المبحث الثالث
خصائص الدستور في الإسلام
للدستور في الإسلام خصائص تميزه عن غيره من دساتير العالم، فالدساتير المعاصرة تختلف من حيث طبيعتها ونشأتها، عن الدستور في الإسلام، وذلك أن هذه الدساتير نشأت في بيئة تختلف اختلافا كبيرا عن البيئة الإسلامية، وهذا الاختلاف ليس اختلافا شكليا أو فرعيا، ولكنه اختلاف ممتد إلى الجذور والأسس والمنطلقات، فبينما يرتكز الدستور في النظم الغربية والشرقية على منطلقات فكرية بشرية هي نتاج الفكر البشري المتأثر بخليط من الحضارات الوثنية والدينية المحرفة والمادية، نجد في المقابل الدستور في الدولة الإسلامية يتكئ على قاعدة صلبة من الإيمان، والوحي بما فيه من أصالة وصفاء منبع، صحيح أن الدستور في أي دولة لا يختلف كثيرا عن الدستور في دولة أخـرى من الناحيـة الشكلية، ومن ناحية مواضيع الدستور، ولكن الاختلاف يكمن في كيفية معالجة هذه المواضيع، فدستور الدولة الإسلامية يعالج هذه المواضيع معـالجـة منطلقة من أسس ومنطلقـات مرتكزة على الوحي الرباني، والدساتير في الدول الأخرى تعالج هذه المواضيع معالجة منطلقة من فكر بشري ومؤثرات بيئية وتاريخية أرضية.
فالحقوق مثلا عالجها دستور الدولة المسلمة، وكذلك هي في دساتير الدول الأخرى، ولكن المعالجة التي تتم لها تختلف في هذه الدساتير عن بعضها البعض، والمرجع لهذه الحقوق في دستور الدولة المسلمة، غير المرجع لها في الدساتير الوضعية.
وسنتحدث في هذا المبحث عن الخصائص التي تميز دستور الدولة المسلمة عن غيرها من الدساتير الوضعية.
1 - تميز النشأة :
من المعـروف أن الدساتير نشأت إما عن طريق المنحـة من الحـاكم للمحكومين، أو عن طريق الاكتساب المباشر من المحكومين لحقوقهم في وضع الدستور، أو غيرها من الطرق التي مرت في المبـحث الثالث من الفصل الثاني من الباب الأول.
تلك الطرق كلها نشأت نشأة بشرية صرفـة، أما في ظل النظام الإسلامي فإن الحقوق الدستورية والقواعد الدستورية الأساسية وردت قواعد شرعية، فهي ربانية المصدر، ليس للبشر الحق بأن يمنحوا بعضهم أو يمنحوا أنفسهم هذه القواعد والحقوق، فهي ليست تفضلا من الحاكم للمحكومين، وليست كذلك منتزعة من الحكام عن طريق كفاح المحكومين، فالحكام والمحكومين أمامها سواء، وما كان من هذه الأحكام متروكا لهم يتم اجتهادهم فيه حسب الأحوال والملابسات، فإن وسيلة وضع هذه الأحكام هو الاجتهاد الشرعي والشورى الشرعية، في إطار التوجيهات الربانية. والنظام الإسلامي يجعل الحكام والمحكومين أمام الشرع سواء، وأمام القضاء سواء، وأمام الحدود سواء، وليس للحكام في هذا المجـال مزايا خاصة، بل عليهم عبء كبير في تنفيذ أحكام الله في كل أمر من أمور الحياة، وليس لهم الحكم وفق الأهواء والمصالح الشخصية أو الحزبية أو العرفية أو الإقليمية أو غيرها ( ) .
2 - تميز المصدر:
من المعروف أن الدستور عبارة عن مجموعة القواعد الأساسية التي تبين شكل الدولة، ونظام الحكم فـيهـا، ومدى سلطتها إزاء الأفـراد، وحـقوقـهم وحـرياتهم، وبالتالي فإن هذه الأمور تختلف حسب الوجهة السـائدة في الدولة التي تنشـأ فـيها، فـالدستور الناشئ في النظام الإسـلامي غيـر ذلك الدستـور الناشئ في ظل النظم الوضـعيـة؛ لأن الإسلام يصدر عن أصل واحـد لا عن خليط من العناصر، وهذا الأصل ليس بشري المصدر كما هو الحال بالنسبة للنظم الأخـرى، فهو إلهي المصدر، هذا الأصل هو الوحي وما انبثق منه من مصادر لا تخـرج بحال عن حدوده ونطاقه، وبالتالي فإن القواعد الدستورية الإسلامية نظمت الكيان الشرعي للهيئات الحاكمة في النظام الإسلامي، وحددت الإطار القانوني لنشاط هذه الهيئات مبينة الحقوق والحريات، وهي محددة بما في القرآن الكريم والسنة المطهرة، والتطبيقات الدستورية في العهود الإسلامية، واجتهاد المجتهدين فيما كان محلا للاجتهاد، مكونة بذلك ميراثا حضاريا إسلاميا ضخما في مجال التشريع الدستوري.
3 - السمو:
يتميـز الدستور في النظام الإسلامي عنه في النظم الوضعية باختلاف درجة السمو لقواعده وأحكامه ونصوصه، فمن المعروف أن الدستور في النظم الوضعية له المكانة الأولى بين القوانين، وأن قواعده تسمو على كـافـة القواعد القانونية الأخرى السائدة في الدولة، وأنه لا يجوز لأي قاعدة قانونية أن تخالف نصا دستوريا؛ لأن القواعد القانونية تتدرج من الأعلى للأسفل مبتدئة بقواعد الدستور، ثم قواعد التشريع العادي أو القانوني، ثم قواعد التشريع الفرعي أو اللوائح، فـلا يجوز لقاعدة أدنى أن تخالف قاعدة أعلى أو تبطلها، والعكس فـإن القاعدة الأعلى إذا صدرت وهي مخالفة لقواعد أدنى فإن قواعد الأدنى تبطل وينسخ حكمها.
أما في ظل النظام الإسلامي فـإن درجـة السمو هذه تخـتلف؛ لأن التشريع الإسلامي من عند الله، فقد يرد نص قـاطع في مسألة ما وهي ليست دستورية، وبالتالي فإن على واضع الدستور في الدولة الإسلامية ألا يخالف هذا النص ولو كان محله التشريع العادي أو الفرعي؛ لأن النص يعلو على غيره، ولا مانع في الإسلام من أن ندرج القواعد القانونية على الشكل المتـدرج في القـانون الوضـعي؛ لأن ذلك من باب الوسـائل والأمور الاجتهادية، ولكن السمو للقاعدة القانونية ليس مرتبطا بمكان وجود القاعدة أو درجتها من درجات القانون، إنما هو مرتبط بالقاعدة القانونية نفسها، فإذا كانت القاعدة من الأمور الثابتة التي ورد فيها نص من الكتاب أو السنة أو كانت محل إجماع فـإنها تسمو على غيرها بغض النظر عن درجتها القانونية، فهذا التدرج في ظل النظام الإسلامي تدرج شكلي فقط، وإذا كـانت القاعدة تدخل ضمن الأمور الاجتهادية التي لم يرد فيها نص والتي يختلف حكمها باختلاف الظروف فإنها والحالة هذه تسمو على القواعد الاجتهادية الأدنى منها درجة، لكنها لا تسمو على القواعد المبنية على نصوص أو التي ورد فيها حكم شرعي ولو كانت في التدرج القانوني أعلى منها ( ) .
والمثال التالي يوضح مكانة القاعدة الاجتهادية أمام القواعد الأخرى، فلو افـترضنا أنه ورد نص في دستور دولة إسلامية يقول: ( يعين القضاة بأمر من رئيس الدولة ) فهذه القاعدة قاعدة اجتهادية تسمو على القواعد الاجتهادية التي أدنى منها فقط، فإنه لا يجوز أن يصدر قانون يخول وزيرا من الوزراء في تلك الدولة أن يعين القضاة لمخـالفة هذا القانون لنص الدستور، كما لا يجوز لوزير العدل مثلا أن يصدر أمرا وزاريا بتعيين قاض معين، ففي هذه الحالة - أي حالة وجـود القواعد الاجتهادية في مقابل بعضها بعضا - فإننا نرتب درجاتها ونعمل سمو الأعلى على الأدنى، ولكن هذه القاعدة لا تسمو على حكم شرعي، فـيجب ألا يخالف هذا الحكم الاجتهادي الدستوري حكما شرعيا، كاشتراط القوة والأمانة في التولية ولو لم يؤكـد هذا المبدأ في الدستور؛ فالسمو في هذه الحالة للحكم أو القاعدة الشرعية، فلا يجوز لرئيس الدولة مثلا أن يعين قاضيا غير مستوف لشروط التولية في الشريعة الإسلامية ولو كان تعيين القضاة من حقه بصفته رئيسا للدولة؛ وذلك لسمو الحكم الشرعي على هذا النص الدستوري.
4 - الثبات والمرونة:
تتميز القواعد الدستورية في النظام الإسلامي بالثبات والمرونة في الوقت نفسه، الثبات في الأسس والمبادئ الكلية كالشورى والعدل، والمرونة في الأمور الاجـتهادية الوقـتية التي تخـتلف باخـتلاف الزمان والمكان، فالإسلام لم يأت فيما يتعلق بالأمور الدستورية بأمور تفصيلية صرفـة، وإنما جاء بالمبادئ الدستورية الأساسية، ولم يحدد التفاصيل والجزئيات التي تختلف من عصر لآخر حسب اختلاف الزمان المكان، إذن فالقواعد الدستورية في النظام الإسلامي تنقسم إلى قسمين: قواعد ثابتة لا يمكن أن تتغير بتغير الأوضاع والأزمان والأمكنة، وأخرى متغيرة حسب الأزمان والأحوال وهي ما يتعلق بالوسائل والجزئيات، وهذا التقسيم يكسب النظام الدستوري في الإسلام ميزة الثبات في الكليات، والتطور والمرونة في إطار هذه الكليات لما هو ليس بكلي، وهذه الميزة تميز النظام الدستوري الإسلامي عن غيره من الأنظمة التي لا تعرف الثبات لشيء من القواعد إلا ما استقر عليه العرف بثباته ويزول بزوال هذا العرف، وبالتالي يفقد صفة الثبات، ويوصم بأنه متغير متحول دائما حسب الظروف والأحوال لا تقيد بأصل ثابت، ولا قيمة ثابتة، ولا حقيقة ثابتة يتغير في إطارها، هذا التغير يجعله يجرى دائما وراء تصورات متقلبة منبعها الفكر البشري المحدود. ومما لا شك فيه أن مجتمعا يحكمه هذا النظام معرض دائما للهزات والتأرجـح.
وفي المقابل نجد أن وجود خاصتي التطور والثبات في النظام الإسلامي يوفر للمجتمع المسلم الاستقرار، والطمأنينة، وثبات الإطار الذي تتحرك فيها حياته، وثبات المحور الذي تدور حياته حوله، فيشعر أن حركته إلى الأمام ثابتة الخطى ممتدة من أمسها إلى يومها إلى غدها وفق قواعد ثابتة ومبادئ أساسية يتحاكم إليها المجتمع المسلم وحكامه على السواء.
فالنظام الدستوري الإسلامي حين يتميز بهذه الخاصية ليس مستقلا بها دون غيره من النظم الإسلاميـة، إنما استمد ذلك من الشريعة الإسلامية التي تتميز بهذه الخـاصيـة، حيث إنها تحوي أحكاما ثابتة وأخرى متغيرة، فالأحكام المتعلقة بحـفظ الضرورات: (الدين، والنفس والنسل، والعقل، والمال) تتسم بالثبات، أما الأمور المتصلة بالأمور الحاجية والتحسينية التي تتعلق بكيفية استيفاء المتطلبات الحاجية والتحسينية أمور تخـتلف حـسب الظروف ومقتضايات الزمن، ولذلك فـهي تتطلب المرونة والتطور حسب هذه المقتضيات ( ) .
وبهذا يتبين أن خصائص الدستور الإسلامي هي خصائص التشريع الإسلامي والتشريع الإسلامي رباني المصدر، رباني التوجيه، ذو صبغة إنسانية عالمية، يحرص على رفـع الحرج عن الناس والتيسير عليهم ( ) .
5 - الشرعية مقابل الدستورية:
توصف الأحكام والأوضاع والمراكز والتصرفـات الموافقة للدستور بالدستورية، وذلك في النظم الوضعية؛ لأن الدستور يعتبر هو الأصل والمرجع لكافة القوانين في هذه النظم، ويشترط لكافة الأمور القانونية أن تلتزم بأحكام الدستور وألا تخالفه، أما في ظل النظام الإسلامي فإن هذا الوصف يمكن أن يطلق عليه اسم الشرعية، وذلك نسبة لأحكام الشرع، لأنه في ظل النظام الإسلامي لا بد لكافة الأوضاع والمراكز والتصرفات، الدستورية وغيرها، في الدولة الإسلامية أن تخضع للشريعة والإسلامية وأحكامها، ولا تعطي أحكام دستور أية دولة إسلامية، هذه الهيبة وهذا الاحترام دون الشريعة، بل هي المخـتصة بها ويجب أن يكون الدستور - بمعناه الفني والخـاص - تبعا لها في ذلك، في حالة مخالفته للشريعة، يوصف بعدم الشرعية وكذلك من باب أولى سائر القوانين واللوائح التي يجب أن تتمشى مع أحكام الشريعة، وإلا وصفت بعدم الشرعية وتم إلغاؤها، أو الدفـع بعدم الشرعية، وتوجب على القضاء أيا كان نوعه أن لا يقبل هذه الأحكام، ولو وردت في الدستور، في حالة مخالفتها للأحكام الشـرعيـة، وذلك لأن الشريعـة الإسـلاميـة هي الأصل والمرجع لكافـة القوانين مبتدئة بالدستور إلى القوانين العادية، واللوائح التشريعية، والقرارات الإدارية، فكلها يجب أن لا تخرج ولا تخالف حكما شرعيا، وذلك في ظل النظام الإسلامي.
6 - حرية التدوين:
يتميز الدستور في النظام الإسلامي بعدم الالتزام بالتدوين لقواعده وأحكـامه، أو عـدم التـدوين، لأن الأحكام الثـابتـة للنظام الدستـوري الإسلامي معروفـة ومستقرة في الكتـاب والسنة والإجماع، والأحكام المتغيرة قـد تدون في وثيقة أو عدة وثائق، أو تكون عرفـية في حـالة استقرار العرف الدستوري على جريان هذه الأحكام والقواعد.
فـالباحث في مجـال الدستور في العهود الإسلامية يجد الحـالتين متوفرتين في تدوين الدستور، كما حدث في عهد الدولة العثمانية، وعدم التدوين كما في عهد الراشدين مثلا.
وفي حـالة التدوين، أو عدمه لا اعتبار لأي حكم أو نظام يخـالف الشريعة الإسلامية، وقد جرت العادة في الدساتير أن يكون لها مقدمة أو ديباجة مختصرة تعبر عن روح النظام السائد في البلد، وبالتالي فإن على الدولة الإسلامية أن تنص في مقدمة دستورها على الصدور عن الكتاب والسنة، كمواثيق وأسس يأتي الدستور، وسائر التشريعات الوقتية في حدودها ( ) .
فالدستور في الدولة الإسلامية منطلق من أسس الإسلام ومنطلقاته ومحدود بها ولا تتحدد هي من خلاله.
الفصل الثاني
تطبيقات دستورية في التاريخ الإسلامي
المبحث الأول: تطبيقات دستورية في عهد الرسول
المبحث الثاني: تطبيقات دستورية في عهد الخلفاء الراشدين
المبحث الثالث: وقائع دستورية في العهود الإسلامية الأخرى
الفصل الثاني
تطبيقات دستورية في التاريخ الإسلامي
المبحث الأول
تطبيقات دستورية في عهد الرسول
سـبق الكلام في الفصل السابق عن مسـائل رئيسة في موضـوع الدسـتـور في الإسـلام، وهي تعريف الدستور في الإسلام، وتدوينه، وأسـاليب نشـأته ونهايته، ثم كان الحـديث عن مصادر الدستور في الإسلام، وخصائصه المميزة له.
وحـتى تتـضح تلك المسـائل لا بد من إيراد شيء من التطبـيـقـات الدستورية من العصور الإسلامية المختلفة، بدء بعهد الرسالة بحكم أنه الأساس والقدوة في ذلك، ثم مـا تلاه من العهود التي طبـقت الإسلام، وحكمت به اقتداء بالرسول وصحابته الكرام رضي الله عنهم، والحـديث عن تلك التطبيقـات في عهد الرسالة، يستلزم الحديث عن الدولة في هذا العهد بشكل موجز، وهل اكتملت فيه أركانها، ومقوماتها، وضمانات تحقيق هذه المقومات أم لا وذلك لأن الدولة في هذا العهد هي بداية تأسيس الدولة الإسلامية وما بعدها كان استمرارا لها، وبناء على أساسها.
أولا: الدولة في عهد الرسول :
يعتبر عهد النبي بقسميه المكي والمدني مرحلة تأسيس وبناء لكيان هذه الأمة، ووضع الأسس والقواعد العامة التي تسير على ضوئها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولكن الفترة المكية كانت تمهيدا للفترة المدنيـة، فـفي الأولى تكونت نواة المجـتمع المسلم، وكان التركيز فيها على قواعد الإسلام، وخاصة فيما يتعلق بعقيدته، فهي أسس لا بد منها قبل البدء في المرحلة العملية، وهي إنشاء الدولة، فتلك الفترة التأسيسية لازمة لتحديد منهج الإسلام وتقريره في النفوس، وكانت نقطة الانطلاق للمرحلة العملية بيعتي العقبة الأولى والثانية، وبهجرة الرسول إلى المدينة واستقراره فيها اكتملت أركان الدولة الإسلامية وهي:
1 - العقيدة والشريعة التي تجمع بين الناس.
2 - الشعب.
3 - السلطة السياسية.
4 - الإقليم.
ومن المعروف أن الدولة لا تكتمل قانونيتها عند القانونيين المحدثين، إلا بوجود عدة مقومات هي:
1 - وجود الدستور.
2 - تدرج القواعد القانونية.
3 - خضوع الإدارة للقانونية.
4 - الاعتراف بالحقوق والحريات الفردية.
وهذه المقومات توافرت في الدولة الإسلامية الأولى في الوقت الذي كـانت تسيطر على العالم دول استبدادية، كدولة الفرس ودولة الروم، وبالإضافة إلى توافر مقومات الدولة القانونية في دولة الإسلام الأولى، فقد توافرت كذلك ضمانات لتحقيق هذه المقومات هي:
1 - نظام خلقي ونظام روحي كـاملان يتفاعلان مع النظام السياسي، يمنعان من بيده السلطة في مختلف المناصب من النزوع إلى إساءة استعمالها، بعكس ما عمدت إليه النظم الوضعية المعاصرة من توزيع السلطات للحيلولة دون إساءة استخدامها؛ فالنظام الإسلامي وضع علاجا لهذا الاستبداد، وتلك النظم أبقت هذا الداء وأوجدت علاجا للتخفيف من مساوئه.
2 - إضافة إلى ذلك فإن النظام الإسلامي تضمن فصل السلطة التشريعية وهي عمل المجتهدين من تفسير للنصوص، واجتهاد فيما لا نص فيه لاستنباط الأحكام، فصلا مرنا عن السلطتين التنفيذية والقضائية.
3 - فـيما يتعلق بالسلطتين التنفيذية والقضائية، فـإن النظام الإسلامي جعل جمعهما وفصلهما مما يدخل في باب المباح، فالجمع جائز كما حدث في عهد النبي والتوزيع جائز عند الحاجة كما حدث في عهد عمر بشرط ألا يفضي أي منهما إلى مفسدة.
4 - أن القضاء في النظام الإسلامي عرف الرقابة على أعمال الإدارة، وعلى شرعية القوانين بما يتضمن من استقلال للقضاء، وشروط لاختيار القضاة، ومصدر القضاء الذي هو الكتاب والسنة والإجماع والاجتهاد، وفق أصول، ومسؤولية القاضي، وحمايته من العزل إلا لأسباب معينة، فذلك كله يشكل ضمانة قـوية لرقابة القضاء على أعمال الإدارة وشرعية القوانين.
5 - نظام التولية في الإسلام والقائم على ركني القوة والأمانة.
6 - التشريع الإلهي الذي يخضع له كافة المسلمين حكاما ومحكومين وما يتضمنه من حقوق وواجبات، أو ما يمكن تسميته بسيادة القانون الإلهي، مما يشكل ضمانا للعدل والمساواة بين الناس.
7 - الشورى.
8 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ( ) .
وقد أدت هذه الضمانات إلى تحـقيق مقومات الدولة القانونية، واحترام الناس للدستور والقوانين، واستجابتهم لمقتضياتها استجابة ذاتية، وكذلك أدت إلى تعاون عامة المسلمين مع أولي الأمر، وما نتج عن ذلك من أمن، واستقرار، وعدل واستيفاء للحقوق، وصيانة لها، وجهاد لإعلاء كلمـة الله في الأرض، ونشر دينه بين الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتناصح والتشاور في مصالح البلاد والعباد.
ثانيا: نماذج من التطبيقات الدستورية في العهد النبوي:
من المعروف أن الدولة الإسلامية تحتكم في جميع شؤونها إلى الشريعة الإسلامية، إلا أنه يتم التركيز في هذا المبحث على الأمور الدستورية، وذلك بأخذ نماذج دستورية من العهد النبوي الذي هو موضوع هذا المبحث، والعصر النبوي مليء بالتطبيقات الدستورية التي يضيق المجال عن حصرها، ولكن بشكل عام يمكن إجمالها بما أوحى الله سبحانه وتعالى لنبيه في كتابه من آيات، وما ورد عن الرسول من سنن قولية وفعلية وتقريرية من أمور تتعلق بالحكم، والإمارة، والولاية، والملك، والسلطان، والسيادة، والقضاء، والحرب، والسلم، والمعاهدات، وحقوق الأفراد، وحقوق الحكام، وحقوق أهل الذمة، والشورى، والبيعة والطاعة لأولي الأمر، والراعي، والرعية، كل هذه الأمور وما يدور في فلكها مما ورد في الكتاب والسنة من المسائل الدستورية سواء أكانت تطبيقات دستورية مباشرة، أم أسسا يجري التطبيق على أساسها، والسيرة النبوية مليئة بتلك التطبيقات لهذه الأسس.
وفيما يلي استعراض لبعض تلك الوقائع الدستورية في العهد النبوي:
1- بيعتا العقبة:
تعتبر بيـعة العقبة الأولى هي النواة لتـحـديد قـواعد الأخـلاق الاجتماعية العامة التي تعتبر الأساس لمجتمع فاضل ( ) وتعتبر بيعة العقبة الثانية بداية الاضطلاع بمسئوليات الحكم الفعلية بالنسبة للرسول بما تضمنته من شروط تتعلق بالنصرة والحـرب وما تم بعدها من تعيين النقباء الاثني عشر، فاضطلاع الرسول بمهامه بوصفه رئيسا للدولة يعتبر واقعة تعني الالتزام بشروط الدولة من قبل الأنصار.
وكذلك فإن البيعتين تعتبران بحد ذاتهما واقعتين دستوريتين في العهد النبوي، بل من أهم الوقائع الدستورية في هذا العهد، لأنهما نقطة الانطلاق في إنشاء الدولة الإسلامية.
وقد تضمنتا بعض المسائل الدستورية في نصوصهما مثل:
أ - الأساس الذي تقوم عليه الدولة الإسلامية، والمجتمع الإسلامي، وهو توحيد الله وهذا الأساس هو أهم المسائل الدستورية للدولة الإسلامية، جاء ذلك في نص البيعة الأولى، عن عبادة بن الصامت قـال: {بايعنا رسول الله ليلة العقبة الأولى على أن لا نشرك بالله شيئا...} ( ) ( ) .
ب - حقوق الدولة على المواطنين، وذلك في قوله في بيعة العقبة الثانية: {تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل والنفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن تقوموا في الله لا تخافون لومة لائم، وعلى أن تنصروني فتمنعوني - إذا قدمت عليكم - مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم} ( ) ( ) .
جـ - حقوق المواطنين على الدولة ممثلة في شـخص رئيسها رسول الله صلى الله عليـه وسلم، وجـاء ذلك في قول الرسول {... بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم} ( ) ( ) .
ومن المعروف أن حقوق الدولة وحقوق المواطنين من الأمور الدستورية المهمة التي يجب النص عليها في الدستور، والتي تنص عليها دساتير دول العالم المعاصرة.
د - نتج عن البيعتين إيجاد الجو والمكان الملائمين لنشر دين الله والدعوة إلى توحـيـده في الأرض، وهذان الأمران همـا الغـاية التي قـامت لأجلهما الدولة الإسلامية، ومن المعروف أن تحديد الغاية التي تقوم لأجلها أي دولة من المسائل الدستورية الرئيسة.
هـ - تضمنت البيعة الثانية تعيين النقباء الاثني عشر عن طريق اختيار الأنصار لهم، وفي هذا تطبيق لمبدأ الشورى في اختيار الأشخاص، حيث ترك الرسول صلى الله عليـه وسلم ذلك للأنصـار، ومـبـدأ الشورى من المبادئ الدستورية الرئيسة في النظام الإسلامي.
و - تضمنت البيعة الثانية تنظيم وتحديد أطراف المعاهدة التي على أساسها ستنشأ الدولة، فرسول الله نائب عن قومه، والنقباء نائبون عن قومهم، قـال رسول الله للنقباء: {أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء، ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم، وأنا كفيل قومي} ( ) .
2 - الوثيقة الدستورية التي وضعها الرسول .
بعد هجرة الرسول من مكة إلى المدينة، آخى بين المهاجرين والأنصار، ووادع اليهود، وكتب في ذلك وثيقة بين سكان الدولة الجديدة اعتبرها بعض الكتاب ( ) دستورا للدولة الإسلامية في ذلك العهد، وهي بلا شك وثيقة دستورية بالغة الأهمية، بما احتوته من تنظيمات عادة ما تكون الدولة الناشئة في حاجة لها، إضافة إلى تميزها بصياغة قـانونية شاملة ودقـيقة، لا مجال للاختلاف حـول مفهومها وتطبيقها، وتعد هذه الوثيقة أهم واقـعة دستورية في العهد النبوي، وسنورد نص الوثيقة مفصلة في فقرات، وسنحلل فقراتها ذاكرين الأحكام الدستورية المتضمنة لها.
أ - نص الوثيقة:
بسم الله الرحمن الرحيم
1 - هذا كـتاب من محمد النبي، بين المؤمنين من قـريش ويثـرب، ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم.
2 - إنهم أمة واحدة من دون الناس.
3 - المهاجرون من قريش على ربعتهم ( ) يتعاقلون ( ) بينهم وهم يفدون عانيهم ( ) بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
4 - وبنو عوف على ربعتهم، يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالقسط والمعروف بين المؤمنين.
6 - وبنو الحارث على ربعتهم، يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالقسط والمعروف بين المؤمنين.
7 - وبنو جشم على ربعتهم، يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
8 - وبنو النجار على ربعتهم، يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
9 - وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم، يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
10 - وبنو النبيت على ربعتهم، يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
11 - وبنو الأوس على ربعتهم، يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
12 - وإن المؤمنين لا يتركون مفرحا ( ) بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل.
13 - وإن لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه.
14 - وإن المؤمنين المتقين على من بغي منهم أو ابتغى دسيعة ( ) ظلم، أو إثم أو عدوان، أو فساد بين المؤمنين، وإن أيديهم عليه جميعا، ولو كان ولد أحدهم.
15 - ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر ولا ينص كافرا على مؤمن.
16 - وإن ذمة الله واحـدة، يجـير عليهم أدناهم، وإن المؤمنين بعضهم موالي بغض، دون الناس.
17 - وإنه من تبعنا من يهود، فإن له النصرة والأسوة، غير مظلومين ولا متناصرين عليهم.
18 - وإن سلم المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله، إلا على سواء وعدل بينهم.
19 - وإن كل غازية غزت معنا، يعقب بعضها بغضا ( ) .
20 - وإن المؤمنين يبيء ( ) بعضهم عن بعض بما نال دماءهم في سبيل الله.
21 - وإن المؤمنين المتقين على أحسن هدي وأقومه.
22 - وإنه لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفسا، ولا يحول دونه على مؤمن.
23 - وإنه من اعتبط ( ) مؤمنا قتلا عن بينة، فإنه قود به، إلا أن يرضى ولي المقتول، وإن المؤمنين عليه كافة، ولا يحل لهم إلا قيام عليه.
24 - وإنه لا يحل لمؤمن أقـر بما في هذه الصحـيفة، وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثا، أو يؤويه، وأن من نصره فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة ولا يؤخذ منه عدل ولا صرف.
25 - وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله والى محمد .
26 - وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
27 - وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يوتغ ( ) إلا نفسه وأهل بيته.
28 - وإن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف.
29 - وإن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف.
30 - وإن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف.
31 - وإن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف.
32 - وإن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف.
33 - وإن ليهود بني ثغلبة مثل ما ليهود بني عوف، إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته.
34 - وإن جفنة بطن من ثعلبه كأنفسهم.
35 - وإن لبني الشطبية مثل ما ليهود بني عوف.
36 - وإن البر دون الإثم.
37 - وإن موالي ثعلبة كأنفسهم.
38 - وإن بطانة يهود كأنفسهم.
39 - وإنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد .
40 - وإنه لا ينحجز على ثار جرح ( ) .
41 - وإنه من فتك فبنفسه فتك، وأهل بيته، إلا من ظلم.
42 - وإن الله على أبر هذا ( ) .
43 - وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم.
44 - وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة.
45 - وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم.
46 - وإنه لا يأثم امرؤ بحليفه، وإن النصر للمظلوم.
47 - وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة.
48 - وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم.
49 - وإنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها ( ) .
50 - وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده، فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسول الله .
51 - وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره.
52 - وإنه لا تجار ( ) قريش ولا من نصرها.
53 - وإن بينهم النصر على من دهم يثرب وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه، فإنهم يصالحونه ويلبسونه.
54 - وإنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فـإن لهم على المؤمنين - إلا من حارب في الدين - على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم.
55 - وإن يهود الأوس، مواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة.
56 - وإن البر دون الإثم، لا يكسب كاسب إلا على نفسه.
57 - وإن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره.
58 - وأنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وآثم وأنه من خرج آمن ومن قعد آمن بالمدينة، إلا من ظلم أو أثم.
59 - وإن الله جـار لمن بر واتقى، ومحـمد رسول الله .
انتهى نص الوثيقة ( ).
ب - تخرج الوثيقة:
وردت هذه الوثيقة بهذا النص المطول عن ابن إسحاق مرسلة، كما ذكر ذلك ابن كثير في البداية، وابن هشام في السيرة، وابن إسحاق هو أول من أورد نص الوثيقة كاملا، وقـد ذكر ابن سيد الناس أن ابن أبي خيثمة أورد الوثيقة في تاريخه بهذا الإسناد، حدثنا أحمد بن خباب أبو الوليد حدثنا عيسى بن يوسف حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو المزني عن أبيـه عن جده: أن رسول الله كتب كتابا بين المهاجرين والأنصار فذكر بنحوه، أي بنحو ما أورد ابن إسحاق.
ويبدو أن الوثيقة وردت في القسم المفقود من تاريخ ابن أبي خيثمة ( ) كما وردت الوثيقة في كتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام بإسناد آخر هو: حدثني يحيى بن عبد الله بن بكير وعبد الله بن صالح قالا حدثنا الليث بن سعد قال حدثني عقيل بن خالد عن ابن شهاب أنه قال: بلغني أن رسول الله كتب بهذا الكتاب وسرده ( ) .
كما وردت الوثيقة في كتاب الأموال لابن زنجويه من طريق الزهري أيضا ( ) .
هذه هي الطرق التي وردت بها الوثيقة بنصها الكامل، وهي متطابقة إلى حد كبير سوى بعض التقديم والتأخير أو اختلاف بعض العبارات مما لا يؤثر على مضمونها ( ) .
ويذكر أحد الباحثين ( ) أن الوثيقة موضوعة، وذلك لعدم ورودها في كتب الفقه والحديث الصحيح على الرغم من أهميتها التشريعية، بل رواها ابن إسحاق دون إسناد معتمدا على رواية كثير المزني حاذفا إسناده، وقد نقلها عنه ابن سيد الناس، وأضاف أن كثير بن عبد الله روى هذه عن أبيه عن جده وقـد ذكر ابن حبان أن كثير المزني روى عن أبيه عن جده نسخة موضوعة لا يحل ذكرها في الكتب ولا الرواية عنها إلا على جهة التعجب، وسبب الحكم على الوثيقة بالوضع هو تصور أنه لم يروها غير ابن إسحاق، وأنه لم يعثر على إسناد لها سوى ما ذكره ابن سيد الناس من رواية ابن أبي خيثمة من طريق كثير المزني.
ولكن أبا عبيد القاسم بن سـلام أوردها من طريق الزهري، وهي طريق لا صلة لها بكثير هذا، ونظرا لكون ابن إسحاق من أبرز تلاميذ الزهري، فإن ثمة احتمالا كبيرا أن يكون قد أوردها من طريقه، ثم كون كتب الحـديث لم ترو نص الوثيقة كاملا لا يعني عدم صحتها، فكتب الحديث أوردت مقتطفات كثيرة منها تشمل جزءا كبيرا منها ( ) بأسانيد متصلة وبعضها أوردها البخاري ومسلم، فهذه النصوص من الأحاديث الصحيحة، وقد احتج بها الفقهاء وبنو عليها الأحكام، كما أن بعضها ورد في مسند أحمد، وسنن أبي داود وابن ماجه والترمذي بطرق مستقلة عن الطرق التي وردت منها الوثيقة ( ) ومن ذلك ما يلي:
{عن علي لما سئل هل عندكم من رسول الله شيء بعد القرآن، قـال: لا والذي خلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهم يؤتيه الله رجلا في القرآن، أو ما في الصحيفة، فقلت: وما في الصحيفة، قال: العقل، وفكاك الأسير ولا يقتل مسلم بكافر} ( ) ( ) قال على {ما عهد إلي رسول الله شيئا خاصة دون الناس، إلا شيء سمعته منه فـهو في صحيفة في قـراب سيفي، قال: فلم يزالوا به حتى أخرج الصحيفة قال: فإذا فيها من أحدث حدثا أو أوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل، قـال: وإذا فيها إن إبراهيم حرم مكة، وإني أحرم المدينة حرام ما بين حريتها، وحماها كله، لا يختلي خلاها، ولا ينفر صيدها، ولا تلتقط لقطتها، إلا لمن أشار بها، ولا تقطع منها شجرة، إلا أن يعلف رجل بعيره، ولا يحمل فـيها السلاح لقتال، قـال: وإذا فيها المؤمنون تتكافـأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، ألا لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده}( ) ( ).
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: {أن النبي كتب كتابا بين المهاجرين والأنصار، أن يعقلوا معاقلهم وأن يفدوا عانيهم بالمعروف والإصلاح بين المسلمين} ( ) ( ).
وعن جابر بن عبد الله قال: {كتب النبي على كل بطن عقوله، ثم إنه كتب أنه لا يحل أن يتوالى مولى رجل مسلم بغير إذنه، قال روح: يتولى} ( ) ( ) .
وقال رافـع بن خديج قال: {إن مكة إن تكن حرما فإن المدينة حرمها رسول الله وهو مكتوب عندنا في أديم خولاني} ( ) ( ) .
عن أنس بن مالك قال: {... ثم نظر إلى المدينة قال اللهم إني أحرم ما بين لابتيها بمثل ما حرم إبراهيم مكة..} ( ) .
وعن علي قال: {ما عندنا كتاب نقرؤه إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة، فقال فيها الجراحات، وأسنان الإبل، والمدينة حرم ما بين عير إلى كذا فمن أحدث فيها حدثا أو أوي محدثا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل، ومن تولى غير مواليه فعليه مثل ذلك، وذمة المسلمين واحدة فمن أخفر مسلما فعليه مثل ذلك} ( ) ( ) .
وعن علي قال: {(من زعم أن عندنا شيئا نقرأه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة (قال: وصحيفة معلقة في قراب سيفه) فقد كذب، فيها أسنان الإبل، وأشياء من الجراحات، وفيها قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ولا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا، وذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، ومن ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليـه فـعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا)} ( ) ( ) .
وعن كعب بن مالك في قصة قتل كعب بن الأشرف، وقال في آخـر الحـديث: {... ثم دعاهم إلى أن يكتب بينه وبينهم كتابا، ينتهون إلى ما فيه، فكتب بينه وبينهم وبين المسلمين عامة صحيفة} ( ) وعن عاصم بن سليمان الأحول قال: قلت لأنس: {أبلغك أن رسول الله قـال: لا حلف في الإسلام؟ فقال: قد حالف رسول الله بين قريش والأنصار في داري} ( ) .
وفي رواية قال: (سمعت أنس بن مالك يقول: {حالف رسول الله في دارنا، فقيل له: أليس قـال رسول الله لا حلف في الإسلام ؟ فقال: حالف رسول الله بين المهاجرين والأنصار في دارنا، مرتين أو ثلاثا} ( ) ( ) .
وذكر ابن القيم رحمه الله: {أن الرسول صالح اليهود وكتب بينهم وبينه كتاب آمن} ( ) وقال ابن حجر: وذكر ابن إسحاق أن النبي {وادع اليهود لما قدم المدينة، وامتنعوا من اتباعه، فكتب بينهم كتابا} ( ) .
وقـال ابن القيم رحمه الله في أحكام أهل الذمة: "... إن النبي لما قدم المدينة وادع جميع اليهود، الذين كانوا بها موادعة مطلقة، ولم يضرب عليهم جزية "، وهذا مشهور عند أهل العلم بمنزلة التواتر بينهم، قـال الشافعي رحمه الله: لم أعلم مخـالفا من أهل العلم بالسير أن الرسول لما نزل المدينة وادع يهود كافـة على غير جزية، وهو كما قـال الشافعي رحمه الله تعالى، وذلك أن المدينة كان فيما حولها ثلاثة أصناف من اليهود: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة، وكانوا ( بنو قينقاع وبنو النضير ) حلفاء الخزرج، وكانوا ( قريظة ) حلفاء الأوس، فلما قدم النبي هادنهم ووادعهم مع إقـراره لهم ولمن كان حول المدينة من المشركين من حلفاء الأنصار على حلفهم وعهدهم الذي كانوا عليه حتى أنه عاهد اليهود أن يعينوه إذا حارب، ثم نقض العهد بنو قينقاع، ثم النضير، ثم قريظة.
قـال محمد بن إسحاق: وكتب رسول الله يعني أول ما قدم المدينة كتابا بين المهاجرين والأنصار وادع فيه يهود وعاهدهم وأقرهم على دينهم وأموالهم واشترط عليه وشرط لهم. قـال بن إسحاق حدثني عثمان بن محمد بن عثمان بن الأخنس بن شريق قال: ( أخذت من آل عمر بن الخطاب هذا الكتاب كان مقرونا بكتاب الصدقة الذي كتب للعمال) ( ) ثم ذكر نحو نص الوثيقة التي نـحن بصددها الآن، ثم قـال: (وهذه الصحيفة معروفة عند أهل العلم ) ( ) ثم استشهد بحديث جابر بن عبد الله الذي رواه مسلم {أن رسول الله - كتب على كل بطن عقولة} ( ) والذي ذكرناه سابقا.
ثم قال: " فكل من أقام بالمدينة ومخالفيها غير محارب من يهود دخل في هذا، ثم بين أن ليهود كل بطن من الأنصار ذمة من المؤمنين، ولم يكن أحد من اليهود إلا وله حلف إما مع الأوس أو مع بطون الخزرج، وكان بنو قينقاع وهم المجاورون للمدينة رهط عبد الله بن سلام حلفاء بني عوف بن الخزرج رهط البطن الذي بدئ بهم في هذه الصحيفة " ( ) .
وبذلك يتبين أن القول بأن الوثيقة موضوعة مجازفة وذلك للأسباب الآتية:
1 - ثبوت المحالفة بين المهاجـرين والأنصار، وكتاب الرسول في ذلك.
2 - ثبوت موادعة اليهود، وكتاب الرسول في ذلك.
3 - أن الوثيقة وردت من طرق عديدة تتضافر في إكسابها القوة.
4 - أن الزهري علم كـبـيـر من أعلام الرواد الأوائل في كتـابة السـيرة النبوية.
5 - أن أسلوب الوثيقة يدل على أصالتها، فنصوصها مكونة من جـمل قصيرة وغير معقدة، وفيها كلمات وتعابير كانت مألوفـة في العهد النبوي.
6 - أنه ليس في الوثيقة نصوص تمدح أو تقدح فردا، أو جماعة، أو أي قرينة يمكن القول معها بأنها مزورة.
7 - التشابه الكبير بين أسلوبها، وأساليب كتب النبي الأخرى يعطيها توثيقا آخر.
8 - أن الأحكام المستنتجة من الوثيقة يمكن استنتاجها من عموميات النصوص الثابتة في الصحاح والسنن والمسانيد التي ذكرنا طرفا منها ( ) .
جـ - أهم ما احتوته الوثيقة من أمور دستورية:
وقد احتوت هذه الوثيقة على عدة أحكام دستورية أهمها ما يلي:
1 - الإعلان عن قيام الدولة الإسلامية، وأن شعبها يتكون من: مهاجري مكة وأنصار المدينة، مضافا إليهم كل من أبدى استعدادا للتبعية لهذه الوحدة، وخضع لقيادة دولتها من الأقليات الأخرى القاطنة المدينة كما في الفقرة (1)، والفقرة (2).
2 - نصت الوثيقة على مبدأ الانضمام إلى المعاهدة بعد توقيعها، وهو مبدأ دستوري مهم، وما زال العمل يجري به إلى يومنا هذا، ولعلها أول وثيقة في التاريخ تقر هذا المبدأ ( ) كما في الفقرة (1) والفقرة (17).
3 - نصت الوثيقة على مواد في التكافل الاجتماعي بين أفـراد الدولة، كما في الفقرات من (3) إلى (13).
4 - نصت الوثيقة على إقـامة العدل، وتنظيم القضاء، ونقله من الأفراد والعـشيرة إلى الدولة دون مـحـاباة، ودون السمـاح لأحـد بالتدخل وتعطيل القانون، كما في الفقرة (14).
5 - قررت الوثيقة مبدأ شخصية العقاب كما في الفقرة (46) والفقرة (56).
6 - أوردت الوثيقة نصوصا في بيان مركز الأقليات الدينية، كما في الفقرات (71)، (26)، (27)، (43)، (44)، (53).
7 - أوردت الوثيقة نصوصا في بيان الحقوق، كـحق الحـياة، كـما في الفقرة (23)، وحق الملكية، كما في الفقرة (58) وحق الأمن والمسكن، والتنقل، كما في الفقرتين (47)، (58).
8 - أوردت الوثيقة نصوصا في بيان الحريات والحقوق كـحق احـترام عقيدة الآخرين، وعدم الإكراه في الدين، كما في الفقرة (27)، وبالتناصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما في الفقرة (45).
9 - حـددت الوثيقة أساس المواطنة في الدولة الناشئة، وهو الإسلام، فأحلت الرابطة الدينية بدلا من الرابطة القبلية، حيث نصت الفقرة(2)، من الوثيقة على أن المسلمين أمة من دون الناس، وليس معنى ذلك حـصر المواطنة في المسلمين وحـدهم، بل نصت الوثيقة على اعتبار اليهود المقيمين في المدينة من مواطني الدولة، وأوضحت حقوقهم وواجباتهم ( ) كما في الفقرات من (27) إلى (41).
10 - عينت الوثيقة أن المرجـع عند الاخـتلاف رئيس الدولة، كمما في الفقرة (25)، والفقرة (39) والفقرة (50) بمعنى أن الوثيقة حددت سلطة تفسير النصوص.
11 - قـررت الوثيقة مبدأ المساواة كما في الفقرات (16)، (18)، (20)، (53)، (54)، فالناس سواء في الحقوق والواجبات.
12 - نصت الوثيقة على عدم جواز إبرام الصلح المنفرد مع أعداء الأمة، كما في الفقرة رقم (18).
13 - نصت الوثيقة على مبادئ غير سياسية أو غير دستورية أصلا، وذلك لإعطائها أهمية ومكانة، ولإلزام أطراف هذه الوثيقة بالنزول على حكمها، وذلك لإعطائها سمو ومكانة ليست لأحكام القانون العادي، ولمنحها شيئا من الثبات، وذلك لأهميتها حين وضع الوثيقة، كما في الفقرات (23)، (24)، (46)، (26)، فهذا أمر متعارف عليه حاليا في الدساتير الحديثة.
14 - أبقت الوثيـقـة على بعض الأعـراف القـديمة، التي كـان العـرب متعارفين عليها قبل الإسلام كما في الفقرات (3) وما بعدها فنشؤ الدولة الإسلامية لم يؤد إلى الإلغاء لوظائف القبيلة الاجتماعية، ذلك أنها لم تكن شرا كلها ( ) .
والحقيقة أن هذه الوثيقة جاءت واضحة في نصوصها على غير مثال سبقها، وشملت نصوصها أغلب ما احتاجته الدولة الناشئة في تنظيم شؤونها السياسية، وتتضح دقة صياغة هذه الوثيقة، من خلال النظر في نصوص المعاهدات الدولية، والدساتير في العصر الحديث، وما تثيره نصوصها من خلاف في المعنى والتطبيق ( ) .
3 - المكاتبات والعهود مع القبائل العربية حتى صلح الحديبية:
تعتـبر المعـاهدات بين دولتين أو أكـثر أو بين دولة وطرف آخـر من الأمور الدستورية، كما هو مستقر في القانون الدستوري المعاصر.
ففي الدولة الإسلامية الأولى، سعى رسول الله خلال العام الأول للهجرة إلى إقـرار الأمن والنظام في المدينة، وبعد أن نجح في ذلك توجه نظره خارج المدينة، حيث قريش عدو الإسلام الأول، فكان أن بدأ بإعلان قريش عدوا لدولة المدينة وحـرم أي تعامل معها، حيث بدأ بإرسال سلسلة من الحملات العسكرية غرضها قطع الطريق، على قوافل مكة وهي في طريقها من الشام، وبالإضافة إلى ذلك سعى إلى عزل قريش سياسيا، وذلك بعقد معاهدات دفاعية مع القبائل المحيطة بالمدينة، والتي تخترق قوافل قريش أراضيها، فكسبت الدولة الإسـلامـية إلى جـانبها في السنوات الأولى من الهجـرة، عددا من القبائل ( ) وهي بني ضمرة ( ) وجهينة ( ) وخزاعة ( ) وغفار ( ) وأسلم ( ) وتضمنت هذه المعاهدات نصوصا بعدم الاعتداء من أي طرف على آخر، والأمن على الأنفس والأموال.
ومن تلك المعاهدات، معاهدة بني ضمرة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليـه وسلم سـار في أول غزواته حـتى بلـغ ودان ( ) وهي غزوة الأبواء ( ) يريد قريشا وبني ضمرة، فوادعته قبيلة بني ضمرة، وكان الذي عاهده منهم سيدهم مخشى بن عمرو الضمري ( ) وكتبت هذه المعاهدة على شكل كتاب جاء فيه ( بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد رسول الله لبني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، بأنهم آمنون على أموالهم وأنفسهم وأن لهم النصر على من دهمهم بظلم وعليهم نصر النبي، ما بل بحـر صوفـه ( ) إلا أن يحـاربوا في دين الله، وأن النبي إذا دعاهم لنصره أجابوه عليهم بذلك ذمة الله وذمة رسوله ولهم النصر على من بر منهم واتقى) ( ) .
هذا الكتاب يقر أمورا دستورية هي: الأمن على الأموال، والأنفس، والنصر في مواجهة العدو، ونصر هؤلاء الحلفاء في حالة الاعتداء عليهم وهو ما يسمى اليوم بمعاهدة الدفاع المشترك، أو الحلف الدفاعي.
ومن المعاهدات المهمة في عهد الرسول صلح الحديبية، الذي حدث بين الرسول وقريش، وذلك حين قدم من المدينة معتمرا، لا يريد حربا، وساق معه الهدي، لكن قـريشا ذعـرت من هذا الزحف المبـاغت من المسلمين، وفكرت بجـد في منع المسلمين من دخول مكة مهما كلف الأمر؛ لأنها رأت أن دخول المسلمين مكة واعتمارهم بعد كل ما وقـع بينهم من حروب ودماء سيؤدي إلى نزع مهابتها من قلوب الناس، وفي الوقت نفسه عرفت قـريش أن قـتـالها للمسلمين لردهم عن البيت ليس لها فيه حجة أمام نفسها وأمام أحلافها، لا سيـمـا وأن المسلمين لا يريدون حـربا؛ لذلك سيـرت قـريش الوسطاء يفاوضون الرسول لعلهم ينتهون معه إلى مخلص من هذه الورطة ( ) إلى أن انتهى الأمر بأن بعثت قـريش سهيل بن عمرو ( ) حيث تكلم مع الرسول وأطال الكلام وتراجـعا، ثم جرى بينهما الصلح، وتم بعد ذلك تدوين المعاهدة بين المسلمين وقـريش، يمثل الدولة الإسلامية قـائدها رسول الله صلى الله عليـه وسلم ويمثل قريش سهيل بن عمرو وكانت صيغة المعاهدة المتفق عليها ما يلي:
(هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو، اصطلحا على وضع الحرب بين الناس عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض، على أنه من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليه رده عليهم ومن جاء قريشا ممن مع محمد لم يردوه عليه: وأن بيننا عيبة مكفوله ( ) وأنه لا إسلال ولا إغلال ( ) وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل عقد قريش وعهدهم دخل فيه، فتواثبت خزاعة فقالوا: نحن في عقد محمد وعهده، وتواثبت بنو بكر فقالوا: نحن في عقد قريش وعهدهم، وإنك ترجع عامك هذا فلا تدخل علينا مكة، وأنه إذا كان عام قابل خرجنا عنك فدخلتها بأصحابك فـأقمت بها ثلاثا معك سلاح الراكب، والسيوف في القرب لا تدخلها بغيرها ( ) .
يستنتج من هذه المعاهدة وضوح الرؤية السياسية لدى الرسول فقد أتى أمرا قد يرى في ظاهره مخالفة للتوجه الديني، والدليل أن بعض الصحـابة قـد دهش لملاينة الرسـول - صلى الله عليـه وسلم - لأعدائه وكان الأولى القسوة، ثم إنه لم يستشر أصحابه في شأن المعـاهدة، ولكن بعـد نظر الرسـول صلى الله عليـه وسلم وترجـيـحه للمصلحة الأكبر وامتثاله لأمر ربه، حيث أوحى الله إليه بفعل ذلك، كل ذلك جعله يدرك أن هناك مصلحة، وإن لم تدرك في الحال، كما يستفاد من الحادثة أن الحاكم المسلم إذا رأى في أمر معين ترجيـحا للمصلحة ودرءا للمفسدة، فإن عليه أن يتخذ قرارا بما يوافق المصلحة، ومما لا شك فيه أنه ليس هناك إصابة لعين المصلحة أو المفسدة لغير رسول الله وإنما يكون الحكم على غلبة الظن.
4 - المكاتبات والعهود مع الملوك خارج جزيرة العرب:
تختلف هذه المعاهدات عن سابقتها بأنها على مستوى الدول حيث إن الرسول كاتب دولا أخـرى أجنبية، أما المعاهدات السابقة فكانت مع أطراف خارج الدولة الإسلامية لا يمكن اعتبارها دولا؛ لعدم توافر أركان الدولة في أي منها، هي القبائل العربية، وليس الهدف من المكاتبات والمعاهدات في عهد رسول الله هو التوسع السياسي، بل الهدف الرئيس هو تبليغ الدعوة وإيصال هذا الدين إلى الناس كافة.
كاتب رسول الله ملوك وأمراء الدول الأجنبية يطالبهم وشعوبهم بالدخـول في الإسلام، فكتب إلى هرقل، والنجـاشي، والمقوقس، وكسرى، وملك البحرين، وأمير الغساسنة، وملك اليمن، وحاكم اليمامة، فمنهم من أسلم، ومنهم من اعترف بالدولة الإسلامية، ومنهم من مزق الكتاب، ومنهم من قـتل مبـعوث الرسول صلى الله عليـه وسلم، والمكاتبة بين رئيسي دولتين من الأمور الدستورية، واعتراف الدول الأخرى بدولة ما يعطي هذه الدولة مكانة دستورية أكبر.
وذكـر ابن س
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma