النظام الدولي الجديد لدى الساسة الغربيين
«لا يوجد هنالك نظام دولي جديد»
مارغريت تاتشر
«ان ما ظهر بعد انتهاء الحرب الباردة لم يكن نظاماً عالمياً جديدا وانما كان اقرب إلى ترتيبات جديدة يستخدمها نظام عالمي قديم يعيد لها تأكيد دوره في ظروف متغيرة»
محمد حسنين هيكل
إذا كان النظام الدولي الجديد ليس إلاّ ترتيبات جديدة لاستيعاب المتغيرات الجديدة الحاصلة اثر انهيار الكتلة الشيوعية، فان العالم الاسلامي والشرق الاوسط بشكل خاص يمثل الساحة المثلى لتشريع تلك الترتيبات واعطاء النظام الدولي الجديد دوره فيها ليست لانها مركز حيوي للمصالح الاميركية فحسب لأنّها تشكل تحدياً حضارياً للكبرياء الغربي وبالأخص الرسالة الاميركية.
يقول مارتن انديك المساعد الخاص للرئيس الاميركى مدير الشرق الادنى وجنوب آسيا في مجلس الامن القومي الاميركي عن هذا التحدي في معرض اعلانه عن السياسة الاميركية تجاه الشرق الاوسط:
«ان عقوداً من الاهمال والآمال المحيطة بالمشاركة السياسية والعدالة الاجتماعية غذّت حركات عُنفية تنكرت باقنعة دينية وبدأت تتحدى الحكومات في انحاء العالم العربي ما ينطوي على خطر كامن لزعزعة الاستقرار في المنطقة. ينبغي علينا ان لا نبسط تحدياً معقداً تطرحه الينابيع المختلفة الاقليمية والوطنية. ويجب ألاّ نرفض جميع الاصلاحيين الدينيين باعتبارهم متطرفين لكن لا يمكننا في الوقت نفسه ان نتجاهل ان بعض المتطرفين الدينيين وجدوا بلجوئهم إلى العنف العون من التضامن في ايران والسودان ولذا فالتحدي الثالث امامنا هو ان نساعد شعوب الشرق الاوسط وحكوماتها لمواجهة هذا التهديد الناشىء بالسعي الحثيث إلى السلام من جهة وباحتواء التطرف في انحاء المنطقة من جهة اخرى وبالتمسك برؤيتنا كبديل للتطور السياسي الديمقراطي والتطور الحر لاقتصاد السوق».
ولما كانت قضايا «الشرق الاوسط» تمثل جوهر النظام الدولي الجديد فيمكن الاعتماد على دراسة الاستراتيجية السياسية الاميركية لتحديد طبيعة ذلك النظام.
اوجز انديك سياسة الولايات المتحدة الاميركية بالنقاط التالية:
الاحتواء المزدوج للعراق وايران في الشرق.
دفع السلام العربي ـ الاسرائيلي في الغرب.
3ـ بذل جهود نشطة لوقف انتشار اسلحة الدمار الشامل ودفع الرؤية لمنطقة اكثر ديمقراطية وازدهاراً لجميع شعوب الشرق الاوسط.
ويحدد انطوني ليك مستشار الرئيس الاميركي بيل كلينتون لشؤون الامن القومي العوامل الاربعة التي ترتكز عليها «استراتيجية التوسع الاميركية» وهذه العوامل:
1ـ تقوية الديمقراطيات التي تعتمد الاقتصاد الحر اساساً لها.
2ـ تقديم المساعدة للديمقراطيات الجديدة ولاقتصاد السوق حيث امكن.
3ـ مواجهة العدوان من قبل الدول المعادية للديمقراطية وللسوق الحر.
4ـ المضي فى دعم اجندا انسانية ليس بتقديم المساعدات فحسب بل أيضاً عبر مساعدة الديمقراطية واقتصاد السوق في المناطق التي تواجه مشاكل انسانية.
ان الشعور بعوامل القوى المادية هو الذي يصوغ المفاهيم الاميركية ويسيّر سلوكها مع العالم الخارجي. ومن هنا تبرز المشكلة الاميركية حين يصطدم منطق القوي مع «القيم النبيلة» التي تبشر بها النظام الدولي الجديد.
يقول سكوكروفت مستشار الرئيس الاميركي للامن القومي الاسبق:
«ان الفرصة مهيأة امام الولايات المتحدة الآن ـ 1993 ـ ولأن توفّق بين رسالتها في حماية النظام العالمي من خلال القيام بدور رجل البوليس لردع اي نظام يغامر بفرض سيطرته على الآخرين وبين رسالتها في نشر تلك القيم النبيلة التي آمن بها الاميركيون وعملوا من اجلها طوال قرنين من الزمان ان كل ذلك يتطلب ارادة بارعة لمجابهة الازمات فاقامة عالم افضل لن تتحقق إلاّ بوجود قيادة مستقرة والولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة المؤهلة لممارسة هذه القيادة حيث لا توجد اي دولة اخرى أو حتى منظمة عالمية تملك النظرة البعيدة المدى وتتمتع بالهيبة والاحترام وتتمتع بالامكانات المالية التي تؤهلها للعب دور قيادة فعال على المستوى الدولي.. اننا لا نستطيع تعطيل أو اهمال قيادتنا للعالم حتى نقوم بترتيب بثنا من الداخل كما يطلب بعض الاميركيون ـ ذلك ان التاريخ لا يأخذ اجازة».
وعبّرت ازمة الخليج عن ابلغ صورة للمنطق الاميركي في جانبه المادي اما رسالة القيم النبيلة فقد انحسرت امام مصالحها المادية في المنطقة لان تلك المصالح باتت فوق حرية الشعوب. فبينما تمثل الديمقراطية ومبدأ حقوق الإنسان وحرية الشعوب والشرعية الدولية عناصر التوجه الجديد للولايات المتحدة وتمثل رسالتها الإنسانيّة للعالم، تؤكد سياسة كلينتون ان الوسائل اللازمة لمواجهة الدول التي لا تلتقي مع مصالح الولايات المتحدة وبالتحديد العراق وايران تكمن في الحفاظ والاعتماد على حلفاء في منطقة الشرق الاوسط بصرف النظر عن شرعيتهم وسلوكهم السلطوي مع شعوبهم، وفي هذا الصدد يوضح مارتن انديك عن هذه السياسة قائلاً:
«وطالما بقينا معتمدين على حلفائنا في المنطقة للمحافظة على موازنة القوى لمصلحتنا في الشرق الاوسط كانت لدينا الوسائل اللازمة لمواجهة النظامين العراقي والايراني ولن نحتاج إلى الاعتماد على احدهما لمواجهة الآخر».
ويستمر التأكيد على مبدأ القوة والمصالح في وقت اختفت فيه القوى التقليدية المنافسة للزعامة الاميركية اما الحديث عن القيم الاميركية فهي ليست إلاّ غطاء لتشريع اجراءات الهيمنة ويلاحظ ان التأكيد على القوة يسبق القيم الاميركية وفي الوقت الذي تستغرق السياسة الاميركية في توضيح كيفية الاحتواء وتجريد العالم من اسلحة الدمار الشامل، تفتقد تلك السياسة إلى آلية ترويج المفاهيم والقيم الاميركية. تقول مادلين اولبرايت مندوبة اميركا لدى الامم المتحدة:
«.. التاريخ علمنا انّه سيأتي وقت لا يعود فيه الكلام كافياً ولا العقوبات أو الدبلوماسية».
وتضيف: «ان ادارة كلينتون وضعت اطاراً جديداً اكثر تنوعاً ومرونة من الاطار السابق سيعزز المصالح الاميركية ويروّج القيم الاميركية ويحافظ على الزعامة الاميركية».
وإذا كانت الامبراطورية الشيوعية الفاعل الرئيسي لتحديد القوة في عصر الحرب الباردة، فان الاميركيون لا يخفون اليوم قلقهم من اعتبار الإسلام الخطر القادم. وهذا الخطر هو الفاعل والداعي لسلوك الهيمنة في المنطقة الإسلامية. ويعبر وارن كريستوفر وزير الخارجية الاميركية عن هذا القلق قائلاً:
«اننا في حاجة إلى تحرك قوي وملموس للتعاطي بحزم ولكن بشكل مبتكر مع دول خطرة تساهم في التوتر في مناطق مثل الشرق الاوسط. ان البلد الذي يثير القلق اكثر من غيره بين هذه البلدان والذي في استطاعة اوروبا التأثير عليه مباشرة هو ايران».
ومن هنا يؤكد على ضرورة ان «تفهم ايران وتقتنع بأنها لا تستطيع مواصلة نهج التسلح الخطير».
ان تجريد الانظمة الشرعية من حقها في التسلح لا يستند على أي شرعية دولية انما الغطرسة الاميركية تقتضي ابقاء الشعوب الإسلامية ضعيفة حتى لا تتمكن من تحرير نفسها وثرواتها من قبضة الارادة الاميركية.
ويطمئن وارن كريستوفر اصدقاء وحلفاء الولايات المتحدة قائلا: «اننا نبقى ملتزمين ان تبقى قوى الاعتدال في المنطقة اقوى من قوى التطرف.. وان الولايات المتحدة واصدقاءها وحلفاءها سيتخذون الخطوات الضرورية لضمان فشلكم (قوى التطرف)».
وتعبّر السياسة الاميركية عن الخط الاميركي في المنطقة بقوى الاعتدال بينما تُلقي صفة التطرف على جميع الحركات الإسلامية والانظمة التي ترفض الهيمنة الاميركية بكل اشكالها.
ويحذّر انطوني ليك «قوى التطرف» بالرد الحاسم وبشكل منفرد خروجاً على قاعدة الشرعية الدولية التي تشكل احد المضامين للنظام الدولي الجديد. فيقول ليك:
«انّه عندما تبدأ اعمال هذه الدول «ايران والعراق» في تهديد شعبنا وقواتنا مباشرة أو تستهدف مصالحنا الحيوية علينا ان نكون مستعدين للرد بشكل حاسم ومنفرد كما فعلنا عندما حاول العراق اغتيال الرئيس السابق جورج بوش».
وهنا مرة اخرى تبرز المشكلة في تجاوز مبدأ القوة لمبدأ الشرعية الدولية المعتمد كقيمة عليا من القيم الاميركية والقانون الدولي. ان العلاقة بين القوة والمصالح الذاتية مع القيم الاميركية المتمثلة بشعارات احترام حقوق الإنسان والشرعية الدولية والديمقراطية وحرية الشعوب، هي علاقة الاضداد. ومن هنا تسود التناقضات في الاطروحات الاميركية واجراءياً تبرز الازدواجية لتلغي مصداقية المشروع المسمى بالنظام الدولي الجديد.
اما محاولة استمالة الشعوب الإسلامية من خلال الاعراب عن احترام الغرب الشكلي للاسلام، فلم تكن فعالة لان المواجهة الاميركية للاسلام تعيشها الشعوب المسلمة في أمر واقع.
ان الغرب يعبّر احياناً عن احترامه للاسلام إلاّ انّه وفي نفس الوقت يطعن بالقوى المخلصة للاسلام ولا يسمح لها بممارسة نفوذها وحريتها الدينية التي تمثل عنصر اساس في الشخصية القومية الاميركية. فيقول ليك:
«ان واشنطن تحترم ما قدّمه الاسلام للعالم منذ 1300 عام وتعرض كل تعابير الصداقة لاولئك المؤمنين بالاسلام الذين يلتزمون السلام والتسامح لكننا سنوفر كل مقاومة لمواجهة المتطرفين اللذين يشوهون العقائد الإسلامية ويسعون إلى توسيع نفوذهم بالقوة».
وهكذا فمن منطلق الحرص الكبير على الإسلام تقاوم واشنطن الاسلاميين لتشويههم العقيدة الإسلامية!
وتسعى الولايات المتحدة إلى طمأنة المسلمين بأنها لا تنظر للاسلام مصدر تهديد وليست العقيدة التي تلي الشيوعية لتواجه الغرب. لكن يبقى منطق القوة يرافق كل موقف سواء دافعه حوار أو مجابهة فهذا ادوارد وجرجيان مساعد وزير الخارجية الاميركية يعلن عن اتحاد مرن إلاّ انّه يؤكد في خاتمته الموقف الاميركي من الحركات الإسلامية بعنوان الارهاب والتطرف:
«ان دور الدين اصبح اكثر بروزاً ويجري اعطاء اولوية ومزيد من الاهتمام لظاهرة تسعى بأسماء مختلفة مثل الإسلام السياسي أو اليقظة الإسلامية أو الاصولية الإسلامية والشكوك حيال تلك كثيرة فان البعض يقول انها تسبب توسيعاً في الهوة الفاصلة بين القيم الغربية والقيم الإسلامية، لذلك فمن المهم ان نفهم هذه الظاهرة بعمق وعناية حتى لا تقع ضحية مخاوف ليست في محلها أو ضحية تصورات مغلوطة لذلك فان حكومة الولايات المتحدة لا تعتبر الاسلام انّه العقيدة التالية ـ بعد الشيوعية ـ التي تجابه الغرب أو التي تهدد السلام العالمي اذ ان الحرب الباردة لا يجري استبدالها بمواجهة جديدة بين الإسلام والغرب ذلك ان الحملات الصليبية قد انتهت منذ وقت طويل كما ان الاميركيين يعترفون بالاسلام على انّه احد اعظم الاديان الذي له اتباعه في كل قارة ويؤمن به ملايين الاميركيين ونحن كغربيين نعترف بالاسلام بصفته قوّة حضارية تاريخية من بين الكثير من القوى التي أثرت في ثقافتنا واثرتها.. ان تراث الثقافة الإسلامية الذي وصل إلى شبه الجزيرة إلاّ يسير به ـ الاندلس ـ في القرن الثامن الميلادي هو تراث غني بالعلوم والآداب والثقافة وبالتسامح حيال اليهودية والمسيحية ذلك ان الإسلام دين يجل الرموز الرئيسية للتراث اليهودي ـ المسيحي ابراهيم وموسى وعيسى..».
«دعوني اوضح بكل جلاء اننا نختلف مع اولئك الذين يمارسون الارهاب ويضطهدون الاقليات ويدعون إلى التطرف وعدم التسامح والعنف والحرمان والتعصب والقهر والارهاب لان الحرية الدينية والتسامح يمثلان عنصرين اساسيين في الشخصية القومية الاميركية».
اما جوبيه وزير خارجية فرنسا فلم يترك اي شكل في التعريف بالموقف الغربي من الإسلام:
«اننا نسعى إلى تحديد خط سياسي واضح تجاه الجزائر.. ان هذا الخط يقضي بعدم التساهل مع الحركات السياسية التي تعتمد قيماً واهدافاً تتنافى مع كل ما نؤمن به واعتقد انّه ليس لدينا ما نكسبه عبر التساهل مع الاسلاميين السياسيين.. ان البعض يدعو إلى الحديث معهم لأنهم قد يتمكنوا من الوصول إلى الحكم في يوم من الايام لكن الامثلة التي شهدناها خلال السنوات تؤكد ان التساهل الغربي ادى إلى بروز افاعي تمكنت من ايذائنا».
لقد كان التعامل البوليسي مع ارادة الشعب الجزائري في تجربته الديمقراطية والموقف اللااخلاقي للذب تجاه انتفاضة الشعب العراقي ضد صدام حسين وما يجري حالياً في البوسنة مصاديق تعبر عن حقيقة ما يسمى بالنظام الدولي الجديد مهما تختار الساسة الغربيون من عناوين لتشويه حركة الشعوب.
منقول للافادة
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma