أسعدنا تسجيلك وانضمامك لنا

ونأمل من الله أن تنشر لنا كل مالديك

من إبداعات ومشاركات جديده

لتضعها لنا في هذا القالب المميز

نكرر الترحيب بك

وننتظر جديدك المبدع

مع خالص شكري وتقديري

ENAMILS

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

أسعدنا تسجيلك وانضمامك لنا

ونأمل من الله أن تنشر لنا كل مالديك

من إبداعات ومشاركات جديده

لتضعها لنا في هذا القالب المميز

نكرر الترحيب بك

وننتظر جديدك المبدع

مع خالص شكري وتقديري

ENAMILS

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
عنوان المذكرة : الاعتراف 580_im11 ENAMILS عنوان المذكرة : الاعتراف 580_im11

المواضيع الأخيرة

» مدونة القوانين الجزائرية - محدثة يوميا -
عنوان المذكرة : الاعتراف I_icon_minitimeالسبت ديسمبر 27, 2014 5:08 pm من طرف abumohamed

»  شركة التوصية بالاسهم -_-
عنوان المذكرة : الاعتراف I_icon_minitimeالجمعة فبراير 21, 2014 5:39 pm من طرف Admin

» مكتبة دروس
عنوان المذكرة : الاعتراف I_icon_minitimeالإثنين يناير 13, 2014 9:40 pm من طرف Admin

» تحميل كتاب مصادر الإلتزام لـ علي علي سليمان !
عنوان المذكرة : الاعتراف I_icon_minitimeالخميس ديسمبر 19, 2013 8:52 pm من طرف Admin

» تحميل كتاب الوسيط في شرح القانون المدني لعبد الرزاق السنهوري
عنوان المذكرة : الاعتراف I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 30, 2013 3:58 pm من طرف Admin

» تحميل كتاب القانون التجاري للدكتورة نادية فضيل
عنوان المذكرة : الاعتراف I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 30, 2013 3:51 pm من طرف Admin

» تحميل كتاب القانون التجاري الجزائري للأستاذ عبد القادر البقيرات
عنوان المذكرة : الاعتراف I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 30, 2013 3:46 pm من طرف Admin

» بحث حول المقاولة التجارية
عنوان المذكرة : الاعتراف I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 23, 2013 8:46 pm من طرف happy girl

» كتاب الدكتور سعيد بوشعير مدخل الى العلوم القانونية ادخل وحمله
عنوان المذكرة : الاعتراف I_icon_minitimeالأربعاء نوفمبر 06, 2013 10:49 am من طرف As Pique

» الدفاتر التجارية:
عنوان المذكرة : الاعتراف I_icon_minitimeالجمعة أكتوبر 04, 2013 7:37 pm من طرف salouma

ENAMILS


كتاب السنهوري


    عنوان المذكرة : الاعتراف

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 6322
    نقاط : 17825
    تاريخ التسجيل : 28/06/2013
    العمر : 33

    عنوان المذكرة : الاعتراف Empty عنوان المذكرة : الاعتراف

    مُساهمة من طرف Admin الخميس أغسطس 08, 2013 1:15 am




    عنوان المذكرة : الاعتراف


    مقـــــــدمة

    يعتمد القانون الجزائري في الإثبات الجزائي على مبد أ حرية الإثبات كأصل ، و نظام الأدلة القانونية كإستثناء ، الأمر الدى يسمح للقاضي أن ينفد إلىالحقيقة بكافة الطرق التي يراها مناسبة ، و أن يبني اقتناعه على أدلة الإثبات يعود له أن يحكم في ضوئها ، فلا يأخذ منها إلا ما إعتقده صائبا و متوافقا مع الحقيقة وما أرتاح إليه ضميره ، عملا بمبدأ الاقتناع القضائي الذي كرسه المشرع الجزائري في المادة 212 من قانون الإجراءات الجزائية التي تنص على أنه " يجوز إثبات الجرائم بأي طريق من طرق الإثبات ما عدا الأحوال التي ينص فيها القانون على غير ذلك ، و للقاضي أن يصدر حكمه تبعا لاقتناعه الخاص، ولا يسوغ أن يبني قراره إلىعلى الأدلة المقدمة له في معرض المرافعات و التي حصلت المناقشة فيها حضوريا أمامه " .
    من بين أهم أدلة الإثبات في المواد الجزائية هو ما ينبعث من عناصر شخصية تتمثل فيما يصدر من أقوال تؤثر في اقتناع القاضي بطريق مباشر من خلال تأكده من صدق هده الأقوال ، أو ما يسمى بالإعتراف.
    فإن كان الأصل في المتهم البراءة حتى تثبت إدانته طبقا للمادة 45 من الدستور، فأنه يتعين أن يقوم الدليل القطعي على إرتكاب الجريمة، فقد يتقدم شخص حرا يقر على نفسه بإرتكاب جريمة ما ، فلا تزول قرينة البراءة بمجرد إعتراف الشخص ما لم يصدر حكم بات بالإدانةإلا إذا كان الحكم مبني على الإعتراف ، و من هنا يمكن للإعتراف كدليل أن يسقط قرينة البراءة.
    لقد إهتم فقهاء القانون الجنائي بموضوع الإعتراف كدليل من أدلة الإثبات الجزائي نظرا لأهميته في مجال الإثبات كون الأصل فيه أن له دور حاسم في الدعوى الجزائية بحيث أعتبره الفقه الوضعي قديما أنه سيد الأدلة ولا يوجد دليل أقوى حجية من إقرار الشخص على نفسه بإرتكابه الجريمة ، غير أنه في ظل نظام الاقتناع الشخصي ضعف أثره بحيث لا بد من إحاطته بضمانات تضمن صحته و تكفل صدقه فإن كان صحيحا و صادقا كان له بالغ الأهمية في الإثبات، لكن مع تطور العلم الجنائي و علم النفس أصبح الإعتراف لا يكشف دوما الحقيقة نتيجة تأثيرات مختلفة تعترض شخص المعترف تجعله بعيدا عن الصدق و الحقيقة الواقعية.
    فقد اخترنا الإعتراف في المادة الجزائية موضوع دراستنا و عنوان مذكرتنا نظرا لعدم تطرق الدفعات السابقة لهذا الموضوع، فبالرغم من ندرة المراجع التي تنأولت دراسته ، إلىأن الأسباب التي دعتنا إلىالبحث فيه كانت أولى و هي عديدة من أهمها...
    إعتماد المشرع الجزائري في مجال الإثبات الجزائي على نظامين مختلفين ، نظام حرية الإثبات و نظام الأدلة القانونية ، و إخضاع الإعتراف لمبدأ الاقتناع القضائي شأنه كشأن أدلة الإثبات الأخرى ، و بالمقابل اكتفاء بعض القضاة بإعتراف المتهم كدليل إدانة دون التحقق من صدقه دون البحث في عناصر الإثبات الأخرى .
    فالسؤال المحوري لموضوع الإعتراف الممكن طرحه يتمثل في ماهية السلطة التقديرية للقاضي في تقدير قيمة الإعتراف الثبوتية ، فيما إذا كانت مطلقة أم مقيدة.
    وعلى أساس ما تقدم ، فلا يمكننا الإجابة على هذا السؤال قبل التطرق بنوع من التفصيل إلىبيان ماهية الإعتراف مستأنسين في بحثنا على مختلف الآراء الفقهية و ما إستقر عليه قضاء المحكمة العليا مستشهدين ببعض أحكام المحاكم و قرارات المجالس القضائية.
    و تبعا لذلك، سنحأول دراسة هذا الموضوع من خلال إتباع الخطة التالية...

    الفصل الأول ماهية الإعتراف
    المبحث الأول مفهوم الإعتراف.
    المطلب الأول تعريف الإعتراف.
    المطلب الثاني الطبيعة القانونية للإعتراف.
    المطلب الثالث أنواع الإعتراف.
    المبحث الثاني أركان الإعتراف.
    المطلب الأول صدور الإعتراف من المتهم نفسه.
    المطلب الثاني تعلق الإعتراف بالواقعة الإجرامية.
    المطلب الثالث تقرير الواقعة لمسؤولية المتهم.
    المبحث الثالث شروط صحة الإعتراف.
    المطلب الأول الأهلية الإجرائية للمعترف.
    المطلب الثاني تمتع المعترف بالإرادة الحرة.
    المطلب الثالث وضوح الإعتراف و مطابقته للحقيقة.
    الفصل الثاني حجية الإعتراف و تقدير قيمته الثبوتية
    المبحث الأول حجية الإعتراف
    المطلب الأول حجية الإعتراف الوارد في محاضر الضبطية القضائية.
    المطلب الثاني حجية الإعتراف الوارد في محاضر النيابة (حالة التلبس).
    المطلب الثالث حجية الإعتراف الوارد في محاضر التحقيق القضائي.
    المبحث الثاني سلطة القاضي في تقدير قيمة الإعتراف.
    المطلب الأول حرية القاضي في الأخذ بالإعتراف.
    المطلب الثاني حرية القاضي في استبعاد الإعتراف.
    المطلب الثالث حرية القاضي في تجزئة الإعتراف.
    المبحث الثالث حدود سلطة القاضي في تقدير قيمة الإعتراف.
    المطلب الأول العدول عن الإعتراف.
    المطلب الثاني الإعتراف الوارد في جريمة الزنا.
    المطلب الثالث الإعتراف الوارد في بعض المحاضر.

    الفصل الاول : ماهية الإعتراف
    إن دراسة موضوع الإعتراف تقتضي البحث عن ماهيته، ذلك ما سنتطرق إليه في هذا الفصل الذي قسمناه إلىثلاثة مباحث،في أوله أشرنا إلىمفهوم الإعتراف من خلاله عرفناه بإعطاء المدلول اللغوي والإصطلاحي له ثم المدلول الفقهي و القانوني ثم إلى بيان طبيعته القانونية و أنواعه .
    و في ثانيه أبرزنا العناصر اللازمة لوجوده المتمثلة في وجوب صدوره من المتهم نفسه و تعلق موضوعه بواقعة إجرامية من شأنها تقرير مسؤولية المتهم .
    وفي آخره تعرضنا إلىالعناصر اللازمة لصحته من خلال إشتراط الأهلية الإجرائية في شخص المعترف ، وتمتع هذا الأخير بإرادة حرة ثم وضوح الإعتراف و مطابقته للحقيقة
    المبحث الأول: مفهوم الاعتراف
    إن البحث في موضوع الاعتراف كدليل من بين أدلة الإثبات الجزائي و بيان قيمته الثبوتية يقتضي عرض مفهوم الاعتراف من خلال بيان تعريفه في مطلب أول، والعناصر اللازمة لوجوده في مطلب ثان، والعناصر اللازمة لصحته في مطلب ثالث.
    المطــــــــــلب الأول : تعريف الإعتراف
    اهتم كل من الفقه الإسلامي و جانب من الفقه الجنائي بموضوع الاعتراف بإعتباره دليل من أدلة الإثبات في المجال الجزائي نظرا لأهميته القصوى كون له مكانة مميزة بين ادلة الإثبات الأخرى المعتمدة في المسائل الجزائية، و اعتبره بعض فقهاء القانون الجنائي أنه سيد الأدلة، وبهذا سنتولى بيان تعريفه لغويا و إصطلاحا، ثم قانونا و فقها.
    الفرع الأول: المدلول اللغوي و الإصطلاحي للاعتراف:
    يعرف الاعتراف لغة بأنه الإثبات : يقول اعترفت بالشيء ،إذن أثبته ، و يعرف أيضا الإذعان للحق و الإقرار به ، أما تعريفه اصطلاحا هو إخبار شخص بحق عليه لغيره ، كأن يقر زيد و يعترف أنه ارتكب فعلا يترتب عليه عقوبة بدنية أو مالية ، كما لو إعترف بأنه قتل عمر أو أتلف له مالا، و هو عبارة عن الإخبار بما على الإنسان من الحق للغير على نفسه، و قيده الشرع بأن يكون على نفسه لأنه لو كان على غيره سمي شهادة ، و إذا حر مكلف بحق = صح و لو مجهولا، و شهادة المرء على نفسه إقرارا بالحقوق عليها،فالاعتراف وإن كان أقوى أدلة الإثبات لأنه ينطق به الشخص الذي سيلزم بما ينطق به دون إكراه فهو حجة قاصرة على المقر ولا تتعداه إلى غيره،لأن لدى الإنسان وازعا طبيعيا يمنعه من ظلم نفسه،ولذا يستبعد أن يقر شخص ما بأن لفلان عليه حقا وهو كاذب في إقراره،فكان الإقرار بذلك اليقين الشرعي ومن ثم كان داخلا في زمرة البينات .
    و حجية الإقرار ثابتة في القران و السنة و الإجماع ، قوله تعالى :" أأقررتم و اتخذتم على ذلكم أصري قالوا أقررنا"، وقوله تعالى أيضا :" يا أيها الذبن آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء الله و لو على أنفسكم"
    و قد أثبت الرسول صلى الله عليه و سلم الحد بالاعتراف في قضية العسيف بقوله عليه الصلاة و السلام:
    " و اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها"، كما أجمعت الأمة على صحة الإقرار باعتباره حجة على المقر، فلا يتعدى أثره إلى غيره فيقتصر أثر الإقرار على المقر نفسه
    الفرع الثاني: المدلول القانوني و الفقهي للإعتراف
    أورد المشرع الاعتراف في الفصل الأول من الباب الأول من الكتاب الثاني من قانون الإجراءات الجزائية والمتعلق بطرق الإثبات، حيث اكتفى بالإشارة إليه في نص المادة 213 منه على أن "الاعتراف شأنه كشأن جميع عناصر الإثبات يترك لحرية تقدير القاضي " و يتضح من خلال قراءتنا لنص هذه المادة أن المشرع الجزائري على غرار التشريع الفرنسي و المصري لم يعرف الاعتراف، مكتفيا بالإشارة إلى أنه عنصرا من عناصر الإثبات يخضع تقدير قيمته الثبوتية لحرية القاضي، غير أن الفقه الجنائي تناول هذا الموضوع من مختلف زواياه، وقدم عدة تعريفات للاعتراف، إذ عرفه البعض بأنه: "إقرار المتهم على نفسه في مجلس القضاء عن إرادة حرة بالتهمة المسندة إليه ".، وعرف أيضا بأنه: " إ قرار المتهم على نفسه بصحة ارتكابه للتهمة المنسوبة إليه، و هو سيد الأدلة و أقواها تأثيرا في نفس القاضي، وأدعاها إلى اتجاهه نحو الإدانة".، كما عرف بأنه: " قول صادر من المتهم يقر فيه بصحة ارتكابه للوقائع المكونة للجريمة بعضها أو كلها"
    فالاعتراف هو إقرار من المتهم بعبارات واضحة تفيد حقيقة الوقائع المنسوبة إليه أو ببعضها و يصلح دليلا عليه، ويختلف عن أقوال المتهم التي قد يستفاد منها ضمنيا ارتكابه الفعل الإجرامي المنسوب إليه، فهذه الأقوال مهما كانت لا ترقى دلالتها إلى مرتبة الاعتراف، وكذلك إقرار المتهم ببعض الوقائع التي لا تتعلق بالجريمة لا يعد اعترافا وعلى ذلك يعد الاعتراف إجراء يباشره المتهم و دليلا تأخذ به المحكمة، فالإدلاء به أمام المحكمة هو إجراء من إجراءات الإثبات، وغالبا ما يكون ثمرة استجواب المتهم أمام سلطة التحقيق الابتدائي، كونه عملا إراديا ينسب به المتهم إلى نفسه ارتكاب وقائع معينة تشكل جريمة يعاقب عليها القانون، ويختلف عن الشهادة من ناحية أنه يصدر من الشخص الذي يقر بما يستوجب مسئوليته الجزائية، بينما الشهادة تصدر عن الغير الذي يدلي بما لديه من معلومات ينفع بها المتهم أو يضره
    و على ضوء هذه التعاريف الفقهية، يستخلص بأن الاعتراف هو إقرار المتهم على نفسه بارتكاب الوقائع المكونة للجريمة كلها أو بعضها، ذلك ما أكدته المحكمة العليا في تعريفها للاعتراف بقولها: " الاعتراف هو إقرار من المتهم بكل أو بعض الوقائع المنسوبة إليه، وهو كغيره من أدلة الإثبات موكول لتقدير قضاة الموضوع وفقا لأحكام المادة 213 من قانون الإجراءات الجزائية "
    المطلب الثاني: الطبيعة القانونية للإعتراف
    الاعتراف هو عمل قانوني بالمعنى الضيق و ليس تصرفا قانونيا، لأن القانون وحده هو الذي يرتب الآثار القانونية للاعتراف، و ليس لإرادة المعترف دخل في تحديد هذه الآثار، فضلا على أن قاضي الموضوع وحده هو الذي يملك سلطة تقدير هذا الاعتراف في أية مرحلة من مراحل التحقيق متى اطمأنت إليه، بخــلاف التصرف القانــوني الذي يكـون لســلطان الإرادة دخــل في تحديد آثــاره فضلا عن نشوئه، فطالما ثبت أن المعترف قد اتجهت إرادته إلى الاعتراف كان ذلك وحده كافيا لنشوئه، بعدها يبدأ دور القانون في ترتيب الآثار عليه بعيدا عن نطاق إرادة المعترف، هذا ما قررته المحكمة العليا في قرارها " إن تقدير الإعتراف أو الإنكار و كذا كل حجة إثبات تؤسس عليها الاقتناع الوجداني للقضاة يخضع لسيادة السلطة التقديرية لهؤلاء "
    إضافة إلى أنه عمل قانوني، فيعدعمل إجرائي كونه يصدر من المتهم أثناء سير الدعوى العمومية ابتداءا من تحريكها سواء أمام وكيل الجمهورية في حالات التلبس،أو أمام قاضي التحقيق،أو قضاة الحكم،قد يكون للإعتراف الصادر من المتهم خلال مرحلة البحث و التحري أثر في نشوء هذه الدعوى ما دام أن القانون يرتب أثر في تحريكها.
    و تجدر الإشارة في هذا الصدد أن الإعتراف المراد البحث عن ماهيته و أهميته يختلف عن الإقرار المدني الذي عرفه المشرع الجزائري باعتبار أنه لا يتضمن إنشاء لحق جديد في ذمة المقر، وإنما هو عبارة عن نزول عن حق في المطالبة بإثبات الواقعة من طرف الخصم الذي يدعيها وبهذا يختلف الإعتراف عن الإقرار المدني في عدة أوجه نذكرها على النحو الآتي :
    أولا : تتجه نية المقر في الإقرار المدني إلى تحمل الالتزام و ترتيب آثاره القانونية ،أما في الإعتراف فلا دخل لهذه النية ، ولا أهمية لها لأن القانون وحده هو الذي يرتب الآثار القانونية على هذا الإعتراف ولم تتجه نية المعترف إلى حصولها،كأن يعترف المتهم بما نسب إليه ظنا منه أن إعترافه سوف يجنبه العقاب فإن ذلك لا يحول دون ترتيب آثاره القانونية بتوقيع العقوبة عليه نظير ما ارتكبه من جريمة .
    ثانيا : الإقرار المدني يعتبر سيد الأدلة ، فهو حجة قاطعة على المقر و يعفي المدعي من إقامة الدليل على دعواه ، و من ثم قيل أن الإقرار هو من الأدلة المعفية من الإثبات و ملزم للقاضي المدني، ولا يجوز للمقر أن يعدل عن إقراره إلا لخطأ في الواقع ، و على المقر أن يثبت الخطأ متى يستطيع العدول عن إقراره ، أما الإعتراف فهو ليس حجة في ذاته على المعترف، وإنما هو خاضع لتقدير المحكمة و لا يعفي النيابة من البحث عن باقي أدلة الإثبات ، ولا القاضي الجزائي من الاستمرار في نظر القضية و للمتهم حق العدول عنه في أي وقت دون أن يكون ملزما بأن يثبت عدم صحة الإعتراف الذي عدل عنه
    ثالثا : الإقرار المدني لا يتجزأ على صاحبه إلا إذا نصب على وقائع متعددة، وكان وجود واقعة منها لا يستلزم حتما وجود الوقائع الأخرى ، و يجب أن يؤخذ بالإقرار كله بكامل مدلوله أو أن يترك كله،أما الإعتراف فبجوز تجزئتهوهو أمر متروك لسلطة القاضي .
    رابعا : الإقرار المدني قد يكون صريحا و قد يكون ضمنيا،إذ يعتبر الامتناع أو السكوت إقرار ضمني في بعض الأحوال على من وجهت إليه اليمين فنكل عن أدائها دون أن يردها على خصمه، و كل من ردت عليه اليمين فنكل عنها خسر دعواه أي أن الامتناع عن أداء اليمين يعد عدم إنكار الواقعة المراد أداء اليمين عليها أي إقرارا بها،أما الإعتراف لا بد أن يكون صريحا لا لبس فيه ولا غموض .
    خامسا : الإقرار المدني لا يصح صدوره إلا ممن اكتملت أهليته المدنية، فإقرار القاصر الذي لم يبلغ تسعة عشر سنة غير مقبول في الإثبات ، ولا يمكن الاحتجاج به قبل المقر فيما هو مأذون به من التصرفات فيما أقربه،أما الإعتراف فلا يتقيد بسن الرشد ، فقد يصدر من الشخص الذي يقل سنه عن الثامنة عشر سنة، و بذلك يظهر الإختلاف بين الأهلية الجزائية و الأهلية الإجرائية الواجب توافرها في المعترف ، فالصغير ناقص الأهلية يمكن أن يكون أهلا لصدورالإعتراف منه رغم أنه غير كامل التمييز، وبالتالي يكون إعترافه صحيح .
    المطلب الثالث:أنواع الإعتراف
    تظهر عدة تقسيمات للاعتراف، فقد ينشأ الإعتراف عند ضبط الفاعل متلبسا بجريمته، و يقصد به الإعتراف الضمني، و قد ينشأ بمجرد الإقرار بالجرم الذي إرتكبه الشخص، و قد يستنتج من صمت المتهم أثناء استجوابه و مناقشته بالتهمة الموجهة له، و قد يكون قضائيا إذا صدر من المتهم أمام القاضي، وقد يكون غير ذلك إذا صدر من المتهم أمام جهة غير قضائية كأن يصدر أمام الشرطة، و قد يكون كاملا إذا صدر من شخص يقر فيه بصحة التهمة الموجهة له بكاملها، كما قد يكون جزئيا إذاأقر فيه الشخص بارتكاب الجريمة في أحد أركانها دون الأخرى، ذلك بخلاف التفرقة التي يقررها القانون المدني للإقرار بأقسامه المختلفة المتمثلة في الإقرار البسيط والإقرار الموصوف والإقرار المركب.
    إلا أن ما يفيد دراستنا في هذا الصدد هو تقسيم الإعتراف من حيث الجهة التي يصدر أمامها، و من حيث تعلقه بكل الوقائع الإجراميةأو تجزئته.
    أولا: الإعتراف القضائي و الإعتراف غير القضائي
    إن الاعتراف إما أن يكـون اعترافا قضائـيا Aveu judiciaire أو اعتـرافا غيـر قـضائي
    Aveu extra judiciaire، فالاعتراف القضائي هو ما يصدر من المتهم أمام قاضي التحقيق أو المحكمة أو المجلس القضائي ، أما الغير القضائي فهو ما يصدر أمام جهة غير قضائية، كما إذا صدر أمام قضاة النيابة أو رجال الشرطة، و السؤال المطروح في هذا الصدد هو هل يعد الاعتراف الصادر من المتهم أمام النيابة اعترافا قضائيا أو غير قضائي؟
    ذلك ما أجابت عنه المحكمة العليا في قرارين لها، الأول جاء فيه4 ، كونه لم يكن مدلا به أمام القاضي:حيث أن إعتراف الزوجة كان واردا في التحقيق الأولي و المحتفظ به، و لكنه لا يشكل الإعتراف القضائي الوارد بالمادة 341 من قانون العقو باتو جاء في القرارالثاني: لما كان ثابت في قضية الحال أن قضاة الاستئناف أدانوا الطاعن تأسيسه على اعترافه بالمشاركة في الزنا أثناء تحقيق الشرطة و أماموكيل الجمهورية .
    إذن يستشف من هذين القرارين أنه يكفي أن يدلي بالاعتراف أمام القاضي بغض النظر عن صفته لكي يكون قضائيا شرط أن يكون ذلك أثناء نظر الدعوى موضوع المتابعة الجزائية، و للمحكمة أن تأخذ به متى اطمأنت إلى صحته و مطابقته للحقيقة، و إن كان في الأصل لا يعد اعتراف قضائي باعتبار أن النيابة سلطة اتهام و خصم في الدعوى الجزائية ،إلا أنه بالرجوع لأحكام المادة 224 من قانون الإجراءات الجزائية، يتبين أن لوكيل الجمهورية الحق في توجيه الأسئلة مباشرة للمتهم أثناء المحاكمة وإعتراف المتهم اعند إجابته عن هذه الأسئلة أمامه يعد اعترافا قضائيا، كما أن اعتراف المتهم أمام وكيل الجمهورية عند استجوابه في حالة التلبس عملا بأحكام المادة 59 من قانون الإجراءات الجزائي يعد اعتراف قضائي .
    أما الاعتراف الغير القضائي هو ما يصدر من الشخص المشتبه فيه أمام الضبطية القضائية ، أو ما يدلى به أمام أحد الأشخاص ، أو ما يرد في الرسائل ،أو ما هو وارد في التسجيل الصوتي ، أو ذلك الإعتراف الذي يصدر من أحد الخصوم أمام قاضي شؤون الأسرة أو القاضي التجاري أو القاضي المدني فمثل هذا الإعتراف الصادر أمام القاضي غير القاضي الذي ينظر في الدعوى الجزائية لا يعد إعتراف قضائي، ويخضع مثل هذا الإعتراف كقاعدة عامة لمبدأ حرية القاضي الجزائي في تكوين قناعته ، فله كامل الحرية في تقدير قيمة الإعتراف سواء كان قضائي أو غير قضائي ، وليس هناك ما يمنع من أن يكون الإعتراف غير القضائي دليلا في الإدانة لأنه لا يخرج من كونه دليلا في الدعوى يخضع لتقدير القاضي كباقي الأدلة،وإلا بما ذا نفسر الإقرار الوارد في الرسائل والمستندات كدليل لاثبات جريمة الزنا طبقا للمادة 341 من قانون العقوبات ، وكل ما في الأمر أن الإعتراف غير القضائي لا يكفي وحده ما لم تسانده أدلة إثبات أخرى أو أن يؤكده المتهم أمام المحكمة ، وان قيمته كدليل إثبات تتوقف على الثقة في السلطة التي صدر أمامها الإعتراف ، وكونه يخضع تقديره إلى سلطة القاضي فقد يحكم هذا الأخير بالإدانة دون الأخذ بعين الاعتبار إعتراف المتهم ، كما له أن يقضي ببراءته رغم وجود الإعتراف.
    الفرع الثاني : الاعتراف الكامل و الاعتراف الجزئي
    الاعتراف الكامل هو الذي يقر فيه المتهم بصحة إسناد التهمة إليه كما وصفتها سلطة الإتهام أو التحقيق ، ويكون كذلك إذا انصب على ارتكاب الجريمة بجميع أركأنها وظروفها كإتهام شخص بجنحة التزوير واستعمال المزور ، فيعترف بأنه قام بعملية التزوير لاستعمال المزور ، أو إتهام شخص بجناية القتل العمدي ، فيعترف بأنه أزهق روح الضحية عمدا .
    أما الإعتراف الجزئي لا يكون إلا إذا اقتصر المتهم في إقراره على إرتكاب الجريمة في ركنها المادي نافيا بذلك مسئوليته الجزائية لانعدام القصد الجنائي ، أو أن يعترف بأنه شارك في إرتكاب الجريمة بالمعاونة دون قيامه بإرتكاب السلوك الإجرامي المنسوب إليهكما قد يعترف المتهم بإرتكاب جريمة لكن في صورة أخف من صورة الوقائع المنسوبة إليه خلافا للوصف القانوني للجريمة كأن توجه للشخص المتهم تهمة جناية القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد ، فيعترف بأنه قتل فعلا دون أن يعقد العزم على إزهاق روح الضحية أو انتظارها في مكان إرتكاب الجريمة كون التهمة المتابع بها اخطر مما يعترف به .
    وما دام أن الأصل في المسائل الجزائية بخصوص جوازيه تجزئة الإعتراف، فان القاضي الجزائي إذا اتجهت قناعته نحو تجزئة إعتراف المتهم فيجوز له ذلك عملا بمبدأ حرية القاضي في تقدير قيمته هذا ما أكدته المحكمة العليا في قرارها على أن.... أما في المواد الجزائية فلقضاة الموضوع الحرية المطلقة في تقدير قيمة الإعتراف بحيث يجوز لهم أن يأخذوا بجزء منه ويتركوا الجزء الآخر شريطة أن يكون الجزء الذي اطمأنوا إليه يؤدي منطقيا إلىإدانة المتهم.
    المبحث الثاني : أركـان الاعتراف
    من العناصر اللازمة لوجود الاعتراف هي أن يصدر من المتهم نفسه ، وان يكون موضوعه الواقعة الإجرامية ذاتها ، ومن شأنها أن تقرر مسؤولية المتهم الجزائية أو تشديدها .
    المطلب الأول : صدور الإعتراف من المتهم نفسه :
    الاعتراف هو قول صادر من المتهم بصحة إرتكابه للوقائع المكونة للجريمة كلها أو بعضها وهو بذلك يختلف عن الشهادة التي يدلي بها الشخص بما رآه أو سمعه عن الجريمة أو فاعلها سواء في مقام الإثبات أو النفي، مع ملاحظة أنه إذا انصب اعتراف المتهم حول مسائل صدرت عن الغير ،يكون المعترف في موقف الشهادة على الغير وليس إعتراف ، وما دام أن هذا الأخير يعتبر وسيلة للإثبات في الدعوى فهو في الوقت ذاته وسيلة للمتهم قصد الدفاع عن نفسه على التهمة الموجهة إليه، ويبدو أن هذا الركن الواجب توفره ذو أهمية بالغة في الإعتراف بالنظر إلى بعض الإشكالات التي تؤثر على الشخص المعترف وانطلاقا منها يثور التساؤل من الناحية العملية في مدى اعتبار إعتراف متهم على متهم آخر إعترافا بالمعنى الصحيح ، وهل أن تسليم محامي المتهم بالتهمة المنسوبة إلى موكله يعد اعترافا ؟.
    ذلك ما سنجيب عليه من خلال ما قررته المحكمة العليا من إجتهادات في هذا الصدد على النحو الآتي :
    الفرع الأول : اعتراف متهم على متهم آخر
    قد ينصب اعتراف المتهم عند استجوابه إلى ذكر أمور صدرت من متهم آخر كما لو ذكر بان هذا الأخيرقد اشترك معه في إرتكاب الجريمة،أو كان فاعلا اصليا معه ،فإن مثل هذا القول لا يعد إعترافا لأن الإعتراف في معناه السليم هو إقرار الشخص بواقعة ينسبها إلى نفسه تكون حجتها قاصرة عليه ، أما الأقوال الصادرة منه على متهم آخر فهي في حقيقتها ليست إلا شهادة متهم على متهم آخر، غير أنه بالرجوع إلى الشهادة كدليل إثبات نجد أن لها شروطها الخاصة مثل أداء اليمين قبل الإدلاء بالشهادة ، وان الشاهد يدلي بما رآه أو سمعه عن الجريمة وفاعلها ، بينما في الإعتراف نجد أن المتهم هو من يقر على نفسه بارتكابه للجريمة، كما أن المتهم الذي يعترف على أن المتهم الآخر هو من إرتكب الجريمة معه لا يؤدي اليمين عند الإدلاء بأقواله .
    وعليه فإنه يمكن اعتبار أقوال متهم على متهم آخر مجرد قرينة بسيطة تقبل إثبات العكس ، لأنه كثير من الأشخاص يصبحون ضحية إعترافات القصد منها التشهير بهم ، أو الأنتقام منهم ،كما لو أقر كل متهم على آخر بإرتكاب الجريمة في نفس الجلسة فأنه يتعين أن يكون لكل متهم محامي لتفادي تعارض مصلحة كل متهم لأنه في بعض الأحيان عند قيام المحامي بالمرافعة في حق متهمين اثنين يعترف كل منهما على آخر في نفس القضية مع قيام هذا التعارض ، فان هذه المرافعة تكون قد أخلت بحق الدفاع.
    قد تصدت المحكمة العليا بشأن هذا التساؤل في قضائها بما يلي " إن الإقرار يصح كدليل إثبات على صاحبه ولا يمتد أثره إلىالشريك في جريمة الزنا"
    بينما قضت في قرار آخر برأي مخالف : " إستقر القضاء في شأن وسائل الإثبات أن للمحكمة الجزائية حرية تقدير وسائل الإثبات التي اطمأنت إليها ، في نطاق اجتهادها المطلق ، ولها أن تستند على كل حجة لم يحجر القانون ولاشيء يمنع قانونا القاضي الجزائي من الاستناد لأقوال متهم واتخاذها حجة على متهم آخر وهو ما وقع في القضية الراهنة "*على غرار ما قضت به محكمة النقض المصرية بشان هذه المسالة على أن : " للمحكمة أن تستند في إدانة متهم إلىأقوال متهم آخر بما لها من كامل الحرية في تكوين عقيدتها من كافة العناصر المطروحة أمامها ما دام قد اطمأن وجدأنها إلىهذه الأقوال".
    ثانيا : تسليم محامي المتهم بالتهمة المنسوبة إلى موكله
    يشهد الواقع العلمي في بعض الأحيان أن يقوم محامي المتهم أثناء مرافعته أمام المحكمة أن يسلم بالتهمة المنسوبة إلىموكله ويعترف صراحة خلال المرافعة بان المتهم ارتكب فعلا الجريمة المتابع بها رغم أن الإعتراف في حقيقته مسالة شخصية تتعلق بشخص المعترف نفسه دون سواه مما يجعلنا نتساءل عن مدى اعتبار الإعتراف الصادر من دفاع المتهم أثناء المرافعة إعترافا بالمعنى السليم ؟
    قد ينكر المتهم حين استجوابه بما ينسب إليه من وقائع توصف أنها جريمة من أول وهلة ثم عند بداية دفاعه بالمرافعة يصرح أن موكله هو من ارتكب الوقائع المنسوبة إليه ، فلا يعتبر هذا التصريح إعترافا ، لأن المتهم إذا رأى أن يلجأ إلىالأنكار كمظهر من مظاهر الدفاع عن نفسه فله ذلك ، كما أن المتهم إذا رأى أن يكذب على المحكمة ، أو أن يذكر وقائع غير صحيحة فله ذلك ، وإذا اكتشفت المحكمة أن المتهم يكذب عليها فلا
    يجوز لها متابعته بجنحة قول الزور ، لأن كذبه في هذه الحالة هو نوع من الدفاع عن نفسه.
    ومن ثم فإعتراف المحامي على المتهم حتى وان كان نوع من الاستراتيجية التي يلجأ إليها الدفاع ليبني مرافعته عليها قصد تخفيف أثار التهمة عن موكله أو جلب له عاطفة هيئة المحكمة حتى ولو لم يعترف عليه المتهم لا يعتبر إعترافا منجانبه ولا يجوز للقاضي أن يستند إلىهذا النوع من الإعتراف لإدانة المتهم لأن أقوال دفاع المتهم أثناء المرافعة المتعلقة بصحة إسناد التهمة إلىموكله لا تعتبر دليلا من الأدلة المعروفة في الدعوى ولا ترقى إلى مرتبة الإعتراف كدليل إثبات باعتبار أن المحكمة وان أخذت بهذه الأقوال ضمنيا في تكوين القناعة بإدانة المتهم الذي أنكر التهمة المنسوبة إليه والتي اعترف بها دفاعه في المرافعة فلا يجوز لها أن تسبب حكم الإدانة بناء على إنكار المتهم وإعتراف المحامي مكأنه انطلاقا من الأصل في الإعتراف أنه إقرار الشخص على نفسه لا يجوز أن يمتد لغيره .

    يتبــــع ...






    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 6322
    نقاط : 17825
    تاريخ التسجيل : 28/06/2013
    العمر : 33

    عنوان المذكرة : الاعتراف Empty رد: عنوان المذكرة : الاعتراف

    مُساهمة من طرف Admin الخميس أغسطس 08, 2013 1:17 am



    المطلب الثاني :تعلق موضوع الإعتراف بالواقعة الإجرامية

    لكي يعتد بالإعتراف الصادر من المتهم نفسه يجب أن يكون موضوعه الوقائع المكونة للجريمة كلها أو بعضها ، فالإقرار ببعض الوقائع التي لا تتعلق بالجريمة ،لا يعتبر إعترافه ومثل هذا النوع من التصريحات لا تحول دون أن تستند إليها المحكمة لاثبات ظروف الجريمة وملا بستها ولا تكون لها قيمة الدليل ولو كانت ذات صلة وثيقة بالفعل الإجرامي على نحو يستطيع معه القاضي يستمد منها اقتناعه على إرتكاب المتهم لهذا الفعل ولا يعني ذلك أن يلتزم القاضي بنص الإعتراف وظاهره ، إنما يكون له استنباط الحقيقة التي يصل إليها بطريق الاستنتاج ما دام أنه سليما ومتفقا مع حكم المنطق،ولا يعتبر إعترافا إقرار المتهم بصحة التهمة المسندة إليه ، ما لم يقر صراحة بإرتكابه الأفعال المكونة لها ،فلا شأن للمتهم بالوصف القانوني للواقعة إذا أنه عملية ذهنية يقوم بها القاضي لتحديد الوصف القانوني التي تندرج تحته بعض الوقائع ومثال ذلك لو اعترف المتهم للمحكمة بأنه كان على علاقة غير مشروعة بالمجني عليه دون أن يعترف بقتلها ثم استخلصت المحكمة من أدلة أخرى أن هذا المتهم هو الذي ارتكب جريمة القتل ، فللمحكمة أن تستعد إلىإقراره بأنه كان على علاقة غير مشروعة بالمجني عليها كباعث على قتلها دون أن تعتبر ذلك إعترافا بالمعنى القانوني أو كأن يعترف المتهم بواقعة لها علاقة بموضوع المتابعة الجزائية ، كالإقرار بالضغينة بين شخص المعترف والمجني عليه أو بوجوده في عين المكان الذي وقعت فيه الجريمة قبل أو بعد وقوعها
    أو كأن يقول المتهم الذي ضبط السلاح في بيته أن شخصا آخر قد وضعه في مكان ضبطه غفلة منهأو كمن توجه له تهمة التسول ويعترف بأنه يحترف الغناء كفن شعبي ويرتزق مما يعطيه له من يسمعون الغناءمثل هذه الأقوال لا تعد إعتراف كون أنها لا تعد في حد ذاتها وقائع إجرامية وإنما لها علاقة بالجريمة
    وعلى هذا يشترط أن ينصب الإعتراف على الواقعة التي يجرمها القانون بذاتها وليس على ملابسات الجريمة وظروفها المحيطة بها ، والتي قد يستفاد منها لأن تكون أدلة موضوعية لا تكفي للإدانة إلا إذا عززتها أدلة إثبات أخرى فالإعتراف الوارد على الواقعة الإجرامية المسندة إلىالمتهم يجب أن لا تحمل مواصفات لا يرتب عليها القانون الآثار المتعلقة بالتجريم والعقاب ، ومن ناحية أخرى ، يشترط في الإعتراف أن ينصب على الوقائع التي ارتكبها المتهم فعلا ، فلا يعتبر إعترافا ما يصدر عن المتهم بشأن ما يعتزم إرتكابه من أفعال في المستقبل حتى ولو وقعت هذه الأفعال بعد ذلك، ففي هذه الحالة يلتزم للقول بحصول الإعتراف أن يقر المتهم أن تلك الأفعال قد صدرت عنه بالفعل ، وهذا الأخير هو الذي يعتبر إعترافا.
    المطلب الثالث : تقرير الواقعة الإجرامية لمسؤولية المتهم

    يتعين أن يكون موضوع الإعتراف يتعلق بواقعة إجرامية ،وان تكون هذه الواقعة موضوع الإعتراف ذات أهمية في الدعوى ، وهي تكون كذلك إذا كانت تتصل بإرتكاب الجريمة ونسبتها إلىالمتهم ويتعين أن يكون من شأن الواقعة موضوع الإعتراف تقرير مسؤولية المتهم أو تشديدها،أما يعترف به المتهم الذي ثبت إنسان الجريمة إليه في شأن واقعة يترتب عليها نشوء سبب إباحة لمصلحته أما مانع عقاب أو سبب تحقيق فهو ليس إعترافا وإنما هو دفع.

    فقد يصدر من المتهم عند استجوابه إعتراف بأنه ارتكب جريمة نتيجة دافع أدى به إلىإرتكابها لكن الأصل أن الدافع مهما كان شريفا فأنه لا يبرر الإجرام وذلك فان الدافع أو الباعث إلىإرتكاب الجريمة لا ينفي مسؤولية إلا إذا نص القانون صراحة على ذلك كأن يقرن المتهم إعترافه بظروف بوقائع إذا صحت فأنها قد تبيح الفعل كما هو الحال في أسباب الإجابة أو الأفعال المبررة فقد تنتفي مسؤولية الشخص المدافع عندما يرتكب القتل أو الجرح أو الضرب لدفع اعتداء على حياة الشخص أو سلامة جسمه أو لمنع تسلق الحواجز أو الحيطان أو مداخل المنازل أو المسكونة أو توابعها أو كسر شيء منها أثناء الليل لأن القانون يعتبر الفاعل في هذه الصور في حالة دفاع شرعي.

    وقد يكون الدافع على إرتكاب الجريمة التي اعترف بها الشخص على نفسه يؤدي إلىتخفيف العقوبة وهذا ما إستقر عليه قضاء المحكمة العليا حين قرره ، تعتبر التشريعات الحديثة الاستفزاز عذرا مخففا في صور خاصة إذا استعمل المتهم القوة وهو مدفوع بعامل الغضب أو الهيجان ضد من أراد الاعتداء عليه ، فقانون العقوبات يعتبر الاستفزاز عذرا مخففا في جرائم القتل أو الجرح أو الضرب إذا كان الدافع على إرتكابها وقوع إيذاء شديد من أحد الأشخاصأو دفع تسلق أو ثقب أسوار أو تحطيم مداخل المنازل أو الأماكن المسكونة وملحقاتها إذا حدث ذلك أثناء النهارأو مفاجأة أحد الزوجين الزوج الآخر وهو متلبس بالزنا أو وقوع هتك عرض بالعنف.

    كما قد يعترف المتهم بإرتكابه الجريمة في ظروف معينة تمنعه من تحمل مسئوليته الجزائية كما هو الحال في موانع المسؤولية في حالة الجنون أو الإكراه أو صغر السن، وما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد هو أن المشرع الجزائري أو ورد في بعض النصوص القانونية حكم خاص بإعفاء المتهم من العقوبة إذا أخبر أو بلغ أو اعترف بواقعة إجرامية على نفسه أو غيره بشروط معينة .

    لأن المتهم في بعض الحالات قد يعترف بإرتكابه وقائع توصف بأنها جريمة يعاقب عليها القانون لكن من شأن هذا الإعتراف أن يؤدي بالمعترف إلىاستفادته من عذر معفي للعقاب وبالتالي يصبح الإعتراف كعذر معفي من العقاب وذلك ما سنتعرض له بالتفصيل في الفصل الثاني .
    إذن يعد هذا الركن من أهم العناصر اللازمة لوجود الإعتراف بحيث لا يكفي أن يقترن موضوعه بالواقعة الإجرامية فحسب ،بل يتعين أن تقرر مسؤولية المتهم الذي يصدر منه الإعتراف بإرتكاب الجريمة أو تشديدها ولا يكون مجال الإفادة المعترف بسبب من أسباب الإباحة أو مانع من موانع المسؤولية أو بظرف من الظروف المعفية أو المخففة للعقوبة.
    المبحث الثالث : شـروط صـحة الإعتراف
    تجتمع شروط صحة الإعتراف في فكرة أساسية ،مضمونها أن الإعتراف تعبير عن إرادة الإفصاح بمعلومات وقبول النتائج التي تترتب على اقتناع القاضي بفحوى هذه المعلومات ، ومن ثم تعين أن تكون هذه الإرادة سليمة لكي يعتد بها القانون كمصدر لدليل قانونيوفي ضوء هذه الفكرة يتعين أن تتوافر في الإعتراف شروط ثلاثة متى توافرت جميعها كان إعتراف الشخص صحيحا ،وللمحكمة السلطة التقديرية في تقدير قيمته والأخذ به متى اطمأنت إليه ، أما إذا لم يستكمل عناصر صحته ، فعلى المحكمة أن تستبعده ولا تستند إليه في قضائها ، وهذه الشروط هي الأهلية الإجرامية للمعترف (مطلب أول ) والإرادة الحرة للمعترف (مطلب ثان ) ووضوح لإعتراف ومطابقته للحقيقة (مطلب ثالث ) .
    المطلب الأول : الأهلية الإجرامية للمعترف
    تعرف الأهلية الإجرامية بأنها أهلية الشخص في مباشرة نوع من الإجراءات على نحو يعتبر هذا الإجراء صحيحا وينتج أثاره القانونيةويعتد فيها توافر الإدراك والتمييز دون اشتراط حرية الاختيار بخلاف الأهلية الجزائية التي تتمثل في مدى قدرة الشخص على توجيه إرادته نحو إرتكاب الجريمة التي تعد أساس مسئوليته الجزائية ، وعناصر هذه الأهلية هي الشروط التي يوجبها القانون للاعتداء بإرادة الجاني المتمثلة في الإدراك والتمييز وحرية الاختيار .
    فالأهلية الواجب توافرها في المعترف هي الأهلية الإجرائية التي تقوم على عنصرين أساسيين هما :
    أولا : أن يكون المعترف متهما بإرتكاب الجريمة .
    يشترط القيام الأهلية الإجرائية للمعترف أن يكون وقت إعترافه متهما بإرتكاب الجريمة ، ولا يتأتى ذلك إلا بعد توجيه الإتهام إليه عن طريق تحريك الدعوى العمومية ضده قبل أن يصدر منه الإعتراف فهو الطرف الثاني في هذه الدعوى سواء باتخاذ أحد إجراءات التحقيق القضائي أو بتكليفه بالحضــور أمام المحكمةفإن الإعتراف الصادر من الشخص قبل تحريك الدعوى العمومية ضده لا يعد إعترافه بالمعنى الصحيح ومثال ذلك إعتراف شخص أثناء سماعه كشاهد في الدعوى ، فهذا الإعتراف لا يؤخذ به ضد هذا الشخص إلا بعد توجيه الإتهام إليه ، كما أن الإعتراف الصادر من المشتبه فيه خلال مرحلة البحث والتحري لا يعد إعترافا باعتبار أنه صدر من شخص لم يوجه إليه التهام قانونا إلا أن ذلك لا يعني إهذار مثل هذه الإعتراف بل يعد على سبيل الاستدلال يمكن للمحكمة أن يعتمد عليه إذا تعزز بأدلة إثبات أخرى في الدعوى وكان مطابقا للواقع .
    فالمتهم هو إذا توافرت ضده أدلة قوية وكافية لتوجيه الإهتمام إليه وبالتالي تحريك الدعوى العمومية ضده ، أما عن الشرط الواجب توافرها في المتهم هو أن يكون شخصا طبيعية موجودا باعتبار أن الدعوى الجزائية شخصية وهذه نتيجة حتمية لشخصية العقوبة، كما أنه لا يعقل أن توجه إجراءات الدعوى ضد شخص متوفى، فان حدثت الوفاة قبل تحريك الدعوى العمومية تعين إصدار أمر بحفظ الملف أما أن حدثت أثناء سيرها أمام المحكمة قضت بانقضائها، ويجب أن يكون المتهم معينا بالذات في مرحلة المحاكمة أما قبلها لا يشترط أن يكون المتهم معينا بالذات فقد يكون مجهول لم يكشف بعد التحري أو التحقيق عن شخصه ، ويتعين أن يكون المتهم هو من ارتكب الجريمة سواء بصفته فاعلا أصليا أو شريكا أو محرضا كون المسؤولية الجنائية لا تترتب على أفعال الغير خلافه للمسؤولية المدنية ومن جهة أخرى فان الإعتراف لا يكون صحيحا إلا إذا صدر عن المتهم بعد علم المتهم بموضوع الإتهام ،والمتهم لا تكون له هذه الصفة إلا إذا تحددت هويته ، ولذلك أوجب القانون على كل قاضي التحقيق حسب المادة 100 من قانون الإجراءات الجزائية ، ومن قاضي الموضوع حسب المادتين 271 و288 من نفس القانون ، ومن محكمة الجنايات حسب المادة 271 من نفس القانون، ومن وكيل الجمهورية في حالة التلبس حسب المادة 59 من نفس القانون ، ومن قاضي الأحداث حسب المادة 453 من نفس القانون ، التحقق من هوية المتهم ثم إحاطته علما بالتهمة المنسوبة إليه ، وتظهر أهمية هذه الإحاطة في أن الإعتراف لا يكون صحيحا إلا إذا صدر من المتهم بعد علمه بموضوع الإتهام أو الوقائع المنسوبة إليه ، ولا شك أن المتهمله الحق في معرفتها قصد الدفاع عن نفسه والاستعانة بما يراه مناسبا.
    ثانيا : توافر الإدراك والتمييز وقت الإدلاء بالإعتراف
    لكي تكتمل الأهلية الإجرائية للمعترف ، يجب أن يكون المتهم الذي صدر منه الإعتراف متمتعا بالإدراك أو التمييز وقت إدلائه بهذا الإعتراف من أجل القدرة على فهم ماهية أفعاله وطبيعتها ، وتوقع أثارها، وعلى ذلك لا يتمتع بكامل هذه الأهلية كل من المجنون والصغير والسكران ، ولا صعوبة في اشتراط التمييز لصحة الإعتراف من الناحية العلمية ، إذ لا شك في أنه إذا ثبت أن المتهم كان يعاني في وقت الإدلاء بالإعتراف من جنون أو كان في حالة سكر فلا يبقى لهذا الإعتراف قيمة ثبوتية ، وللقاضي الجزائي السلطة التقديرية في أبعاد مثل هذا الإعتراف نتيجة انتفاء التمييز لدى المعترف .
    أولا : إعتراف المجــنون
    عرف جانب من الفقه الجنون بأنه حالة الشخص الذي يكون عاجزا عن توجيه تصرفاته على صورة صحيحة بسبب توقف قواه العقلية عن النمو أو انحرافها أو انحطاطها بشرط أن يكون ذلك في نطاق الحالات المرضية المعينةيعد الجنون مانع من موانع المسؤولية الجزائية إذا نصت المادة 47 من قانون العقوبات أن " لا عقوبة على كل من كان في حالة جنون وقت إرتكابه الجريمة " ، وواضح من هذا النص أن المجنون لا يسأل جزائيا لعدم أهليته في تحمل المسؤولية الجزائية لفقده الإدراك والتمييز وقت إرتكابه الجريمة بشرط ان يكون الجنون تاما ، وبإسقاط هذا النص على الشخص الذي يصدر منه الإعتراف وهو في حالة جنون فهل يكون مثل هذا الإعتراف إعترافا صحيحا يعتد به في مجال الإثبات الجزائي ؟
    فإذا كان القانون لا يعاقب الشخص الذي يرتكب جريمة وهو في حالة جنون ، فمن باب أولى أن يستبعد الإعتراف الصادر منه إذا كان وقت إدلائه به في حالة جنون ، إلىأنه يبقى تقدير حالة المتهم العقلية ومدى تأثيرها على المسؤولية الجزائية من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها ، وما دام أن موانع المسؤولية الجزائية هي من قبيل الدفوع التي يقع عبئ اثارتها والتمسك بها واثباتها على عاتق المتهم ، فان الدفع بعدم صحة الإعتراف يقع عبئ اثارته واثباته على عاتق المتهم المعترف أو دفاعه وعلى القاضي أن يتأكد من حالة المتهم المعترف الذي أدلى بإعترافه وهو في حالة جنون ومن خلال ما لحظناه على مستوى التدريب الميداني في جلسات الجنح أو الجنايات على خصوص ان المتهم قد تصدر منه تصرفات غير عادية أثناء مواجهته بأدلة الإثبات واستجوابه عن التهمة المنسوبة إليه قصد تظليل المحكمة وإثارة نوع من الشك في قناعتها لاستبعاد الإعتراف الصادر عنه نتيجة طريقة الإدلاء به والمنأورات التي استعملها المتهم المعترف .وانطلاقا من هذا ، فان حالة الجنون تنفي الأهلية الإجرائية للمعترف ، وهي من بين الدفوع التي يقع عبئ اثارتها واثباتها على المتهم المعترف ، إذا سلمنا بتطابق ذلك بما ورد في المادة 47 المذكورة سالفا على اعتبار أن الجنون مانع من موانع المسؤولية الجزائية ،وهذا ما إستقر عليه قضاء المحكمة العليا حين قرر :" لا يجوز للطاعن أن يتمسك بهذا الدفع للمرة الأولى أمام المحكمة العليا متى ثبت من التحقيقات التي أجريت في الدعوى ومن محضر المرافعات أن المتهم لم يكن مصابا بأي مرض عقلأني وأن الدفاع لم يثر هذه المسالة أمام قضاء الموضوع حتى يقولوا كلمتهم فيها"
    ثانيــا : إعتراف الصغـــير
    إذا كان القاصر الذي لم يبلغ التاسعة عشرة سنة لا يعتد به لعدم اهليته في مباشرة الحقوق المدنية ، ولا يمكن الاحتجاج به قبل المقر الا فيما هو مأذون به من التصرفات القانونية ، فان الإعتراف الذي يصدر من المتهم الحدث الذي يقل سنه عن الثانية عشرة سنة لا يعتد به لعدم تمييزه تمييزا صحيحا كون أنه غير ناضج عقلا ، وبالتالي تنعدم لديه القدرة العقلية التي تستند إليها حرية الاختيار بالنظر إلىما قرره المشرع الجزائري بالنسبة للاحداث التي تقل اعمارهم عن الثالثة عشر سنة لا توقع عليهم عقوبات اطلاقا ، أما الإعتراف الصادر عن الحدث الذي يكون سنه ما بين الثالثة عشر والثامنة عشر سنة فهو إعترافا ناقصا لنقص اهليته الجزائية ، وهذا ما جعل المشرع الجزائري يراعي هذا الامر، ومن ثم فان مثل هذا الإعتراف يقع على قاضي الاحداث عبئ تقديره ، كما يقع عليه عبئ فحصه فحصا دقيقا للتأكد من صحته أولا ولمطابقته للحقيقة الواقعية ثانيا ، ولقصد الحدث ثالثا ، ولمدى فهم الحدث المعترف لطبيعة إعترافه رابعا
    ثالثـــا : إعتراف السكـــران
    يعتبر السكر من العوامل التي تفقد الشعور والإدراك وتضعف سيطرة الشخص على ملكة الأنتباه لديه ، والسكران هو كل شخص تنأول مشروبات كحولية أو نباتات مخدرة أو أدوية مخدرة أو مواد أخرى تؤدي إلىفقد الشعور والإدراك فإذا اعترف المتهم وهو في حالة سكر وقت الإدلاء بإعترافه وكان فاقد الشعور لا يعتد به لأنعدام الإدراك أو التمييز لديه ، أما إذا كان المتهم في حالة سكر ولم يكن فاقدا للشعور وقت الإدلاء بإعترافه فان هذا الإعتراف يكون صحيحا لأن العبرة بالإدراك أو التمييز ، ولكن لا يجوز للمحكمة أن تكتفي به وحده بل لا بد من توافر أدلة إثبات أخرى تعززه .وما دام أن الإعتراف الذي يصدر من المتهم وهو في حالة سكر فاقد التمييز وقت الإدلاء بإعترافه أثناء الاستجواب يعد إعترافا باطلا لا يمكن الاستناد إليه في تكوين القناعة لفقدان الشعور والإدراك يتعين أن يترك المتهم السكران حتى يفيق من حالته غير الطبيعية للإدلاء بأقواله ، وفي غالب الأحيان من الناحية العملية نجد مثل هذه الحالة في مرحلة البحث والتحري عند سماع المشتبه فيه من طرف الضبطية القضائية مباشرة بعد إرتكابه الجريمة وهو في حالة سكر يتم سماعه في الحال بعد إلقاء القبض عليه ، ففي هذه الحالة يترك المشتبه فيه حتى يفيق من سكره من اجل الإدلاء بأقواله
    المطلب الثاني : تمـتع المعـترف بإرادة حــرة
    يقصد بالإرادة الحرة قدرة الشخص على توجيه نفسه إلىعمل معين أو إلىالامتناع عنه ، وهذه القدرة لا تتوفر لدى الشخص إلا إذا انعدمت المؤثرات الخارجية التي من شأنها أن تعيق الإرادة فيجب ان يكون الشخص المعترف قد أدلى بإعترافه وهو في كامل إرادته ووعيه بعيدة عن كل ضغط من الضغوط المعنوية أو المادية التي تعيبها أو تؤثر فيها، فأي تأثير يقع على المتهم أثناء استجوابه لأنتزاع منه الإعتراف بما نسب إليه من إتهام يعيب إرادته وبالتالي يبطل إعترافه، أما إذا صدر الإعتراف من المتهم باختياره وهو في كامل إرادته دون أي تأثير ،فأنه يعتد به كدليل إثبات يستند إليه القاضي في إصدار حكمه لأنه لا عبرة بالإعتراف ولو كان صادقا متى صدر من المعترف نتيجة إكراه مادي أو معنويوبالتالي يتعين أن تكون إرادة المعترف حرة ، فيكون باطلا الإعتراف الذي أنتزع من المتهم عن طريق استعمال العنف أو إرهاق المتهم بالاستجواب المطول ،أو بإعطاء وعد أو استعمال التهديد أو تحليف المتهم اليمين أو استعمال الخداع والحيلة ، ويشترط الاستبعاد الإعتراف الذي يصدر من المتهم خلال استجوابه نتيجة استعمال إحدى هذه الرسائل غير المشروعة أن تكون هناك علاقة سببية بين إحدى هذه الوسائل وبين الإعترافأما إذا تبين للقاضي بان هذه العلاقة منعدمة فلا جناح عليه أن يستند على هذا الإعتراف في إصدار حكمه وقد أوصى المؤتمر الدولي السادس لقانون العقوبات بروما عام 1903 على أنه لا يجوز التحاليل أو استخدام العنف أو الضغط كوسيلة لأنتزاع إعتراف المتهم ، كما أوصت لجنة حقوق الأنسان بهيئة الأمم المتحدة في دراسة لها أنه لا يجوز أن يخضع أي شخص مقبوض عليه أو محبوس لإكراه مادي أو معنوي أو الغش وحيل خداعية أو الإيحاء أو الاستجوابات المطولة أو عقاقير مخدرة أو أي مواد أخرى تشمل حريته في التصرف أو تؤثر في ذاكرته أو تمييزه ، وكإقرار يتم الحصول عليه بواسطة هذه الرسائل يكون غير معقول
    ولذلك يستوجب استبعاد الإكراه بكل صوره المختلفة التي تستعمل من اجل انتزاع الإعتراف من المتهم التي تؤثر سلبا على إرادة المعترف وحريته في الاختيار ، والتي من شأنها أن تؤدي به إلىالإدلاء بأقوال لم يكن يريد الإدلاء بها لو كان متمتعا بإرادة حرة .
    ولكن لا يعتبر من قبيل الإكراه خشية المشتبه منه ضابط الشرطة ولا المتهم من قاضي التحقيق وبالتالي لا يعد مثل هذا الإعتراف الصادر عن كل واحد منهما نتيجة الخوف التلقائي من الحجز تحت النظر أوالوضع رهن الحبس المؤقت ونظرا لأهمية هذه المسالة ، سنتولى بيان صور الإكراه المختلفة سواء أكان ماديا أم معنوي .
    أولا : صـور الإكـراه المــادي
    من أهم صور هذه الإكراه هي العنف أو التعذيب والاستجواب المطول .
    1- العنف أو التعذيب :
    وهو عبارة عن فعل مادي يقع على شخص فيه مساس بجسمه كاستعمال الكهرباء أو انتهاك العرض ، أو الحرمان من الطعام ....)) ويعد التعذيب من بين الوسائل التي استخدمت منذر من بعيد من إجراءات التحقيق لا سيما عند الاستجواب ، والقصد منه حمل المتهم على الإعتراف بما نسب إليه من إتهامات على نفسهفإذا وقع على الشخص أي عنف أو تعذيب بقصد انتزاع الإعتراف منه كان هذا الأخير باطلا يتعين استبعاده في مجال الإثبات الجزائي ، لأن من يدلي بأقواله نتيجة استعمال التعذيب تكون إرادته معيبة ، وتعذيب المتهم لحمله على الإعتراف من اخطر الوسائل التي تمس كرامة الأنسان ، وهو عبارة عن إجراء يظلل به المحكمة ذلك يتقدم متهم أمام المحكمة بدون دليل أو بدليل غير مشروع، وفي هذا الصدد ، نجد اتفاقية مناهضة التعذيب التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 1982 نصت في مادتها الأولى على أنه Sad أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسمانيا كان أو عقليا يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص ، أو من شخص ثالث على معلومات أو على إعتراف ....)) ، علما ان الجزائر انضمت إلىهذه الاتفاقية الأمر الذي أدى بالمؤسس الدستوري إلىوضع نص خاص بهذا الشان بقوله : (( الدولة تضمن عدم انتهاك حرمة الأنسان ويخطر أي عنف بدني أو معنوي أو أي مساس بالكرامة )).
    إذا كان الاستجواب يهدف إلىالبحث عن الحقيقة ، فيجب أن يتم وفق الأوضاع التي يحددها القانون واحتراما لضماناته ، فيمنع ممارسة أية صورة من صور التعذيب على المتهم ، بل اعتبر المشرع الجزائري التعذيب جريمة يعاقب عليها القانونواعتبر أن الشخص الذي يلجأ للتعذيب أثناء التحقيق يكون مرتكبا لجريمة تستوجب العقابوعليه ، فان استعمال الوسائل التي تمس سلامة جسم المتهم التي تؤثر على إرادته تأخذ حكم التعذيب ، والإعتراف الذي يصدر من المتهم نتيجة ممارسة التعذيب قصد انتزاعه منه يعد إعترافا باطلا كون أن حرية الاختيار انعدمت لديه .
    2- إرهاق المتهم عن طريق الاستجواب المطول
    يعتبر الاستجواب إجراء من إجراءات التحقيق بهدف الوصول إلىحقيقة التهمة المنسوبة إلىالمتهم إما بإعترافه أو إنكاره ، ونظرا لأهمية الاستجواب في هذه المرحلة طرحت مسألة مدى مشروعية الاستجواب اعتمادا على أسلوب إطالة فترة استجواب المتهم .
    فالراجح أن الاستجواب المطول يرهق المتهم ويؤثر في إرادته مما يدفعه إلىالإدلاء بأقوال لم يكن ليصرح بها لولا الإرهاق الذي لحقه جراء إطالة مدة استجوابه ولا يوجد معيار زمني لطول الاستجواب ، وإنما العبرة هي بما يؤدي إليه من التأثير في قوى المتهم الذهنية على اثر إرهاقه ، وتعمد المحقق إطالة الاستجواب بغية إرهاق المتهم وإجباره على الإعتراف في ظروف نفسية صعبة فأنه يخرج عن حياده مخالفا بذلك لمبدأ الدستوري القاضي بأنه لا يخضع القاضي إلا للقانونباعتبار أن القانون يحمي المتقاضي من أي تعسف أو انحراف يصدر من القاضيوالمعيار المعتمد في اعتبار الاستجواب مطول ليس معيار زمني وإنما هو مجرد شعور المتهم بالإرهاق من هذا الاستجواب وهو معيار نسبي يختلف باختلاف درجة تحمل كل شخص .
    ويبدو حرص المشرع الجزائري على وجوب الإسراع في الاستجواب من خلال وجوب استجواب كل من يصدر ضده أمر إحضار أو قبض أو مذكرة إيداع في مؤسسة عقابية واستثناء في حالة تعذر الاستجواب يودع المتهم في المؤسسة العقابية ولفترة لا تتجأوز 48 ساعة يستوجب قبل انقضائها من القاضي الآمر أو من أي قاض آخر و إلا أخلي سبيله ، لأن عدم استجوابه وبقائه في الحبس تعتبر حبسا تعسفيا، ومن بين الضمانات المقررة قانونا أيضا لفائدة المشتبه فيه في مرحلة البحث والتحري عند سماع أقواله في محضر رسمي من طرف الضبطية القضائية بحيث أوجب القانون على المحقق أن يذكر في المحضر فترات الراحة التي تتخلل السماع وذلك حتى يتمكن من مراقبته.
    ثانيا : صور الإكراه المعنوي
    وتتمثل أهمها في الوعد والتهديد وتحليف المتهم اليمين واستعمال الخداع والحيلة .
    أ // الوعد :
    يقصد به تعمد بعث الأمل لدى المتهم في شيء يتحسن به مركزه القانوني ، ويكون له أثره على حرية المتهم في الاختيار بين الإعتراف والأنكار ،بمعنى أنه كل ما من شأنه إيجاد الأمل لدى المتهم بتحسين وضعيته إذا اعترف بجريمته كوعد المتهم بالعفو عنه ، أو بجعله في مركز شاهد ، أو بعدم محاكمته ، أو بالإفراج عنه ، أو بعدم تقديم الدليل ضده أثناء المحاكمة ، أو بتخفيف العقوبة التي ستوقع عليه ، فمثل هذا الإعتراف الذي يصدر من المتهم نتيجة الوعد يقع باطلا ولو كان إعترافا حقيقيا طالما صدر نتيجة للتأثر بهذا الوعد ، وأيضا من الصعب على الشخص العادي مقأومة هذا الوعد
    إذ من المحتمل أن يدفع هذا الوعد المتهم إلىأن يعترف إعترافا غير مطابقا للحقيقة أصلا في المنفعة التي وعد بها ، ولكن تبقى السلطة التقديرية في مدى اعتبار الإعتراف الصادر من المتهم كان نتائج الوعد ، وان كان من الصعب إثبات الوعد كون هذا الأخير يتعلق بالواعد والموعود له .
    ب // التهديد :
    وهو ضغط شخص المحقق على إرادة المتهم لتوجيهها إلىسلوك معين ، والتهديد هو أهم صورة من صور الإكراه المعنوي إذ يصدر عن المحقق بقصد حمل المتهم على فعل أو امتناع ، ولاشك أن الإكراه المعنوي ينقص من حرية الاختيار لأنه ينذر بشر أن لم يوجه الخاضع له إرادته إلىالسلوك المطلوب منه ومن بين حالات التهديد كأن يقوم المحقق بتهديد المتهم على أنه في حالة ما إذا لم يعترف بما نسب إليه من إتهام سيصدر ضده أمر بإيداعه رهن المؤسسة العقابية ، ما دام أن ذلك يدخل ضمن صلاحياته ، أو تهديد المتهم بالإعدام في المحاكمة ، إن لم يعترف بها وجه إليه من تهم ، فمثل هذا التهديد يؤثر في إرادة المتهم يجعل إعترافه إعترافا باطلا لأن المتهم سيجد نفسه بين أمرين : إما أن يعترف لكي يتفادى الضرر المهدد به ، واما ألا يعترف فيتعرض للخطر ، واختياره الإدلاء بالإعتراف تحت تهديد مرتبط بهروب المتهم من موقفه الذي لا يمكن للشخص مقأومته ، وتأثير التهديد في إرادة المتهم يختلف من شخص لآخر باختلاف السن ، الجنس ، المستوى التعليمي ...)) ، فمثلا معتاد الإجرام لا يتأثر بالتهديد الموجه إليه لأنه يعلم مسبقا بمآل هذا التهديد خصوصا مع علمه بالضمانات التي يقررها القانون لصالحه عند الاستجواب .
    ج // تحليف المتهم اليمين:
    يعني أداء اليمين القسم أو الحلف بصيغة يحددها القانون مسبقا لمن يقررها بشأنه ،كاداء اليمين المقررة للشاهد ، فيدلي بشهادته وفقا للصيغة المحددة قانوناإلا أن القانون يعفي المتهم من أن يحلف اليمين لأن الأصل فيه أنه بريء مما ينسب إليه إلىحين إقامة الدليل ضده من طرف النيابة ،ويعد تحليف المتهم اليمين صورة من صور التأثير الأدبي على إرادته ،فلا يجوز الالتجاء إليه أصلا ،حيث يذهب القضاء الفرنسي إلىبطلأن كل استجواب يتم بعد تحليف المتهم اليمين باعتباره تأثيرا أدبيا على إرادتهويمكن اعتبار هذا الموقف منهجا للمشرع الجزائري يستخلص من الفقرة الثانية من المادة 89 من قانون الإجراءات الجزائيةحيثلا يجوز لقاضي التحقيق وكل من يجري تحقيقا بعد ظهور أدلة إتهام شخص ما التمادي في الاستماع لشهادته ، ويترتب البطلأن على ذلك ،لأن الإبقاء على سماعه كشاهد يؤدي اليمين القانوني ،في حين أن سماعه كمتهم ينفي عنه اداءها.
    فإذا وجه للمتهم اليمين وحلفها فإن ذلك يعتبر من قبيل الإكراه المعنوي على ذكر الحقيقة وهو ما يترتب عليه بطلأن الاستجواب وجميع الأدلة المستمدة منه ومن بينها الإعتراف ،وبطلأن الإعتراف في مثل هذه الحالات يتعلق بالنظام العام ، إلا أنه إذا حلف اليمين من تلقاء نفسه أثناء استجوابه فلا يعد تقييدا لحريته في إبداء أقواله ،وإنما هو أسلوب في الدفاع يهدف إلىبث الثقة في صدق ما يقول .
    د // استعمال الخداع والحيلة :
    يقصد بالخداع تلك الأعمال الخارجية التي يقوم بها المحقق لتأييد ما يدعيه من أقوال كاذبة للإيهام بصحة الواقعة وذلك بغية تضليل المتهم والحصول منه على إعتراف .
    والحيلة هي تلك الأعمال الخارجية التي يؤتيها المحقق ليؤيد بها أقواله الكاذبة ويستر بها غشه ،لأن الكذب المجرد لا يكفي لتكوين الحيلة بل يلزم تأييده بمظهر خارجية تعززه.
    إذن لايجيز استعمال وسائل الخداع و الحيلة لأنتزاع إعتراف المتهم ،لأن الحيلة تنطوي على نوع من التدليس الذي يوقع المتهم في الغلط فيصيب إرادته معيبة وقت الإدلاء بالإعتراف ،فأنه لا يكون صحيحا ويجب استبعاده من مجال الإثبات كون إرادة المتهم في هذه الحالة إنعدمت ، ومثال ذلك كأن يوهم المحقق أثناء استجواب المتهم بأن شريكه في الجريمة قد إعترف بما نسب إليه أو أن شخصا معينا شاهده وهو يرتكب الجريمة ،أو إيهامه بوجود أدلة معينة ، أو قراءة شهادة خاطئة منسوبة إلىأحد الشهود لإيهامه بتوافر شهادة ضده ،فكل هذه الرسائل تعيب حرية المتهم في الاختيار مما يؤدي إلىبطلأن الإعتراف الصادر منه .
    المطلب الثالث: وضوح الإعتراف ومطابقته للحقيقة
    لعل أهم شرط يجب توافره لصحة الإعتراف إضافة إلىما سبق ذكره هو وضوح وصراحة الإعتراف من جهة،ومطابقته للحقيقة من جهة أخرى،فيجب أن يكون الإعتراف صريحا لا لبس فيه ولا غموض،لا يحتمل أي تأويل أو تفسير، فلا يعد إعتراف الأقأويل الغامضة التي يدلي بها المشتبه فيه أو المتهم من حيث دلالتها على إرتكابه الجريمة المنسوبة إليه إلا إذا كانت أدلة إثبات أخرى تعززها،فصراحة الإعتراف تقتضي أن ينصب على نفس الواقعة الإجرامية محل الإتهام المنسوب على المتهم ، كما لا يعد إعترافه إقرار المتهم بواقعة أو أكثر ذات صلة بالجريمة كإقرار بالحقد بينه وبين المجني عليه أو بوجوده في مكان الجريمة قبيل وقوعها أو بعدها أو أنه سبق له إن أعتدي على المجني عليه أو هدده بالقتل.
    كذلك لا يجوز استنتاج الإعتراف من بعض تصرفات المتهم كهروبه أو تصالحه مع المجني عليه،فإن الأقوال التي يدلي بها المتهم ويستفاد منها ضمنيا إعترافه بإرتكاب الجريمة لا يمكن الأخذ به كدليل مستقل في إدانة المتهم وإنما يمكن الاستناد إلىتلك الأقوال إذا وجدت أدلة أخرى تعززها،إذ تعتبر الأدلة في المواد الجنائية أدلة مساندة يكمل بعضها البعض ومجتمعة من شأنها أن تكون قناعة القاضي الذي لا ينظر إلىدليل بعينه لمناقشته على حدى دون باقي الأدلة المعروضة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها وحدة منتجة في اكتمال اقتناع القاضي واطمئنأنه إلىما انتهى إليه .
    فلا بد أن يتطابق الإعتراف مع الحقيقة الواقعية ولذلك يتعين على قاضي الموضوع أن يبحث بنفسه وبكافة الطرق عن حقيقة الجريمة دون أن يتقيد بأقوال سلطة الإتهام أو الدفاع، فلا يكفي أن يكون الإعتراف صريحا وصادرا عن إرادة حرة ، بل يلزم فوق ذلك أن يكون مطابقا للحقيقة ، ومادام أن الإعتراف لا يخرج عن كونه عنصرا من عناصر الدعوى التي تملك المحكمة كامل الحرية في تقدير قيمته الثبوتية ، فلها أن تطرحه إذا لم تقتنع بصحته وصدقه ومطابقته للحقيقة والواقع ، فلا يصح إدانة شخص ولو بناءا على إعترافه متى كان ذلك مخالفة للحقيقة والواقع .
    فقد نجد في حالات غير نادرة أن الإعتراف لا يكون دائما صادقا ومطابقا للحقيقة، فقد يكون الإعتراف مظهرا لاضطراب نفسي أو إشباعا لغرور مرضي كما قد يعترف الشخص بإرتكابه جريمة خطيرة إهتم بها الرأي العام كي تتحدث عنه وسائل الإعلام ، فيرضي نذلك نزواته المريضة ، وقد يصدر الإعتراف عن محض وهم كأن يتوهم شخص أنه إرتكب جريمة أو كأن يعترف المتهم كذبا بإرتكابه جريمة لم يرتكبها تحت تأثير عوامل أو بواحث مختلفة كالرغبة في تخليص المجرم الحقيقي الذي إرتكب الجريمة بدافع الشفقة أو الإخلاص
    أو يكون غرضه تجنب الإتهام في جريمة أشد خطورة ،أو أن يرغب في دخول المؤسسة العقابية بعد أن ضاقت به سبل العيش في المجتمع ،أو قد يكون بدافع الافتخار كأن يعترف شخص بإرتكابه جريمة يريد من خلاله لفت الأنظار إليه ويثير إهتمام الرأي العام بغرابة الجرم الذي أختلقه.
    مثل هذه الإعترافات لايمكن للقاضي أن يستند إليها في إدانة المتهم المعترف ،وإنما يستوجب التحري عن صحتها وصدقها ومطابقتها للحقيقة ، ولا يتأتى هذا إلا بالبحث عن الدافع الذي جعل الشخص يدلي بأقواله ،ومراعاة الأنسجام بين موضوع الإعتراف والأدلة الأخرى بالأخص منها المادية المحسوسة. ، أو كمن يعترف بإرتكابه جريمة سياسية تمسكا بمبدأ حزبي ، أو كمن يعترف بإرتكابه جريمة توصف بأنها إرهابية كالأنخراط في جماعة إرهابية قصد لفت نظر الجماعة الإرهابية وإنتباه الرأي العام ،كما أنه هناك نوع أخر من الإعتراف وهو الأكثر فعالية في الحياة العملية كالذي يصدر من المتهم بدافع جلب منفعة التي ستعود عليه جراء إعترافه لكي ينظر إليه القاضي نظرة عطف وتسامح ويستغيد بذلك من عقوبة مخفضة قد تصل أحيانا إلىوقف التنفيذ،كذلك يعترف الزوج على نفسه بأنه هو الذي قتل زوجته غير أن سبب وفاة الزوجة هو الصدمة التي تعرض لها نتيجة ما جرى بين الزوجين من منأوشات كلامية حادة كانت السبب في توقف قلبها وبالتالي وفاتها كما قد يتخيل شخص أنه ارتكب جريمة حينها يتقدم إلىمقر الشرطة ويعلن أنه قتل زوجته لأنه شاهدها في فراش الزوجية مع شخص أخر غير أنه يتبين عند مباشرة إجراءات البحث والتحري أن الشاكي غير متزوج أصلا .
    فمثل هذه الإعترافات عادة ما تصدر عن أشخاص صغار السن أو أشخاص مرضى نفسيا أو أشخاص يعانون من اضطرابات نفسية حادة ،وعلى ذلك فعلى القاضي أن يكون حريصا من مثل هذه الإعترافات كونها غير مطابقة للحقيقة .
    والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المجال حالة ما إذا تعمد المتهم الصمت عند إستجوابه ،فهل يستنبط منه إعتراف بإرتكاب ما نسب إليه من إتهام ؟
    فقد يتعمد المتهم الصمت حين استجوابه ويرفض الأسئلة المطروحة من طرف المحقق على الوقائع التي ارتكبها والمنسوبة إليه ،فلا يعني ذلك أنه مذنب ،فقد يكون هذا الصمت المتعمد وليد أسبلب عديدة وعليه إذا رفض الإجابة فلا يجوز لجهة التحقيق أو المحكمة أن تتخذ امتناعه عن الإجابة وصمته قرينة ضده، ذلك بالرجوع إلىأحكام المادة 100 من قانون الإجراءات الجزائية
    فإن المتهم حر في إبداء أقواله بحرية ، وله حق الامتناع عن الإجابة بالصمت بأن القانون ألقى على عاتق المحقق واجب إخطار المتهم بهذا الحق ، هذا الامتناع عن الكلام من جانب المتهم يجب أن لا يستمد منه دليل لإستدانته، وعليه إن صمت المتهم لا يعتبر إعترافا لأن هذا الصمت لايعتبر صراحة إقراره بالواقعة الإجرامية المنسوبة إليه ، وهو في حقيقته ليس إلا إستعمالا لحق قرره له القانون ، ولكن مثل هذا الصمت أصبح يتخذ كقرينة ضد المتهم على إرتكابه الجريمة لأن المحكمة ليس لها إلا بإتباع هذا الأسلوب .


    يتبـــــع...





    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 6322
    نقاط : 17825
    تاريخ التسجيل : 28/06/2013
    العمر : 33

    عنوان المذكرة : الاعتراف Empty رد: عنوان المذكرة : الاعتراف

    مُساهمة من طرف Admin الخميس أغسطس 08, 2013 1:17 am





    الفصل الثاني حجية الاعتراف و تقدير قيمته الثبوتية :
    المبحث الأول : حجية الإعتراف
    مما لا شك فيه أن الدعوى العمومية بإعتبارها الوسيلة القانونية لإستتيفاء حق الدولة في توقيع العقاب تمر بمجموعة مراحل تخنلف فيها الإجراءات من حيث طبيعتها ونطاقها ، فإعتراف الشخص على نفسه بإرتكاب الجريمة قد يحصل خلال مرحلة البحث والتحري أم في مرحلة الإتهام أم في مرحلة التحقيق القضائي ، كما قد يصدر من المتهم لأول مرة في جلسة المحاكمة ، وبالتالي فلا يشترط في الإعتراف أن يصدر أمام جهة معينة حتى يكسب حجيته في مجال الإثبات الجزائي بإعتبار أنه قد يكون قضائي أو غير قضائي ، فإن كانت حجيته تختلف بإختلاف الجهة التي صدر أمامها ، فإن هذا الإختلاف لا يقلل من هذه الحجية مادام الأصل في الإعتراف شأنه شأن بقية أدلة الإثبات الأخرى متروك لحرية القاضي في تقديره .
    وعليه سوف نتطرق إلىبيان حجية الإعتراف في أية مرحلة من مراحل الدعوى الجزائية التي صدر فيها
    المطلب الأول : حجية الإعنراف الوارد في محاضر الضبطية القضائية :
    تكمن أهمية التحقيق الإيتدائيفي لابحث والتحري عن الجرائم ، وعن مرتكبيها وجمع المعلومات عنهما ، وتحضير المادة اللازمة لتحريك الدعوى العمومية ، وبعبارة اخرى تهيئة القضية وتقديمها للنيابة بإعتبارها جهة الادارة والإشراف على الضبط القضائي لتقدير مدى إمكان عرضها على جهات التحقيق والحكم بحسب الأحوالإذ هي المرحلة التي تكشف عن وقوع الجريمة ، وتجمع فيها الإستدلالات عنها ، وعن المساهمين ، فاعلين أم شركاء فيهابواسطة الأشخاص المكلفين بها قانونافلا يجوز مباشرتها ممن لم يخوله القانون صلاحية القيام بها ، ولا يجوز لضابط الشرطة القضائية تجأوز حدود صلاحياته المقررة قانونا بمعنى وجوب إتباع أسلوب المشروعية ، فلا يجوز إستعمال وسيلة إكراه بإحدى صوره المختلفة في مواجهة المشتبه فيه وحرياته الفردية تتمثل في تقييد حريته بعد إلقاء القبض عليه وتوقيفه تحت النظرمن أجل سماع أقواله في محاضر رسمية .
    فمن أهم إجراءات التحقيق الإبتدائي الذي يباشره ضباط الشرطة القضائية هو سماع أقوال المشتبه فيه في محضر رسمي بعد سؤاله عما لديه من معلومات تتعلق بالجريمة موضوع البحث وعن مرتكبيها .
    وعليه يمنع إستعمال أية وسيلة من الوسائل غير المشروعة ، يهدف من وراء إستعمالها الحصول على الإعتراف لولاها ما أدلى المشتبه فيه بأقواله لو كان يتمتع بحريته في الإدلاء بأقواله .
    إن الإعترافات التي تحصل في هذه المرحلة ، وإن كانت تبدو خالية من حقوق الدفاع على خلاف مايدلي به المتهم حين إستجوابه من طرف سلطة التحقيق أو جهة الحكم ، والتي تسمح للمشتبه فيه أن يصرح باقواله في حرية تامة دون تعرضه لأي ظغط أو إكراه ، فمن المستقر عليه عمليا أن المتهم عند تقديمه أمام وكيل الجمهورية أو عند إحالته على المحكمة يتراجع عن إعترافاته التي أدلىبها أمام الضبطية القضائية كون أنها كانت نتيجة ممارسة ضغوطات ضده ، غير أنه في ظل التعديلات الجديدة لقانون الإجراءات الجزائية وقانون العقوبات حرص المشرع الجزائري على توفير ضمانات فعالة من شأنها أن تحمي حقوق المشتبه المشتبه فيه وحرياته الفرديةتجعله يدلي بأقواله وإعترافاته بكل حرية .
    فأوجب القانون على ضباط الشرطة القضائية وبعض الموظفين المكلفين بمهمة الضبط القضائي أن يحرروا محاضر بأعمالهم تدون فيها أقوال المشتبه فيه وإعترافاته بحيث تكون هذه المحاضر محررة طبقا للأشكال المقررة قانونا
    إن القاعدة في المحضر لكي يكون له قيمة قانونية ، يجب أن تتوفر فيه عناصر صحته الشكلية لأن عدم إحترام الشكليات التي يتطلبها القانون ، يفقد المحضر قيمته القانونية ، تقتضي المادة 214 من ق.إ.ج " لايكون للمحضر أو التقرير قوة الإثبات إلا إذا كان صحيحة في الشكل ، ويكون قد حرر وضعه أثناء مباشرة اعمال وظيفته و أورد فيه عن موضوع داخل نطاق إختصاصاته مما قد رآه أو سمعه أو عاينه بنفسه " .
    فالسؤال المطروح في هذا الصدد يتعلق بمدى حجية الإعترافات الواردة في هذا المحضر .
    يجيبنا على هذا التساؤل المواد 215 ، 216 و 218 من ق.إ.ج التي يستخلص منها أن المحاضر الضبطية القضائية تختلف من حيث قوة الثبوتية حيث تقرر المادة 215 القاعدة العامة والمادتان 216 و 218الإستثناء ، وعليه فإن الإعترافات الواردة في هذا المحضر تختلف حجميتها بإختلاف نوع المحاضر التي تنقسم إلىثلاث أنواع هي :
    محاضر إستدلالية ، ومحاضر لها حجية لحين ثبوت عكسها ، ومحاضر لها حجية لحين الطعن بالتزوير
    أولا // الإعترافات الواردة في المحاضر الإستدلالية .
    تنص المادة 215 من ق.إ.ج (( لا تعتبر المحاضر والتقارير المثبتة للجنايات أو الجنح إلا مجرد إستدلالات ))
    وهذا يعني أن الإعترافات الواردة في هذا النوع من المحاضر هي إعترافات غيرقضائية تخضع لحرية القاضي في تكوين عقيدته ، لا تخرج عن كونها دليلا في الدعوى شأنها كشأن سائر الأدلة الأخرى وهي عبارة عن مجرد إستدلالات لا يأخذ بها القاضي إلا على سبيل الإستئناس أو الإستدلال ، لأنها تتحمل الجدل والمناقشات كسائر الأدلة ، وللخصوم ان ينفذوها دون أن يكونو ملزمين بسلوك سبيل الطعن بالتزوير ، وللمحكمة حسب ماترى أن تأخذ بها أو تطرحها ، غير أنه يمكن للقاضي أن يستمد إقتناعه منها إذا عززتها أدلة إثبات أخرى ، وللسلطة التقديرية المطلقة في تقدير قيمتها الثبوتية ، لللإشارة فإن الإعترافات الواردة في هذا المحضر لها اهميتها في الميدان العملي كونها تسهل إجراءات التحقيق التي يباشرها قاضي التحقيق ، ومثل ذلك أن يعترف المشتبه فيه على نفسه بإرتكاب جريمة السرقة ، فإن هذا يسهل عملية إحصاء عدد المساكن والمحلات المسروقة بدقة واماكنها ووقت سرقتها والأشياء المسروقة ، ومكان إخفائها وعدد الأشخاص المشاركين في السرقة
    ثانيا // الإعتراف الوارد في المحاضر التي لها حجية لحين بثبوت عكسها .
    إن الإعترافات الواردة في مثل هذه المحاضر التي يقرر لها القانون قوة ثبوتية معينة هي إعترافات لها حجية ، ومن أمثلة المحاضر التي يرد فيها الإعتراف الذي بدوره يقيد إقتناع القاضي إلىأن يقوم الدليل العكسي هي ما تنص المادة 400 من ق.إ.ج ، والمحاضر الجمركية المحررة من طرف عون واحد طبقا للمادة 254/2 من قانون الجمارك ، ومحاضر الشرطة والدرك الوطني المشتبه المخالفات المرور ، ومحاضر المخالفات التي ترتكب مخالفة لقانون الصيد البحري .
    ثالثا // : الإعتراف الوارد في المحاضر التي لها حجية لحين الطعن بتزويرها .
    تعتبر هذه المحاضر أقوال حجة لما يرد فيها من إعترافات لحين بثبوت تزويرها بحيث تكون هذه الإعترافات حجية يلتزم القاضي قانونا بالعمل بما ورد فيها ما لم يطعن فيها بالتزوير ، بناءا على طعن يقدمه صاحب المصلحة وإقامته الدليل على ما يدعيه ، ولحكم له بتزويرها ولا تقرر هذه الحجية إلا بنص صريح في القانون
    ومن أمثلة ذلك الإعترافات الواردة في محاضر مفتشي العمل التي تعاين الجرائم الخاصة بتشريع العمل لها حجية إلىان يطعن في هذه المحاضر بالتزوير.
    نخلص القول بأن الإعترافات الصادرة في هذه المرحلة تختلف من حيث حجيتها بإختلاف أنواع المحاضر التي تختلف بدورها بإختلاف المكلفين بمهان الضبط القضائي من جهة ، وبإختلاف الجرائم موضوع التحقيقات الإبتدائية من جهة أخرى .
    المطلب الثاني : حجية الإعتراف الوارد في محاضر النيابة
    يخول القانون لوكيل الجمهورية التصرف في المحاضر التي تصل غليه عن طريق الضبطية القضائية عملا بمدأ الملائمة الذي يمنح له سلطات تقديرية في هذا المجال ، فهو يتصرف إما بحفظ الملف إذا توفرت أسباب ذلك ، وإما بطلب فتح قضائي ، وإما بإحالة الدعوى على المحكمة للفصل فيها بواسطة إجراء التكليف المباشر بالحضور ، أو الإستدعاء المباشر ، أو عن طريق إجراءات التلبس بحيث يتمتع وكيل الجمهورية في هذه الحالة الأخيرة بسلطات إستثنائية في الأصل هي من إختصاصات قاضي التحقيق ، غير أن المشرع منح هذا الإختصاص لوكيل الجمهورية بمقتضى المادة 59 من ق.إ.ج التي تنص علىأنه : " يجوز لوكيل الجمهورية إذا لم يقدم ملرتكب الجنحة المتلبس بها ضمانات كافية للحضور وكان الفعل معاقبا عليه بعقوبة الحبس ولم يكن قاضي التحقيق قد أخطر بالحادث ، يصدر وكيل الجمهورية أمر بحبس المتهم بعد إستجوابه عن هويته وعن الفعال المنسوبة إليه .
    مايهم موضوع بحثنا في هذا الصدد هو مهام وكيل الجمهورية في الجرائم المتلبس بها المتعلقة بإستجواب المتهم عن الأفعال المنسوبة إليه ، فمنه تقديم المتهم أمام وكيل الجمهورية في هذه الحالة ، فيقوم هطا الأخير بإستجواب المتهم عما نسب غليه من وقائع على ان يرد المتهم عن تهمته المنسوبة إليه اما بالإعتراف بها ام انكارها ، فقد يعترف المتهم على نفسه بإرتكاب الجريمة أما موكيل الجمهورية ، وعليه نتسائل عن قيمة هذا الإعتراف الثبوتية وحجيته رغم ان صدوره عن المتهم أمام سلطة الإتهام التي تعد طرفا ممتازا في الدعوى الجزائية وخصم شريف في نفس الوقت تدافع عن الإعتراف قصد انتزاع محكمة الموضوع به كدليل لإدانة المتهم وتوقيع العقاب عليه .
    كما سبق الاشارة إلىهذا النوع من الإعتراف الذي اعتبرته المحكمة العليا في قضائها أنه إعتراف قضائي تترتب عليه كافة الآثار القانونية ، خاصة وأن وكيل الجمهورية يمارس مهام قضائية ، كونه يحل محل قاضي التحقيق في إجرائين هامين ، الأول يتعلق باستجواب المتهم عن الأفعال المنسوبة إليه ، والثاني يتعلق باصدار امر ايداع ، اضافة إلىالضمانات التي قررها المشرع للمتهم المتابع من طرف النيابة والمراد اتخاذ ضده اجراءات التلبس والمتعلقة بحقوق الدفاع ، إذا سمح القانون للمتهم ان يستعين بمحاميه أما وكيل الجمهورية حين استجوابه ، مما يجعل محضر الاستجواب الذي يحررفي هذا الصدد محضرا قضائيا لا يمكن الطعن فيه الا بالتزوير
    وقد إستقر قضاء المحكمة العليا على اعتبار الإعتراف الذي يصدر من المتهم أمام وكيل الجمهورية إعتراف قضائي :" من بين الأدلة المحددة قانونا على سبيل الحصر الإقرار الذي يحصل أمام القضاة كإعتراف المتهم أثناء إستجوابه من طرف وكيل الجمهورية بأنه زنى بالمتهمــة "
    وفي قرار آخر قضت بما يلي : " في المقرر قانونا أن من بين الأدلة لاثبات الجريمة ، الإقرار القضائي ، ومن ثن الإعتراف بهذه الجريمة أمام قاضي من قضاة النيابة ، يقر، يعتبر إقرارا قضائيا يلزم صاحبه ، ولما كان ثابتا في قضية الحال أن قضاة الاستئناف أرادو ان الطاعن تأسيسه على إعترافه بالمشاركة في الزنا ، اثناء تحقيق الشرطة وأمام وكيل الجمهورية عند استجوابه في محضر التلبس بالجريمة ، فإن بقضائهم هذا التزموا صحيح القانون وكان ذلك النفي على قرارهم المطعون فيه بانعدام الأساس القانوني في غير محله ويستوجب رفضه لعدم التأسيس
    نلاحظ من خلال هذين القرارين أن الإعتراف الوارد أمام النيابة العامة يحسب حجية ثبوتية وإن كان من نوع خاص بإعتبار مثل هذا الإعتراف سماه المشرع بالإقرار القضائي في المادة 341 من قانون العقوبات وجعله دليل من أدلة اثبات جريمة الزنا بل ركن من اركان قيام جريمة الزنا وبالتالي نتسائل مرة أخرى عن الإعترافات الصادرة عن المتهمين أمام وكيل الجمهورية في غير جريمة الزنا نظرا للاختلاف الذي لاحظناه من خلال التطبيقات القضائية في هذا المجال ويكمن هذا الإختلاف في قيام وكيل الجمهورية باستجواب المتهم عن الوقائع المنسوبة إليه في محضر استجواب دون ان يستعين بأمين الضبط لتولي مهمة تحرير المحضر ، واعتبر جانب من الفقه ان مثل هذا الإعتراف الذي يصدر بهذه الطريقة يفتقر إلىحجيته وقيمته الثبوتية ورأينا في بعض الأحيان أن المتهم عند إحالته أمام المحكمة وفقا لاجراءات التلبس يعدل عن إعترافه الذي أدلى به أمام وكيل الجمهورية حين تقديمه وينكر التهمة المنسوبة إليه ، والأكثر في ذلك يدفع بأن إعترافه أمام النيابة كان نتيجة وعده من طرف ممثل النيابة بمساعدته في جلسة المحاكمة عن طريق طلب افادته بعقوبة موقوفة التنفيذ أو بعقوبة أخف لأن في نظر المتهم الإعتراف أمام وكيل الجمهورية يعد مخرجا من التهمة المنسوبة إليه .
    إذن فإعتراف المتهم أمام وكيل الجمهورية الوارد في محضر الإستجواب له حجيته القانونيةوالمحكمة ملزمة بالنظر فيه وتقديره ، فإذا استندت إليه في حكمها وجب عليها تسبيب حكمها ، وإذا لم تعول عليه وبرات المتهم وجب عليها ان تسبب حكمها تذكر سبب عدم قبولها لهذا الإعتراف.
    كما ان المتهم لا يجوز له الطعن في محضر الاستجواب الا بالتزوير ، لأن المحضر هو محضر قضائي بغض النظر عن شخص وكيل الجمهورية الذي يعتبر طرفا وخصما شريفا في الدعوى الجزائية .
    المطلب الثالث : حجية الإعتراف الوارد في محاضر التحقيق القضائي :
    متى كلفت النيابة العامة - وكيل الجمهورية - قاضي التحقيق باجراء تحقيق في قضية ما تعين عليه أن يشرع في اداء مهامه ، بداية بإستجواب المتهم بحيث يعتبر الاستجواب من بين اهم الاجراءات التي يباشرها قاضي التحقيق ، الغرض منه الوقوف على حقيقة التهمة الموجهة إلىالمتهم عن نفسه أو بانكارها ، وهذا يضفي على هذا الاجراءطابعا مزدوجا ، فهو اجراء من اجراءات التحقيق القضائي لجمع أدلة الاثبات يقع واجبا على عاتق سلطة التحقيق وهو اجراء من اجراءات الدفاع عن النفس كحق يقرره القانون باتاحة الفرصة للمتهم للاطلاع على الأدلة العامة ضده ومحأولة تنفيذها من حيث وجوب استجوابه ولو مرة واحدة أثناء التحقيق معه .
    يعتبر استجواب المتهم إجراء من إجراءات التحقيق يسمح للمتهم بنفي التهمة عنه والإدلاء بأقواله بكل حرية دون ضغط أو تأثير على ارادته ، ويحصل استجواب المتهم عقب تبليغه بالتهمة المنسوبة إليه بعد مثوله لأول مرة والتأكد من هويته وينبهه بأنه حر في عدم الادلاء بأي تصريح إعترافا كان ام انكارا ، فإذا اراد المتهم ان يدلي باقواله تلقاها قاضي التحقيق منه على الفور ، كما ينبغي له ان يخطر المتهم بان له الحق في اختيار محام عنه ،فان لم يختر عين له محاميا من تلقاء نفسه إذا طلب منه ذلك ، وينوه عن ذلك بالمحضر ، ونظرا لأهمية هذه الإجراءات وآثارها على مجرى التحقيق القضائي وكفالتها لحقوق الدفاع ،أبى المشرع الا أن يعتبرها إجراءات جوهرية يترتب على مخالفتها البطلأن ما لم يكن الدفاع قد تنازل صراحة عن التمسك به ، فالمشرع لم يحدد الشكل الذي يجب ان يقع عليه التبليغ وإنما جرى العمل بان يحصل ذلك بالصيغة التالية " أحيطك علما بانك متهم بإرتكابك يوم كذا ، بالمكان - الدائرة القضائية لمحكمة - الواقعة - الأفعال المنصوص والمعاقب عليها بالمادة - كما أنبهك بانك حر في عدم الادلاء بأي تصريح وأن لك الحق في اختيار محامي وبأنه يجب عليك أن تخطرنا بكل تغيير يطراعلى محل إقامتك " .
    عرف الاستجواب بأنه عبارة عن القاء اسئلة دقيقة على المتهم حول الوقائع المسندة إليه والتي حصل وأن وقع تبليغها إليه أو حول الأدلة القائمة ضده ، وعن تلقي أقواله وإجاباته فلايمكن أن نتصور صدور إعتراف من المتهم على نفسه بإرتكاب الجريمة أمام قاضي التحقيق دون إ ستجواب ، فالإعتراف هو ثمرة الاستجواب ، وعليه منح المشرع عدة ضمانات للمتهم عند إستجوابه من طرف قاضي التحقيق ووضع القانون قيودا على سلطة هذا الأخي أثناء استجواب المتهم بغرض التقليل من المبالغة في استعمال السلطة التي قد تِدي بالمتهم إلىالحرج والاضطراب والادلاء بأقوال ، قد لاتكون في صالحه ، لأنعدام ارادته الحرة في الاختيار .
    إذن فالتساؤل المطروح هو هل أن إعتراف المتهم أثناء استجوابه من طرف قاضي التحقيق يعد ذو قيمة ثبوتية ، أم بالأحرى هل لهذا الإعتراف حجية ؟ .
    إن الإعتراف الوارد أمام سلطة التحقيق ، هو إعتراف قضائي والمحاضر التي ترد بها إعترافات المتهمين ، هي محاضر قضائية ، مادام أن محضر الاستجواب يحرر بواسطة امين ضبط التحقيق اعمالا لقاعدة وجوب تدوين التحقيق فالاستجواب يجب ان يكون مدونا طبقا للقانون ، غير ان إعتراف المتهم الوارد في محضر التحقيق الذي يحرره قاضي التحقيق بمعية امين الضبط ، هو عنصر من عناصر الاثبات يخضع في كل الاحوال لتقدير المحكمة ، حسب المادة 213 من ق.إ.ج وما إستقر عليه اجتهاد المحكمة العليا من ان الاعنراف شأنه ، شأن عناصر الاثبات يترك لحرية قاضي الموضوع ، وبذلك يجعله يحتمل المناقشة كسائر الأدلة الاخرى بحيث يجوز للمتهم ان يعدل عن إعترافاته التي ادلى بها أمام قاضي التحقيق ، وللمحكمة قناعتها للاخذ به أو إبعاده على خلاف ما هو معمول به في القانون المدني ، إذا انكر المتهم إعترافه الوارد في محاضر التحقيق أمام المحكمة ، وجب على هذه الأخيرة أن تتحقق من إنكاره فتأخذ بهذا الإعتراف إذا تبين لها صدقه ، وتستبعده إذا ثبت لها أنه غير صحيح ومطابق للحقيقة ولا يمكن للقاضي ان يحكم بإدانة المتهم الذي اعترف أمام قاضي التحقيق ، ثم عدل عنه أثناء المحاكمة على اساس أن الإعتراف الذي ورد في محاضر التحقيق تكسب حجية قاطعة بما ادلى به المتهم من إعترافات بان بذلك يكون قد خالف أحكام المادة 213 ق.إ.ج وما إستقر عليه قضاء المحكمة العليا .
    وتطبيقا لهذا فان المحكمة غيرملزمة بالإعتراف المدون في محاضر التحقيق رغم أنها محاضر قضائية لها قوة ثبوتية نظرا للضمانات التي اقرها المشرع لصالح المتهم حين استجوابه من جهة ، ومهمة قاضي التحقيق الحيادية المتمثلة في مباشرة إجراءات التحقيق قصد الكشف عن أدلة الإتهام أو النفي من جهة أخرى ، لأن المحكمة تعتمد على ما دار أمامها من مناقشاتوليس أن تأخذ بما ورد في هذه المحاضر من إعترافات دون أن تعيد التحقيق فيها ومطابقتها للحقيقة الواقعية ، لأنه لم يتم الطعن فيها بالتزوير بل لها أن ترفض الأخذ بها ولو لم يطعن فيها على الطريق الذي رسمه القانون .
    والأكثر من هذا بالنسبة لمحكمة الجنايات التي تصدر احكامها بناءا على الاقتناع الشخصي مقيدة بأحكام المادة 307 ق.إ.ج ، لكنها غير مقيدة بما هو مدون من إعترافات في محضر قاضي التحقيق رغم أنها تتوفر على كافة الضمانات المطلوبة قانونا لايمكن الطعن فيها الا بالتزوير .
    وما لاحظناه في الميدان العملي عند انعقاد محكمة الجنايات ، ومثول المتهم أمامها يعيد استجوابه من طرف رئيس محكمة الجنايات ، ينكر الوقائع المنسوبة إليه جملة وتفصيلا محأولا سرد وقائع مغايرة لتلك التي إعترف بها أمام قاضي التحقيق ، قاصدا بذلك تضليل المحكمة ، ويتأتى ذلك للمتهم عندما تبدي المحكمة بشاشتها وحسن تعاملها معه أثناء المناقشة ، رغم أن المتهم يتمتع بكل حريته في الادلاء بأقواله وإعترافاته أمام قاضي التحقيق ، وإذا كانت محكمة الجنايات تبني حكمها بناءا على الاقتناع الشخصي فإن الإعترافات الصادرة أمام قاضي التحقيق لها أهميتها متى تأكدت المحكمة من صدقها ومن مطابقتها للحققية ، إن مهمة قاضي التحقيق تتمثل في البحث عن الحقيقة والكشف عن الأدلة لإثبات في صالح أو ضد المتهم ، وعليه حين استجواب المتهم أن يتخذ موقف للبحث عن الحقيقة ، فإذا صدر أمامه إعتراف من المتهم على نفسه بإرتكاب الجريمة فمن واجبه أن يتحرى أسباب الإعتراف ودوافعه ، كون بواعث الإعتراف تختلف من شخص متهم إلىآخر والبحث في موضوعه وتقدير مدى صحته دون أن يعتمد عليه وإنما يبحث ايضا في أدلة الاثباتات الاخرى لأن الاصل في الإعتراف شأنه شان أدلة الاثباتات الاخرى .
    وليس صدوره أمام التحقيق بمعنى أن له حجية ، كما أن إعتراف المتهم أمام قاضي التحقيق ليس معناه انتهاء التحقيق ، بل أنه ملزم بالبحث في كافة عناصر الاستدلال الاخرى .
    المبحث الثاني: سلطة القاضي في تقدير قيمة الإعتراف
    لاتثور الصعوبة بصدد ما يدلي به المتهم على نفسه ، الذي لا يرقى إلى درجة الإعتراف بالمعنى السليم لتخلف ركن من اركأنه أ وتخلف شرط من شروط صحته التي تقدم بيأنها ، اذ لا يعتبر في هذه الحالة دليلا ، ولايجوز للقاضي أن يستند إليه في حكم الإدانة ولكن التساؤل يثور عن تقدير قيمة الإعتراف الذي استكمل شروط صحته فأصبح صالحا كدليل في الدعوى ، هنا نلاحظ أن التطابق ليس حتميا بين صحة الإعتراف من الناحية الإجرائية ، وبين صدقه من النحية الموضوعية ، فقد تتوفر شروط صحة الإعتراف ومع ذلك يكون غير مطابق للحقيقة ، فعالا بمبدأ الاقتناع الشخصي للقاضي الجزائي في تكوين عقيدته فإن هذا الاخير الحرية الكاملة في تقدير قيمة الإعتراف ، فله ان يعتمد على إعتراف المتهم في اية مرحلة من مراحل الدعوى الجزائية متى إطمأن إلىأنه يمثل الواقع رغم تراجع المتهم عن إعترافه ، اثناء المحكمة كما له ان يستبعد إعتراف المتهم حتى ولو صدر منه على نفسه اثناء المحكمة ، ويجوز له ان يأخذ بما يطمئن إليه جزء من الإعتراف ويطرح ماعداه ، ذلك ما سنتطرق إليه بالتفصيل من خلال بيان سلطة القاضي من حيث حريته في الأخذ بالإعتراف في مطلب أول ، ثم إلىحرية في استبقاء الإعتراف في مطلب ثاني ، واخيرا إلىجوازية تجزئة الإعتراف .
    المطلب الأول : حرية القاضي بالأخذ في الإعتراف :
    يخضع الإعتراف في تقدير قيمته كدليل إثبات لمبدأ الاقتناع القضائي شأنه في ذلك شان أدلة الاثبات الأخرىف الإعتراف من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الاثبات ، فعلى قاضي التحقيق من أن الإعتراف الصادر من المتهم قد توفرت فيه شروط صحته بعد أن يتأكد من موضوعه بتعلقه بالواقعة الاجرامية التي من شأنها أن تقرر مسؤولية المتهم أو تشددها ، ومتى تحقق من ان الإعتراف سليم فله أن يأخذ به في اصدار حكمه ، ومن هنا يجب على القاضي أن لايكتفي بمجرد صدور الإعتراف المستكمل لشروط صحته للاستثناء عليه في حكم الإدانة * ، وإنما يجب عليه ان يقدره ليتحقق من صدقه وفقا لمطلق حريته في التقدير استثناءا إلىمبدأ حرية القاضي في تكوين عقيدته ، وهذا التقدير يعتبر مسألة موضوعية لا رقابة عليها من طرف المحكمة العليا ، هذا ما إستقر عليه قضائه (( متى كان من المقرر قانوا أن الإعتراف شأنه كشأن جميع عناصر الاثبات ، متروك لحرية تقدير القاضي ، فأنه لذلك لاينبغي تأسيس وجه للطعن بالنقض ، اعتمادا عليه ذلك أنه كغيره من وسائل الاثبات يخضع لتقدير سلطة قضاة الموضوع )).
    إذن فكل إعتراف يصدر من المتهم في الجلسة ويدون في محضر الجلسة فيعتبر المحضر حجة بصدور الاعتراض فعلا حتى يثبت العكس عن طريق الطعن بالتزوير ولقاضي الموضوع حرية تقدير الإعتراف ومن ثم سلطته في الاستناد عليه فللمحكمة متى اطمانت إلىإعتراف المتهم الماثل أمامها وتحققت من توافر جميع شروط صحته ، كان لها أن تستند إليه للحكم على المتهم بالإدانة ولو لم يكن قد حصل أمامها وإنما أمام سلطة التحقيق ، ولها ألا تلتفت الىعدول المتهم عن الاعتراض الذي سبق ان صدر منه
    وتعتمد على تلك الأقوال متى رات أنها صحيحة ، وصادقة حتى ولو اصر المتهم إنكاره أمام المحكمة فلهذه الأخيرة أن تأخذ بإعتراف المتهم قضائي كان ، ام غير قضائي ، غير ان هذه الأخيرمثله ما يكون واردا في محضر الضبطية القضائية ، متى اطمأنت لصدقه ومطابقته للحقيقة بشرط تعززه بأدلة إثبات أخرى كون مثل هذه الإعترافات مجرد استدلالات لايؤخذ بها الا على سبيل الاستئناس والاستدلال ، ومتى إطمأنت المحكمة إلىالإعتراف كان لها ان تستمد منه اقتناعها بالإدانة، بل وتستند إليه كدليل تبنى عليه الإدانة ، فقد تستعين المحكمة في تقديرها لقيمة الإعتراف بما قد يتوفر لديها من أدلة أخرى في الدعوى فإذا تحقق الأنسجام بينها كان ذلك أقرب يقين من صدق الإعتراف على أنه ليس هناك ما يقيد حرية القاضي في تقدير قيمة الإعتراف وفقا لمطلق إقتناعه إذ يخضع شأنه ، شان تقدير باقي الأدلة لمبدأ حرية إقتناع القاضي فله أن يأخذ بالإعتراف سواء عززته أدلة اخرى أو لم يكن هناك دليلا غيرها ، فليس في القانون ولا القضاء ما يمنع في الاستناد إلىالإعتراف وحده كدليل في الدعوى ، حتى ولو عدل المتهم عن إعترافه ولا يلتزم عندئذ الا أن يبن في حكمه سبب طرحه لعدول المتهم وانكاره في الجلسة ، كما لو إعتد بإعتراف المتهم ولو أنكره أمامه ، فمن باب أولى أن تأخذ بإعترافه أمامه ولو كان قد انكر في المراحل السابقة على المحكمة .
    وتجدر الاشارة في هذا الصدد أنه ثار جدل فقهي يدور حول ما إذا كان الإعتراف وحده يكفي بالحكم بالإدانةبحيث إختلف الفقهاء في هذا التساؤل فذهب رأي، إلىالقول بأن مجرد إعتراف المتهم لايكفي لإدانة المتهم الذي إعترف بما نسب إليه ، لأن الإعتراف هو بداية الاثبات ، إذ يستلزم تعزيزه بأدلة اثبات أخرى بإعتبار ان الإعتراف هو دليل ، أولي غير محسوس
    وذهب رأي آخر عكس الرأي الأول بان الإعتراف يكفي وحده كدليل إدانة ، لأن القول بخلاف ذلك يتعارض مع مبدأ حرية اقتناع القاضي بمعنى استبعاد دليل اقتنع به القاضي .
    فمن خلال هذين الرأين نستشق تأثر المشرع الجزائري بالرأي الأول حين اقر بان الإعتراف شأنه كشان أدلة الاثبات الاخرى يخضع تقدير قيمته لحرية القاضي ، هذا ما إستقر عليه قضاء المحكمة العليا في عدة قرارات غير أنه من المستقر عليه عمليا ان الإعتراف اصبح يكفي وحده لإدانة المتهم الذي اعترف على نفسه بإرتكاب الجريمة حيث بمجرد أن يعترف المتهم اثناء المحاكمة أمام القاضي ، فيصدر هذا الاخير حكمه بإدانة المتهم دون ان يتحقق من مطابقة هذا الإعتراف للحقيقة ، هذا وإذا أنكر المتهم أمام المحكمة على الرغم من إعترافه في المراحل السابقة عن المحاكمة سواء أمام وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق ، فان القاضي يجد نفسه أمام وضعية تنعدم فيها أدلة الاثبات الاخرى ، فيعتمد على إعتراف المتهم السابق عن جلسة المحاكمة ويستند إليه في حكمه بالإدانة، وان كان للاعتراق الوارد في محاضر النيابة أو محاضر التحقيق القضائي غير أنه يبقى خاضع لتقدير المحكمة ، فمن باب أولي أن يتحقق القاضي من توافر شروط صحة الإعتراف وصدقه ومطابقته للحقيقة لكي يكفي وحده للإدانة ، إذا لم تعززه أدلة إثبات أخرى .
    المطلب الثاني : حرية القاضي في استبعاد الإعتراف :
    للقاضي وهو يمارس سلطته في تقدير الإعتراف ، أن يستبعده من مجال الاثبات متى لم يطمئن إليه وعدم اطمئنان القاضي بقيمة الإعتراف الذي يطرحه ، متأتية أما من ضعفه في الدلالة على الحقيقة ، وعدم تعزيزه بأدلة أخرى أو أن الأدلة المعروضة في الجلسة تدحضه ، فللمحكمة كامل الحرية ان تستبعد دليل الإعتراف إذ لم تقتنع بصحته ومطابقته للحقيقة ، إذ يحدث عمليا ان يعترف المتهم كذبا بجريمة لم يرتكبها راغبا من خلال إعترافه تخليص الفاعل الحقيقي أو تجنب إتهام في جريمة أشد خطورة ، فمثل هذه الإعترافات لا يمكن ان تستند إليها المحكمة في إدانة المتهم ،وإنما يجب عليها ان تتحرى عن صحتها ومطابقتها للحقيقة ، كإجراء مطابقة بين موضوع الإعتراف وبين باقي الأدلة الاخرى المعروضة في الجلسة إضافة إلى تأكدها من صدور الإعتراف عن المتهم خلا مراحل التحقيق وفق اجراءات صحيحة خصوصا إذا انكر المتهم اثناءالجلسة وعدل عن إعترافه ، بحيث إذا كان الإعتراف ناتج عن اجراء باطل وقع باطلا ولا يجوز الاستناد إليه ، فقد يصدر الإعتراف نتيجة استجواب باطل ، كما هو الحال في محضر سماع عند الحضور الأول أمام قاضي التحقيق إذا لم يقم هذا الاخير بتنبيه المتهم إلىحقه في عدم الادلاء باي تصريح ، أو إدلاء المتهم بإعترافاته قبل توجيه التهمة المنسوبة له ، إذ يعد ذلك اجراء جوهري منصوص عليه في المادة 100 من ق.إ.ج تحت طائلة البطلأن
    وما يؤكد سلطة القاضي في استبعاد الإعتراف وعدم الاستناد إليه في اصدار الحكم بحيث يمكن له ان يبرئ متهم من التهمة المنسوبة إليه ، رغم إعترافه أمامه عملا بمبدأ الاقتناع القضائي هو ماقضتبه المحكمة العليا في إحدى قراراتها : " متى كان من المقرر قانونا ان الإعتراف شأنه كشأن جميع عناصر الاثبات متروك لحرية تقدير القاضي ، فأنه لذلك لا ينبغي تأسيس وجه للطعن بالنقض اعتمادا عليه ذلك أنه كغيره من وسائل الاثبات يخضع لتقدير سلطة قضاة الموضوع .
    وقد إكتفى على سبيل التعليل باقوال دفاع المتهم وقضى ببرائته هذا الأخير رغم إعترافه بالجريمة أمام المحكمة بالجريمة المنسوبة إليه "



    منقــول

    بالتوفيق



      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 01, 2024 4:21 am