السلطات الإدارية المستقلة
الفاصلة في المواد الاقتصادية والمالية
إنّ العولمة يمكن اعتبارها بمثابة نزع الحواجز أو الحدود الاقتصادية بين الدول وذلك عبر العالم، وذلك بهدف ضمان حرية سير كلّ عوامل الإنتاج.
وهذه الظاهرة لم تكن بعامل الصدفة وخاصّة في بلدان العالم الثالث كالجزائر، وذلك بتقليد القانون الليبرالي الغربي. وبالضّبط نلاحظ تغيرات دستورية وبانسحاب الدولة في المجال الاقتصادي. وباستقبال التنظيم القانوني الليبرالي وذلك باستيراد أحدث التكنولوجيات القانونية "المفتاح في اليد". وكما يصرح على ذلك أحد الكتاب قائلا: » يمكن تحديد شكل الثقافة والاقتصاد للأمم الأخرى. وذلك باستيراد النظام القانوني الذي سيؤثر على التنظيم الاجتماعي كلّه، وبدون احتلال الأراضي أو استثمار رؤوس أموال في التطوير الاقتصادي والاجتماعي «.
وبالتّالي ظاهرة العولمة مرفقة بإنتاج أحدث القواعد وكفاءتها تفرض كضرورة لانضمام الدولة المعنية في اقتصاد معولم (Une économie mondial)، بدون حدود.
وبالنّسبة للجزائر، إلى جانب استيراد التقنيات "المفتاح في اليد"، وبالمقابل وضع سياسة إزالة التنظيم وانسحاب الدولة من المجال الاقتصادي لصالح السوق.
وبعد ذلك نلاحظ وضع هيئات جديدة مأخوذة من النموذج الغربي وهي السلطات الإدارية المستقلة والمكلّفة بمختلف الوظائف المتعلقة بوظيفة الضبط للاقتصاد في مرحلة انتقالية. علما أن هذه الإصلاحات تستدعي ضرورة إنشاء هيئات مكلّفة بالضبط ذات نموذج ليبرالي، وكلّما يصرح أحد الكتاب على أن:
« Libéralisation de l’économie et affirmation d’autorités de régulation cheminent de pair » .
وبالتّالي نشأت هيئات جديدة، تدعي السلطات الإدارية المستقلة، والتي تستعملها في مكان الهيئات الإدارية التقليدية أو الكلاسيكية، وذلك للأداء الوظائف المتعلقة بضبط النشاطات الاقتصادية والمالية. وإن كانت هذه الهيئات الجديدة محل دراسات هامة ومختلف التدخلات الفقهية، وخاصّة في فرنسا، إلا أنه ليس الأمر كذلك في الجزائر ولذلك بقي موضوع السلطات الإدارية المستقلة غير معروف، مما دفع بناء إلى البحث عن هذا الموضوع ولأهميته البالغة في الوضع الراهن.
فلذا نتساءل عن الأساس القانوني والمفهوم الحقيقي للسّلطات الإدارية المستقلة في المجال الاقتصادي والمالي؟ كما أنّ تسميتها تدل عن خاصية الاستقلالية مما يدفعنا للتساؤل عن مدى استقلاليتها؟ وأخيرا سنجيب عن مدى تناقض أو تعارض السلطة المخوّلة للهيئات المستقلة مع المبادئ الدستورية؟
تطرح فكرة السلطات الإدارية المستقلة في المجال الاقتصادي والمالي صعوبات في تكييفها، مما يستدعي الأمر البحث عن المقصود بهذه الفكرة وعن المعايير الأساسية التي تسمح بتكييف هيئة ما ومنحها صفة السلطة الإدارية المشكلة (الفصل الأوّل).
وبعد منحها صفة السلطة الإدارية المستقلة فإنّ هذه الأخيرة تدخل بهدف ضبط المجال الاقتصادي والمالي، وللقيام بهذه المهمة فتخوّل لها سلطات تختلف من هيئة إدارية مستقلة إلى أخرى (الفصل الثاني).
تعتبر السلطات الإدارية المستقلة الفاصلة في المواد الاقتصادية والمالية العمود الفقري للضّبط الاقتصادي، بل أكثر من ذلك فهي محرّك السوق الاقتصادية والمالية، نظرا لاتساع مجال عملها ونطاق تدخلها وكلّ واحدة في اختصاصها المخوّل لها.
إلا أنّ كثرة الهيئات الإدارية المستقلة في مجالات النشاط الاقتصادي والمالي وتزويدها بسلطات كثيرة يؤدي إلى خلق قواعد جديدة ومتخصصة، وتختلف هذه القواعد من هيئة لأخرى، وأحيانا نجد أنّ المعايير الأساسية لتكييفها كهيئات إدارية مستقلة والضمانات الأساسية ليست مهمة أمام كلّ الهيئات، قد يكون هذا النقص في تكريس المعايير والضمانات القانونية متعمد، ويمارس تحت غطاء المرونة والسرعة لضمان فعالية الضبط الاقتصادي، وكما يمكن تكييف ذلك بمثابة تقليد انتقائي (Un mimetisme sélectif) أي المشرع في هذه الحالة عندما يأخذ ذلك من المشرع الغربي ينتفي كلّ ما يتعلّق بالضمانات الأساسية لحقوق الدفاع، كما يقلّص من استقلالية هذه الهيئات وذلك بتردد عن انسحاب السلطة التنفيذية في سلطة في سلطة اتخاذ القرارات في المجال الاقتصادي والمالي، لكن هذه الظاهرة تمسّ بحقوق المتابعين أمام هذه الهيئات. وتؤسس حالة اللا استقرار القانوني « Insécurité juridique » إنها فوضى الهيئات الإدارية المستقلة في المجال الاقتصادي والمالي.
دور رجل القانون أما فوضى الهيئات الإدارية المستقلة هو إعادة النظام لهذه الهيئات، بفضل مجهود يتمثّل في هيكلة المعطيات التي ولدّها تطور النظام القانوني، ويكون ذلك بخلق قانون جديد ومستقل، وهو قانون الضبط الاقتصادي، في هذه الوحدة الجديدة من القانون يمكن إيجاد تقنين للهيئات الإدارية المستقلة، ونظام التقنين يجعل القانون أكثر سهولة. وتوجد عدّة حلول لعملية التقنين.
النصوص الحالية خاصيتها أنها متفرقة بحسب الهيئة المعنية، فعملية مزج بسيطة للقواعد الموجودة تكون كافية للتقنين لكن بشرط أن يكون هناك تناسق لإيجاد قواعد مشتركة بين هذه القوانين المؤطرة لهذه الهيئات.
من جهة أخرى فإن هذا التقنين يمكن أن يكون تقنينا حقيقيا للضبط الاقتصادي إذا كانت من بين أحكامه مجموعة أوّلى من المواد تعرّف مهمة الضبط وتحدد المبادئ الأساسية التي يجب على كلّ هيئة إدارية مستقلة تؤسس مستقبلا أن تسير عليها وبعدها تأتي الأحكام المتعلقة بتوزيع الاختصاصات ثمّ الأحكام المتعلقة بالإجراءات.
إنّ التقنين إذا تمّ يمكّن من الاقتصاد في البحث عن القواعد القانونية الخاصّة بالهيئات الإدارية المستقلة ويمكّن كذلك من الإجابة عن بعض التساؤلات، كتلك المتعلقة بمدة دستورية السلطات المخوّلة للهيئات الإدارية المستقلة أو بالتكييف القانوني لهذه الأخيرة، التعاون بين هذه الهيئات لتفادي وقوع تنازع في الاختصاص، الجمع بين العقوبات والتقادم، أي تأطير السلطات الإدارية المستقلة.
إنّ تقنين الهيئات الإدارية المستقلة سوف يسمح أيضا بتنسيق القواعد الخاصة بتوزيع الاختصاص القضائي للنظر في أعمال هذه الهيئات سواء القضاء العادي أو الإداري، أمام تنوع هذا الاختصاص يجد المتقاضي نفسه مختار إلى اية جهة قضائية يتجه، فيمكن مثلا وضع مبدأ عام وهو اختصاص القضاء الإداري وكاستثناء اختصاص القضاء العادي، عندما يتعلق الأمر بالسلطة القمعية، وفي الوقت نفسه يسمح هذا التقنين بتوحيد القواعد المتعلقة بكيفيات تقديم الطعون وسلطات القاضي عند النظر في الدعوى.
أخيرا وفي هذه النقطة فإن هذا التقنين يجب أن يكون الهدف منه تقوية الشفافية في الإجراءات وتوفير الضمانات للأعوان الاقتصاديين، وقد تكون هذه التقوية ممكنة عن طريق تكريس الطابع القضائي للإجراءات أمام هذه الهيئات La juridictionnalisation des pracédures.
كما نلاحظ كذلك نوعا من التقاعس في ممارسة السلطات الإدارية المستقلة لمهامها، على سبيل المثال مرور وقت طويل جدا بين صدور النص أو اللائحة، المطبقة أو انعدامها كلية إلى يومنا هذا.
علما أن إرادة الدولة في تكريس هذه الإصلاحات وإنشاء هذه الهيئات الإدارية المستقلة بهدف الضبط الاقتصادي والنهوض بالاقتصاد الوطني بصفة عامة، فهذا سيؤدي حتما إلى زيادة تدخلات السلطات الإدارية المستقلة في مجال اختصاصها، وبروز دورها الفعلي والحقيقي، نتيجة زيادة عدد المتدخلين فيها. ورفع حجم المعاملات الجارية على مستواها.
أما إذا كانت إرادة الدولة ذات طابع تزيني، أو خيالي، موجّه للخارج من أجل إعطاء صورة للرأي العام العالمي، فهذا سيؤدي إلى إبقاء السلطات الإدارية المستقلة مجرّد بناءات تشييدية تتحمّل الدولة تكاليف وأعباء سيرها.
وبالتّالي على المشرع أن يضع قواعد مشتركة في مجال الإجراءات الضبطية على الأقل وليس توحيد النظام المطبق على الهيئات الإدارية المستقلة. ونتطرق إلى هذه المسألة خاصّة عندما يتعلق الأمر بالسلطة القمعية للهيئات الإدارية المستقلة، وذلك بتوحيد الضمانات الأساسية وتعميمها والتي تشكل مبادئ دولة القانون.
موضوع أعده الأستاذ حدري سمير -* للأمانة منقول للفائدة*-
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma