يثور التساؤل حول طبيعة الإختصاص الإقليمي للجهات القضائية في ظل التعديلات التي جاء بها قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد ، فهل هو من النظام العام أم لا؟
المشرع الجزائري تطرق لطبيعة الإختصاص الإقليمي للجهات القضائية العادية في الأحكام الواردة في القسم الثالث المعنون ب طبيعة الإختصاص الإقليمي من الفصل الرابع المتعلق بالاختصاص الإقليمي من الباب الثاني المتعلق بالاختصاص من الكتاب الأول من قانون الإجراءات المدنية والإدارية المتعلق بالأحكام المشتركة لجميع الجهات القضائية، وذلك في المواد : 45 ، 46 و 47، فأحكام هذه المواد تنطبق إذا على جميع الجهات القضائية العادية؛ وإن كان المشرع الجزائري لم يبين بوضوح طبيعة الإختصاص الإقليمي، وجعل الغموض يحيط بالمسألة، والأمر يستشكل على متصفح قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد.
ولم يسلك المشرع الجزائري هذا المسلك بالنسبة لطبيعة الإختصاص الإقليمي للجهات القضائية الإدارية، فقد كان موقفه واضحا وضوح الشمس في القسم الثالث المتعلق بطبيعة الإختصاص( الإختصاص النوعي والإقليمي للمحاكم الإدارية) من الفصل الأول المتعلق بالاختصاص من الباب الأول المتعلق بالإجراءات المتبعة أمام المحاكم الإدارية من الكتاب الرابع من قانون الإجراءات المدنية والإدارية الخاص بالإجراءات المتبعة أمام الجهات القضائية الإدارية، حيث جاء في المادة 807 فقرة أولى بأن:” الإختصاص النوعي والاختصاص الإقليمي للمحاكم الإدارية من النظام العام” .
إن المشرع الجزائري بعد أن حدد القاعدة العامة في تحديد الإختصاص الإقليمي للجهات القضائية في المادتين 37 و 38 (1) و803 (2) ، حدد الاستثناءات الواردة على هذه القاعدة في المواد : 37 نفسها ( …ما لم ينص القانون على خلاف ذلك(3))، 39 و 40 ، 804 .وأجاز للخصوم الاتفاق والحضور أمام القاضي حتى ولم يكن مختص إقليميا للنظر في الدعوى(م 46 فقرة أولى)، باستثناء الدعاوى المذكورة في الاستثناءات أعلاه؛ لأن هذه الاستثناءات لا يمكن للخصوم غير التجار(4) أن يتفقوا على تحديد جهة قضائية غير تلك التي حددها المشرع نظرا لاعتبارات رأى من الضروري الأخذ بها لتسهيل التقاضي أمام المتقاضين( تسهيل الإثبات، تسهيل انتقال الخبراء، تسهيل انتقال القضاة، العقارات المتنازع عليها تنظرها محكمة الموقع العقار…الخ). وبالتالي فإن الإختصاص الإقليمي في هذه الحالات يصبح من النظام العام لا يمكن الخروج عنه، ويثار الدفع بعدم اختصاص المحكمة إقليميا للنظر في النزاع تلقائيا من طرف المحكمة، حتى ولو لم يثر المدعي عليه عدم اختصاص المحكمة محليا( قلت المدعي عليه لا المدعي لأن المدعي لا يمكنه إثارة الدفع بعدم الإختصاص كما سأبينه أدناه).
إن ما يؤكد بأن الدفع بعدم الإختصاص الإقليمي (خارج الاستثناءات المنصوص عليها في المواد : 37 ، 39 و 40 ، 804 لا يعد من النظام العام) ما يلي:
1 يجوز للخصوم وفقا للمادة 46 فقرة أولى الاتفاق صراحة في طلب مكتوب وموقع من طرفهم أو الإشارة إلى ذلك في الطلب إن تعذر عليهم التوقيع على التقاضي أمام قاضي غير مختص إقليميا؛ كما يمكن أن يكون الاتفاق ضمنيا ذلك ما يستشف ضمنيا من أحكام المادة 51 فقرة 2 التي لا تجيز للمدعي إثارة الدفع بعدم الإختصاص الإقليمي، ففي حالة ما إذا رفع المدعي دعواه أمام محكمة غير مختصة محليا ( خارج حالات الاستثناءات المذكورة أعلاه)، ولم يثر المدعى عليه الدفع بعدم الإختصاص تكون المحكمة مختصة إقليميا للنظر في النزاع، فقد حصل اتفاق ضمني بين المدعي والمدعي عليه على قبول الإختصاص الإقليمي للمحكمة غير المختصة إقليميا أصلا وفقا للمادتين 37 و38؛ إذ أن هناك إيجاب ضمني من المدعي في عريضة افتتاح دعواه القضائية من خلال رفعه لدعواه أمام محكمة غير مختصة إقليما، وقبول ضمني من المدعي من خلال قبوله اختصاص المحكمة غير المختصة إقليميا بعدم إثارته للدفع بعدم الإختصاص الإقليمي للمحكمة، هذه الأخيرة لا يمكنها في هذه الحالة أن تدفع تلقائيا بعدم الإختصاص الإقليمي، كونه لا يعد في هذه الحالة من النظام العام.
2 الدفع بعدم الإختصاص الإقليمي كدفع من الدفوع الشكلية التي يمكن للمدعي عليه إثارته في أية مرحلة كانت عليها الدعوى، يجب إثارته قبل أي دفاع في الموضوع أو دفع بعدم القبول( م 47) (5)، وإلا كان الدفع بعدم الإختصاص الإقليمي غير مقبول، فلو كان الدفع بعدم الإختصاص الإقليمي في حالة المواد 37 و38 و46 من النظام العام لكان بالإمكان إثارته في أية مرحلة كانت عليها الدعوى؛ أي بعد التكلم في موضوع الدعوى، أو بعد إبداء الدفوع بعدم قبول هذه الدعوى، بل وحتى في مرحلة الاستئناف والطعن بالنقض أمام المحكمة العليا؛ لأن عدم إبداء المدعي لدفعه الشكلي المتعلق بعدم اختصاص المحكمة إقليميا أولا قبل الدفوع الموضوعية والدفوع بعدم القبول يعد قبولا ضمنيا لاختصاص المحكمة كما سبق بيانه أعلاه (تطبيق حكم المادة 46) .
3 إلزام المدعي عليه تسبيب طلبه الرامي إلى القضاء بعدم اختصاص المحكمة إقليما(كون الدفع بعدم الإختصاص الإقليمي يعتبر طلبا مقابلا) حسبما نصت عليه المادة51 ، فالقاضي لا يمكنه القضاء بأكثر مما طلبه الخصوم، وإلا عد في هذه الحالة غير محايد ومتدخلا في نزاع لا يمس بالنظام العام.
أرجوا في الأخير أنني قد بينت ما أستشكل من أمر في مسألة الإختصاص الإقليمي، وأتمنى إثراء النقاش من طرف الغير.
الإحالات:
(1) بالنسبة للجهات القضائية العادية.
(2) بالنسبة للجهات القضائية الإدارية عن طريق الإحالة للمادتين 37 و 38.
(3) سواء أكان قانون الإجراءات المدنية والإدارية نفسه أو غيره من القوانين، وما نص عليه قانون الإجراءات المدنية من استثناءات هو ما ورد في المواد : 39 ، 40 ، 46، 426، 464، 498، 501، 512، 513، 514، 515، 516، 517، 518، 532، 803، فكل القضايا المذكورة في هذه المواد، والتي تثور بشأنها منازعات بين الخصوم يعد فيها اختصاص المحكمة الإقليمي من النظام العام، لا يجوز للأطراف الاتفاق على التقاضي أمام قاضي غير مختص محليا.
(4) أما التجار في المنازعات التجارية فإنه يجوز لهم تحديد أية جهة قضائية لنظر نزاعهم طبقا للمادة 45، بغض النظر عن أحكام المواد 37 ، 38، 39، 40 ، وذلك نظرا لما تتسم به التجارة من سرعة وائتمان
السبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed
» شركة التوصية بالاسهم -_-
الجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin
» مكتبة دروس
الإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
الخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
السبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
السبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin
» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
السبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin
» بحث حول المقاولة التجارية
السبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl
» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
الأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique
» الدفاتر التجارية:
الجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma