أسعدنا تسجيلك وانضمامك لنا

ونأمل من الله أن تنشر لنا كل مالديك

من إبداعات ومشاركات جديده

لتضعها لنا في هذا القالب المميز

نكرر الترحيب بك

وننتظر جديدك المبدع

مع خالص شكري وتقديري

ENAMILS

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

أسعدنا تسجيلك وانضمامك لنا

ونأمل من الله أن تنشر لنا كل مالديك

من إبداعات ومشاركات جديده

لتضعها لنا في هذا القالب المميز

نكرر الترحيب بك

وننتظر جديدك المبدع

مع خالص شكري وتقديري

ENAMILS

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
موضوع المذكرة : الرقابة على اعمال الضبطية القضائية و مسؤولية عناصرها 580_im11 ENAMILS موضوع المذكرة : الرقابة على اعمال الضبطية القضائية و مسؤولية عناصرها 580_im11

المواضيع الأخيرة

» مدونة القوانين الجزائرية - محدثة يوميا -
موضوع المذكرة : الرقابة على اعمال الضبطية القضائية و مسؤولية عناصرها I_icon_minitimeالسبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed

»  شركة التوصية بالاسهم -_-
موضوع المذكرة : الرقابة على اعمال الضبطية القضائية و مسؤولية عناصرها I_icon_minitimeالجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin

» مكتبة دروس
موضوع المذكرة : الرقابة على اعمال الضبطية القضائية و مسؤولية عناصرها I_icon_minitimeالإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin

» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
موضوع المذكرة : الرقابة على اعمال الضبطية القضائية و مسؤولية عناصرها I_icon_minitimeالخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin

» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
موضوع المذكرة : الرقابة على اعمال الضبطية القضائية و مسؤولية عناصرها I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin

» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
موضوع المذكرة : الرقابة على اعمال الضبطية القضائية و مسؤولية عناصرها I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin

» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
موضوع المذكرة : الرقابة على اعمال الضبطية القضائية و مسؤولية عناصرها I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin

» بحث حول المقاولة التجارية
موضوع المذكرة : الرقابة على اعمال الضبطية القضائية و مسؤولية عناصرها I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl

» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
موضوع المذكرة : الرقابة على اعمال الضبطية القضائية و مسؤولية عناصرها I_icon_minitimeالأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique

» الدفاتر التجارية:
موضوع المذكرة : الرقابة على اعمال الضبطية القضائية و مسؤولية عناصرها I_icon_minitimeالجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma

ENAMILS


كتاب السنهوري


    موضوع المذكرة : الرقابة على اعمال الضبطية القضائية و مسؤولية عناصرها

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 6322
    نقاط : 17825
    تاريخ التسجيل : 28/06/2013
    العمر : 33

    موضوع المذكرة : الرقابة على اعمال الضبطية القضائية و مسؤولية عناصرها Empty موضوع المذكرة : الرقابة على اعمال الضبطية القضائية و مسؤولية عناصرها

    مُساهمة من طرف Admin الخميس يوليو 18, 2013 8:11 pm



    موضوع المذكرة : الرقابة على اعمال الضبطية القضائية و مسؤولية عناصرها

    مقدمـــــــــة
    لا شك أنّ القانون الجزائي الإجرائي باعتباره إحدى فروع القانون الجزائي يهدف إلى الموازنة بين تحقيق الفعالية في مكافحة الجريمة بما يمنحه من سلطات واسعة للأجهزة المكلفة بذلك، و بين حماية حقوق الإنسان و ما ينبثق عنها من حقوق و حريات، من خلال الضمانات الإجرائية التي تقيد تلك الأجهزة.
    و هذا الطرح يجد أهميته بالنسبة لكامل مراحل الإجراءات الجزائية، لكنه أكثر أهمية بصدد مرحلة التحريات التي تناط بجهاز الضبطية القضائية، ذلك أنه بوقوع الجريمة و نشأة حق الدولة في إيقاع العقاب على مرتكبيها تكون الضبطية القضائية أول المتدخلين للبحث و التحري عن الجريمة والمجرمين.
    و قد عُني قانون الإجراءات الجزائيةبتحديد أحكام الضبط القضائي في المواد 12 إلى 28 و 42 إلى 55 و 63 إلى 65 منه و تشمل الضبطية القضائية طبقا لهذه المواد ضباط الشرطة القضائية و أعوانهم، و بعض الموظفين المنوطة بهم بعض مهام الشرطة القضائية و يقوم بمهمة الضبط القضائي أيضا الولاة الذين خول لهم المشرع بعض الصلاحيات في مجال الضبط القضائي بصفة استثنائية و في حالات خاصة فبالنسبة الضباط الشرطة القضائية و أعوانهم فقد تولى قانون الإجراءات الجزائية تعدادهم حصرا في المواد 15 و 19 منه، أما بالنسبة للموظفين و الأعوان المكلفين ببعض مهام الضبط القضائي فقد ذكر قانون الإجراءات الجزائية البعض منهم في نص المادة 21 و أشار إلى الآخرين بصفة إجمالية و بدون تحديد في المادة 27 منه و يمكن أن نذكر منهم أعوان الجمارك، مفتشو العمل، موظفو إدارة التجارة و قمع الغش... إلاّ أن هؤلاء الموظفون يباشرون فقط بعض أعمال الشرطة القضائية المحددة بتلك القوانين لهذا يصفهم بعض فقهاء القانون بذوي الاختصاص الخاص، بالمقارنة مع الاختصاص العام للشرطة القضائية في البحث و التحري عن الجرائم.
    و في هذا الإطار منحهم المشرع صلاحيات واسعة تصل إلى حد المساس بحريات الأشخاص و حرمة مساكنهم، و هي السلطات التي تعرف توسعا كبيرا في ظروف معينة كحالة التلبس، أو بالنسبة لطائفة من الجرائم كجرائم التهريب والمخذرات وهو ما يعد بحق مساسا بحقوق الإنسان وحرياته المكفولة دستوريا، مما فرض على المشرع الجزائي الإجرائي التدخل للتقييد من هذه السلطات بتقرير ضوابط قانونية يتوجب على ضابط الشرطة القضائية الخضوع لها أثناء ممارسة صلاحياته.
    وفي نفس الإطار فإن المشرع منح لوكيل الجمهورية سلطة إدارة الضبطية القضائية، و للنائب العام سلطة الإشراف عليها، و لغرفة الإتهام سلطة المراقبة، بل إن المشرع تجاوز ذلك إلى حد ترتيب المسؤولية على تجاوز عنصر الضبطية القضائية صلاحياته و مساسه بالحقوق و الحريات سواء منها المدنية أو التأديبية أو الجزائية، إضافة إلى الجزاءات الإجرائية المتمثلة في إبطال المحاضر و الأعمال التي يقومون بها متجاوزين بذلك الضوابط القانونية لها، و بالنظر إلى ذلك تبرز الأهمية البالغة لموضوع هذه الدراسة سواء من الناحية النظرية أو العملية، فمن الناحية النظرية يمثل هذا الموضوع إحدى المسائل المتعلقة بالحقوق و الحريات باعتبارها ذات أولوية لدولة القانون سواء على المستوى الداخلي أو الدولي، كما أنه يتعلق من جهة أخرى بفكرة الفعالية اللازمة لعمل الضبطية القضائية باعتبارها المتدخل الأول في مكافحة الجريمة.
    و من الناحية العملية فإن وسائل الإعلام تكشف يوميا عن انتهاكات خطيرة للحقوق و الحريات ترتكبها الضبطية القضائية.
    و تماشيا مع تلك الأهمية فإن معالجة هذا الموضوع تتم من خلال إشكالية أساسية تتمثل في مدى كفالة المشرع في الموازنة بين ما منحه للضبطية القضائية من سلطات و بين ما أضفى عليها من قيود و ضوابط حامية للحقوق و الحريات و تكريس مبدأ الشرعية الإجرائية، و بصيغة أخرى نقول أنه و بالنظر إلى ما منحه المشرع من سلطات للضبطية القضائية، ما هي الضمانات التي قررها لحماية الأشخاص من التعسف في استعمال تلك السلطات؟ و بالتالي ماهي آليات الرقابة على أعمال الضبطية القضائية و ما هي الجزاءات المترتبة عن عدم شرعية أعمالها؟
    و للإجابة عن هذه الإشكالية إرتأينا اعتماد منهجية نمزج من خلالها بين التحليل و المقارنة، التحليل القانوني للنصوص، و المقارنة بما عليه الوضع في التطبيق القضائي من خلال الرجوع إلى قرارات المحكمة العليا لمعرفة مدى استجابة القضاء للرقابة التي كرسها المشرع على أعمال الضبطية القضائية و الضمانات التي أولاها لحماية الحقوق و الحريات مركزين في ذلك على فئة الشرطة القضائية باعتبارها ذات الإختصاص العام مشيرين بين الحين و الآخر إلى باقي الفئات .
    و تطبيقا لذلك اعتمدنا الخطة التالية:
    الفصل الأول يتعلق بآليات الرقابة على أعمال الضبطية القضائية و ذلك في مبحثين، نتناول في أولهما الضوابط القانونية لصلاحيات الضبطية القضائية، و في ثانيهما نتناول الهيآت المخول لها سلطة الرقابة على أعمال الضبطية القضائية.
    و أما الفصل الثاني فيتعلق بالجزاءات المترتبة عن عدم شرعية أعمال الضبطية القضائية و ذلك في مبحثين، نتناول في الأول الجزاءات الشخصية و المتمثلة في المسؤولية التأديبية و المدنية منها و الجزائية، و في الثاني نتناول الجزاء الإجرائي و المتمثل في بطلان و المحاضر و الأعمال متى كانت غير شرعية و ذلك بقليل من التفصيل.
    الفصـل الأول :آليات الرقابة على أعمال الضبطية القضائية
    إن سلطة القضاء و توقيع العقاب من الوظائف الأولى و الأساسية للدولة، و إن كانت هناك خصوصيات قد يتميز بها نظام عن آخر، فإن القاسم المشترك بينهما هو ضمان ردّ فعـال و سريع و ردعي في مواجهة الأفعال التي تهدد الكيان الاجتماعي، و على هذا الأساس أنيط بالضبطية القضائية سلطات واسعة فى مواجهة الجريمة، كإيقاف الأشخاص المشتبه فيهم، و تفتيش المساكن، و حجز الأشياء.
    و لما كانت هذه الصلاحيات المخولة للضبطية القضائية تمس بالحقوق و الحريات الأساسية للإفراد فإن دساتير و قوانين معظم الـدول و منها الجـزائر، وضعت آليات قانونية، و قضائية لحمايتها، تكريسا منـها لدولة القانون.
    وتتمثل هذه الآليات في الضوابط القانونية المكرسة في قانون الإجراءات الجزائية التي تعتبر بمثابة الشرعية الإجرائية التي تستمد منها الضبطية القضائية صلاحياتها، و سعيا منه إلى خلق موازنة بين قمع الجريمة و حماية الأشخاص و الممتلكات من جهة، و الحفاظ على الحقوق و الحريات من جهة أخرى، جعل القانون ممارسة هذه الصلاحيات تحت سلطة القضاء.
    فما هي هذه الضوابط القانونية، و كيف تمارس الرقابة عليها، و من هي الجهات القضائية المخول لها سلطة الرقابة على مدى شرعية الأعمال التي تقوم بها الضبطية القضائية؟.
    هذا ما سنحاول التعرض إليه بقليل من التفصيل من خلال المبحثين التاليين.
    المبحث الأول الضوابط القانونية للصلاحيات المنوطة بالضبطية القضائية
    إن المهام التي ينفذها عناصر الضبطية القضائية من التحري عن الجرائم و البحث عن مرتكبيها نضمها قانون الإجراءات الجزائية من خلال أعمال البحث و التحري عن المشتبه فيهم، و تفتيشهم، و استيقافهم، و القبض عليهم، و هذه الأعمال تنطوي على قدر من المساس بحرية الأشخاص و حقوقهم، لذلك ضبطت من طرف المشرع الجزائري وفقا لحدود الشرعية الإجرائية طبقا لقانون الإجراءات الجزائية و قوانين أخرى خاصة.
    و لقد وضعت هذه الضوابط كضمان للأشخاص عامة و للمشتبه فيهم خاصة حتى لا تنتهك حقوقهم و لا يتم المساس بها إلا بالقدر اللازم الذي تتطلبه مصلحة المجتمع في مكافحة الإجرام و المحافظة على النظام العام، فماهي أهم هذه الصلاحيات و كيف تم ظبطها من طرف المشرع الجزائري؟.
    سنحاول الإجابة على هذه التساؤلات من خلال المطالب التالية.
    المطلب الأول: الضوابط القانونية لصلاحية التوقيف للنظر
    التوفيق للنظر (La gardé a Vue)، أو كما كان يطلق عليه في قانون الإجراءات الجزائية قبل تعديله بقانون 01-08 المؤرخ في 26 جوان 2001 الحجز تحت النظر، يعرفه الفقه العربي بالتحفظ على الأفراد، و هو إجراء بوليسي سالب للحرية الفردية، يأمر به ضابط الشـرطة القضائية بوضع المشتبه فيه في مركز الشرطة، أو الدرك لمـدة زمنية محددة.
    و يبدو سلب الحرية فيه في عدم ترك الفرد حرا في غدوه و رواحه2، و يعرف الأستاذ عبد العزيز سعد إجراء التوقيف للنظر مسميا إياه بالاحتجاز كما يلي « الاحتجاز عبارة عن حجز شخص ما تحت المراقبة و وضعه تحت تصرف الضبطية القضائية لمدة 48 ساعة على الأكثر بقصد منعه من الفرار، أو طمس معالم الجريمة، أو غيرها ريثما تتم عملية التحقيق و جمع الأدلة تمهيدا لتقديمه عند اللزوم إلى سلطات التحقيق و منه فالتوقيف للنظر إجراء قانوني يقوم به ضابط الشرطة القضائية لضرورة التحريات الأولية، أو في الأحوال التي حددها القانون بموجبه يوضع المشتبه فيه تحت تصرف مصالح الشرطة القضائية في مكان معين و طبقا لشكليات و لمدة زمنية يحددها القانون ».
    الفرع الأول: الشرعية الإجرائية للتوقيف للنظر
    لقد خـول قانون الإجراءات الجزائية لضابط الشـرطة القضائية حـق توقيف أي شخص للنظر، و ذلك في حالات واردة في القانون على سبيل الحصر نوردها كالتالي:
    1- حالة الجنايات أو الجنح المتلبس بها
    استنادا إلى نص المادة 51 من قانون الإجراءات الجزائية المعدلة بموجب القانون 01-08 المؤرخ في 26 يوليو 2001 1، إذا رأى ضابط الشرطة القضائية لمقتضيات التحقيق أن يوقف للنظر شخصا أو أكثر ممن أشير إليهم في المادة 50 فعليه أن يطلع فورا وكيل الجمهورية و يقدم له تقريرا عن دواعي التوقيف للنظر،على ألاّ يتجاوز هذا التوقيف ثمانية و أربعين (48) ساعة غير أن الأشخاص الذين لا توجد أية دلائل تجعل ارتكابهم، أو محاولة ارتكابهم للجريمة مرجحا، لا يجـوز توقيفهم سوى المـدة اللازمة لأخـذ أقوالهم، و إذا قامت ضد شخص دلائل قويـة و متماسكة من شأنها التدليل على اتهامه، يتعين على ضابط الشرطة القضائية أن يقتاده إلى وكيل الجمهورية دون أن يوقفه للنظر أكثر من ثمانية و أربعين ساعة، من خلال هذا النص يتضح أنه في حالة ارتكاب جناية، أو جنحة متلبس بها فإن ضابط الشرطة القضائية يمكنه عند تنقله لإجراء المعاينة، أو في حالة وجوده في مكان الجريمة أن يوقف للنظر كل شخص و منعه من الابتعاد، ريثما ينتهي من التحريات.
    كما يمكنه استيقاف أي شخص يرى ضرورة التحقق من هويته، و هذا ما تنص عليه المادة 50 من قانون الإجراءات الجزائية التي تحيل إليها الفقرة الأولى من المادة 51 مـن نفس القانون فهؤلاء الأشخاص يمكن أن يفيـدوا التحقيق بتوقيفهم للنظر، و هـو الإجـراء الذي تبرره مقتضيات و ضرورة إجراء التحريات و الكشف عن ملابسات الجريمة.
    أمـا السبب الثاني الذي أشارت إليه الفقـرة 3 من المادة 51، فيتمثل في توفـر دلائل قـويةو متماسكة، و يقصد بالدلائـل هنا(Indices) علامـات و وقائع ثابتة و معلومة، تسمح باستنتاج وقائع مجهولة و مثالها حيازة سلاح الجريمة، أو وجود جروح على جسـم الشخص و تسمى أيضا القـرائن التكميلية (Présomptions complémentaires)، و هذه الدلائل يجب أن تكـون متناسقة و متماسكةوإلا فقدت قيمتها و يرجع تقدير ذلكلضابط الشرطة القضائية تحت رقابة السلطة القضائية.
    2- حالة التحقيق الابتدائي (التحريات الأولية)
    لقد نظم المشرع التوقيف للنظر في حالة أخرى و هي حالة التحريات العادية، أو الأولية، أي تنفيذ إجراءات التحري في غير حالة التلبس، و ذلك بموجب المادة 65 من قانون الإجراءات الجزائية التي تنص على أنه « إذا دعت مقتضيات التحقيق الابتدائي، ضابط الشرطة القضائية إلى أن يوقف للنظر شخصا مدة تزيد عن 48 ساعة، فإنه يتعين عليه أن يقدم ذلك الشخص قبل انقضاء هذا الأجل إلى وكيل الجمهورية...».
    و مفـاد ذلك أن ضابط الشرطة القضائية يمكنه عنـد قيامه بالتحريات الأولية أن يتخذ إجراء التوقيف للنظر ضـد أي شخص شـرط أن يكون ذلك ضروريا و مفيدا لمجـرى تحرياته الأوليةو تقدير ذلك يعود له تحت الرقابة القضائية.
    3- في حالة تنفيذ الإنابات القضائية
    إن المادة 141 من قانون إجراءات الجزائية تنص على صلاحية، أو سلطة ضابط الشرطة القضائية أثناء تنفيذه للإنابة القضائية في التوقيف للنظر لمدة (48) ساعة، يجوز تمديدها بإذن كتابي من قاضي التحقيق بعد سماع المتهم المقدم له، هذا مع إمكانية التمديد بصفة استثنائية دون تقديمه إلى قاضي التحقيق، حيث تنص المادة إذا اقتضت الضرورة لتنفيذ الإنابة القضائية أن يلجأ ضابط الشرطة القضائية لتوقيف شخص للنظـر فعليه حتمـا تقديمه خلال ثمانية و أربعين (48) ساعة إلى قاضي التحقيق في الدائـرة التي يجري فيها تنفيـذ الإنابة، و بعد سماع قاضي التحقيق إلى أقوال الشخص المقدم له يجوز له الموافقة على منح إذن كتابي يمدد توقيفه للنظر مدة ثمانية و أربعين (48) ساعة أخرى، و يجوز بصفة استثنائية إصدار هذا الإذن بقرار مسبق دون أن يُقتاد الشخص أمام قاضي التحقيق.
    الفرع الثاني: إجراءات و شروط تنفيذ التوقيف للنظر
    إن تحديد و شرح الإجراءات التي ينبغي على ضابط الشرطة القضائية أن يراعيها بالنسبة للتوقيف للنظر و تقيُّده بها الغرض منها الوقاية من أي شكل من أشكال التعسف، أو الإخلال بحقوق و حريات المشتبه فيهم، و من شأنها أن تجعل عمله مندرجا في إطار الشرعية الإجرائية و ذلك ضمانا لفعالية التحريات و جعل الإجراءات المنفّذة خلال هذه المرحلة بمنأى عن البطلان، و نحاول تلخيص أهم هذه الشروط و الإجراءات في النقاط التالية:
    1-مدة التوقيف للنظر
    لقد حدد المشرع الجزائري المدة المقررة للتوقيف للنظر بدقة و لم يترك فيها مجالا للسلطة التقديرية لضابط الشرطة القضائية، و إضفاء صفة عدم المشروعية على كل توقيف تتجاوز مدته المـدة المقررة قانونا، فيجرمه باعتباره حبسا تعسفيا، و قد حددها القانون في المـادة 48 من الدستور بثمانية و أربعين (48) ساعة، و نصت عليها كل من المواد 51، 65، 141 من قانون الإجراءات الجزائية.
    و عند انتهاء هذه المدة عليه فورا إما إطلاق صراح الموقوف و إما أن يقتاد إلى وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق بحسب الحالة.
    2- تمديد مدة التوقيف للنظر
    لا يجوز لضابط الشرطة القضائية أن يمدد فترة توقيف شخص تحت النظر، لأن القاعدة تقضي بعدم جواز تمديده طبقا لحكم الفقرة 2 من المادة 51 من قانون الإجراءات الجزائية إلا أن هذا القانون وضع استثناءا على هذه القاعدة بجواز تمديده، و هو تطبيقا لحكم الفقرة 3 من المادة 48 من دستور 1996 و التي جاء فيها « لا يمكن تمديد مدة التوقيف للنظر إلا استثناءا و وفقا للشروط المحددة بالقانون ».
    فما هي هـذه الحالات الاستثنائية، و ما هي الشروط المحددة لها؟.
    أ-تمدد فترة التوقيف تحت النظر في حالة الجرائم ضد أمن الدولة سـواء كانت جنايات، أو جنح و ذلك لمدة ثمان و أربعين (48) ساعة أخرى فقط، و هذا ما نصت عليه كل من الموا51، و65 من قانون الإجراءات الجزائية « تضاعف جميع الآجال المنصوص عليها في هذه المواد - ثمان و أربعين (48) ساعة- إذا تعلق الأمر بجنايات، أو جنح ضد أمن الدولة2».
    ب-في الحالة المتعلقة بالجرائم الموصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية يسمح القانون بتمديدها دون أن تتجاوز مدة أقصاها إثنى عشر يوما، طبقا للمواد51، 65 من قانون الإجراءات الجزائية، و ذلك بموجب إذن مكتوب من وكيل الجمهورية الذي يأذن و يصرح بتمديد مدة التوقيف للنظر.
    يتعين عليه أن يقدم ذلك الشخص أولا إلى وكيل الجمهورية قبل إنقضاء مدة ثمان و أربعين ساعة(48) منذ توقيفه، و يطلب الإذن بالتمديد من وكيل الجمهورية، و في هذه الحالة يجوز لوكيل الجمهورية بعد استجواب المشتبه فيه أن يأذن بموجب إذن كتابي بتمديد مدة التوقيف إلى مدة لا تتجاوز ثمان و أربعين ساعة(48) أخرى و ذلك بعد فحص الملف و له السلطة التقديرية في ذلك.
    و يجوز بصفة استثنائية منح الإذن بقرار مسبب دون تقديم الشخص الموقوف إلى وكيل الجمهورية، و نجد نفس الشروط نصت عليها المادة 141 من قانون الإجراءات الجزائية في حالة تنفيذ الإنابة القضائية إلا أن في هذه الحالة قاضي التحقيق المختص هو من يعود له صلاحيات إصدار الإذن بالتمديد.
    الفرع الثالث: القيود التي تنظم صلاحية التوقيف للنظر
    نظم المشرع الجزائري القيود التي ترد على إجراء التوقيف للنظر في مجموعة من الشروط ضمانا منه لمبدأ الشرعية الإجرائية نوجزها في النقاط التالية:
    1- إطـلاع النيابـة
    على ضابط الشرطة القضائية إطلاع وكيل الجمهورية فورا بكل توقيف للنظر و يقدم له تقريرا يبين فيه دواعي التوقيف للنظر طبقا لنص المادة 51 قانون إجراءات جزائية «....فعليه أن يطلع وكيل الجمهورية و يقدم له دواعي التوقيف للنظر».
    2- تحرير محضر لكل توقيف للنظر
    يجب على ضابط الشرطة القضائية تحرير محضر توقيف للنظر يحدد فيه أسباب التوقيف و مدته يوم و ساعة بدايته ويوم وساعة إطلاق، أو أخلاء سبيل الموقوف للنظر، أو تقديمه للجهة القضائية المختصة و كيل الجمهورية، أو قاضي التحقيق لأنهما الجهتان المختصتان بتقديم الموقوف للنظر إليهما و يحدد فيه فترات سماع أقوال الموقوف للنظر، و فترات الراحة التي تخللت فترة توقيفه، و يضمن للموقوف للنظر الحقوق المقررة له طبقا للمادتين 51 مكرر1، و 52 من القانون المذكور أعلاه و يحتوي المحضر على الحقوق التالية:
    أ- بأن الضابط أخطر الموقوف للنظر بحقوقه المقررة قانونا و يشير إلى ذلك في المحضر.
    ب- أن الضابط وضع تحت تصرف الموقوف للنظـر كل وسيلة تمكنه من الإتصال بأسرته فـورا و زيارتها له، و حقه في الفحص الطبي إذا رغب هو شخصيا في ذلك أو بطلب من أحد أفراد عائلته أو محاميه و يكون الفحص من طرف الطبيب الذي يختاره الموقوف، أو بناء على تسخير من ضابط الشرطة القضائية أو وكيل الجمهورية، مع وجوب أن يوقع الموقوف للنظر على هامش محضر توقيفه و في حالة الرفض يؤشر الضابط على المحضر امتناعه عن التوقيع.
    3- إمساك دفتر خاص في كل مركز
    يجب أن يؤسس في كل مركز للشرطة، أو الدرك الوطني سجل خاص ترقم صفحاته و تختم و يوقع عليه وكيل الجمهورية دوريا، و يلتزم ضباط الشرطة القضائية بتقديم هذا السجل للسلطة المختصة بالرقابة على عمله من نيابة و قاضي التحقيق، غرفة الاتهام و رؤسائه المباشرين.
    المطلب الثاني: الضوابط القانونية لصلاحية التفتيش
    التفتيش هو البحث عن عناصر الحقيقة في مستودع السر كما عرفه الدكتور محمود محمود مصطفى،و هذا التعريف يشمل تفتيش المساكن أو تفتيش الأشخاص، أو تفتيش متاعه و الغرض من وضع القواعد القانونية و التنظيمية المتعلقة بالتفتيش هو حماية مستودع السر للأفراد حتى لا تنتهك حرمة حياتهم الخاصة.
    و تفتيش المساكن في الإطار القانوني، و حرمة المسكن، و عدم انتهاكها من الحقوق التي نصت مواثيق حقوق الإنسان و الدساتير و كذا التشريعات على حمايتها إن التفتيش كأصل هو من أعمال التحقيق القضائي، لا يؤمر به إلا من طرف السلطة المختصة بالتحقيق، و يقوم بتنفيذه ضابط الشرطة القضائية استثناءا في الحالات التي يحددها القانون، و طبق للأشكال، و الإجراءات، و الأسباب التي يقررهاو ذلك تحت إشراف و رقابة السلطة القضائية، و عليه فرغم أن المشرع أناط صلاحية تفتيش المساكن لضابط الشرطة القضائية، إلا انه وضع لها ضوابط و قواعد قانونية، لا يجوز تجاوزها أو خرقها، تضبط حالات التفتيش، و شروطه القانونية، و كل مخالفة لها تعرض القائم بها إلى المسائلة الجزائية و التأديبية إلى جانب بطلان الإجراء و عليه سنتعرض لهذه الضوابط من خلال هذه النقاط:
    الفرع الأول:الحالات القانونية للتفتيش
    حرصا منه على صيانة حرمة المساكن حصر المشرع الجزائري الحالات التي يجوز فيها لضباط الشرطة القضائية الدخول إلى مساكن الأشخاص و تفتيشها، فما هي هذه الحالات؟.
    1- حالة التلبس
    تنص على هذه الحالة المادة 44 من قانون الإجراءات الجزائية «لا يجوز لضابط الشرطة القضائية الانتقال إلى مساكن الأشخاص الذين يظهر أنهم ساهموا في الجناية أو أنهم يحزون أوراقا أو أشياء متعلقة بالأفعال الجنائية المرتكبة لإجراء التفتيش إلا بإذن مكتوب صادر من وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق مع وجوب الاستظهار بهذا الأمر قبل الدخـول إلى المنزل و الشروع في التفتيش»1.
    و من خلال المادة 44 قانون الإجراءات الجزائية نلاحظ حصر القيود و الضوابط التي يجب أن يلتزم بها ضابط الشرطة القضائية عند تفتيشه لمنزل المشتبه فيه و تتمثل هذه القيود في:
    - أن يكون قد ارتكب جناية، أو جنحة في حالة تلبس.
    - أن يكون صاحب المسكن محل التفتيش ممن ارتكبوا، أو ساهموا في ارتكاب الجريمة، أو ممن
    تظهر عليهم أمارات تدل على أنه يحوزون أشياء، أو أوراق لها علاقة بالجناية.
    - يجب أن يتم التفتيش بموجب إذن مكتوب من وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق و ذلك لاعتبارين
    اثنين أولهما أن التفتيش من اختصاص السلطة القضائية و هو أصلا من أعمال التحقيق القضائـي
    و خـوله المشرع استثناء لضابط الشرطة القضائية لمقتضيات القـيام بالتحريات الأولية، و ثانيها
    أن حماية الحقوق و الحريات العامة للأفراد من اختصاص السلطة القضائية فيجب أن يتم التفتيش
    تحت رقابتها.
    -إلزامية الاستظهار بالإذن المكتوب قبل الدخول إلى المسكن و مباشرة التفتيش.
    2– حالة التحريات الأولية
    بالرجوع إلى نص المادة 63 من قانون الإجراءات الجزائية نجدها تنص على قيام ضباط الشرطة القضائية بالتحقيقات الإبتدائية للجريمة بمجرد علمهم بوقوعها، إما بناء على تعليمات وكيل الجمهورية، و إما من تلقاء أنفسهم، و نصت المادة 64 منه على أنه لا يجوز تفتيش المساكن في هذه الحالة و معاينتها و ضبط الأشياء المثبتة، إلا برضاء صريح من الشخص الذي ستتخذ لديه هذه الإجراءات، و يجب أن يكون هذا الرضاء بتصريح مكتوب بخط صاحب الشأن، فإن كان لا يعرف الكتابة فبإمكانه الاستعانة بشخص يختاره بنفسه و يذكر ذلك في المحضر مع الإشارة صراحة إلى رضاه و تطبق فضلا عن ذلك أحكام المواد من 44 إلى 47 من نفس القانون.
    3- حالات أخرى لتفتيش المساكن
    هناك حالات أخرى لتفتيش المساكن خارج إطار التحريات الأولية يمكن لضابط الشرطة القضائية تنفيذها، و هي حالات نص عليها قانون الإجراءات الجزائية و نلخصها فيما يلي:
    - تفتيش المنازل بموجب إنابة قضائية فضابط الشرطة القضائية الـذي يكون مفوضا من طـرف
    قاضي التحقيقالمختص يمكن أن يباشر التفتيش في جميع الأماكن.
    - التفتيش في إطار مكافحة جرائم الإرهاب و التخريب ما عدا ما يتعلق منها بالمحافظة على السر
    المهني.
    الفرع الثاني: القيود الواردة على إجراء التفتيش
    حرصا من المشرع على حماية المساكن لم يكتف بالنص على هذا الإجراء بل وضع جملة من الشروطو الضوابط التي يجب على ضابط الشرطة القضائية أن يلتزم بها تحت طائلة المتابعة الجزائية فالتقيد بهذه الشروط هو الذي يجعل الإجراء مشروعا و منتجالآثاره القانونية و تسهر السلطة القضائية على مدى الإلتزام بذلك عن طريق الرقابة القضائية و ذلك بوجوب أن يتم التفتيش وفق الشروط التالية:
    1- وجوب الحصول على إذن من السلطة القضائية المختصة طبقا لنص المادة 44 من قانون الإجراءات الجزائيةو ذلك في كل الحالات السابق ذكرها، عكس ما هو معمول به في القانون الفرنسي، إذ لا يشترط الإذن المسبق من السلطة القضائية المختصة في الجرائم المتلبس بها،لإجراء التفتيش حسبنص المادة 56 من قانون الإجراءات الجزائية الفرنسيو هـو ما كـان
    معمول به في الجزائر قبل التعديل رقم 82-03،الذي بموجبه أصبح الإذن شرطا في حالـة
    2- أن يقومبالتفتيش ضابط شرطة قضائية وفق ما تحدده المادة 15من نفس القانون، أو بحضـوره
    و تحت إشرافـه فلا يجوز تكليف العون بالتفتيش بصفة منفردة و إلا وقع التفتيش باطـلا لعدم
    الاختصاص.
    3- أن يقع التفتيش في الميقات القانوني سواء في حالة التلبس، أو في حالة التحريات الأولية أو أثناء
    تنفيذ إنابة قضائية فالضابط القانوني لميقات التفتيش هو أنه لا يجوز البدء في التفتيش قبل الساعـة
    الخامسة صباحا و لا بعد الساعة الثامنة مساءا طبقا لنص المادة 47 من قانون الإجراءات الجزائية.
    4- إلزام الاستظهار بالأمر المكتوب الذي يعيّن المسكن الواجب تفتيشه و يكون هذا الإذن ممهـورا
    و مؤرخا من طرف السلطة التي أصدرته قبل الشروع في مباشرة عملية التفتيش طبقا لنص المادة
    44 من قانون الإجراءات الجزائية.
    5- يجبأن يتم التفتيش بحضور المشتبه فيه و إذا تعذر عليه الحضور فإن ضابط الشرطة ملـزم
    بأن يكلفه بتعيين ممثل له ،و إذا أمتنع أو كان هاربا استدعى ضابط الشرطة القضائية لحضور عملية التفتيش شاهدين من غير الموظفين الخاضعين لسلطته، و ذلك طبقا لنص المـادة 45 مـن نفس القانـون أعلاه،و يتم تسخير الشاهدين بواسطة محضر يوقعانه مع الضابط.
    و تظبط الأشياء و الأوراق التي يعثر عليها جرّاء عملية التفتيش و التي تكون مفيدة لإظهار الحقيقة، أو التي يمكن أن تشكل دلائل مادية في القضية كما يقوم ضابط الشرطة القضائية بجرد كل الملاحظات و يرقمها و يضعها في أحراز مختومة بعد تقديمها للمشتبه فيه، أو الشهود للتعرف عليها، و ترسل مرفقة بالمحضر إلى النيابة العامة.
    غير أنه إذا تم التفتيش في مسكن يشغله شخص ملزم بكتمان السر المهني كالطبيب، أو المحامي فعلى ضابط الشرطة القضائية أن يتخذ جميع الاحتياطيات اللازمة للحيلولة دون إفشاء المعلومات التي يطلع عليها أثناء عملية التفتيش.
    2- غير أن القانون وضع استثناءا على هذه القاعدة و التي وردت في المادة 45 فقرة 03 و هو خروج عن قاعدة حضور صاحب المنزل، أو من ينوبه، أو شاهدان، و هي إذا تعلق الأمر بجرائم موصوفة بأفعال إرهابية، أو تخريبية، و بصفة عامة فإنه في هذه الحالات فقط يجوز الخروج عن القواعد و الضوابط المقررة للتفتيش، و هذا حرصا من المشرع على حماية السكينة و الأمن العام و حريات الأفراد، و ذلك باستثناء ما تعلق منها بالسّر المهني.
    و يتعين هنا على الضابط أن يكون مرفوقا بمسؤولي النقابة لهذه الفئة المعنية عند إجراء التفتيش في هذه الأماكن.
    أما بالنسبة للتفتيش الذي يجريه ضابط الشرطة القضائية خارج حالات التلبس فقد أوجب القانونإلى جانب الضوابط القانونية المذكورة أعلاه أن يتم التفتيش في هذه الحالة بموجب رضا صريح و مكتوب بخط يد الشخص الذي يتم تفتيش منزله، فإذا كان لا يعرف الكتابة فبإمكانه الاستعانة بشخص يختاره بنفسه و يذكر ذلك في المحضر و الإشارة صراحة إلى رضاه، و ذلك طبقا لنص المادة 64 من قانون الإجراءات الجزائية.
    الفرع الثالث: حالات الخروج عن الميقات القانوني
    يجيز القانون لضابط الشرطة القضائية الخروج عن القاعدة العامة المتعلقة بميقات إجراء التفتيش الواردة في نص المادة 47 من قانون الإجراءات الجزائية بين الساعة الخامسة صباحا و الساعة الثامنة مساءاو ذلك في الحالات التالية:
    1- طلب صاحب المسكنأو في حالة الضرورة
    بالرجوع إلى نص المادة 47 من نفس القانون نجد أن المشرع نص صراحة على جواز الخروج عن قاعدة الميقات القانوني المقرر لإجراء التفتيش سواء في مساكن المشتبه في مساهمتهم في ارتكاب الجريمة، أو الذين يحوزون أوراقا، أو أشياء لها علاقة بالجريمة و يتقرر هذا الاستثناء متى طلب صاحب المنزل الدخول برضاه إلى مسكنه و تفتيشه، أو في حالة الضرورة و هي الحالة التي نجدها في نص المادة 47 فقرة 2 من قانون الجمارك إثر متابعة البضائع محل الغش على مرأى العين أو في حالة بداية التفتيش في أواخر النهار. وذلك بمناسبة التفتيش الذي يجريه اعوان الجمارك .
    2- تفتيش الفنادق و المساكن المفروشة
    يجيز القانون لضابط الشرطة القضائية، طبقا لنص المادة 47 فقرة 02 من قانون الإجراءات الجزائية الدخول في أي ساعة من ساعات الليل أو النهار إلى الفنادق، و المساكن المفروشة، و المحلات و ما إليها من الأماكن المفتوحة للعامة، و تفتيشها، و ضبط الأشياء إذا تعلق الأمر بجرائم المخدرات و الدعارة المعاقب عليها بالمواد 342 و ما يليها من قانون العقوبات.
    3- بمناسبة الجرائم الإرهابية و التخريبية
    و طبقا للفقرة الثالثة من المادة 47 من قانون الإجراءات الجزائية التي أضيفت بموجب الأمر 95/10 المؤرخ في 25 فبراير1995، فإنه عندما يتعلق الأمر بجرائم موصوفة أفعال إرهابية، أو تخريبية يمكن لقاضي التحقيق أن يقوم بأية عملية تفتيش أو حجز، ليلا أو نهارا، و في أي مكان على إمتداد التراب الوطني أو يأمر ضباط الشرطة القضائية بذلك.
    ملاحظة
    و هي نفس الضوابط التي قيد بها المشرع حرصا منه دائما على رقابة أعمال الضبطية القضائية و وضعها في إطار قانوني محدد نظرا لتعلقها بالنظام العام و مساسها بالحريات الفردية ، إجراءات التفتيش في بعض القوانين الخاصة و التي تمنح لموظيفيها و أعوانها بعض مهام الضبطية القضائية فنجد أن نص المادة 47 من قانون الجمارك تحصر الحالات التي يجيز فيها لأعوان الجمارك تفتيش المساكن و معاينة الجريمة الجمركية، و هي نفس الشروط العامة للتفتيش، زيادة على وجوب حضور ضابط الشرطة القضائية هذه العملية و إلا اعتبر هذا المحضر باطلا إلا استثناءا في حالة متابعة الجريمة على مرأى العين، أو في حالة الجرائم الواقعة في النطاق الجمركي ، و هي نفس الشروط التي قيد بها المشرع إجراء التفتيش الذي يجريه الموظفون، و الأعوان المختصون في الغابات طبقا لنص المادتين 21، 22 من قانون الإجراءات الجزائية إلا الاستثناء الأخير فهو غير معني بهم .

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 6322
    نقاط : 17825
    تاريخ التسجيل : 28/06/2013
    العمر : 33

    موضوع المذكرة : الرقابة على اعمال الضبطية القضائية و مسؤولية عناصرها Empty رد: موضوع المذكرة : الرقابة على اعمال الضبطية القضائية و مسؤولية عناصرها

    مُساهمة من طرف Admin الخميس يوليو 18, 2013 8:13 pm




    المطلب الثالث: الضوابط القانونية لصلاحيةتنفيذ القبض
    إذا كان المشرع الجزائري قد وسع من الصلاحيات المنوطة بعناصر الضبطية القضائية من حيث التوقيف للنظر، و التفتيش إلا أنه كما رأينا قيد الحد من استعمالها، إلا فيما يخوله القانون، و إلا تعرض المسؤول عن ذلك إلى المساءلة الجزائية.
    هذا، و إلى جانب هذه الصلاحيات الخطيرة التي يتمتع بها عناصر الضبطية القضائية، هناك صلاحية أخرى تمس بالحقوق و الحريات الفردية و هي صلاحية القبض على المشتبه فيهم، و هذا ما سنتناوله في الفروع التالية.
    الفرع الأول: تعريف القبض
    إن الضوابط و القواعد التي يقررها القانون لأعمال الضبطية القضائية و خاصة القبض تجد مبررها الشرعي في الحماية القانونية التي أقرتها مواثيق حقوق الإنسان و دساتير الدول الحديثة1، لحرية تنقل الأشخاص حيث تنص المادة 47 من الدستور على عدم متابعة أي شخص أو القبض عليه إلا في الحالات التي ينص عليها القانون، ذلك أنّ القبض إجراء خطير يمس بحرية الشخص، لذلك يجب أن يقتصر على الحالات التي يحددها القانون ،و ينفذه موظفون منحهم القانون اختصاصا بذلك طبق للإجراءات و الشكليات التي يرسمها، و هذه النقاط هي التي تولي القانون ضبطها و تحديدها و هي مظهر من مظاهر الرقابة القانونية على شرعية الأعمال التي تقوم بها الضبطية القضائية.
    و لم يعرف المشرع الجزائري القبض، و كل ما ورد بشأنه هو تعريف الأمر بالقبض الصادر عن السلطات القضائية، و المنفذ من قبل الشرطة القضائية طبقا لنص المادة 119 من قانون الإجراءات الجزائية، و ما يستخلص من المـادة أنّ أمر القبض هو ذلك الأمر الصادر عن السلطة القضائية إلى القوة العمومية بالبحث عن المتهم، وسوقـه إلى المؤسسة العقابية، أو إلى وكيل الجمهورية حيث يتم تسليمه و حبسه.
    إذا فالمشرع بين لنا من هو المختص بإصدار الأمر بالقبض، و كيف ينفذ، و من طرف من، و الإجراءات الواجب اتباعها بخصوصه.
    الفرع الثاني:الحالات القانونية لتنفيذ إجراء القبض
    القبض هو إجراء من إجراءات التحقيق باعتباره يتضمن مساسا بحرية الأشخاص، و تقييد تلك الحرية هي من اختصاص الجهات القضائية، فالأمر بالقبض على شخص معين لا يصدر إلا عن السلطة القضائية، و ينفذ من قبل عناصر الضبطية القضائية،كما خول المشرع الجزائري طبقا لنص المادة 61 من قانون الإجراءات الجزائية لأي شخص أن يقبض في حالة الجناية، أو الجنحة المتلبس بها على الفاعلو يقتاده إلى أقرب ضابط شرطة قضائية.
    و تتمثل الحالات التي يجوز فيها تنفيذ إجراء القبض على الأشخاص من طرف عناصر الضبطية القضائية في الحالات التالية:
    1- تنفيذا لأمر قضائي:
    سواء صدر هذا الأمر من طرف قاضي التحقيق استنادا إلى نص المادة 109 و ما يليها من قانون الإجراءات الجزائية التي جاء فيها « يجوز لقاضي التحقيق حسبما تقتضي الحالة أن يصدر أمرا بإحضار المتهمأو بإيداعه السجن أو إلقاء القبض عليه»، و المادة 116 منه « إذا رفض المتهم الامتثال لأمر الإحضار أو حاول الهرب بعد إقراره أنه مستعد للامتثال إليه تعين إحضاره جبرا عنطريق القوة»، و المادة 119 منه التي تنص «الأمر بالقبض هو ذلك الأمر الذي يصدر إلى القوة العمومية بالبحث عن المتهم و سوقه إلى المؤسسة العقابية المنوه عنها في الأمر حيث يجري تسليمه و حبسه»، و إذا كان المتهم هاربا، أو مقيما خارج إقليم الجمهورية فيجوز لقاضي التحقيق بعد استطلاع رأي وكيل الجمهورية أن يصدر ضده أمرا بالقبض إذا كان الفعل الإجرامي معاقبا عليه بعقوبة جنحة بالحبس، أو بعقوبة أشد جسامة و يبلغ أمر القبض، و ينفذ عن طريق القوة العمومية.
    2- في حالة التلبس بجناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس:
    و نلاحظ أنّ المشرع في المادة 61 من قانون إجراءات جزائية لم يشر صراحة إلى اختصاص ضابط الشرطة القضائية في القبض على المشتبه فيه على غرار المشرع المصري.
    غير أن المادة 51 من القانون الذكور أعلاه خولت ضباط الشرطة القضائية توقيف المشتبه فيه للنظر لمدة لا تزيد عن 48 ساعة، و لا يُتصور من الناحية العملية تنفيذ هذا الإجراء إلا بالقبض على الشخص،و يقدر ضباط الشرطة القضائية في مجرى تحرياتهم الدلائل ،و العلامات التي تبرر القبض على الشخص و حجزه، و لقد عبر عنها المشرع واصفا إياها بالقوية و المتماسكة، و يبقى هذا التقدير من الوقائع التي تخضع للرقابة القضائية
    و من ناحية أخرى فلقد إكتفى القضاء الفرنسي بتوافر ظروف و ملابسات ترجح قيام شخص للجريمةو تجعل إي فرد عادي يميل إلى الاعتقاد أن شخصا ما هو من ارتكب الجريمة، حتى و لو لم يشاهده و هو ينفذ أركانها المادية، و لو تبين لاحقا ألاّ علاقة له بها، فذلك يكفي مبرراللقبض عليه و اقتياده أمام أقرب ضابط للشرطة القضائية.
    3- في إطار التحريات الأولية:
    بموجب المادة 65 من قانون الإجراءات الجزائية، يجوز لضباط الشرطة القضائية إذا رأوا أنه من المفيد للتحقيق إيقاف شخص للنظر فإنه لا يتم ذلك إلا بعد القبض عليه أولا، و بعدها يتم إيقافه للنظر لمدة لا تزيد على 48 ساعة، و يُقدم ذلك الشخص قبل انقضاء هذه المدة إلى وكيل الجمهورية.
    4- تنفيذاللإكراه البدني:
    و يكون هذا إزاء الشخص الذي صدر ضده حكم كوسيلة للضغط عليه لإجباره على سداد ما عليه من مستحقات للدولة صدر بها حكم بات، و يجب في هذه الحالة مراعاة كل الإجراءات التي نصت عليها المواد 597 إلى 611 من قانون الإجراءات الجزائية، فإذا امتنع الشخص الذي صدر ضده إكراه بدني ممهور بخاتم النيابة التنفيذي عن سداد ما عليه، يلقى عليه القبض، و يقتاد إلى المؤسسة العقابية لتنفيذ عقوبة الحبس المنوه عن عدد أيامها في الإكراه البدني بموجب أمر من وكيل الجمهورية.
    تلكم هي الحالات المنصوص عليها في القانون الجزائري، و التي تجيز لضابط الشرطة القضائية القبض على الأشخاص، و عليه يجب تلقينها لرجال الأمن قبل الشروع في ممارسة وظائفهم و تعليمهم الأساليب و الشكليات التي يجب إتباعها عند القبض على المشتبه فيهم، خاصة أن إجراء القبض خاضع للرقابة القضائية، فوكيل الجمهورية هو مدير الضبطية القضائية لذلك فـإن إبلاغه بارتكـاب الجريمـة
    و القبض على المشتبه فيه يعد ضمانة لحرية الأفراد، إلى جانب أنّ الأمر بالقبض في كل الحالات ينفذ عن طريق النيابة و هي صاحبة الاختصاص في إعطاء الأوامر إلى القوة العمومية لتنفيذه إذا كان صادر عن طريق أوامر قضائية، و ذلك كله تحت مراقبتها و إشرافها، و هو ما يجعل المشرع الجزائري يجرم فعل القبض على أي شخص بدون أمر السلطة المختصة، و خارج الحالات لتي ينص عليها القانون، و ذلك طبقا لنص المادة 291 من قانون العقوبات، و هو ما سنتعرض له في الفصل الثاني من هذه المذكرة.
    المبحث الثاني: الهيئات القضائية المخول لها سلطة الرقابة على أعمال الضبطية القضائية
    نظرا لأن السلطة القضائية هي الحامية للحريات و الحقوق الفردية فإن ممارستها لوظيفة الرقابة على أعمال الضبطية القضائية من الضمانات الأساسية لتفادي أي انتهاك لمبدأ الشرعية الإجرائية، و تمارس هذه الرقابة في التشريع الجزائري من خلال إدارة وكيل الجمهورية، و إشراف النائب العام، و رقابة غرفة الاتهام طبقا لنص المادة 12 من قانون الإجراءات الجزائية.
    و نظرا لأهمية هذا المبدأ، و أثره على ضمان و حماية حقوق المشتبه فيهم، و الحرص على أن تكون أعمال الضبطية القضائية شرعية و تنفذ طبقا للضوابط و الشكليات التي نص عليها القانون، سنتناوله بمزيد من التفصيل من خلال المطالب التالية:
    المطلب الأول: وكيل الجمهورية كجهة إدارة
    تحكم عناصر الضبطية القضائية علاقة التبعية بالجهات الإدارية التي ينتمون إليها و يعملون ضمن هياكلها و سلمها الإداري1، وتحكمهم خلال ممارسة وظيفة الضبط القضائي علاقة قانونية بالجهات القضائية طوال مدة ممارستهم هذه الوظيفة فهم يخضعون في ممارسة أعمالهم المقررة في قانون الإجراءات الجزائية، أو بمقتضى قوانين خاصة، إلى إدارة و توجيهات وكيل الجمهورية التابعين له من حيث دائرة الاختصاص، و يمارسون مهامهم باتصال دائم معهم بصفته مديرهم المباشر و ذلك طبقا لمقتضيات نص المادة 12 من قانون الإجراءات الجزائية.
    و يتولى وكيل الجمهورية إدارة الضبط القضائي في عدة أوجه يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
    الفرع الأول: ضرورة إعلام وكيل الجمهوريةبالتحريات و الشكاوى و البلاغات
    إن عناصر الضبطية القضائية يجب عليهم أولا، إعلام وكيل الجمهورية بدون تمهل بكل الجرائم التي نقلت إلى علمهم عن طريق تحويل الشكاوى و البلاغات التي تلقوها، و كذا المحاضر التي حرروها1، و أي مخالفة لهذا الالتزام يعرض القائمين به إلى المتابعة من طرف وكيل الجمهورية بعد استطلاع رأي النائب العام2، كما أنه عليهم إبلاغه بما وصلت إليه تحرياتهم وذلك بإرفاق أصل المحاضر و نسخة منها مصادق عليها و كل الوثائق المرفقة و الأشياء المضبوطة، و يدعم هذا الالتزام ما جاء في نص المادة 18 من قانون الإجراءات الجزائية، و الهدف من إعلام وكيل الجمهورية هو السماح له بتوجيه تعليماته لهم في الوقت المناسب و كذا التوجيهات الضرورية للحد من الإجرام و تقدير النحو الذي يجب أن يتخذه كل ملف، و يعد كل خرق لهذا الالتزام مخالفة تعرض القائم به لمراقبة و مساءلة غرفة الاتهام.
    و في حالة الجريمة المتلبس بها، على ضباط الشرطة القضائية أن يخطروا وكيل الجمهورية على الفور، ثم الانتقال بدون تمهل إلى مكان ارتكابها لمعاينة الحادثة، و اتخاذ الإجراءات، و التدابير الواجب فعلها،كما أوردت المادة 62 من قانون الإجراءات الجزائية ضرورة أن يخطر ضباط الشرطة القضائية وكيل الجمهورية فورا عند علمهم بالعثور على جثة شخص و كان سبب الوفاة مجهولا، أو مشكوك فيه، و سواء كانت الوفاة نتيجة عنف، أو بدونه، و بعد إخطار وكيل الجمهورية، على ضباط الشرطة القضائية أن يتنقلوا بدون تمهل إلى مكان الحادث لمباشرة المعاينات الأولية.
    و من هنا يتضح لنا بجلاء المواطن التي تستدعي ضرورة إخبار وكيل الجمهورية بكل ما يجري من تحريات، و منها ما تنص عليه المادة 40 مكرر1 المضافة بموجب تعديل قانون الإجراءات الجزائية رقم 04-14، المؤرخ في 10 نوفمبر 2004،إذ جاء فيها« يخبر ضباط الشرطة القضائية فورا وكيل الجمهورية لدى المحكمة الكائن بها مكان الجريمة، و يبلغونه بأصل و بنسختين من إجراءات التحقيق».
    إلى جانب ذلك فإنه، و في الحالات التي يُجيز فيها القانون لضباط الشرطة القضائية أن يباشروا مهمتهم على كافة تراب الجمهورية الجزائرية -في حالة الاستعجال-، أو في كافة دائرة اختصاص المجلس القضائي الملحقين به، يتعين عليهم أن يخبروا مسبقا وكيل الجمهورية الذي يعملون في دائرة اختصاصه طبقا لنص المادة 16 من قانون الإجراءات الجزائية.
    كما يقوم الموظفون، والأعوان المنوط بهم قانونا بعض مهام الضبط القضائي بإخبار وكيل الجمهورية بكل ما يقومون به من أعمال المعاينات، و ضبط المخالفات، و الجنح التي خولهم القانون القيام بها طبقا لنص المواد 21، 23، 25، و 26 من نفس القانون، و ذلك باعتباره مدير الضبط القضائي و له وحده سلطة التصرف في المحاضر و تمكينه من مباشرة اختصاصاته في الملائمة بين تحريك الدعوى العمومية و رفعها و بين الأمر بحفظها.
    الفرع الثاني: مراقبة المحاضر و توجيه التحري و التصرف فيه
    يُناط بوكيل الجمهورية سلطة توجيه أعمال الضبطية القضائية و التصرف فيها بشكل يحول بينها و بين مخالفة القانون و المساس بالحريات الفردية، و تتجلى سلطةوكيل الجمهورية في تقدير عمل الضبطية القضائيةفي مراجعة مدى كفاية المعلومات المتحصل عليها بشأن جريمة ما.
    و قد نص قانون الإجراءات الجزائية في مادته 36 فقرة 3 على أن وكيل الجمهورية يباشر بنفسه أو بواسطة ضباط الشرطة القضائية جميع إجراءات البحث و التحري عن الجرائم مع مراعاة أحكام المواد 56، و 60 من نفس القانون.
    و عليه فإن عناصر الضبطية القضائية خاضعين لسلطةوكيل الجمهورية، و بهذه الصفة فإنهم ملزمون بتنفيذ الأوامر و التعليمات التي يتلقونها منه، و أي تقاعس في هذا المجال يعرض صاحبه للجزاء
    ففي حالة الجناية أو الجنحة المتلبس بها، و عند حضور وكيل الجمهورية لمكان الحادث بإمكانه أن يتولى مباشرة التحريات و إتمامها بنفسه، كما يسوغ له أن يكلف ضابط الشرطة القضائية بمواصلتها تحت إدارته، و هنا على ضابط الشرطة القضائية انتظار التعليمات التي يتلقاها من قبل وكيل الجمهورية و تطبيقها بشكل سوي مع ضرورة استئذانه في الكثير من الإجراءات الهامة و إلا عدت باطلة، منها التفتيش، و تمديد التوقيف للنظر، و معيار قبوله أو رفضه هو مدى قناعته بجدية التحريات التي يتقدم بها إليه ضابط الشرطة القضائية، أو عدم اقتناعه بذلك بحسب الظاهر له بعد إطلاعه على محضر التحريات و ما ورد به و ما اشتمل عليه.
    و تتمثل أيضا إدارة وكيل الجمهورية للضبط القضائي في توجيه نشاطهم و توزيع المهام على عناصر الضبطية القضائية الذين يعملون في دائرة اختصاصه سواء كانوا تابعين لهيئة واحد، أو لعدة هيئات، كما تخول له سلطة الادارة مراقبة المحاضرمن حيث التوقيع و التاريخ وخاتم الوحدة التى ينتمى اليها من حرر المحضر، ومن حيث الإختصاص النوعى منه والمحلى ،والشخصي، وبأن المحضر قد تم تحريره أثناء تأدية مهام الوظيفة،إلى جانب ضرورة تباين صفة محرره طبقا لنص المادة 18 من القانون اعلاه، وذلك لما لهذا من أهمية في إضفاء الصفة القانونية على محاضر الضبطية القضائية.
    و بصفته مديرا للضبط القضائي، يستطيع وكيل الجمهورية تعيين ضابط الشرطة القضائية الذي يختاره لتنفيذ تحريات بشأن جريمة، أو قضية ما، سواء من ضمن ضباط الشرطة القضائية التابعين للدرك الوطني، أو للأمن الوطني، كما تخوله صفته هذه إعفاء أحد هؤلاء الضباط و تعويضه بآخر في تنفيذ تحريات تخص قضية ما لأسباب يراها مفيدة لسير التحقيق فيها.
    الفرع الثالث: مراقبة التوقيف للنظر
    إنّ مراقبة التوقيف للنظر يتجسد من خلال الصلاحيات التي منحها المشرع لوكيل الجمهورية التي تسمح له بمراقبة مدى شرعيته، و احترام حقوق الموقوفين ،و في هذا السياق تنص المادة 36 فقرة 2 من قانون الإجراءات الجزائية على أنّ وكيل الجمهورية يدير نشاط ضباط و أعوان الشرطة القضائية بدائرة اختصاص المحكمة و يراقب تدابير التوقيف للنظر.
    إن مراقبة وكيل الجمهورية لإجراء التوقيف للنظر حقيقي و فعلي، و ذلك من خلال الواجب الذي نص عليه المشرع في الفقرة 1 من المادة 51 من القانون أعلاه بالنسبة لضباط الشرطة القضائية، حيث ألزمهم القانون أن يطلعوا فورا وكيل الجمهورية و يقدموا له تقريرا عن دواعي التوقيف للنظر، و مضمون هذا التقرير يتعلق بالعناصر الأولية لظروف الجريمة و الأسباب التي تبرر التوقيف، ذلك أن السلطة التقديرية لضباط الشرطة القضائية في توقيف شخص للنظر خاضعة لمراقبة وكيل الجمهورية.
    و تتمثل سلطة المراقبة في هذه الحالة من خلال الأعمال التالية:
    - التوقيع على السجل الخاص بالتوقيف للنظر.
    - إمكانية تعيين طبيب لفحص الموقوف للنظر سواء تلقائيا، أو بناءا على طلب أفراد عائلته، أو محاميه،
    و في أي لحظة أثناء، أو بعد التوقيف.
    - زيارة الأماكن المخصصة للتوقيف للنظر و التأكد من أنها تستجيب للشروط اللائقة بكرامة الإنسان1.
    - تفقد وكيل الجمهورية أماكن التوقيف بصفة دورية في أي وقت لمعاينة ظروف التوقيف و الإطلاع
    على السجلات الموضوعة لهذا الغرض و التي يمكن له أن يدون عليها ملاحظاته.
    المطلب الثاني: النائب العام كسلطة إشراف على الضبطية القضائية
    يعتبر النائب العام رئيس الهيئة المكلفة بالإشراف و إدارة الضبط القضائي، فوكيل الجمهورية بما أنه يعتبر مدير الضبطية القضائية على مستوى المحكمة يعمل تحت سلطة النائب العام الذي يعود له الإشراف على هذه الفئة على مستوى المجلس القضائي، و معنى ذلك أنه إذا كانت قيادة وكيل الجمهورية للضبطية القضائية هي قيادة مباشرة فإن النائب العام تكون قيادته غير مباشرة.
    و ينطوي إشراف النائب العام على توجيه و مراقبة أعمال الضبطية القضائية على مستوى المجلس القضائي مع مطالبة الجهة القضائية المختصة، غرفة الاتهام، بالنظر في كل مخالفة مرتكبة من طرف ضباط الشرطة القضائية، و تهدف هذه المطالبة إلى تجريديهم من صفة الضبطية القضائية و متابعتهم جزائيـا1 عن أي تقصير، أو إخلال يقع منهم، طبقا لأحكام المادة 208 من قانون الإجراءات الجزائية.
    و لقد نصت المادة 12 منه على سلطة إشراف النائب العام على الضبطية القضائية، و بالرجوع إلى هذه المادة و بعض المواد الأخرى التي تنظم علاقة الضبطية القضائية بالنيابة العامة نجد أن المشرع اكتفى بالنص على أن للنائب العام سلطة الإشراف من خلال نص المادة 12 من قانون الإجراءات الجزائية، و كسلطة إمساك ملف فردي لكل ضابط شرطة قضائية، من خلال نص المادة 18 مكرر، و بأنه يشرف على تنقيط ضباط الشرطة القضائية، و التي يتولاها وكيل الجمهورية تحت سلطة و إشراف النائب العام، إلا أنه وبصدور التعليمة الوزارية المشتركة المنصوص عليها أعلاه و التي بينت بوضوح أهم السلطات المخولة للنائب العام كسلطة إشراف على الضبطية القضائية، و التي ندرجها في النقاط التالية:
    الفرع الأول: مسك ملفات ضباط الشرطة القضائية
    يحاط النائب العام علما بهوية ضباط الشرطة القضائية المعينين بدائرة اختصاصه و الذين يمارسون بصفة فعلية مهام الشرطة القضائية، و يتولى مسك ملفاتهم الشخصية التي ترد إليه من السلطة الإدارية التي يتبعها الضابط المعني، أو من النيابة العامة لآخر جهة قضائية باشر فيها هذا الأخير مهامه باستثناء ضباط الشرطة القضائية التابعين للمصالح العسكرية للأمن، و الذين تمسك ملفاتهم من طرف وكلاء الجمهورية العسكريين المختصين إقليميا.
    و يتكون الملف الشخصي لضابط الشرط القضائية من الوثائق التالية:
    - قرار التعيين.
    - محضر أداء اليمين.
    - محضر تنصيب.
    - كشف الخدمات كضابط شرطة قضائية.
    - استمارات التنقيط السنوية.
    - صورة شمسية (عند الضرورة).
    للإشارة أنّ هذه الملفات الفردية تتعلق بضباط الشرطة القضائية فقط دون غيرهم من عناصر الضبطية القضائية.
    كما أن هذه الملفات تتضمن معلومات كاملة عن مؤهلاتهم العلمية و العملية و مسارهم الوظيفي كضباط شرطة قضائية.
    الفرع الثاني: الإشراف على تنقيط ضباط الشرطة القضائية
    يمسك النائب العام بطاقات التنقيط لضباط الشرطة القضائية،و ترسل هذه البطاقات إلى وكلاء الجمهورية المختصين إقليميا لتقييم، و تنقيط الضباط العاملين بدائرة اختصاصهم في أجل أقصاه أول ديسمبر من كل سنة لترجع إلى النائب العام بعد تبليغها للضابط المعني في أجل أقصاه 31 ديسمبر من نفس السنة.
    و يتم التنقيط وفق البطاقة النموذجية المعدة لهذا الغرض، و لضابط الشرطة القضائية أن يبدي ملاحظات كتابية حول تنقيطه يوجهها إلى النائب العام الذي تعود له سلطة التقييم و التقدير النهائي للنقطة و الملاحظات، و توضع نسخة من بطاقة التنقيط بالملف الشخصي لضابط الشرطة القضائية، و يرسل النائب العام نسخة منها إلى السلطة الإدارية التي يتبعها المعني مشفوعة بملاحظاته قبل 31 يناير من كل سنة.
    و بهدف إضفاء المزيد من المصداقية، و تجسيد مبدأ الرقابة القضائية على أعمال الشرطة القضائية، نصت التعليمة الوزارية المشتركة السابق ذكرها على أن التنقيط السنوي لضباط الشرطة القضائية يؤخذ بعين الاعتبار في مسارهم المهني، و يتم التنقيط حسب الأوجه التالية:
    التحكم في الإجراءات، و روح المبادرة في التحريات، و الانضباط، و روح المسؤولية، و مدى تنفيذ تعليمات النيابة العامة، و الأوامر، و الإنابات القضائية، و السلوك، و الهيئة.
    علاوة على ذلك، فإنه يتم تنقيط ضباط الشرطة القضائية التابعين لوزارة الدفاع الوطني من طرف وكيل الجمهورية العسكري لدى المحكمة العسكرية المختصة إقليميا ضمن الشروط و وفق الأشكال المبينة سابقا.
    الفرع الثالث: الإشراف على تنفيذ التسخيرات
    لقد نصت التعليمة الوزارية المشتركة المذكورة سابقا بأن يتولى النائب العام مهمة الإشراف على تنفيذ التسخيرات التي تصدرها الجهات القضائية للقوة العمومية من أجل حسن سير القضاء.
    تصدر هذه التسخيرات الموجهة إلى القوة العمومية في أجل تسمح للجهة المسخرة باتخاذ الاحتياطات و التدابير اللازمة لتنفيذها.
    تكون التسخيرات مكتوبة، و مؤرخة، و موقعة من الجهة التي تصدرها.
    و أول شيء يشترط في هذه التسخيرات، أن تكون محررة في شكل مكتوب، و مؤرخة، و موقعة من الجهة التي أصدرتها، و في الواقع لا يمكن حصر أوجه و أغراض تسخير القوة العمومية غير أنه يمكن إجمالها في الأغراض التالية:
    - التسخير من أجل تنفيذ الأوامر القضائية و القرارات الجزائية.
    - استخراج المساجين من المؤسسات العقابية لمثولهم أمام الهيئات القضائية.
    - حراسة المساجين أثناء تحويلهم من مؤسسة عقابية إلى أخرى.
    - ضمان الأمن، و الحفاظ على النظام العام خلال انعقاد الجلسات.
    - تسليم الإستدعاءات، و التبليغات القضائية في المادة الجزائية متى استحال تبليغها بالوسائل القانونية الأخرى.
    - عند القيام بالمهام التي تقتضي تدخل القوة العمومية لأجل حسن سير القضاء.
    - تقديم المساعدة اللازمة لتنفيذ الأحكام، و القرارات القضائية المدنية، و السندات التنفيذية، و يتم ذلك عند الاقتضاء وفق برنامج دوري يعد مسبقا من طرف وكيل الجمهورية بالتنسيق مع مسؤولي القوة العمومية و المحضرين القضائيين.
    - يمكن عند الاقتضاء- و خاصة في المدن الكبرى-، إنشاء فرق مخصصة للتكفل بتنفيذ التسخيرات المتعلقة بالأحكام القضائية المدنية.
    على أن تقتصر مهمة القوة العمومية المسخرة لتنفيذ الأحكام، و القرارات المدنية على ضمان الأمن و حفظ النظام العام.
    و عندما يصبح تنفيذ التسخيرات مستحيلا في آجالها المحددة تحرر الجهة المسخرة تقريرا مسبقا يرسل إلى الجهة المسخرة لاتخاذ ما تراه مناسبا من إجراءات.
    و في الأخير يمكن لنا أن نشير إلى أن سلطة النائب العام في الإشراف على ضباط الشرطة القضائية، أو على الضبطية القضائية بصفة عامة، يبقى لها معنى واسع من مفهوم الإدارة التي يتمتع بها وكيل الجمهورية، لأنه في المفهوم الأول الإشراف يعني السلطة غير المباشرة التي تنطوي على إعطاء التوجيهات و التعليمات عن طريق وكيل الجمهورية، إلا أن ما لاحظناه عمليا هو أن التسخيراتو الإشراف عليها يتم عن طريق وكيل الجمهورية.
    المطلب الثالث: غرفة الاتهام كسلطة محاكمة و توقيع الجزاءات
    سنتطرق إلى رقابة غرفة الاتهام للضبطية القضائية من خلال تحديد الأشخاص الخاضعين لهذه الرقابة، ثم إلى الإجراءات المتبعة أمام غرفة الاتهام، و نوع الجزاءات التي تفرضها، ثم إلى مدى جواز الطعن في القرارات التي تصدرها غرفة الاتهام على إثر متابعة عناصر الضبطية القضائية.
    الفرع الأول: عناصر الضبط القضائي الخاضعين لمراقبة غرفة الاتهام
    كانت المادة 206 من قانون الإجراءات الجزائية قبل تعديلها سنة 1982 تخول غرفة الاتهام حق مراقبة أعمال الضبط القضائي الذين لهم صفة ضباط الشرطة القضائية أما أعوان الضبط القضائي، و الموظفون و الأعوان المنوط بهم بعض مهام الضبط القضائي فإن أعمالهم كانت خاضعة لمراقبة رؤسائهم الإداريين حتى صدور قانون رقم 82-03 المؤرخ في 13 فبراير 1982، و الذي عدلت بمقتضاه المادة 206 كالتالي « تراقب غرفة الاتهام أعمال ضباط الشرطة القضائية و الموظفين و الأعوان المنوط بهم بعض مهام الضبط القضائي الذين يمارسونها حسب الشروط المحددة في المادة 21 و ما يليها من قانون الإجراءات الجزائية»، بمعنى أن الأعضاء الخاضعين لرقابة غرفة الاتهام هم:
    - ضباط الشرطة القضائية و هم ( الولاة، رؤساء المجالس البلدية، ضباط الدرك الوطني محافظو الشرطة، ضباط الشرطة، ذوي الرتب في الدرك، رجال الدرك الذين أمضوا في سلك الدرك ثلاث (03) سنوات خدمة على الأقل و عُينوا بموجب قرار وزاري مشترك بين وزير العدل و وزير الدفاع الوطني بعد موافقة لجنة خاصة، مفتشو الأمن الوطني الذين قضوا في خدمتهم بهذه الصفة ثلاث (03) سنوات و عُينوا بموجب قرار وزاري مشترك بين وزير العدل و وزير الداخلية بعد موافقة لجنة خاص، ضباط و ضباط الصف للأمن العسكري الذين تم تعنيهم خصيصا بموجب قرار مشترك صادر عن وزير الدفاع الوطني و وزير العدل).
    - الموظفين و الأعـوان المكلفين ببعض مهـام الضبط القضائي و هم: رؤسـاء الأقسـام، و المهندسين، و الأعوان الفنـيين، و التقنيين المختصين في الغابات و حمـاية الأراضي و استصلاحها في ميدان الغابات، و مهندسي المياه و الري في مجال الري، مهندسـي البناء و العمران في مجال العمران، و مهندسي الأشغال العمومية، و مفتشي و مراقبي الأسعار و قمع الغش، و مفتشي المالية، و حراس السواحـل، و أعوان البنك المركزي، و الأعـوان المكلفين بالتحقيقات الاقتصادية و قمـع الغـش المعينين بقرار وزاري و ذلك في مجـال التنظيم و التشريع المتعلق بالصرف و حركة رؤوس الأموال من و إلى الخارج...».
    غير أن التساؤل الذي قد يُطرح هنا هو أنه عند استقراء المواد المقررة للرقابة 207 و ما يليها إلى 211 نجدها تذكر فقط ضباط الشرطة القضائية دون غيرهم من الأعوان و الموظفين الذين ذكرتهم المادة 206 من قانون الإجراءات الجزائية، و قد طرحنا هذا التساؤل لأن المادة 206 هي وحدها من بين المواد 207 و ما يليها التي تعمم الرقابة على جميع ضباط الشرطة القضائية و جميع الموظفين و الأعوان الموكل لهم بعض مهام الضبط القضائي.
    غير أنه و استنادا إلى هذه المادة و ما قضت به المحكمة العليا2، فإن غرفة الاتهام تراقب أعمال ضباط الشرطة القضائية و الموظفين و الأعوان المنوطة بهم بعض مهام الضبط القضائي التي يمارسونها حسب الشروط المحددة في المواد 21 و ما يليها من نفس القانون، و ينحصر اختصاص غرفة الاتهام على مستوى المجلس القضائي بالنسبة للأعضاء المذكرين في المادة 206 المشار إليهم سابقا الذين يعملون على مستوى نفس المجلس، و أنه و حسب رأيي فإن المشرع لم يشأ من ذلك إعادة ذكر نفس الأعوان تفاديا منه للتكرار فقط.
    غير أن غرفة الاتهام بالجزائر العاصمة تُعتبر صاحبة الاختصاص فيما يتعلق بضباط الشرطة القضائية للأمن العسكري و تحال القضية على غرفة الاتهام من طرف النائب العام بعد استطلاع رأي وكيل الجمهورية العسكري الموجود بالمحكمة العسكرية المختصة إقليميا و مرد ذلك يعود لعدم وجود هيئة موازية لغرفة الاتهام على مستوى المحاكم العسكرية من جهة، إضافة إلى أنهم يمارسون مهامهم على مستوى التراب الوطني من جهة ثانية طبقا لنص المادة 16 قانون إجراءات جزائية.
    الفرع الثاني: آليات السير في الدعوى أمام غرفة الاتهام
    تنظر غرفة الاتهام كهيئة تأديبية في الإخلالات المنسوبة لعناصر الضبطية القضائية، والذين سبق تحديدهم، هذا بقطع النظر عن الإجراءات التأديبية المقررة في القوانين الأساسية لهم، أو المتابعات الجزائية
    و هذه الإخلالات المنسوبة لضباط الشرطة القضائية تتعلق فقط بالمهام المنوطة بهم كضبط قضائي و التي سبق عرضها في المبحث الأول، فغرفة الاتهام عليها تقدير خطورة الأخطاء المرتكبة و التي لم يحددها القانون، و ترك السلطة في ذلك إلى الهيئات القضائية الرقيبة على أعمالهم، غير أن التعليمة الوزارية المشتركة المذكورة أعلاه نصت على بعض الإخلالات المهنية لضباط الشرطة القضائية التي يمكن متابعتهم على أساسها أمام غرفة الاتهام.
    و عليه، و قبل التطرق إلى آليات سير الدعوى التأديبية أمام غرفة الاتهام إلى غاية الفصل فيها، لا بد من التطرق إلى طبيعة الأخطاء المهنية المرتكبة.
    1- الإطار العام للأخطاء المهنية
    إن الأخطاء المهنية التي يرتكبها ضباط الشرطة القضائية، و الموظفون، و الأعوان المنوط لهم بعض مهام الضبط القضائي تُعرّف بأنها التكييف القانوني للنشاط المنحرف الذي يصدر عنهم و يكون موضوعا للمساءلة التأديبية، و يتمثل في قيامه بعمل محظور عليه1، أو امتناعه عن عمل مفروض عليه.
    و كان لابد من تنظيم الأخطاء المهنية في مجموعة من القواعد القانونية و التنظيمية التي تأمرهم بعمل معين، أو تنهاهم عن إتيان فعل ما له أثر في المجال الوظيفي، و يترتب على الإخلال بها تحقق المسؤولية التأديبية
    و غني عن البيان أن الخطأ التأديبي أوسع نطاق من الجريمة الجزائية ذلك لأنه لا يوجد تحديد مسبق للخطأ التأديبي، على عكس الجريمة التي تُحدّد بخضوع الفعل لنص التجريم، و التفسير الضيق له3.
    و بقطع النظر عن الأخطاء المهنية المرتكبة أثناء ممارسة المهام المقررة في القوانين الأساسية للضباط المعنيين، هناك تجاوزات مهنية يرتكبها ضباط الشرطة القضائية مرتبطة بمباشرة مهامهم المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية، و تتمثل على الخصوص فيما يلي:
    - عدم الامتثال دون مبرر لتعليمات النيابة التي تعطى لضابط الشرطة القضائية في إطار البحث و التحري عن الجرائم و إيقاف مرتكبيها.
    - التهاون في إخطار وكيل الجمهورية عن الوقائع ذات الطابع الجزائي التي تصل إلى علم ضباط الشرطة القضائية، أو تلك التي يباشر هذا الأخير التحريات بشأنها.
    - توقيف الأشخاص للنظر دون إخطار وكيل الجمهورية المختص إقليميا عند اتخاذ هذا الإجراء
    - المساس بسرية المعلومات التي قد يتحصل عليها بمناسبة مباشرة مهامه.
    - تفتيش مساكن المشتبه فيهم دون إذن من السلطة المختصة و في غير الحالات التي ينص عليها القانون.
    - خرق قواعد الإجراءات الخاصة بممارسة الاختصاصات الاستثنائية.
    و مادام أن حصرها ليس بالأمر الهيّن فيمكن إجمالها بأنه يعد خطأ مهنيا يُسأل عليه تأديبيا أمام غرفة الاتهام كل إخلال بالصلاحيات و الواجبات المنوطة بضباط الشرطة القضائية، أو القيام بها خارج الحالات المنصوص عليها قانونا، أو التعسف في القيام بها على حساب حرية و كرامة المشتبه فيهم، و عند ارتكابهم لأحد هذه الإخلالات، أو غيرها جاز لغرفة الاتهـام - بما لها من سلطة قانونية - أن تبسط رقابتها، و إقامة الدعوى التأديبية و السير فيها.
    2- إجراءات السير في الدعوى أمام غرفة الاتهام
    بموجب المادة 207 من قانون الإجراءات الجزائية فإنّ إجراءات المتابعة أمام غرفة الاتهام تكون إما بناء على طلب من النائب العام، أو من رئيس غرفة الاتهام، و لها أن تنظر في ذلك من تلقاء نفسها بمناسبة نظر الدعوى عليها.
    و يستفاء من صريح النص مايلي:
    - أنه يمكن إقامة دعوى تأديبية ضد أي ضابط شرطة قضائية أيا كانت الجهة الإدارية التـي
    ينتمي إليها من أجل الإخلالات المنسوبة إليـه فـي مباشرة مهامه طبقـا لقانون الإجـراءات
    الجزائية، سواء حصل ذلك في مرحلة جمع الاستدلالات، أو فـي مرحلة التحريات الأوليـة.
    - إن المتابعة تقع بناء على طلب النائب العام لدى المجلس القضائي و هـذا ما يحصل غالبا،
    أو بناء على طلب رئيس غرفة الاتهام في إطار السلطات الخاصة التي خولتها إياه المواد 202
    إلى 205 من القانون المذكور أعلاه، كما يجوز لغرفة الاتهام أن تنظر في ذلك من تلقـاء
    نفسها بمناسبة نظر الدعوى المطروحة عليها كما هو الحال دائما في مواد الجنايات، أو علـى
    إثر استئناف أمر من أوامر قاضي التحقيق.
    - إنّ الجهة المختصة بالنظر في الدعوى التأديبية هـي غرفة الاتهـام التي ينتمي إليها ضابط
    الشرطة القضائية، أو الموظف، أو العون المنوط له بعض صلاحيات الضبط القضائـي ما لم
    يتعلق الأمر بضابط الشرطة القضائية التابع لمصالح الأمن العسكري فتُحال القضية دائما إلـى
    غرفة الاتهام بالجزائر العاصمة كما سبق الإشارة إليه سابقا.
    3- إجراءات التحقيق و المحاكمة
    تنص المادة 208 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه « إذا طُرحت القضية على غرفة الاتهام فإنها تأمر بإجراء تحقيق و تسمع طلبات النائب العام و أوجه دفاع ضابط الشرطة القضائية صاحب الشأن و يتعين أن يكون هذا الأخير قد مُكن مقدما من الإطلاع على ملفه المحفوظ ضمن ملفات ضباط الشرطة القضائية لدى النيابة العامة بالمجلس، و إذا تعلق الأمر بضابط الشرطة القضائية للأمن العسكري يُمكن من الإطلاع على ملفه الخاص المُرسل من قبل وكيل الجمهورية العسكري المختص إقليميا... و يجوز لضابط الشرطة القضائية المتهم أن يستحضر محام للدفاع عنه ».
    من خلال نص المادة 208 من قانون الإجراءات الجزائية نستخلص ما يلي:
    أ- أنّ التحقيق وجوبي في القضية المتبعة ضد ضابط الشرطة القضائية المعني، فلا تجوز إحالته إلى غرفة الاتهام و محاكمته دون سماعه و تمكينه من تقديم أوجه دفاعه، لذلك قُضي في قرار المحكمة العليا بأنه « يتعين على النائب العام أن يستفسر ضابط الشرطة القضائية المتابع، و أن يبلغ إليه الأخطاء التي يرى أنه قد ارتكبها أثناء ممارسته وظيفته كضابط شرطة قضائية قبل إحالته على غرفة الاتهام حتى يتمكن من الاطلاع على ملفه و من تحضير دفاعه، فإن لم يفعل، و قضت غرفة الاتهام بإسقاط الصفة دون أن يتمكن من تقديم دفاعه كان قضاؤها منعدم الأساس القانوني، و مُخلا بحقوق الدفاع مما يستوجب نقضه».
    كما قضت المحكمة العليا أيضافي قرارلها « كان على النائب العام لدى المجلس القضائي أن يستفسر رئيس المجلس الشعبي البلدي عن الإخلالات المنسوبة إليه بحيث إذا تبين له أنّ هذا الأخير قد ارتكب خطأ أثناء مباشرة وظيفته كضابط شرطة قضائية قدم إلى غرفة الاتهام عريضة مسببة، و تعين حينئذ على هذه الجهة أن تفصل في طلباته بقرار مسبب طبقا لنص المادة 209 و 210 من قانون الإجراءات الجزائية ».
    ب- أنه يتعين على غرفة الاتهام أن تستطلع رأي النائب العام لدى المجلس قبل النظر في الدعـوى
    التأديبية التي أقامتها من تلقاء نفسها، أو بناء على طلب رئيسها، و إذا كان المعني المتابع من مصالح
    الأمن العسكري فإنه لا يقع الفصل في القضية إلا بعد استطلاع رأي وكيل الجمهوريـة العسكـري
    المختص.
    ج- أنه توجد على مستوى النيابة العامة لكل مجلس قضائي ملفات شخصية لضباط الشرطـة
    القضائية و التي سبق الإشارة إليها في المطلب الثاني من هذا المبحث، و لهؤلاء في حالة
    المتابعـة القضائية الحـق فـي الإطـلاع على ملفاتـهم المحفوظـة بالنيابة العامة لدى
    المجـلس، أو لـدى وكيـل الجمهورية العسكري.
    د- كما يجوز للمعني بالمتابعة أن يوكل محاميا للدفاع عنه.
    و عليه فإن إجـراء التحقيق المنصوص عليـه في المادة 208 من قانون الإجراءات الجزائية وجـوبي، و يترتب على مخالفته خرق حقوق الدفاع، و هذا ما قضت به المحكمة العليا في قراراها الصادر 14/07/2000، حيث أهم ما جاء فيه « أنـه إذا ما طرح الأمر على غرفة الاتهام فإنها تأمر بإجراء تحقيـق، و تسمع طلبات النائب العام، و أوجه دفـاع ضابط الشرطة القضائية صاحب الشـأن، و الحاصل في قضية الحال أن غرفة الاتهام اعتمدت على تصريحات مسجلة أمام وكيل الجمهورية و استبعدت إجراءات التحقيق المنصوص عليها قانونا مما يشكل خرقا لحقوق الدفـاع ».
    -حيث يستفاد من حيثيات القرار أن قرار غرفة الاتهام محل الطعن جاء مبهما فيما يخص التحقيق المنصوص عليه في المادة 208 من قانون الإجراءات الجزائية مما يتعين نقضه.
    الفرع الثالث: العقوبات التي تقررها غرفة الاتهام و مدى جواز الطعن فيها
    تكون إجراءات نظر الدعوى أمام غرفة الاتهام وجاهية، حيث تتلقى طلبات النائب العام، و تفحص أوجه الدفاع التي يثيرها المعني، أو محاميه.
    و بعد استكمال العناصر الضرورية للفصل في القضية من دراسة الملف، و فحصه تقدر غرفة الاتهام جسامة الخطأ المنسوب للمتابع، و تقرر العقوبة المناسبة.
    1- الملاحظات و العقوبات التي تقررها غرفة الاتهام
    بالرجوع إلى نص المادة 209 قانون إجراءات جزائية، الذي جاء فيه « يجوز لغرفة الاتهام أن توجه إلى ضابط الشرطة القضائية المعني ملاحظات، أو تقرر إيقافه مؤقتا عن مباشرة أعمال وظيفته كضابط شرطة قضائية، أو إسقاط هذه الصفة عنه نهائيا ».
    و عليه فإن غرفة الاتهام يمكن أن تصدر ملاحظات تتمثل في الإنذار الشفوي، أو الكتابي، أو التوبيخ.
    و أما العقوبات التأديبية فتتمثل في الإيقاف المؤقت عن ممارسة مهام الضبط القضائي، أو الإسقاط النهائي لصفة الضبطية القضائية عن المعني، و عنـدما يصدر القرار سواء كان ملاحظة، أو عقوبة تأديبية يجب أن تبلغ هـذه القرارات المتخذة ضـده إلى السلطات الإدارية أو العسكرية التي يتبعها الضابط طبقا لنص المادة 211من قانون الإجراءات الجزائية و ذلك بناء على طلب من النائب العام.
    و قد أغفل المشرع الجزائري النص على وجوب تبليغ المعني بالأمر إلا أنه و حسب مقتضيات الأحكام العامة التي تقضي بوجوب تبليغه بكل قرار يتخذ بشأنه لكونه شرطا لا بد منه لمساءلته فيما بعد عن التجاوزات التي ارتكبها.
    و يعزي هذا الواجب الخاص بالتبليغ إلى خشية أن يقوم ضابط الشرطة القضائية المعاقب بمزاولة مهامه في حين أن غرفة الاتهام حرمته من ممارسة اختصاصاته بصفة مؤقتة، أو دائمة خاصة، و أن قانون العقوبات يجرم ممارسة الاختصاصات المنوطة بعد العزل، أو الوقف من ممارستها بصفة مؤقتة، أو مستمرة
    و في إطار المقررات التي تصدرها غرفة الاتهام فإنه و بناء على تقرير أرسله وكيل الجمهورية لدى محكمة عنـابة إلى النائب العام بمجلس قضاء عنـابة يرمي إلى متابعة ضابط شرطة قضائية لارتكابه جنح العنف ضد الأشخاص، الشتـم، و التهديد، الحبس التعسفي، و رفض تنفيذ أوامـر النيابة الأفعال المنصوص و المعاقب عليها بموجب المواد 297، 299، 442، 440، 91، 293، 132 من قانون العقوبات، و حيث أن النائب العام قدم وفقا للمادة 207 من قانون الإجراءات الجزائية الملف الخاص بالسيد (ف، ق) بصفته ضابط الشرطة القضائية إلى غرفة الاتهام مع طلبات كتابية ترمي إلى نزع منه نهائيا صفة ضابط الشرطة القضائية، و بموجب قرار صادر في 22/03/1992 قررت غرفة الاتهام بمجلس قضاء عنابة توقيف صفة المعني بالأمر لمدة سنتين ابتداء من تاريخ صدور هذا الحكم
    2- مدى جواز الطعن في المقررات التي تصدرها غرفة الاتهام
    بالرجوع إلى المواد من 206 إلى 211 قانون إجراءات جزائية، و الخاصة بمراقبة أعمال الضبطية القضائية لا نجد المشرع ينص على أي طريقة من طرق الطعن ضد القرارات التي تصدرها غرفة الاتهام في هذه الحالة.
    و لقد ذهبت المحكمة العليا في هذا الصدد إلى تقرير عدم جواز الطعن في المقررات التأديبية التي تصدرها غرفة الاتهام في اجتهادها المؤرخ في 05/01/1993 بمناسبة نظرها في القضية رقم 105717، و أهم ما جـاء في هذا الاجتهاد أنه « من المقـرر قانونا و قضاء أن تراقب غرفة الاتهام أعمال ضباط الشرطة القضائية، و الموظفين، و الأعوان المنوطة بهم بعض مهام الضبط القضائي التي يمارسونها حسب الشروط المحددة في المواد 21 و ما يليها من قانون إجراءات جزائية، و لغرفة الاتهام أن تصدر قرارات تأديبية إدارية دون جواز الطعن فيها قانونا، و لما كان ثابتا في قضية الحال أن غرفة الاتهام أصدرت قرارات تأديبية تتضمن توقيف صفة الطاعن لمدة سنتين ابتداء من تاريخ صدور القرار، فإن هذا القرار -على خلاف الأحكام الجزائية- لا يجوز استعمال طريق الطعن فيه، مما يتعين رفض الطعن الحالي لعدم جوازه قانونا »
    كما ذهب الأستاذ Brouchot إلى حد الجزم بأن الطعن بالنقض ضد قرارات غرفة الاتهام غير مفتوح
    لكننا نرى أن هذا الاجتهاد مخالف لما قضت به الغرفة الجنائية الأولى للمحكمة العليا في عدة قرارات لها من جهة، و التي سبق الإشارة إليها من قبل و التي سنتعرض للبعض منها في الفصل الثاني عند تطرقنا إلى المسؤولية التأديبية لعناصر الضبطية القضائية.
    كما أن هذا الأخير لا يتلاءم مع أحكام الفقرة الأولى من المادة 495 من قانون إجراءات جزائية التي لا تجيز الطعن بالنقض في القرارات الصادر عن غرفة الاتهام إلا إذا كانت تتعلق بالحبس المؤقت، و الرقابة القضائية من جهة أخرى وهذا ما يجعلنا نرى أن ما ذهبت إليه المحكمة العليا يتناقض مع نص هذه المادة.
    و هو ما يجعلنا نقترح إدراج مادة في قانون الإجراءات الجزائية تتعلق بجواز الطعن ضد قرارات غرفة الاتهام الخاصة بمراقبة أعمال الضبطية القضائية لأن غياب النص يجعل الاجتهاد مفتوح و هذا ما قد يمس نوعا ما بالحق في التقاضي على درجتين.
    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 6322
    نقاط : 17825
    تاريخ التسجيل : 28/06/2013
    العمر : 33

    موضوع المذكرة : الرقابة على اعمال الضبطية القضائية و مسؤولية عناصرها Empty رد: موضوع المذكرة : الرقابة على اعمال الضبطية القضائية و مسؤولية عناصرها

    مُساهمة من طرف Admin الخميس يوليو 18, 2013 8:14 pm




    الفصل الثاني :الجزاءات المترتبة عن عدم شرعية أعمال الضبطية القضائية
    إن أعمال الضبطية القضائية أحاطها المشرع بعناية خاصة بتنضيمها في إطار قانوني محدد و وضع ضوابط وشكليات لممارستها على النحو الذي يمكنها من التحري في الجريمة والتوصل إلى حقيقة وقائعها والتعرف على هوية مرتكبها دون أن يكون في ذلك مساس بحقوق وحريات الأفراد.
    و لقد تطورت الأنظمة الإجرائية لتصل إلى إيجاد صيغة ملائمة لحماية المصلحة العامة بتمكين الضبطية القضائية من مواجهة الإجرام بفعالية وفي ذات الوقت المحافظة على حقوق المشتبه فيهم بوضع جملة من الضمانات لذلك والتي يمكن إجمالها فيما يلي
    * الضوابط والشكليات التي تنظم أعمال الضبطية القضائية وإخضاع ممارستها إلى الرقابة القضائية على النحو الذي بيناه سابقا.
    * الجزاء الإجرائي المتمثل في بطلان الإجراءات المنفذة من طرف الضبطية القضائية متى كانت مخالفة للقانون.
    * المسؤولية الشخصية لعناصر الضبطية القضائية عن التجاوزات والأخطاء التي يمكن أن تصدر عنهم في مجال أعمالهم.
    إذا ماهي هذه التجاوزات أو الأخطاء؟ وما نوع المسؤولية المترتبة عنها؟
    هذا ما سنحاول الإجابة عليه من خلال المبحثين التاليين:
    المبحث الأول: الجزاءات الشخصية (المسؤولية الشخصية)
    إن الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها عناصر الضبطية القضائية تتفاوت من حيث طبيعتها ودرجتها، فهناك أخطاء بسيطة ذات طابع إداري لا ترقى إلى مستوى الجريمة ،حيث تترتب عنها المسؤولية التأديبية فقط، وهناك أفعال خطيرة تتوفر فيها عناصر الجريمة ويمكن أن يترتب عنها ضرر مادي أو معنوي فتؤدى إلى قيام المسؤولية الجزائية أ و المدنية، هذا ما سنعرضه في ثلاث مطالب، نتعرض في الأول إلى المسؤولية التأديبية، و في الثاني إلى المسؤولية الجزائية، و في الثالث إلى المسؤولية المدنية.
    المطلب الأول: المسؤولية التأديبية
    يخضع عناصر الضبط القضائي لهيئة تحكمها جملة من النصوص القانونية، و التنظيمية التي تحدد مهامها، و تنظيمها، و تبين المسار المهني لأعضائها بدءا بالتوظيف فالتكوين ثم التسيير، و تتضمن النصوص المتعلقة بإدارة الأفراد عادة القانون الأساسي كما هو الشأن بالنسبة لأعضاء الدرك الوطني1 أو على شكل قوانين، أو أوامر، أو مراسيم كما هو الحال بالنسبة للموظفين التابعين للأمن الوطني2، تتضمن هذه النصوص جزاءات تأديبية مقررة لكل موظف أخل بواجباته بتقصيره،أو ارتكابه أخطاء لا يمكن تكيفها على أنهاجريمة تتطلب المتابعة القضائية، و تسند مهمة توقيع هذه الجزاءات إلى السلطات الرئاسية التي يتبعها الموظف والتي تتناسب مع الخطأ المرتكب3، و تتمثل هذه الجزاءات في الإنذار، التوبيخ، التوقيف المؤقت عن العمل، الفصل النهائي أو الحجز لمدة لا تتجاوز08 أيام، التعين أو الإدماج في سلك آخر هذا بالنسبة لموظفي الأمن الوطني بالنسبة لأعضاء الدرك الوطني فالعقوبات التأديبية تتمثل في الإنذار، التوبيخ التوقيف البسيط، أو التوقيف عن العمل أو تغيير نوعية المنصب.
    بالإضافة إلى هذه الجزاءات التأديبية التي يمكن أن توقع على عناصر الضبطية القضائية بصفتهم موظفين في السلك البوليسي للأمن، نتيجة للمخالفات المهنية التي قد يرتكبونها، فإنهم قد يرتكبون مخالفات تتعلق بوظيفتهم كضبط قضائي، و هذه المخالفات مرتبطة بمباشرة صلاحياتهم المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية، و لكنها لا ترق إلى جريمة تتطلب المساءلة الجزائية، إذ لا يترتب على الإخلال بها سوى تحقق المسؤولية التأديبية، و هذه الأخيرة توقعها الجهات القضائية المكلفة بالرقابة على الضبطية القضائية كما سبق الإشارة إليه أعلاه المتمثلة في غرفة الاتهام.
    و قد سبق لنا و أن أشرنا في الفصل الأول أن المخالفات التأديبية لا يمكن حصرها نظرا لصعوبة تعريف الخطأ أو المخالفة التأديبية، و ترك تحديد ذلك إلى السلطة القضائية المكلفة بالإشراف، و الرقابة من اعتبار الخطأ المرتكب يرقى إلى المخالفة التأديبية، أم مجرد مخالفة بسيطة لا تستحق سوى الملاحظات الشفوية، و ذلك مع مراعاة الواجبات المفروضة عليهم بموجب قانون الإجراءات الجزائية.
    و ما دمنا بصدد الحديث عن المسؤولية التأديبية لضباط الشرطة القضائية و العقوبات المقررة من طرف غرفة الاتهام باعتبارها الجهة المختصة في توقيع العقوبات التأديبية لعناصر الضبطية القضائية، في حالة قيام عناصر المسؤولية المتمثل في ثبوت الخطأ المرتبط بوظيفة الضبط القضائي.
    و في هذا الإطار، فصلت غرفة الاتهام لمجلس قضاء الجزائر في قرار صدر بتاريخ 30 نوفمبر 1999 في قضية رقم 1220 مكرر1، بإسقاط صفة ضابط الشرطة القضائية على رئيس الفرقة المتنقلة للشرطة القضائية و على نائبه، وأمرت بإيقافهما المؤقت لمدة ستة (06) أشهر من مباشرة أعمال وظيفتهما كضباط شرطة قضائية و ذلك ابتداء من تاريخ تبليغهما بهذا القرار.
    و من خلال دراسة ما جاء في القرار يتضح أنه يطرح مسألة سلطة غرفة الاتهام في فرض عقوبات تأديبية و مسألة طبيعة و نوع الخطأ المرتكب على ضباط الشرطة القضائية، فبطلب من النائب العام لدى مجلس قضاء الجزائر رفع الأمر لغرفة الاتهام التي أمرت بإجراء تحقيق عن الإخلالات التي نسبت لمحافظ الشرطة (رئيس الفرقة المتنقلة للشرطة القضائية) و كذا لنائبه (ضابط الشرطة القضائية) و تتمثل هذه المخالفات أو التجاوزات فيما يلي:
    - مخالفة المادة 13 من قانون الإجراءات الجزائية التي تفرض على ضابط الشرطة القضائية في حالة تحقيق قضائي تنفيذ تفويضات جهات التحقيق، و تلبية طلباتها، و كذا المادة 18 فقرة1 من نفس القانون التي يتعين فيها المبادرة بغير تمهل إلى إخطار وكيل الجمهورية بالجنايات و الجنح التي تصل إلى علم ضابط الشرطة القضائية.
    - توقيف شخص للنظـر دون إخطار وكيل الجمهوريـة المختص إقليميا وقت اتخاذ هـذا الإجراء بل أكثر من ذلك تمديد توقيفه لمدة تسعة أيام كاملة تحت غطاء اقتراف الموقوفلجرائم موصوفة بأفعال إرهابية أو تخريبية و ذلك وفقا للمادة 65 من نفس القانون.
    و باعتبار أن هذه التصرفات الصادرة عن ضابطي الشرطة القضائية تعد أخطاء وظيفية خطيرة نتيجة لتجاهلهما أحكام المواد 18، 13، و كذا المادة 65 من قانون الإجراءات الجزائية.
    و ما دامت غرفة الاتهام هي صاحبة الاختصاص في تأديب ضباط الشرطة القضائية وفقا للمواد 206 و ما بعدها من نفس القانون، فإن القرار الصادر عنها بالإيقاف المؤقت لمدة ستة أشهر لكل من المعنيّين عن مباشرة أعمال وظيفتهما كضابطي شرطة قضائية جاء تكريسا للمواد المتعلقة بمراقبة أعمال ضباط الشرطة القضائية.
    المطلب الثاني: المسؤولية الجزائية
    المسؤوليـة الجزائية لعناصر الضبطية القضائيـة هي أشد أنواع المسؤولية الشخصية أثرا نتيجة الجزاءات التي تقررها، و تتقرر مسؤوليـتهم الجزائية، بمناسبة ارتكابهم جريمة من جرائم القانون العام أو بمناسبة ما قد يقع منهم أثناء مباشرة وظيفة الضبط القضائي من تجاوزات أو انتهاكات أو اعتداء على الحقوق و الحريات الفردية، بشـرط أن يرقى الخطأ المنسوب لعنصر الضبط القضائي إلى درجة الخطأ الجزائى طبقا لنصوص القانون، و من الجرائم التي يمكن أن يتابع بسببها،نذكر جريمة انتهاك حرمة المساكن، و القبض و التوقيف للنظر دون وجه حق، و المساس بالسلامة الجسدية للافراد1 بالإضافة إلى الجرائم التي تخرج عن إطار الوظيفة و هي متعددة، و لكن ما يميز المسؤولية الجزائية لعناصر الضبطية القضائية هي المتابعة القضائية، لأن قانون الإجراءات الجزائية أفرد فئة منهم فقط بمتابعة خاصة ،و هي فئة ضباط الشرطة القضائية، أما الأعوان و الموظفين الآخرين للضبطية القضائية فالمتابعة تكون عادية، و لهذا سنركز بالدراسـة على الفئة الأولى، و قبل أن نتعرض إلى سير المتابعة الجزائية لا بد لـنا أن نتعرف على أهم الصور التي تقوم فيـها المسؤوليـة الجزائية لضابط الشرطة القضائية بمناسبة ممارسة اختصاصاته المبينة في قانون الإجراءات الجزائية.
    الفرع الأول: أهم الصور التي تقوم فيها المسؤولية الجزائية
    سنتناول بالدراسة في هذا الصدد أبرز الجرائم التي يرتكبها ضباط الشرطة القضائية بمناسبة ممارسة صلاحياتهم المبينة في قانـون الإجراءات الجزائية، و ذلك بالتعدي على حقـوق الأفراد و عدم صيانة الحريات العامة المكرسة دستوريا.
    و قد أورد المشرع الجزائري في قانون العقوبات عددا من الصور التي تقوم فيها المسؤولية الجزائية لضباط الشرطة القضائية، يمكن إجمالها في الجرائم التالية:
    أولا: جريمة الاعتداء على الحريات
    يتعرض ضابط الشرطة القضائية بمقتضى المادة 107 من قانون العقوبات إلى عقوبة السجن من خمس إلى عشر سنوات نتيجة المساس بحرية الأفراد و حقوقهم الوطنية، و نلاحظ أن المشرع شدد في وصف هذه الجريمة باعتبارها جناية نظرا لأهمية الحريات الفردية و ردع كل إجـراء أو أمر يشكل مساسا بها، و أهم هذه الجرائم التي يمكن أن ترتكب من طرف ضابط الشرطة القضائية هي باختصار:
    1- جريمة التعذيب بغرض الحصول على الاعتراف
    إذا كان عمل ضباط الشرطة القضائية يتميز بكونه ليس فيه وسائل الإكراه و القسر إلا في حـدود معينة، و في الإجراءات الاستثنائية التي خولهم إياها القانـون، و رأينا أن القانون و الدستور يمنع و يعاقب كل مساس بالحقوق و الحريات الفردية و كل ما يمس بسلامة الإنسان البدنية و المعنوية إلا أن الممارسة العملية كشفت عن أساليب و ممارسات يتبعها عناصر الشرطة القضائية مع المشتبه فيهم كتعذيبه للحصول منه على الاعتراف2، و يعرف التعذيب بأنه اعتداء على المشتبه فيه ،أو المتهم أو إيذائهما ماديا أو نفسيا، و هو العنف أو الإكراه الذي يمارسه عنصر الشرطة القضائية على المشتبه فيه سـواء كانت الوسائل قصر و إكراه مادي، أو وعـد و وعيد أو ترغيب لتأثير على إرادته الحرة و حمله على الاعتراف.
    لذلك، فالقانون الجزائري بالإضافة إلى أن الاعتراف يعتبر هنا باطلا و عديم الأثر كلما كان نتيجة لممارسة وسائل غير إنسانية التي لا تحفظ للإنسان كرامته و إنسانيته و تمسه في سلامته الجسدية3، فإن قانون العقوبات رتب المسؤولية الجزائيةللمعني الذي يمارس ضد المتحري معه وسائل التعذيب بغرض الحصول على الإعتراف فتنص المادة 110 مكرر»كل موظف أو مستخدم يمارس أو يأمر بممارسـة
    التعذيب للحصول على إقرارات يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلىثلاثة سنوات».
    و هي الفقرة الأخيرة التي تم تعديلها بموجب قانون رقم 04-15 المؤرخ في 10 نوفمبر 2004.
    2- جريمة القبض على الأفراد و التوقيف دون وجه حق
    لقـد قيد المشرع الجزائري الحالات التي يجـوز فيها لضابط الشرطة القضائية اللجوء فيهم إلى التوقيف للنظـر، و القبض على الأشخاص، باعتبارها قيد يـرد على حرية الإنسان في التحـرك و التجوال، و هذه الحالات منصوص عليها بموجب المادة 51 من قانون الإجراءات الجزائية، هذا بالإضافة إلى تحديد الآجال القانونية للتوقيف للنظر، و كل خرق لهذه القواعد يرتب المسؤولية الجزائية للضابط الأمر به، و يعتبر حبسا تعسفيا أو كما عبرت عنه المادة 107 منه «على معاقبة الموظف بالسجن المؤقت من خمسة إلى عشر سنوات إذا أمر بعمل تحكمي أو مساس بالحرية الشخصية للفرد...»، كما نص في المادة 51 فقرة 06 على أنه إذا تم انتهاك الآجال المقررة للتوقيف للنظر يعرض ضابط الشرطة القضائية إلى العقوبات التي يتعرض لها من حبس شخصا تعسفيا.
    إلا أن هذه الجرائم كالجرائم الأخرى، يجب أن يتوفر فيها القصد الجنائي عند القائم به بتعمده إحداث القبض بغير وجه حق، وهي اتجاه الإرادة إلى ارتكاب فعل بقصد حرمان فرد ما من حريته في التجول و الحركة دون وجه حق مع علمه بذلك، هذا من جهة، و من جهة أخرى فإن المشرع شدد العقوبة لتصل إلى السجن المؤقت من خمس إلى عشر سنوات في حالة عدم قيام الموظفون، أو رجال القوة العمومية، أو المكلفون بالشرطة الإدارية، أو الضبط القضائي بالتبليغ عن أي واقعة حجز غير قانوني، أو تحكمي وقع في المؤسسات، أو في الأماكن المخصصة بحجز المقبوض عليهم أو في أي مكان أخر و لا يثبتون أنهم اطلعوا السلطة الرئاسة عن ذلك، و ذلك طبق لنص المادة 109 من قانون العقوبات.
    فمسؤولية موظف الشرطة القضائية قائمة إذا لم يراعي مشروعية الأمر الصادر عن رؤسائه و لا يعفيه من تلك المسؤولية كونه تلقى الأمر من مسؤوليه فإذا نفذ أمر قبض غير قانوني تلقاه من رؤساءه دون أن يأمر به من السلطة القضائية المختصة، و خارج الحالات التي يجيزها القانون تكون مسؤوليته قائمة، فالأمر لا يكون قابلا للتنفيذ إلا إذا كان مشروعا، و لا يمكن للموظف أن يدفع بعذر تلقيه الأمر من رؤسائه فذلك لا يدخل ضمن الأعذار القانونية التي تعفي من المسؤولية، أو تخفف منها، إلى جانب ذلك يتعرض ضابط الشرطة القضائية، أو القائم بتنفيذ هذا الإجراء الغير قانوني إلى المسؤولية التأديبية و ذلك لتجاوزه حدود سلطته و إتيان عمل غير قانوني.
    ثانيا:جريمة إساءة استعمال السلطة ضد الأفراد
    رغبة منه في صيانة حرمة المنازل أورد المشرع الجزائري في قانون العقوبات و في مادته 135 تجريما خاصا على كل من أساء استعمال سلطته بانتهاكه لحرمة المنازل.
    فنكون بصدد هذه الجنحة متى قام ضابط الشرطة القضائية بصفته هذه بالدخول إلى منزل مواطن، أو محل مسكون، أو معد للسكن بغير رضاء أو موافقة صاحبه ،و خارج الحالات المنصوص عليه في القانون، و دون مراعاة الإجراءات الواردة به.
    و تتميز جنحة إساءة استعمال السلطة عن جنحة انتهاك حرمة منزل و التي تقابلها بخصوص صفة الفاعل، فإذا كان الفاعل في الجريمة الثانية هو كل مواطن فإن الفاعل في جريمة إساءة استعمال السلطة ينبغي أن يكون موظفا أو ضابطا للشرطة القضائية أو ينتمي إلى أفراد القوة العمومية، و ينبغي أن يكون الدخول إلى المسكن بهذه الصفة، فإذا دخل الضابط بصفته و هو يؤدي عمله وفق للقانون، أو دخل المنزل بصفته مع رضاء صاحب المنزل فإن الجريمة لا تقوم.
    و إذا دفع أحد عناصر الضبطية القضائية بأن دخوله إلى منزل الشخص قد تم تنفيذا لتعليمات من رئيسه الإداري و كانت غير قانونية لا يعد هذا من قبيل ما يجيزه القانون2، و بالرجوع إلى نص المادة نجد أنها لم تنص على ظروف مشددة بل اكتفت بصورة واحدة هي الجريمة العادية التي يعاقب عليها من شهرين إلى سنة و بغرامة من 500 إلى 3.000 دج، إلا أنها أشارت إلى المادة 107 من نفس القانون التي تشدد في العقوبة فتصبح السجن المؤقت من خمس إلى عشر سنوات إذا كانت مرتبطة بالمساس بالحريات الفردية، و هنا تصبح جناية عند اقترافها بهذا الوصف.
    ثالثا: جريمة إفشاء السّر المهني
    من المقرر قانونا أن إجراءات التحري المناطة بعناصر الضبطية القضائية، يستوجب فيها السرية و هذا بمقتضى المادة 11 من قانون الإجراءات الجزائية، و علة ذلك تكمن في الأهمية التي أضفها المشرع على الحقائق و الدلائل التي قد يتحصل عليها هؤلاء في سبيل إظهار الحقيقة،و نتيجة لتلك الأهمية و للطابع الشخصي الذي تحمله بعض هذه الدلائل فقد رتب المشرع الجزائري في المادة 301 من قانون العقوبات تجريما لكل من أفشى معلومات أو دلائل كان من المفروض أن تبقى سرا مهنيا.
    و رغم أن هذا النص لم يذكر صراحة عناصر الضبطية القضائية في تعداد القائمة المشار إليها، إلا أن ذلك راجع إلى أن المشرع لم يشأ حصر الأشخاص الذين يقع على عاتقهم واجب الكتمان، بل انه اكتفى بذكر البعض منهم بدليل عبـارة أو جميع الأشخاص المؤتمنين بحكم الواقع، أو المهنة، أو الوظيفة الدائمة، أو المؤقتة على أسرار أدلى بها إليهم، و هذا ما ينطبق على عناصر الضبطية القضائية طبقا لنص المادة 11 من قانون إجراءات جزائية.
    و تشترط هذه الجريمة إضافة إلى صفة من أأتُمن على السر أن يقوم هذا الأخير بإفشائه، و يعد سرا كل ما يعرفه الأمين أثناء أو بمناسبة ممارسة وظيفته أو مهنته و كان إفشاءه حرج لغيره.
    و يجب عليهم في هذه الحالة عند إطلاعهم على المستندات إذا استدعت إلى ذلك مقتضيات التحري و البحث أن لا يقوموا بإفشاء محتواها للغير ما لم يكن ذلك في إطار العمل المنوط بهم.
    و لضرورة التحري، و في هذا السياق تنص المادة 45 فقرة 5 من قانون الإجراءات الجزائية أنه يراعى في التفتيش الخاص بأماكن يشغلها شخص ملزم قانونا بكتمان السّر المهني أن تتخذ مقدما جميع التدابير و الاحتياطات اللازمة لضمان احترام ذلك السّر.
    و بالرجوع إلى نص المادة 301 من قانون العقوبات نلاحظ أن المشرع قام بتسليط عقوبة الحبس من شهر إلى ستة أشهر، و بغرامة مالية من 500 إلى 5.000 دج على الأشخاص المؤتمَنين بحكم الواقع أو المهنة أو الوظيفة الدائمة أو المؤقتة على أسرار أُدلي بها إليهم و أفشوها.
    الفرع الثاني: إجراءات المتابعة الجزائية لعناصر الضبطية القضائية
    إن القواعد الخاصة التي وضعت من طرف المشرع الجزائري بشأن المتابعة الجزائية لعناصر الضبطية القضائية لا تُطبق عليهم جميعا، و إنما تطبق على فئة واحدة فقط و هي ضباط الشرطة القضائية دون الأعوان و الموظفين المشار إليهم في المادة 19، 24، من قانون الإجراءات الجزائية هذه القواعد الخاصة، هي القواعد المقررة للمتابعة في الجنايات و الجنح المرتكبة من طرف القضاة و بعض الموظفين السامين في الدولة، فقد قرر المشرع قواعد خاصة لمساءلة ضباط الشرطة القضائية و متابعتهم حيث يقوم وكيل الجمهورية بمجرد إخطاره بالقضية بإرسال ملف الدعوى إلى النائب العام لدى المجلس
    القضائي فإذا ما رأى ثمة محلا للمتابعة عرض الأمر على رئيس المجلس القضائي الذي يأمر بتعيين قاضي للتحقيق في القضية يكون من غير قضاة جهة الاختصاص التي يتبعها ضابط الشرطة القضائية المتابع، و عند الانتهاء من التحقيق معه يحال أمام جهة الحكم المختصة التي يتبعها المحقق أو أمام غرفة الاتهام، للمجلس القضائي المختص، حيث تنص المادة 577 من قانون الإجراءات الجزائية « إذا كان أحد ضباط الشرطة القضائية قابلا للاتهام بارتكابه جناية أو جنحة خارج دائرة مباشرة أعمال وظيفته أو أثناء مباشرته في الدائرة التي يختص فيها محليا، اتخذت بشأنه الإجراءات طبق لأحكام المادة 576 من قانون الإجراءات الجزائية»، و الذي جاء في محتواه أنه إذا كان الاتهام موجها إلى قاضي محكمة قام وكيل الجمهورية بمجرد إخطاره بالدعوى بإرسال الملف إلى النائب العام لدى المجلس، فإذا ما رأى ثمة محلا للمتابعة عرض الأمر على رئيس ذلك المجلس الذي يأمر بتعين قاضي تحقيق خارج دائرة الاختصاص التي يعمل بها فإذا انتهى التحقيق أُحيل المتهم عند الاقتضاء أمام الجهة القضائية المختصة لمقر قاضي التحقيق أو أمام غرفة الاتهام بدائرة المجلس القضائي.
    وهنا نلاحظ أن القصد من أن تكون جهة الاختصاص بمتابعة ضابط الشرطة القضائية غير الجهة التي كان يباشر في دائرتها اختصاصه هو الحدة وعدم التحيز.
    ولكي تكون دراستنا تطبيقية أكثر، حولنا تدعيمها ببعض النماذج الخاصة بأمر تعين قاضى تحقيق خارج الاختصاص الخاصة بمجلس قضاء تيزي وزو باعتباره مجلس تدريبنا، و في هذا الإطار أصدر رئيس مجلس قضاء تيزي وزو أمرا بتعيين قاضي تحقيق خارج دائرة اختصاص محكمة مقر وظيفة ضابط الشرطة القضائية المتابع جزائيا بتهمة القتل العمد من طرف النيابة.
    و الملاحظة أن هذا الإجراء جوهري يترتب على مخالفته خرق القانون و تعريض قرار غرفة الاتهام للنقض هذا ما قضت به المحكمة العليا في قرارها المؤرخ في 25/07/1995 ، و أهم ما جاء في هذا القرار « انه من المقرر قانونا أنه إذا كان أحد ضباط الشرطة القضائية قابلا للاتهام بارتكابه جناية أو جنحة اُتخذت بشأنه إجراءات المتابعة وفقا للمادة 576 من ق إ ج، التي تنص على وجوب إرسال الملف إلى النائب العام لدى المجلس فإذا ما رأى ثمة محلا للمتابعة عرض الأمر على رئيس المجلس الذي يأمر بالتحقيق في القضية بمعرفة أحد قضاة التحقيق يُختار من خارج دائرة الاختصاص القضائية التي يباشر فيها المتهم أعمال وظيفته.
    و لما ثبت في قضية الحال أن الشكوى رفعت ضد شخص و هو ضابط شرطة قضائية بتهمة الضرب و الجرح العمدي و استغلال النفوذ و إساءة استعمـال السلطة، و رغـم هذا قـام قاضي التحقيق بتلمسان بتكليف زميله بمغنية أين يمارس المشتكي منـه وظيفته بالتحقيق مع المتهم و لم تقم غـرفة الاتهام بمراقبة سلامة الإجراءات الأمر الذي يعرض قراراها إلى النقـض و الإبطال...».
    و الملاحظ أن النماذج التي تعرضنا لها، لبعض الجرائم التي يقترفها ضباط الشرطة القضائية أو الضبط القضائي بصفة عامة ليس الغرض منها تحليلها و دراستها، دراسة تفصيلية و إنما الغرض من ذلك هو إبراز مدى الرقابة القانونية و القضائية التي أولها المشرع الجزائري على أعمال و صلاحيات الضبطية القضائية بتجريمه للتجاوزات التي تقع من طرفهم.
    هذا من جهة، و من جهة أخرى، المشرع الجزائي لم يكتفي بتجريم الأفعال التي فيها مساس بالكيان المادي للشخص كالتعذيب، و الإكراه، و العنف، بل ذهب إلى أبعد من ذلك إذ جرم الأفعال التي تمس كرامة الإنسان، كتجريمه ما قد يصدر عن الضابط أو أي عون آخر من عناصر الضبطية القضائية من أقوال، كالسّب، أو الشتم، أو الإهانة أثناء ممارسة وظيفتهم طبقا للمادة 440 مكرر من قانون العقوبات.
    المطلب الثالث: المسؤولية المدنية لعناصر الضبطية القضائية
    إن رجال الضبطية القضائية، و هم يقومون بأعمالهم قد يُلحقون أضرارا خطيرة سواء بالأشخاص المقصود ين بعمليات الضبطية القضائية أو بالغير، و السؤال المطروح هل يحق للأشخاص المتضررين من المخالفات أو الجرائم المرتكبة من طرف رجال الضبطية القضائية المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي أصابتهم سواء من جراء ضرب شديد، أو من توقيف غير قانوني، أو من طلقة نارية أثناء البحث عن مجرم، أو مطاردته؟، و ما هي الجهة القضائية المختصة بنظر طلبات التعويض عن أعمال الضبطية القضائية؟، و ما مدى مسؤولية الدولة عن ذلك.
    هذا ما سنحاول الإجابة عليه من خلال النقاط التالية:
    الفرع الأول: قيام المسؤولية المدنية لعناصر الضبطية القضائية
    تقوم المسؤولية المدنية على أركان ثلاثة هي الخطأ و الضرر و العلاقة السببية بينهما بمعنى ذلك أنه يجب لقيامها أن ينسب إلى عنصر الضبطية القضائية، خطأ و أن يصيب الضحية الذي يطالب بالتعويض ضرر، و أن يكون الخطأ سبب في حدوث الضرر، بمعنى أنه بانتفاء الخطأ لا تقوم المسؤولية و لا التعويض.
    و الخطأ المنسوب إلى عناصر الضبطية القضائية قد يكون في حالة ما إذا قاموا بعمل غير مشروع سواء كان الخطأ مدنيا بحتا، أو خطأ جزائيا يقع تحت طائلة النصوص الجزائية، و ذلك بمقتضى نص المادة 124 من قانون المدني، و المادة 47 منه أو تنص المادة 2 فقرة1 من قانون الإجراءات الجزائية « يتعلق الحق في الدعوى المدنية بالمطالبة بتعويض الضرر الناجم عن جناية أو جنحة أو مخالفة بكل من أصابهم شخصيا ضرر مباشر تسبب عن الجريمة »، كما تنص المادة 30 فقرة 1 من نفس القانون « يجوز مباشرة الدعوى المدنية مع الدعوى العامة في وقت واحد أمام الجهة القضائية نفسها » و تنص المادة 4 فقرة1 من القانون أعلاه « يجوز أيضا مباشرة الدعوى المدنية منفصلة عن الدعوى العمومية».
    هذا و سنحاول التركيز في دراستنا هذه على المسؤولية المدنية لعناصر الضبطية القضائية الناجمة عن مسؤوليتهم الجزائية، أو الضرر الناجم عن خطأ ارتكب بمناسبة تأدية الوظيفة، و عليه فالمشرع الجزائري قد أجاز اللجوء إلى القضاء المدني، أو القضاء الجزائي بسبب الجريمة وفقا لقواعد مضبوطة تتحدد بمبدأ حق المتضرر من الجريمة في الاختيار بين القضاءين للمطالبة بالتعويض عما لحقه من ضرر أمام القضاء المختص، و هي قاعدة عامة تطبق على الأشخاص العاديين، أو على موظفي الدولة كعناصر الضبطية القضائية عما يرتكبونه من أخطاء بمناسبة مباشرتهم لوظيفتهم.
    الفرع الثاني: الإجراءات القانونية التي تحكم المسؤولية المدنية لعناصر الضبطية القضائية
    يمكننا أن نتساءل عن طبيعة الإجراءات المتبعة في مساءلة عناصر الضبطية القضائية، أو بالأحرى ضابط الشرطة القضائية، هل هي نفسها القواعد العامة؟، أم أن القانون يقرر قواعد خاصة على غرار ما فعل بالنسبة لمساءلتهم جزائيا أو تأديبيا؟.
    قبل ذلك لا بأس أن نعرج إلى القانون الفرنسي-باعتباره أحد أهم مصادر القانون الجزائري خاصة فيما يتعلق بقواعد المسؤولية المدنية- لمعرفة القواعد القانونية المطبقة في هذه الحالة و نحاول مقارنتها بما هو معمول به في القانون الجزائري.
    كان القانون الفرنسي و لغاية العمل بقانون المسؤولية الشخصية للقضاة رقم 79-43 المؤرخ في 18 يناير 1979، يضع قواعد خاصة بضباط الشرطة القضائية دون الأعوان، فيُخضعهم لنظام مخاصمة القضاة المنصوص عليه في المادة 505 من ق الإجراءات المدنية الفرنسي1 و هو الاتجاه الذي كان قد سلكه القضاء قبل صدور قانون الإجراءات الجزائية الفرنسي، في حين يخضع الأعوان لقواعد القانون العام، و ابتداء من سنة 1972 تاريخ إلغاء المادة 505 من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي بالقانون 72-626 المؤرخ في 05 يوليو 1972، و حتى بداية العمل بالقانون رقم 79-43 فقد استمر العمل بنظام المخاصمة بالنسبة لضباط الشرطة القضائية، و مع بداية تطبيقه فقد ألغي هذا التمييز بين الضباط و الأعوان في مساءلتهم مدنياً و وحدت قواعد المتابعة بالنسبة لعناصر الضبطية القضائية بما فيهم الأعوان و الضباط2.
    و أصبح القضاء العادي هو المختص بالنظر في دعوى التعويض ضد أعمال الضبطية القضائية، و لكن بوجوب إتباع دعوى المخاصمة.
    أما طبقا للقانون الجزائري، فإن قواعد المسؤولية المدنية لعناصر الضبطية القضائية تجد سندها القانوني في القانون المدني السابق ذكره، وأيضا القانون الجزائي في حالة ما إذا كان التعويض أساسه خطأ مرتكب عن جريمة لأنه وطبقا لنص الذي يقرر قاعدة مخاصمة القضاة في قانون الإجراءات المدنية وهو نص المادة 303 والذي ينص »يطبق في شأن مخاصمة القضاة القواعد المنصوص عنهافي المواد 214 إلى 219 من هذا القانون.«وهو نص صريح في حصر قواعد المخاصمة على القضاة
    وحدهم دون غيرهم من الموظفين الآخرين الذين يرتبطون أو يتبعون جهاز القضاء، وهذا على عكس ما هو معمول به في فرنسا كما سبق لنا وأن رأينا، وعليه فإن عناصر الضبطية القضائية ضباطا وأعوانا نطبق عليهم القواعد العامة على حد سواء، فإذا ما نسب إلى أحدهم خطأ وسبب ضررا للغير فإنه يتابع وفقا للقواعد العامة في القانون المدني طبقا لنص المادة 124 من القانون المدني أو طبقا لقواعد قانون الإجراءات الجزائية إذا اختار المضرور الطريق الجزائي.
    الفرع الثالث: مدى مسؤولية الدولة عن أعمال الضبطية القضائية

    إذا كان أحد عناصر الضبطية القضائية سبب ضرر مادي أو معنوي أو جسماني للغير فإنه يسأل مسؤولية شخصية عن هذا الضرر، وهو ملزم بالتعويض طبقا للقواعد العامة في المسؤولية، والقضاء المختص في ذلك هو القضاء العادي، هذا من جهة ومن جهة أخرى وباعتبار جهاز الضبطية القضائية مرفق من المرافق العامة للدولة، فإنه يمكن مساءلة هذه الأخيرة طبقا لنص المادة 07 من قانون الإجراءات المدنية عن الأضرار التي تسببها أعمال الضبطية القضائية للغير، وذلك بشرط أن يكون الخطأ المرتكب بمناسبة تأدية الوظيفة أو بسببها، فيحق للمضرور أن يلجأ إلى الغرفة الإدارية للمجلس القضائي المختص للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقته.

    وقد أتيحت الفرصة في هذا المجال للمجلس الأعلى – المحكمة العليا حاليا – أن يؤكد مسؤولية الدولة بسبب أعمال الضبطية القضائية حيث تعرض المضرور في محافظة الشرطة إلى عملية ضرب ألحقت به أضرارا خطيرة – تمثلت في إلحاق عجز دائما يقدر بنسبة 50 % في عينه اليسرى, تقدم على أثرها المضرور أمام الغرفة الإدارية بالمجلس القضائي، فمنحته الغرفة الإدارية تعويضات – وأسست قرارها فيما يخص الاختصاص أنه ولما كان جهاز الشرطة مرفق من المرفق العمومية للدولة وطبقا لنص المادة 07 من قانون الإجراءات المدنية، فإن الغرفة تكون مختصة في النظر في دعوى الحال.

    وحيث أنه ولما كان الخطأ المرتكب نتيجة للممارسة الوظيفة، وداخل المرفق العمومي وباعتبار أن الضرر جسيم الذي لحق بالضحية نتيجة لعملية الضرب تكون بذلك دعواه الرامية إلى طلب التعويض مؤسسة، فمنحته الغرفة الإدارية تعويضات، وإثر استئناف أمام الغرفة الإدارية المحكمة العليا أكدت حق المضرور في التعويض لما لحقه من أضرار بسبب تعرضه للضرب من طرف رجال الضبطية القضائية2.
    وقد ذهب المشرع الجزائري إلى أبعد من هذا بتقريره للحالات التي يمكن أن ترتب مسؤولية الدولة عن أعمال الضبطية القضائية، وهي حالات خرق الحريات الفردية التي نص عليها المشرع صراحة في نص المادة 108 من قانون عقوبات- وذلك بقمعه لكل الانتهاكات الموجه إلى الحريات الفردية من قبل الموظفين، إلى جانب تقريريه للمسؤولية الجزائية والمدنية الشخصية للموظف الذي يأمر بعمل تحكمي أو ماس بالحرية الشخصية للفرد أو بحقوقه الوطنية– قرر المسؤولية المدنية في هذه الحالة على الدولة التي تحل بهذه الطريقة محل الموظف – في التعويض، على أن يكون لها حق الرجوع على الفاعل، و عليه فإن الدولة تسأل عن الأخطاء التي تقع منهم بمناسبة مباشرة وظيفتهم دون أن يمتد هذا الضمان إلى أخطائه الخاصة ولها العودة عليه لتعويض الخسائر التي لحقت الخزينة من جراء تعويض المتضرر من الجريمة أو العمل الغير مشروع لعضو الضبط القضائي
    المـبحـث الثاني : الجــزاء الإجـرائي (المسؤولية الموضوعية)

    تحرص الدولة على حماية حريات الأفراد و حقوقهم، و لا تقبل المساس بها إلا في حدود ما تقرره النصوص التشريعية المختلفة، و الوسيلة الفعالة التي تحقق ذلك هي وجوب احترام قواعد المشروعية في جميع مراحل الدعوى و أمام كل جهات القضاء، لذلك تعمل التشريعات على اختلاف نظمها القانونية على إيجاد الوسائل التي تكفل القاعدة الإجرائية، و ذلك بالنص على بطلان الإجراء غير المشروع و كافة ما يسفر عنه من نتائج لأن العمل الإجرائي لكي يكون صحيحا لا بد أن تتوفر فيه شروط موضوعية تتعلق بالإرادة و الأهلية الإجرائية و ما يتطلبه القانون من شروط خاصة بالمحل المنصب عليه العمل، و سبب القيام به، و شروط تتعلق بالشكل الذي يجب أن يصاغ فيه العمل الإجرائي.
    فإذا توفر في العمل الإجرائي الشروط القانونية المتعلقة به سواء من الناحية الموضوعية أو من الناحية الشكلية كان صحيحا و منتجا لآثاره القانونية، أما إذا تخلف عنه شرط من الشروط القانونية فإنه يعتبر مخالفا للقانون و يخرج من محيط الأعمال الإجرائية الصحيحة ليندرج تحت الأعمال الإجرائية المعيبة لمخالفتها للقانون
    هذا و يختص القضاء بحماية المشروعية الإجرائية، و ذلك عن طريق الرقابة على صحة الإجراءات للتأكد من أن الأجهزة المختصة بالبحث و التحري تعمل وفقا لقواعد قانونية معينة حددها المشرع تحمي حقوق و حريات الأفراد وتصونها من التعسف و التحكم و إساءة استعمال السلطة، و وسيلة القضاء في ذلك تتمثل في منع العمل الذي اتخذ مخالفا للقانون و خارج الحالات التي قررها له من ترتيب أثاره، أي الحكم ببطلان العمل المخالف للقانون.
    فإذا كان الجزاء هو بطلان ذلك الإجراء لمخالفته الشروط القانونية، و خرقه للضوابط التي رسمها له القانون، فمـا هـو تعريف البطلان؟، و ما هي حالاته و الآثار المترتبة عنه ومن هي الجهة المختصة في تقريره؟
    المطلب الأول: تعريف البطلان
    إن الصلاحيات المنوطة بالضبطية القضائية المخالفة للقواعد القانونية التي حددها القانون، يترتب عنها البطلان، وهو بهذا المعنى جزاء يتعلق بالإجراء ذاته، يحول بينه و بين إحداثه لأثاره القانونية، بمعنى أن الأعمال التي يقوم بها عناصر الضبطية القضائية إذا لم تراعي فيها الشروط القانونية سواء منها الموضوعية أو الشكلية التي حددها قانون الإجراءات الجزائية و القوانين الخاصة الأخرى التي تنظم بعض مهام الضبطية القضائية، فإنه يترتب على ذلك بطلانها من الناحية القانونية و تصبح عديمة الأثر.
    فالبطلان إذا، هو جزاء يرد على العمل الإجرائي لتخلف كل أو بعض شروط صحة هـذا العمل، و يترتب عليه عدم إنتاج آثاره المعتادة في القانون، و البطلان بطبيعته جزاء إجرائي، لأن القانون هو الذي يقرره كأثر لتخلف شروط إجرائية تطلبها صراحة أو ضمنيا.
    المطلب الثاني: الحالات القانونية للبطلان و آثاره
    بالرجوع إلى قانون الإجراءات الجزائية، و بالضبط في البابين الأول و الثالث من هذا القانون الخاصين بمرحلة التحري و البحث عن الجرائم و التحقيق، لا نجد المشرع الجزائري ينص صراحة على بطلان إجراء من الإجراءات التي تقوم بها الضبطية القضائية إلا في حالة واحدة و هي نص المادة 48 منه والمتعلقة ببطلان التفتيش، التي جاءت في الباب الثاني الخاص بالتحقيقات تحت عنوان الجناية أو الجنحة المتلبس بها، و التي تنص على بطلان التفتيش الذي يقوم به ضباط الشرطة القضائية المخالف للضوابط القانونية التي سبق التعرض لها في الفصل الأول، و أوجب عليهم التقيد بها في حالة القيام بهذا الإجراء و إلا ترتب عليها البطلان، حيث تنص المادة صراحة، »يجب مراعاة الإجراءات التي استوجبتها المادتين 45 و 47 و يترتب على مخالفتها البطلان«.
    لكن بالرجوع إلى بعض القوانين الخاصة التي تضمنت بعض مهام الضبطية القضائية و بالخصوص ضباط الشرطة القضائية منها قانون 04/02 المؤرخ في 23/06/2004 المتعلق بالممارسات التجارية و بالضبط في مادته 49 التي أجازت لضباط الشرطة القضائية و الأعوان المؤهلين لممارسة بعض مهام الضبطية القضائية معاينة المخالفات المتعلقة بالممارسة غير الشرعية للتجارة، و تحرير محاضر بذلك، و حجز البضائع، و غلق المحلات، و كل ذلك مع مراعاة الضوابط التي نص عليها هذا القانون و في ذلك نصت المادة 57 منه على أنه « إذا لم تكن هذه المحاضر موقعة من طرف الموظفين الذين عاينوا المخالفة فإنه يترتب على ذلك بطلانها ».
    كما نصت المادة 225 من قانون الجمارك على أنه يجب مراعاة الإجراءات المنصوص عليها في المواد241، 242، 244 إلى 250، 252 وذلك تحت طائلة البطلان وتتمثل هذه الإجراءات باختصار إما في عدم الاختصاص في من حرر المحضر بمعنى إذا تم تحريره من طرف أعوان أو أشخاص غير مؤهلين لذلك وخارج الفئات التي نصت عليها المادة 241 من القانون أعلاه أو في عدم مراعاة الشكليات المتعلقة بتحرير المحضر حسب ما نصت عليه المواد 241، 244، 250، والمادة 252من نفس القانون.
    و السؤال الذي يتبادر للأذهان في هذا المجال ماهي آثار البطلان التي تكلمت عنها هذه المواد؟
    يترتب على بطلان محاضر الضبطية القضائية إبطالها بحيث تصبح لاغية و عديمة الأثر و يميز القضاء بوجه عام بين آثار البطلان بحسب أسبابه فإذا كان البطلان بسبب إجراءات لا تقبل التجزئة كخلو المحضر من صفة محرره أو عدم الاختصاص سواء المحلي أو النوعي أ,و خلوه من التوقيع أو من تاريخ تحريره في بعض محاضر الضبطية كمحاضر الحجز الجمركي مثلا أو محاضر المخالفات التجارية ففي هذه الأحوال يكون البطلان مطلقا بحيث تثيره المحكمة من تلقاء نفسها و هنا البطلان يطول المحضر برمته و ما تضمنه و لا يمكن الاعتداء بما جاء فيه1.
    أما إذا كان البطلان مؤسسا على شكليات أو إجراءات يمكن فصلها عن باقي ما تضمنه المحضر كإجراء تفتيش المساكن خارج الحالات القانونية التي تضمنتها المواد 47،45،44، من قانون الإجراءات الجزائية، أو مخالفة المواد47 فقرة 1 من قانون الجمارك أو الفقرة 3 من نفس المادة فيما يخص تفتيش المساكن الذي يجريه أعوان الجمارك، أو عدم حضور ضابط الشرطة القضائية إثر التفتيش الذي يجريه الموظفون والأعوان المختصون في الغابات تطبيقا لنصي المادة 21، 22 من قانون الإجراءات الجزائية.
    ففي هذه الحالات استقر القضاء و بعض فقهاء القانون على أن يكون البطلان نسبيا، بحيث ينحصر أثره في الإجراء الذي تم مخالفة للشكلية التي لم تراع، و لا يطول هنا البطلان المحضر برمته و في هذا قضت المحكمة العليا أن للبطلان أثر نسبي إذ يقتصر على الإجراء المشوب بالبطلان فحسب و لا ينصرف إلى إجراءات المتابعة كلها و من ثمة كان يتعين على المجلس حتى و لو ثبت بطلان محضر التحقيق الابتدائي أن يفصل في الدعوى الجبائية استنادا إلى عناصر الإثبات الأخرى منها اعتراف المتهم3، و هو نفسه الموقف الذي أخذت به المحكمة العليا في قرار آخر الصادر بتاريخ 27 جانفي 1981 الغرفة الجنائية الأولى، حيث قضت بأن الدفع ببطلان التفتيش هو من المسائل الموضوعيـة التي
    يجب عرضها على قضاة الموضوع و إلا سقط الحق في إثارتها لأول مرة أمام المحكمة العليا1، حيث لا يجوز التمسك به إلا من شخص المتهم الذي قررت القاعدة لمصلحته فليس لغيره التمسك بهذا البطلان وبناء على ذلك يجب التمسك به أمام قضاة الموضوع، كما لا يجوز لقضاة الحكم إثارته من تلقاء أنفسهم، و أن الحكم ببطلان التفتيش يترتب عنه بطلان الأدلة المستقاة منه و لا يلحق هذا البطلان الإجراءات الصحيحة التي تمت قبل التفتيش الباطل.
    غير أن محكمة النقض الفرنسية اعتبرت في حكمين لها صادرين عن الغرفة الجنائية بتاريخ 14/04/1961 و 14/12/1961 أن الحجز الذي يتم إثر تفتيش باطل لا يتضمن مساسا بحقوق الدفاع طالما أن الأشياء المحجوزة قد نوقشت بحرية أمام المحكمة
    المطلب الثالث: الجهات المختصة في تقرير البطلان
    رغم أن المشرع لم ينص على الجهة المختصة بالنظر في صحة المحاضر المحررة من طرف الضبطية القضائية سواء منها الشرطة القضائية أو محاضر الموظفين المؤهلين طبقا لقوانين خاصة ببعض مهام الضبط القضائي عكس ما فعل بالنسبة لإجراءات التحقيق القضائي و محاضره التي تكون من اختصاص غرفة الاتهام.
    إلا أنه ما استقر عليه القضاء أن الجهة القضائية التي تبت في الدعوى الأصلية هي التي يعود لها الاختصاص في النظر في صحة المحاضر و هي التي تبت في طلب البطلان باستثناء محكمة الجنايات.
    و ما يدعم موقفنا هذا هو اجتهاد المحكمة العليا حول هذا الموضوع، إذ ذهبت في قرار أصدرته بتاريخ 30/07/1997إلى أنه» من المقرر قانونا أنه لا يجوز لضابط الشرطة القضائية الانتقال إلى مساكن الأشخاص الذين ساهموا في جناية إلا بإذن مكتوب من وكيل الجمهورية أو قاض التحقيق، كما لا يجوز بدء التفتيش قبل الساعة الخامسة صباحا و لا بعد الساعة الثامنة مساءا إلا بطلب من صاحب المنزل.
    ولما ثبت في قضية الحال أن الجنحة المتابع بها هي جنحة متلبس بها الأمر الذي أدى بضابط الشرطة القضائية إلى تفتيش مكان وقوع الجريمة- ليلا و خارج الوقت القانوني، دون التمكن من الحصول على إذن مسبق- لكن برضا و خط مكتوب من الشاكي صاحب المنزل و هي الصفة التي لا ينافسه فيها ابنه المتهم، و من ثم فإن قرار غرفة الاتهام القاضي بصحة إجراءات التفتيش في محله مما يستوجب رفض الطعن«.
    و حيث أنه و من خلال هذا القرار تم استخلاص عدة نقاط أساسية و هي كالتالي:
    ü النقطة الأولى أن المادة 44 من قانون إجراءات جزائية المتعلقة بوجوب حصول الإذن بالتفتيش من وكيل الجمهورية لا يترتب عن عدم مراعاتها وجوب البطلان، و أن تفتيش المسكن خارج الوقت القانوني قد يبرره طلب صاحب المنزل محل التفتيش.
    Ø لكن حسب رأينا الخاص هذا يتعارض مع مقتضيات المادة 44 و 48 من نفس القانون فالمادة 44 توجب أن يكون التفتيش بموجب إذن مكتوب من وكيل الجمهورية أو قاض التحقيق، و إلا ترتب بطلان هذا الإجراء حسب نص المادة 48 منه، و لا يجوز القياس مع المادة 47 من القانون المذكور، التي تنص على القواعد المتعلقة بالميقات القانوني للتفتيش و يجوز استثناءا الخروج عليه في حالة طلب
    صاحب المنزل، فإذا وقع التفتيش بدون إذن السلطة المختصة حسب نص المادة 44 فإنه يعد إجراءا باطلا و لا يؤخذ بالمحضر المحرر بذلك، و لا يجوز التبرير بطلب صاحب المنزل لأن هذا التبرير يكون في حالة الخروج عن الميقات المقرر قانونا للتفتيش فقط، و لا يجوز القياس في المادة الجزائية.
    ü النقطة الثانية التي يمكن استخلاصها هي عدم جواز الطعن بالنقض ضد قرارات غرفة الاتهام متى نظرت في صحة الإجراءات المرفوعة إليها، و تنتهي إلى عدم إبطال الإجراء، فإنه لا يجوز الطعـن
    بالنقض فيما قضت به في هذا الشأن طالما و أن موضوع الدعوىلم يفصل فيه بعد مما يفيد أن غرفة الإتهام مختصة طالما أثير طلب البطلان أمامها.
    ü النقطة الثالثة هي أنه يحق لجهات الحكم تقدير البطلان إذا تبين لها ذلك، بمعني أنه إذا أثير الادعاء ببطلان الإجراء أمام قاضي الموضوع فإنه يحق له التصدي و تقدير البطلان من عدمه متى توفرت شروط إبطاله طبقا للقانون و نشير في هذا الصدد إلى القرار المشار إليه أنفا و هو قرار27 جانفي 1981، الصادر عن الغرفة الجنائية الأولى، و الذي قضت فيه المحكمة العليا أن الدفع ببطلان التفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يجب عرضها على قضاة الموضوع و إلا سقط الحق في إثارتها لأول مرة أمام المحكمة العليا.
    ü النقطة الرابعة و الأخيرة التي استخلصناها من هذا القرار أن الإجراءات المتخذة من طرف الضبطية القضائية و المطلوب إبطالها لمخالفتها الضوابط القانونية فإن الاختصاص بالنظر في الادعاء ببطلانها يعود أساسا إلى قاضي التحقيق باعتباره الجهة المعروض عليها محاضر التحقيق الابتدائي أو تلك التي تحرر في إطار الجنايات و الجنح المتلبس بها كما هو الشأن في إجراء التفتيش.
    Ø لكن فإذا كان لا يجوز لقاضي التحقيق تصحيح الإجراءات التي يقوم بها بنفسه ، و إنما يرفع أمر إبطالها إلى غرفة الاتهام إذا ما رأى وجها لذلك، فكيف يمكن له أن يقوم بتصحيح الإجراءات التي يقوم بها رجال الضبطية القضائية و بالتالي طالما أنه لا يملك حق تصحيح إجراءات التحقيق الباطلة التي يقوم بها بنفسه فإنه من باب أولى ألا يختص بالنظر في الإجراءات المدفوع ببطلانها و التي يجريها ضباط الشرطة القضائية.
    إذن، إن هذه النقاط التي حاولنا استخلاصها من هذا القرار تعتبر اجتهادا من المحكمة العليا طالما أن القانون لم ينظم الإجراءات الخاصة ببطلان الأعمال غير القانونية لضباط الشرطة القضائية، فيما يخص الجهة المختصة بالنظر فيها و مدى قابلية القرارات التي تصدر فيها للنقض.
    وفي نفس المجال نجد أن مجلس قضاء سطيف قد أقر ببطلان إجراء التفتيش الذي قام به ضابط الشرطة القضائية و رتب نتيجة لذلك بطلان الإجراءات اللاحقة له كمحضر التفتيش، لكون الإجراء كان مخالف لنص المادة 44 من قانون الإجراءات الجزائية لأنه تم بدون إذن من وكيل الجمهورية و لا قاضي التحقيق
    والخلاصة التي ننتهي إليها فإنه ورغم ما قيل حول مسؤولية عناصر الضبطية القضائية سواء منها التأديبية، أو الجزائية، أو المدنية، وبغض النظر عن تطبيقها الفعلي، تعتبر في رأينا عاملا محفزا لعناصر الضبطية القضائية على أن يقوموا بأعمالهم في حدود الضوابط التي خولها لهم القانون من جهة وزاجر لهم بعدم خرق هذه الضوابط على حساب الحقوق والحريات الفردية من جهة أخرى، بالإضافة إلى تقرير الرقابة القضائية من إشراف النيابة العامة ورقابة غرفة الاتهام و التصرف في المحاضر وغيرها كلها سياجا واقيا يقف حائلا بين خرقهم لقواعد الشرعية الإجرائية.
    الخاتمة:
    لقد حاولنا من خلال هذه المذكرة دراسة أهم النقاط التي يثيرها موضوع الرقابة على أعمال الضبطية القضائية،و مسؤولية عناصرها محاولين التأكيد على أن تحديد الضوابط القانونية التي تقيد وتنظم أعمال الضبطية القضائية، و التي تستمد منها هذه الأخيرة شرعيتها و إخضاعها لرقابة السلطة القضائية و ترتيب المسؤولية الإجرائية و الشخصية على أي تجاوز لحدود هذه الشرعية أمر ضروري لتوفير الضمانات الكاملة للمشتبه فيهم و حماية أكبر للحقوق و الحريات الفردية و تكريس أكثر لدولة القانون.
    لكن ذلك غير كافي بل يجب أن تسبقه تدابير أخرى تتعلق بانتقاء و تكوين أحسن العناصر للإلتحاق بمهمة الضبط القضائي لأن ذلك، هو بداية الاهتمام بتوفير الضمانات الضرورية لتنفيد القانون، و احترام مبدأ الشرعية الإجرائية، و ما يوفره من ضمانات للأفراد.
    فمهما اجتهد المشرع في وضع القيود و الضوابط و الرقابة القضائية على الاجراءات و الأعمال المناطة بالضبطية القضائية، التي تنفذ أثناء التحريات الأولية يبقى أحسن ضمان هو حسن اختيار الرجال و حسن تكوينهم و إعدادهم للإضطلاع بهذه المهمة النبيلة.
    و هو ما ينطبق على كل من يؤدي وظيفة تطبيق و تنفيذ القانون، و كما هي ذات دلالة و عمق العبارة التي قالها أنريكو فيري « إن قيمة القوانين تقدر بقيمة الرجال المكلفين بتطبيقها ».


      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 7:29 pm