سيادة الدول في ظل تحولات موازين القوة
في النظام الدولي
د. حسن نافعة
أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية
كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ـ جامعة القاهرة
1ـ عن المفهوم وإشكالياته:
"السيادة" مفهوم قانوني ـ سياسي ارتبط بوجود الدولة القومية الحديثة واصبح أحد أهم خصائصها وسماتها الرئيسية. وحين توصف الدولة بأنها كيان يتمتّع بالسيادة فالمقصود ان الدولة هي التنظيم السياسي والاجتماعي الذي يحق له وحده دون غيره أن يحتكر أدوات القوة التي يحتاجها، بما في ذلك أدوات القمع والإكراه، لفرض سلطته على مجمل الإقليم الذي يشكل حدوده السياسية، وعلى الأفراد الذين يقطنون هذا الإقليم. معنى ذلك أن تمتع الدولة بخاصية السيادة هو الذي يبرر احتكارها لأدوات القوة اللازمة لتمكينها من القيام بوظائفها وأدوارها المختلفة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وهي وظائف وأدوار حيوية للغاية وغير قابلة للاختزال على الرغم من أن مضمونها وأساليب القيام بها تقبل التغير والتحول لمواكبة التطور المستمر في طبيعة العلاقات الدولية. فالدولة هي وحدها المسؤولة عن سن القوانين وفرض الالتزام بها وتحقيق الأمن والنظام والاستقرار في الداخل، وهي وحدها المسؤولة، في الوقت نفسه، عن الدفاع عن الوطن وحماية أمنه وسلامته وتكامله الإقليمي في مواجهة القوى والأطماع الخارجية.
ويرتبط مفهوم السيادة بمفهوم استقلال وحرية الإرادة، ولذلك يعد الاستقلال السياسي شرطا لازما لتمكين الدولة من ممارسة مظاهر سيادتها على الصعيدين الداخلي والخارجي. بعبارة أخرى يفترض في السلطة السياسية التي تجسد إرادة الدولة وتمارس مظاهر السيادة باسمها أن تكون مستقلة وموحدة وفي وضع يمكّنها من فرض إرادتها وسيطرتها في الداخل وهيبتها واحترامها في الخارج، وأن تكون قادرة على التعامل بندية وتكافؤ مع الدول الأخرى. ولذلك تفقد الدولة من سيادتها بقدر ما تفقد من استقلالها. فالدول التي تخضع للاحتلال الأجنبي والاستعمار المباشر تفقد استقلالها، وبالتالي سيادتها، كلية. وقد شهدت العلاقات الدولية، عبر مراحل تطورها التاريخي، نماذج مختلفة لدول "فاقدة السيادة"، بسبب خضوعها للاحتلال المباشر، ولدول "ناقصة السيادة"، بسبب خضوعها لنظم دولية خاصة كالحماية أو الانتداب أو الوصاية أو التبعية السياسية.
وكانت حركة المد الاستعماري، والتي بدأت مع الكشوف الجغرافية الكبرى ووصلت ذروتها خلال القرن التاسع عشر، قد أدت الى تقلص عدد الدول المستقلة على المسرح الدولي، بعد أن تمكنت حفنة صغيرة من الدول الاستعمارية الأوروبية من أحكام سيطرتها على العالم. غير أن حركة مناهضة لها هي التحرر الوطني، والتي وصلت ذروتها خلال الخمسينات والستينات من القرن العشرين، عادت وتمكنت من تصحيح هذا الوضع المختل وأدت بالتالي إلى زيادة هائلة في عدد الدول المستقلة بعد أن استعادت جميع الدول "فاقدة" أو "ناقصة" السيادة لوضعها الطبيعي كدول مستقلة ذات سيادة. وهكذا لم يعد هناك سوى حالات نادرة لدول يمكن وصفها، قانونيا، بالدول المستعمَرة أو المحمية أو التابعة، كما لم تعد هناك دول خاضعة لنظام الانتداب أو الوصاية. وأصبحت جميع شعوب العالم تقريبا تعيش الآن داخل وحدات سياسية مستقلة تسمى الدول وتتمتع، من الناحية الشكلية على الأقل، بالسيادة الكاملة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
وقد ظل مفهوم السيادة موضوعا لجدل فقهي لم يتوقف في الواقع منذ نشأة ظاهرة الدولة القومية في أوروبا في منتصف القرن السابع عشر وحتى الآن. ففي أعقاب ظهور الدولة القومية، بدت الحاجة ملحة لحماية هذا الشكل الوليد من أشكال التجمع الإنساني، ولذا مال معظم الفقهاء نحو التشدد والتوسع في مفهوم السيادة، فاعتبروا أن السيادة إما أن تكون مطلقة أو لا تكون. والسيادة بمعناها المطلق تعني عدم خضوع الدولة لأي سلطة سياسية أعلى، وأن يصبح بمقدورها أن تقرر بنفسها ما تراه صالحا لها، وأن لا تسمح لأحد كائنا من كان بالتدخل في شؤونها الخاصة، وأن تكون مطلقة الحرية في اختيار نظمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في الداخل، وفي اختيار ما تراه مناسبا من وسائل لتحقيق مصالحها، في الخارج، بما في ذلك حقها في استخدام القوة.
وربما كان الفيلسوف البريطاني هوبز من أبرز من جسد هذه الرؤية، والتي بررها بوجود اختلاف نوعي بين طبيعة الدولة، كمجتمع، وبين مجتمع الدول. فالدولة، في رأيه، مجتمع منظم يسوده القانون والنظام العام ويخضع أفراده لسلطة سياسية موحدة يعترفون لها بصلاحية تحديد وفرض هذا القانون وذلك النظام، أما "جماعة الدول" فتتكون من وحدات ما تزال تعيش "حالة الطبيعة"، اي حالة الفوضى، ويحكمها قانون الغاب الذي يقوم على مفهوم القوة وحدها وليس على مفهوم القانون، وبالتالي فهي وحدات لا تخضع، وربما لا تقبل الخضوع بطبيعتها، لأي سلطة سياسية أعلى منها.
غير أن المآسي الإنسانية الكبرى التي نجمت عن الحروب واستخدام القوة كوسيلة لحل المنازعات، من ناحية، وتطور علاقات الاعتماد المتبادل بين الدول، من ناحية أخرى، رسخت الاقتناع بنسبية مفهوم السيادة وباستحالة، بل وبخطورة، الادعاء بوجود سيادة مطلقة على ارض الواقع. فالسيادة هي، في جوهرها، أداة لتنظيم العلاقات بين الدول، وليست حقا مكتسبا لفرض الإرادة المنفردة على الآخرين. وبهذا المعنى يصبح من الممكن إزالة أي تناقض بين مفهوم السيادة ومتطلبات الالتزام بقواعد القانون الدولي العام وإدارة العلاقات الدولية من خلال أطر وإجراءات مؤسسية اصبح لا غنى عنها لتنظيم العلاقات بين الدول.
وإذا كان مفهوم السيادة يرتبط، بالضرورة، سواء من حيث الشكل أو من حيث المضمون، بتسليم الدول، كبيرها وصغيرها، بعدد من المبادئ أو القواعد العامة الحاكمة للعلاقات في ما بينها، وفي مقدمتها مبدأ المساواة ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، فإن هذه المبادئ نفسها تثير العديد من الإشكاليات في ما يتعلق بوضع مفهوم السيادة موضع التطبيق. فالإقرار بمبدإ سيادة الدول، وبالتالي بأهليتها للتصرف كشخص من أشخاص القانون الدولي العام، يرتب تلقائيا، ضرورة التسليم بمبدإ المساواة القانونية بينها، وبالتالي ضرورة التزام الجميع بالكف عن التدخل في الشؤون الداخلية للغير. ونظرا لأن هذه المساواة القانونية لا تقابلها مساواة فعلية على ارض الواقع، حيث تختلف كثيرا أحجام وأوزان وقوة الدول، وبالتالي قدرتها على التأثير الفعلي على مجمل التفاعلات الدولية، فإن هذه المفارقة تثير إشكالية كبرى في تنظيم العلاقات بين الدول وفي وضع خطوط فاصلة بين الشأن الداخلي، والذي هو مسؤولية الدولة المعنية وحدها، والشأن الخارجي، والذي يفترض، أو يتعيّن، أن يكون مسؤولية المجتمع الدولي ككل.
ولأنه يوجد ميل طبيعي من جانب الدول الأكبر والأقوى في المجتمع الدولي للتدخل في شؤون الدول الأصغر والأضعف، كما يوجد نفور طبيعي من جانب الدول الأكبر والأقوى في المجتمع الدولي للتعامل مع الدول الأصغر والأضعف على أساس من الندية والمساواة، فقد كان من الطبيعي أيضا أن تواجه المحاولات الرامية لتنظيم العلاقات الدولية وفق قاعدة المساواة في السيادة صعوبات بالغة. ويمكن القول ان تطور فكرة السيادة، كمفهوم أو كأداة قابلة للتطبيق عمليا داخل نسيج العلاقات الدولية، تأثر بعاملين رئيسيين:
الأول: ثقل وموقع الدولة كفاعل في العلاقات الدولية، مقارنة بالفاعلين الدوليين الآخرين الذين بدءوا يزاحمون الدول مثل: المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية، والشركات متعدية الجنسية.. الخ.
الثاني: موازين القوى السائدة وطبيعة وهيكل النظام الدولي الذي تفرزه هذه الموازين في المراحل التاريخية المختلفة لتطور العلاقات الدولية.
2 ـ موقف القانون الدولي:
يعتبر ميثاق الأمم المتحدة هو الوثيقة الرئيسية التي تحدد وتعكس موقف القانون الدولي من المفاهيم والقضايا الدولية الرئيسية، ومنها مفهوم وقضية سيادة الدول. ويمكن القول، دون مبالغة أو تجاوز، أن البنية الفلسفية والقانونية لهذه الوثيقة لا ترتكز على مجرد الاعتراف بمفهوم السيادة ولكنها تحاول في الوقت نفسه تكريسه وتدعيمه كمبدإ وكأساس للتنظيم الدولي وكمعيار لتحديد حقوق الدول وواجباتها. فقد نصت الفقرة الأولى من المادة الثانية من الميثاق على "قيام الأمم المتحدة على مبدإ المساواة في السيادة بين جميع الأعضاء. والمقصود هنا المساواة القانونية في الحقوق والواجبات. ويعكس الهيكل التنظيمي للأمم المتحدة، كما تعكس معظم القواعد والإجراءات الأساسية المحددة لحقوق الدول وواجباتها مدى حرص الأمم المتحدة على وضع هذا المبدإ الأساسي موضع التطبيق. فجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة متساوون في الحقوق والواجبات، وفي مقدمتها حقوق المشاركة والتصويت في أعمال المنظمة وفقا لقاعدة أن لكل دولة صوت واحد.
ومع ذلك فقد تعين أن يوائم الميثاق، في الوقت نفسه، بين ما تفرضه حقوق السيادة، من ضرورة المساواة القانونية بين الدول الأعضاء كبيرها وصغيرها، وبين ما تفرضه مقتضيات الفاعلية، من ضرورة تحمل الدول الكبرى اعباء ومسؤوليات خاصة في ما يتعلق بدورها في المحافظة على السلم والأمن الدولي، ومطالبتها هذه الدول بأن تتمتع في مقابل ذلك بحقوق ومزايا موازية. فقد اقتضت الاعتبارات الخاصة بتفعيل دور الأمم المتحدة في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين، مقارنة بدور عصبة الأمم، منح خمس دول كبرى تم تحديدها بالاسم مقاعد دائمة في مجلس الأمن ومزايا تصويتية لا تتمتع بها بقية الدول الأعضاء في المجلس (حق الفيتو).
غير ان الميثاق لم يكتف بمجرد الاعتراف بمبدإ المساواة في السيادة بين الدول الأعضاء ولكنه حاول، في الوقت نفسه، تدعيم هذا المبدإ بتحريم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، حتى من جانب الأمم المتحدة نفسها. إذ نصت الفقرة السابعة من المادة الثانية على أنه: "ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة التدخل في الشؤون التي تعتبر من صميم الاختصاص الداخلي لدولة ما، وليس فيه ما يسمح للدول الأعضاء بأن تطرح هذه الشؤون على أجهزة الأمم المتحدة لمعالجتها بمقتضى الميثاق". غير ان نص الفقرة نفسها وضع قيدا على هذا التحريم المطلق حين اضاف على الفور: "أن التسليم بهذا المبدإ (عدم التدخل في الشؤون الداخلية) لا يحول دون تطبيق تدابير الردع الواردة في الفصل السابع من الميثاق. معنى ذلك أنه لا يجوز الدفع بمبدإ حظر التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء لتقييد حرية مجلس الأمن في اتخاذ ما يراه من تدابير لازمة للمحافظة على السلم والأمن الدوليين، خصوصا تلك المتعلقة بأعمال الردع أو المنع أو القمع المخولة له بموجب الفصل السابع من الميثاق. غير أن ميثاق الأمم المتحدة لم يتضمن تعريفا أو حصرا للمسائل التي تدخل في إطار الاختصاص الداخلي للدول.
تجدر الإشارة الى ان عهد عصبة الأمم كان قد تضمن نصا مشابها اختلف الفقهاء حول تفسيره، ولم تتمكن المحكمة الدائمة للعدل الدولي من حسم الجدل المثار حوله عندما تعرضت له في رأيها الاستشاري الصادر يوم 7 فبراير عام 1933 والخاص بموضوع إجراءات منح الجنسية بين فرنسا والمغرب. فقد ورد في هذا الرأي ما يفيد أن الأمور التي تعد من قبيل الاختصاص الداخلي للدول لا تنظمها قواعد القانون الدولي العام وتفسر تفسيرا نسبيا يتوقف على درجة تطور العلاقات الدولية.
ومن المعروف أن موقف الفقهاء من قضية حدود الشأن الداخلي للدول يختلف اختلافا بيّنا. فهناك من يعتبر أن لكل دولة الحق في تحديد ما تعتبره شأنا داخليا يخصها (نظرية اختصاص الاختصاص)، وهناك من يحاول تضييق نطاق الصلاحيات الممنوحة للسلطة المنفردة للدول في هذا الشأن لحساب الصلاحيات الموكولة للمؤسسات التي تتحدث باسم المجتمع الدولي، وخصوصا المؤسسات المعنية بالمحافظة على السلم، مثل مجلس الأمن. كما تجدر الإشارة إلى أن الميثاق لم يقصر اختصاصات وصلاحيات الأمم المتحدة على المجالات السياسية والأمنية فقط وإنما مد نطاق هذه الصلاحيات والاختصاصات لتشمل كافة المجالات الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بما في ذلك المجالات التي كانت تعتبر، تقليديا، من صميم الاختصاص الداخلي للدول، مثل قضايا حقوق الإنسان.
ولكي يوفر الميثاق بيئة دولية ملائمة، تحافظ على استقلال الدول وسيادتها وتحترم مبدأ عدم التدخل في شؤونها الداخلية، تضمن مبادئ وقواعد أخرى معاونة تلزم كافة الدول الأعضاء باللجوء إلى الوسائل السلمية وتحريم استخدام القوة أو التهديد بها كوسيلة لحل المنازعات الدولية وتنفيذ التزاماتها بحسن نية.. الخ.
نخلص من هذا الاستعراض الموجز لموقف القانون الدولي من هذه القضية إلى أن الأصل هو الاعتراف بالسيادة كمفهوم وكأداة ضرورية لتنظيم العلاقات الدولية. ويرتب هذا الموقف، تلقائيا، اعترافا صريحا بصلاحيات الدول في الإدارة المنفردة لشؤونها الداخلية ووجوب امتناع الآخرين، أيا كانوا، عن التدخل في هذه الشؤون. لكن هذا الاعتراف لا يعني إطلاق يد الدول في الشؤون الداخلية وإنما هو محكوم ومقيد بضوابط وشروط تضمن التزام الدول بإدارة هذه الشؤون بطريقة لا تتعارض مع التزاماتها ومسؤولياتها الدولية، ولا تمس بحقوق ومسؤولية والتزامات المؤسسات الدولية، وخاصة مجلس الأمن حين يتصرف وفقا للفصل السابع من الميثاق. بعبارة أخرى يمكن القول إنه إذا ترتب على الاعتراف بالاختصاص الداخلي وبمبدإ عدم التدخل في الشؤون الداخلية احتمال الإخلال بقدرة المؤسسات الدولية على القيام بواجباتها لصالح المجتمع الدولي فإنه يجب ترجيح كفة الصلاحيات المخولة للمؤسسات الدولية على كفة الصلاحيات المخولة للدول في هذه الحالة.
وقد ساعدت عوامل عديدة في الواقع على ترجيح كفة الاتجاه المطالب بتقييد الاختصاص الداخلي للدول لصالح التوسع في اختصاصات المؤسسات الدولية وتمكين هذه الأخيرة من إدارة أكثر فاعلية لشؤون ومصالح المجتمع الدولي ككل. من هذه العوامل :
1ـ عدم وضوح الخطوط الفاصلة بين ما هو شأن داخلي وما هو شأن دولي وضوحا كاملا وقاطعا في القانون الدولي، مما أتاح مجالا واسعا للتفسيرات المختلفة وربما المتعارضة.
2ـ تداخل وتشابك المصالح بين الدول والمجتمعات الإنسانية وتعاظم درجة الاعتماد المتبادل بينها نتيجة تطور العلاقات بينها في جميع المجالات تحت تأثير الثورات العلمية والتكنولوجية المتعاقبة، مما ضاعف من صعوبة الفصل القاطع بين "شؤون الداخل" و"شؤون الخارج".
3ـ تآكل الدور التقليدي للدول في العلاقات الدولية بسبب بروز ومزاحمة فاعلين دوليين آخرين مثل المنظمات الدولية، الحكومية وغير الحكومية، والشركات متعدية الجنسية وغيرها، مما ساعد على ظهور شبكات وخرائط جديدة للتفاعلات والمصالح الدولية لا تتطابق بالضرورة مع خريطة التقسيم السياسي للعالم على أساس الدول القومية.
ولهذا لم يعد مقبولا أن تتعلل الدول بسيادتها وبمبدإ تحريم التدخل في شؤونها الداخلية، مثلما كان يحدث عادة في الماضي، للحيلولة دون تمكين المؤسسات الدولية من الاضطلاع بمسؤولياتها.
غير أن ترجيح كفة المؤسسات الدولية ومنحها صلاحيات جديدة للتدخل في بعض ما كان يعتبر تقليديا شأنا داخليا، تطلب بدوره، وكما سنشير لاحقا، وضع ضوابط دقيقة تقضي أن يكون هذا التدخل في أضيق الحدود الممكنة، من ناحية، وأن يكون مدفوعا بالرغبة الصادقة في تحقيق مصالح عليا مؤكدة تتعلق بالمجتمع الدولي ككل، وليس مجرد غطاء لمصالح دولية خاصة أو ضيقة.
3ـ سيادة الدول في ظل القطبية الثنائية:
لا جدال في أن إبرام ميثاق الأمم المتحدة، بما تضمنه من مبادئ وقواعد وضوابط عديدة ومتكاملة، ثم دخوله حيز التنفيذ الفعلي، بعد تصديق الدول الموقعة عليه، شكل خطوة هائلة إلى الأمام على طريق محاولة نقل العلاقات الدولية من "حالة الطبيعة" إلى "حالة المجتمع"، وفقا للتعبير الأثير لدى هوبز. غير أن هذه الخطوة لم تكن كافية بذاتها لضمان وكفالة احترام المبادئ والقواعد المنصوص عليها في الميثاق، وخاصة ما يتعلق منها باستقلال وسيادة الدول ومنع التدخل في شؤونها الداخلية. فقد توقف ذلك على توافر عاملين إضافيين متكاملين ومترابطين، الأول: أن تعمل الدول من تلقاء نفسها وفق النهج الذي حدده الميثاق، والثاني: أن تصبح المؤسسات الدولية، وعلى رأسها مجلس الأمن، في وضع يسمح لها بإلزام الدول بالسير وفق هذا النهج، وبإنزال العقاب الملائم بكل من يجرؤ على الخروج عليه. وللأسف فإن التعويل على الالتزام الذاتي والإرادي للدول بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى هو أمر يبدو مغرقا في مثاليته ولا يستقيم مع خبرة وتجارب الماضي، ولذلك تركزت الآمال في الأمم المتحدة، وبالذات في مجلس الأمن، لتوفير تلك الضمانات. غير انه تبين أن المناخ الدولي الذي ساد في أعقاب الحرب العالمية الثانية مباشرة لم يساعد على تهيئة أفضل الظروف لقيام مؤسسات دولية فاعلة.
فالوضع الدولي الاستثنائي الذي أفرز منظومة الأمم المتحدة كان قد اتسم بصراع حاد بين تحالفين دوليين تمكن أحدهما من الانتصار على الآخر وسحقه. وهكذا اصبح التحالف المنتصر هو نفسه "الأمم المتحدة" وتم استبعاد التحالف المهزوم من المنظمة الدولية الوليدة حتى إشعار آخر. ولم يكن التحالف المنتصر نفسه يشكل بدوره كتلة واحدة متجانسة عند إنشاء "الأمم المتحدة"، ولكنه كان ينقسم بدوره إلى مجموعتين مختلفتي المصالح والأهداف: مجموعة الدول الكبرى التي تحملت العبء الأكبر في تحقيق النصر وهي: الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي (السابق) والمملكة المتحدة، ومعهما فرنسا والصين أيضا، وهي المجموعة التي تم الاعتراف لها بوضع متميز في النظام الدولي مكنها من الحصول على عضوية دائمة وعلى حق الاعتراض "الفيتو" في مجلس الأمن، ومجموعة الدول الأخرى التي لم يكن أمامها من خيار آخر سوى أن تسلم بالمزايا الممنوحة للدول الكبرى المنتصرة وان تقبل بالأوضاع الجديدة على مضض. أما الدول والشعوب التي كانت تقف خارج أسوار المنظمة الدولية الوليدة عند نشأتها فلم تكن قاصرة على الدول "المهزومة" وحدها وإنما شملت أيضا كافة البلدان التي كانت ما تزال خاضعة للاستعمار الغربي وخاصة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.
غير أن الأحلام والتطلعات التي صنعت الأمم المتحدة في لحظة كان النظام الدولي يمر فيها بحالة من السيولة سرعان ما اصطدمت بموازين القوى الفعلية التي افرزها النظام الدولي الجديد الذي استقر في أعقاب الحرب العالمية الثانية، واستمر بعد ذلك لما يقرب من خمسين عاما، وهو نظام القطبية الثنائية. فقد تصدع تحالف الدول الكبرى المنتصرة في الحرب، وانقسم بدوره إلى معسكرين إيديولوجيين متصارعين يسعى كل منهما للهيمنة على العالم. وآثار هذا الانقسام سلسلة من التفاعلات وردود الأفعال غيرت من قواعد اللعبة التي كان قد تم الاتفاق عليها في الميثاق. وفي ظل النظام الدولي ثنائي القطبية تغير مفهوم "العدو" كما تغيرت النظرة إلى مفهوم الاستعمار لتصبح المستعمرات نفسها محلا للصراع على النفوذ بين القطبين العظميين.
ولا جدال في أن هذا التحول في هيكل النظام الدولي كانت له جوانبه السلبية والإيجابية كما كانت له انعكاساته الهائلة على قدرة الأمم المتحدة على المحافظة على استقلال وسيادة الدول والحيلولة دون تدخل الدول الكبرى في شؤون الدول الصغرى. ولو أن هذا التحول كان قد تم قبل انعقاد مؤتمر سان فرانسيسكو أو بعده مباشرة لما قامت "منظمة الأمم المتحدة" أصلا، أو لقامت على قواعد وأسس مختلفة تماما. وعلى أي حال فقد دفع هذا التحول في اتجاهين متناقضين في ما يتعلق بقدرة الأمم المتحدة على المحافظة على سيادة الدول ومنع التدخل في شؤونها الداخلية. فالحرب الباردة أدت، من ناحية، إلى شلل نظام الأمن الجماعي، ومن ناحية أخرى، إلى ضخ الرياح في شراع حركة التحرر الوطني وبالتالي فتحت طريق العالمية أمام الأمم المتحدة بعد أن كانت أقرب إلى كونها منظمة للدول المتحالفة والمنتصرة في الحرب العالمية الثانية.
أولا: شلل نظام الأمن الجماعي:
كان ميثاق الأمم لمتحدة، كما سبقت الإشارة، قد وضع نظاما دقيقا ومتكاملا للأمن الدولي يقوم على فكرة أن أمن الجزء يرتبط ارتباطا عضويا بأمن الكل، ومن ثم يتعين على هذا الكل (ممثلا في الأمم المتحدة) أن يتصدى، مجتمعا، لأي عدوان أو تهديد قد تتعرض له أي دولة عضو. وتضمن هذا النظام ثلاث عناصر وآليات محددة:
1ـ مبادئ وقواعد سلوك عامة وموحدة يتعين أن تلتزم بها كافة الدول: كبيرها وصغيرها، في العلاقات الدولية.
2ـ جهاز يملك صلاحية مراقبة سلوك الدول وسلطة فرض الجزاءات، بما فيها القيام بعمل عسكري، على الخارجين على قواعد الشرعية الدولية (مجلس الأمن).
3ـ مجموعة من الأجهزة والآليات المكملة التي تستهدف إما مساعدة الدول على تسوية خلافاتها بالطرق السلمية و/أو تهيئة الوسائل الكفيلة بتمكين مجلس الأمن من القيام بوظائفه.
غير أن استكمال مقومات هذا النظام، ناهيك عن تشغيله، تطلب توافق راء وإجماع الدول دائمة العضوية، وهو ما اصبح متعذرا تماما بسبب انقسام التحالف المنتصر في الحرب العالمية الثانية إلى معسكرين. وخلقت الحرب الباردة أوضاعا أدت إلى انعكاسات خطيرة على نظام الأمن الجماعي. فقد تعذر استكمال آليات النظام نفسه، لأن لجنة أركان الحرب (المنصوص عليها في المادة 47) كجهاز معاون لمجلس الأمن في الأمور العسكرية) لم تتمكن من الاتفاق على وضع المادة 43 (والخاصة بتشكيل جيش دولي يمكن لمجلس الأمن أن يستخدمه عند الضرورة) موضع التنفيذ. وأدى ذلك بدوره إلى تجميد لجنة الأركان نفسها وحرمان مجلس الأمن من الأداة العسكرية التي صممت لتعاونه في قمع العدوان أو ردعه. من ناحية أخرى، فقد أدت الحرب الباردة بين المعسكرين المتصارعين إلى إسراف الدول دائمة العضوية في استخدام حق النقض (الفيتو) والى استخدامه في غير الأغراض التي شرعت له، مما عرقل عمل مجلس الأمن إلى درجة الشلل أحيانا. ولذلك يمكن القول أن نظام الأمن الجماعي ولد غير مكتمل النمو، فعاش طوال حياته مشوها.
وهكذا بدأت الدول الكبرى، وخاصة دول المعسكر الغربي، تبحث عن ترتيبات أخرى لحماية أمنها خارج النظام المنصوص عليه في الميثاق، ووجدت ضالتها في حلف شمال الأطلنطي (1949) ثم في حلف وارسو (1955). وبصرف النظر عما قيل وقتها عن شرعية قيام هذه الأحلاف استنادا الى نص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تجيز الدفاع الجماعي عن النفس، إلا أن قيامها اثر تأثيرا سلبيا خطيرا على الأمم المتحدة. فقد حل نظام "مناطق النفوذ" محل نظام "الأمن الجماعي" المنصوص عليه في الميثاق، وهو نظام نقيض له في الواقع. ذلك أن نظام الأمن الجماعي يتعامل مع الكون ككتلة واحدة ويرتب على الكل مسؤولية تضامنية لمواجهة ما قد يقع من عدوان على الجزء. أما نظام مناطق النفوذ فيقسم العالم إلى أجزاء يطلب كل منها الحماية المنفردة لقوة عظمى. وهذا هو ما حدث بالفعل.
فقد خضعت أوروبا الشرقية للنفوذ السوفياتي المنفرد وأصبحت مرتعا لتدخله المتكرر في شؤونها الداخلية (المجر: 56، تشيكوسلوفاكيا: 68.. الخ). كما خضعت أوروبا الغربية والأمريكتين لنفوذ وتدخل الولايات المتحدة المنفرد في شؤونهما الداخلية. وفي هذا السياق يمكن القول إن دور وفاعلية الأمم المتحدة في المحافظة على استقلال وسيادة الدول وفي منع الدول الكبرى من التدخل في شؤون الدول الصغرى قد اختلف في مرحلة الحرب الباردة باختلاف طبيعة الأزمات التي اندلعت خلال تلك المرحلة، والتي يمكن التمييز بين ثلاثة أنماط منها :
1ـ الأزمات التي اندلعت داخل منطقة النفوذ المباشر لإحدى القوتين العظميين. ولم تلعب الأمم المتحدة أي دور فاعل لمعالجتها، بعد أن تحولت هذه المناطق إلى ميادين محجوزة لتدخل أطر إقليمية تهيمن عليها إحدى القوتين العظميين (حلف وأرسو بالنسبة للاتحاد السوفياتي، وحلف الأطلنطي ومنظمة الدول الأمريكية بالنسبة للولايات المتحدة).
2ـ الأزمات التي انخرطت فيها إحدى القوتين العظميين كطرف مباشر (فيتنام أو أفغانستان على سبيل المثال). وهي أزمات عجزت الأمم المتحدة ليس فقط عن معالجتها وإيجاد حلول لها وإنما حتى عن مجرد مناقشتها أحيانا (أزمة فيتنام) أو لمجرد توفير غطاء لانسحاب القوة العظمى في أحيان اخرى (أفغانستان).
3ـ الأزمات الأخرى، أي تلك التي دارت رحاها خارج مناطق النفوذ المباشر أو لم تكن إحدى القوتين العظميين طرفا مباشرا فيها. وكان هذا هو النمط الوحيد من الأزمات الذي سمح النظام الدولي ثنائي القطبية للأمم المتحدة بأن تلعب فيه دورا اختلفت أشكاله وفاعليته من أزمة لأخرى.
ورغم ضعف الدور الذي لعبته الأمم المتحدة عموما في معالجة الأزمات الدولية وعدم تمكنها من صد محاولات الدول الكبرى للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الصغرى خلال مرحلة الحرب الباردة، إلا أن التوازن الدولي النسبي الذي ساد خلال تلك الفترة حال دون أن تصبح الأمم المتحدة أداة في يد أي من المعسكرين المتصارعين. ومع ذلك فمن الواضح أن موازين القوة الفعلية في النظام الدولي كانت تميل خلال تلك الفترة لصالح الولايات المتحدة وحلفائها في الواقع، وهو ما ألقى بظلاله السلبية على الأمم المتحدة، بدليل أن إسرائيل تمكنت في مرحلة الحرب الباردة من أن تشن في عام 1967 عدوانا على الدول العربية المجاورة، وأن تحتل أراض شاسعة من هذه الدول، وان تحتفظ بهذه الأراضي كورقة مساومة تفرض من خلالها شروطها للتسوية على الدول العربية. ولم يتمكن مجلس الأمن من مجرد الإشارة في قراره بوقف إطلاق النار إلى انسحاب القوات المتحاربة إلى الخطوط التي كانت عندها قبل بدء العمليات العسكرية كما اعتاد أن يفعل في مثل هذه الأزمات. وكان ذلك مؤشرا مبكرا على عجز الأمم المتحدة عن تقديم الحماية الضرورية للضعفاء في النظام الدولي.
ثانيا : تنامي دور العالم الثالث : لا جدال في أن النظام الدولي ثنائي القطبية قد أفسح المجال لصعود نجم مجموعة الدول التي لم تكن لها مصلحة في الانضمام إلى أي من المعسكرين المتصارعين وفي تمكين هذه المجموعة من أن تلعب، من خلال منظومة الأمم المتحدة، دورا سياسيا يدعم استقلال الدول وسيادتها ويحاول الحد قدر الإمكان من تدخل الدول الكبرى في شؤونها الداخلية. فقد لت قيادة النظام الدولي في مرحلة الاستقطاب الثنائي إلى قوى غير أوروبية ليس لها ماض استعماري مما أدى من ناحية، إلى إضعاف القوى الاستعمارية التقليدية الأوروبية وتراجع دورها في هذا النظام الدولي الجديد، ومن ناحية أخرى، إلى تنشيط ودعم حركات التحرر في الدول المستعمَرة التي حاولت كل من القوتين العظميين المتصارعتين استمالتها إلى ناحيتها. وقد خلق هذا الوضع زخما ساعد على أن تتمتع "مجموعة عدم الانحياز"، تدريجيا، بأغلبية عددية في الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي المنظمات العالمية المتخصصة الديمقراطية الطابع، حاولت استخدامها لتحقيق هدفين:
الأول: القضاء على الظاهرة الاستعمارية وتمكين الدول الواقعة تحت الاستعمار أو الدول ناقصة السيادة، بأشكالها المختلفة، من الحصول على استقلالها السياسي. وهو ما نجحت فيه بشكل شبه تام.
الثاني: تصحيح الخلل في هياكل وموازين القوة في النظام الدولي، وخاصة الاقتصادية والتكنولوجية، والحصول على دعم مالي وفني يمكّنها من تحويل استقلالها السياسي، أو القانوني والشكلي، إلى استقلال فعلي. وهو ما لم تنجح فيه إلا على نحو محدود جدا.
وعلى الرغم من أن حركة العالم الثالث لم تنجح بالكامل في تحويل استقلالها السياسي إلى استقلال حقيقي، إلا أن نظام الاستقطاب الدولي وضعها في حالة استنفار ويقظة نسبية مكنتها من استخدام الأمم المتحدة ومنظماتها الديمقراطية المتخصصة كأداة للمحافظة قدر الإمكان على استقلالها السياسي والحيلولة دون خضوعها للاستعمار أو للتبعية المباشرة والفجة من جديد. ولذلك شكلت هذه الحركة شوكة في حلق القوتين العظميين، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي حاولت صب جام غضبها على منظومة الأمم المتحدة.
وبوصول الجناح اليميني في الحزب الجمهوري بقيادة ريجان إلى السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1980 زاد الضغط الأمريكي على الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة إلى حد انسحاب الولايات المتحدة من اليونسكو والامتناع عن تسديد جانب كبير من التزاماتها المالية إلى الأمم المتحدة.. الخ.
وكان الهدف تركيع هذه المنظمات وضمان عدم تجاوزها للخطوط الحمراء التي ترسمها الإدارة الأمريكية. وتسبب الموقف الأمريكي في اكبر أزمة مالية في تاريخ الأمم المتحدة التي أصبحت تكاد تكون عاجزة عن دفع رواتب موظفيها. غير أن مياها كثيرة جرت في نهر النظام الدولي قبل أن تبدأ بوادر انهيار الاتحاد السوفياتي في أعقاب وصول غورباتشوف إلى السلطة، ثم انهياره الفعلي عقب أزمة الخليج الثانية.
4ـ سيادة الدول في ظل العولمة والقطبية الأحادية :
حين نتحدث عن ظـاهرة "العولمـة" يجدر بنا أن نميــز بيـن العولمــة كعمليـة تاريخيـةProcess والتي يشير إليها مصطلح Globalisation وبين العولمة كإطار فكري أو كنظام قيمي أو إيديولوجي، والتي يشير إليها مصطلح Globalism فالتقدم العلمي والتكنولوجي، وخاصة في مجال الاتصالات والمواصلات، غيّر من أنماط ومن درجة وكثافة التفاعلات بين الدول والمجتمعات والشعوب والأفراد بطريقة جعلت من العزلة مسألة شبه مستحيلة. وبالطبع فإن درجة تأثر الدول والمجتمعات بهذه العملية "التاريخية"، والتي تدفع أجزاء العالم الجغرافية المتناثرة نحو التقارب وربما التوحد، تختلف من حالة إلى أخرى، وتتوقف على موقع الدول والمجتمعات من شبكة التفاعلات الناجمة عن هذه العملية، ومدى قربها أو بعدها من مركز هذه الشبكة. وبهذا المعنى تُعتبر "العولمة" أمرا واقعا يتعين التسليم به وبحث تأثيراته المختلفة، على الاقتصاد والسياسة والاجتماع.. الخ، بغية التقليل من أضراره والاستفادة من مزاياه إلى أقصى حد ممكن. أما العولمة Globalism كايديولوجية أو كنظام قيمي والتي جسدتها بعض النظريات مثل نظرية فوكوياما حول "نهاية التاريخ" أو نظرية هنتنغتون حول "صراع الحضارات"، فهي أطروحات قابلة للجدل والاختلاف وتدخل في نطاق الفلسفة وليس في نطاق العلم. وتركيزنا سوف يكون على العملية التاريخية لا على إيديولوجية العولمة أو نظامها القيمي.
ولا جدال في أن المعدلات المتسارعة لعملية العولمة تدخل تحولات مهمة وعميقة على هيكل وموازين القوة في النظام الدولي وبما يؤثر بشدة على موضوع استقلال وسيادة الدول الذي نناقشه. من هذه التحولات:
1ـ إعادة توزيع وتغيير الأوزان النسبية للفاعلين في النظام الدولي لصالح الشركات العابرة للقوميات والمنظمات الدولية غير الحكومية (مؤسسات المجتمع المدني الدولي) وعلى حساب الدول والمنظمات الدولية الحكومية.
2ـ إعادة تشكيل خريطة وموازين القوى في النظام الدولي بما يرجح أوزان القوى الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية (وخاصة في مجال تكنولوجيا المعلومات) على حساب القوى التقليدية، وخاصة العسكرية والديموغرافية.
3ـ إعادة ترتيب الأولويات على جدول أعمال النظام الدولي وتراجع القضايا التقليدية التي كانت تحتل مرتبة الصدارة في مرحلة الحرب الباردة، مثل قضايا الصراع بين الشرق والغرب أو بين الشمال والجنوب، وتقدم قضايا جديدة إلى موقع الصدارة، مثل قضايا البيئة وحقوق الإنسان وأسلحة الدمار الشامل والإرهاب.. الخ.
ولهذه التحولات انعكاسات بعيدة المدى على قضية سيادة الدول ومبدإ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول لأنها تثير تساؤلات، وربما إشكاليات، بالغة الأهمية تتعلق بمدى صلاحية الأسس والمبادئ التقليدية التي يقوم عليها صرح التنظيم الدولي، والوظائف والأدوار التي تؤديها (أو يتعين أن تؤديها) أجهزة هذا التنظيم وآلياته المتنوعة، وطبيعة العلاقة بين المنظمات الدولية بأنواعها المختلفة (الحكومية وغير الحكومية، العالمية والإقليمية، العامة والخاصة.. الخ)، ومدى ملاءمة هياكلها وبنيتها الداخلية للاضطلاع بالوظائف المنوطة بها.. الخ.
ففي ما يتعلق بحدود العلاقة بين الشأن الداخلي والشأن الخارجي، اصبح من المسلّم به، في ظل تنامي علاقات التأثير والاعتماد المتبادل بين الدول أن فكرة السيادة المطلقة لم تعد مقبولة، وأن إطلاق يد الأنظمة الحاكمة في تحديد نطاق الشأن الداخلي لم يعد أمرا مسلّما به كما كان في الماضي، بل وأصبح تدخل المجتمع الدولي في بعض الأمور التي كانت تعتبر في ما مضى شأنا داخليا ليس فقط أمرا مقبولا وإنما يراه البعض ضروريا وواجبا. فالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان أو تقديم العون والمساعدة للإرهاب الدولي أو الأضرار بالانساق البيئية.. الخ أصبحت كلها أمورا تستوجب أو تبرر تدخل المجتمع الدولي.
وقد عكس السكرتير العام للأمم المتحدة طبيعة التحول الذي طرأ على مفهوم السيادة في عصر العولمة حين أشار في تقريره لعام 1999 إلى أن "مفهوم سيادة الدولة يمر في جوهره وفي معناه العميق بعملية تحول كبرى لا تعود فقط إلى وقوعه تحت ضغط وقوى العولمة والتعاون الدولي. فالدول ينظر إليها الآن باعتبارها ادوات في خدمة شعوبها وليس العكس"، واستخدم تعبير "سيادة الفرد أو الإنسان" باعتباره مفهوما يتجدد الوعي به ويحظى بدعم متزايد نتيجة انتشار الحقوق الفردية، قبل أن يطالب بإيجاد تعريف اكثر رحابة لمفهوم المصلحة الوطنية "يتناسب مع متطلبات القرن الحادي والعشرين ويساعد على حفز الدول لضم الصفوف والسعي لتحقيق درجة اكبر من الوحدة على طريق الأهداف والقيم المشتركة".
كذلك تعيد العولمة طرح قضية تعريف العدوان. إذ تتوقف فاعلية المؤسسات الدولية في تحقيق السلم والأمن الدوليين، في نهاية التحليل، على مدى وضوح مفهوم العدوان ومعناه وحجم الاتفاق المتحقق حوله. ولم يكن تعريف العدوان في مرحلة الحرب الباردة سهلا، كما سبقت الإشارة. ومع ذلك فقد كان هناك ما يشبه الإجماع على أن مفهوم العدوان ينصرف أساسا إلى أي عمل عسكري غير مبرر، أي غير مشروع تقوم به دولة أو اكثر ضد دولة أخرى أو أكثر. أما في زمن العولمة فقد اصبح تعريف العدوان أكثر تعقيدا بما لا يقاس. فقد يؤدي التلاعب في أسواق المال الدولية، أو إلقاء نفايات نووية، أو تسهيل حصول جماعات إرهابية على أحد أسلحة الدمار الشامل.. الخ، إلى أحداث أضرار قد تفوق بما لا يقاس حجم الأضرار الناجمة عن العدوان العسكري بمعناه التقليدي. ولأنه لا يوجد في ميثاق الأمم المتحدة تعريف محدد للعدوان، فضلا عن أن معظم أجهزة الأمم المتحدة العاملة في مجال المحافظة على السلم والأمن الدوليين كانت قد صممت لمواجهة العدوان العسكري بمعناه التقليدي، فإن البحث عن تعريف دقيق للعدوان في زمن العولمة لا يتطلب فقط ضرورة إعادة التفكير في مصادر تهديد السلم والأمن الدوليين، وإنما يتطلب أيضا، وفي الوقت نفسه، ضرورة العمل على إعادة هيكلة وتصميم المؤسسات الدولية بما يمكنها من مواجهة كافة تلك التهديدات القديمة منها والمستحدثة.
على صعيد خر يلاحظ أن العولمة تدفع في اتجاه تعظيم دور الفاعلين الآخرين غير الدول على المسرح الدولي وهو ما يؤدي إلى انعكاسات بالغة الأهمية والخطورة على قدرة المؤسسات الدولية الحكومية على القيام بالوظائف والأدوار المنوطة بها تقليديا. فالعضوية في المؤسسات الدولية الراهنة تقتصر على الدول التي تمثل من خلال حكوماتها. وهناك من يرى انه إذا كان لهذا الوضع ما يبرره في مرحلة كانت فيها الدول هي الفاعل الرئيسي، أن لم يكن الوحيد، في العلاقات الدولية، فإن استمرار هذا الوضع في مرحلة تتآكل فيها أوزان الدول والحكومات وتتزايد فيها أوزان المنظمات الدولية غير الحكومية والشركات العابرة للقوميات، يضعف من سلطة وهيبة ومكانة المنظمات الدولية الحكومية في ظل الأوضاع الراهنة. وتطرح هذه الإشكالية تحديا خطيرا يتمثل في ضرورة إعادة صياغة العلاقة بين المنظمات الدولية الحكومية، من ناحية، وبين كل من المنظمات الدولية غير الحكومية والشركات العابرة للقوميات من ناحية أخرى.
وكانت الأمم المتحدة قد حاولت إفساح المجال أمام المنظمات الدولية غير الحكومية للتعبير عن رأيها بصورة أوضح عندما وجهت الدعوة إلى أعداد ضخمة منها للمشاركة في المؤتمرات العالمية التي نظمتها حول قضايا البيئة (قمة الأرض: ريو دي جانيرو)، وحقوق الإنسان (فيينا) والسكان والتنمية (القاهرة).. الخ. لكن العلاقة بين الأمم المتحدة والمنظمات الدولية غير الحكومية ما تزال في حاجة إلى صيغة مؤسسية أكثر وضوحا واستقرارا. وكانت الشركات العابرة للقوميات محل هجوم وانتقادات عنيفة ومتواصلة من جانب دول العالم الثالث خلال مرحلة الحرب الباردة، وقد خفت حدة هذا الهجوم الآن بسبب طبيعة الأيديولوجية العالمية السائدة وتراجع دور العالم الثالث في التنظيم الدولي، لكن العلاقة ما تزال في حاجة إلى صيغة مؤسسية مستقرة.
وتثير هذه الأمور كلها قضية المواءمة بين الاعتبارات المتعلقة بديمقراطية التنظيم الدولي والاعتبارات المتعلقة بفاعليته. فالديمقراطية تتطلب تحقيق المساواة الكاملة بين الدول الأعضاء على أساس ان لكل دولة صوتا واحدا، كما تتطلب اتخاذ القرارات بالأغلبية ومشاركة الجميع في التصويت. أما الفاعلية فتتطلب سرعة اتخاذ القرارات وسرعة حشد وتعبئة الموارد المادية والبشرية اللازمة لمواجهة المواقف الطارئة وإدارة الأزمات الدولية. وكانت الأمم المتحدة قد حاولت حل هذا التناقض، كما سبقت الإشارة، عن طريق إنشاء مجلس محدود العضوية، إلى جانب الجمعية العامة التي تمثل فيها كافة الدول الأعضاء دون تمييز. وأسند إلى هذا المجلس المصغر مهمة حفظ السلم والأمن الدوليين، وخول سلطات وصلاحيات واسعة (اشتملت أيضا على سلطة اتخاذ إجراءات عسكرية)، وانفردت فيه الدول الكبرى وحدها بالعضوية الدائمة وبحق الاعتراض على مشروعات القرارات المعروضة عليه. غير أن الفاعلية المرجوة من وراء هذا الحل توقفت على شرط مهم وهو إجماع الدول الكبرى دائمة العضوية، والذي لم يتحقق بسبب اندلاع الحرب الباردة مما ترتب عليه إصابة مجلس الأمن بالشلل طوال ما يقرب من نصف قرن، كما سبقت الإشارة. غير أن التحول الذي أصاب هيكل موازين القوة في النظام الدولي تحت تأثير العولمة وانتهاء الحرب الباردة أحال الجهاز المسؤول عن السلم والأمن الدوليين إلى مجرد أداة في يد القوة العظمى الوحيدة المهيمنة وهي الولايات المتحدة.
وكانت قد لاحت في الواقع فرصة نادرة لإحياء نظام الأمن الجماعي وتدعيمه عندما اندلعت الأزمة التي تسبب فيها الغزو العراقي للكويت في 2 أغسطس عام 1990، خصوصا وان حائط برلين كان قد سقط وانتهت الحرب الباردة قبل اندلاع هذه الأزمة. وطرح بوش، وغيره من زعماء العالم، شعار "النظام العالمي الجدي" الذي تلعب فيه الأمم المتحدة الدور الرئيسي في المحافظة على السلم والأمن في العالم. وبدأ مجلس الأمن يتصرف أثناء الأزمة الكويتية بطريقة مختلفة تماما وغير معهودة. فاجتمع اكثر من مرة على مستوى وزراء الخارجية، وبدأ يشير في قراراته جميعها (صراحة ولأول مرة) انه يتصرف وفقا للفصل السابع، وقام بتطبيق نظام العقوبات المنصوص عليه في الميثاق بحذافيره وبطريقة بالغة القسوة والصرامة. لكن اتضح بعد ذلك، وللأسف الشديد، أن هذا الشعار لم يقصد به سوى المحافظة على تماسك التحالف الدولي الذي برز في مواجهة العراق، وأن إحياء نظام الأمن الجماعي لم يكن مطروحا أصلا على أجندة الإدارة الأمريكية. ولذلك ما إن حصلت الولايات المتحدة على القرار 687، والذي يفوض التحالف الدولي الذي تقوده باستخدام القوة ضد العراق، حتى أحست بأنها أصبحت حرة تماما وطليقة الحركة وأن مجلس الأمن لم يعد يعنيها في قليل أو كثير. ولذلك يلاحظ أن مجلس الأمن إصيب بالسكتة القلبية تماما في الفترة الممتدة من 29 نوفمبر 1990 (تاريخ صدور قرار التفويض) وحتى نهاية الحرب في مارس 1991. واعتبر العديد من الباحثين أن مجلس الأمن تعرض خلال هذه الفترة لعملية اختطاف فعلية كي تصبح الولايات المتحدة في موقف يمكنها من إدارة الأزمة بالطريقة التي تحقق لها أهدافها الرئيسة وهي: ضمان تواجد أمريكي عسكري كبير ودائم في منطقة الخليج، والتعجيل بانهيار الاتحاد السوفياتي عن طريق إثبات عجزه وتدهور مكانته في النظام الدولي. وقد تمكنت بالفعل من تحقيق هذين الهدفين بالكامل.
وإذا كانت نهاية الحرب الباردة قد أعادت لمجلس الأمن بعضا من حيويته المفقودة، بعد أن تقلصت احتمالات استخدام الفيتو في ظل النظام العالمي "الجديد"، إلا ان هذا النظام كشف، في الوقت نفسه، عن مواطن الخلل الهيكلي في الشرعية الدولية التي يمثلها مجلس الأمن. ويظهر تحليلنا للطريقة التي أدارت بها الأمم المتحدة الأزمات الدولية بعد انهيار نظام القطبية الثنائية وجود ثلاثة أنماط لهذه الإدارة وهي:
1ـ الإدارة بالاستبعاد : في الأزمات التي لا يراد للأمم المتحدة أن تتدخل فيها على أي نحو. وأهم مثال على هذا النموذج إدارة الصراع العربي ـ الإسرائيلي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة.
2ـ الإدارة بالافتعال : في الأزمات التي يراد إقحام مجلس الأمن فيها إقحاما دون أي مبرر قانوني أو أخلاقي. واهم مثال على هذا النموذج إدارة الأزمة مع ليبيا بسبب حادث لوكربي.
3ـ الإدارة بالمشاركة المحسوبة: وهو النمط الغالب على أسلوب الأمم المتحدة في إدارة الأزمات الدولية بعد نهاية الحرب الباردة. ووفقا لهذا النمط تلعب الأمم المتحدة دورا يختلف من حيث الحجم والفاعلية باختلاف نوع الأزمة ويتوقف على درجة حماس الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، ومدى استعدادها لوضع الإمكانات المادية والبشرية اللازمة تحت تصرف الأمم المتحدة.
وقد أظهرت إدارة الأمم المتحدة للأزمات زمن العولمة عموما أن مجلس الأمن معرض لأن يتخذ قرارات غير دستورية دون أن يكون في مقدور أي جهاز دولي آخر أن يمارس في مواجهته أي نوع من أنواع الرقابة السياسية أو القضائية. وساهم سقوط وانهيار الاتحاد السوفياتي في إلقاء مزيد من الضوء على حقيقة أن تشكيل مجلس الأمن لم يعد يعكس هيكل وموازين القوى في النظام الدولي "الجديد". ومعنى ذلك أن مصداقية تمثيل مجلس الأمن للمجتمع الدولي أصبحت محل شك. بعبارة أخرى يمكن القول أن مجلس الأمن، وهو الجهاز الذي يحتل موقع القلب في بنية التنظيم الدولي العالمي، تحول في زمن العولمة إلى شيء اشبه بحكومة ديكتاتورية غير مسؤولة وغير شرعية أيضا. ويطرح هذا الوضع تحديا من طبيعة مزدوجة تتعلق، من ناحية، بضرورة البحث عن صيغة جديدة لحل معضلة التوفيق بين اعتبارات الديمقراطية واعتبارات الفاعلية، ومن ناحية أخرى، تطوير معايير لفرز واختيار القوى التي يحق لها احتلال مقاعد دائمة أو شبه دائمة في مجلس الأمن بما يضمن شرعية ومصداقية تمثيل هذا الجهاز للمجتمع الدولي وموازين القوى فيه.
وعلى الرغم من اتباع الولايات المتحدة، منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، لسياسة منظمة تهدف في نهاية المطاف إلى تهميش وإضعاف دور الأمم المتحدة، إلا أن الحرص على وجود غطاء من الشرعية الدولية ظل قائما في جميع الأحوال. وعلى سبيل المثال فقد ظلت الولايات المتحدة تدعي أن العمليات العسكرية التي تقوم بها منفردة أو بالتعاون مع دول أخرى ضد العراق هي عمليات مشروعة قانونا، لأنها تأتي في إطار تفويض سبق صدوره من مجلس الأمن ومازال معمولا به، وأن الهدف النهائي لهذه العمليات هو تطبيق قرارات صادرة عن مجلس الأمن. لكن يبدو أن الولايات المتحدة لم تعد حريصة حتى على مجرد استيفاء النواحي الشكلية اللازمة لإضفاء المشروعية على سياستها. وقد ظهر هذا جليا عندما تدخل حلف الناتو عسكريا في كوسوفا دون الحصول على تصريح بذلك من مجلس الأمن، وهو ما يمكن أن يتكرر في الأزمة العراقية الحالية حيث تهدد الولايات المتحدة علنا بعزمها على استخدام القوة ضد العراق، منفردة أو بالتعاون مع آخرين، إذا لم تتمكن من استصدار القرار الذي تريده من مجلس الأمن. وربما يعود السبب في هذا المنحى الجديد إلى رغبة الولايات المتحدة في ممارسة سياسة حرة وطليقة من كل قيد حتى ولو تم ذلك عبر جثة الأمم المتحدة. ولتبرير هذا الاستخدام غير الشرعي للقوة يطرح مبدأ التدخل لأغراض إنسانية. لكن التدخل المسلح لأغراض إنسانية له شروط ويتعين في جميع الأحوال
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma