أسعدنا تسجيلك وانضمامك لنا

ونأمل من الله أن تنشر لنا كل مالديك

من إبداعات ومشاركات جديده

لتضعها لنا في هذا القالب المميز

نكرر الترحيب بك

وننتظر جديدك المبدع

مع خالص شكري وتقديري

ENAMILS

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

أسعدنا تسجيلك وانضمامك لنا

ونأمل من الله أن تنشر لنا كل مالديك

من إبداعات ومشاركات جديده

لتضعها لنا في هذا القالب المميز

نكرر الترحيب بك

وننتظر جديدك المبدع

مع خالص شكري وتقديري

ENAMILS

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
 سلطات القاضي المدني في اجراءات التحقيق في الدعوى. 580_im11 ENAMILS  سلطات القاضي المدني في اجراءات التحقيق في الدعوى. 580_im11

المواضيع الأخيرة

» مدونة القوانين الجزائرية - محدثة يوميا -
 سلطات القاضي المدني في اجراءات التحقيق في الدعوى. I_icon_minitimeالسبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed

»  شركة التوصية بالاسهم -_-
 سلطات القاضي المدني في اجراءات التحقيق في الدعوى. I_icon_minitimeالجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin

» مكتبة دروس
 سلطات القاضي المدني في اجراءات التحقيق في الدعوى. I_icon_minitimeالإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin

» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
 سلطات القاضي المدني في اجراءات التحقيق في الدعوى. I_icon_minitimeالخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin

» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
 سلطات القاضي المدني في اجراءات التحقيق في الدعوى. I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin

» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
 سلطات القاضي المدني في اجراءات التحقيق في الدعوى. I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin

» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
 سلطات القاضي المدني في اجراءات التحقيق في الدعوى. I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin

» بحث حول المقاولة التجارية
 سلطات القاضي المدني في اجراءات التحقيق في الدعوى. I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl

» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
 سلطات القاضي المدني في اجراءات التحقيق في الدعوى. I_icon_minitimeالأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique

» الدفاتر التجارية:
 سلطات القاضي المدني في اجراءات التحقيق في الدعوى. I_icon_minitimeالجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma

ENAMILS


كتاب السنهوري


    سلطات القاضي المدني في اجراءات التحقيق في الدعوى.

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 6322
    نقاط : 17825
    تاريخ التسجيل : 28/06/2013
    العمر : 33

     سلطات القاضي المدني في اجراءات التحقيق في الدعوى. Empty سلطات القاضي المدني في اجراءات التحقيق في الدعوى.

    مُساهمة من طرف Admin الجمعة يوليو 19, 2013 5:30 pm



    مقـــدمـــة:



    إن الحق المجرد من الدليل يصبح عند المنازعة فيه من الناحية القانونية و العدم سواء، و لما كان لدليل الإثبات كل هذه الأهمية فإن مختلف التشريعات قد عملت على تنظيم قواعده، و بيان الوسائل التي تمكن القاضي من الوصول إلى الحقيقة.

    و في كثير من القضايا فإن طرفي الخصومة كلاهما أو بعضهما يأتي إلى المحكمة بطلبات دون أن يعززها بالأدلة المطلوبة قانونا، أو أن أحد الأطراف يطعن في صحة الدليل الذي قدمه الطرف الآخر و بما أنه على القاضي أن يفصل في الدعوى، و توخيا في أن يكون هذا الفصل بما يحقق العدالة و يحافظ على استقرار المعاملات و الحقوق المكتسبة، فإن مختلف التشريعات أفردت ضمن قوانينها ما يخول للقاضي سواء من تلقاء نفسه، أو بناء على طلب أطراف الدعوى على اتخاذ مجموعة من الإجراءات تجعل من حكمه في الدعوى مبنيا على أسس قانونية و واقعية بما يجعل من الحقيقة القضائية التي توصل إليها قريبة من الحقيقة الواقعية إن لم تكن مطابقة لها.

    و قد نص المشرع الجزائري على هذه الإجراءات فيما يخص القاضي المدني في قانون الإجراءات المدنية انطلاقا من نص المادة 43 منه تحت تسمية إجراءات التحقيق، فنص على الخبرة، الشهادة، اليمين، مضاهاة الخطوط الانتقال للمعاينة، و دعوى التزوير الفرعية، كما نص على الحالات التي يلجأ فيها إلى إجراء من هذه الإجراءات، و الشروط الواجب مراعاتها، و قد اختلفت التشريعات في تحديد هذه الشروط و الحالات غير أن ما يهمنا في هذه المذكرة هي السلطة التي يتمتع بها القاضي المدني في إجراءات التحقيق تقييدا و إطلاقا، و ذلك انطلاقا من عنوان المذكرة، سواء من حيث الأمر بها أو من حيث تقدير الدليل الناتج عنه إذ سلكت التشريعات في ذلك مذاهب عدة، سواء بتقييد سلطة القاضي كأن تضع له طرق الحصول على الدليل أو التحقيق فيه على سبيل الحصر دونما أي سلطة تقديرية له، كما تبين له قوة كل دليل، و إما بإطلاق يده في البحث عن الحقيقة بأي وسيلة يراها مناسبة، و إعطاء الدليل المتحصل عليه القوة التي يقدرها، و لا شك في أن المذهبين السابقين فيهما تطرف إلى جهة معينة، و لذلك فقد سلكت بعض التشريعات مسلكا وسطا حاولت من خلاله الأخذ بمزايا المذهبين السابقين مع تحاشي ما فيهما من عيوب.

    و انطلاقا من هذا فإن لمعرفة سلطات القاضي المدني في إجراءات التحقيق في الدعوى أهمية عملية و علمية خاصة و أنه تقع على القاضي مهمة البحث عن الحلول لما يطرح عليه من قضايا في إطار القانون، فعليه بالإضافة إلى وجوب إحترامه شروط الأمر بإجراء التحقيق عليه أيضا إعطاء الدليل المتحصل عليه من جراء التحقيق القيمة التي منحها له القانون.

    فمعرفة القاضي للسلطات التي يتمتع بها أثناء إجرائه التحقيق في الدعوى تجعله على علم متى و أين يستعملها مما يجعل من دوره في الدعوى ذو طابع إيجابي دون أن يخل بمبدء حياده، فمن خلال هذا البحث نحاول إبراز أن مبدء حياد القاضي لا يعني اتخاذه موقفا سلبيا بحيث يكتفي بتلقي ما يجود به طرفي الدعوى من أدلة و لا يتأتى هذا الإبراز إلا من خلال تعداد سلطاته و حصر الدور المنوط به قانونا بغية إظهار طابعه الإيجابي، مع التركيز في ذلك على هذه السلطات على مستوى المحاكم دون ، مع التركيز في ذلك على هذه السلطات على مستوى المحاكم دون إهمال خصوصيات التحقيق على مستوى المجالس القضائية.

    ومن خلال هذه المذكرة أيضا سوف نقف عند أي مذهب سلكه المشرع الجزائري حين نصه على إجراءات التحقيق في الدعوى من جهة، ومن جهة أخرى فإننا سنحاول تحديد الطرق التي تمكن القاضي من الوصول إلى الحقيقة وفقا للقانون، فمعرفة الطريق السليم تؤدي حتما إلى استعماله عند الحاجة بصورة صحيحة.

    و في أثناء ذلك فإننا سنتطرق إلى ما يقابل ذلك في مختلف التشريعات الأخرى مع التركيز على التشريع المصري باعتباره من التشريعات الأقرب للتشريع الجزائري في هذا المجال و بالنظر إلى مختلف التغييرات التي طرأت عليه في تعديل قانون الإثبات سنة 1968، و كذا بالتركيز على الفقه الإسلامي بإعتباره بحرا بلا شاطئ و غني بالأراء في أعمال القضاء و القضاة، الأمر الذي يفتح المدارك و يقرب الفكر القانوني السليم مع التطرق إلى مختلف القرارت القضائية في هذا الشأن، كل ذلك من أجل الإجابة على الإشكالية الرئيسية لهذا البحث و هي : أين و متى تتمثل سلطات القاضي المدني في إجراءات التحقيق في الدعوى ؟.

    و لمعالجة هذا الموضوع بالصورة اللازمة للإجابة على الإشكالية أعلاه اتبعنا أسلوب تحليل المواد القانونية مع مقارنتها بمثيلتها مثلما سبق بيانه، و أن تكون البداية بحصر و تحديد النطاق و المجال الذي يمكن فيه للقاضي التحرك بداخله بشكل قانوني، أي الحالة التي يمكن فيها للقاضي مناقشة إجراءات التحقيق من حيث إمكانية اللجوء إليها للفصل في النزاع بصورة صحيحة من عدمه، فتطرقنا إلى المبادئ العامة التي يجب على القاضي مراعاتها حين اتخاذ أي إجراء من هذه الإجراءات، بعدها تطرقنا إلى سلطته داخل هذا النطاق، و ذلك بالتطرق إلى سلطاته في كل إجراء على حدى من حيث مدى سلطته في الأمر به، و تقدير الدليل الناتج عنه ما بين الإطلاق و التقييد، و في أثناء ذلك فإننا سنحاول التطرق إلى العديد من الإشكاليات المطروحة في هذا الجانب مع التركيز عند الضرورة على ما هو جار به العمل في الميدان، مع تفصيل ذلك من خلال خطة محاورها الرئيسية هي:



    مقدمة.

    الفصل الأول: المبادئ العامة التي تحكم سلطة القاضي المدني في اجراءات التحقيق في الدعوى.

        المبحث الأول: مبدأ حياد القاضي.

        المبحث الثاني: وجوب توفر شروط معينة في الواقعة محل التحقيق.

    الفصل الثاني: مظاهر سلطة القاضي المدني في إجراءات التحقيق في الدعوى.

        المبحث الأول: سلطة القاضي المدني في الأمر بإجراء التحقيق في الدعوى.

        المبحث الثاني: سلطة القاضي المدني في العدول عن الأمر بإجراء التحقيق و تقدير الدليل الناتج عنه.

    الخاتمة.          


    الفصل الأول: المبادئ العامة التي تحكم سلطة القاضي المدني في إجراءات التحقيق في الدعوى:

         
        لقد خول المشرع مجموعة من السلطات للقاضي حين إجرائه التحقيق في الدعوى غير أن هاته السلطات ليست على إطلاقها وإنما مقيدة في بعض الحالات ، تارة بنص القانون وتارة أخرى بمجموعة من المبادئ القانونية التي تنظم الهيكل القانوني لبلد ما، والتفصيل أكثر في هذا الأمر يحتم علينا التطرق إلى دور القاضي في الدعوى و ذلك من خلال التطرق لمبدء حياد القاضي في معناه و مدلوله، و من خلال التطرق أيضا إلى الشروط الواجب على القاضي التأكد منها في الواقعة محل التحقيق إذ على القاضي و قبل مناقشة مدى إمكانية الأمر بإجراء التحقيق من تلقاء نفسه، أو بناءا على طلب الخصوم أن يناقش الواقعة من حيث أهمية إثباتها بواسطة التحقيق فيها، و مدى تعارض ذلك مع أحد أهم مبادئ القضاء ألا و هو مبدء حياده، و سنتطرق إلى كل ذلك من خلال المبحثين التاليين:

    المبحث الأول: مبدأ حياد القاضي.

    المبحث الثاني: وجوب توفر شروط معينة في الواقعة محل التحقيق.

    المبحث الأول : مبدأ حياد القاضي:

                يعتبر مبدأ حياد القاضي أهم مبدأ يحد من سلطات القاضي في الدعوى المدنية لفائدة الخصوم، والتطرق لهذا المبدأ في حقيقة الأمر متشعب يحتاج إلى الكثير من التفصيل، غير أن أهم النقاط التي يستلزم التطرق إليها هي التعريف به مع التطرق إلى أهم المبادئ المشتقة منه و هي: عدم قضاء القاضي بعلمه الشخصي ومبدأ مواجهة الدليل بضده. و ذلك من خلال المطلبين التاليين:

    المطلب الأول: التعريف بمبدأ حياد القاضي.

    المطلب الثاني:المبادئ المتفرعة عن مبدأ حياد القاضي.



    المطلب الأول: التعريف بمبدأ حياد القاضي:

       

        إن التطرق إلى مبدء حياد القاضي يحتم علينا التطرق إلى المقصودمنه، و إلى مختلف مذاهب الإثبات على إعتبار أن حصر وتحديد دور القاضي في الخصومة لا يتأتى إلا بالتطرق لها، مع الإشارة إلى موقف التشريعات الحديثة و بالأخص التشريع الجزائري، و عليه فقد قسمنا هذا المطلب إلى الفرعين التاليين:

    الفرع الأول: المقصود بمبدء حياد القاضي.

    الفرع الثاني: مذاهب الإثبات.



    الفرع الأول: المقصود بمبدء حياد القاضي:



           الحقيقة أن هذا المبدأ كغيره من المبادئ العامة مبدأ مرن يتميز بجانب من الغموض الذي يجعل منه غير واضح بالشكل الكافي واللازم، وقد اختلف الفقه في تحديد المقصود به كما اختلفت التشريعات في تحديد دور القاضي في الخصومة المدنية فكان قديما ينظر إلى فكرة حياد القاضي نظرة سلبية مردها النزعة الفردية التي كانت سائدة عند صدور القانون الفرنسي - قبل التعديلات التشريعية الحديثة - حيث كانت تغلب الحرية الفردية التي كان معناها حماية المصالح الخاصة في مواجهة الصالح العام الاجتماعي فيتقيد القاضي بما يقدمه الخصوم من أدلة دون أي تدخل من جانبه [1] ، غير أنه مع تطور القانون الوضعي سواء في فرنسا أو في مصر، ومع بروز المذهب الاشتراكي حدث تغييرفي المقصود من مبدأ حياد القاضي فلم يعد يقصد به أن يقف القاضي موقفا سلبيا مع كلا الخصمين ، وإنما يقف موقفا وسطا بين الإيجابية و السلبية [2] ، وقد أكدت هذا الدور المذكرة الإيضاحية المصرية لقانون1969 / 25 المتعلق بالإثبات حيث جاء فيها:" إن أهمية الإثبات تبدو أكثر وضوحا في مجتمع اشتركي لا يكتفي بتقرير الحقوق بل يحرص على تأكيد تمتع   أصحابها بثمراتها، ومن ثمة يكون من المتعين في ظل هذا المجتمع ألا تقف شكلية الدليل المهيأ أو إجراءات تقديم الأدلة للقضاء عائق يحول دون تمتع أصحاب الحقوق بثمراتها " [3] .

        غير أن هذا لا يعني أن التدخل الايجابي للقاضي معناه تحيزه في الحكم ، وإنما يكون هذا التدخل دون أن يصل إلى درجة الانحياز إلى أحد الخصوم .

         وفهم مبدأ حياد القاضي بصورة أوضح من أجل تحديد سلطته في إجراءات التحقيق في الدعوى لا يتأتى إلا بالتطرق إلى الاعتبارات التي حددت موقف المشرع من مسألة الإثبات وهي اعتبارات تتأرجح بين موجبين : الاعتبار الأول وهو يرمي إلى تغليب جانب العدالة بتفضيل الحقيقة الواقعية على الحقيقة القضائية ، فيطلق للقاضي الحرية في تقديرها والوصول إليها من أي طريق كان ، أما الموجب الثاني فهو يغلب استقرار المعاملات ، فيفرض على القاضي احترام بعض الأشكال والمظاهر المستقرة بين الناس   فلا تثبت الحقيقة القضائية   إلاعن طريق معين رسمه القانون و هذه الطريق قد تنطمس معالمها في بعض الأحيان مما يجعل الحقيقة القضائية بعيدة كل البعد عن الحقيقة الواقعية [4] .



    الفرع الثاني: مذاهب الإثبات:



        لقد اختلفت التشريعات في تحديد سلطة القاضي في الدعوى فيما يتعلق بالإثبات من خلال اعتمادها على مذهب من المذاهب   الثلاث الآتية :

    أولا : مذهب الإثبات المطلق ( الحر) : وفق هذا المذهب فإن للقاضي مطلق السلطة وكامل الحرية من أجل إجراء أي تحقيق في الوقائع التي يعرضها عليه الخصوم ، واستنباط النتائج التي يهتدي إليها ، كما له استعمال الحيل مع الخصوم لانتزاع الإقرارات والحجج ، وله أن يقضي بعلمه الشخصي الذي تحصل عليه خارج الجلسة ، كما يستعمل معرفته في الخصوم من صدق ونزاهة وأمانة أو العكس ، ومن نتائج هذا المذهب أن الحقيقة القضائية قريبة أو مطابقة للحقيقة الواقعية ، وللقاضي استكمال ما نقص من الأدلة   كما له السلطة التامة في اتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق من تلقاء نفسه ودون طلب من أحد الخصوم [5] .

        وقد أخذت بهذا المذهب معظم الشرائع القديمة ، ولا يزال معمولا به في الوقت الحاضر في التشريعات الجرمانية و الأنجلوساكسونية ، كما يعتبر المبدأ الشاذ في بعض   المذاهب الإسلامية و تحمس له ابن قيم الجوزية الذي قال:" إذا ظهرت آمرات العدل واستقر وجهه بأي طريق كان فثمة شرع الله " .

    ومن هذا الباب أيضا ما جاء عن النبي سليمان عليه السلام من أن امرأتين اختصمتا إليه في شأن ولد ادعته كل واحدة منهما، فقال اتوني بالسكين أشقه بينكما فسمحت الكبرى بذلك بينما قالت الصغرى لا تفعل يرحمك الله هو ابنها، فقضى به للصغرى [6] .

        وانتقد هذا المذهب على أساس أنه مؤسس على افتراض نزاهة القاضي مطلقا مع أنه مجرد بشر معرض لإغراءات النفس وتقلباتها و هو غير معصوم، كما أن هذا المذهب يعرض المتقاضين إلى مفاجأة غير سارة وسلبهم الاطمئنان إلى القضاء، والتناقض في الأحكام مما ينتج معه عدم توفر الثقة والاستقرار في التعامل.

    ثانيا: مذهب الإثبات المقيد : وفيه يقتصر دور القاضي على مجرد تلقي الإثباتات التي يقدمها الخصوم وتقديرها طبقا للقانون، إذ له دور سلبي وأي دور ايجابي له يفسر على أنه خرق لمبدأ حياد القاضي وانحياز لأحد الخصوم على حساب الخصم الآخر، وكان الغرض من ظهور هذا المذهب تفادي عيوب مذهب الإثبات الحر وذلك بالحد من سلطة القاضي في الدعوى من خلال ثلاثة جوانب هي :

    1- حصر وسائل الإثبات وتحديد قيمة كل منها.

    2- أن القاضي لا يملك أن يجعل لأي نوع من أنواع الأدلة قيمة أكثر أو أقل مما حدده القانون.

    3- أن القاضي ملزم بعدم القضاء بعلمه الشخصي.

         فيقتصر دور القاضي إذن في هذا المذهب على سماع الخصوم والتصريح بما يرتبه القانون على ما يقدمونه من الأدلة والبراهين، وهذا المذهب هو الغالب في الفقه الإسلامي عموما فنصاب الشهادة مثلا محدد و بتوافره يجب على القاضي أن يأخذ بها وليست له حرية في التقدير، ويتفاوت نصاب الشهادة ونوعيتها من واقعة إلى أخرى في حدود مقدرة تقديرا يكاد يكون حسابيا [7].

         غير أن هذا المذهب انتقد على أساس أنه يجعل القاضي ذو وظيفة آلية، كما أنه يباعد بين الحقيقة الواقعية والحقيقة القضائية.

    ثالثا : مذهب الإثبات المختلط : و للقاضي فيه دور وسط، إذ يمنحه القانون جانب من الحرية في تحريك إجراءات التحقيق في الوقائع المدعى بها، غير أن هذا التدخل لا يكون إلا في حدود معينة فلم يترك القانون للقاضي المبادرة الكاملة ولم يجعل للخصوم سلطان مطلق على سير الدعوى، ويتميز هذا المذهب بأنه يجمع بين استقرار المعاملات بما يحتوي عليه من قيود وبين اقتراب الحقيقة القضائية من الحقيقة الواقعية بما يفسح للقاضي قسطا من حرية التقدير [8].

    موقف التشريعات الحديثة: لقد أخذت أغلب التشريعات الحديثة وبالأخص التشريع الفرنسي والمصري بالمذهب المختلط، وتبعهما في ذلك أغلبية تشريعات الدول العربية، ومنها التشريع الجزائري [9].

        على أن الأخذ بالمذهب المختلط لا يعني أن سلطة القاضي هي نفسها حين نظره في الدعوى الجنائية ونظره في الدعوى المدنية، إذ أن التشريعات التي أخذت بهذا المذهب تقوم في المسائل الجنائية على حرية القاضي في تكوين اقتناعه من أي دليل يقدم إليه،و يقوم في المسائل المدنية على التقييد، فيحدد طرق الإثبات ويعين قيمة البعض منها، ويترك بعضها الآخر لتقدير القاضي [10] ، ويقترب الإثبات في المعاملات التجارية من الإثبات في المسائل الجنائية إذ تنص مختلف التشريعات على حرية الإثبات ومن بينها القانون التجاري الجزائري في المادة 30 منه.

        فعلى القاضي إذن أن يحترم حدود سلطته في الإثبات طبقا لما خوله القانون.

        مع الإشارة إلى أن القواعد الإجرائية المتعلقة بالإثبات ومن ثمة بإجراءات التحقيق غالبا ما تكون من النظام العام، فيلتزم بها الخصوم والقضاة على حد سواء، فلا يستطيع الخصوم فرض إجراءات على القاضي لم ينص عليها القانون، و لا يملك هذا الأخير تطبيق إجراءات غير مقررة في القانون، و أما قواعد الإثبات الموضوعية فإن الرأي الراجح يقسمها إلى : قواعد متعلقة بسلطة القاضي في الإثبات [11]، و قواعد متعلقة بالضمانات الأساسية لحق الدفاع كما هو الشأن في قاعدة المجابهة بالدليل، و قواعد تتضمن قيودا على حرية الإثبات فكلها تتعلق بالنظام العام لا يجوز مخالفتها، و أما قواعد الإثبات الموضوعية غير المتعلقة بالنظام العام فتضم القواعد التي تتضمن قيودا على حرية الإثبات و لا تقرر ضمانات أساسية لحق الدفاع ، كما لا تتصل بسلطة القاضي في الإثبات مثل عبء الإثبات ، و تلك التي تجيز الإثبات بشهادة الشهود في التصرفات المدنية التي لا تزيد عن مبلغ معين، و لهذا يجوز الاتفاق على مخالفة هذه القواعد مقدما و لا يجوز للمحكمة أن تقضي بها من تلقاء نفسها ، كما لا يجوز التمسك بها لأول مرة أمام المحكمة العليا.

        ونصت المادة 43 من قانون الإجراءات المدنية على :" يجوز للقاضي بناءا على طلب الأطراف أو أحدهم أو من تلقاء نفسه، أن يأمر قبل الفصل في الموضوع، و بموجب أمر شفوي بحضور أحد الأطراف شخصيا أو بإجراء تحقيق أو تقديم وثيقة، و بموجب أمر كتابي، بإجراء الخبرة أو التحقيق في الكتابة أو بأي إجراء آخر من إجراءات التحقيق، و له أن يأمر شفاهيا بالإنتقال للمعاينة ما لم ير ضرورة إصدار أمر كتابي".

        و عليه يثور التساؤل حول مدى تعارض نص هذه المادة مع المبادئ المقررة في المذهب المختلط للإثبات، إذ يتضح من نص هذه المادة أن للقاضي الحرية المطلقة في اتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق دون التفرقة بين إجراء وآخر، و إطلاق هذا النص يجعل من الصعب القول بأن المشرع الجزائري أخذ بالمذهب المختلط ، و ورد في هذا الشـأن عدة قرارات من المحكمة العليا تؤكد بأن للقاضي سلطة تقديرية في طلب تقديم أي وثيقة من أي خصم مادامت هذه الوثيقة ذات صلة بالنزاع و مادام الطلب قبل إقفال باب المرافعة [12] ،غير أنه حسب قرار آخر للمحكمة العليا رقم 150865 مؤرخ في 25/02/1998،فإن المادة 43 ق إ م لا تخص سوى الإجراءات المتعلقة بالموضوع دون الشكل، فيستشف من هذا القرار أن القاضي لا يمكنه الأمر بأي إجراء من إجراءات التحقيق في مسألة تتعلق بشكل الدعوى، إذ جاء فيه:" ...و من الثابت –في قضية الحال- أن قضاة المجلس قد أخطأوا عندما اعتبروا أن الصفة مسألة تتعلق بالشكل في حين أنها تشكل في حد ذاتها مسألة تتعلق بالموضوع، إذ يجب على الجهات القضائية معاينة ثبوتها أو دحضها باللجوء إلى إجراءات تحقيق مناسبة طبقا لمقتضيات المادة 43 من قانون الإجراءات المدنية..." [13].



    المطلب الثاني:المبادئ المتفرعة عن مبدء حياد القاضي:


        تتجلى أهمية مبدء حياد القاضي أكثر من خلال عدة مبادئ متفرعة عنه، و لعل أهمها هو عدم جواز القضاء بعلمه الشخصي، و إحترام الحق في الإثبات و مواجهة الدليل ضده، فإن أخل القاضي بأحد هاته المبادئ فإنه يكون لا محالة قد أخل بحياده، و على هذا الأساس فإننا سنتطرق من خلال هذا المطلب إلى الفرعين التاليين:

    الفرع الأول: عدم جواز قضاء القاضي بعلمه الشخصي.

    الفرع الثاني: الحق في الإثبات و مواجهة الدليل بضده:



    الفرع الأول: عدم جواز قضاء القاضي بعلمه الشخصي:



        يقصد بعلم القاضي علمه بوقائع الدعوى و أسباب ثبوتها، فهل يستطيع القضاء بما يصل إلى علمه الشخصي من معلومات من غير طريق الخصوم و خارج نطاق الأدلة التي يقررها القانون؟.

         بالنسبة للقوانين الوضعية الحديثة: لقد استقرت أغلب التشريعات الحديثة على عدم جواز قضاء القاضي بعلمه الشخصي، و استقر القضاء الفرنسي على أنه لا يحق للقاضي أن يأخذ بعين الاعتبار إلا الأدلة التي أقرها القانون [14] ، و التي يقدمها الخصوم طبقا لقواعد الإجراءات فيمنع عليه الاستناد إلى المعلومات التي وصلت إلى علمه بواسطة الرسائل التي يبعثها إليه الخصوم، إما إليه مباشرة و إما عن طريق شخص آخر، و يستند هذا المبدأ على قاعدة وجوب احترام حقوق الدفاع التي تستلزم ألا يأخذ القاضي إلا بالوقائع التي أظهرها الخصوم في جلسة الحكم، و إلا أصبح في هذه الحالة علم القاضي عبارة عن دليل في القضية و لما كان للخصوم حق مناقشة هذا الدليل فإن الأمر يقتضي أن ينزل القاضي منزلة الخصوم فيكون خصما و حكما وهذا لا يجوز [15]، غير أن هذا المبدأ لا يمنعه من أن يستعين في قضائه بما هو متعارف بين الناس لأنه ليس علما خاصا به دون غيره ، كمثل بعض المعلومات الفنية الثابتة أو بعض المعلومات الجغرافية و العلمية.

           و عليه فليس للقاضي و إن كان ذا اختصاص في مجال الطب مثلا، أن يستعين بخبرته الطبية بل                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                         عليه أن يعين خبيرا للقيام بالخبرة اللازمة و التي تكون محلا للنقاش من طرف الخصوم.

    بالنسبة للفقه الإسلامي: أجمع العلماء على أنه من حق القاضي أن يقضي بعلمه في تعديل الشهود و تجريحهم، أما فيما عدا هاته المسألة فإن المذاهب مختلفة:

        المالكية و الحنابلة: الراجح عندهم أن القاضي لا يقضي بعلمه مطلقا سواء في حد أو في حق من الحقوق، و ذهبوا إلى أبعد من ذلك فقالوا إذا أقر الخصم أمام القاضي ثم أنكر إقراره فلا يقضي القاضي بذلك الإقرار إلا إذا أشهد عليه،و حجتهم في ذلك قوله صلى الله عليه و سلم:" إنما أنا بشر و إنكم تختصمون إلي و لعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه". فدل الحديث على أنه يقضي بما سمع لا بما يعلم، وذهب الإمام سحنون و عبد المالك من المالكية إلى أنه بإمكان القاضي أن يحكم بعلمه الشخصي، وهو نفس ما ذهب إليه الإمام ابن قيم الجوزية و الإباضية كما يقول الإمام ابن حزم الظاهري :" فرض على الحاكم أن يحكم بعلمه في الدماء و القصاص و الأموال و الفروج و الحدود     سواء علم ذلك قبل ولايته أو بعد ولايته و أقوى ما حكم به بعلمه ثم الإقرار ثم بالبينة" [16].

         أما الحنفية فقالوا بأن القاضي لا يقضي بعلمه في الحدود، أما بالنسبة لحقوق العباد فإنه يجوز أن يقضي بما علم إذا كان ذلك العلم وقع في زمن ولايته ومحله، لأن علمه أولى من شهادة الشاهدين فالمقصود من البينة هو العلم بوقوع الحادثة و لما جاز له الحكم بها جاز له الحكم بعلمه بطريق أولى لأن البينة ليست مقصودة لذاتها، و أما ما علمه قبل ولايته أو في غير محله فلا يقضي به، و خرج عن هذا أبا يوسف و محمد فقالوا بجواز قضائه كما في حال ولايته و محلها [17]، و ليس له أن يحكم بعلمه في الحدود لأن الحدود يحتاط في درئها و ليس من الاحتياط الحكم بعلم نفسه.

        الشافعية: الراجح عندهم أنه يجوز للقاضي أن يحكم بعلمه مطلقا في غير حدود الله تعالى، و حجتهم حديث عائشة – رضي الله عنها- في قصة هند مع زوجها أبي سفيان حيث قال لها الرسول صلى الله عليه و سلم:" خذي ما يكفيك و ولدك بالمعروف". فقالوا أنه صلى الله عليه و سلم قضى لها دون أن يسمع قول خصمها و من غير بينة و لا إقرار لعلمه بصدقها.

        و قالوا أن القاضي يحكم بما يفيد الضن عنده و هو الشاهدان أو شاهد و يمين، فمن باب أولى أن يحكم بما هو ثابت عنده [18].



    الفرع الثاني: الحق في الإثبات و مواجهة الدليل بضده:



        كل شخص يدعي بواقعة توافرت فيها الشروط اللازمة قانونا يكون له الحق في إثباتها ،فإذا لم يمكنه القاضي من ذلك، كان إهدارا لحقه في الإثبات و إخلالا بحقه في الدفاع يجعل الحكم مشوبا بالبطلان و محل نقض، و يخول هذا الحق للخصم إثبات الواقعة بالطرق التي حددها القانون، فإن كان القانون قد خول للشخص حق طلب إجراء تحقيق فيما ادعاه فليس للقاضي أن يرفض هذا الطلب دون أساس قانوني     و على هذا الأساس يمكن للشخص طلب سماع شهود أو إجراء خبرة من شأنها إحداث الأثر القانوني الذي يجعل من الوقائع المدعى بها ثابتة في نظر القانون ومن ثمة في نظر القاضي، وفي القانون المصري له توجيه ما يراه من أسئلة للخصم من أجل الحصول على إقراره بالواقعة المسببة للأثر القانوني المتنازع عليه، إذ تنص المادة 105 من قانون الإثبات المصري: " للمحكمة أن تستجوب من يكون حاضرا من الخصوم ولكل منهم أن يطلب استجواب خصمه الحاضر"،   كما يجوز لكل من الخصمين أن يوجه اليمين الحاسمة إلى الخصم يقابله حق الخصم الآخر في ردها طبقا لما يتطلبه القانون [1] .

        و حق الخصم   في الإثبات يقابله حق الخصم الآخر في إثبات العكس،   فله أن يطعن في   صحة الورقة بالتزوير إذا كان ما قدمه المدعي لإثبات ادعائه ورقة رسمية، كما له أن ينكر الخط أو الإمضاء وأن يطعن في الورقة العرفية بالتزوير، وله أن يبين عكس ما هو ثابت بها بكتابة أخرى مثلها وفقا لما يقرره القانون و حق الخصم في إثبات العكس أو النفي يصدق أيضا بالنسبة للإقرار و اليمين،   و قد نصت مختلف القوانين الحديثة على حق المجابهة بالأدلة مثلما هو واضح في المواد 94، 110 من قانون الإثبات المصري و المواد 226، 273 من قانون أصول المحاكات المدنية اللبناني [2].

    ويترتب على هذه الوجاهية بالأدلة،   أنه لا يجوز للشخص أن يصطنع لنفسه دليلا و لا أن يلزم بتقديم دليل ضد نفسه [3].

    عدم جواز أن يصطنع لنفسه دليلا : و إلا ضاعت الحقيقة ما بين نزوات الناس و ذلك لأن الأصل في الدليل الذي يتمسك به ضد أحد الخصوم أن يكون صادرا منه فالورقة المكتوبة لكي تكون حجة على الخصم يجب أن تكون بخطة أو بإمضائه، " لو يعطي الناس بدعواهم لادعى أناس دماء رجال و أموالهم" [4]     وبناءا عليه فإنه لا يجوز للقاضي أن يأمر بإجراء التحقيق من أجل تأكيد دليل اصطنعه الشخص لنفسه   فمثلا لو ادعى شخص أنه يملك دليلا في ورقة حررها بنفسه فيما احتج المدعى عليه بأن هذا المحرر لم يحرره المدعي فإنه ليس للقاضي أن   يأمر بإجراء خبرة من أجل التأكد إذا كان المحرر فعلا من صنع المدعي أم لا، لأنه أيا كانت النتيجة المتوصل إليها فإن ذلك لا يفيد في الدعوى شيئا،   مع الملاحظة أن المشرع قد نص في بعض الحالات على جواز تمسك الشخص بدليل صادر منه،   و مثال ذلك ما نصت عليه المادة 330 من القانون المدني من أن دفاتر التجار عندما تتضمن بيانات تتعلق بتوريدات قاموا بها يجوز للقاضي توجيه اليمين المتممة لأحد الطرفين فيما يجوز إثباته بالبينة،   ومعنى ذلك أن بإمكان التاجر أن يستفيد من دليل في الإثبات من صنعه، فإذا قرر القاضي توجيه اليمين المتممة إليه فأنكر المدعي عليه صلة المدعي بتلك الدفاتر فللقاضي سلطة الأمر بإجراء تحقيق من أجل إثبات تلك الصلة. [5]  

    لا يجوز إلزام الشخص بتقديم دليل ضد نفسه : لا يجوز إجبار الخصم على تقديم دليل ضد نفسه مهما كان هذا الدليل قاطعا في الدعوى، غير أن الأخذ بهذه القاعدة على إطلاقها قد يؤدي في الكثير من الأحيان إلى إهدار الحقوق لعدم استطاعة أصحابها تقديم الدليل الذي يكون بحوزة الخصم الآخر، ولذلك نص القانون على مجموعة من الإستثناءات كما هو الحال في القضاء الإداري،   و أيضا ما تنص عليه المادة 16 من القانون التجاري من أنه يجوز للقاضي أن يأمر ولو من تلقاء نفسه بتقديم الدفاتر التجارية أثناء قيام نزاع وذلك بغرض استخلاص ما يتعلق منها بالنزاع ، وهناك بعض التشريعات تجيز إجبار الخصم على عرض الدليل ولو كان   ضده و ذلك عن طريق دعوى مستقلة تسمى بدعوى العرض أو دعوى الكشف و أخذ بها القانون الألماني و السويسري، كما أخذ بها القضاء الفرنسي دون وجود نص في القانون [6].


    المبحث الثاني: وجوب توفر شروط معينة في الواقعة محل التحقيق:



        لا يمكن للقاضي إعمال سلطته في إجراءات التحقيق سواء كانت مقيدة أو مطلقة، إلا بعد توافر مجموعة من الشروط في الواقعة محل المطالبة بإثباتها، و قد نصت على هذه الشروط في القانون الجزائري بصورة مباشرة المادة 61 من ق.إ.م، وهي أن تكون الواقعة محل النزاع متعلقة بالدعوى منتجة فيها و جائز إثباتها، و إدراك هذه الشروط له أهمية بالغة إذ أن الكثير من القضاة لا ينتبهون إليها و ينساقون وراء ادعاءات و مطالب الأطراف دون النظر إلى ما إذا كان الأمر بالتحقيق في تلك الوقائع منتج في الدعوى طبقا للقانون أم لا،   وهكذا نجد قضايا تجاوزت العقد من يوم رفعها إلا أن النتيجة المتوصل إليها بعد الاستئناف و الطعن بالنقض و إجراء خبرة مضادة و ... الخ، أن مسار الفصل فيها خاطئ وغير قانوني بالتركيز على إثبات وقائع غير متعلقة بالدعوى أو غير منتجة فيها. و على ذلك فإننا سوف نتطرق من خلال هذا المبحث إلى المطلبين التاليين:

    المطلب الأول: أن تكون الواقعة محل نزاع و متعلقة بالدعوى.

    المطلب الثاني: أن تكون الواقعة منتجة في الدعوى و جائزة الإثبات.



    المطلب الأول: أن تكون الواقعة محل نزاع و متعلقة بالدعوى:



        يجب على القاضي أولا أن يتأكد من أن الواقعة التي يريد أن تكون محلا للتحقيق محل نزاع ومتعلقة بالدعوى، و ذلك من أجل تفادي التحقيق في وقائع محل إقرار من الخصم باعتباره يعفي الخصم الآخر من الإثبات، و لتفادي أيضا التحقيق في وقائع غير متعلقة بالدعوى، و عليه قسمنا هذا المطلب إلى الفرعين التاليين:

    الفرع الأول: أن تكون الواقعة محل نزاع.

    الفرع الثاني: أن تكون الواقعة متعلقة بالدعوى.



    الفرع الأول: أن تكون الواقعة محل نزاع:



        يجب أن تكون الواقعة المراد إجراء التحقيق فيها متنازعا عليها كقاعدة عامة، فالواقعة المسلم بها لا فائدة من التحقيق فيها إذ الاعتراف بها بمثابة إقرار و الإقرار يعفي من الإثبات، ولكي تكون الواقعة متعلقة بالدعوى يجب أولا أن يكون متنازعا فيها لآن الهدف من إجراءات التحقيق هو الفصل في وقائع متنازع فيها [7] ، و عليه فإن الواقعة غير المتنازع عليها لا جدوى من التحقيق فيها كقاعدة عامة فادعاء خصم بواقعة معينة ولتكن وجود علاقة دائنية مثلا فإن اقرار الخصم الآخر بوجود هذه العلاقة و منازعته في مقدار الدين فقط،   فإنه في هذه الحالة لا يجوز للقاضي أن يأمر بإجراء من إجراءات التحقيق يكون الهدف منه إثبات وجود علاقة الدائنية، و إنما له إجراء تحقيق فيما يخص مقدار الدين على اعتبار أنها واقعة متنازع فيها، و إذا كان إقرار الخصم بالواقعة مركبا لا يجوز تجزئته فمن حق الخصم الآخر أن يطلب من القاضي إثبات الواقعة عن طريق إجراءات التحقيق و للقاضي سلطة تقديرية في ذلك،   فله أن يأمر بها إذا تبين له من ظاهر الحال عدم صحة ذلك الإقرار، و أما إذا كان الهدف من الإقرار هو الإضرار بشخص ثالث فإن لهذا الأخير التدخل في الدعوى بناءا على نص المادة 81 ق.إ.م. من أجل إقامة الدليل على عدم صحة الواقعة محل الإقرار.

         و الواقعة محل النزاع بداهة يجب أن تكون محددة غير مجهلة حتى يتأكد القاضي من أن النزاع واقع على نفس الواقعة ، بحيث لا يقبل الإدعاء بإثبات دين معين مثلا بغير بيان مصدره الذي يستند إليه و تقدير ذلك يدخل في إطار السلطة التقديرية لقاضي الموضوع و لا رقابة عليه من المحكمة العليا متى كان تسبيبه سائغا.    



    الفرع الثاني: أن تكون الواقعة متعلقة بالدعوى:



         يقصد بكون الواقعة المراد إثباتها متعلقة بالدعوى أن تكون متصلة بالحق المدعى به اتصالا وثيقا فإذا كانت منقطعة الصلة بموضوع الدعوى فلا فائدة من إثباتها.

        و تظهر أهمية هذا الشرط في الإثبات المباشر حين ينصب على الواقعة مصدر الحق كأن يثبت المؤجر عقد الإيجار لكي يطالب بالأجرة، غير أن هذا الإثبات المباشر كثيرا ما يكون   متعذرا لذلك خول القانون و القضاء للمدعي في كثير من الحالات اللجوء إلى الإثبات غير المباشر، فينصب الإثبات على واقعة أو تصرف قانوني ليس مصدرا لذاك الحق وإنما من شأن إثباتها توفير دلائل يستنتج منها القاضي وجود الواقعة الأصلية أو يجعلها قريبة الاحتمال، وللقاضي سلطة تقدير ما إذا كان إثبات الواقعة يساعد على الفصل في النزاع أم لا [8].

        ففي هذه الحالة الأخيرة يتعين أن تكون الواقعة المراد إثباتها متصلة بالحق المدعى به بصورة أو بأخرى،   و تقدير هذا الاتصال منوط بالقاضي باعتباره من المسائل الموضوعية، و للمحكمة العليا أن تراقب قاضي الموضوع في هذا المجال عن طريق التسبيب،   فإذا رفض القاضي أن يجيب طلب أحد الخصوم بإثبات واقعة يراها متصلة بالدعوى عن طريق إجراء تحقيق فعليه أن يبين في حكمه الأسباب التي دعته إلى ذلك [9].

    أمثلة: إذا رفع شخص دعوى يطالب   بدين فللخصم الآخر أن يثبت دفع هذا الدين أو المقاصة فيه فهاتين الواقعتين متعلقتين بموضوع الدعوى و بالتالي له أن يطلب إجراء تحقيق عن طريق سماع الشهود، أو الإطلاع على وثائق معينة تثبت ذلك، إلا أنه ليس له أن يثبت بأنه دفع الدين لشخص آخر لأن هاته الواقعة غير متعلقة بموضوع الدعوى، إلا إذا كان هذا الشخص الآخر عبارة عن وسيط مهمته إيصال مبلغ الدين إلى المدعي.

        و في القانون المقارن فإن هذا الشرط نصت عليه المادة 02 من قانون الإثبات المصري : " يجب أن تكون الوقائع المراد إثباتها متعلقة بالدعوى". و المادة 132 أصول المحاكمات المدنية اللبنانية : " يجب أن يكون ما يراد إثباته مجديا في النزاع" ،   وكلمة مجدي المقصود منها أن تكون الواقعة متعلقة بالنزاع منتجة فيه.

         أما فيما يخص المشرع الجزائري فإنه لم ينص صراحة على كلمة "متعلقة بالدعوى" ولكنه نص على هذا الشرط بصورة غير مباشرة بنصه في المادة 61 ق.إ.م على :" لا يجوز الأمر بالتحقيق لإثبات الوقائع التي تكون بطبيعتها قابلة للإثبات بشهادة الشهود و التي يكون التحقيق فيها جائزا و منتجا في الدعوى". فعندما نص المشرع على كلمة منتجة في الدعوى يكون قد نص بصورة غير مباشرة على شرط أن تكون الواقعة متعلقة بالدعوى ،لأنه لا يمكن تصور أن يكون إثبات الواقعة منتجا في الدعوى دون أن   تكون هاته الأخيرة متعلقة بموضوع النزاع.


    المطلب الثاني: أن تكون الواقعة منتجة في الدعوى و جائزة الإثبات:



         من المقرر قانونا أنه لا يجوز الأمر بإجراء تحقيق في الدعوى ما لم تكن الواقعة منتجة في الدعوى و جائزة الإثبات قانونا، و قد يتصور لأول وهلة أن شرط أن تكون الواقعة منتجة في الدعوى مستغرق بشرط كونها متعلقة بالدعوى، غير أن هذا لا يصدق في كل الحالات مثلما سنبينه أدناه.

        و قد قسمنا هذا المطلب إلى الفرعين التاليين:

    الفرع الأول: أن تكون الواقعة منتجة في الدعوى.

    الفرع الثاني: أن تكون الواقعة جائزة الإثبات قانونا.



    الفرع الأول: أن تكون الواقعة منتجة في الدعوى:



        أي أنها تدخل في تكوين اقتناع القاضي ومن شأن إثباتها التأثير في الحكم الذي سيصدر [10] ، و لا يشترط أن يكون إثباتها حاسما للفصل في الدعوى، بل يكفي أن تساهم في تكوين اقتناع القاضي، و إنما يشترط أن يكون هناك نص قانوني - كأصل عام-   يجعل الواقعة في حالة ثبوتها أساسا لحق من الحقوق فإدعاء شخص اكتساب ملكية عقار بالتقادم و يطلب إجراء تحقيق من أجل إثبات حيازته لذلك العقار لمدة 07 سنوات مثلا،   فهذه الواقعة و إن كانت متعلقة بالدعوى إلا أنها غير منتجة فيها لأن مدة الحيازة المراد إثباتها أقل من المدة اللازمة لكسب ملكية العقار بالتقادم [11]، مع الملاحظة أنه ليس من الضروري إرشاد القاضي إلى النص لأنه مفروض فيه علمه به [12] ، كما أنه تجدر الإشارة حسب نص المادة الأولى من القانون المدني فإن للواقعة أثر قانوني حتى و إن لم يوجد نص قانوني بذلك إذا كان هذا الأثر متضمن في مبادئ الشريعة الإسلامية،   فإن لم يوجد النزاع فبمقتضى العرف أو مبادئ القانون الطبيعي و قواعد العدالة، هذا فيما يخص النزاع ذو الطابع المدني ، أما إذا كان ذو طابع تجاري فإن الواقعة تعتبر منتجة في الدعوى إذا كان الأثر القانوني متضمنا بنص القانون، أو بمقتضى العرف طبقا لنص المادة الأولى مكرر من القانون التجاري.

        وشرط كون الواقعة منتجة في الدعوى يتصل بشرط تعلق الواقعة بالدعوى،   فكل واقعة منتجة في الدعوى تكون لا محالة متعلقة بها والعكس غير صحيح، إذ أنه ليست كل واقعة متعلقة بالدعوى بالضرورة منتجة فيها،   ولذلك ذهب الفقه الراجح إلى وجوب الفصل ما بين شرطي التعلق و الإنتاج فيقوم القاضي حين عرض الواقعة عليه أولا بفحص مدى تعلقها بالدعوى فإن وصل إلى نتيجة تؤكد هذا التعلق فإنه يقبلها ثم ينتقل إلى فحص مدى إنتاجها في الدعوى،   وهذا الشرط الأخير في الحقيقة لا يظهر غالبا إلا بعد المضي في إجراءات التحقيق، و عليه فإن القاضي غالبا ما يتجاوز عن مسألة البحث في الواقعة، هل هي منتجة في الدعوى أم لا ؟ إذ ليس من المؤكد أن يحصل المدعي على ما يرمى إليه من إثبات الحالة أو سماع الشهادة مثلا، و لقاضي الموضوع السلطة التقديرية في اعتبار الواقعة منتجة في الدعوى أم لا،   ولا رقابة للمحكمة العليا عليه في ذلك، كما ليس للخصوم الاتفاق على اعتبار الواقعة منتجة في الدعوى وكل اتفاق على خلاف ذلك لا يلزم القاضي في شيء، و تجدر الإشارة إلى أن القاضي المكلف بقضايا الاستعجال له وضع خاص مستمد من خصوصيات القضاء الإستعجالي نفسه فشرط أن تكون الواقعة المراد إثباتها منتجة في الدعوى غير مطلوب في القضاء الإستعجالي باعتباره قضاءا وقتيا لا يمس بأصل الحق، و انطلاقا من هذه الخصوصية فإن القاضي المكلف بقضايا الاستعجال لا يمكنه الأمر بأي إجراء من إجراءات التحقيق يكون من شأنه المساس بأصل الحق [13]. كما أنه في حالة إلتماس إعادة النظر فإن التحقيق يجب أن يتوقف على النقطة المثارة فقط. [14]



    الفرع الثاني: أن تكون الواقعة جائزة الإثبات قانونا:



        و المقصود بهذا الشرط حسب بعض الفقه هو أن لا تكون الواقعة مستحيلة الإثبات عقلا أو قانونا و يكون ذلك في الحالات التالية:

    1- إذا كانت الواقعة مستحيلة الإثبات بالنظر إلى طبيعتها و بحسب المتصور عقلا، مثل إثبات رابطة البنوة بين شخصين ذوي سن متقاربة فمثل هذه الواقعة يرفض القضاء طلب إثباتها لما تتضمنه إباحة الإثبات مع استحالتها عقلا من إضاعة وقت القضاء، ومن ثم لا يمكن التصور إطلاقا أن يلجأ القاضي إلى إجراء خبرة في هذه الحالة ، ويأمر بإجراء فحص الحمض النووي a.d.n بناءا على نص المادة 40/02 من قانون الأسرة، ولكن ليس هناك ما يمنع من إثبات أمور قد تكون من خوارق العادات إذا كان من المحتمل حدوثها، و العبرة بظروف الحال و المكان و الزمان [15] .

    2- إذا منع القانون إثبات واقعة ما ، ويكون ذلك بسبب يتعلق بالنظام العام و الآداب العامة كإثبات عقد بيع المخدرات، أو منافاتها لقرينة قانونية قاطعة مثل إثبات واقعة تتعارض مع حجية الشيء المقضي فيه مع الملاحظة في هذه النقطة أن القانون الجزائري نص في المادة 338 ق.م على أن هاته القرينة ليست من النظام العام، فلا يجوز للمحكمة أن تأخذ بها تلقائيا وهذا عكس ما هو موجود في القانون المصري منذ تعديل قانون الإثبات سنة 1968 [16]   وكذلك لا يجوز إثبات عكس ما هو ثابت مثلما تنص المادة 342/1 ق.م بأن الإقرار حجة قاطعة على المقر فلا يمكن اللجوء إلى إجراء من إجراءات التحقيق من أجل إثبات عكسه.

    3- قد يحدد المشرع طريق إثبات الواقعة القانونية فعلى القاضي أن يتقيد به، فلا يمكنه الحكم في الواقعة المتنازع عليها إلا بمقتضى الدليل الذي أباحه القانون و استفاء الإجراءات المبينة فيه [17]، ومثال ذلك ما نصت عليه المادة 333 ق.م الجزائري على وجوب إثبات الدين المدني الذي يتجاوز 100 ألف دينار بالكتابة [18] ، فلا يمكن للقاضي اللجوء إلى التحقيق عن طريق سماع الشهود من أجل إثبات دين يفوق هذه القيمة، كما يظهر ذلك جليا أيضا من خلال قرار المحكمة العليا الصادر عن غرفة الأحوال الشخصية في 15/06/1999، الذي نقض قرار المجلس القضائي القاضي بتعيين خبير طبي قصد تحليل الدم للوصول إلى تحديد النسب، لأن المادة 40 من قانون الأسرة قبل تعديلها في 2004 حصرت طرق إثبات النسب بالزواج الصحيح و بالإقرار و بالبينة و بنكاح الشبهة، و بكل نكاح تم فسخه قبل الدخول. [19]

    مع الملاحظة أن كون الواقعة مما يجوز إثباتها قانونا من عدمه هي مسألة قانونية تخضع لرقابة المحكمة العليا، وهذا بخلاف كون الواقعة متعلقة بالدعوى أو منتجة فيها فهي مسألة موضوعية.  


    الفصل الثاني: مظاهر سلطة القاضي المدني في إجراءات التحقيق في الدعوى:



           إن دراسة النقاط المتطرق إليها في الفصل الأول قد بينت لنا مجموعة من الضوابط والقيود التي يحول عدم توافرها كليا أو جزئيا دون الحديث عن سلطة القاضي في إجراءات التحقيق في الدعوى، إذ يجب للتطرق إلى سلطة القاضي في التحقيق أن تتوافر جميع الشروط المنوه عنها في الفصل الأول بعدها تأتي مرحلة التمييز مابين السلطة التقديرية و السلطة المقيدة للقاضي في هذه الإجراءات، إذ أن سلطته تختلف باختلاف إجراءات التحقيق المذكورة في القانون، فسلطته في الخبرة مثلا ليست هي نفسها سلطته في الانتقال إلى المعاينة، وقد راعى المشرع هذا الاختلاف حسب طبيعة وأهمية إجراء التحقيق والفائدة المرجوة منه ،وحتى تكتمل دراستنا لهذه المذكرة على أحسن وجه يجب علينا التطرق إلى سلطة القاضي في الأمر بإجراء التحقيق من عدمه، وهل هذه السلطة متوقفة على شرط أم أنها نابعة من تلقاء نفسه كما يجب التطرق إلى سلطته أو مدى إمكانية التراجع عن الأمر بإجراء التحقيق بعد اتخاذه، ومدى التزامه بالدليل الذي ينتج عن إجراء التحقيق.

      من أجل ذلك قسمنا هذا الفصل إلى المبحثين التاليين:

    المبحث الأول: سلطة القاضي المدني في الأمر بإجراء التحقيق في الدعوى.

    المبحث الثاني: سلطة القاضي المدني في العدول عن الأمر بإجراء التحقيق و تقدير الدليل الناتج عنه.



    المبحث الأول: سلطة القاضي المدني في الأمر بإجراء التحقيق في الدعوى:



           إن التساؤل الذي يطرح بعد أن يتأكد القاضي من توافر جميع المبادئ العامة التي تضبط سلطته من كون أن الواقعة متعلقة بالدعوى متنازع فيها، منتجة وجائز إثباتها، وأن الإجراء الذي قد يتخذ للتحقيق لا يخرق أي مبدأ من مبادىء حياد القاضي ومختلف الضوابط الأخرى، هل له أن يأمر من تلقاء نفسه باتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق وهل له سلطة عدم الأمر بذلك في مطلق الأحوال؟ .

    إن الإجابة على هذا التساؤل يحتم علينا التطرق إلى المطلبين التاليين:

    المطلب الأول: سلطة القاضي المدني في الأمر بإجراء الخبرة، مضاهاة الخطوط، و دعوى التزوير الفرعية.

    المطلب الثاني: سلطة القاضي المدني في الأمر بإجراء الشهادة، اليمين، و الإنتقال للمعاينة.



    المطلب الأول: سلطة القاضي المدني في الأمر بإجراء الخبرة، مضاهاة الخطوط، و دعوى التزوير الفرعية:

    إن أول شيئ على القاضي التحقق منه هو مدى سلطته في الأمر بإجراء التحقيق من عدمه، و مختلف الإجراءات التي يجب مراعاتها، إذ أن هذه السلطة تختلف من إجراء لآخر، و للتفصيل أكثر قسمنا هذا المطلب إلى الفروع التالية:

    الفرع الأول: الخبرة.

    الفرع الثاني: مضاهاة الخطوط.

    الفرع الثالث: دعوى التزوير الفرعية.



    الفرع الأول الخبرة:



        تنص المادة 48 من ق.إ.م: " يعين القاضي الخبير إما من تلقاء نفسه أو بناءا على اتفاق الخصوم " يتضح من خلال هذه المادة صراحة أن للقاضي سلطة في الأمر بإجراء خبرة من تلقاء نفسه أي أن سلطته تقديرية، كما يتضح أنه ملزم بإجراء تحقيق عن طريق الخبرة في حالة اتفاق الخصوم على ذلك

    غير أنه توجد عدة نصوص قانونية أخرى تجعل من هذه السلطة مقيدة تارة و مطلقة تارة أخرى، كما أن القضاء استقر في حالات أخرى على تحديد هذه السلطة مثلما سنبينه أدناه. مع العلم بوجود إستثناءات خاصة في دعاوى المحاسبة نصت عليها المواد: 310 إلى 319 من ق.إ.م.

    أولا : الحالات التي نص عليها القانون :   نص القانون على عدة حالات من بينها:

    - إذا اتفق الأطراف على إجرائها، طبقا لنص المادة 48 المذكورة أعلاه فإنه يجب على القاضي أن يأمر بها وليس له الاعتراض على اتفاق الخصوم إلا إذا كانت هذه الرغبة ليست لها مبرر أو دعم، وأن ما ورد في ملف الدعوى من أوراق وإثباتات يكفي لتكوين اقتناعه للفصل فيها بكل دقة وموضوعية، وهو ما نصت عليه صراحة المادة 136/01.02 من قانون الإثبات المصري.

    فلا يصح للمحكمة أن تمتنع عن التصديق على هذا الإتفاق حتى و لو لم يكن الخبير المتفق عليه خبيرا في الأمر الموكول إليه.

    - ما نصت عليه المادة 358 من القانون المدني والمتعلقة ببيع العقار بغبن يزيد عن الخمس فللبائع الحق في طلب تكملة الثمن إلى أربعة أخماس ثمن المثل، ويجب لتقدير ما اذا كان الغبن يزيد عن الخمس أن يقوم العقار بحسب قيمته وقت البيع، وانطلاقا من أن تقييم العقار مسألة فنية تحتاج الى خبرة أهل الاختصاص فإن القاضي ملزم لتقدير ما إذا كان النقص يزيد عن الخمس أن يقوم بتعيين خبير لذلك.

    - ما نصت عليه المادة 194 ق التجاري،إذ تنص في فقرتها الثانية على:" غير أنه إذا طالب المستأجر بتعويض الإخلاء، جاز للطرف الذي يهمه التعجيل أن يتم دعواه أمام رئيس المحكمة الناظرة في القضايا المستعجلة ليأمر بإجراءات الخبرة اللازمة و ذلك قبل إنتهاء الأجل المنصوص عليه في الفقرة السابقة".

     
    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 6322
    نقاط : 17825
    تاريخ التسجيل : 28/06/2013
    العمر : 33

     سلطات القاضي المدني في اجراءات التحقيق في الدعوى. Empty رد: سلطات القاضي المدني في اجراءات التحقيق في الدعوى.

    مُساهمة من طرف Admin الجمعة يوليو 19, 2013 5:31 pm

    الفرع الثاني: مضاهاة الخطوط:



    وهي مجموعة من الإجراءات التي وضعها القانون لإثبات صحة المحررات التي يحصل إنكارها وهي تختلف عن الإجراءات المتبعة فيما يخص الرسمية ذلك أن هاته الأخيرة تعتبر حجة بما تضمنته [12]، ويستشف من خلال نص المادة 76 ق.إ.م أن القاضي ملزم بالأمر بإجراء مضاهاة الخطوط كلما رأى أن هذه الوسيلة المنتجة في الدعوى، إذ تنص الفقرة الأول منها على:" إذا أنكر أحد الخصوم الخط أو التوقيع المنسوب إليه، أو ادعى عدم تعرفه على خط أو توقيع الغير فيجوز للقاضي أن يصرف النظر عن ذلك إذا رأى أن هذه الوسيلة غير منتجة في الفصل في النزاع، و إلا فإنه يؤشر بإمضائه على الورقة المطعون فيها ويأمر بإجراء تحقيق الخطوط إما بمستندات أو بشهود، وإذا لزم الأمر فبواسطة خبير".

    وهذا ما أكده قرار المحكمة العليا رقم 99842 المؤرخ في 03/06/1992 جاء فيه:" من المقرر قانونا أنه إذا أنكر أحد الخصوم الخط أو التوقيع المنسوب إليه في وثيقة يرى القاضي أنها وسيلة منتجة للفصل في النزاع يؤشر بإمضائه على الورقة المطعون فيها ويأمر بإجراء تحقيق الخطوط إما بمستندات أو بشهود، وإذا لزم الأمر فبواسطة خبير، ولما كان من الثابت في قضية الحال أن قضاة الموضوع عند مناقشتهم دفوع الطاعن اكتفوا بسماع البائع واستبعدوا العقد العرفي المحتج به رغم أنه وسيلة منتجة للفصل في النزاع، وكان عليهم الاستماع إلى الشاهدين الذين حضرا تحريره وعليه فإنهم قد خالفوا القانون وقصروا في تسبيب قرارهم مما يتوجب نقضه " [13].

    و تظهر السلطة التقديرية للقاضي في مضاهاة الخطوط بصورة غير واضحة، خصوصا من خلال نص المادة 77 من ق إ م التي وإن تركت للقاضي سلطة اختيار الأوراق التي تقبل للمضاهاة إلا أنها نصت على مجموعة من الأوراق باعتبار أن لها أولوية، ولكن على الرغم من ذلك إذا رأى القاضي بأن مضاهاة الخطوط تكون أجدى وأنفع إذا اعتمدت أوراق أخرى غير تلك المذكورة في المادة 77 فله أن يعتمد عليها.



    الفرع الثالث: دعوى التزوير الفرعية:



    يعرف الادعاء بالتزوير بأنه كل طلب يطعن في تزوير وثيقة أو ورقة مقدمة في الدعوى من أجل الإثبات [14]،و يقع التزوير المادي بإحدى طريقتين: الأولى اصطناع ورقة لا وجود لها و إسنادها إلى موظف عمومي مختص ما يوهم بأنها ورقة صحيحة، أو إسنادها إلى شخص معين للتحجج بها عليه، و الثانية إحداث تغييرات مادية في الورقة بالمحو أو الإضافة أو الحشو بين سطورها [15].

    و تظهر السلطة المقيدة للقاضي في هذا الشأن من خلال المادة 79 من ق.إ.م في أنه ملزم بالقيام بالإجراءات المحددة قانونا إذا تراءى له أن الفصل في الدعوى يتوقف على المستند المدعى تزويره، وفي هذا الشأن ورد قرار للمحكمة العليا رقم 34700 مؤرخ في 26/06/1985 ، جاء فيه:" من المقرر قانونا أنه يجوز الطعن بالتزوير في أي وثيقة مقدمة في الدعوى، سواء كانت وثيقة عرفية أو رسمية، وأنه ليست للجهة القضائية أن تصرف النظر عن الطعن بالتزوير إلا إذا تراءى لها أن الفصل في الخصومة الأصلية لا يتوقف على المستند المدعى بتزويره، ومن ثمة فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقا للقانون، ولما كان ثابتا في قضية الحال أن المستند المدعى بتزويره يتوقف عليه الفصل في الدعوى الأصلية، وقد كان على قضاة الموضوع أن يوقفوا الفصل فيها لحين الفصل في دعوى التزوير، إلا أنهم رفضوا ذلك وسببوا قرارهم برسمية العقد فإنهم بهذا القضاء خالفوا القانون" [16].

    وعليه فإنه إذا تراءى للقاضي أن الفصل في الدعوى يتوقف على المستند المدعى بتزويره، فإنه يستدعي الخصم الذي قدمه ليصرح إذا ما كان يتمسك باستعمال ذلك المستند، فإذا صرح هذا الأخير عدم تمسكه باستعماله أو لم يبد أقوالا بشأنه، فإن القاضي ملزم باستبعاد المستند المطعون فيه، أما إذا صرح أنه يتمسك باستعماله فإنه على القاضي أنه يوقف الفصل في الطلب الأصلي ويأمر بإجراء المضاهاة المطلوبة وذلك وفقا للمادة 80 من ق.إ.م، فإذا ثبت أن الوثيقة صحيحة فإن القاضي يفصل في الدعوى الأصلية مع أخذه بعين الاعتبار ما ورد في الوثيقة أما إذا ثبت تزويرها فأن القاضي في هذه الحالة يفصل في الدعوى مع استبعاد الوثيقة المزورة. [17]

    وبالنسبة للمجلس القضائي فإن نفس الإجراءات تتبع طبقا لما تنص عليه المادة 156 ق.إ.م.

    مع الإشارة إلى أنه وفقا للقانون الجزائري فإن اختصاص قاضي الدرجة الأولى في إجراءات التحقيق في صحة الادعاء بالتزوير من عدمه أثارت جدلا فقهيا، غير أن الرأي الغالب هو أن الاختصاص لا ينعقد إلا لقضاة المجلس القضائي و ذلك انطلاقا من نص المادة 156/03 من ق.إ.م التي تنص على :" و في الحالة الثانية و كذلك في حالة التأجيل المقرر وفقا للفقرة الثانية من المادة 80 يجري المجلس التحقيق في الطلب الفرعي" [18] .

    و في القانون المصري فإن القاضي المثار أمامه الطعن بالتزوير يقضي فيه، سواء كان قاضي الدرجة الأولى أو غيره [19] ، و الأكثر من ذلك أنه يمكنه القضاء بصحة الورقة المقدمة في الدعوى دون أن يكون ملزما بالسير في إجراءات الادعاء بالتزوير متى ظهر له ذلك بناءا على أسباب مقبولة، و من جهتنا فإننا نرى أنه لا يوجد ما يمنع القاضي الجزائري بالعمل بهذه السلطة شريطة أن يكون حكمه مسببا تسبيبا كافيا [20].

    هل يحق للقاضي إثارة تزوير مستند من تلقاء نفسه؟ : لا يملك الادعاء بالتزوير إلا أحد الخصوم الممثلين في الدعوى أو أحد خلفائهم و لو كان هو الذي قدمها، و لا يجوز لغير هؤلاء أن يتدخل في الدعوى الأصلية للطعن بالتزوير في ورقة مقدمة فيها و لو كانت له مصلحة في إثبات تزويرها ما دامت ليست له مصلحة متعلقة بموضوع الحق المطالب به في الدعوى الأصلية و سبيله إلى ذلك رفع دعوى تزوير أصلية [21] .

    و بالنسبة للقاضي فقد ذهب البعض إلى عدم جواز إثارة تزوير مستند من تلقاء نفسه، على أساس أن الطعن بالتزوير لا يعدو أن يكون دفاعا موضوعيا و بالتالي لا يجوز للقاضي أن يتبرع للخصم به، إلا أن الرأي الراجح في الفقه المصري هو أنه يجوز للقاضي من تلقاء نفسه إثارة تزوير وثيقة مقدمة أمامه بناءا على نص المادة 58 من قانون الإثبات المصري، التي تجيز للقاضي أن يحكم برد أي محرر و لو لم يدع أمامه بالتزوير إذا ظهر له بجلاء من حالته أو من ظروف الدعوى أنه مزور وهو ما استقر عليه قضاء محكمة النقض المصرية [22]، و بالنسبة للتشريع الجزائري فإننا لم نجد ما يقابل نص المادة 58 المذكورة أعلاه و بالتالي فإننا نعتقد أن القاضي الجزائري لا يمكنه إثارة تزوير محرر من تلقاء نفسه.

    الطعن بالتزوير في مجال القضاء المستعجل : ينظر قاضي الأمور المستعجلة من ظاهر أوراق الدعوى و مستنداتها مدى جديته من عدمه، فإذا ظهر له جديته و كانت صحة المحرر المطعون فيه أو تزويره منتجة في أصل الحق إمتنع على القاضي المضي في إجراءات التحقيق لأن ذلك سوف يؤدي إلى المساس بأصل الحق، فيحكم بعدم الاختصاص نوعيا لحاجة الأمر إلى بحث متعمق موضوعي لا يتسع له مجال القضاء المستعجل.كما لا يحق له القضاء ببطلان الادعاء بالتزوير لعدم إعلانه في المهلة المحددة للتقرير به لمساس ذلك بالموضوع، فكل ما يتسع له نطاق اختصاصه هو تقدير مدى جدية الادعاء بالتزوير من عدمه [23].



    المطلب الثاني: سلطة القاضي المدني في الأمر بإجراء الشهادة، اليمين، و الانتقال للمعاينة:



    بالإضافة إلى نص المشرع على سلطة القاضي في الأمر بإجراء التحقيق في الخبرة، مضاهاة الخطوط و دعوى التزوير الفرعية، ما بين التقييد و الإطلاق مثلما سبق بيانه فإنه نص على نفس الشيئ بالنسبة للشهادة، اليمين و الإنتقال للمعاينة، وهذا ما سنبينه في هذا المطلب من خلال الفروع التالية:

    الفرع الأول: الشهادة.

    الفرع الثاني: اليمين.

    الفرع الثالث: الانتقال إلى المعاينة.





    الفرع الأول: الشهادة:

    هي إخبار الإنسان أمام القضاء بحق على غيره لغيره [24] ، و تظهر السلطة المقيدة للقاضي في مجال الشهادة في أنه لا يمكنه أن يأمر بها إلا في حالات معينة ورد ذكرها في المواد 333 إلى غاية 336 ق.م مع الملاحظة أنه في المواد التجارية تتسع سلطة القاضي في الأمر بالشهادة بالمقارنة مع ما هو الحال في المواد المدنية.

    و لكي يأمر القاضي بالاستماع إلى الشهود يجب أن يراعي بالإضافة إلى ما ورد في الفصل الأول من هذه المذكرة الشروط المتعلقة بالشهود، فقد ميز القانون بين ثلاث فئات من الأشخاص:

    الفئة الأولى: تتمثل في الأشخاص الذين لا يجوز سماع شهادتهم كأصل عام وهم:

    - الذين ورد ذكرهم في نص المادة 64 ق.إ.م، التي تنص على:" لا يجوز سماع شهادة أقارب أحد الخصوم أو أصهاره على عمود النسب أو زوج أحد الخصوم ولو بعد الطلاق.

    ولا يجوز كذلك قبول شهادة إخوة وأخوات وأبناء عمومة الخصوم.

    ومع ذلك فالأشخاص المذكورين في هذه المادة باستثناء الأبناء يجوز استدعاؤهم للشهادة في الدعاوى الخاصة بمسائل الحالة والطلاق .

    ويجوز سماع القصر الذين لم يتموا الخامسة عشرة دون تحليفهم اليمين.

    وأما الأشخاص فاقدوا الأهلية للشهادة أمام القضاء فلا يحلفون اليمين وإنما تسمع شهادتهم على سبيل الاستدلال.

    و كل شخص غير من ذكر تقبل شهادته فيما عدا فاقدي الأهلية ".

    وقد ورد في قرار للمحكمة العليا رقم 74739 ، المؤرخ في 10/07/1991 ما يلي:" من المقرر قانونا أنه لا يجوز سماع شهادة أقارب أحد الخصوم أو أصهاره على عمود النسب ومن ثمة فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقا للقانون، ولما كان من الثابت في قضية الحال أن قضاة الاستئناف بسماعهم لأشخاص ذوي قرابة بأحد الخصوم يكونوا قد خالفوا القانون" [25].

    وهو نفس الشيء الذي ورد في قرار آخر للمحكمة العليا رقم 179557 مؤرخ في 17 /03/1996 منشور بالمجلة القضائية العدد الثاني لسنة 1998 الصفحة 79.

    - ما ورد ذكره في المادة 69 و 70 ق.إ.م وهي تتعلق بالشخص الذي قبل تجريحه، ويكون ذلك بسبب عدم أهليته للشهادة أو بسبب قرابته لأحد الخصوم، أو لأي سبب جدي آخر .

    الفئة الثانية: وهم الأشخاص الذين لا تسمع شهادتهم إلا على سبيل الاستدلال، وهم الذين لم يتموا الثامنة عشرة سنة طبقا للمادة 66 من ق.إ.م، كما يجوز سماع فاقدي الأهلية للشهادة على سبيل الاستدلال دون أن يحلفوا اليمين طبقا لنص المادة 67/1 ق.إ.م.

    الفئة الثالثة: تتمثل في الأشخاص الآخرين الذين تقبل شهادتهم وتطبق بشأنهم الإجراءات المنصوص عليها قانونا.

    - على القاضي أن يحدد في حكمه الوقائع المراد سماع الشهادة فيها، و يوم و ساعة الجلسة المحددة لإجرائه طبقا لنص المادة 62 ق،إ،م [1].

    - يجب على القاضي أن يمنح للشهود مدة 05 أيام على الأقل ما بين استلامهم للإعلان و بوم حضورهم لجلسة التحقيق، ويستثنى من ذلك حالة الاستعجال طبقا لنص المادة 67/01 ق.إ.م.

    - يجب على القاضي أيضا أن يسمع شهادة كل شاهد على انفراد بحضور الخصوم أو في غيابهم، وقبل أن يؤدي الشهادة يجب أن يذكر اسمه، لقبه، مهنته، سنه، وموطنه ومدى قرابته أو مصاهرته لأحد الخصوم، ويحلف اليمين بأن يقول الحق و إلا كانت شهادته باطلة طبقا لنص المادة 65 ق.إ.م، و طبقا للمادة 72 ق.إ.م فإنه تتلى على كل شاهد أقواله، ويقوم بالتوقيع عليها أو ينوه بأنه لا يعرف أو لا يمكنه التوقيع، أو أنه يمتنع عن ذلك، كما يوقع القاضي على النسخة الأصلية للحكم الذي يتضمن بيان يوم ومكان وساعة التحقيق وحضور الخصوم أو غيابهم، واسم كل شاهد ولقبه ومهنته وموطنه، وبيان حلف اليمين وإجابتهم عما إذا كانوا أقرباء أو أصهار، أو في خدمة أحد الخصوم، كما يبين في هذا المحضر التجريح الموجه إلى الشاهد ويثبت فيه أقوال الشهود ويشار إلى تلاوتها عليهم، مع الإشارة إلى أنه حسب نص المادة 74 ق.إ.م فإن الدعاوى التي لا يجوز فيها الاستئناف يدون كاتب الجلسة أقوال الشهود في محضره، أما الدعاوى الجائز استئنافها فيحرر محضرا خاصا بأقوالهم.

    و على الرغم من كون الإثبات بالشهادة جائزا قانونا، غير أنه يبقى بعد ذلك للقاضي سلطة تقديرية في السماح به إذ قد يرى القاضي أن الشهادة غير مستساغة فلا يسمح بها بالرغم من أن القانون يجيزها في الإثبات، ويرى السنهوري أنه لا يكفي أن يجيز القانون الإثبات بالشهادة في بعض الأحوال، بل يجب أيضا أن يكون الإثبات بها مستساغا حسب تقدير القاضي، ولا يخضع في تقديره هذا لرقابة محكمة النقض، غير أنه عليه أن يسبب رفضه تسبيبا سائغا و إلا كان حكمه مشوبا بالقصور [2].

    وتظهر السلطة التقديرية للقاضي أيضا من خلال نص المادة 67 ق . إ.م التي تجيز للقاضي الحكم على الشهود الذين يتخلفون عن الحضور بغرامة مدنية لا تتجاوز 50 د.ج مع النفاذ المعجل رغم المعارضة والاستئناف، كما تجيز له إعادة تبليغهم وتحميلهم المصاريف، و إذا تخلف الشهود الذين أعيد تبليغهم يحكم عليهم بغرامة مدنية لا تجاوز مائة دينار، ومع ذلك إذا أبدى الشاهد أعذارا مقبولة عن عدم إمكان الحضور جاز إعفاؤه من الغرامات المحكوم بها عليه مع سماع شهادته، كما أنه يجوز للقاضي من خلال المادة 68 ق.إ.م أن يحدد للشاهد الذي استحال عليه الحضور في اليوم المحدد لسماع شهادته ميعادا آخر أو ينتقل لسماع شهادته، و إذا كان الشاهد مقيما خارج دائرة اختصاص المحكمة فللقاضي أن يلجأ إلى الإنابة القضائية، و تتيح المادة 75 ق.إ.م للقاضي إمكانية أن يصدر حكمه فور إجراء التحقيق، أو أن يؤجله إلى جلسة مقبلة.

    و حول الشكل الذي يجب أن يصدر فيه الأمر بالاستماع للشهود، فإن الواقع العملي يؤكد بأن القاضي يصدر أمره بذلك تارة في شكل مكتوب، و تارة أخرى شفاهة، و إن كانت المادة 43ق،إ،م قد نصت على أنه يكون شفاهة ، غير أنها لم ترتب البطلان على مخالفة ذلك، و من جهتنا فإننا نرى أن يكون الأمر شفاهة تفاديا لإطالة أمد التقاضي [3].



    الفرع الثاني: اليمين:



    هي استشهاد بالله عز و جل على قول الحق مع الشعور بهيبة المحلوف به وجلاله، والخوف من بطشه وعقابه [4] ، وتنقسم اليمين القضائية إلى نوعان يمين حاسمة تحسم النزاع [5] ، وعلى ذلك لا يجوز اللجوء إليها في الدعاوى الإستعجالية [6] ، ويمين متممة الغرض منها تكملة الأدلة المتوفرة في الدعوى .

    أولا: اليمين الحاسمة : طبقا للمادة 343 ق. م فإن سلطات القاضي في توجيه اليمين الحاسمة مقيدة، فلا يمكن توجيهها من تلقاء نفسه بل لا بد أن يكون توجيهها من أحد الخصمين إلى الخصم الآخر و استقر القضاء على أن اليمين على من أنكر [7] ، مع الإشارة إلى أن نفس المادة تجيز للقاضي منع الخصم من توجيه هذه اليمين إذا كان هذا الأخير متعسفا في ذلك [8]، و تقدير التعسف متروك لسلطة القاضي يقدره حسب كل قضية [9].

    ويجوز للقاضي أن يوجهها من تلقاء نفسه في حالة واحدة نصت عليها المادة 312 من القانون المدني، إذ نصت في الفقرة الثالثة منها على:" يجب على من يتمسك بالتقادم لسنة، أن يحلف اليمين على أنه أدى الدين فعلا و هذه اليمين توجه تلقائيا من القاضي إلى ورثة المدين أو إلى أوصيائهم إن كان الورثة قاصرين على أنهم لا يعلمون بوجود الدين أو يعلمون بحصول الوفاء".

    وطبقا لقرار المحكمة العليا رقم 38693 الصادر بتاريخ 17/12/1986 ، فإنه يتحتم على القاضي قبل حسم النزاع تحديد الواقعة المراد التحليف عليها، وإعطاء اليمين وصفها القانوني، وأن يثبت في حكمه أن المكلف بها قد حضر شخصيا وتم إعلانه بصيغتها ودعوته لتأديتها بالمكان والتاريخ المحددين [10].

    كما أن سلطة القاضي مقيدة بالنسبة إلى تعديل صيغة اليمين، فأي تعديل من جانبه يجب أن يكون قاصرا على إيضاح عباراتها فقط، وهو ما جاء في قرار للمحكمة العليا رقم 6707 الصادر بتاريخ 26/10/1988 ، جاء فيه:" اليمين الحاسمة ملك للخصم ليس للقاضي تغيير صياغتها أو معناها بما يؤثر على مدلولها فلا يكون هذا التعديل أن يخرج بالصيغة عن المعنى الذي قصده موجه اليمين" [11].

    و حسب المادتين 433،434 ق،إ،م فإن الخصم يؤدي اليمين بعبارة " أحلف بالله العظيم " و تؤدى اليمين بالجلسة، و في حالة تغيب الموجهة إليه لعذر شرعي ثابت بصفة قاطعة، جاز للقاضي أن ينتقل لمكان تواجده رفقة أمين الضبط، كما أنه يجوز للقاضي أن يقبل أو يأمر أن تكون تأدية اليمين بالصيغة و الأوضاع المقررة في ديانة الحالف، مع تحديد ميعاد و مكان حلفها.

    ثانيا: اليمين المتممة: هي يمين يوجهها القاضي من تلقاء نفسه إلى أحد الخصمين لغرض تكملة اقتناعه حول مسألة متنازع فيها بقيت غامضة أو ناقصة الدليل [12] ، و في هذا الشأن تنص المادة 348 ق.م على :" للقاضي أن يوجه اليمين تلقائيا إلى أي من الخصمين ليبني على ذلك حكمه في موضوع الدعوى أو في ما يحكم به، ويشترط في توجيه هذه اليمين ألا يكون في الدعوى دليل كامل وألا تكون الدعوى خالية من أي دليل".

    فهذه اليمين لا تحسم النزاع كاليمين الحاسمة و إنما مجرد إجراء يلجأ إليه القاضي عند نقص الأدلة ولذلك فإن القاضي يتمتع بسلطة توجيهها [13]، وليس لأحد الخصوم أن يقوم بتوجيهها للخصم الآخر، وفي هذا الشأن يقول الأستاذ لنوف- LENHOFF :" إن للقاضي وحده أن يطلب من أي من الطرفين أداء اليمين وأن الاختيار منوط بتقديره"، وبالإضافة إلى أن للقاضي سلطة تقديرية في توجيه اليمين المتممة أو عدم توجيهها، فإنه يجوز له أيضا أن يوجهها إما إلى المدعي أو إلى المدعى عليه، غير أنه في الغالب فإن القاضي يوجهها للخصم الذي تقدم بالدليل الأرجح ليثبت ادعاءه، ولا يخضع القاضي في ذلك رقابة المحكمة العليا، وفي حالة ما إذا طلب أحد الخصوم من القاضي توجيه اليمين المتممة فإن القاضي تبقى له الحرية والسلطة التامة في تقدير ضرورة توجيهها من عدمه [14].

    وحسب قرار المحكمة العليا رقم 68139 المؤرخ في 12/03/1991 ، فإنه على قاضي الموضوع إذا وجه اليمين المتممة لأحد الخصوم فعليه أن يبين الأساس الذي اعتمد عليه و إلا جاء قراره معيبا بعدم التسبيب [15].

    مع الإشارة إلى أن القاضي لا يمكنه توجيه اليمين المتممة للمدعي لتحديد قيمة المدعى به إلا إذا استحال تحديد هذه القيمة بطريقة أخرى، و يجب عليه في هذه الحالة أن يحدد حدا أقصى للقيمة التي يصدق فيه المدعي به يمينه [16].



    الفرع الثالث: الانتقال إلى المعاينة:



    قد لا يكتفي القاضي في بعض القضايا بما يقدمه الخصوم من أدلة و تقارير ولذلك منح له المشرع سلطة الانتقال للمعاينة، سواء من تلقاء نفسه أو بناءا على طلب الخصوم وذلك طبقا لنص المادة 56 ق.إ.م، لأنه مهما بلغ المدعي في وصف المدعى به من دقة قد يبقى وصفه مبهما لا تتجلى فيه صورة المدعى به في ذهن القاضي، وقد يخالفه خصمه في الوصف فلا يهتدى إلى حقيقة الحال، ولذلك قد يرى القاضي ضرورة الانتقال إلى عين المكان لمعاينة و مشاهدة محل النزاع واستخلاص الدليل، وقد يكون طلب الانتقال إلى المعاينة مقدما من طرف أحد الخصوم غير أن القاضي غير ملزم بالاستجابة لطلبه باعتباره رخصة تمنحها المحكمة متى شاءت [17] ، حتى وإن كان الطلب مقدما من طرف الخصمين معا وللقاضي أن يأمر في الحكم نفسه باستصحاب من يختاره من ذوي الاختصاص طبقا للمادة 57 ق.إ.م كما له أن يندب للمعاينة قاضي محكمة أخرى في حالة ما إذا كان محل النزاع بعيدا عن مقر المحكمة التي يعمل فيها.

    وأثناء المعاينة للقاضي سلطة تقديرية في سماع شهادة أي شخص يرى لزوما لسماع أقواله أو يطلب الخصوم سماع شهادته ، وله اتخاذ الإجراءات التي يراها لازمة وذلك بحضور الشهود طبقا للمادة 58 ق.إ.م - و التي تقابلها المادة 132 من قانون الإثبات المصري- وعند نهاية المعاينة يحرر القاضي محضرا يوقع عليه من طرف الكاتب ويودع في محفوظات قلم الكتاب طبقا لنص المادة 59 ق.إ.م [18]، غير أن عدم تحرير هذا المحضر لا يلحق أي بطلان بالحكم، و هو ما ورد في قرار للمحكمة العليا رقم 221117 المؤرخ في 19/05/1982 إذ جاء فيه:" من المقرر قانونا أن الانتقال للمعاينة إجراء تحقيقي قد يأمر به القاضي ليطلع شخصيا على مواطن النزاع و يبني تقديره عليها بعين المكان، و لما كان هو الحاكم، يكفي أن يثبت في حكمه ما شاهده و قدره دون وجوب تحرير محضر بالمعاينة لاقتصار المادة 59 من ق.إ.م على الإشارة إليه دون ترتيب الجزاء على عدم تحريره". [19]

    مع الإشارة إلى أن الأمر يختلف إذا كان يتعلق بالمجلس القضائي إذ نصت المادة 125 من ق.إ.م على:" يقوم كاتب الضبط بتحرير محضر التحقيق في جميع الأحوال"، فحتى وإن لم ترتب هذه المادة أي جزاء على عدم تحرير محضر المعاينة صراحة، إلا أن الصياغة الواردة فيها و خصوصا عبارة " في جميع الأحوال " توحي بأن الأمر إجباري و مخالفته يرتب البطلان، أما بالنسبة للمشرع المصري فإنه قد نص صراحة في المادة 131 من قانون الإثبات على بطلان المعاينة إذا لم يحرر محضرا بذلك، إذ جاء في الفقرة الثانية من نفس المادة:" و تحرر المحكمة أو القاضي محضرا تبين فيه جميع الأعمال المتعلقة بالمعاينة و إلا كان العمل باطلا".

    و للقاضي سلطة تقديرية في الأمر بالانتقال للمعاينة شفاهيا، أو كتابيا إن رأى ضرورة لذلك، غير أن قضاة المجلس ليس أمامهم إلا إصداره مكتوبا، وهذا ما يستشف من نص المادة 121/02 من ق.إ.م التي تنص على :" إذا صدر أمر بإجراء التحقيق، يبلغ منطوقه بواسطة كتابة الضبط، بناءا على طلب الطرف الذي يهمه التعجيل"، و هو الشيء الذي أكده قرار للمحكمة العليا رقم 98033 مؤرخ في 25/05/1994 إذ جاء فيه :" من المقرر قانونا أنه يجوز للمجلس إصدار أمر بإجراء تحقيق و الانتقال قصد المعاينة الميدانية، على أن يتم ذلك في شكل قرار تحضيري مكتوب، يذكر فيه أعضاء هيأة المجلس المعنيين بالانتقال، و يبلغ منطوقه بواسطة كاتب الضبط بناءا على طلب الطرف المستعجل و يحرر محضرا بالإنتقال في جميع الأحوال.

    و متى ثبت في قضية الحال أن قضاة الموضوع اقتصروا على إصدار أمر شفوي، دون تحرير محضرا بالانتقال لتمكين الأطراف من الإطلاع عليه، فإنهم بذلك قد خرقوا القواعد الجوهرية في الإجراءات، مما يستوجب إبطال القرار المنتقد" [20] .

    غير أن هذا البطلان لا يتعلق بالنظام العام، فلا تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها و إنما يجب أن يتمسك به صاحب المصلحة [21] .

    و نص المشرع المصري في المادة 133 من قانون الإثبات على:" يجوز لمن يخشى ضياع معالم واقعة يحتمل أن تصبح محل نزاع أمام القضاء أن يطلب في مواجهة ذوي الشأن و بالطرق المعتادة من قاضي الأمور المستعجلة الانتقال للمعاينة، و تراعى في هذه الحالة الأحكام المبينة في المواد السابقة ". فالمشرع المصري نص صراحة على أنه في حالة ما إذا خشي الخصم ضياع معالم واقعة يحتمل أن تصبح محل نزاع أن يطلب من قاضي الأمور المستعجلة الانتقال للمعاينة، و تجيز المادة 134 من نفس القانون للقاضي أن يندب أحد الخبراء للانتقال للمعاينة و سماع الشهود بغير يمين، و عندئذ يكون عليه أن يعين جلسة سماع ملاحظات الخصوم على تقرير الخبير و أعماله [22].

    أما في التشريع الجزائري فإننا لم نجد في المواد المتعلقة بإجراءات التحقيق في الدعوى مثل هذه الأحكام غير أن نص المواد 172، 173 من ق.إ.م تجيز للشخص الذي يريد إثبات حالة أن يوجه طلبه هذا إلى رئيس الجهة القضائية المختصة، و لا يفهم من هذا أن رئيس الجهة القضائية هو من ينتقل إلى المعاينة، إذ تنص المادة 172/03.04 ق.إ.م على :" في مادة إثبات الحالة المتصلة بوقائع مادية بحتة أو مادة إنذار غير مطلوب الرد عليه يجوز أن يطلب الخصم إلى الكاتب القيام بالإجراء المطلوب مباشرة بدون أمر سابق من القاضي، و في حالة رفض القيام بالإجراء المطلوب يفصل رئيس الجهة القضائية المختصة في هذا الأمر وفقا للأوضاع المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة .

    و يحرر موظف قلم الكتاب المكلف بالإنذار أو إثبات الحالة محضرا يذكر فيه أقوال و ملاحظات المدعى عليه المحتمل اختصامه أو من يمثله".

    فواضح أن أمين الضبط – سابقا و حاليا المحضر القضائي – هو من يتولى الانتقال لمعاينة الحالة مع تحرير محضر بذلك، كما أنه يجوز للقاضي حسب نص المادة 173ق.إ.م أن يندب خبيرا و على رئيس الجهة القضائية قبل إصداره لهذا الأمر التأكد من :

    01- توافر عنصر الاستعجال: أي أن الواقعة متغيرة المعالم مع الزمن ، أو أن تركها على حالها يضر بأحد الطرفين.

    02- تقيده بقواعد الاختصاص الولائي.

    03- عدم المساس بأصل الحق: فإذا إتضح له من خلال ظاهر المستندات أن في القضاء بندب خبير لإثبات واقعة من شأنه المساس بأصل الحق قضى بعدم الاختصاص النوعي، و على ذلك يجب أن تقتصر مهمة الخبير المنتدب على مجرد التصوير المادي للواقعة، كما يجب عليه تسبيب الحكم الصادر بندب الخبير في دعوى إثبات الحالة و الذي تكون له حجية مؤقتة كسائر الأحكام المستعجلة، و يقيد القاضي الذي أصدره بأن لا يعدل عنه إلا إذا حصل تغيير أو تعديل في الوقائع المادية يؤدي إلى تغيير في الظروف التي أدت إلى إصداره [23] .

    كما يمكن الاعتماد على نص المادة 187 ق،إ،م التي تجيز للقاضي المكلف بالقضاء الإستعجالي أن يتخذ أي إجراء من إجراءات التحقيق يكون ضروريا للفصل في نزاع يحتمل حصوله، شرط اتفاق الخصوم.


    المبحث الثاني: سلطة القاضي المدني في العدول عن الأمر بإجراء التحقيق، و تقدير الدليل الناتج عنه:



    بعد التعرض في المبحث الأول لسلطة القاضي في الأمر بإجراءات التحقيق سواء المقيدة أو المطلقة منها، فإن الأمر يستدعي منا التطرق إلى امتداد هاته السلطة بعد الأمر بإجراء التحقيق ومدى إمكانية عدول القاضي عن هذا الأمر، و ما هي السلطة التي يخوله القانون إياها بعد الانتهاء من إجراء التحقيق والحصول على دليل إثبات، هل القاضي ملزم بذلك الدليل أم أن له سلطة في استبعاده وعدم الأخذ به؟.


    لتوضيح هاته الإشكاليات ارتأينا تقسيم هذا المبحث إلى المطلبين التاليين:

    المطلب الأول: سلطة القاضي في التراجع عن الأمر بإجراء التحقيق.

    المطلب الثاني: مدى تقيد القاضي بدليل الإثبات الناتج عن إجراء التحقيق.



    المطلب الأول: سلطة القاضي في التراجع عن الأمر بإجراء التحقيق:



    قد يجد القاضي في كثير من الأحيان أن أمره بإجراء التحقيق لا ضرورة فيه، و أن بإمكانه القضاء في الدعوى دون إجراء التحقيق الذي أمر به، أو أنه من الأفضل الأمر بإجراء تحقيق آخر، و عليه فإن التساؤل الذي يطرح هو هل بإمكان القاضي العدول عن هذا الأمر؟.

    و الإجابة على هذا التساؤل تقتضي منا التطرق إلى الفرعين التاليين:

    الفرع الأول: في حالة عدم إيداع المبلغ المحدد على ذمة المصروفات التي تستلزمها إجراءات التحقيق.

    الفرع الثاني: في حالة تغير الظروف التي أدت إلى الأمر بإجراء التحقيق.



    الفرع الأول: في حالة عدم إيداع المبلغ المحدد على ذمة المصروفات التي تستلزمها إجراءات التحقيق:



    لقد نصت المادة 44 من ق.إ.م على أنه يجوز للقاضي أن يأمر شفهيا أو بتبليغ من قلم الكتاب مرسل بكتاب موصى عليه بعلم الوصول، بتكليف الخصوم أو أحدهم بأن يودع قلم كتاب المحكمة مبلغا يحدد مقداره على ذمة المصروفات التي تستلزمها إجراءات التحقيق التي أمر بها، فإذا لم يودع هذا المبلغ في الميعاد الذي حدده القاضي استغنى عن الإجراء الذي أمر به وحكم في الدعوى بحالتها، ولا يخل تطبيق أحكام هذه المادة بما هو مقرر في شأن المساعدة القضائية، إذن فحسب هذه المادة يمكن للقاضي أن يستغني عن إجراء التحقيق إذا كان قد أمر أحد الخصوم بايداع مبلغ من النقود كمصرفات لإجرائه ولم يقم هذا الأخير بإيداعه في الوقت المحدد، و تجدر الإشارة هنا إلى أنه إذا كان الأمر بإجراء التحقيق كتابيا أي في شكل حكم، فإن القضية تخرج من يد القاضي – تصبح غير مجدولة – و بالتالي ليس له أن يحكم في الدعوى بحالتها إلا إذا قام أحد الخصوم بإعادة السير فيها، أما إذا كان الأمر بإجراء التحقيق شفاهيا فإن القضية تبقى مجدولة و بالتالي فإن القاضي ينظر القضية من جديد في الجلسة التي حددها، فإن لاحظ بأن إجراء التحقيق لم يتم لعدم إيداع المبلغ الذي قدره فإنه يستغني عن هذا الإجراء ، على الرغم من أن الخصم الذي يودع المبلغ قد يكون من مصلحته عدم إجرائه، و بالتالي فعلى القاضي حين تقديره للمبلغ الذي يودع على ذمة المصروفات أن يلزم به الخصم الذي من مصلحته إجراء التحقيق، و على هذا الأساس فإننا نجد في المحاكم أن القضاة يستعملون عبارة " الطرف المستعجل " دون تحديد المقصود به إن كان المدعي أو المدعى عليه .

    و في القانون المصري فإن المادة 137 من قانون الإثبات نصت على:" إذا لم تودع الأمانة من الخصم المكلف إيداعها و لا من غيره من الخصوم كان الخبير غير ملزم بأداء المأمورية و تقرر المحكمة سقوط حق الخصم الذي لم يقم بدفع الأمانة في التمسك بالحكم الصادر بتعيين الخبير إذا وجدت أن الأعذار التي أبداها لذلك غير مقبولة ". فالمشرع المصري من خلال هذه المادة المتعلقة بالخبرة، أعطى للقاضي المصري نفس السلطة التي يتمتع بها القاضي الجزائري مثلما سبق بيانه، و لكن بصورة أوسع إذ أعطيت له صلاحية أن لا يحكم بسقوط الإجراء إذا أبدى الخصم الملزم به أعذارا مقبولة، كما أنه و حسب الفقه المصري له أن يمنح للخصم رغم عدم إبدائه لأعذار مقبولة مهلة لسداد المبلغ، و له أيضا أن يعفيه منها متى تحقق من تفاهة قيمة الدعوى و عدم ميسرة الخصوم [24] .



    الفرع الثاني: في حالة تغير الظروف التي أدت إلى الأمر بإجراء التحقيق:



    إن التساؤل الذي يطرح هو هل بإمكان القاضي أن يستغني عن إجراء التحقيق في غير الحالة المذكورة في المادة 44 ق.إ.م، أي في الحالة التي يودع فيها الخصم المبلغ المحدد في الميعاد المعين، أو أن القاضي لم يلزم أصلا أي من الخصمين بإيداع مبلغا من النقود؟

    إن معالجة هذا التساؤل يفرض علينا أن نتطرق إلى الأحكام التحضيرية و الأحكام التمهيدية [25]، ويكون ذلك عندما يكون الأمر بإجراء التحقيق عبارة عن حكم مكتوب، ففي هاته النقطة نرى بأن الأحكام التحضيرية لا تحوز أي حجية، وعليه فإن القاضي غير ملزم بالتقيد بإجراء التحقيق حتى وإن كان قد أمر به، فلو افترضنا أن التحقيق كان يتمثل في إجراء خبرة من أجل تحديد إن كان هناك فعلا اعتداء على العقار فإن للقاضي قبل أن يقوم الخبير بخبرته أن يستغني عن هذا الإجراء باعتباره حكما تحضيريا شريطة أن يسبب عدوله مع وجوب إعلام الخصوم بذلك و إرجاع المبلغ المودع للخصم الذي أودعه، إذ أن صدور الأمر بإجراء التحقيق يكسب من صدر الإجراء لصالحه حق الإثبات، فلا يصح العدول عن ذلك إلا بإبداء أسبابه حتى يقتنع الجميع بأن العدول كان بناءا على أسباب سليمة، كما أنه يجب أن لا ننسى أنه في حالة ما إذا كان الأمر بإجراء التحقيق كتابيا فإن القضية تخرج من الجدول و بالتالي ليس للقاضي أن يتراجع عن إجراء التحقيق إلا إذا أعيد السير في الدعوى، و في هذه النقطة بالذات فإن الأمور غير واضحة في التشريع الجزائري، هل يحكم القاضي بعدم قبول الدعوى شكلا لعدم إجراء الخبرة مثلا؟، أم يقبلها و ينظر إن كان إجراء التحقيق غير مفيد و يستغني عنه؟، أو يؤجل الفصل فيها و يأمر بإجراء تحقيق آخر؟. خاصة و أن المادة 222من ق.إ.م تجعل من الحكم بسقوط الخصومة لعدم تنفيذ الحكم الصادر قبل الفصل في الموضوع طيلة مدة سنتين ليست من النظام العام، بل يجب إثارته من طرف الخصم الاخر قبل الخوض في الموضوع. وإن كان الرأي الغالب في أوساط القضاة هو أن الدعوى ترفض شكلا، على أساس أن إجراءات إعادة السير في الدعوى تشترط إيداع الخبرة من طرف الخبير لدى أمانة الضبط [26] .

    و إننا نجد في الكثير من القضايا و خاصة عندما تحدث حركة تنقل في أوساط القضاة، أن القاضي الذي ينظر في إعادة السير في الدعوى يستغني عن إجراء التحقيق الذي أمر به زميله من قبل، و أحيانا أخرى فأن العدول عن إجراء التحقيق يتم بصورة غير مباشرة و ذلك عند عدم قبول الدعوى بعد إعادة السير فيها لإنتفاء الصفة، أو لعدم الإختصاص، ففي هذه الحالة تصبح جميع الإجراءات التي أمر بها القاضي في حكم العدم و من بينها الأمر بإجراء التحقيق.

    على أن العدول حسب القضاء و الفقه المصريين لا يتعلق بإجراءات التحقيق التي تتضمن قضاءا قطعيا، فإذا تضمن الأمر بإجراء التحقيق حق الخصم في إثبات دعواه بشهادة الشهود مثلا، فلا يمكن العدول عن هذا الحكم [27] .

    ونفس الشيء إن كان الإجراء شفهيا، مع الملاحظة أنه على القاضي أن يحترم الشكل الذي صدر فيه الأمر بإجراء التحقيق في الأمر بالتراجع عنه.

    غير أن الأمر ليس بهذه البساطة عندما يكون الأمر بإجراء تحقيق عبارة عن حكم تمهيدي ذلك أن الحكم التمهيدي يحوز على حجية الشيء المقضي فيه، فهل يمكن للقاضي أن يستغني عن الأمر بإجراء تحقيق رغم أنه حاز حجية الشيء المقضي فيه؟ مع العلم أنه طبقا لنص المادة 338 ق.م فإن حجية الشيء المقضي فيه ليست من النظام العام، وليس للقاضي أن يثيرها من تلقاء نفسه، إذن فهذه الحجية يجب أن يثيرها أحد الخصوم، و بالتالي فإنه طبقا للقانون الجزائري لا يمكن تصور أن يثير الخصوم حجية الشيء المقضي فيه قبل أن يأمر القاضي بالاستغناء عن الأمر بإجراء التحقيق رغم كونه حكما تمهيديا لأن حجية الشيء المقضي فيه تكون غير عملية على اعتبار أن الخصوم غير مطلعين على نية القاضي في الاستغناء عن الأمر بإجراء التحقيق، غير أنه يمكن تصور الأمر إذا إذا ما طالب أحد الخصوم الاستغناء عن التحقيق فهنا يمكن للطرف الآخر أن يثير حجية الشيء المقضي فيه، هذا من جهة، و من جهة أخرى إذا اعتبرنا بأن القاضي يحترم نفس الشكل المتخذ في الأمر بإجراء التحقيق في الأمر بالاستغناء عنه، فإن القاضي يتحتم عليه إذا كان الأمر بالتحقيق مكتوبا اتخاذ نفس الشكل و هذا من شأنه إخراج القضية من ولايته و انتظار إعادة السير في الدعوى، وهذا غير مستساغ لا قانونا و لا منطقا، و عليه فإن الحل الأمثل في هذا الشأن هو لجوء القاضي إلى عدم الأخذ بما توصل إليه التحقيق مع تسبيب ذلك، كما أن القاضي ملزم حين استغنائه عن إجراء التحقيق تسبيب ذلك.

    في القانون المصري نصت المادة 09 من قانون الإثبات صراحة على أن للقاضي أن يعدل عما أمر به من إجراءات التحقيق [28]، بشرط أن يبين أسباب العدول بالمحضر- أي محضر الجلسة- و يفهم من ذلك أن القاضي غير ملزم بإصدار حكم بالعدول، و إنما يكفي أن يقرر ذلك و يدون بمحضر الجلسة، و عليه فليس للخصوم الطعن في هذا العدول، و إنما يكون لهم حين الطعن في الحكم الفاصل في الدعوى أن يعيبوا على قرار العدول عدم تسبيبه أو القصور في ذلك، كما يمكن للقاضي أن لا ينفذ حكما تمهيديا قضى بتعيين خبير إذا استند في ذلك إلى ظروف طرأت، أو أوراق قدمت بعد الحكم [29].

    وفي هذا الشأن ورد قرار لمحكمة النقض المصرية مؤرخ في 06/06/1982 نص على أن للمحكمة العدول عن الأمر بإجراء التحقيق طالما خلت أسبابه من حسم مسألة أولية متنازع عليها بين الخصوم. فخلاصة الرأي في القانون المصري أن العدول جائز ما لم يتضمن قضاءا قطعيا [30] .



    المطلب الثاني: مدى تقيد القاضي بدليل الإثبات الناتج عن إجراء التحقيق:



    تختلف سلطات القاضي في الأخذ بدليل الإثبات الناتج عن إجراء التحقيق باختلاف إجراءاته التي نتج عنها دليل الإثبات، وعليه فإن ذلك يحتم علينا التطرق إلى كل اجراء من اجراءات التحقيق على حدى من خلال الفرعين التاليين:

    الفرع الأول: مدى تقيد القاضي بدليل الإثبات الناتج عن: الخبرة، مضاهاة الخطوط، و دعوى التزوير الفرعية.

    الفرع الثاني: مدى تقيد القاضي بدليل الإثبات الناتج عن: الشهادة، اليمين، و الانتقال للمعاينة.



    الفرع الأول: مدى تقيد القاضي بدليل الإثبات الناتج عن: الخبرة، مضاهاة الخطوط، و دعوى التزوير الفرعية:



    أولا: بالنسبة للخبرة: تعتبر الخبرة من أدلة الإثبات المعروضة على المحكمة و هي جزء من أوراق الدعوى، و كل ما يثبت فيها من دفاع للخصوم يعتبر دفاعا معروضا على المحكمة وعلى القاضي أولا أن يتأكد من احترام الخبير أثناء قيامه بالخبرة للإجراءات المتطلبة قانونا، و بأنه تقيد بما هو مأمور به فاعتماد الحكم لتقرير الخبير دون إبداء رأيه فيه خطأ و قصور، على أنه تجدر الإشارة إلى أن عدم دعوة الخصوم من طرف الخبير لا يتعلق بالنظام العام و لا يكون للقاضي أن يحكم به من تلقاء نفسه. فيتعين إذا أن يكون التقرير الذي تستند إليه المحكمة سليما لا يشوبه البطلان، و مع ذلك فقد جرى القضاء على أن للمحكمة أن تستقي بعض معلوماتها للفصل في النزاع من تقرير باطل أو مخالف للإجراءات القانونية بشرط ألا يكون هذا التقرير الباطل هو الأساس الوحيد الذي بني عليه الحكم [31] .

    و يكون للقاضي الحرية التامة في تقدير عمل الخبير الذي ندبه، فله أن يأخذ برأيه كما له أن لا يأخذ به إذا رأى أن تقريره يشوبه البطلان [32]، أو أن استنتاجاته غير صحيحة أو مخالفة للواقع ومتناقضة مع الوثائق التي قدمها الخصوم في الدعوى [33]، وتأكد هذا المبدأ في القانون الجزائري من خلال نص المادة 54 ق.إ.م التي تنص على:" إذا رأى القاضي أن العناصر التي بنى عليها الخبير تقريره غير وافية فله أن يتخذ جميع الإجراءات اللازمة، وله على الأخص أن يأمر باستكمال التحقيق أو أن يستدعي الخبير أمامه ليحصل منه على الايضاحات والمعلومات الضرورية.

    والقاضي غير ملزم برأي الخبير".

    وبذلك فإن المادة 54 ق.إ.م أعطت للقاضي الحق في أن يتبنى رأي الخبير ويحكم بالموافقة على جميع ما جاء في تقريره، وإما أن يرفض الخبرة كلية، كما له أن يأمر باستكمال التحقيق من اجل استيضاح النقاط الغامضة، أو أن يستدعي الخبير أمامه ليحصل منه على الإيضاحات والمعلومات الضرورية، كما له أن يجزأ رأي الخبير فيأخذ منه أصلحه ويرفض أخطأه [34] ،وللخبير أيضا أن يفضل خبرة عن أخرى، وهذا ما جاء في قرار للمحكمة العليا رقم 33801 المؤرخ في 09/01/1985 ،جاء فيه:" من المقرر قانونا أن القضاء بتفضيل خبرة عن أخرى يخضع للسلطة التقديرية لقضاة الموضوع التي خولها لهم القانون" [35] .

    كما أنه للقاضي في حالة ما اذا كانت الخبرة محررة من طرف أكثر من خبير و كانت آراؤهم مختلفة أن يرجح رأي أحدهم على أراء الآخرين مع تسبيب ذلك.

    وقد ورد نفس هذا الحكم في نص المادة 156 من قانون الإثبات المصري، كما قررت محكمة النقض المصرية أن رأي الخبراء غير مقيد للمحكمة، ذلك أنها لا تقضي في الدعوى إلا على أساس ما تطمئن إليه ومن ثمة لا يعيب قضاءها إذا هي طرحت النتيجة التي أجمع عليها ستة من الخبراء من أن أرض النزاع تدخل في مستندات الطاعنين، وذهبت بمالها من سلطة التقدير الموضوعية إلى نتيجة مخالفة متى كانت قد أوردت الأدلة المسوغة لها [36]، وليس على المحكمة عند مخالفة تقارير الخبراء أن تبين أسباب ذلك، بل يمكنها أن تحكم في الدعوى دون أي إشارة إلى تقارير الخبراء مادامت قد بينت الأسباب التي بنت عليها اقتناعها، وهذا ما أخذت به محكمة النقض المصرية [37]، إلا أنه يجب على القاضي أن يعلل حكمه في رفضه لتقرير الخبير فلا يمكن أن يؤسس رفضه على مجرد التخمين أو عن جهل، أو عن اضطراب أو تناقض في إبداء الرأي القاطع والحاسم، أو الرأي المخالف للمعقول والمنطق السليم [38]، كما قررت محكمة رين الفرنسية أنه لا يصح للمحكمة أن تأخذ برأي خبير ضد خمسة بدون بيان أسباب خطأ هذه الأغلبية [39].

    كما تجب الإشارة إلى أن مبدأ حرية القاضي في تقدير الخبرة ليس معناه فصل القاضي في مسائل فنية تخرج عن اختصاصه، إذ أنه لا يمكنه العدول عنه - متى كانت الإجراءات القانونية احترمت - إلا بموجب خبرة مضادة، فإذا حدد الطبيب نسبة مئوية لعجز شخص معين فإنه لا يجوز للقاضي أن يخفض هذه النسبة إلا إذا استند إلى خبرة طبيب آخر [40].

    وهناك حالة يجب على القاضي أن يأخذ فيها بتقارير الخبراء ، وهي حالة ما إذا اتفق الخصوم على احترام هذه التقارير ونتائجها، فإن ذلك ككل اتفاق أو تعاقد آخر يجب احترامه مادام ليس هناك غلط أو غش أو إكراه، وهذا لا يكون عادة إلا عندما ما يتفق الخصوم على تعيين هؤلاء الخبراء [41].

    و بصفة عامة فإن لقاضي الموضوع إما أن:

    - يأخذ برأي الخبير بنتيجته و أسبابه.

    - يأخذ بالنتيجة التي توصل إليها الخبير بناءا على أسباب أخرى.

    - يأخذ ببعض ما تضمنه التقرير مع طرح البعض الاخر.

    - و إما أن لا يأخذ بتقرير الخبير جملة و تفصيلا.

    ثانيا: بالنسبة لمضاهاة الخطوط: في حالة ثبوت صحة المحرر بعد التحقيق فإن القاضي ملزم بالأخذ به حسب القوة التي يمنحها إياه القانون وعليه أن يحكم أولا بصحة المحرر قبل الفصل في الموضوع حتى لا يحرم الخصم الذي احتج عليه بالمحرر من تقديم أوجه دفاع أخرى، أما إذا اثبت التحقيق عدم صحة المحرر فإن القاضي يستبعده ولا يأخذ بما جاء فيه [42].

    ثالثا: بالنسبة لدعوى التزوير الفرعية: إذا ثبت أن المستند المدعى تزويره أنه فعلا مزور فإن القاضي يستبعده من أدلة الإثبات نهائيا، أما إذا ثبت بأنه غير مزور فإن القاضي يعتمده كدليل إثبات ويعطيه القوة اللازمة به بحسب ما إذا كان هذا المحرر رسميا أو عرفيا.

    الفرع الثاني: مدى تقيد القاضي بدليل الإثبات الناتج عن: الشهادة، اليمين، و الإنتقال للمعاينة:



    أولا: بالنسبة للشهادة: إن الشهادة سواء في المواد المدنية أو غيرها تخضع لتقدير القاضي الذي يستطيع أن يأخذ بها ويصدق الشاهد في قوله، كما له أن يطرحها إذا لم يطمئن لها [1]، وعند تقدير القاضي للشهادة فإنه يتأكد من مدى قوة تذكر الشاهد واستيعابه للوقائع، كما ينظر في أخلاقه وكل الحركات التي يقوم بها أثناء سماع شهادته، وفي هذا يقول الدكتور رؤوف عبيد : " إن القاضي قد يخرج من مجموع القضية بشعور عميق في نفسه بثبوت أو عدم ثبوت التهمة و يكون من الصعب تفسيره في الحكم، فقد يسمع عشرة شهود إثبات يجمعون كلهم على أنهم رأوا المتهم يرتكب الجريمة ولكنه مع ذلك ليس ملزما بالأخذ بشهادتهم، وقد يرى أنهم غير صادقين سواء من نظراتهم، أو من نبرات أصواتهم، أو من حركاتهم مع وجود قرائن أخرى تبدو ضعيفة في الظاهر ولكنها مع ذلك يكون لها أثر كبير خفي في نفس القاضي.." [2].

    والقاضي عند تقديره لقيمة الشهادة لا يتقيد بعدد الشهود ولا بجنسهم ولا بسنهم، فقد يقنعه شاهدان أو أكثر وقد يصدق امرأة ولا يصدق رجلا، وقد تكون شهادة صبي صغير أبلغ في إقناعه من شهادة رجل كبير [3].

    كما أنه للقاضي أن يرجح شهادة على أخرى، وله أن يطرح شهادة إذا شك في صحتها، و أن يأخذ بأقوال الشاهد ولو كان قريبا للخصم متى اطمأن له، واتفاق الأطراف على أن يشهد شخص معين يثقون فيه لا يعني أن القاضي يتقيد بشهادة هذا الأخير بل له أن يأخذ بها، كما له أن لا يأخذ بها، وتمتد سلطة القاضي إلى تجزئة الشهادة فيأخذ بجزء منها و يصرف النظر عن الجزء الآخر، و على اعتبار أن تقدير الدليل لا يحوز قوة الشيء المقضي به فإن القاضي يمكنه الأخذ بأقوال شهود سمعوا في قضية أمام محكمة أخرى كما له أن لا يأخذ بها، وعليه فإن المجلس القضائي يمكنه الأخذ بشهادة شهود لم يأخذ بها قاضي الدرجة الأولى، كما يمكن للمحكمة المدنية أن تأخذ بشهادة شهود سمعتهم بعد أن كانت المحكمة الجنائية شككت في صحة شهاداتهم [4]، وقد اختلفت التشريعات في مسألة تسبيب حكم عدم اطمئنان القاضي لأقوال الشهود فنص القانون الفرنسي في قواعده المتعلقة بالإثبات على أن القاضي إما أن يصدر بها أمرا مسببا وإما أن يكتفي فقط بالتأشير بها في الملف، بينما ينص القانون المصري على أن قضاة الموضوع غير ملزمين بإبداء أسباب عدم اطمئنانهم لأقوال الشهود، إلا أنه إذا أوردوا أسباب ذلك تعين أن تكون هذه الأسباب سائغة [5]، ووفق قرار المحكمة العليا رقم 9127 المؤرخ في 31/08/1973 ،فإن التشريع الجزائري يقرر أن القضاة إذا لم يبينوا سبب تفضيلهم شهادة واحدة على اثنتين فإن قرارهم يكون ناقص التسبيب [6].

    ثانيا: بالنسبة لليمين : يختلف الأمر حسب طبيعة اليمين مثلما سنبينه أدناه.

    01 : اليمين الحاسمة: يترتب على كون اليمين الحاسمة عقدا قضائيا أنها حجة قاطعة ملزمة للقاضي على أساس أنه لا يجوز له أن يتدخل في هذا العقد وإنما يقتصر دوره في التأكد من أن عملية تأدية اليمين قد تمت وترتبت أثارها القانونية بشكل صحيح [7]، فإذا نكل من وجهت إليه اليمين دون ردها خسر دعواه ومن ثم يتحتم على القضاة أن يثبتوا في قراراتهم أن المكلف بها قد حضر شخصيا، وتم إعلامه بصيغتها ودعوته لتأديتها بالمكان والتاريخ المحددين، وطبقا للمادة 345 ق.م فإنه لا يجوز لمن وجه اليمين أو ردها أن يرجع في ذلك متى قبل خصمه حلف تلك اليمين. فيلتزم القاضي إذن بنتيجة حلف اليمين الحاسمة أو النكول عنها أو ردها [8] .

    و في الشريعة الإسلامية فإن اليمين حجة المدعى عليه، لقوله صلى الله عليه و سلم :" ...و اليمين على المدعى عليه"، و في رواية "على من أنكر" ، و يترتب عليها قطع الخصومة [9] .

    02 : اليمين المتممة: إن أثار اليمين المتممة ونتائجها غير ملزمة للقاضي، فهو غير ملزم بالحكم لمصلحة من حلف اليمين، ويترتب على ذلك أنه يستطيع أ

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 4:26 pm