عنوان المذكرة :أهمية الدليل العلمي في التحقيقات الجنائية
المقدمة :
يشكل الإجرام ظاهرة اجتماعية لا يخلو منها أي مجتمع من المجتمعات. و هذا منذ أن بدأ الإنسان يعمر الأرض، حتى وقتنا الراهن. فالجريمة كصورة من صور الشر و الخروج عن الفطرة الإلهية باقية ملازمة للإنسان ما بقي هذا الأخير يدب على وجه المعمورة. إذ أنها بدأت مع الخلق الأول، عندما سولت لقابيل نفسه قتل أخيه هابيل فقتله ظلما و عدوانا.
أما في عصرنا هذا فقد تطورت الجريمة تطورا مذهلا في أساليبها، مناهجها. و تنظيمها. حيث أصبحت منظمة تنظيما محكما و تنفذ عبر شبكات دولية بواسطة وسائل و تقنيات جد متطورة. حيث أصبحت تدر على ممتهنيها أرباح طائلة. كما صار المجرمون من ذوي المؤهلات العلمية الشيء الذي سمح لهم في كثير من الحالات الإفلات من يد العدالة.
مما سبق ذكره، أخذت أغلب دول العالم تعتمد على الدليل العلمي كنظام للإثبات و هذا من خلال أساليب علمية في مكافحة الجريمة بمختلف أشكالها و مظاهرها. و عدم الاكتفاء بالاعتراف وحده الذي بقي سيد الأدلة لعدة عصور حيث أصبح محل انتقادات كثيرة في وقتنا هذا، كون أن المتهم يمكن له أن يتراجع عن الأقوال التي أدلى بها في أي وقت كان، أي أنه يتراجع عن اعترافاته بداعي الإكراه أو التعذيب الذي مورس ضده من قبل رجال التحقيق.
لهذا الأمر أصبح القضاة و المحققون يحبذون و يفضلون الاعتماد على الأدلة العلمية التي لا يمكن للمتهم إنكارها في أي حال من الأحوال. و التي تحسن من نوعية التحقيقات و تعطيها فعالية أكبر مما كان عليه الأمر بالاعتماد على شهادة الشهود و اعتراف المتهم.
إلا أن جمع الأدلة العلمية ليس بالأمر الهين و البسيط. بل هو عملية جد معقدة و شاقة
و مكلفة. باعتبارها انتزاع الحقيقة من البهتان. كون أن طرق ارتكاب الجرائم أصبحت تختلف عما كانت عليه سابقا. إذ أنها تفوق في بعض الأحيان الكفاءات و القدرات العلمية و الخبرات التي يمتاز بها المحققون. وهذا راجع كما سبق ذكره إلى استخدام أحدث ما وصل إليه العلم في اقترافها.
لكن ومن حسن الطالع و مقابل ذلك، أن أساليب و طرق التحقيق قد استفادت هي كذلك من التطورات العلمية و التكنولوجية. خاصة في ميدان الأدلة الجنائية بتفرعاته. بصمات الأصابع، البصمة الجينية، الباليستيك، علم الحشرات، الطب الشرعي...إلخ من الاختصاصات للحصول على الأدلة من الآثار المرفوعة من مسرح الجريمة مهما كان صغرها أو طبيعتها، بيولوجية أو معدنية. و أيضا نظم الإعلام الآلي في تسيير هذه الآثار، بالمضاهاة و المقارنة و التخزين. مثل نظام AFIS في ميدان بصمات الأصابع، IBIS في ميدان الأسلحة و القذائف، بالإضافة إلى علم الإجرام بمختلف تخصصاته التي تمكن من الإحاطة بالظاهرة الإجرامية، دراستها، تحليلها و إيجاد سبل و طرق علاجها و مكافحتها ومنه الحد منها.
هذه العلوم ما كانت لتكون فعالة في مكافحة الجريمة ما لم تجمع و تهيكل في هيئات
و مخابر علمية و تقنية أسستها العديد من الدول ككندا، فرنسا،بلجيكا و بريطانيا. و التي حذت الجزائر حذوها بتأسيس مخبر الشرطة العلمية و التقنية و وضع برامـج و أساليب جديدة من أجل تقديم أدلة علمية دقيقة لا يجوز لأحد أن ينازع في حجيتها، كونها تتأسس على نظريات علمية ثابتة و تستعين بكل جديد في العلوم و التكنولوجيات لرصد حركة الجريمـة وتعقب المجرمين ، مع التمسك الصارم بالإطار القانوني ، فأصبحت العناية بالدليل العلمي عملية أساسية و جوهرية في مجال ممارسة التحقيقات الجنائية في كنف جهاز الأمن الوطني.
أهميـــة البـــحث
إن أهمية هذا البحث كبرى. كونه يتطرق و يوضح الدور الإيجابي، الفعال و الهام للدليل العلمي في مجال التحقيقات الجنائية. من خلال استعانة هذه الأخيرة بمختلف العلوم و التقنيات و الوسائل الجديدة في منهجية عملها.
هـــدف الـبحـــث
يهدف هذا البحث إلى إبراز أهمية الدليل العلمي و أثره على مسار التحقيق الجنائي في وقتنا الراهن، بعد فشل طرق و أساليب الإثبات التقليدية كالاعتراف و الشهادة، لذلك أصبح من الضروري إتباع الطرق العلمية المعاصرة في التحقيق و الإثبات الجنائي بالأساليب العلمية و الفنية التي لا يمكن للمتهم إنكارها.
إشكـــالية البحــث
لقد أصبح التصدي و مواجهة التنامي المرعب و الخطير للإجرام في ظل التطور العلمي و التقني الذي يمر به العالم اليوم الدافع الأساسي و الرئيسي للأجهزة الأمنية إلى الاستعانة بما يفرزه هذا التطور من تقنيات و وسائل علمية تختصر الجهد و الوقت في ميدان التحقيقات الجنائية ، و تمكن الجهات الأمنية و القضائية من الوصول الحقيقة و تحقيق العدالة بالاعتماد على أدلة لها درجة علمية ثابتة و حجية قوية.
و على ضوء ما سبق ذكره نطرح الإشكالية التالية:
إلى أي مدى يمكن للأدلة العلمية أن تلعب دورا هاما في التحقيقات الجنائية؟ و هل استعمال التقنيات و الأساليب العلمية و الفنية المتطورة أعطت فعالية أكبر و أحسن مما كان عليه الأمر في أساليب التحقيق الكلاسيكية؟
و من هذا السؤال المحوري نستنتج الأسئلة الفرعية التالية:
ü أولا : هل من الضرورة استخدام الأدلة العلمية في التحقيقات الجنائية؟
ü ثانيا : هل ستكون لهذه الأدلة آثار إيجابية على مسار التحقيق؟
ü ثالثا : هل ستؤدي هذه الآثار الإيجابية إلى تحسين نوعية التحقيقات و بالتالي الوصول إلى الحقيقة ؟
ü رابعا: هل يمكن للجهات القضائية و الأمنية وحدها الحصول على هذه الأدلة بطابعها العلمي و الموضوعي؟ أم أنها بحاجة إلى الاستعانة بخبراء و مؤهلين علميا و تقنيا للكشف عن ملابسات مختلف الجرائم؟
ü خامسا : هل هناك أطر قانونية تخول للجهات القضائية و الأمنية ضرورة الاستعانة بالأدلة العلمية في التحقيقات الجنائية؟
الفـــرضــيـات
للإجابة عن السؤال الرئيسي و الأسئلة الفرعية وضعنا الفرضيات التالية:
استخدام الأدلة العلمية في التحقيقات الجنائية ضرورة ملحة و لا مناص منها.
إن آثار الأدلة العلمية ستكون جد إيجابية على مسار التحقيق.
كما تؤدي إلى تحسن نوعية التحقيقات و الوصول إلى الحقيقة.
لا يمكن للجهات القضائية و الأمنية وحدها الحصول على أدلة إثبات ذات طابع علمي دون الاستعانة برجال مؤهلين و خبراء تقنيين مختصين.
إن المشرع الجزائري لم يخص الأدلة العلمية رغم أهميتها بأي قوة إثباتية معينة بهذه تتضح عدم مسايرته للاكتشافات العلمية الحديثة و بالتالي عدم مواكبته لتطور الجريمة.
لدراسة الموضوع دراسة شاملة ووافية. قسم البحث إلى: مقدمة، ثلاثة فصول،خلاصة عامة، اقتراحات و توصيات. نوجزها فيما يلي:
الفصل الأول : تطرقنا فيه إلى ضبط بعض التصورات و تحديد المفاهيم و الكلمات المفتاحية ( les mots clé) كمفهوم الآثار المادية و أصنافها و الأدلة و أنواعها و علاقاتها بالتحقيق الجنائي مع إبراز مفهوم الدليل العلمي و خصائصه.
و قسم هذا الفصل إلى مبحثين و خلاصة.
× المبحث الأول :الآثار المادية و أصنافها و العوامل المؤثرة فيها
ü المطلب الأول :أ ـ تعريف الآثار المادية لغة و اصطلاحا– أصنافها.
ب ـ تعريف مسرح الجريمة
ü المطلب الثاني : العوامل المؤثرة في الآثار المادية.
ü المطلب الثالث : أهمية الآثار المادية في التحقيقات الجنائية.
× المبحث الثاني: الأدلة المادية و علاقتها بالآثار المادية.
ü المطلب الأول : تعريف الدليل لغة و إصطلااحا.
ü المطلب الثاني : تصنيف الأدلة المادية و الفرق بين الدليل و القرينة
ü المطلب الثالث : الفرق بين الأثر المادي و الدليل المادي
الفصل الثاني: تطرقنا من خلاله إلى التطور التاريخي لأساليب التحقيق عبرالعصور ابتداء من العصور القديمة مرورا بالعصور الوسطى و وصولا إلى العصور الحديثة مع التركيز على ظهور الشرطة العلمية و التقنية و الدور الفعال الذي لعبته في التحقيقات الجنائية.
وفي المبحث الثاني من هذا الفصل تكلمنا عن الأطر القانونية المنظمة للخبرة القضائية باعتبارها إجراء ضروري تظهر من خلاله أهمية الدليل العلمي.
وقسمنا هذا الفصل إلى مبحثين و خلاصة .
× المبحث الأول:نبذة تاريخية حول تطور أساليب التحقيق عبر العصور.
ü المطلب الأول :أساليب التحقيق في العصور القديمة .
ü المطلب الثاني : أساليب التحقيق في العصور الوسطى.
ü المطلب الثالث: أساليب التحقيق في العصر الحديث و ظهور الشرطة العلمية و التقنية
× المبحث الثاني: الخبرة القضائية و الإطار القانوني.
ü المطلب الأول : تعريف الخبرة القضائية .
ü المطلب الثاني : أنواع الخبراء.
ü المطلب الثالث : تقرير الخبرة و الرقابة عليها.
الفصل الثالث: خلال هذا الفصل إلى أهم العلوم الشرعية و البيولوجية و كذا التحاليل الفيزيوكمياوية ومختلف العلوم الأخرى التي لها دور أساسي و فعال في التحقيقات الجنائية وتم تقسيمه إلى مقدمة، أربعة مباحث و خلاصة.
× المبحث الأول:العلوم الشرعية.
ü المطلب الأول : البصمات و أهميتها في التحقيق الجنائي .
ü المطلب الثاني : علم القذائف و أهميته في التحقيق الجنائي.
ü المطلب الثالث : فحص الوثائق و أهميته في التحقيق الجنائي.
ü المطلب الرابع : فحص المركبات .
× المبحث الثاني:العلوم البيولوجية وطرق الاستعانة بها في التحقيقات الجنائية.
ü المطلب الأول : الحمض الريبي النووي (DNA).
ü المطلب الثاني : تحليل و معالجة بقع الدم .
ü المطلب الثالث : إفرازات جسم الإنسان.
ü المطلب الرابع : الشعر و قشور الجلد.
× المبحث الثالث: التحليل الفيزيوكمياوية و الإشارة.
ü المطلب الأول : الإعلام الآلي و ألإلكترونيك.
ü المطلب الثاني : الصوت.
ü المطلب الثالث : الطيف الحراري و تطبيقاته في التحقيق الجنائي.
ü المطلب الرابع : الحرائق.
× المبحث الرابع : علوم مختلفة و أهميتها في التحقيق الجنائي.
ü المطلب الأول : الطب الشرعي.
ü المطلب الثاني : علم الســموم.
ü المطلب الثالث : الأنتروبولوجيا.
ü المطلب الرابع : علم الحشرات.
الفصل الاول :ضبط التصورات و تحديد المفاهيم
المبحث الأول:الآثار المادية و أصنافها و العوامل المؤثرة فيها
مقدمة :
المطلب الأول : أ - تعريف الآثار المادية لغة و اصطلاحا و أصنافها .
ب ـ تعريف مسرح الجريمة .
1- تعريف الأثر المادي :
لغة :يطلق الأثر على بقية الشيء ، وجمعه أثار ، وأثور ويقال خرجت في أثره أي بعده ، والأثر ما بقي من رسم الشيء ، وأثر في الشيء ترك فيه أثرا ، ويقال على أثر أي في الحال ما كان مقابل العين كالقول " يطلب أثرا بعد عين " و هو مثل يضرب لمن ترك شيئا يراه ثم تبع أثره بعد فوات عينه.
اصطلاحا: يمكن تعريف الأثر المادي بأنه عبارة عن علامة ظاهرة أو غير ظاهرة بمسرح الجريمة أو عالقة بالمتهم أو المجني عليه ، تساعد على كشف الحقيقة من حيث إثبات وقوع الجريمة وتحديد مرتكبيها وظروف ارتكابها ، على هذا الأساس قد تتخلف الآثار المادية من الجاني كالبصاق أو المني والعرق والبصمة والشعر و الدم والرائحة ، أو من الآلة التي يستخدمها في ارتكاب الجريمة كآثار الأسلحة النارية والسكين والعصا وغيرها من الآلات المستخدمة في الجريمة ، أو من ملابسه كقطعة من الملابس التي يرتديها مزقت أثناء ارتكابه الواقعة أو زر قطع وسقط في مسرح الجريمة ، وكما يترك الجاني آثار بمسرح الجريمة يأخذ منه آثارا مثل الأشياء التي تعلق به أثناء ارتكابه الجريمة
إذا الأثر المادي هو كل ما يعثر عليه المحقق في مسرح الجريمة وما يتصل به من أماكن أو في جسم المجني عليه أو ملابسه أو يحملها الجاني نتيجة احتكاكه وتلامسه مع المجني عليه و ذلك بالعثور عليه بإحدى الحواس أو باستعمال الأجهزة العلمية والتحاليل الكيميائية .
ومهما بلغت درجة ذكاء المجرم ودرايته بالعلوم الحديثة ومحاولته عدم ترك آثار بمسرح الجريمة تدل على شخصيته ، إلا أنه يترك سهوا أو يتخلف عنه أثر يمكن أن لا يرى بالعين المجردة وذلك طبقا لنظرية "إدموند لوكارد" كل مجرم يترك في غالب الأحيان دون علمه في مكان ارتكاب جريمته آثارا ويأخذ على شخصه أو ثيابه أو أدواته آثارا أخرى) ، بمعنى أن كل إحتكاك يترك أثرا سواء في الجسم الذي أحدث الاحتكاك أو الآخر الذي وقع عليه الاحتكاك ، غالبا ما يكون الأثر هو انتقال مادة من كل من الجسمين إلى الأخر ويتوقف ذلك على عدة عوامل أهمها الحالة التي عليها الجسمان من صلابة أو ليونة أو غازية أو سائلة وكيفية تلامسهما ، وهذا ما يحدث بالضبط في حوادث السيارات حينما
تحتك سيارة بأخرى فإن جزءا ولو صغيرا من الطلاء أو المعدن لكلتا السيارتين ينتقل إلى الأخرى وبالتالي ترتبط السيارتين أحداهما بالأخرى في الحادث إذا ما حاول أحد السائقين إنكار دوره في الحادث .
وقد يحاول المشتبه فيه غسل ملابسه الملوثة بالدماء أو ارتداء قفاز في يديه حتى لا يترك بصماته أو دفن جثة القتيل في مكان لا يعرفه أحد ، إلا أنه رغم ذلك يترك آثار بمسرح الجريمة أو تعلق به آثار بجسمه أو لباسه أو أدواته التي أرتكب بها الجريمة تدل على ارتكابه للجريمة وذلك طبعا حسب قدرة المحقق أو تقني مسـرح الجريمة وخبرتـه في استخدام الآلات والوسائل الحديثة التي تمكنه من الكشف على الأثر المادي الذي تركه الجاني بمسرح الجريمة ورفعه وتحريزه وإرساله إلى المخبر .
2- تصنيف الآثار المادية :
هناك عدة تصنيفات للآثار المادية ، إلا أنه ليس لعملية التصنيف أية قيمة من الناحية العملية بل هي مسألة تنظيمية فقط وهي تصنف كما يلي:
أ- حسب حجمها: فهناك الآثار المادية التي يكون حجمها كبير والتي تلفت نظر الجاني إليها وعادة يحاول إخفائها كالمسدس أو الآلات بمختلف أنواعها، آثار مادية صغيرة الحجم وهي التي تسقط من المتهم أو تعلق من مسرح الجريمة ولا تثير انتباهه كالألياف والتربة .
ب- حسب مصدرها وطبيعتها: منها آثار حيوية مصدرها جسم الإنسان كالدم ، إفرازات جسم الإنسان ، الرائحة أو آثار ذات مصادر أخرى (غير بيولوجية) كالملابس الأدوات المستخدمة في الجريمة ، الزجاج ، التربة .
ج- حسب مكوناتها: قد تكون صلبة كالسلاح ، أو سائلة مثل البنزين أو الدم أو غازية كالغاز الطبيعي ، أو رائحة .
د- حسب ظهورها: فهناك الآثار المادية الظاهرة التي يمكن إدراكها بالعين المجردة كالزجاج ، المقذوفات وهناك الآثار المادية الخفية التي لا تدرك بالعين المجردة والتي يتطلب كشفها الاستعانة بالوسائل العلمية الحديثة لكشفها كالبصمات غير الظاهرة أو آثار الدم المغسول .
ب ـ تعريف مسرح الجريمة : هو المكان الذي انتهت فيه أدوار النشاط الإجرامي ويبدأ منه نشاط المحقق الجنائي وأعوانه بقصد البحث عن الجاني من واقع الآثار التي خلفها في مسرح الجريمة والتي تعد بمثابة الشاهد الصامت ، الذي إذا أحسن المحقق الجنائي استنطاقه حصل على معلومات مؤكدة لا يخونها التعبير ولا تؤثر فيها المؤثرات الاجتماعية وتصنف بالثبات والدوام .
يعرف مسرح الجريمة أيضا بأنه المكان الذي تنبثق منه كافة الأدلة ويعطي ضابط الشرطة شرارة البدء في البحث عن الجاني ويكشف النقاب عن الأدلة المؤيدة للاتهام ، ويصلح لإعادة بناء الجريمة ، ويقال بأن مسرح الجريمة ، المكان أو مجموعة الأماكن التي تشهد مراحل تنفيذ الجريمة واحتوى على الآثار المتخلفة عن ارتكابها .
المطلب الثاني : العوامل المؤثرة على الآثار المادية.
يتعرض الأثر المادي أحيانا إلى تأثيرات وتغييرات يصعب معها الربط بين الأثر ومصدره ، وتؤدي في بعض الأحيان إلى إزالته نهائيا ، ومن هذه العوامل ما يلي :
1- الجاني: وهو الشخص الذي يرتكب الجريمة والذي يسعى بكل الطرق لإخفاء الآثار
التي تدل على أنه هو الفاعل .
2- المجني عليه أو أهله : يمكن للمجني عليه أو أهله أن يساهموا بغير قصد في تغيير
مسرح الجريمة وذلك في التأثير على الآثار الموجودة به كأن ينظفوا الأرضية التي تحتوي على بقع الدم أو تنظيف الزجاج المحطم أو إزالة المخلفات التي تركها الجاني .
3- التدخل الخارجي : هو تدخل أشخاص غير مختصين في مسرح الجريمة لرفع الأثر
المادي بصورة غير صحيحة مما يؤدي إلى تلفه.
4- الجمهور: قد يندفع إلى مكان الحادث لمشاهدته ، فيؤدي ذلك إلى إتلاف الآثار المادية
لمسرح الجريمة .
5- تقديم الإسعافات للضحية : عند تقديم الإسعافات من طرف الأطباء أو الممرضين يمكن أن يؤِدي ذلك إلى تعرض الآثار للتلف أو الضياع .
6- العوامل الطبيعية : تحدث بعض الجرائم في العراء وفي الأماكن المكشوفة مما
يؤدي إلى تعرض الآثار للتلف أو الضيـاع نتيجة تعرضها للأمطار أو الريـاح أو الرطوبة
7- العناصر المكونة للجريمة : كالحريق الذي يؤدي إلى إتلاف الآثار .
المطلب الثالث : أهمية الآثار المادية في التحقيقات الجنائية.
يمكن حصر أهمية الآثار المادية في ما يلي :
- تساعد على تحديد شخصية صاحب الآثار ، بطريقة مباشرة كبطاقة الهوية أو رسالة أوأشياء تحمل اسم صاحبـها أو بطريقـة غير مباشرة كآثار الأقدام أو البصمات أو الشعر أو الدم ، بعد ذلك مضاهاتها أو مقارنتها بمثيلاتها للمشتبه فيهم.
- تسمح بالتصنيف الصحيح للجريمة : مخالفة ،جنحة أو جناية .
- تحديد دور كل عنصر في الجريمة .
- تساهم في تأييد أو نفي أقوال الشهود ، المجني عليه أو المشتبه فيه .
- الآثار هي الأدلة التي تقام ضد المشتبه فيه وتثبت ارتكابه الجريمة أو تبرئته .
- تكشف بعض الآثار عن عادات تاركها أو صفاته ، فأعقاب السجائر تشير إلى عادة
التدخين وآثار العنف تدل على شراسة الطباع ، وقد تكشف آثار الأقدام عن عيوب أو عاهات خلقية لتاركها .
- تساهم الآثار في جلاء الغموض المحيط ببعض النقاط في المراحل الأولى للتحقيق والتي تظهر أهميتها في ما بعد .
- تسمح بتضييق دائرة البحث لفحص الآثار المتروكة والتي يمكن تحديد نوعها وشكل الأدوات التي استخدمت في إحداثها .
- تكشف بعض الآثار عن الطريق الذي سلكه المشتبه فيه في حضوره لمسرح الجريمة وفي انصرافه منه بعد ارتكابه الفعل الإجرامي أو الوصول إلى المكان الذي يختبئ فيه أو أخفى فيه الأشياء المسروقة .
- تسهيل الربط بين الجرائم الصادرة من شخص واحد نتيجة لأسلوبه الإجرامي واستخدامه لنفس الآلات والأدوات في ارتكاب جرائم أخرى.
- تساعد المحقق على تحديد المشتبه فيه ومن الممكن الإشارة إلى نوع عمله .
- تقوي الآثار الأدلة القائمة أمام المحقق وإمداده بأدلة جديدة ناتجة عن فحص الآثار
كإثبات أن الطلقة التي أصابت المجني عليه انطلقت من المسدس المضبوط عند المشتبه فيه .
هل يمكن للمجرم تفادي ترك الآثار المادية ؟ نجيب بما يلي :
مهما بلغت درجة ذكاء المجرم في الحرص لعدم ترك ما يدل على شخصيته أو احتياله وإخفاء أي أثر قد ينتج عنه أو عن جريمته ، كغسل ملابسه الملوثة بالدماء أو ارتداء قفاز في يديه حتى لا يترك بصماته ، أو دفن جثة القتيل في مكان لا يعرفه أحد ، إلا أنه يترك سهوا ما يدل على شخصيته ، أو يتخلف عنه أثر ضئيل الحجم لا يرى بالعين المجردة ، وهذا بسبب حالته العصبية المتوترة ، خاصة في لحظات ارتكاب الجريمة ، التي تؤدي به إلى القيامبالعديدمن الحركات ذات طابع تشنجي في الغالب مما يؤدي الى وقوعه في أخطاء محددة ، تؤدي إلىتخلف الآثار ، بالإضافة إلى استعمال الوسائل العلمية الحديثة الجد متطورة والتي لها قدرة جد عالية في كشف الآثار مهما كانت خفية أو ضئيلة
المبحث الثاني: الأدلة المادية و علاقتها بالآثار المادية.
المطلب الأول : تعريف الدليل لغة و إصطلااحا.
تعريف الدليل :
لغة : ما يستدل به ، ويقال فلان أدل فلان ، والدليل المرشد والجمع أدلة ودلالات .
اصطلاحا : الدليل هو كل ما يلزم من العلم به علم شيء آخر وهو كل ما يمكن التوصل به إلى معرفة الحقيقة .ويقال عن الدليل بأنه الوسيلة التي يستعين بها القاضيللحصول على الحقيقة التي ينشدها .
الأدلة الجنائية : إن الأدلة الجنائية هي عبارة عن الوقائع المادية والمعنوية التي يتم معرفتها أو اكتشافها والتي تؤدي إلى كشف الجريمة و إجلاء الغموض الذي يكتنفها والتوصل إلى الحقيقة الكاملة .
المطلب الثاني: تصنيف الأدلة المادية و الفرق بين الدليل و القرينة.
1- تصنيف الأدلة الجنائية :
تصنف الأدلة الجنائية إلى أربعة أصناف هي:
أ- من حيث نوعية الدليل :
§ أدلة مادية : وهي عبارة عن الأثر المادي الذي يعثر عليه بمسرح الجريمة والذي تم إجراء الاختبارات أو التحاليل أو المضاهاة عليه ويثبت إيجاد صلة بينه وبين المتهم سواء سلبا أو إيجابا .
§ أدلة معنوية : وهي عبارة عن الأقوال مثل الشهادة أو الاعتراف حيث لم تعد سيد الأدلة كما في السابق بسبب تعرضها للعوامل النفسية وإمكانية التغيير .
ب- من حيث صلة الدليل بالجريمة :
§ أدلة مباشرة : هي الأدلة التي تنصب على الجريمة مباشرة وتؤدي إلى اليقين في مضمونها كالاعتراف أو البصمة.
§ أدلة غير مباشرة : وهي كل ما استنتج من وجود واقعة ليس هي المراد إثباتها، ومن تلك الأدلة المتحصل عليها بالوسائل العلمية حيث تزيد في درجة الاتهام ولكن من الممكن إثبات عكس ذلك كرؤية شخص يخرج من عند شخص آخر في ساعة متأخرة من الليل ،حيث يقتل هذا الأخير فهذا يزيد من الاقتناع أن الأول هو من ارتكب الفعل خاصة مع وجود أدلة ، غير أنه يمكن لهذا الشخص أن يثبت أنه فارق المتوفى وهو على قيد الحياة
ج- من حيث الإثبات والنفي :
§ أدلة إثبات : وهي الأدلة التي وجودها يثبت التهمة على المتهم مثل وجود المسروقات بحوزته .
§ أدلة نفي : هي الأدلة التي وجودها ينفي التهمة عن الشخص كإثبات المشكوك فيه سفره وقت ارتكاب الجريمة .
د - من حيث وجود النص الشرعي :
§ أدلة قانونية : التي يوجد عليها نص من المشرع كالاعتراف .
§ أدلة إقناعية : وهي الأدلة التي تقنع القاضي بارتكاب المتهم للجريمة كوجود بصمةالمتهم في مكان الحادث ومعظم الأدلة المادية هي أدلة إقناعية .
2- تعريف الدليل المادي :هو الحالة القانونية التي تنشأ عن ضبط الأثر المادي ومضاهاته وإيجاد صلة بينه وبين المتهم باقتراف الجريمة ، وهذه الصلة قد تكون إيجابية فتثبت الواقعة أو سلبية عندما تنفي علاقة المتهم بالجريمة .
إذا كل أثر يتركه المشتبه فيه أو يأخذه من مسرح الجريمة أو الضحية ويدل على وقوع الجريمة، بعد فحصه ونسبته إليه هو ما يطلق عليه بالدليل المادي .
كما يمكن تعريف الدليل المادي بأنه هو عبارة عن الأثر المادي الذي يعثر عليه بمسرح الجريمة والذي تم إجراء جميع الاختبارات أو المضاهاة أو المقارنة الفنية عليه واكتسب العلامات والمميزات الدقيقة التي تجعل منه دليلا يعتمد عليه في البراءة أو الإدانة .
فمثلا البصمة قبل الفحص تعتبر أثرا ماديا عند العثور عليها بمسرح الجريمة ولكن بعد الفحص والمضاهـاة تدل سلبا أو إيجابا على ملامسـة المشتبه فيه لجسم أو أداة أو شيء معين .
3 - الدليل والقرينة :
للتفرقة بين الدليل والقرينة لا بد أن نعرف القرينة .
لغــة : القرينة جمعها قرائن ، ويقال قرن الشيء بالشيء وصل به ، واقترن الشيء
بغيره أي صاحبه والقرين الصاحب ، وتقارن الشيئان تلازما وقد ورد هذا المعنى في القرآن الكريم في قوله تعالى " َوَمنْ َيكُنْ الشَيْطَانُ لَهُ قَِرينًا فَسَاءَ قَِرينًا " سورة النساء الآية 38 ، وقوله عز وجـل " َوقَالَ قَِرينُهُ هَذَا مَا لَدَيَ عَتِيد" سورة ق الآية 23 .
شرعا: عرفها الجرجاني بأنها " أمر يشير إلى المطلوب " ، وقيل عن القرينة بأنها كل"أمارة تقارن شيئا خفيا فتدل عليه " . ومن القرائن ظهور علامات الثراء على المتهم بالسرقة أو الاختلاس .
قانونا: القرينة تعرف بأنها استنتاج الواقعة المطلوب إثباتها من واقعة أخرى قام عليها
دليل بإثبات ، ويقال عن القرائن بوجه عام في الاصطلاح القانوني : استنباط مجهول من معلوم .
نحن هنا بصدد الدليل المستمد من الأثر المادي ، فإن كانت النتيجة بعد فحص الأثر يقينية فمعنى ذلك الحصول على الدليل ، أما إذا كانت النتيجة أقل قيمة لا يعتمد عليها في الإدانة لأسباب شرعية ، أو مطاعن قانونية قيل عنها قرينة ، أي أن الدليل لا يحتاج إلى أدلة أخرى أما القرينة فتحتاج إلى المساندة بقرائن أو أدلة تؤكدها سواء في حالة الإدانة أو في نفي
التهمة ، خاصة إذا كانت ضعيفة كما ورد في تقسيـم القرائن لدى فقهاء الشريعة
الإسلامية ( قرائن قوية وضعيفة ) .
المطلب الثالث : الفرق بين الأثر المادي و الدليل المادي.
إن الدول الأنجلوسكسونية والولايات المتحدة الأمريكية لا يفرقون بين الأثر المادي والدليل المادي ، حيث اعتادوا على إطلاق لفظ الدليل المادي والأثر المادي عل ما يعثر عليه بمسرح الجريمة أو على الأشخاص المشكوك فيهم من مواد أو آثار تفيد في كشف الحقيقة وتحديد الجناة .
غير أن أغلبية الدول يفرقون بين الأثر المادي والدليل المادي ، حيث أن الأثر المادي هو كل ما يتركه الجاني في مسرح الجريمة أو في الأماكـن المحيطة أو المجـاورة أو المتصلة بها أو ما يأخذه منه ، أو كل ما يوجد على جسم الضحية أو المتهم أو بأي جسم له علاقة بالحادث يمكن الاستدلال منها على حقيقة الجريمة وكيفية وقوعها والوصول لمعرفة مرتكبيها .
أما الدليل المادي فهو الحالة القانونية التي تنشأ عن ضبط الأثر المادي ومضاهاته أو تحليله وإيجاد صلة بينه وبين المشكوك فيه باقتراف الجريمة سواء سلبا أو إيجابا ، فالأول يدل على أطراف الواقعة وعلاقتهم بمسرح الجريمة ، فكما يدل على وجود المشتبه فيه بمسرح الجريمة يدل كذلك على وجود الضحية وكل من ترك أثرا بمسرح الجريمة شارك فيها أو لم يشارك ، أما الثاني فهو ما يتركـه المشتبـه فيه أو يأخذه من مسرح الجريمـة أو الضحية ويدل على وقوع الجريمة .
فمثلا آثار استعمال الجاني لآلة بمسرح الجريمة أو على جسم الضحية يعتبر أثرا ماديا ، وبعد فحص هذا الأثر ومقارنته بأثر الآلة المشتبه في استعمالها ووجود تشابه بين الاثنين فإن ذلك يعتبر دليلا ماديا على أن هذه الآلة هي صاحبة الأثر .
لهذا فإن الدليل المادي مرتبط بماديات ونوع الجريمة ونسبتها إلى مرتكبها ، أما الأثر المادي فهو أشمل وأعم ، فكما يستنتج منه إيجاد علاقة بين المشتبه فيه والجريمة يوجد أيضا العلاقة بين الضحية والجريمة .
يتبــــــــــع...
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma