إبطال المعاهدات الدولية
- مـقـدمـة
المبحث الأول : أسباب البطلان المطلق للمعاهدات الدولية
المطلب الأول : بطلان المعاهدة الدولية بسبب عدم مشروعية موضوعها أو غرضها
المطلب الثاني : بطلان المعاهدة الدولية بسبب انعقاد ها تحت الإكراه
المبحث الثاني : أسباب قابلية المعاهدات الدولية للإبطال
المطلب الأول : العيوب الشكلية
المطلب الثاني :الغــلــط
المطلب الثالث :التدليس
المطلب الرابع : إفساد ممثل الدولة
خــــاتـمة
مـقـدمــة
بدأ ظهور المعاهدات الدولية كوسيلة اتصال بين الشعوب مند العصور القديمة ،حيث عرفت منذ مصر الفرعونية وبابل واشور ،وكانتفي شكل معاهدات تحالف او صلح بحيث كانت تحكم عملية إبرامالمعاهدات قواعد العرف الدولي ، لكن القانون الدولي شهد نفسالتطور الذي شهده القانون الوطني فالقانون الدولي كان جله غير مكتـوب و أصبح جله مكتوباً ، وهذا التطور من قانون غير مكتــوب إلى قانــون مكتوب له تفسيرات و أسباب فالقاعدة القانونية المكتوبة أفضل من القاعدة القانونية العرفية غير المكتــوبة لأنها أكثر دقة و الرجوع إليها أيسر من قاعدة غير مكتوبة لكن من ناحية قانونية فإن العرف و المعاهدات لهما نفس القيمة القانونية و يشكلان على حدٍ سواء المصدرين الأساسيين للقانون الدولي من بين مصادر القانون الدولي الأخرى و لا تفاضل بينهما ، علما أن الإجراءات المتعلقة بالمعاهدات كانت كلها إجراءات عــرفية و قد تم تدوين جميع إجراءات إبرام المعاهدات عام 1969 وهي تدخل ضمن صلب معاهدةفيينا حول قانون المعاهدات و تسمى بـ " اتفاقية فيينا لقانونالمعاهدات " و دخلت هذه الاتفاقية حيز النفاذ عام 1980 م و هي تعتبر اليوم المرجع الأساسي فيما يتعلق بالمعاهدات بين الدول ، لكن هذه المعاهدة أكتفت بتدوين قانون المعاهدات المبرمة بين الدول فقط و لذلك وقع لاحقاً إبرام معاهداتنا لاحقتين مكملتين للمعاهدة الأولى وهما (معاهدة فيينا حول خلافة الدول فيالمعاهدات التي أبرمت عام 1978 ومعاهدة فيينا حولالمعاهدات المبرمة بين الدول و المنظمات الدولية و بين المنظمات الدولية فيما بينها و أبرمت عام 1986).
كما يقصد بـ "المعاهدة " ذلك الاتفاق الدولي المعقود بين الدولفي صيغة مكتوبة والذي ينظمه القانون الدولي، سواء تضمنته وثيقة واحدة أو وثيقتان متصلتان أو أكثر ومهما كانت تسميته الخاصة، هذا ما نصت عليه م/2 فقرة أ من الجزء الأول من تمهيد اتفاقية فينا الخاص باستعمال المصطلحات و هذا يدل على كون المعاهدة هي مصدر لحقوق والتزامات أطرافها ، وباعتبارها المصدر الأول والأساسي للقانون الدولي ، فلا احد يجادل في أهمية المعاهداتالدولية في مجال تنظيم العلاقات الدولية، ولما كان الهدف الأسمى للقانون الدولي هو المحافظة على استقرار ومصداقية واستمرار العلاقات الدولية في جو يسوده الود والتسامح والسلام ، فإن الحاجة تظهر ماسة في الحفاظ على استمرارية المعاهدات الدولية واحترام بنودها وتطبيقها وفق مبدأ حسن النية المعتبر مبدأ أساسيا من مبادئ القانون الدولي . إن المعاهدة الدولية باعتبارها نوعا خاصا من العقود بحكم طبيعة أطرافها وموضوعها ومجال تطبيقها وآثارها القانونية،يمكن أن يعترض بقاءها وسريانها سبب من الأسباب التي تجعلها إما باطلة من الأساس او قابلة لإبطالها فقط .
لقد استقر الفقه والتشريع الدوليان على مبدأ أساسي في مجال إبرام المعاهدات الدولية فالمعاهدة ،كتصرف قانوني، يشترط لصحتها أن يكون التعبير عن ارتضاء الالتزام بها صادرا عن إرادة سليمة لأطرافها ، أي أن تكون إرادة خالية من الغلط والتدليس، والغش ،وان تكون هذه الإرادة حرة أي غير صادرة تحت تأثير الإكراه ، علاوة على ذلك يحب أن يكون موضوع المعاهدة ومضمونها متصفا بالمشروعية الدولية ، أي محترما للمبادئ العامة للقانون الدولي التي تشكل جوهر وصلب هذا القانون وهو ما يعرف فيالفقه الدولي بالقواعد الآمـرة LES RÈGLES IMPÉRATIVES ) ) او ما يصطـلح علـيــه ب JUS- COGENS التي تشكل جوهر النظام العام الدولي¹.
لقد خصصت اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات ، الفصل الثاني ، المواد 46 إلى 53 لموضوع بطلان المعاهدات ، مع الإشارة إلى أن هاته الاتفاقية لم تضع تمييزا واضحا بين بطلان المعـاهدة الدوليةوقابليتها للإبطال ، بل تعــرضت للمـوضوعــين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ1-المختار مطيع :الوجيز في القانون الدولي العام –كلية الحقوق بفاس ، السنة الجامعية1992/1993 ،مكتبة المعارف الجامعية،فاس ،ص،60
بشكل متصل تحت عنوان : بطلان المعاهدات الدولية ، وهكذا فلقد استلهمت موضوع عيوب الرضا المطبقة في القانون الخاص الداخلي في مجال إبرام العقود وحاولت تطبيقها على المعاهداتالدولية باعتبارها عقودا دولية من طبيعة خاصة . هذا ، وسوف نتناول موضوع أسباب بطلان المعاهدات الدولية من خلال:
المبحث الأول : أسباب البطلان المطلق للمعاهدات الدولية
لكي تنتج المعاهدة الدولية أثارها القانونية يجب أن يكون موضوع هاته الأخيرة مشروعا أي غير مخالف لقاعــدة أمرة من قواعد القانون الدولي ( المطلب الأول) ، كما أن إرادة الدولة فيالارتضـاء بالالتزام بالمعاهدة لابد أن تكون إرادة حقيقية ، حرة، أي أن تكون هذه الدولة أو مــن يمثلها غير مكره على إبرام المعاهدة (المطلب الثاني )، وفي حالة ما إذا أبرمت معاهدة دولية بالمخالفة لهذين الشرطين ، فقد قررت اتفاقية فيينا بأنها لا تنتج أية آثار قانونية وتعتبر كأنها لم تكن .
المطلب الأول : بطلان المعاهدة الدولية بسبب عدم مشروعية موضوعها أو غرضها:
تحت عنوان "المعاهدات المتعارضة مع قاعدة آمرة من القواعد العامة للقـانون الدولي (النظام العام الدولي)".
تنص المادة 53 من اتفاقية فيينا على انه "تكون المعاهدة باطـلة إذا كانت وقت عقدها تتعارض مع قاعدة آمرة من القواعد العامة للقانون الدولي. لأغراض هذه الاتفاقية يقصد بالقاعدة الآمرة من القواعد العامة للقانون الدولي القاعدة المقبولة والمعترف بها من قبل المجتمع الدولي ككل على أنها القاعـدة التي لا يجوز الإخلال بها والتي لا يمكن تعديلها إلا بقاعدة لاحقة من القواعد العامة للقانون الدولي لها ذات الطابع"
يتضح إذن من قراءة هاته المادة أن كل معاهدة دولية تتضمن قواعد مخالفة للقواعد الآمرة من قواعد القانون الدولي فهي معاهدة باطلة أصلا،سواء كانت هذه القاعدة الآمرة معروفة مسبقا ومتفق عليها بين أعضاء المجتمع الدولي ككل ، أو ظهرت لاحقا بعد إبرام المعاهدة فهذه الأخيرة لا يجب أن تخرق قاعدة آمرة سواء كانت هذه القاعدة سابقة على المعاهدة أو لاحقة عليها ، وهذا ما وضعته بعد ذلك المادة 64 من المعاهدة بقولها"إذا ظهرت قاعدة آمرة جديدة من القواعد العامة للقانون الدولي فان أية معاهدة نافذة تتعارض معها تصبح باطلة وتنقضي".
إن مجموع القواعد الآمرة هي التي تشكل النظام العام العالمي، ومن بين هذه القواعد نذكر مثلا¹:
- الالتزام بعدم اللجوء إلى القوة في العلاقات الدولية على نحو غير مشروع .
- عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
- احترام حق الشعوب غي تقرير مصيرها.
- تحريم الميز العنصري سواء من حيث الجنس أو الدين أو العرق أو اللون.
- تحريم تجارة الرقيق.
- المساواة في السيادة….(1).
إن بطلان المعاهدة بسبب خرقها قاعدة آمرة يظل لصيقا بالمعاهدة ويمكن إثــارتـه إما بناء على طلب أية دولة معنية بالمعاهدة سواء كانت طرفا فيها أم لا ، كـمـا يمكـن إثارته أمام أية جهة سواء كانت محكمة دولية دائمة أو محكمة تحكيم دولي ،أو منظمة دولية أو غيرها، إما تلقائيا، أو بناءا على طلب طرف ما، كما انــه
لا يمكن تصحيح البطــلان بإجازته من طرف المعاهدة¹.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- المختار مطيع ، المرجع السابق، ص،60
لا يمكن تصحيح البطــلان بإجازته من طرف اطراف المعاهدة¹.
نشير أخيرا إلى أن القواعد الآمرة للقانون الدولي غير مذكورة على سبيل الحصر لأنه من الصعب جدا محاولة حصرها أو تعدادها و هذا ما ذهبت إليه لجنة القانون الدولي أثناء مناقشة اتفاقيةفيينا لقانون المعاهدات ، لكنه بالمقابل بمكن حصر خصائص القاعدة الآمرة على النحو التالي:
- إنها قاعدة آمرة غير مرخصة ، لذلك فخرقها يرتب إلغاء العمل المخالف لها جملة وتفصيلا على خلاف القاعدة المرخصة التي يترتب عن خرقها فقط المسؤولية الدولية للطرف الخارق .
- إنها كذلك قاعدة عامة أي عالمية ،كونية وليست إقليمية أو جهوية .
- إنها كذلك قاعدة مقبولة ومعترف بها من قبل المجموعة الدوليةفي مجموعهاليس اجماعا دائما ، ولكن يجب أن يكون الاعتراف بطابعها الآمر متقاسما من طرف مجموعة الدول والمنظمات الدوليةالأساسية والفاعلة في المجتمع الدولي2.
المطلب الثاني : بطلان المعاهدة الدولية بسبب انعقادها تحت الإكراه
الإكراه قانونا، هو حمل شخص ما على إتيان عمل أو الامتناع عن إتيان عمل ما ، ما كان ليأتيه أو يمتنع عن إتيانه لو كانت إرادته حرة وحقيقية.و الإكراه في مجــال إبـرام المعاهدات الدولية هو إجبار ممثل الدولة على الالتزام بمعاهدة دولية عادة ما تكون مجحفةفي حق دولته ، أو إجبار الدولة ذاتها على الالتزام بمعاهدة دولية نتيجة الضغوط الممارسة عليها من قبل دولة أو مجموعة دول أخرى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – عبد القادر القادري ، القانون الدولي العام،مكتبة المعارف،الرباط، الطبعة الأولى سنة1984 ،ص،58 وما بعدها .
2- المختار مطيع ، المرجع السابق، ض، 62
لقد قننت معاهدة فيينا موضوع الإكراه في مجال إبرامالمعاهدات الدولية في المادتين 51 و52 ، المادة الأولى تحت عنوان " إكراه ممثل الدولة "، حيث نصـت على مــا يلي " ليس لتعبير الدولة عن رضاها الالتزام بمعاهدة والذي تم التوصل إليه بإكراه ممثلها عن طريق أعمال أو تهديدات موجهة ضده أي اثر قانوني "، وتحت عنوان : " إكراه الدولة بالتهديد أو باستخدام القوة " ، نصت المادة 52 على ما يلي :«تكون المعاهدة باطلة إذا تم التوصل إلى عقدها بطريق التهديد أو استخدام القوة بصورة مخالفة لمبادئ القانون الدولي المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة"»
هكذا ميزت معاهدة فيينا بين نوعين من الإكراه حسب الطرف الذي انصب عليه هذا الإكراه ، فقد يكون منصبا على الشخص ممثل الدولة وقد يكون منصبا على الدولة ذاتها.
إن القاعدة العامة والأساسية في مجال إبرام المعاهدات الدوليةهو الإرتضاء بالالتزام بهذه المعاهدات من جانب أطرافها ، أي أن الدولة تعبر عن إرادتها بالالتزام بصورة واضحة جلية لا لبس فيها انطلاقا من مبدأ المساواة في السيادة بين الدول ، وكذلك مبدأ حرية التعاقد والعقد شريعة المتعاقدين، فلا يمكن بتاتا إجبار دولة ما على الالتزام بمعاهدة لم تكن راغبة أصلا في إبرامها أو الموافقة على الانضمام إليها، لذلك فكل معاهدة دولية أبرمت تحت الإكراه سواء كان إكراها واقعا على الدولة ذاتها أو على ممثلها فهي تقع باطلة بطلانا مطلقا ولا يمكن أن تجاز لاحقا بتصحيح ذلك البطلان ، لأن القول بغير ذلك يدفع بالدول بعد استرداد حريتها إلى التصرف والأخذ بالثأر إذا ما سنحت لها الفرصة¹.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- علي صادق ابو هيف ،القانون الدولي العام ، منشاة المعارف – الإسكندرية ،ص،463
إن التاريخ حافل بالمعاهدات التي أبرمت تحت الإكراه خاصةفي أعقاب الحروب ، فغالبا ما تجبر الدولة أو الدول المنهزمة من قبل الدول المنتصرة على التوقيع على معاهدات مجحفة في حقها ، خصوصا معاهدات ترسيم الحدود ونزع السلاح ومراقبته وقبول الخضوع للتفتيش ووضع المنشات الإستراتيجية تحت رقابة الدول المنتصرة أو المنظمات الدولية …. لقد جرت الممارسة الدولية على مشروعية هاته المعاهدات إلا أنها غالبا ما تصبح باطلة عندما تتغير موازين القوى فتعقد معاهدات جديدة لتصحيح الاختلالات التي شابت المعاهدات السابقة.
إن الإكراه لا يعتبر في الحقيقة عيبا من عيوب الإرادة فحسب، ذلك أنه يلغي الإرادة كلية ، لذلك فالصحيح في مثل هذه الحالة هو القول بانعدام الإرادة وليس صدور هذه الإرادة معيبة بعيب الإكراه1.
لقد نصت المادة 51 على ما يلي " ليس لتعبير الدولة عن رضاها الالتزام بمعاهدة والذي تم التوصل إليه بإكراه ممثلها عن طريق أعمال أو تهديدات موجهة ضده أي أثر قانوني" أي أن الإكراه الموجه ضد ممثل الدولة لابد أن يصدر في شكل أعمال أو تهديدات موجهة ضده، لذلك فالدولة التي تطالب ببطلان معاهدة دولية أبرمت على هذا المنوال ، لابد لها من أن تثبت واقعة الإكراه وذلك بإثبات الأعمال أو التهديدات التي وجهت إلى ممثـلها
أما المادة 52 التي تتحدث على الإكراه الموجه ضد الدولة ذاتها فقد أكــدت على انه « تكون المعاهدة باطلة إذا تم التوصل إلى عقدها بطريق التهديد أو استخدام القوة بصورة مخالفة لمبادئ القانون الدولي المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة.»
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-المختار مطيع ،المرجع السابق، ص،58
لذلك فهي تشير صراحة إلى مبدأ تحريم اللجوء إلى القوة أو التهديد باستعمالها كمبدأ أساسي من مبادئ القانون الدولي. و ما يعاب على هذه المادة كونها تشير فقط إلى القوة المباشرة أي العسكرية متجاهلة بذلك أنواعا كثيرة من الإكراه خاصة الإقتصادي الذي تزخر به المعاهدات التي تبرم بين الدول المصنعة ودول العالم الثالث والتي كان من نتائجها ظاهرة النمو الاقتصادي اللامتكافئ بين الشمال والجنوب¹.
المبحث الثاني : أسباب قابلية المعاهدات الدولية للإبطال
لقد رأينا فيما سلف ، أن المعاهدات الدولية باعتبارها تصرفات قانونية تنتج عنها التزامات وحقوق ، لابد أن تكون نتاجا لإرادات حقيقية وحرة ، فالإرادة الحرة كما هو متعارف عليه في جميع الأنظمة القانونية تعني أن لا يكون التعبير عنها قد صدر تحت طائلة الإكراه.
أما الإرادة الحقيقية فتعني أن تكون خالية من الغلط والتدليس، وقبل هذا وذاك، لابد أن تصدر هذه الإرادة عمن له الأهلية لإبرام المعاهدة الدولية وفقا لأحكام القانون الداخلي لكل دولة.
ونشير إلى أن عيوب الرضا في مجال المعاهدات الدولية قد استلهمها الفقه والتشريع الدوليين من مجال القوانين الوطنية الداخلية باعتبارها مبادئ عامة معترف بها من طرف كل النظم القانونية على اختلاف مصادرها ومرجعياتها، إلا انه في مجالالمعاهدات الدولية لا زال يتنازع الفقه الدولي ، بحيث هناك ثلاث تيارات أساسية ، ارتأينا الحديث عنها بعجالة قبيل الحديث عن عيوب الأهلية والغلط والتدليس التي يمكن الاستناد إلى وقائعها للمطالبة بإبطال المعاهدات المشوبة بها2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- المختار مطيع ،المرجع السابق ، ص، 59
2-المرجع السابق ص، 50إلى 55
* التيار الأول : هذا التيار ينكر إمكانية تطبيق الأحكام العامة المتعلقة بعيوب الرضا في النظم القانونية الوطنية على المعاهدات الدوليةوذلك للأسباب التالية:
- اختلاف الدولة من حيث طبيعتها عن الشخص العادي ، فالأشخاص العاديون يمكن تصور انعدام المساواة بينهم أو التفاوتفي مراكزهم القانونية ، لذلك فالأخذ بمبدأ عيوب الرضا في التعاقد يمكن أن يحمي الطرف الضعيف، أما في مجال القانون الدولي ، فالدول، سواء كانت كبيرة أو صغيرة فهي في مراكز قانونية متساوية من حيث المبدأ على الأقل .
- إذا كان من المنطقي تصور صدور رضا الشخص العادي معيبا بأحد العيوب فإن هذه الإمكانية يصعب تصورها في مجال إبرامالمعاهدات الدولية بالنظر لما للدولة من إمكانيات مادية و معنوية، الشيء الذي يستحيل معه أو يقلل إلى حد بعيد إمكانية صدور رضاها معيبا.
* التيار الثاني : يرى فقهاء هذا التيار بضرورة الأخذ بعيوب الرضا فيالمعاهدات الدولية وذلك للأسباب التالية :
- إن السوابق التاريخية تؤكد بالملموس إمكانية صدور رضا الدولة معيبا بأحد عيوب الرضا.
- إن الدولة في مجال المعاهدات الدولية تتصرف في الواقع عن طريق أشخاص ذاتيين مفوضين باسمها،مما يجعل بإمكانية صدور إرادتهم معيبة إمكانية واردة.
- إن الأخذ بنظرية قابلية العقود الخاصة للإبطال بسبب عيوب الرضا يهد ف إلى حماية الطرف الذي صدرت إرادته معيبة ، وبالتالي فمن العدل أن ينطبق نفس الشيء على المعاهدات الدولية لحماية الدولة التي صدر رصاها معيبا ، خصوصا وان الدول تتفاوت واقعيا من حيث مراكزها القانونية بين القوة والضعف .
- إن عيوب الرضا تعتبر من المبادئ العامة للقانون ، و بالتالي فلا مانع من أن تنتقل هذه المبادئ إلى القانون الدولي.
*التيار الثالث : يري هذا الأخير بضرورة استنباط نظرية خاصة متميزةفي موضوع سلامة الرضا من العيوب لكي تنسق مع المعاهداتالدولية ، وهذا هو الرأي الذي تبنته معاهدة فيينا ، حيث حاولت تطويع النظرية العامة لعيوب الرضا لتتلاءم مع المعاهدات الدولية ، فنصت المادة 46 على انه لا يجوز لدولة أن تتمسك بان التعبير عن ارتضائها الإلتزام بمعاهدة قد تم بالمخالفة لحكم في قانونها الداخلي يتعلق بالاختصاص بخصوص إبرام المعاهدات كسبب لإبطال رضاها إلا إذا كان إخلالا واضحا بقاعدة ذات أهمية جوهرية من قواعد قانونها الداخلي ، ويعتبر الاخلال واضحا إذا تبين بصورة موضوعية لأية دولة تتصرف في هذا الشأن وفق السلوك العادي و بحسن نية .
لقد أخذت معاهدة فيينا بثلاثة عيوب للرضا كسبب للمطالبة بإبطال المعاهدات الدولية ، ويتضح ذلك من خلال العبارة المستعملة التي تفيد جواز الإبطال حيث استعملت عبارة "يجـوز" ، بخلاف حالتي الإكراه الواقع على ممثل الدولة أو على الدولة ذاتها ومخالفة المعاهدة لقاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي ، حيث تكون المعاهدة باطلة أصلا ولا ترتب أي اثر قانوني كما لا يجوز لأطراف مثل هذه المعاهدات إجازتها عبر تصحيح ما شابها من عيوب .
إن عيوب الرضا كما هو منصوص عليها في المعاهدة هي الغلط ( المادة 48) والتدليس (المادة49) إفساد ممثل الدولة (المادة 50) ، بالإضافة إلى أحد العيوب الشكلية التي قد تشوب إبرام معاهدة دولية وهو عيب عدم استيفاء كل الشروط المنصوص عليها في القانون الداخلي للدولة وهو مايعرف في الفقه الدولي بعيب التصديق الناقص، وسوف نتناول في هذا المبحث كل عيب على حدا.
المطلب الأول : العيوب الشكلية
هــو في الـواقع عيب وحيــد يعرف في الفقـــه بالتصـديق النـاقـص
( RATIFICATION IMPARFAITE)وهو افتراض تصديق رئيس الدولة مثلا على معاهدة دولية دون موافقة أو دون طلب موافقة البرلمان كما ينص على ذلك دستور الدولة .في مثل هاته الحالة نكون أمام تصديق ناقص ، وبالتالي يجوز للدولة المعنية الاحتجاج بهذه العلة كسبب لإبطال المعاهدة ، لكن هل يجوز كذلك للدول الأخرى الأطراف في المعاهدة الاحتجاج بنفس العلة للمطالبة بإبطال مثل هذه المعاهدة ؟ يرى "انزلوتي " رائد المدرسة الثنائية بصحة المعاهدة التي تم التصديق عليها دون مراعاة الشروط الداخلية ، والدولة تتحمــل مسؤوليتها الدولية عن التصرف الفاسد الذي صدر عن ممثلها ،في حين يرى "جورح سيل "رائد مدرسة الوحدة أن الإجراءات الدستورية لها قيمة قانونية في النظام الدولي ، بحيث تمارس الأجهزة التشريعية الداخلية وظيفة دولية من اجل إكمال إجراءات عقد المعاهدات،كما ينتقد سيل مدرسة الثنائية على اعتبار أنها تسمح للقانون الدولي بإجازة خرق القانون الداخلي على العكس من ذلك ،فدور البرلمان في التصديق علىالمعاهدات الدولية يساهم في دمقرطة العلاقات الدولية .
بالإضافة إلى هذا المقترب المنهجي هناك مقترب آخر تجريبي أو موضوعي يميز بين المخالفة الصريحة لنص قانوني داخلي ذي أهمية جوهرية وبين المخالفة المشكوك فيها لقاعدة غير ذات أهمية كبيرة ،ويقول بعدم صحة المعاهدة في الحالة الأولى لان في ذلك احتراما لسيادة الدولة عبر احترام دستورها ، أما في الحالة الثانية فالمعاهدة تكون صحيحة لان البحث والتقصي والإمعان في مدى خرق قواعد القانون الداخلي على ضعف أهميتها سيعتبر تدخلا في الشؤون الداخلية للدولة ،وأيضا حفاظا على استقرار واستمرارية العلاقات الدولية، لان القول بخلاف ذلك سيدفع العديد من الدول إلى التحرر من التزاماتها الدولية،هذا الرأي هو الذي قننته معاهدة فيينا في المادة 46 المشار إليها سابقا والتي تقر صحة المعاهدة الدولية التي أبرمت متضمنة لعيب الاختصاص إلا إذا كان هذا العيب يعتبر إخلالا واضحا بقاعدة ذات أهمية جوهرية من قواعد القاانون الداخلي . كما أوضحت المادة 47 أنه إذا كانت سلطة ممثل الدولة في إبرام معاهدة معينة مقيدة بقيد خاص واغفل هذا الممثل ذلك القيد فلا يجوز للدولة التمسـك بذلك كــسبب لإبطــال
رضاها الإلتزام بالمعاهدة إلا إذا كانت الدول الأخرى المتفاوضة قد أبلغت بذلك القيد قبل تعبير ممثلها عن رضاه¹ .
المطلب الثاني :الغــلــط
إن إصطلاح الغلط في المعاهدات الدولية له معنيان اثنان:
- الأول : الغلط في صياغة نص المعاهدة فادا ما ظهر بعد إضفاء الصفة الرسمية على المعاهدة أنها تحتوي على خطإ ، فالإجراءفي هده الحالة هو تصحيح الخطأ . - الثاني: هو الغلط فيالرضا إذا كان يتصل بواقعة معينة أو موقف معين أو كان من العوامل الأساسية في ارتضاء الأطراف الالتزام بالمعاهدة.
أما قانونيا يعرف الغلط بأنه وهم كاذب يتولد في ذهن الشخص أو حالة تقوم بالنفس تجعله يتصور الأمر على غير الحقيقة ، وهذا الوهم قد يكون واقعة غير صحيحة يتوهم المتعاقد صحتها أو واقعة صحيحة يتوهم المتعاقد عدم صحتها ،وانطلاقا من هذا الوهم يقوم بإجراء عملية التعاقد ولكنه يدرك بعد حين حقيقة ما وقع والغلط الذي وقع فيه والظروف الملتبسة التي أجري في ظلها تعاقده.
وقد ميز الفقهاء بين نوعين من الغلط :
- الغلط غير الجوهري أو غير المؤثر ويكون إذا وقع في صفة غير أساسية في الشـيء
محل التعاقد ، أو إذا وقع في الباعث أو في الشخص أو في صـفة هذا الشخـص، وفي جميع هاته الحالات لا يعتبر الغلط مؤثرا وغير جوهري إذا لم يكن محل الغلط موضع اعتبار عند التعاقد أو كان هو الباعث الرئيسي في هــذا التعاقد أو بصـيـغـة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- عبد القادر القادري ، المرجع السابق ، ص من 58ألى 60
أخرى لايعتبر الغلط جوهريا إذا كان بإمكان المتعاقد على الرغم من علمه بالحقيقة إجراء التعاقد فالعبرة إذن بأثر الغلط على الرضا بالالتزام وليس بالشيء محل الغلط، لهذا سمى الفقه هذه النظرية بالشخصية لأنها ترى فقط في مدى تأثير الغلط على نفسية وسلوك الشخص المتعاقد وعــلى رغبته في التعـاقد أم لا .
أما النوع الثاني فهو الغلط الجوهري أو الغلط المؤثر والذي يؤدي اكتشافه إلى قابلية إبطال العقد إذا وقع في مادة الشيء أو في صفة جوهرية فيه أو في شخص المتعاقد الآخر أو في صفة فيه وكانت محل اعتبارعند المتعاقد، بصيغة أخرى يعتبر الغلط جوهريا إذا كان بإمكان المتعاقد الامتناع عن أبرام العقد لو لم يقع في الغلط أي لو كان على بينة من الحقيقة ، هذا وقد قسم الفقه الغلط الجوهري الذي يؤذي الى قابلية الإبطال إلى خمسة أنواع:
1 الغلط في صفة جوهرية في الشيء محل التعاقد
2 الغلط في شخص المتعاقد أي في صفته هذا كانت هذه الصفة هي الباعث على التعاقد
3 الغلط في القيمة الحقيقية للشيء محل التعاقد
4 الغلط في الباعث على التعاقد
5 الغلط في القانون
هذا ونشير إلى أن الغلط يختلف في أهميته بحسب الشخص المتعاقد باختلاف ثقافته القانونية ومستواه العلمي ونضجه الفكري ومدى درايته العلمية ومستوى الأشخـاص المساعــدين له والمحيطــين به أو الهيئة التي يمثلها.
لذلك ففي مجال المعاهدات الدولية لا يتصور وقوع الغلط إلافي حالا ت نادرة جدا وفي نوع معين من المعاهدات ، وهيالمعاهدات البسيطة التي تدخل حيز النفاذ بمجرد توقيع ممثل الدولة عليها أما المعاهدات المعقدة والتي تتطلب مساطر خاصة ومتدخلين كثر في ابراهما فمن المستبعد وقوع الغلط عند إبرامها إضافة إلى أن الأشخاص الموكل لهم إبرام المعاهدات الدولية،كرؤساء الدول والحكومات ،ووزراء الخارجية ، ورؤساء البعثات الدبلوماسية غالبا ما يكونون على دراية عالية بالملفات التي يتفاوضون بشأنها،إضافة إلى إحاطتهم بالعديد من الخبراء والتقنيين ذوي المستويات العالية في مجال تخصصهم.
وإذا كان من المحتمل وقوع الغلط في المعاهدات الثنائية فان ذلك مستبعــدا جدا في المعاهدات الجماعية ، فغالبا ما ينبه ممثلو الدول بعضهم البعض لجميع حيثيات المعــاهـدة أثناء المفاوضات. لذلك نجد معاهدة فيينا صارمة في هذا الباب فلا يعتبر الغلط عيبــا من عيوب الرضا في المعاهدات الدولية إلا إذا انصرف إلى عنصر جوهري من عناصر المعاهدة ، ومعيار تحديد ماهو العنصر الجوهري يعني أن الغلط يصيـب في الصميــم رضـــا الأطراف،كمـا صرحت المعاهدة أن الغلط لا يعتبر مؤثرا إلا إذا وقعت فيه الدولة بحسـن نية أو ما يطلق عليه الفقه الغلط المغتفر. فالدولة لا يمكنها المطالبة ببطلان المعاهــدة إذا كانت قد أسهمت بسلوكها المتعمد في وجود حالة الغلط أو إذا كان بإمكانها أن تتـدارك هذا الغلط بعد وقوعه ولم تفعل عن قصد أو إذا كان قد تم تنبيهها إلى إمكانية وقوعها فيالغلط ولم تتخذ الاحتياطات اللازمة في الموضوع سواء كان الغلط منصبا على العناصر المادية للمعاهدة أو على عناصرها القانونية.
فالمادة 48 نصت في الفقرة الأولى على ما يلي " يجوز للدولة الاحتجاج بالغلط في المعاهدة كسبب لإبطال رضاها الالتزام بها إذا تعلق الغلط بواقعة أو حالة اعتقدت هذه الدولة بوجودها عند عقد المعاهدة وكانت سبباً أساسياً في رضاها الالتزام بها"
وفي الفقرة الثانية نصت على انه "لا تنطبق الفقرة(1) إذا كانت الدولة المعنية قد أسهمت بسلوكها في الغلط أو كانت الظروف قد جعلت هذه الدولة على علم باحتمال وقوعه" هذا عن الغلط في الوقائع والدوافع لإبرام المعاهدة ،أما الغلطفي ألفاظ المعاهدة فلا يؤثر في صحتها لذلك نصت الفقرة 3 من المادة 48 " لا يؤثر الغلطالمتعلق فقط بألفاظ المعاهدة، على صحتها. وتطبق في هذه الحالة أحكام المادة79 " .
هذه المادة التي توضح كيفية تصحيح الأخطاء في نصوص المعاهدات أو في النسخ المعتمدة منها¹.
المطلب الثاني :التدليس
يمكن تسمية التدليس او الغش بالتغرير او الخداع وهي من الأسباب المفسدة للرضا التي تدعوا إلى إلغاء العقد. الغش والتدليس يفترض وجود عمل ايجابي يدفع احد الأطراف فيالمعاهدة على فهم أمر على غير الحقيقة مما يسهل عليه التوقيع على المعاهدة هدا العمل الايجابي يتمثل في سلوك تدليسي بقصد حمل احد الأطراف على فهم أمر معين على غير حقيقته ،ومن ثم يكون قبوله للمعاهدة بناءا على هدا الفهم الخاطئ ،أي النتيجة المؤدية لهدا السلوك التدليسي المعتمد أساسا على نية مبيتة قائمة على التحايل، وإذا كان القضاء الدولي قد أخد بالتدليس او الغش كسبب مـن أسباب بطلان المعاهدات ،إلا إن ذلك كان محدودا 2.
قانونيا هو خداع او غش يؤدي إلى إيقاع المتعاقد الآخر في الغلط ويدفعه إلى التعاقد انه تغليط متعمد مخطط له ومدبر من الطرف الآخر بنية تضليل المتعاقد الآخر وإقناعه بأشياء ووقائع إما مادية او قانونية تخالف الحقيقة فيقع في الغلط ويبرم العقد بالشكل والمضمون الذي يريده الطرف المدلس ، والتدليس نوعان :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- المختار مطيع، المرجع السابق، ص: 55
2 – أمثلة على اخذ القضاء بالتدليس
م/79 " انظر الملحق"
- تدليس ايجابي : هو عندما يأتي الطرف المدلس بأعمال تدليسية مستخدما سلوكـا او تصرفا ماديا ايجابيا من شانه إيقاع الطرف الآخر في الوهم والغلط مثل تقديم الوثـائق والخرائط المــزورة والمخطـطات غير الواقعية والرسائل والقوائم غير الصحيحة.
- تدليس سلبي :ويكون عندما يقوم الطرف المدلس بكتمان حقائق ووقائع يوجب القانون او طبيعة العقد وظروفه تبيانها ونشرها ،ولا يكون بمستطاع المدلس عليه معرفتها او الوصول إليها بإمكاناته الذاتية .
أما شروط التدليس الذي يكون مبررا للمطالبة بإبطال العقد وهو ما يسمى بالتدليس الدافع وهي:
أن يكون التدليس هو الدافع إلى التعاقد ومن هنا جاءت التفرقة بين التدليس الدافع والتدليس غير الدافع
أن يكون الفعل التدليسي صادرا عن المتعاقد الآخر المدلس او بإيعاز منه.
أن يكون في نية المدلس تضليل الطرف الآخر ودفعه إلى إبرام العقد حسب ما يرتضيه هو.
هذا ، وإذا ما توفرت هذه العناصر وتم اكتشاف الفعل التدليسي من طـرف المدلس عليه ، آنذاك يجوز لهذا الأخير المطالبة بإبطال العقد لعلة التدليس ،ولا يجوز للمدلس الاحتجاج على المدلس عليه بقاعدة ( لايعذر احد بجهله للقانون) نظرا لسوء النية التي أبان عنها المدلس خلال مراحل إبرام العقد .
كما يجوز للمدلس عليه كذلك إجازة العمل القانوني الذي ابرمه رغم علة التدليس وذلك برغبته ، وفي كلتا الحالتين أي سوء تمت إجازة العقد او تم إبطاله ،يحق للطرف المدلس عليه المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحقه من جراء التدليس وفقا لقاعدة جبر الضرر .
نشير كذلك إلى أن التدليس في مجال إبرام العقود ليس عيبا مستقلا من عيوب الرضا بل هو علة لعيب آخر هو الغلط ذلك أن الغلط إما أن يكون تلقائيا أي يقع فيه المتعاقد من تلقاء نفسه كما سبق واشرنا إلى ذلك في المطلب السابق وإما أن يكون نتيجة للتدليس الذي انطلى على المتعاقد لذلك فالغلط إما أن يكون غلطا تلقائيا او غلطا تدليسا .
أما في مجال المعاهدات الدولية فالتدليس ليس فرضية مدرسية فحسب بل يعتبر أمرا واقعا في الممارسة الدولية لذلك نصت عليه اتفاقية فيينا في المادة 49 بحيث تبنت مبدأ جــواز إبطالالمعاهدات بسبب الغش او التدليس حيث نصت على انه « يجوز للدولة التي عقدت المعاهدة بسلوك تدليسي لدولة متفاوضة أن تحتج بالتدليس كسبب لإبطال رضاها الالتزام بالمعاهدة ». لذلك فعبء إثبات الوقائع التدليسة يقع على عاتق الدولة التي تحتج بالتدليس .
المطلب الرابع : افساد ممثل الدولة
من التعاريف التي أعطيت للفساد انه سوء إدارة المنصب العام من اجل مكسب خاص يفترض وجود إغراض عامة تم إيجاد هذا المنصب من اجلها ، من هذا التعريف يمكن شرح عبارة إفساد ممثل الدولة التي عنونت بها اتفاقية فيينا المادة 50 بأنه دفع ممثل الدولة المفوض باسمها لإبرام اتفاقية دولية إلى سوء إدارة منصبه او المهام الموكلة إليه وذلك عبر تقبل اعزاءات مالية او عينية كالرشاوي مثلا او الانغماس في الملذات الشخصية بتسهيل من الأطراف الأخرى السيئة النية ،مع علمه بان موقفه هذا يتعارض مع مصالح دولته ، وكل ذلك لقاء أن يذعن هذا الممثل لإرادة الطرف أو الأطراف الأخرى لشروطها خلال عملية إبرام المعاهدة مع علمه التام بأنه باستطاعة دولته إبرام هذه المعاهدة بشروط أفضل لو انه التزم في سلوكه بالمصداقية والنزاهة .
انطلاقا من مبدأ حسن النية في التعاملات الدولية ، قررت المادة50 من معاهدة فيينا بأنه" إذا تم التوصل إلى تعبير الدولة عن رضاها الالتزام بالمعاهدة عن طريق إفساد ممثلها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من قبل دولة متفاوضة أخرى فإنه يجوز لتلك الدولة أن تحتج بالإفساد كسبب لإبطال رضاها الالتزام بالمعاهدة."
لقد استعملت الاتفاقية مصطلح إفساد ممثل الدولة وليس فساد ممثل الدولة ، فالإفساد ينتج عن تدخل طرف آخر يدفع الطرف الأول إلى الفساد أما فساد ممثل الدولة التلقائي الذي لا دخل للأطراف الأخرى في المعاهدة به فهو من شؤون الدولة الخاصة التي لا تقبل الأطراف الأخرى بها ، بشرط أن لا تكون قد تدخلت بشكل مباشر او غير مباشر في فساد هذا الممثل .
ونشير إلى أن إفساد ممثل الدولة يختلق عن أعمال المجاملات وحسن الضيافة والكرم واللباقة التي تدخل في صميم العلاقات الدبلوماسية ولذلك فهي تخرج عن دائرة الأعمال التي يمكن الاحتجاج بها كسبب للمطالبة بإبطال المعاهدة الدولية نتيجة إفساد ممثل الدولة.
ونشير كذلك إلى أن معاهدة فيينا تشترط في واقعة الإفساد أن تكون بفعل مباشر او غير مباشر من قبل دولة او دول متفاوضة أخرى، ولذلك فلا يعتد بالإفساد الأتي من جهة أخرى ليست طرفا في المفاوضات على المعاهدة المعنية.
خــــاتـمة
إن المعاهدات الدولية توجد كاتفاق يبرم بين شخصين او أكثر من أشخاص القانون الدولي، وذلك بقصد إحداث أثار قانونية ، للمعاهدة عدة أشكال ، ثنائية الأطراف او متعددة الأطراف، كما أن هناك معاهدات تتعلق بالطبيعة القـــانونية الدولية من معاهدات شارعة ،والتي تعمل على سن القواعد المنظمة لمختلف العلاقات بين أشخــاص القانون الدولي ،ومعاهدات عقدية المتعلقة بالأمور الخاصة للأطراف المتعاقدة،ومعاهدات ذات الطابع الشكلي، وذلك أنها معاهدات مطولة او ارتسامية أي انعقادها لا يتم إلا بعد مرورها بمراحل خاصة، من مفاوضة والتوقيع والتصديق، ومعاهدات مبسطة تنفيذية وذلك عن طريق الأدوات القانونية المعمول بها من رسائل ومذكرات.هده المعاهــدات وان اختلفت بأنواعها وتعددها ،فإنها تخضع لشروط حتى يتم انعقاد هذه المعاهدات، من الأهلية ،وهي توفر صفة الشخصية القانونية الدولية ، إضافة لرضا الطرفين ، وإبداء إرادتهـما بهذه المعاهدة ،وأيضا مشروعية المحل وسبب المعاهدة ،و إجراءات المعاهدة تبتدئ بالمفاوضة بين الأطراف بالاتصال و الاتفاق مبدئيا على الموضوع ،ثم يتم تحرير هذه المعاهدة بعد التوصل للاتفاق ،ويكون بصيغة مكتوبة تمهيدا للتوقيع عليها ،من طرف المتعاقدين والمعبرين عن رضاهما لهذه المعاهدة ،ليتم التصديق عليها من طرف السلطات المختصة داخل الدول المتعاهدة ، وتخضع هده الإجراءات لضرورة التحفظ ، لضمان صيرورة المعاهدة. ثم يتم تسجيلها ونشرها تفاديا لفقدان المعاهدة لقوتها الملزمة. كما تعتبر أيضا تعبيرا من طرف الدول على التفاعل والاتحاد المتبادلفي علاقاتها الدولية ، فهي تنشا لتؤدي الغرض الذي أبرمت لأجله لذلك يفترض فيه البقاء والاستمرار إلى حين بروز الحاجة إلى ايفاق العمل بها او إنهائها .
لائحة المراجع المعتمدة في انجاز العرض
- المختار مطيع ،الوجيز في القانون الدولي العام ، كلية الحقوق بفاس، السنة الجامعية 1992 /1993 مكتبة المعارف الجامعية – فاس .
- عبد القادر القادري ، القانون الدولي العام ، مكتبة المعارف، الرباط ، الطبعة الأولى 1984.
- علي صادق ابو هيف، القانـون الدولي العام النظريــات والمبـادئ العامة ،أشخاص القانون الدولي، النطاق الدولي ، العلاقات الدولية ، التنظيم الدولي، المنازعات الدولية ، الخرب والحياد ، منشاة المعارف السكندرية.
- اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات( 23 ماي1969 )
مــلحــق :
1- ص 15 من العرض بخصوص الفقرة المرقمة ب 2
مثـــال :
ما حكمت به محكمة نورمبورغ العسكرية بخصوص اتفاق ميونخ المبرم بين ألمانيا وفرنسـا و بريطانيا سنة 1938حيث قضت المحكمة بان الحكومة قد سلكت مسلكا تدليسي عند إبرام هدا الاتفاق ولم يكن في نيتها احترامه ،وكان هدفها الأساسي طمأنة بريطانيا وفرنسا حتى تتمكن من ضم بوهيمياو ،مورافيا نتيجة فصلها عن تشيكوسلوفاكيا وقد استندت محكمة نورمبورغ فيحكمها على الوثائق الرسمية للحكومة الألمانية سنة1945.
2- جدول يقدم ملخص لأسباب بطلان المعاهدات الدوليةانطلاقا من مواد اتفاقية فينا لقانون المعاهدات :
أسباب البطلان المطلق وسندها القانوني عدم مشروعية موضوع او غرض المعاهدة المادة 53 و64
الإكراه المادة 51و52
أسباب القابلية للإبطال (عيوب الرضا)وسندها القانوني التصديق الناقص( عيب الشكل) المادة 46و47
الغلط المادة 48
التدليس المادة 49
افساد ممثل الدولة المادة 50
3- م/79من معاهدة فيينا لقانون المعاهدات 1969.
1- إذا اتفقت الدول الموقعة والدول المتعاقدة الأخرى في معاهدة بعد توقيعها على احتوائها خطأ ما يصحح هذا الخطأ بإحدى الطرائق الآتية ما لم يتفق على خلاف ذلك:
(أ) إجراء التصحيح اللازم في النص وتوقيعه بالأحرف الأولى من قبل الممثلين المعتمدين وفقا للأصول.
(ب) وضع أو تبادل وثيقة أو وثائق توضح التصحيح المتفق على إجرائه.
(ج) وضع نص مصحح للمعاهدة كلها بعد إتباع ذات الإجراء الذي اتبع في وضع النص الأصلي.
2- إذا كانت المعاهدة قد أودعت لدى جهة معينة فان على هذه الجهة إخطار الدول الموقعة والدول المتعاقدة بالخطأ وباقتراح تصحيحه وتحديد فترة زمنية ملائمة يمكن خلالها إثارة اعتراض على التصحيح المقترح.
(أ) فإذا انقضت هذه الفترة دون صدور أي اعتراض تقوم جهة الإيداع بإجراء التصحيح وتوقيعه بالأحرف الأولى على النص وبإعداد ضبط بالتصحيح ترسل نسخة منه إلى الأطراف والدول التي من حقها أن تصبح أطرافاً في المعاهدة.
(ب) أما إذا صدر اعتراض معين على التصحيح المقترح فتقوم جهة الإيداع بإرسال هذا الاعتراض إلى الدول الموقعة والدول المتعاقدة.
3- تنطبق القواعد الواردة في الفقرتين 1، و2 أيضاً في الحالة التي يكون النص فيها قـد وثق بلغتين أو أكثر ويظهر عدم تطابق بين النصوص تتفق الدول الموقعة والدول المصححة على وجوب تصحيحه.
4- يحل النص المصحح محل النص المعيب تلقائياً ما لم تقرر الدول الموقعة والدول المتعاقدة غير ذلك.
5- تبلغ الأمانة العامة للأمم المتحدة بالتصحيح الجاري على نص المعاهدة المسجلة لديها.
6- إذا اكتشف الخطأ في نسخة معتمدة للمعاهدة تقوم جهة الإيداع بإعداد ضبط يبين التصحيح وترسل نسخة إلى الدول الموقعة والدول المتعاقدة
مصطلـحـات:
المعاهدة الشارعة:
هي الاتفاقيات ذات الطبيعة الشارعة فهي التي يهدف إطرافها من وراء إبرامها سن قواعد دولية جديدة تنظم العلاقات بين الأشخاص القانون الدولي ولما كانت القاعدة القانونية قاعدة عامة بطبيعتها فمن غير الممكن اعتبارها معاهدة شارعة في إبرامها عدد كبير من الدول.
والمعاهدة الشارعة هي وثيقة تعلن الدول بمقتضاها عن ارتضائها بحكم معين من الأحكام القانونية فهده المعاهدات في حقيقتها تشريع اكتسى ثوب المعاهدة لأنها لا تستمد قوتها من اتفاق المخاطبين بها ،وإنما من صدورها عن مجموعة الدول الكبرى الممارسة للسلطة العليا في المجتمع الدولي نيابة عن الجماعةالدولية ، ومن أمثلة المعاهدات الشارعة ،اتفاقية فيينا سنة 1815اتفاق البريد العالمي سنة 1874، واتفاق لاهاي 1899،وعصبة الأمم 1920،وميثاق الأمم المتحدة 1945.
وعليه فان المعاهدات الشارعة هي تلك التي يتولد عنها أحداث مراكز قانونية بالنسبة للدول لكونها صادرة عن إجماع.
لمعاهدات العقدية:
دوليا فان قواعدها يضفي عليها نوع من الأهمية، فالاتفاقيات التي تعد من العقود هي تلك التي تبرم بين الأشخاص القانون الدولي فيأمر خاص بهم ،أي بين دولتين او عدد محدد من الدول او بين شخص دولي فرد او هيئة خاصة ،ويراعي أن الأشخاص الدين يبرمون هدا النوع من الوفاق بإرادتهم الخاصة لا يلزم بطبيعة الحال غير المتعاقدين والدي لا يتعدى اثر أساس الدول غير الموقعة عليه لأنها ليست طرفا فيه كما ان هده الاتفاقيات تحكمها في مظاهرها الأحكام والقوانين الخاصة ،بمعني أخر ان الأشخاص القانون الدولي لا يستطعون إبرام هده الاتفاقيات الخاصة مالم تكن متفقة فيجوهرها مع أحكام القانون الدولي وإلا تعرضت للمسؤولية الدولية،ومثال المعاهدات العقدية :معاهدات التحالف والصلح ، وتعيين الحدود والمعاهدات التجارية والثقافية وتبادل المجرمين .
منقول للفائدة .
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma