قِرَاءَةٌ فِي جَريمَة تزوير المُحَرّرَات
على ضوء الاجتهاد القضائي
من إعداد
نجيمي جمال
المستشار بالمحكمة العليا
يناير 2009
بسم الله الرحمن الرحيم
قراءة في جريمة تزوير المحررات
على ضوء الاجتهاد القضائي
نص قانون العقوبات على جرائم التزوير في الفصل السابع من الباب الأول منه المتعلق بالجنايات و الجنح ضد الشيء العمومي.
و هذا الفصل المتعلق بالتزوير ( المواد 197 إلى 253 مكرر ) يتضمن 8 أقسام هي :
القسم 1 : النقود المزورة ( م 197 - 204 ) .
القسم 2 : تقليد أختام الدولة و الدمغات و الطوابع و العلامات ( م 205 - 213).
القسم 3 : تزوير المحررات العمومية أو الرسمية ( م 214 إلى 218 ).
القسم 4 : التزوير في المحررات العرفية أو التجارية أو المصرفية ( م 219 - 221 ) .
القسم 5 : التزوير في بعض الوثائق الإدارية و الشهادات ( م 222 - 229 ).
القسم 6 : أحكام مشتركة ( م 230 - 231 ) .
القسم 7 : شهادة الزور و اليمين الكاذبة ( م 232 - 241 ) .
القسم 8 : إنتحال الوظائف و الألقاب أو الأسماء أو إساءة استعمالها ( م 242 - 253 مكرر) .
و بالتالي فإن تزوير المحررات يضمّ الجانب الأكبر إذ خصص له المشرع 18 مادة موزعة على أربعة أقسام.
و في الجانب العملي فإن أغلب جرائم التزوير التي تعرض على المحاكم هي جرائم تزوير المحررات .
تعريف جريمة التزوير
المشرع الجزائري لم يأت بتعريف لجريمة التزوير سالكا بذلك نهج قانون العقوبات الفرنسي القديم و بعض القوانين العربية مثل القانون المصري و القانون السعودي.
و من خلال دراسات شراح القانون و من الاجتهاد القضائي المقارن فإنه يمكن تعريف جريمة تزوير المحررات بأنها تغيير الحقيقة في محرر، و ذلك عن قصد و بإحدى الطرق المنصوص عليها قانونا، و يترتب عن ذلك ضرر حال أو محتمل للغير.
و هناك من الفقهاء من عرف جريمة التزوير بأنها : تغيير الحقيقة في محرر بإحدى الطرق التي نص عليها القانون تغييرا من شأنه إحداث ضرر، و مقترن بنية استعمال المحرر المزور فيما أعدّ له.
و قد أورد الأستاذ جندي عبد الملك تعريفين لفقهاء القانون الجنائي في فرنسا، التعريف الأول مفاده أن التزوير في المحررات هو تغيير الحقيقة بقصد الغش في محرر بإحدى الطرق التي بينها القانون، تغييرا من شأنه أن يسبب ضررا.
و التعريف الثاني مضمونه أن التزوير يتكون من تغيير الحقيقة بقصد الغش في محرر، تغييرا واقعا على شيء مما أعِدّ هذا المحرر لإثباته و من شأنه أن يسبب ضررا.
في حين أن قانون العقوبات الفرنسي الحالي ( الذي دخل حيز التنفيذ ابتداء من 01-03-1994 بموجب القانون رقم 92-1336 المؤرخ في 16-12-1992) ينص في المادة 441-1 منه على تعريف جريمة التزوير على النحو التالي :
Art. 441-1 « Constitue un faux toute altération frauduleuse de la vérité, de nature à causer un préjudice et accomplie par quelque moyen que ce soit, dans un écrit ou tout autre support d'expression de la pensée qui a pour objet ou qui peut avoir pour effet d'établir la preuve d'un droit ou d'un fait ayant des conséquences juridiques . »
« يشكل تزويرا كل تغيير احتيالي للحقيقة، من شأنه إحداث ضرر، و ينجز بأية وسيلة كانت، و ينصب على محرر أو على أية دعامة للتعبير عن الأفكار يكون موضوعها أو يكون من آثارها إقامة الدليل على حق أو على واقعة ذات نتائج قانونية. »
و هذا التعريف ينطبق عموما على جريمة التزوير وفقا للقانون الجزائري إلا في نقطة واحدة و هي حدوث التزوير على الدعائم الحديثة لتلقي البيانات التي لا يشملها القانون الجزائري.
و هو نفس المنهج الذي سلكه المشرع السوري إذ نصت المادة 443 من قانون العقوبات السوري على الآتي:
« التزوير هو تحريف مفتعل للحقيقة في الوقائع والبيانات التي يراد إثباتها بصك أو مخطوط يُحتجّ بهما يمكن أن ينجم عنه ضرر مادي أو معنوي أو اجتماعي.»
و الحكمة التي يرمي إليها المشرع من خلال تجريم التزوير ليست التصدي للكذب و تغيير الحقيقة كفكرة مجردة لأن ذلك دور الدين و الأخلاق، و لكن قصده حماية أدلة الإثبات التي يُعدّها و ينشئها الناس بمناسبة معاملاتهم تحسبا لاستعمالها عند الحاجة أمام المصالح العامة و خصوصا أمام القضاء، و ما يؤكد ذلك أن باب التزوير في قانون العقوبات يشمل حماية أختام الدولة و الدمغات و العلامات و يُجرم شهادة الزور و اليمين الكاذبة و هي كلها وسائل إثبات، و من خلال إدراك هذه الغاية التي يهدف إليها المشرع يسهل فهم أحكام تزوير المحررات في قانون العقوبات .
أركان جريمة تزوير المحررات
فتكون بذلك أركان جريمة التزوير كالتالي :
الركن المادي :
و هو تغيير الحقيقة في محرر بإحدى الطرق المنصوص عليها قانونا، و هذا الركن يتكون من ثلاثة عناصر هي :
العنصر الأول : تغيير الحقيقة Altération de la vérité .
قد يكون التغيير ماديا ( faux matériel) ، بالتقليد ( contrefaçon ) و هو المحاكاة و المشابهة، أو بتزييف ( altération ) الإمضاءات أو البصمة أو الكتابة بما في ذلك الزيادة أو الحذف ، و إما بانتحال شخصية الغير أو الحلول محلها، فالتغيير المادي تدركه الحواس و تثبته الخبرة.
و قد يكون التغيير معنويا ( faux intellectuel ) ، عن طريق اصطناع ( fabrication ) اتفاقات أو التزامات أو مخالصات صورية ، أو إدراجها لاحقا في محررات معدة لتلقي تلك البيانات، فالتزوير في هذه الحالة يوجد في المعنى و المضمون ، و من ذلك اصطناع أحكام قضائية أو وثائق مما تصدره الإدارات العمومية ، و هي مزورة من حيث البيانات و الإمضاء .
و أما التصريحات الفردية الواردة في المذكرات و العرائض مثلا فمهما كانت درجة صدقها لا تعتبر تزويرا لأنها تصريحات معروضة للمناقشة و ليست أدلة إثبات.
و يكون التزوير بإحدى الطرق المحددة على سبيل الحصر في نص المادة 216 من قانون العقوبات ( سواء تعلق الأمر بالتزوير الواقع في المحررات الرسمية أو في المحررات العرفية ) و هي :
1. إما بتقليد أو بتزييف الكتابة أو التوقيع.
2. و إما باصطناع اتفاقات أو نصوص أو التزامات أو مخالصات، أو بإدراجها في هذه المحررات فيما بعد.
3. و إما بإضافة أو بإسقاط أو بتزييف الشروط أو الإقرارات أو الوقائع التي أعدت هذه المحررات لتلقيها أو لإثباتها.
4. و إما بانتحال شخصية الغير أو الحلول محلها.
فإن لم يكن هناك تغيير للحقيقة فلا تزوير، و من أمثلة ذلك الإدلاء أمام موظف بتصريحات يعتقد المصرح أنها كاذبة و لكن ظهر فيما بعد أنها مطابقة للحقيقة، و كذلك تقليد إمضاء شخص على محرر و لكن بموافقته و إذنه.
و تعتبر الطريقة الثانية و هي اصطناع الاتفاقات هي أسلوب التغيير المعنوي، بينما تشكل باقي الطرق تغييرا ماديا. و الصورية في العقود تكون باتفاق المتعاقدين و تهدف إلى إيهام الغير بوجود عقود غير موجودة في أرض الواقع أو إخفاء الطبيعة الحقيقية للعقد و إظهار طبيعة غير حقيقية، و ذلك بشرط الغش و قصد إلحاق الضرر بالغير.
و لكن في كل هذه الحالات يجب أن ينصب التزوير على البيانات الجوهرية التي يتضمنها المحرر، و أما البيانات غير الجوهرية التي لا تأثير لها فيما أعد المحرر من أجله فإن تغييرها أو تحريفها أو إضافتها أو إزالتها لا يعد من قبيل التزوير المعاقب عليه لأنه لا ينتج أي ضرر عن ذلك، و المثال على ذلك القرار الصادر عن المحكمة العليا بتاريخ 03-12-2008 في القضية رقم 446986 (غير منشور) الذي قضى بنقض و إبطال القرار الذي أدان المتهم بجنحة التزوير لأنه أضاف كلمة « بتحفظ » عند إمضائه لوثيقة التوقيف التي سلمت له من طرف الشركة، و قد قضت المحكمة العليا بذلك لأن القرار المطعون فيه لم يبرز ما هي الآثار القانونية الناجمة عن كتابة هذه العبارة في وثيقة التسريح المسلمة للمتهم و لم يوضح أين يكمن تغيير الحقيقة أو مخالفة الواقع التي ذكرها القرار في حيثياته من أجل إلغاء حكم الدرجة الأولى القاضي بالبراءة.
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma