجرد حلول الأجل، لذلك فيكفى أن يكونمكتوباً أيًّا كانت صورة الكتابة( )- كما جاء فى المذكرة الإيضاحية للمشروعالتمهيدى للقانون المدنى- سواء بخطاب مسجل، أو خطاب عادى.. بل إن حتى التنبيهالشفوى يكفى فى هذه الأحوال متى قضى العرف التجارى بذلك بحسب ما ذهبت إليه محكمةالنقض( ).. و تأسيساً على حرية الاثبات فى مجال المعاملات التجارية، إلا أن مجردالتنبيه الشفوى سيكون صعب الإثبات، فالقاعدة العامة أن الدائن ملزم بإثبات حدوثه،فالبينة على من ادعى واليمين على من أنكر.
على أنه يجب الانتباه إلى اتصال علمالمدين بهذا الإعذار، فمتى كان الظاهر أن المدين لم يعلم بمضمون الخطاب- حالالاتفاق على جعل الإعذار فى صورة خطاب عادى- فإن ذلك لا يرتب آثار الإعذارالقانونية فى ذمته.
أما إذا رفض استلام الإعذار– أيًّا كانت صورته- مع علمهبحقيقته، فيمكن القول مع ذلك بحدوث الإعذار حيث أفصح الدائن عن رغبته فى وضوح وجلاءفى أن يقوم المدين بتنفيذ التزامه، وكون المدين قد رفض استلام الإعذار فإن ذلك يرجعإلى فعله هو مع علمه بإرادة الدائن، بما يؤدى إلى ترتب آثار الإعذار فىذمته.
والشكلية فى الإعذار ليست شكلية انعقاد التصرف- الإعذار- بل إنها شكلإثبات( ). ففى كل الأحوال يجب أن تتوافر بعض الشروط فى الإعذار بصوره المختلفة، بأنتكون إرادة المدين واضحة جلية- بما لا تدع معها مجالاً للشك- فى المطالبة بتنفيذالمدين لالتزامه دون تأخير، وأن يتضح ذلك من مضمون الإعذار ذاته على أى صورة كان،أما إذا لم يفصح الدائن عن إرادته فى تنفيذ الالتزام فلا يعد ذلك إعذاراً. كذلك يجبأن تكون مطالبة الدائن منصبة على حق حالّ الأجل- فإن كان معلقاً على شرط وجب تحققالشرط قبل توجيه الإعذار-، مستحق الأداء، معين المقدار- فإن كان تعيين المقدارراجعاً إلى المدين فإعذاره صحيح، أما إن رجع تعيينه إلى الغير فيجب على الدائن أنيذكر كذلك رغبته فى إجراء هذا التعيين-.
ومن المستقر قضاءً أن بحث مدى حدوثالإعذار إنما هو مسألة واقع تخضع لرقابة قاضى الموضوع، وليس مسألة قانون خاضعةلرقابة محكمة النقض.
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma