مقدمة:
"وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ" الأية 30 من سورة البقرة
تأملا في هذه الآية لمدلول عبارتها أو كما يقلون الأصوليون في الفقه أي أصحاب الفقه دلالة النص دون الخوض في تفسيراتها أو تأويلاتها نجد أن الله عز وجل خلق الإنسان و فيه صفة سفك الدماء أي القتل و الدليل على ذلك أول جريمة أتركبت على سطح الأرض بعد نزول أدام و زوجه من الجنة أن قتل الأخ أخيه هبيل قتل قبيل فهو أمل من ابتكر جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار و الترصد و لقد تصفحنا بع الكتب في تاريخ النظم القانونية أن جريمة القتل تطرق إليها كل الشعوب القديمة و الحديثة
و كلمحة بسيطة عن ذالك وجدنا في الشعوب ما قبل التاريخ أن القتل يعتبر جريمة و يعاقب بالقصاص و نجد هذه العقوبة منتشرة في كل الشعوب بمسميات و شروط مختلفة نجد عند الميزوبوتميا كانت جريمة القتل يعاقب عليها الحر بالحر إذا كان عمدا أو بالدية إذا كانت غير أي خطأ ذلك -حمورابي 196 - 200 -
وجريمة القتل هي من جرائم العنف وهي القتل العمد، الضرب والجرح والتعدي العمد، القتل والجرح الخطأ. و لقد وجنا صعوبات في الحصول على المراجع إلا نادرا التي تتطرق لهدا الموضوع ، و من هذا كله طرحنا الإشكالية التالية و هي كيف تطرق القانون الجزائري إلى جريمة القتل العمد و ما هي الإجراءات التي قننها لقمع هذه الجريمة ؟
الخطة
المبحث الأول : أركان جريمة القتل العمد
المطلب الأول : الركن المادي لجريمة القتل العمد
الفرع الأول : السلوك الإجرامي
الفرع الثاني : إزهاق روح إنسان حيا
الفرع الثالث : العلاقة السببية بين فعل الجاني والنتيجة
المطلب الثاني : ركن المعنوي أو القصد الجنائي
الفرع الأول : القصد العام
الفرع الثاني : القصد الخاص
المبحث الثاني : قمع جريمة القتل العمد
المطلب الأول : العقوبات المطبقة على جريمة القتل العمد
الفرع الأول : العقوبات الأصلية
الفرع الثاني : العقوبات التكميلية
الفرع الثالث : الفترة الأمنية
المطلب الثاني : الظروف المشددة و الأعذار المخففة
الفرع الأول : الظروف المشددة
الفرع الثاني : الأعذار المخففة
الفرع الثالث : الظروف الخاصة بصفة الجاني
الخاتمة
المبحث الأول : أركان الجريمة:
تعرف المادة 254 ق.ع القتل العمد كما يأتي. إزهاق روح الإنسان عمد ا و لا يوجد تعريف أخر و نلاحظ من خلاله ثلاثة أركان المتمثلة في إزهاق الروح إنسان و كذلك لبد أن يكون عمدا
المطلب الأول : الركن المادي:
الركن المادي المتمثل في إزهاق روح إنسان و لكي يتم ذلك لبد من فعل أو سلوك إجرامي و وجود علاقة سببية بين ذلك السلوك النتيجة أي الوفاة [1]
الفرع الأول : السلوك الإجرامي:
وهو الفعل الذي يقوم به الشخص من أجل إزهاق الروح أو القتل المعاقب عليه. و لا تكفي النية أو الرغبة في ذلك و لا حتى المحاولة وويجب أن يكون السلوك عملا إيجابيا دون النظر إلى الوسيلة المستعملة و القانون الجزائري لا يعاقب صراحة على القتل بالامتناع.أي بالسلوك السلبي
الفرع الثاني : إزهاق روح إنسان حيا:
وهي النتيجة المترتبة على سلوك الشخص أو الجاني ، ولا يهم إن تتحقق الموت أو نتيجة القتل مباشرة أو بعد مدة زمنية إذا تدخل عنصر أخر حال دون أن تتحقق النتيجة لا دخل للإرادة الجاني فيها، هذا يعتبر شروع في القتل و يعاقب عليها كما لو أنها تحقق القتل. كما يجب أن يكون المجني عليه حيا و ذالك يعني منذ اللحظة التي يعتبر الكائن إنسانا كاملا حيا أي لحظة ميلاده، حيث يبدأ من عندها الاعتراف القانوني بالحياة التي يشكل إهدارها قتلا. أما القتل الجنين يعتبر إجهاض و له عقوبات خاصة به ، أما مسألة وقوع القتل على ميت وهي صورة من صور الجريمة المستحيلة .[2]
الفرع الثالث : العلاقة السببية بين فعل الجاني والنتيجة:
يتطلب توافر رابطة سببية بين فعل الجاني والنتيجة. بمعني أن " الوفاة " كانت نتيجة لسلوك الجاني و هذا إذا صدر الفعل عن قصد وكان بنية القتل. و نشير إلى أن القانون الجزائري بنظرية السبب المباشر والفوري ، وهذا يعني اشترط لتحقق جريمة القتل العمد توفر رابطة السببية بين نشاط الجاني ووفاة المجني عليه بحيث إذا تدخل عامل خارجي بين نشاط المتهم وموت الضحية انقطعت رابطة السببية.
و كذلك يكون الجاني في جريمة القتل العمد مسئولا عن وفاة المجني عليه متى كانت النتيجة وهي الوفاة مرتبطة بنشاطه ارتباطا وثيقا لا يصح بالتردد في القول بأن هذا النشاط هو السبب المباشر في حدوث الموت سواء حصل القتل بالترك أو بالامتناع كالأم التي امتنعت عمدا عن قطع الحبل السري ليموت طفلها حديث العهد بالولادة فمات لأن وفاة المولود مرتبطة بامتناع أمه عن القيام بواجبها ارتباط السبب بالمسبب. [3]
المطلب الثاني : ركن المعنوي أو القصد الجنائي:
الفرع الأول : القصد العام:
وهو توجه إرادة الفاعل إلى ارتكاب فعل القتل مع علمه بان سوف يقوم بعمل يتسبب فيه بإزهاق روح إنسان حيا. و إذا كان الفاعل لا يعلم من أمامه إنسان حي و لا في نيته القتل فهنا ينتفي القصد العام [4]
الفرع الثاني : القصد الخاص:
وهو نية قتل المجني عليه أو إزهاق روحه. وأي انصراف إرادة الجاني وعلمه إلى إزهاق الروح فلا يسأل عن قتل عمد من يوجه فعله إلى إنسان معتقدا أنه ميت ولا يسأل من يكره على إتيان الفعل. كما أن الباعث لا يؤثر على وجود الجريمة كمن يقتل خوفا من العار أو بدافع الشفقة أو أن يصيب شخصا
غير الذي يقصده .[5]
المبحث الثاني : العقوبات المطبقة و ظروف الجريمة:
تطبق على القتل العمد عقوبة أصلية وعقوبات تكميلية، وتشد العقوبة حال توافر ظروف مشددة وتخفف مع ظروف مخففة.
المطلب الأول : العقوبات المطبقة على جريمة القتل العمد:
الفرع الأول : العقوبات الأصلية:
يعاقب على القتل العمد بالسجن المؤبد حسب المادة 263 من ق.ع في فقرتها الثالثة.
الفرع الثاني : العقوبات التكميلية:
وهي العقوبات المنصوص عليها في المادة 9 المعدلة بموجب قانون 2006 ، وتكون إما إلزامية و إما اختيارية .
1. العقوبات التكميلية الإلزامية :
أ. الحرمان من حق أو أكثر من الحقوق
الوطنية والمدنية والعائلية المنصوص عليها في المادة 9 مكرر1 المستحدثة .
ب. الحجر القانوني،
ج. المصادرة الجزئية لأموال.
2. العقوبات التكميلية الاختيارية :
أ . تحديد الإقامة
ب. والمنع من الإقامة
ج. والمنع من ممارسة مهنة أو نشاط،
د . وإغلاق المؤسسة نهائيا أو مؤقتا
هـ. والحظر من إصدار الشيكات أو استعمال بطاقات الدفع
و . والإقصاء من الصفقات العمومية
ل . وسحب آو توقيف رخصة السياقة أو إلغاءها مع المنع من استصدار رخصة جديدة
ي. وسحب جواز السفر.
وتكون هذه العقوبات لمدة لا تتجاوز 10 سنوات أما تعليق أو سحب رخصة السياقة وسحب جواز السفر مدتها لا تتجاوز5 سنوات
الفرع الثالث : الفترة الأمنية:
نصت المادة 275 مكرر على أنه في حالة الحكم بعقوبة سالبة للحرية مدتها تتساوي أو تفوق 10 سنوات تطبق على المحكوم عليه، بقوة القانون، فترة أمنية مدتها تساوي نصف العقوبة المحكوم بها وتكون مدتها 15 سنة في حالة الحكم بالسجن المؤبد.
والفترة الأمنية كما هي معرفة في المادة 60 مكرر، المستحدثة في قانون العقوبات إثر تعديله في 2006 يقصد بها حرمان المحكوم عليه من تدابير إجازة الخروج والتوقيف المؤقت لتطبيق العقوبة والإفراج المشروط والوضع في الورشات الخارجية والوضع في البينة المفتوحة والحرية النصفية.
المطلب الثاني : الظروف المشددة و الأعذار المخففة:
الفرع الأول : الظروف المشددة:
1 إذا اقترن القتل بسبق الإصرار أو الترصد:
هذا ظرف مشدد إذن عقوبته الإعدام حسب نص المادة 261 " يعاقب الإعدام كل من ارتكب جريمة قتل ..."
نص المادة 256 ق ع " سبق الإصرار هو عقد العزم قبل ارتكاب الفعل على الاعتداء على شخص معين أو حتى على شخص يتصادف وجوده أو مقابلته وحتى لو كانت الجاني النية متوقفة على أي ظرف أو شرط كان."
نص المادة 257 ق ع " الترصد هو انتظار شخص لفترة طالت أو قصرت في مكان أو أثر و ذلك إما لإزهاق روحه أو اعتداء عليه"
و من نصا هاتين المادتين نستخلص أن عقد العزم أو التصميم بعد التفكير و التدبير و انتظار المجني عليه و ترصده كل هذا ظرف مشدد يؤدي إلى العقوبة القصوى و هي الإعدام [6]
2- إذا اقترن القتل بجناية:
نص المادة 263 من ق ع " يعاقب عل القتل بالإعدام إذا سبق أو تلي صاحبها جناية أخرى ..." و من أجل ذلك يجب أن تتوفر الشروط الآتية [7]:
أ. لابد من جريمة قتل
ب. يجب أن تقع جناية قتل فالشروع لا يكفي
ج. يجب أن يقترن القتل بجناية أخرى لا يشترط تمامها
د . يجب أن تكون بين الجنايتين رابطة زمنية
3 -إذا ارتباط القتل بجنحة :[8]
تنص المادة 263 في فقرتها الثانية على " ... كما يعاقب على القتل بالإعدام إذا كان الغرض منه إما إعداد أو تسهيل أو تنفيذ جنحة أو تسهيل فرار
مرتكبي هذه الجنحة أو الشركاء فيها أو ضمان تخليصهم من عقبتها . ... "
وهذا أيضا من الظروف المشددة و يشترط لتحققه 3 شروط :
1. يجب أن يرتكب الجاني قتلا عمدا،
2. يجب أن يرتكب جنحة تكون مستقلة ومتميزة عن القتل
3. يجب أن يكون بين القتل والجنحة رابطة سببية أي الغاية من ارتكاب القتل هي إعداد أو تسهيل أو تنفيذ جنحة أي هنا الجنحة هي الهدف الأصلي والقتل يرتكب من أجلها
الفرع الثاني : الأعذار المخففة:
نصت عليها المواد 277 إلى 279 ق.ع:
1. الإستفزار:
إذا دفع الجاني إلى ارتكاب جريمة القتل وقوع ضرب شديد من أحد الأشخاص. ويجب أن يكون رد الفعل متزامنا مع الاعتداء أما إذا كانت حياة الجاني في خطر فيكون في حالة دفاع شرعي عن النفس تنعدم فيه الجريمة (المادة 39 ق.ع).
2. إذا ارتكب الجاني جريمة لقتل لدفع تسلق أو ثقب الأسوار أو تحطيم مداخل المنازل أو الأماكن المسكونة أو ملحقاتها
إذا حدث ذلك أثناء النهار، أما إذا حدث ذلك وهذا أثناء الليل فيعتبر دفاعا مشروعا تنتفي معه الجريمة. [9]
3. مفاجأة أحد الزوجين متلبس بجنحة الزنا : إذا اركب الجاني جريمة القتل على زوجه أو على شريكه في اللحظة التي يفاجئه فيها في حالة التلبس بالزنا، إذا توافر عذر من الأعذار الثلاثة سالفة الذكر، تخفض عقوبة السحن المؤبد أو الإعدام فتصبح الحبس من سنة إلى 5 سنوات ويجوز أن يحكم أيضا على الجاني بالمنع من الإقامة من 5 إلى 10 سنوات.
غير أن المشرع استبعد مرتكب جريمة قتل الأصول من الاستفادة من الأعذار القانونية المخففة إذ لا عذر إطلاقا لمن يقتل أباه أو أمه أو أحد أصوله (المادة 282 ق ع).
الفرع الثالث : الظروف الخاصة بصفة الجاني:
1. قتل الأصول:
وهو إزهاق روح الأب أو الأم أو أحد الأصول الشرعيين كالجد والجدة سواه من الأب أو من الأم (المادة 258 ق.ع).
تعاقب المادة 261 على جناية قتل الأصول بالإعدام. وإذا كان الجاني لا يستفيد من الأعذار القانونية المخففة، كما سبق بيانه، فإنه من الجائز أن
يستفيد من الأعذار القضائية المخففة المنصوص عليها في المادة 53 ق ع.
2. قتل الطفل حديث العهد بالولادة:
تطبق على مرتكب هذه الجناية نفس العقوبة المقررة للقتل العمد، غير أن الأم سواء كانت فاعلة أصلية أو شريكة في قتل ابنها حديث العهد بالولادة تطبق عليها عقوبة مخففة وهي السجن المؤقت من 10 إلى 20 سنة (الفقرة الثانية من المادة 251 ق ع). ولا يستفيد من الجاني العقوبة المخففة من ساهم
أو شارك مع الأم في ارتكاب الجريمة و تطبق عليه الظروف المشددة و الأعذار المخففة المقررة للقتل العمد . كما تطبق على هذه الجريمة العقوبات التكميلية [10]
تتطلب جريمة القتل الطفل حديث العهد بالولادة توافر شرطين:
1. يجب أن يقع القتل على مولود حديث العهد بالولادة
2. يجب أن يكون هذا القتل قد وقع من الأم
ولا يوخز في الجاني الجريمة إلا بالعلاقة العائلية الشرعية ، ولا يعتد بغيرها كما في حالتي التبني والكفالة. وتطبق على الجاني الجريمة العقوبات التكميلية التي سبق بيانها عند عرضنا لجريمة القتل العمد.
الخاتمة:
و من هذا كله تستخلص أن جريمة القتل العمد التي تنص عليها المادة 254 من قانون العقوبات الجزائري المتكونة من الركن المادي المتمثل في السلوك الإجرامي الذي يؤدي صاحبه بالزاهق روح إنسان حي وذلك بالقصد الجنائي أي بالنية المبيت لذلك تطرق إليها القانون من كل جوانبها و حدد لها العقوبات ألازمة مع إعطاء السلطة التقديرية للقاضي للحكم لبضع الظروف
المراجع :
الدكتور أحسن بوسقيعة :الوجيز في القانون الجنائي الخاص ، الجزء الأول ، الطبعة السابعة 2006 ، دار هومة ، الجزائر
التهميش:
[1] انظر : الدكتور أحسن بوسقيعة :الوجيز في القانون الجنائي الخاص ، الجزء الأول ، الطبعة السابعة 2006 ، دار هومة ، الجزائر ، الصفحة 10
[2] أنظر : المرجع السابق الصفحة 11
[3] : لمرجع السابق الصفحة 17
[4] أنظر : المرجع السابق الصفحة 20
[5] : لمرجع السابق الصفحة 21
[6] أنظر : المرجع السابق الصفحة 28
[7] : المرجع السابق الصفحة 30
[8] أنظر : المرجع السابق و الصفحة ذاتها
[9] : المرجع السابق و الصفحة 31
[10] أنظر : المرجع السابق الصفحة 32 -33- 34
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma