الاجتهاد القضائي الجزائي الجزء الثالث
مقدمة:
ينحصر دور القضاء أساسا في تطبيق النصوص التشريعية ، ولكن قصور التشريع وعدم كماله ، نظرا لتغير الظروف والحالات التي تحكمها النصوص التشريعية ، يجعل للقضاء دورا هاما في تفسير النصوص وملاءمة تطبيقها على الحالات المستجدة المعروضة عليه.
فلقضاء يلعب دورا هاما ويمارس سلطة واسعة في تفسير النصوص القانونية وذلك راجع لعمومية القواعد القانونية وتجريدها ، وبذلك فهو يساهم في سد الثغرات وتحقيق ملاءمة النصوص التشريعية للظروف الاجتماعية التي تطبق عليها.
والقاضي عندما يجد حلا عادلا للنزاع في حالة وجود نقص في مصادر القانون ، فانه لا يخلق قاعد قانونية ، كما أن الحل الذي يصدر عنه لا تكون له حجية إلا بالنسبة للنزاع المعروض عليه ، ولا يجوز التمسك به أمام نفس القاضي في نزاع مغاير.
غير أن حكم القاضي يمكن أن يساهم في إنشاء القواعد القانونية وبالتالي الاجتهاد القضائي ، إذ أخذت جهات قضائية أخرى بنفس الحل في المسائل المتشابهة.
واستقرار اجتهاد المحكمة العليا على اتجاهات معينة يؤدي إلى تبني المحاكم والمجالس القضائية لهذا الاجتهاد.
المبحث الأوّل: مفهوم الاجتهاد القضائي وشروطه
إن مفهوم الاجتهاد القضائي كان يقصد به بالدرجة الأولى في القانون الروماني المعرفة الواقعية للقانون: (la connaissance concrète du droit).
أما حاليا فإن المفهوم أصبح مقترنا بوظيفة القاضي.
ويمكن تعريف الاجتهاد القضائي بأنه عبارة عن مجموع القرارات القضائية ، وبمفهوم أدق فإن الاجتهاد القضائي يتكون من عدد من القرارات القضائية المطبقة في ميدان معين ، والتي تمكننا من استنباط المبادئ والحلول المطبقة في ميدان ما.
ويجب الاحتراز من إساءة استعمال مدلول الاجتهاد القضائي ، ذلك أن حكما أو قرارا قضائيا واحدا لا يمكن نعته بالاجتهاد القضائي.
إن الاجتهاد القضائي يبرز انطلاقا من حركية أو اتجاه قضائي في مسألة معينة ، كما أن الاجتهاد القضائي الصادر في مسألة يوجد بشأنها اجتهاد قضائي سابق ، من شأنه تأكيد الاجتهاد أو تدقيقه أو تعديله في نقطة معينة.
وقد يحصل أن يتغير الاجتهاد القضائي كليا في مسألة معينة ، وهذا ما يسمى بالتغيير الكلي للاجتهاد القضائي: (Le revirement de la jurisprudence ).
والاجتهاد القضائي الصادر في هذه الحالة تكون له أهمية بالنظر للجهات القضائية التي أصدرت القرارات المكونة لهذا الاجتهاد المعاكس أو المخالف ، وكذلك بالنظر لعدد القرارات الصادرة المكونة له ، والطبيعة العامة للحلول المطبقة.
وعادة ما يكون دور الاجتهاد القضائي تغطية القصور الموجود في القانون ، وفي هذه النقطة بالذات تبرز سلطة القضاء في مواجهة القصور التشريعي.
وغالبا ما يظهر الاجتهاد القضائي بعد صدور التشريع أو القانون ، لأن الصعوبات التي تظهر في تفسير القانون وتطبيقه تعرض على القاضي ، والاتجاه القضائي المتخذ في مسألة معينة يدفع بالمشرع للقيام بمهمته ، ويكون تدخله إما بتأكيد الاجتهاد القضائي في المسألة أو مخالفته.
وحسب رأينا فإن القاضي يستمد سلطته في الاجتهاد وتفسير النصوص وملاءمة تطبيقها من المشرع نفسه.
فقد القانون المدني الجزائري في مادته الأولى على ما يلي:" يسري القانون على جميع المسائل التي تتناولها نصوصه في لفظها أو في فحواها".
وباستقراء نص المادة السالفة الذكر ، نلاحظ أن المشرع الجزائري يعترف صراحة للقاضي بسلطته في التفسير والاجتهاد وملاءمة تطبيق النصوص القانونية على الحالات التي تعرض عليه.
فالمشرع عندما صرح في المادة الأولى من القانون المدني ، لأن القانون يسري على جميع المسائل التي تتناولها نصوصه في لفظها أو في فحواها ، ترك الباب مفتوحا لاجتهاد القاضي ، ذلك أن المشرع لا يمكنه بل ويستحيل عليه أن يحدد في نصوص تشريعية كل الحالات التي سوف تستجد مستقبلا.
إذا كان القانون خول للقاضي سلطة الاجتهاد على النحو السالف الذكر ، فما هي الشروط الواجب توفرها في القاضي المجتهد ؟.
إن الشرط الأساسي في القاضي المجتهد هو قدرته على استنباط الأحكام من أدلتها وهذا الشرط يكتسبه القاضي بعد الممارسة والتجربة الميدانية الطويلة ، بحيث تتكون لديه القدرة على التحليل والاستنباط ، أو ما يمكن أن نطلق عليه ملاءمة تطبيق النصوص القانونية ، ويندرج ضمن هذا الإطار التكييف القانوني والتفسير القضائي.
المبحث الثاني: سلطة القاضي الجزائي في مواجهة القصور التشريعي
يصعب إعطاء تعريف لمعنى القصور التشريعي ، لأنّه ذو طابع فجائي وطارئ ولا يمكن تقديره مقدما أو إدراكه قبل وقوعه ، ومع ذلك يمكن إعطاء التعريف التالي:
"القصور التشريعي هو حالة يواجهها القاضي الجزائي خلال قيامه بمهمته في تفسير وتطبيق قواعد التشريع الجزائي ، أو أية قواعد تشريعية أخرى على الحالات الواقعية المعروضة عليه ، سواء كان هذا التشريع موضوعيا أو إجرائيا ، وقد تكون الحالة التي يواجهها القاضي متمثلة في غموض النص التشريعي أو تعارضه مع نص أو نصوص أخرى ، وسواء كانت هذه النصوص التشريعية من درجة واحدة من حيث القوة الإلزامية ، أم كان أحدها أعلى درجة من الآخر"
وقد تكون حالة القصور التشريعي عبارة عن نقص في التشريع سواء كان هذا النقص في الصياغة أو الترجمة.
ولعل أهم الأسباب المؤدية إلى القصور التشريعي هي كون المشرع لا يمكنه أن يحصر سلفا ويدرك كل ما سيحدث مستقبلا قبل وقوعه الفعلي.
ومن هنا تبرز سلطة القاضي الجزائي ودوره الأساسي في تفسير القواعد القانونية بما يتلاءم وتطور الوقائع والحقائق الاجتماعية التي تحكمها النصوص التشريعية.
وخلاصة القول أن القصور التشريعي ظاهرة قانونية نجدها في كل القوانين الوضعية ، لأن التشريع هو عبارة عن عمل بشري لا يمكنه أن يصل إلى درجة الكمال ، وذلك راجع لعدة عوامل نذكر منها:
01- تطور الحياة الاجتماعية.
02- العامل البشري وما يتصل بقدرات الانسان المحدودة.
وقد يستمد القاضي الجزائي سلطته في تقدير وتفسير النصوص التشريعية من المشرع ذاته كما أسلفنا ، خاصة عند عدم تعريف الجريمة تعريفا دقيقا ، أو لجوء المشرع إلى الصياغة العامة المجردة التي تحتاج بطبيعتها إلى التفسير والتقدير.
مقدمة:
ينحصر دور القضاء أساسا في تطبيق النصوص التشريعية ، ولكن قصور التشريع وعدم كماله ، نظرا لتغير الظروف والحالات التي تحكمها النصوص التشريعية ، يجعل للقضاء دورا هاما في تفسير النصوص وملاءمة تطبيقها على الحالات المستجدة المعروضة عليه.
فلقضاء يلعب دورا هاما ويمارس سلطة واسعة في تفسير النصوص القانونية وذلك راجع لعمومية القواعد القانونية وتجريدها ، وبذلك فهو يساهم في سد الثغرات وتحقيق ملاءمة النصوص التشريعية للظروف الاجتماعية التي تطبق عليها.
والقاضي عندما يجد حلا عادلا للنزاع في حالة وجود نقص في مصادر القانون ، فانه لا يخلق قاعد قانونية ، كما أن الحل الذي يصدر عنه لا تكون له حجية إلا بالنسبة للنزاع المعروض عليه ، ولا يجوز التمسك به أمام نفس القاضي في نزاع مغاير.
غير أن حكم القاضي يمكن أن يساهم في إنشاء القواعد القانونية وبالتالي الاجتهاد القضائي ، إذ أخذت جهات قضائية أخرى بنفس الحل في المسائل المتشابهة.
واستقرار اجتهاد المحكمة العليا على اتجاهات معينة يؤدي إلى تبني المحاكم والمجالس القضائية لهذا الاجتهاد.
المبحث الأوّل: مفهوم الاجتهاد القضائي وشروطه
إن مفهوم الاجتهاد القضائي كان يقصد به بالدرجة الأولى في القانون الروماني المعرفة الواقعية للقانون: (la connaissance concrète du droit).
أما حاليا فإن المفهوم أصبح مقترنا بوظيفة القاضي.
ويمكن تعريف الاجتهاد القضائي بأنه عبارة عن مجموع القرارات القضائية ، وبمفهوم أدق فإن الاجتهاد القضائي يتكون من عدد من القرارات القضائية المطبقة في ميدان معين ، والتي تمكننا من استنباط المبادئ والحلول المطبقة في ميدان ما.
ويجب الاحتراز من إساءة استعمال مدلول الاجتهاد القضائي ، ذلك أن حكما أو قرارا قضائيا واحدا لا يمكن نعته بالاجتهاد القضائي.
إن الاجتهاد القضائي يبرز انطلاقا من حركية أو اتجاه قضائي في مسألة معينة ، كما أن الاجتهاد القضائي الصادر في مسألة يوجد بشأنها اجتهاد قضائي سابق ، من شأنه تأكيد الاجتهاد أو تدقيقه أو تعديله في نقطة معينة.
وقد يحصل أن يتغير الاجتهاد القضائي كليا في مسألة معينة ، وهذا ما يسمى بالتغيير الكلي للاجتهاد القضائي: (Le revirement de la jurisprudence ).
والاجتهاد القضائي الصادر في هذه الحالة تكون له أهمية بالنظر للجهات القضائية التي أصدرت القرارات المكونة لهذا الاجتهاد المعاكس أو المخالف ، وكذلك بالنظر لعدد القرارات الصادرة المكونة له ، والطبيعة العامة للحلول المطبقة.
وعادة ما يكون دور الاجتهاد القضائي تغطية القصور الموجود في القانون ، وفي هذه النقطة بالذات تبرز سلطة القضاء في مواجهة القصور التشريعي.
وغالبا ما يظهر الاجتهاد القضائي بعد صدور التشريع أو القانون ، لأن الصعوبات التي تظهر في تفسير القانون وتطبيقه تعرض على القاضي ، والاتجاه القضائي المتخذ في مسألة معينة يدفع بالمشرع للقيام بمهمته ، ويكون تدخله إما بتأكيد الاجتهاد القضائي في المسألة أو مخالفته.
وحسب رأينا فإن القاضي يستمد سلطته في الاجتهاد وتفسير النصوص وملاءمة تطبيقها من المشرع نفسه.
فقد القانون المدني الجزائري في مادته الأولى على ما يلي:" يسري القانون على جميع المسائل التي تتناولها نصوصه في لفظها أو في فحواها".
وباستقراء نص المادة السالفة الذكر ، نلاحظ أن المشرع الجزائري يعترف صراحة للقاضي بسلطته في التفسير والاجتهاد وملاءمة تطبيق النصوص القانونية على الحالات التي تعرض عليه.
فالمشرع عندما صرح في المادة الأولى من القانون المدني ، لأن القانون يسري على جميع المسائل التي تتناولها نصوصه في لفظها أو في فحواها ، ترك الباب مفتوحا لاجتهاد القاضي ، ذلك أن المشرع لا يمكنه بل ويستحيل عليه أن يحدد في نصوص تشريعية كل الحالات التي سوف تستجد مستقبلا.
إذا كان القانون خول للقاضي سلطة الاجتهاد على النحو السالف الذكر ، فما هي الشروط الواجب توفرها في القاضي المجتهد ؟.
إن الشرط الأساسي في القاضي المجتهد هو قدرته على استنباط الأحكام من أدلتها وهذا الشرط يكتسبه القاضي بعد الممارسة والتجربة الميدانية الطويلة ، بحيث تتكون لديه القدرة على التحليل والاستنباط ، أو ما يمكن أن نطلق عليه ملاءمة تطبيق النصوص القانونية ، ويندرج ضمن هذا الإطار التكييف القانوني والتفسير القضائي.
المبحث الثاني: سلطة القاضي الجزائي في مواجهة القصور التشريعي
يصعب إعطاء تعريف لمعنى القصور التشريعي ، لأنّه ذو طابع فجائي وطارئ ولا يمكن تقديره مقدما أو إدراكه قبل وقوعه ، ومع ذلك يمكن إعطاء التعريف التالي:
"القصور التشريعي هو حالة يواجهها القاضي الجزائي خلال قيامه بمهمته في تفسير وتطبيق قواعد التشريع الجزائي ، أو أية قواعد تشريعية أخرى على الحالات الواقعية المعروضة عليه ، سواء كان هذا التشريع موضوعيا أو إجرائيا ، وقد تكون الحالة التي يواجهها القاضي متمثلة في غموض النص التشريعي أو تعارضه مع نص أو نصوص أخرى ، وسواء كانت هذه النصوص التشريعية من درجة واحدة من حيث القوة الإلزامية ، أم كان أحدها أعلى درجة من الآخر"
وقد تكون حالة القصور التشريعي عبارة عن نقص في التشريع سواء كان هذا النقص في الصياغة أو الترجمة.
ولعل أهم الأسباب المؤدية إلى القصور التشريعي هي كون المشرع لا يمكنه أن يحصر سلفا ويدرك كل ما سيحدث مستقبلا قبل وقوعه الفعلي.
ومن هنا تبرز سلطة القاضي الجزائي ودوره الأساسي في تفسير القواعد القانونية بما يتلاءم وتطور الوقائع والحقائق الاجتماعية التي تحكمها النصوص التشريعية.
وخلاصة القول أن القصور التشريعي ظاهرة قانونية نجدها في كل القوانين الوضعية ، لأن التشريع هو عبارة عن عمل بشري لا يمكنه أن يصل إلى درجة الكمال ، وذلك راجع لعدة عوامل نذكر منها:
01- تطور الحياة الاجتماعية.
02- العامل البشري وما يتصل بقدرات الانسان المحدودة.
وقد يستمد القاضي الجزائي سلطته في تقدير وتفسير النصوص التشريعية من المشرع ذاته كما أسلفنا ، خاصة عند عدم تعريف الجريمة تعريفا دقيقا ، أو لجوء المشرع إلى الصياغة العامة المجردة التي تحتاج بطبيعتها إلى التفسير والتقدير.
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma