المحاضرة الثالثة: الحق الأدبي للمؤلف

المحاضرة الثالثة: الحق الأدبي للمؤلف

للأستاذ الدكتور محمد سامي عبد الصادق .

 تعريف الحق الأدبي للمؤلف:
الحق الأدبي هو عبارة سلطة يقررها القانون للمؤلف يستطيع بمقتضاها حماية شخصيته الأدبية من أي اعتداء يمكن أن يقع عليها. وليس من شك في أن ارتباط حق الأدبي بالشخصية الأدبية للمؤلف أمر تعترف به قوانين الملكية الفكرية خصوصاً في التشريعات المنتمية للنظام اللاتيني ، كما يقره قانون حماية الملكية الفكرية المصري الذي نص في المادة (145) منه على بطلان كل تصرف في الحقوق المنصوص عليها في المادتين (143) و (144) من هذا القانون ، وهى المواد التي خصصها المشرع لبيان امتيازات الحق الأدبي.
 خصائص الحق الأدبي للمؤلف :
(أ) عدم قابلية الحق الأدبي للتصرف فيه
وقد حسم المشرع المصري في قانون الملكية الفكرية مسألة عدم قابلية الحقوق الأدبية للتصرف فيها ، إذ نصت المادة (145) على أنه : «يقع باطلاً بطلاناً مطلقاً كل تصرف يرد على أي من الحقوق الأدبية المنصوص عليها في المادتين (143) و(144) من هذا القانون ، فضلاً عن إبطال المشرع لتصرف المؤلف في مجموع إنتاجه الفكري المستقبلي ، وهو ما نصت عليه صراحة المادة (153) من نفس القانون والتي أكدت على أنه : «يقع باطلاً بطلاناً مطلقاً كل تصرف للمؤلف في مجموع إنتاجه الفكري المستقبلي».

(ب) عدم قابلية الحق الأدبي للتقادم
وقد أكد المشرع المصري في قانون الملكية الفكرية ، وللمرة الأولي على عدم قابلية الحق الأدبي للتقادم مستخدماً تعبير «أبدية الحقوق الأدبية وعدم قابليتها للتقادم»، وهذا ما نصت عليه المادة (143) من القانون الجديد لتؤكد صراحة على أنه : «يتمتع المؤلف وخلفه العام –على المصنف– بحقوق أدبية غير قابلة للتقادم أو للتنازل عنها...» .
(ج) عدم قابلية الحق الأدبي للحجز عليه :
ولا شك أن عدم قابلية الحقوق الأدبية للحجز عليها يستند إلى حجة منطقية ، وهي أن مثل هذا الحجز يعد بمثابة إجبار للمؤلف على طرح أفكاره إلى الجمهور دون رغبة منه ، وهو أمر لا يمكن التسليم به ، فضلاً عن أن هذه الحقوق لا يمكن أن تشكل جزء من الذمة المالية للمؤلف ، وبالتالي فهي ليست محلاً للحجز .
(د) عدم قابلية الحق الأدبي للانتقال إلى الورثة:
والحق الأدبي لا ينتقل إلى الورثة إلا بما يكفل لهم الدفاع عن سمعة مورثهم بعد وفاته، وقانون الملكية الفكرية المصري يعطي للورثة العديد من مكنات الحق الأدبي وهي حقهم في إتاحة مصنف مورثهم لأول مرة للجمهور، وحقهم في نسبة مصنفه إليه، وحقهم في الدفاع عن مصنف مورثهم، إلا أنه يحرمهم من ممارسة حق سحب المصنف من التداول أو إدخال تعديلات جوهرية عليه.

 مضمون الحق الأدبي:
إذا نظرنا إلى المادة (143) من قانون الملكية الفكرية الحالي سنلحظ أنها تنص صراحة على أنه : «يتمتع المؤلف وخلفه العام من بعده – على المصنف – بحقوق أدبية أبدية غير قابلة للتقادم أو للتنازل عنها ، وتشمل هذه الحقوق ما يلي :
أولاً : الحق في إتاحة المصنف للجمهور لأول مرة .
ثانياً : الحق في نسبة المصنف إلى مؤلفه .
ثالثاً : الحق في منع تعديل المصنف تعديلاً يعتبره المؤلف تشويها أو تحريفاً له، ولا يعد التعديل في مجال الترجمة اعتداء إلا إذا أغفل المترجم الإشـارة إلى مواطن الحذف أو التغيير أو أساء بعمله لسمعة المؤلف ومكانته».
كذلك فإن المادة (144) تعطي للمؤلف وحده الحق في سحي مصنفه من التداول وفقاً لضوابط معينة. هكذا يتضمن الحق المالي للمؤلف أربعة امتيازات هي : الحق في إتاحة المصنف للجمهور لأول مرة (الحق في الكشف عن المصنف) ، إلى جانب الحق في نسبة المصنف إلى مؤلفه (الحق في الأبوة) ، والحق في منع طرح المصنف أو سحبه من التداول أو تعديله ، فضلاً عن الحق في الدفاع عن المصنف (الحق في احترام المصنف)
(أ) الحق في إتاحة المصنف للجمهور:
الحق في إتاحة المصنف للجمهور لأول مرة لأن هذا الحق يمنح صاحبه سلطة مطلقة في تقدير مدى ملاءمة مصنفه للخروج إلى الجمهور من عدمه، فهو القاضي الوحيد الذي يستطيع أن يقدر متى يخرج مصنفه للجمهور للحكم عليه.
(ب) الحق في نسبة المصنف إلى مؤلفه :
ويعرف هذا الحق في الأوساط الفقهية بـ «الحق في الأبوة». ومضمون هذا الحق أن للمؤلف التمسك بالاعتراف بأن مصنفه الذي أبدعه هو من نتاج فكره ، كذلك حقه في أن يصل مصنفه إلى الجمهور حاملاً اسمه ولقبه ومؤهلاته العلمية ، كما أن له الحق في أن يتم الإعلان عن اسمه عند الاقتباس من مصنفاته أدبية كانت أو فنية أو علمية، فضلا عن حقه في إتاحة مصنفه للجمهور بدون أن يحمل أي اسم على الإطلاق أو تحت الاسم المستعار.
(ج) الحق في طلب سحب المصنف من التداول :
وقد سار المشرع المصري على ذات النهج الذي تتبعه التشريعات اللاتينية، إذ نص في المادة (144) من قانون الملكية الفكرية على أنه : «للمؤلف وحده – إذا طرأت أسباب جدية – أن يطلب من المحكمة الابتدائية الحكم بمنع طرح مصنفه للتداول أو سحبه من التداول أو بإدخال تعديلاته جوهرية عليه برغم تصرفه في حقوق الاستغلال المالي. ويلزم المؤلف في هذه الحالة أن يعوض مقدماً من آلت إليه حقوق الاستغلال المالي ، تعويضاً عادلا يدفع في غضون أجل تحدده المحكمة وإلا زال كل اثر للحكم»
وفي هذا السياق، نعتقد من جانبنا أن المشرع المصري قد جانبه الصواب عند تنظيمه لحق المؤلف في سحب مصنفه من التداول ، وذلك للأسباب الآتي بيانها:
أولاً- ليس من شك في أن ترك المشرع المصري الأمر للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع في تقدير جدية الأسباب التي تدفع المؤلف لسحب مصنفه من التداول إنما يمثل قيداً خطيراً على الحق الأدبي للمؤلف.
ثانياً- عدم قيام المشرع المصري بمنح الأولوية لصاحب حق الاستغلال في الأحوال التي يقرر فيها المؤلف إعادة طرح مصنفه الذي سبق أن سحبه من التداول من شأنه أن يفتح الباب على مصراعيه أمام لجوء المؤلفين إلى ممارسة حق السحب للحصول على مزايا مالية أكبر من خلال إعادة التعاقد مع ناشر أو منتج آخر إضراراً بصاحب حق الاستغلال المسحوب منه المصنف
ثالثاً- إن اشتراط المشرع المصري قيام المؤلف قبل سحب المصنف بدفع تعويض عادل مقدماً من خلال أجل تحدده المحكمة وإلا زال كل اثر للحكم ، يعد عائقا كبيراً أمام ممارسة بعض المؤلفين لهذا الحق.
(د) الحق في احترام المصنف:
وقد اعترف المشرع المصري في قانون الملكية الفكرية الجديد بحق المبدع الأدبي أو الفني في احترام مصنفه ، حيث نص في البند ثالثاً من المادة (143) على حق المؤلف في منع أي تعديل في مصنفه يعتبر تشويهاً أو تحريفاً والمشرع المصري بذلك قد سلك طريقاً صحيحاً ، حيث لم يربط بين التعديل أو الحذف ، والمساس بشرف المؤلف واعتباره لما في هذا الربط من مساوئ قد تؤدي إلى فتح الطريق أمام المعتدي للتخلص من أية مسئولية تحت حجة أن ما أدخله من تعديل لم يمس شرف المؤلف واعتباره. وهنا يجدر بنا أن نشير إلى أن هذا الحق يتمتع به المؤلف وخلفه العام من بعده حماية لسمعة المؤلف واعتباره بعد وفاته.

منقول ...